علم المسيح

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل
الثامن

ملكوت
الله

 

كان
يسوع يكرز في الجليل قائلاً: “قد تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبو وآمنوا
بالإنجيل” (مر1: 15). وأعلن يسوع أن حكم الله الجديد قد أتى وأن قدرة الله
وسلطانه سيتجليان في مملكة الله الجديدة. لقد استخدم يسوع عبارة “ملكوت
الله” ليعبر عن حكم الله وملكه، وعن سيادة مملكته. وعندما صرخ يسوع بأن ملكوت
الله قد اقترب عنى أنه أصبح حاضراً (1)، وأن التوقعات القديمة قد تحققت بمجيئه.
فالله الذي كان يفعل في العالم منذ بدء الخليقة أصبح على وشك ممارسة حكمه بشكل
مختلف. فلم يترك الله للتاريخ أن يأخذ مجراه الطبيعي بل حركه وأكمل تاريخ الخلاص
بإرساله ابنه الوحيد إلى العالم.

 

إن
تعليم يسوع عن ملكوت الله يضعه على طرفي نقيض لبوحنا المعمدان وكل الجماعات
والحركات الدينية في اليهودية القديمة. فيوحنا كان يكرز بأن ملكوت الله، وهو يوم
الدينونة، سيأتي قريباً. أما الربابنة الأقدمون فاعتقدوا بأن الملكوت لن يكون في
هذا الدهر بل في الدهر الآتي. ولم يتصوروا أبداً أنه يمكن للدهران أن يتداخل، في
حين أعلن يسوع أن الدهر الآتي قد دخل في الدهر الحاضر. فملكوت الله
“أتى” و”سيأتي” في آن. وأنه “تحقق” و”سيتحقق”
وأن اللحظة الحاسمة قد أتت ولكن النهاية لم تأتِ بعد (2).

 

الصبغة
الآخروية في تعليم يسوع

كان
يسوع آخروياً أكثر منه رؤيوياً. إن الفكر الرؤيوي يتعاطى الشؤون المستقبلية دون
الماضي والحاضر في حين أن الفكر الآخروي يدخل في حسابه الماضي والحاضر والمستقبل.
فمع يسوع دخل الزمن المستقبلي وغدا الناس أمام تحدياته وصار عليهم أن يقرروا ما
سيفعلونه الآن في حياتهم الحاضرة. أما الراؤون اليهود (200 ق.م.- 200 ب.م.) فقد
صوروا المرحلة الأخيرة من التاريخ الحاضر. صوروها على أساس أن الله لن يتدخل في
الشؤون البشرية ولكنه سيظهر في النهاية مجده وقدرته وقضاءه على العالم. كان همهم
الأول توضيح الخطوط العريضة لأحداث وحساب المراحل التي تسبق النهاية. وشغلوا
أنفسهم بتحديد متى وكيف وماذا سيفعل الله ناسين أنهم بذلك يحدون من حرية الله
وقدرته.

 

أما
يسوع فلم يحدد أبداً موعداً لنهاية العالم بل أنكر معرفته “بذلك اليوم وتلك الساعة”
(مر13: 32)، مع يقينه بأن ذلك اليوم آتٍ حتماً. وكتهيئة لذلك الحدث الأخير علم
يسوع “الفضائل الآخروية”، حاثاً الناس على الاستعداد الدائم واليقظة،
وأن يتجلوا بالصبر والثقة مؤكداً على أن الإنسان سيبقى حتى بعد مجيئه مسؤولاً عن
الأعمال التي يفعلها في هذا العالم.

 

الفكر
الرؤيوي حتمي الطابع. فيه المستقبل غير مرتبط بالحاضر بل يقتحمه اقتحاماً. ولم يكن
في هذا الفكر مكان لإيمان الإنسان ولا لتوبته وهما العلامتان الدالتان إلى استجابة
الإنسان لإعلان الملكوت. ويختلف الراؤون في رسمهم للأحداث المستقبلية اختلافاً
جذرياً عن أنبياء العهد القديم. فالنبي، عندما كان يتنبأ. كان يأخذ بعين الاعتبار
حالة إسرائيل الحاضرة والعهد الذي قطعه لشعبه. وكانت النبوءة ترتبط عادةً بسلوك
الإنسان وتصرفاته. مثلاً كلام الرب إلى ارميا: “أما استطيع أن أصنع بكم كهذا
الخزاف يا آل إسرائيل يقول الرب، هوذا مثل الطين في يد الخزاف مثلكم في يدي يا آل
إسرائيل، إني بغتة أتكلم على أمة وعلى مملكة لأقلع وأهدم وأهلك فإن رجعت تلك الأمة
عن شرها الذي من أجله تكلمت عليها فإني أندم على الشر الذي فكرت في صنعه بها”
(ارميا18: 5-6). هنا يظهر إله ارميا النبي إلهاً حياً وشخصياً يهتم بكل الناس
والأمم.

 

تحقق
ملكوت الله بمجيء ابن الإنسان. إنه هو الملكوت حسب تعبير اوريجنس (
autobasileia). وعندما أرسل يوحنا المعمدان تلميذيه ليسألا يسوع: “أنت
الآتي أم ننتظر”، أجاب يسوع: اذهب وأعلما يوحنا بما سمعتم ورأيتما:
“العميان يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون
والمساكين يبشرون” (متى 11: 3-5). وعندما سأله تلميذا يوحنا عما إذا كان هو
ماسيا المنتظر كان جوابه أن ملكوت الله قد أتى وهذا الملكوت هو الحقيقة الحاضرة.
الجواب بحد ذاته يدل على تحقيق وعود الله ويشير إلى أن ملكوت الله قد أتى. طردت
الشياطين إذ “قد اقترب منكم ملكوت الله” (لو11: 20).

 

في
الوقت نفسه نجد إشارات أكيدة إلى أن ملكوت مستقبلي. أكثر هذه الإشارات وضوحاً ما
ورد في صلاة يسوع: “ليأت ملكوتك” (متى6: 10، لو11: 20). ولكن كيف يمكن
التوفيق بين هذا الملكوت والملكوت الذي أتى بمجيء يسوع. في مجيئه الأول أخذ يسوع
صفة عبد وبدأ ملكوت الله في الظلمة، ولكن في النهاية عند المجيء الثاني سيظهر ابن
الإنسان وملكوته في كامل المجد والقدرة.

 

ولن
يبقى شيئاً مخفياً بل سيعلن كل شيء وسيتضح للجميع سر يسوع وسر ملكوته ولن تكون
هنالك ظلمة في الإعلان الإلهي الأخير. وابن الإنسان الذي أتى هو نفس ابن الإنسان
الذي سيأتي وهنالك ارتباط عضوي بين الملكوت الحاضر والملكوت الآتي. وقوى الدهر
الآتي تفعل منذ الآن في الدهر الحاضر والتفاوت الظاهر بين المجيئين ليس توتراً
فكرياً بل تاريخي. فابن الإنسان هو في حضوريه بيد أن عمله سيكتمل في المجيء الثاني
ويصبح واضحاً للجميع. وهذه هي قاعدة الفكر الآخروي في العهد الجديد.

 

لقد
قامت عدة محاولات لتفسير التضاد الظاهر في تعليم يسوع حول الملكوت منها نظريتان
متطرفتان تزيلان كل “توتر” بين الحاضر والمستقبل. النظرة الأولى تعبر عنها
نظرية “الآخروية المحققة” (بضم الميم وفتح القاف). والثانية توضحها
نظرية “الآخروية المستقبلية”. أصحاب النظرية الأولى يعتقدون أن الملكوت
قد تحقق بيسوع وخدمته ولا يوجد ما نتوقعه في المستقبل. أما القائلون بالنظرية
الثانية فيغالون في التشديد على أهمية الإعلان الجديد الذي سيتم أثناء الحضور
الثاني (
Parousia)، ويزعمون أن خدمة يسوع لم تحقق شيئاً. يوجد قاسم مشترك بين
النظريتين وهو الفصل التام بين الحاضر والمستقبل وبين الملكوت
“التاريخي” والملكوت “الكوني”، ولكن واحدة منها لا تعبر وتنقل
تعليم يسوع حول ملكوت الله.

 

نجد
في الأناجيل آخروية تحققت وآخروية مستقبلية. فالحياة الأبدية، وهي نوع جديد من
الحياة، يمكن عيشها الآن (يو3: 36، 5: 24، 6: 47و54). وفي الوقت الذي يشدد فيه
يوحنا على أن يسوع قد أتى بالملكوت نجده يظهر أن الملكوت يستلقي في المستقبل.
وستكون الدينونة الأخيرة خاتمة لعمل يسوع: “تأتي ساعة يسمع فيها جميع من في
القبور صوت ابن الله فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا
السيئات إلى قيامة الدينونة” (يو5: 28-29). وكذلك يظهر هذا النوع من الآخروية
في الخطاب الوداعي ليسوع: “أنا أمضي لأعد لكم مكان، وإن مضيت وأعددت لكم
مكاناً آتى وآخذكم إلى” (يو14: 2-3).

 

الذين
يقولون بأن التعليم الإنجيلي عن الملكوت هو بمثابة “آخروية ابتدأ
تحقيقها” (3) (
inaugurated
eschatology
) هم فقط الذين أخذوا بعين
الاعتبار الصعوبة الكامنة في النص الإنجيلي بهذا الشأن والتضاد الموجود بين “ما
أتى” و”الآتي”.

 

هذان
المفهومان للملكوت مختلفان لكنهما لم يكونا يوماً منفصلين. فالإيمان بأن المسيح قد
غلب، وبأن الحياة الجديدة فيه معطاة بالأسرار في الكنيسة ينزع عن المسيحيين كل
شعور بالقلق تجاه المستقبل ويعطيهم الصبر والثقة لانتظار المستقبل.

 

الملكوت
كما تكشفه الأمثال

نجد
تعليم يسوع عن الملكوت في عدد من أمثاله (4). “يشبه ملكوت السموات حبة خردل
أخذها رجل وزرعها في حقله. فإنها أصغر الحبوب كله، فإذا نمت صارت أكبر من جميع
البقول ثم تصير شجرة” (متى13: 31). لا تتحدث أمثال يسوع عن نمو الملكوت كتطور
طبيعي ونمو ذاتي وتغيير سحري بل تؤكد أنه نمو عجائبي وتحول يحصل بقدرة الله
وبهديه. وكما أن الإنسان عاجز عن اجتلاب ملكوت الله الحاضر إلى الوجود كذلك لا
يمكنه تجاه ملكوت المستقبل إلا الصلاة والرغبة في الدخول فيه وأن يهيئ نفسه لأجل
ذلك.

 

تدعو
أمثال يسوع المتعلقة بالملكوت إلى التوبة التي عبر عنها يسوع في بدء خدمته
الخلاصية (مر1: 15). كثيرون سمعوا أمثاله لكن قلة قبلت دعوتها. قال يسوع لتلاميذه
الاثني عشر: “قد أعطيتم معرفة سر ملكوت الله وأم أولئك الذي في الخارج فكل
شيء لهم بأمثال لكي ينظروا نظر ولا يرون ويسمعوا سمع ولا يفهموا لئلا يتوبوا فتغفر
لهم زلاتهم” (مر4: 11- 12). هذه الآية صعبة التفسير، لذلك لم يشك إلا القليل
من النقاد بصحتها. ويبدو للوهلة الأولى أن يسوع استعمل هذا الشكل من الأمثال ليخفي
مضمون رسالته عن “الذين في الخارج”. لكن تعليم يسوع لم يكن أبداً سرياً
أي أنه لن يعط “معرفة سرية” كالغنوصيين بل درب تلاميذه وعلمهم وأعطاهم
بأقواله وأفعاله “سر ملكوت الله”. وهذا وحده كاف لتعريفهم أن نهاية
الأزمنة حلت عليهم. “سر” الملكوت لم يبق محصوراً بقلة من المختارين بل
أعلنه يسوع لتلاميذه ومن خلالهم إلى الشعب الإسرائيلي كله. إن المثل بالنسبة للذين
هم في الداخل مع يسوع واستجابوا لندائه بالتوبة (
Metanoia)
إعلان “لسر ملكوت الله”. أما بالنسبة للذين هم “في الخارج”
فالأمثال ألغاز وأحاج وليست إعلاناً بأن الملكوت قد أتى. وكلمة مثل في العبرية
والآرامية يمكن ترجمتها “بأحجية” (5). أما استشهاد يسوع بقول أشعيا
“اذهب وقل لهذا الشعب ستسمعون سمع ولا تفهمون، وتنظرون نظر ولا تبصرون”
(6: 9) لا يعني أن الأمثال قد أعطيت لتغلق أعين الناس ولا لتقودهم إلى الدينونة
إنما لتظهر المسؤولية الملقاة على عاتقهم من جراء رفضهم قبول الرسالة التي تتضمنها
الأمثال. سيعاقب الأشرار من أجل نمط حياتهم، هذا ما حذر منه أشعيا. الله لا يريد
أن يكون الناس أشرار، ولكنه لسابق عمله بما سيكونون عليه حذرهم بلسان النبي. هذه
الجملة من أشعيا هي الأسلوب المميز في العبرية للتعبير بصيغة الأمر عن نتيجة رسالة
النبي (6). ومهمة أشعيا كانت فتح عيون الشعب الإسرائيلي ليروا الأعمال التي صنعها
الله نيابة عنهم. الهدف من الأمثال كان نفسه والنتيجة كانت متشابهة. فعندما قال
يسوع: “توبو وآمنوا بالإنجيل”، لم يستجب له الشعب. وعلى الذي يريد أن
يكشف له “سر ملكوت الله” أن يرفض الانتماء إلى “الذين في
الخارج” وأن يتعلم بالتوبة والإيمان أنه حيث يكون يسوع فهنالك يكون الملكوت.

 

تشير
الأمثال إلى يسوع على أنه الماسيا. أما الصور التي استخدمها يسوع في أمثال الملكوت
فهي ليست مجرد لوحات عن الحياة اليومية في فلسطين. صحيح أنه رأى الشعب يزرع ويحصد
ولكن هذه الصور موجودة أيضاً في أسفار العهد القديم بعين الاعتبار (7).

 

لقد
استخدمت الأمثال لغرض ماسياني لتعلن أن كل ما كان متوقعاً تحقق في أقوال يسوع
وأفعاله. أن نفهم مثلاً يعني أن نتعرف على ماسيا المنتظر في يسوع الناصري.

 

الملكوت
كما تكشفه العجائب

وكما
أعطي تعليم يسوع في أمثاله، كذلك أعطي في عجائبه. فطرده للشياطين شهد على أن ملكوت
الله قد حضر (لو11: 20، متى 12: 18) وأن قوة الشيطان قد خضعت دون أن يقضي عليها
كلي، وأنه بالرغم من اعتراف الشياطين بالهزيمة (مر1: 24) ظلت على مقاومتها ليسوع
(مر5: 1-20 وما يوازيها). لقد غزا الله مملكة الشياطين ولكن القوة الشيطانية لم
تستسلم بل تطلعت إلى ضحايا جديدة، إذ أن كراهيتها ليست موجهة ضد الإنسان فقط بل ضد
كل شيء مخلوق من الله. ففي عجائب طرد الأرواح الشريرة نجد صراعاً بين قوى الشيطان
وقوة الدهر الآتي.

 

ولا
تتضمن بعض العجائب الواردة في الروايات الإنجيلية والمتعلقة بشفاء الأمراض الجسدية
عنصر الصراع بين قوة متضادة، ومع ذلك فكل واحدة منها رمز للملكوت وإعلان عنه. ولم
تكن عجائب الشفاء أمثلة للإيمان الشافي ولا نتيجة لانتصار العقل على الجسد، ولا
نتيجة لقوة سحرية (8)، بل اجترحها يسوع على أساس طاعته الكاملة للآب واتحاده به. لذلك
فهي أيضاً تظهر الملكوت وتدل على أن الله ليس غائباً عن العالم الذي خلقه ولا عن
الإنسان نفسه.

 

كانت
المعجزات كالأمثال تدعو إلى التوبة. “الويل لك يا كوزين، الويل لك يا بيت
صيدا لأنه لو صنع في صور وصيدا ما صنع فيكما من القوات لتابتا من قديم بالمسوح
والرماد … وأنت يا كفرناحوم ولو ارتفعت إلى السماء فإنه يهبط بك إلى الجحيم لأنه
لو صنع في سدوم ما صنع فيك من القوات لثبتت إلى اليوم” (متى11: 20-24). وهذه
الأعمال الخارقة (
Dynameis) ليست عجائب (Terata) بل علامات (Semeia) للملكوت ولأعمال (erga) يسوع (9). ولم يفعل يسوع العجائب ليرضي فضول الناس ويثير إعجابهم
ولكن لكي يستجيبوا لدعوته بالتوبة، تلك التوبة التي تؤدي إلى تغيير داخلي يشمل
الذهن والقلب ويترجم في نمط حياتي جديد موجه إلى إتباع يسوع وقبول مصيره
الماسياني.

 

أشار
يسوع إلى عجائبه فقال: “هذه الأعمال عينها التي أعملها تشهد لي بأن الآب قد
أرسلني” (يو5: 36). وقال أيضاً: “لكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من
خرافي” (يو10: 26).

 

وبكشف
العجائب عن هوية يسوع أظهرت الملكوت الذي دشنه بمجيئه وقد مجدت يسوع لا كفاعل
للمعجزات بل كحامل للملكوت.

 

تخبرنا
العجائب بطريقة ملموسة أن زمان الوعد قد انقضى وأن العصر الماسياني قد حضر. وتؤكد
أعمال الشفاء التي اجترحها يسوع وخاصة في أيام السبوت على الطابع الآخروي للعجائب
(مر1: 21-27، 29-31، 3: 1-5، لو13: 10-16، يو 5: 2-6، 16-18، 9: 13 …). وبقيامه
بتلك الأعمال في السبت أكد يسوع صلاحياته الإلهية وربط هذه العجائب بالقيامة.

 

“ها
أنا أخرج الشياطين وأجري الشفاء واليوم وغد وفي اليوم الثالث أكمل”(لو13:
32)(10). فقيامته حققت ما كان ملمحاً به في عجائبه أعني انتصار الحياة على الموت.
لذلك نستطيع فقط في ضوء القيامة أن نفهم بعمق تعليمه من خلال العجائب أن ملكوت الله
قد أتى فعلاً.

 

الملكوت
والكنيسة

ما
هي العلاقة القائمة بين الملكوت الذي تحقق بيسوع وبين الكنيسة التي ظهرت يوم
العنصرة؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الإجابة عن السؤال الهام التالي: هل أسس
يسوع الكنيسة، أم هي جاءت نتيجة غير متوقعة لرسالته؟

 

عندما
نتكلم عن مصدر الكنيسة وخلقها فلا يخطرن لنا أن عملاً واحداً من أعمال يسوع قد أتى
بها فجأة إلى حيز الوجود، لأن الأناجيل تعطينا صورة مختلفة. فما دونته من أعمال
يسوع وأقواله يدل على أنه كان يصبو إلى تأسيس الكنيسة. إذ حالما بدأ عمله الخلاصي،
بعد المعمودية والتجربة على الجبل، جمع حوله الاثني عشر الذين اصطفاهم لإعلان
أسرار الملكوت. واختياره هذا العدد بالتحديد لم يكن عبثاً لأن في إسرائيل كان يوجد
اثنا عشر سبطاً. وهذا يعني أولاً أن تلك الأسباط تخصه. وقد يفهم البعض أيضاً من
هذا الاختيار أن يسوع كان في وده أن تقتصر البشارة على إسرائيل فقط. لكن هذا
التفسير لا يتطابق مع ما ورد في الأناجيل. ففي أيام يسوع كانت الأمة اليهودية
تتألف من سبطين وثلاثة فقط وليس من اثني عشر سبطاً (11). فيكون اختيار يسوع للاثني
عشر لا يتعلق بإسرائيل المعاصر له بل هو علامة نبوية تشير إلى أن إسرائيل الجديد الآخروي
أي إلى الكنيسة التي تشارك في الملكوت وتنتمي إليه.

 

وتشير
كذلك إلى أن ماسيا كان موجود، وأنه ألف جماعة خاصة به وهي جماعة ماسيانية. لم يأت
يسوع ليعيش حياة العزلة والانفراد بل ليفتتح ملكوت الله و”يدعو الاثني
عشر” (مر3: 14) الذين سيدعون بدورهم الشعب الإسرائيلي والأمم كافة ليتقبلوا
مواهب الملكوت. لم يختر يسوع الاثني عشر، هذا “القطيع الصغير” ليكونوا
في عزلة كما كان الأسانيون، بل “ليتلمذوا كل الأمم” (متى28: 19)،
ويشكلوا جماعة ماسيانية على رأسها ماسيا بالذات.

 

كان
اختيار الاثني عشر تلميذاً عملاً فريداً أن في العهد الجديد والقدين. فإيليا
تنفيذاً لأمر الرب، مسح اليشع “ليكون نبياً مكانه” (1ملوك19: 15 …).
ويوحنا اصطفى تلاميذ له ولكنه لم يفكر إطلاقاً بجعلهم جماعة خاصة به، بل كان يتوقع
منهم أن يعودوا إلى أعمالهم السابقة (لو3: 10-14). إذن لا يوجد دليل واضح على أن
يوحن وغيره من القادة قد اختار تلاميذاً بالطريقة نفسها التي اصطفى بها يسوع
تلاميذه (12).

 

واللقب
الخاص “ابن الإنسان” الذي أطلقه يسوع على نفسه كان القصد منه تأسيس
كنيسة تحمل رسالته عبر العصور. هذا اللقب يشمل عمل يسوع في ناحيتيه الجماعية
والفردية ويشير إلى أصل وسر الجماعة الآخروية المتجذرة في العالم السماوي. وقد
“نمت” الكنيسة انطلاقاً من علاقة المسيح بعائلته (مر3: 31-35 وما
يوازيها). وعائلة يسوع هي الجماعة المجتمعة باسمه أي الكنيسة. وكل الصور التي
أعطاها السيد عن تلاميذه مثل “القطيع الصغير” و”ملح الأرض”
و”نور العالم” تدل على أن جماعة آخروية ستوجد.

 

يؤكد
النقاد المتطرفون على أن المسيح لم يؤسس الكنيسة وأنها لم تكن أبداً أحد أهدافه.
لكن جواب يسوع لبطرس بعد الاعتراف به يؤكد على أن يسوع كان يريد تأسيس كنيسة:
“أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”
(متى16: 18) (13). وقد وعد يسوع بأنه سيوجد شعباً جديداً لله، وإسرائيل الجديدة،
وذرية مختارة وأمة مقدسة (1بطرس2: 9). شعب الله هذا هو الكنيسة (
ekklesia) أي جسد المسيح ومكان حضور الله.

 

كذلك
الكلمات التي فاه بها يسوع في العشاء الأخير تدل بوضوح على أن فكرة الكنيسة كانت
حاضرة في ذهنه. وكان حضور يسوع عند تأسيس سر الشكر بحالتين: منظورة وسرية، إذ كان
“مع” التلاميذ و”في” داخلهم. وأما الفصح القديم الذي كان يعيد
(بضم الياء وتشديد الياء وفتحها) له كذكرى للخروج فغدا فصحاً جديداً يعيد فيه
لذكرى يسوع (14). وما تأسيس سر الشكر إلا لأن يسوع أراد أن يكون حاضراً مع تلاميذه
وأن يبقى معهم “إلى انقضاء الدهر”. فلو كان يظن بأن النهاية أصبحت وشيكة
لما كان بحاجة إلى تأسيس سر الشكر ما دام لن يكون للكنيسة متسع من الوقت للعيش في
التاريخ.

 

لقد
افتتح يسوع الملكوت وأسس الكنيسة. وتشير الشواهد الإنجيلية على أنه توقع أن يبشر
(بفتح الشين) بالإنجيل بعد موته وقيامته (15)، وأن قوة ملكوت الله التي انبعثت من
أقواله وأعماله ستبقى فاعلة في الكرازة الإنجيلية وأسرار الكنيسة، وأن ملكوت الله
سيكون حاضراً بطريقة جديدة خلال الفترة الزمنية الممتدة بين العنصرة والمجيء
الثاني. والكنيسة لا تؤلف بعد ملكوت المجد لكنها الجماعة الآخروية التي تعيش مرحلة
الوصول إلى هذا الملكوت.

 

فالكنيسة
تشارك منذ الآن في الدهر الآتي وتختبر مجد الملكوت في الوقت الذي تتوقع فيه مجيء
هذا الملكوت. ستثبت الكنيسة حتى مجيء الملكوت و”قوات الجحيم لن تقوى
عليها” (متى16: 18).

 

في
هذه الكنيسة التي هي ملك المسيح القائم من بين الأموات كتبت الأناجيل وحفظت صورة
المسيح ونقلت عبر الأجيال ولا نزال نسترشد فيها بأقواله وأفعاله.

——————

 

حواشي
الفصل الثامن

(1)
يستعمل مرقس الإنجيلي في 1: 15، الفعل اليوناني
eggizo
في الماضي الذي يمكن أن يعني (
eggiken) شيئين: “اقترب” و”حضر”. فعندما أعلن يسوع عن
مجيء الملكوت هل قصد أن ملكوته لم يأتِ بعد، بل هو قريب جد، أم قصد أن مجيئه هو قد
حقق الملكوت؟ فيكون تحليل الفعل اليوناني بدون جدوى، “لأنه يحمل
المعنيين”. فالطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي في تفسير هذا المقطع من
(مرقس1: 15) على ضوء تعليم يسوع بمجمله. راجع بهذا الصدد:

 

Francis Wright Beare، op. Citpp.44-45.

 

أم،
في متى 11: 4- 5 مثل، فنجد أن الملكوت حاضر في الزمان وأنه يرتبط بشخص يسوع، إذ لم
يستعمل متى عبارة “ملكوت الله” ولا الفعل
eggizo
.

 

مثل
آخر نجده عند لوقا (11: 20) حيث يرد استعمال عبارة “ملكوت الله”.
“وأما إذا كنت باصبع الله أطرد الشياطين، فملكوت الله أقبل عليكم”.

 

أما
متى فقد استبدل في المقطع الموازي في إنجيله (12: 18) عبارة “إصبع الله”
التي تعني في (خروج 8: 19) قوة الله، بعبارة “روح الله”. ولكن استخدم
متى ولوقا للفعل اليوناني
phthano
(ephthasen
)، الذي يعني
“أقبل” و”وصل”، ولا يتحمل أي تأويل آخر، يوضح أن ملكوت الله
لا يتعلق فقط بالمستقبل بل هو حاضر الآن وهنا. ولا بد من الإشارة أن جميع النقاد
يعتبرون هذين القولين في متى 11: 4- 5 ولوقا 11: 20 (متى 12: 28)، أصيلين .

 

راجع:

Xavier Leon Dufour: The
Gospel and the Jesus of History
،
London، W.Collins Sons، 1968،
p.230.

 

يورد
متى أن يوحنا المعمدان كان يبشر بأن “ملكوت السماوات” قد
“اقترب” (متى 3: 2). فعبارة “ملكوت السماوات” لها نفس مدلول
عبارة “ملكوت الله”، لكن بما أن متى يتوجه بإنجيله إلى المسيحيين من أصل
يهودي، فقد تحاشى استعمال كلمة “الله”. في تدوينه لكرازة المعمدان،
استخدم متى الفعل نفسه
eggiken الذي استعمل للتعبير عن تعلي يسوع في (متى 4: 17) و(مرقس 1: 15).
بالرغم من استعمال الفعل نفسه بالنسبة إلى يوحنا ويسوع، فإن المعنى يختلف بين
النصوص، إذ أن قصد يوحنا في قوله أن ملكوت الله وملكوت السماوات قد
“اقترب” يعني أنه لم يأت بعد ولكنه سيأتي قريباً. هذا التفسير ينبثق من
تعليم يوحنا كما ورد في الأناجيل.

 

(2)
راجع:

Oscar Cullmann: Christ
and Time
، 3rd edLondon، SCM Press، 1962.

 

يقول
كولمان أن زمن الخلاص، بالنسبة للمؤمنين لم يعد في المستقبل، لأن مجئ المسيح أدخل
ترتيباً جديداً للزمن. فالنهاية لم تأت بعد، لكن قوة العالم الآتي تفعل منذ الآن
في هذا العالم. فالرجاء المسيحي بالمستقبل يمكن دعمه بالإيمان بالماضي. لقد ربحت
(بضم الراء) المعركة الحاسمة، ولا يوجد أي مجال للشك بالنتيجة النهائية، غير أن
معاهدة السلام لم توقع بعد. وبالتالي تبقى الصور عن العلاقة القائمة بين ملكوت
الله المحقق وبين الملكوت الذي ما يزال ينتهي إلى المستقبل.

 

(3)
الأب جورج فلورفسكي هو الذي استعمل لأول مرة عبارة “أخروية ابتدأ تحقيقها
” (
inaugurated eschatology)

راجع:

C.H. Dodd: The
Interpretation of the Fourtn Gospel
، Cambridge، Cambridge
University Press
، 1953، p.447، fn 1.

 

(4)
عرف فن الأمثال واستخدم قبل يسوع. ويورد العهد القديم بعض الأمثال في (2 صموئيل
12: 1- 4، 1ملوك 20: 35- 42، أشعياء 5: 1- 7). أما يسوع فقد أوصل هذا الفن إلى
الكمال، وقد اختلفت مواضيع أمثاله عن مواضيع سابقيه، كما أنه حصر هذه المواضيع حول
شخصه وأراد من خلالها جلب الناس إليه وحثهم على مواجهة تحديه بطريقة إيجابية. لا
يقصد من الأمثال أبداً تسلية الناس بل إعلان ملكوت الله، بشأن م، وقد أعلن يسوع،
من خلال أمثاله طبيعة الملكوت.

 

(5)
الكلمة العبرية (
mashal) والكلمة الآرامية (mathla) الموازيتان لكلمة “مثل” يمكن أن تعنيا أيضاً لغز
ورمزاً. لذلك نستطيع تفسير الآية القائلة “إن كل الذي في الخارج أعطي لهم كل
شيء بالأمثال”، بأن كل شيء “أعطي لهم بالألغاز”. راجع:

 

Joachim Jeremias: The
Parables of Jesus
، New York، Charles
Scribner’s Sons
، 1963، p. 20.

 

المثل
ليس بالضرورة استعارة ورمز، لأن الاستعارة تشير إلى نقاط عديدة، وهذا ما يضفي عادة
عليها صفة اصطناعية بينما المثل يؤكد على نقطة واحدة. لكن لا نستطيع دائماً
التمييز بوضوح في الأناجيل بين المثل والاستعارة، لأن بعض أمثال يسوع تحمل صوراً
استعارية. هذه هي الحال مع مثل الكرامين الأشرار(مرقس12: 1-12)، الذي يعرض كل
تاريخ الخلاص، واضعاً يسوع في محوره.

 

ليس
من الضرورة اعتبار هذا النوع من الاستعارة من صنع الكنيسة التي تكون قد حورت مثلاً
بسيطاً من أمثال يسوع، إذ أنه يوجد نشيد رمزي عن الكرمة في سفر اشعيا (5: 1-7)،
ولربما يكون يسوع قد فكر بهذه السابقة عندما وضع مثله. قاوم النقد الحديث التفسير
الرمزي للأمثال الذي أكثر منه المفسرون القدامى أمثال أوريجنس وأوغسطين. نجد
مثالاً جيداً على هذا الإفراط في التفسير، في شرح أوغسطين لمثل السامري الشفوق،
حيث كل جملة لا بل كل كلمة عنت له شيئاً مختلفاً عن المعنى الظاهر. راجع:

 

C.H. Dodd: The Parables
of Kingdom
، rev. ed
New York، Charles
Scribner’s Sons
، 1951، pp. 1-2.

 

انتقد
اودولف جوليخر، الذي نشر كتاباً سنة 1898 عن الأمثال، بشدة هذا التفسير الرمزي،
وقد أيده الكثيرون في هذ، ولكن جوليخر ومؤيدوه تطرفوا في انتقادهم عندما رفضوا كل
أنواع التفسير الرمزي، إذ لا تخلوا أمثال يسوع كلياً من العناصر الرمزية.

 

يعتبر
جرمياس، من حيث المبد، في كتابه القيم عن أمثال يسوع، أن العناصر الرمزية فيه، لها
قيمة ثانوية. وعلى الناقد أن يحدد هذه العناصر ويضعها جانباً للوصول إلى المعنى
“الأصيل” للمثل.

 

لكن
ريزنفلد أشار إلى نواقص كتاب جرمياس في مقال له بعنوان:

 

The Parable in the
Synoptic and in the Johannine Traditions
، ” The Gospel Tradition”، pp. 148 ff.

 

غالباً
أنه لم يكن يوجد فرق واضح بين “المثل” و”الاستعارة” في زمن يسوع.
قيل أن المثل يتميز ببساطة الأفكار الواردة فيه والاستعارة بتعقيد الأفكار الواردة
فيها. ولكن الأبحاث التاريخية النقدية لم تعتبر الأمثال البسيطة كما كان يظن
سابقاً (ص149).

 

لقد
تذكر الناس أمثال يسوع واستعملوه وكيفوها وفق الوضع الجديد الذي حدث بعد موته وقيامته.
لا شك في أن بعض التغيرات قد وقعت أثناء نقل الأمثال وتطبيقها على ظروف جديدة
ومستمعين جدد. ولكنه من الصعب تحوير قصة موفقة. كل ما يمكن حدوثه، إذ كثر تداوله،
هو إضافة بعض العناصر الجديدة عليها وهذه يمكن تحديدها. يقول وليدر، “إن قصة
تستعمل بنجاح الصور الرمزية غير قابلة للتغيير، لأنه لا يوجد إلا طريقة واحدة
لقولها كما هو الحال في الشعر”. راجع:

 

Amos Wilder: The
Language of the Gospel: Early Christian Rhetoric
، New York، Harper and Row، 1964،
p. 90.

 

(6)
راجع:

 

E.F. Sutcliffe: The
Monks of Qumran
، London، Burns and Oates، 1960،
p 73.

 

Vincent Taylor: The
Gospel According to St. Mark
،
London، Macmillan Co1959،
p. 256.

 

 (7)
راجع:

 

E. Hoskyns and N.
Davey: The Riddle of the New Testament
، pp. 130-133

 

يورد
الكاتبان مقاطع عديدة من العهد القديم استعملت فيها استعارات الزرع والحصاد. أهم
هذه المقاطع هي الآتية: ارميا 13: 27، هوشع 2: 12-23، اشعيا 55: 10، يوئيل 3: 12
ومزامير 126: 5.

 

“هناك
أمثال أخرى تظهر الدقة في اختيار التشبيه والاستعارة. ويوجد شبه بين الأمثال
المتعلقة بالأعراس وانتظار العذارى للعروس، الذي يرمز إليه بإنزال المن في
الصحراء” (ص132).

 

(8)
الإيمان ليس سبباً للشفاء بل شرطاً له. تظهر الأعجوبة في الأناجيل كمكافأة على
الإيمان. فالمسيح لم يجترح العجائب أمام قليلي الإيمان، الذين لا يدركون معناها
الحقيقي(مرقس6: 1-6). بيد أن قلة الإيمان لم توقف عمله في “تخفيف
المصائب” كما يعلق بوباير في تفسيره لمرقس 6: 5-6. لم يكن يسوع يمارس الشفاء
بواسطة الإيمان غير أن “عدم الإيمان قد يعرقل إنجيل الله”. لم يستطع أن
يفعل في وطنه، “أعمالاً عظيمة” سوى أنه وضع يده على بعض المرضى فشفاهم.
“وكان يتعجب من قلة إيمانهم” (مرقس 6: 5-6). راجع:

 

G.H. Boobyer and
others: The Miracles and the Resurrection
، London، SPCK، 1964،
p، 56.

 

(9)
استعمل يسوع كلمة (
ergon) أي “عمل” لوصف عجائبه في الإنجيل الرابع، ولكن يوحنا
الإنجيلي استخدم كلمة
semeion و”علامة”. أما في الأناجيل السينابتية فاستعمل يسوع
والإنجيليون اللفظة نفسه وهي
dynamis أي “القوات”. في استخدام يسوع للفظة “عمل” (erga) لوصف عجائبه، ربط عمله الخلاصي الذي وصفه يوحنا الإنجيلي بأنه هو
أيضاً “عمل” (
to ergon)، بأعمال الآب في خلق العالم وفي تاريخ الخلاص. راجع:

 

A.M. Hunter، p.70.

 

(10)
كان الربابنة يقبلون، زمن يسوع، ممارسة بعض الأعمال يوم السبت شرط أن تكون هذه
الأعمال ناتجة عن وضع قاهر. لكن لا توجد إشارات كافية في رواية مرقس (3: 1-6)،
للتأكيد أنه كان ضرورياً إجراء هذا الشفاء يوم ذاك وأنه لم يكن ممكناً تأجيله.
فعندما دخل يسوع المجمع، “وجد رجل، يده يابسة” وكان هناك جماعة من
الكتبة والفريسيين “يراقبون ليروا هل يشفيه في السبت،فيتهموه”. كذلك في
حادثة شفاء الإمرأة “التي فيها روح شرير”،غضب رئيس المجمع “لأن
يسوع شفي المرأة في السبت وقال للجمع: عندكم ستة أيام ينبغي العمل فيه، فتعالو
واستشفو، وليس في يوم السبت” (لوقا13: 14).

 

(11)
راجع:

 

C.F.D. Moule: The
Phenomenon of the New Testament
،
p. 69.

 

 (12)
راجع:

 

Charles H.H. Scobie:
John The Baptist
، Philadelphia، Fortress، 1964،
Charpter 8: “Disciples of
John
“.

 

فيما
يتعلق بالطريقة الفريدة التي دعى فيها يسوع تلاميذه، انظر:

 

J.W. Bowman: “The
Life and Teaching of Jesus” In Peake’s Commentary on the Bible
، 1962،
p. 737.

 

 (13)
حول المشكلة المتعلقة بتفسير متى 16: 17-19، راجع:

 

Veselin Kesich:
“The Problem of Peter’s Primacy” in St. Valdimir’s Seminary Quarterly
، 4: 2،
3، 1960، pp. 2-25.

 

(14)
في روايتين من أصل الروايات الأربعة عن تأسيس سر الشكر، يقول يسوع: “اصنعوا
هذا لذكري” (لوقا22: 20، 1كور 11: 24-25). هذا يعني أنه يأمر بتكرار
الأفخارستيا في الفترة التي ستلي موته وقيامته.

 

فمع
أن مرقس ومتى لا يوردان هذه الكلمات، فإنهما يشهدان أيض، بطريقة أخرى، أن يسوع
أراد أن تعاش الأفخارستيا في الكنيسة. قال يسوع: “هذا هو دمي الذي للعهد
الجديد، الذي يهرق من أجل كثيرين” (مرقس14: 24 ومتى26: 28). “من أجل
كثيرين”، تعبير سامي يعني “الكل” أي لعدد كبير من الناس، لا نستطيع
إحصاءه. ويعني أن يسوع شمل في تفكيره اليهود والأمم. هذا كله يعني أن سر الشكر
يعطي خلاصاً للعالمين وأن يسوع وضع نصب عينيه الكنيسة عندما تفوه بتلك الكلمات

 

(15)
أعطى يسوع الرسل قوة الكرازة وطرد الشياطين وشفاء المرضى (مرقس6: 12-13) ووعدهم أن
هذه القوات لن تتزعزع بعد الصلب. لا نستطيع فهم تعليم الموعظة على الجبل والتي تضم
بعض المتطلبات المناقبية، إلا إذا اعتبرنا أن هذه التعاليم يجب أن تعاش بعد الصلب.
فأقوال يسوع المجموعة في متى 5-7 لم تكن موجهة إلى التلاميذ لكي يستفيدوا منها
لفترة وجيزة قبل موته، إنما لكل المؤمنين به في زمن الكنيسة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى