علم المسيح

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل
الثالث

الإنجيل
والأناجيل

 

عندما
نستعمل كلمة “إنجيل” تتبادر إلى ذهننا فكرة كتاب منسوب إلى أحد
الإنجيليين. وقراءة الإنجيل في الكنيسة أثناء الخدمة تعني قراءة من أحد الكتب
الأربعة المدعوة بالأناجيل. بيد أن هناك معنى آخر، وهو أن الفصل الذي يتلى يحمل
الإنجيل، أي البشارة ورسالة الخلاص للذين يصغون إليها. إذن، كلمة إنجيل تدل على
معنيين: النص المدون والبشارة التي حملها يسوع إلى كل العالم.

 

تاريخ
كلمة “إنجيل”

لقد
حافظت الكنيسة على هذين المعنيين واستعملتهما منذ القرن الثاني الميلادي. أما في
القرن الأول، وبالتحديد في الفترة التي كتبت فيها الأناجيل، فكلمة إنجيل لم تستعمل
للدلالة على كتاب. ولا يوجد مثل واحد على ذلك الاستعمال في العهد الجديد كله.
وسواء استعملت الكلمة بصيغة “الإنجيل” وبصيغ أخرى مثل: “إنجيل
الرب” و”إنجيل المسيح”، فإنها كانت تدل دائماً على البشارة التي أعلنها
يسوع وأتى بها إلى العالم، والتي حققها في حياته وموته وقيامته. هذا المعنى الأخير
لكلمة إنجيل يوازي معنى (
Kerygma) أي الكرازة الرسولية عن يسوع (1).

هناك
صيغة أخرى لهذه الكلمة ألفْناها بالرغم من عدم وجود أي شاهد عليها في العهد
الجديد. هذه الصيغة هي صيغة الجمع أي “الأناجيل”. ولكن كتّاب العهد
الجديد لم يستخدموا أبداً هذه الصيغة لأنهم لم يستعملوا إطلاقاً كلمة إنجيل
للدلالة على كتاب.

 

بولس
الرسول كتب إلى الأعضاء الجدد في كنائس غلاطية موصياً بألا ينصرفوا عن الإنجيل
الذي أعلنه لهم إلى “إنجيل” آخر لأنه لا يوجد “إنجيل آخر”.
ويتابع قائلاً: “إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن مبسلاً”. ويؤكد
مؤلف الرسالة إلى أهل غلاطية أنه لا يكرز بالإنجيل الذي “على سنة
البشر”، لكن بالإنجيل الذي “قبله بإعلان يسوع المسيح” (غلا1: 6-9).
أول دليل على استخدام كلمة إنجيل في صيغة الجمع يوجد في كتابات القديس يوستينوس في
أواسط القرن الثاني. ويستعملها للدلالة على الكتب الأربعة التي دونت فيها أقول
يسوع وأعماله (2).

 

بالرغم
من أن كلمة “إنجيل” لم تستعمل في العهد الحديد بمعنى
“الكتاب”، فقد استعملها القديس مرقس في مطلع إنجيله قائلاً: “بدء
إنجيل يسوع المسيح ابن الله” (مر1: 1). لكنه لا يقصد بداية كتاب إنما ابتداء
“بشارة الخلاص” التي انطلقت بكرازة يوحنا المعمدان في البرية ودعوته إلى
التوبة.

 

ما
هو أصل كلمة “إنجيل”؟ هذه الكلمة كغيرها من العبارات الكثيرة الواردة في
العهد الجديد، كانت متداولة في العالم الروماني وكانت تشير إلى ميلاد الملك
Euaggelion، ولم تبتكرها الكنيسة الأولى. يوجد نقش مهم يعود إلى السنة
التاسعة قبل الميلاد يحمل العبارات التالية: {لقد حمل ميلاد “الملك”
الإله العالم بشائر الفرح (
Euaggelia) الملازمة دائماً له”. كذلك كانت تستعمل الكلمة ذاتها
للإشارة إلى قصة حياة الملك (3). وكانت ترد هذه الكلمة في العالم الروماني بصيغتي
المفرد والجمع بخلاف العهد الجديد حيث لم ترد بصيغة الجمع.

 

لقد
أخذ الإنجيليون وكتاب (بتشديد التاء) العهد الجديد الآخرون عبارة متداولة ووضعوها
في سياق جديد فاكتسبت منه معناها الجديد. وهذا المعنى حدده العهد القديم ويسوع
نفسه الذي لم يكتف بإعلان بشارة الخلاص بل أصبح هو نفسه محتواه ومضمونها. وقد يكون
المعنى الذي نعطيه لكلمة “إنجيل” مستقى من نصوص العهد القديم وخاصة
(أشعيا 40-66). يقول النبي “ما أجمل على الجبال قدمي المبشر، المخبر بالسلام،
المبشر بالخير، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون: قد ملك إلهك” (52: 7). نلاحظ
في هذا المقطع أن الفعل العبري
Bissar قد ترجم إلى السبعينية بفعل (euagelizomai)، الذي يعني “بشّر” بالأخبار السارة. ومع أن العهد
القديم لا يستخدم إطلاقاً الاسم العبري المرادف لليوناني
Euaggelion فمن الأرجح أن يكون معنى هذه الكلمة في العهد الجديد قد اشتق من
النص العبري للكتاب المقدس أكثر منه من الطقوس الرومانية الخاصة بالإمبراطور.
فإنجيل مرقس الذي يقدم يسوع وعمله الخلاصي كتحقيق لوعود الله ولأماني الشعب يستخدم
عبارة “إنجيل” ليشير إلى الموضوع الأساسي لبشارة يسوع (4).

 

في
الآرامية اسم مرادف لكلمة (
Euaggelion)، ومع ذلك يميل البحاثة، الذين ينكرون على يسوع وعيه أنه ماسي،
إلى الجزم بأن يسوع لم يستخدم هذه الكلمة أبداً. أما البحاثة الذين يؤمنون بأن
الأناجيل وثائق تاريخية فلا يجدون صعوبة في إسناد الكلمة إلى يسوع. إذا كان يسوع
واعياً أنه ماسيا –كما تشهد الأناجيل- فلا بد أن يكون عارفاً بأنه افتتح ملكوت
الله وأن رسالته هي رسالة الخلاص. لذلك من الصعوبة بمكان القول بأنه لم يستعمل
الكلمة الآرامية المرادفة لكلمة (
Euaggelion)
(5
).

 

خلافاً
لكلمة “إنجيل”، فالإنجيل المكتوب هو من وضع الجماعة المسيحية الأولى
وشكله الأدبي غير مقتبس عن العالم الهليني. ولا يوجد في العالم أناجيل تشابهه.
وهذا يعني أن المسيحيين الأولين باقتباسهم كلمة “إنجيل” لم يقتصروا على
إعطائها معنى جديداً بل صاغوها في أدب فريد متوافق مع فرادة شخص يسوع (6).

 

لقد
ظهر الإنجيل المكتوب جواباً لاحتياجات الكنيسة. وقد حان الأوان في النصف الثاني من
القرن الأول لاستخدام الشكلين الشفهي والكتابي من أجل نشر الخلاص. وكذلك تطلّب
ازدياد المد المسيحي إيجاد نصوص لتعليم المهتدين وللعمل التبشيري. وقبل كل شيء، قوى
غياب التلاميذ عن المسرح التاريخي رغبة الجماعة المسيحية بالأناجيل، تلك الكتب
التي تحمل طابع السلطة الرسولية.

 

لم
يترك يسوع كلماته مكتوبة بل أودع رسالته تلاميذه الإثني عشر الذين لازموه وتتلمذوا
عليه. وبعد حوالي 30 سنة من الكرازة والتعليم الرسوليين ظهر أول إنجيل مكتوب.
ومقدمة إنجيل لوقا (1: 1-4) توحي بقوة أن هناك ثلاث مراحل في نمو الأناجيل: أولاً:
أحداث حياة يسوع وأعماله، هذه “الأحداث التي جرت بيننا”. ثانياً: قبول
هذه “الأشياء” ونقلها بواسطة الشهود العيان وخدام الكلمة، وهذا ما كان
عمل الرسل بعد القيامة. وفي هذه الفترة أصبح الاثنا عشر رسلاً بكل ما في الكلمة من
معنى. أما الخطوة الثالثة والأخيرة فكانت كتابة الإنجيليين لأناجيلهم.

 

الأناجيل
والإنجيليون

لقد
نسبت الكنيسة الأولى الإنجيل الأول إلى متى والإنجيل الرابع إلى يوحن، وهذان
تلميذان ليسوع. وأما الإنجيلان الآخران الثاني والثالث فهما لمرقس ولوقا اللذين لم
يكونا من التلاميذ الإثني عشر بل من مسيحي القرن الأول.

 

ولا
يختلف البحاثة المعاصرون كثيراً حول زمن ومكان تأليف الأناجيل. فإنجيل متى كتب
(بضم الكاف) بعد سقوط أورشليم السنة 70م، وقد يكون ذلك في أنطاكية حيث كانت الجماعات
المسيحية تتألف من اليهود والأممين. وإنجيل مرقس، تلميذ بطرس، كتب في روما قبل
سقوط أورشليم وبعد موت بطرس السنة 64. أما لوقا رفيق الدرب لبولس، فكتب إنجيله بعد
سقوط أورشليم بما يقارب العشر والخمسة عشر سنة، وشهد جنوب اليونان ظهور هذا
الإنجيل. ولنأت إلى يوحنا بن زبدى، حبيب الرب والشاهد العيان لأعمال يسوع وتعاليمه
فنجد أنه كتب إنجيله قبل نهاية القرن الأول ويظن أن ذلك تم في أفسس (7).

 

كل
إنجيل من الأناجيل الأربعة كتب لهدف معين. متى وجه إنجيله إلى المسيحيين من أصل
يهودي. لذلك شدد على أن المسيح هو ماسيا المنتظر. لا بل هو أعظم منه لأنه بالإضافة
إلى كونه “ابن داوود” فهو ابن الله الوحيد. وبما أن الكنيسة اعترفت به
وقبلته فهي إذن إسرائيل الحقيقي. أما إنجيل مرقس فيشدد على أن يسوع (((هو ماسيا
المنتظر. لا بل هو أعظم منه لأنه بالإضافة إلى كونه “ابن))) (*) للأمميين
نجده مليئاً بالإشارات إلى العهد القديم، هذه الإشارات التي لا بد من أخذها بعين
الاعتبار للوصول إلى فهم صحيح لأجزاء عديدة من هذا الإنجيل. وثمة إنجيلي آخر كتب
للأمميين. هذا الإنجيلي هو لوقا مؤرخ الكنيسة. ولوقا في كتابيه، الإنجيل وأعمال
الرسل، قسم تاريخ الخلاص إلى مراحل ثلاث: المرحلة الأولى هي التحضيرية تليها مرحلة
عمل يسوع وأخيراً يأتي زمن الكنيسة الذي يبدأ بالعنصرة ويدوم إلى اليوم الأخير.
ولقد أكد هذا الإنجيلي بشدة على أن يسوع هو مخلص العالم. أما الإنجيل الرابع فقد
وصفه إسرائيل ابراهامس بأنه “الأكثر يهودية بين الأربعة”، غير أنه بمعنى
من المعاني، الإنجيل الأقل يونانية والأقل يهودية بين الأربعة. فلا اليهودي ولا
اليوناني يمكن أن يكونا قد كتبا هذه العبارة: “و الكلمة صار جسداً”
(يو1: 14). إنجيل يوحنا يكشف لنا هوية المسيح ومعنى مجيئه بالنسبة للعالم والكنيسة
والإنسان. يجب ألا نغالي في التأكيد على الصفات المحلية والتقاليد التي استقى منها
كل من الإنجيليين أثناء تأليف إنجيله. فالأناجيل الأربعة تشهد كلها ليسوع، وكلها
تؤكد أنه حقق كل مرجوات العهد القديم.

 

يعترف
الإنجيليون كلهم بأن يسوع هو ابن الله المتجسد، إلا أن كلا منهم يتناول هذا
الاعتراف على نحو مختلف. فحسب روايتي متى ولوقا للبشارة، الآتي هو ماسيا الإله
المتجسد بين البشر. “هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعى عمانوئيل الذي
تفسيره الله معنا”. وهذا نجده في (متى1: 22). وفي (لو1: 32): “هذا يكون
عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب كرسي داوود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى
الأبد ولا يكون لملكه نهاية”. وتتكلم مقدمة إنجيل يوحنا عن ظهور كلمة الله
وعن سر التجسد. وهذا ما يظهره كذلك مرقس في كلامه عن معمودية يسوع، فيقول:
“وللوقت، وهو صاعد من الماء رأى السموات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً
عليه. وكما صوت من السماء يقول: أنت ابني الحبيب الذي به سررت” (مر 1: 10).
لم يتبنَ الله يسوع في المعمودية إنما أعلن أن يسوع هو ابنه الأزلي. فيوم معمودية
يسوع هو يوم الظهور الإلهي (8). وهكذا يتضح أن الإنجيليين الأربعة يشتركون في
إظهار فعل التجسد لكن كل واحد منهم يعبر عنه بطريقته الخاصة. وهكذا فإن اختلف
الإنجيليون في طرحهم للأمور والتعبير عنه، فإنهم متحدون في اشتراكهم بتقليد
الكنيسة والإيمان بإيمانه، واتخاذهم إيمان وحياة الكنيسة مرجعاً لهم في كل ما يختص
بانتقاء ورصف موادهم.

 

لا
نستطيع أن نعتبر الإنجيلين مؤلفين لأناجيلهم بالمعنى الحديث للكلمة لأن المؤلف
المعاصر مسؤول كلياً عن شكل عمله ومحتواه. أما مسؤولية الإنجيليين فهي من نوع آخر،
لأنهم استقوا نماذجهم من الكرازة الرسولية واقتبسوا معلوماتهم من التقاليد
المتعلقة بيسوع. كانوا أعضاء في الجماعة المسيحية وعبروا عن إيمان الكنيسة. فكتب
كل منهم إنجيلاً من أجل الكنيسة، فأصبح الإنجيل كتاب الكنيسة الذي فيه يتجسد
إيمانها. غير أن الإنجيليين لم يكونوا ناقلين للتقليد وحسب بل كانوا (شهود عيان
للإيمان). وبالرغم من إلهام الروح القدس لهم عبروا بمصطلحات مختلفة. كتب القديس
باسيليوس الكبير: “الروح القدس لا يحرم أحداً قدرته على التفكير ولا حريته.
فالشيطان وحده يفعل ذلك”. إذاًَ تؤكد الاختلافات بين الأناجيل في آن صحة
إلهام الإنجيليين وقوة استجابتهم الشخصية للإعلان الإلهي (9).

 

المسألة
السينابتية

تُعرف
الأناجيل الثلاثة الأولى بالأناجيل السينابتية (00)، لأننا إذا وضعنا محتوياتها في
ثلاثة أعمدة نلاحظ توافق هذه المحتويات إلى درجة استخدام الكلمات عينها في وصف
أعمال يسوع وتدوين أقواله. ويشكل مدى التوافق والاختلاف بين موادها (المسألة
السينابتية) بالذات. ويوافق معظم علماء الكتاب على أن إنجيل مرقس هو الأول بين
الروايات المدونة عن يسوع وأن متى ولوقا عرفا هذا الإنجيل وكان أحد مصادر
إنجيلهما. واستناداً إلى المواد المشتركة بين متى ولوق وغير الموجودة في مرقس، قال
العلماء بأن متى ولوقا استخدما مصدراً آخر يدعى
Q
(الحرف الأول من كلمة
Quelle الألمانية التي تعني مصدراً). هذا المصدر فُقِدَ فور إفادتهما
منه، ولا يزال الخلاف قائماً حول محتوياته. يضاف إلى ذلك أن متى اعتمد مصادر خاصة
يرمز لها بالحرف
M. وكذلك لمرقس مصادره الخاصة ويمز لها بالحرف L.
ومع أن معظم نقاد العهد الجديد يأخذون بأهم فرضية في هذه النظرية، أي بأسبقية
الإنجيل الثاني، فإن بعض العلماء الكاثوليك يسلمون بأسبقية النص الآرامي لإنجيل
متى. ويقولون بأن متى وضع إنجيله بالآرامية حوالي السنة 50 م مباشرة قبل ظهور أول
مجموعة آرامية لأقوال يسوع، ولم يطل الوقت حتى نقل الإنجيل الآرامي وكذلك المجموعة
إلى اليونانية. ومن المفروض أن تكون قد ظهرت في وقت قصير ترجمات عدة يونانية
لإنجيل متى، فعرف مرقس واحدة منه واستخدمها في كتابة إنجيله.

 

لكنه
لم يكثر من أقوال يسوع الموجودة في الإنجيل الأول كما أنه لعدم إطلاعه على
المجموعة الخاصة لم يلجأ إليها. وبعد إكمال إنجيل مرقس، لجأ أحد المسيحيين
المجهولي الهوية والذي قد يكون تلميذ لمرقس، إلى ترجمة النسخة العبرية إلى
اليونانية. وفي عمله هذا استخدم انجيل مرقس معيداً إليه الأقوال التي كان مرقس قد
حذفها ومضيفاً أقوالاً مستقاة من المجموعة الخاصة
Q،
فكان إنجيل متى بشكله الحالي. أما لوقا فاستخدم مرقس والمجموعة الآرامية الأولى
(10). إن الرأي القائل بأسبقية النص الآرامي لإنجيل متى يبدو نظرياً أكثر من الرأي
القائل بأسبقية إنجيل مرقس.

 

اعترض،
جدي، في السنوات الأخيرة على نظرية المصدرية لأنها لا تعطي التقليد الشفهي حقه
ولأنها تعتبر عملية تكوين الأناجيل مشكلة أدبية صرفية. وقد ظهرت نظرة جديدة إلى
تكوين الإنجيل، وهي لا تزال في طور النمو، تعتمد التقليد الشفهي والتقليد الكتابي،
دعاها أصحابها ب “نظرية الوثائق المتعددة”. وهذه النظرية تستند إلى
الفرضية القائلة بأن مجموعات أقوال يسوع وأعماله قد ترجمت إلى اليونانية في وقت
مبكر وأن الإنجيليين اعتمدوا هذه المجموعات. المهم في هذه النظرية أنها تؤكد على
وجود اتصالات بين المصادر الإنجيلية قبل تأليف الأناجيل. وبالتالي فإن التأثيرات
والاحتكاكات الأدبية حصلت قبل كتابة إنجيل مرقس وليس بعده، أي “بين وثائق
سابقة للمواد المستعملة في الأناجيل السينابتية والتي كانت قد انتظمت آنذاك على
نجو منهجي تقريباً” (11).

 

وقصارى
القول، إن نظرية المصدرين مبنية على مبدأ الاقتباس وبالتالي فآن متى ولوقا اقتبسا
من مرقس. أما المتمسكون بنظرية الوثائق المتعددة فيعتبرون أن نظرية المصدرين ذات
اتجاه واحد وصارم ويرفض كل الحلول المبنية عليها. وهم يعتقدون بوجود مصادر سابقة
للأناجيل، ومهمة النقد الكتابي تمييز هذه المصادر وتحديده، ولكن هذا العمل لا يزال
بعيداً عن التحقيق.

 

يشترك
إنجيل يوحنا مع الأناجيل السينابتية في التصميم العام المنبثق من الكرازة الرسولية
المتعلقة بأعمال الله الخلاصية. بيد أن هذا الإنجيلي قد وضع هذا التصميم بمعزل عن
الأناجيل السينابتية، مدرجاً في إنجيله تقاليد خاصة، لا تعتمد المصادر السينابتية،
ولكنها ليست أقل أصالة منه، بل قد تقترب من الأحداث الأصلية أكثر منها. كذلك
فالتقليد الذي ارتكز عليه الإنجيل الرابع منفصل عن التقليد الذي أخذ منه متى ومرقس
ولوقا معلوماتهم ولكنه مشابه له. لقد أمعن الإنجيليون النظر جيداً في مصادرهم
وصبغوا أناجيلهم بصبغتهم الخاصة وقد فاق يوحنا أقرانه بذلك. وقبل عن إنجيله أنه
“بحسب الروح”، ونعتت الأناجيل الباقية بأنها “بحسب الجسد”.
لكت من الخطأ الاستنتاج من هذه النعوت أن الإنجيل الرابع لا قيمة تاريخية له.
فقوله: “و الكلمة صار جسداً” يظهر أن ما كان يعلن عنه ذا مغزى لاهوتي
وتاريخياً على حد سواء إذ لا بد للأحداث الإنجيلية أن تكون حقيقة، أي أن يكون بالإمكان
إثباتها تاريخياً لكي تكتسب معنى لاهوتياً.

 

هل
تعد الأناجيل سيراَ؟

تعرض
صورة المسيح في الأناجيل من خلال عناصر تاريخية وسيرية. ومع ذلك لا يمكننا تصنيف
الأناجيل كسير وترجمات لحياة يسوع. فالسيرة الحديثة لا تكتمل بدون كشف الدافع
الداخلي عند الإنسان الذي تكتب سيرته. في الأناجيل لا توجد أية مادة يمكن
استخدامها لتحليل النمو النفسي ليسوع. فمعمودية يسوع، مثل، لم تأتِ نتيجة لاستيقاظ
الوعي الماسياني عنده ولإدراكه أنه قد اختير ليكون ماسيا بل كإعلان وكشف للتجسد
وإشارة إلى حضور الله على الأرض وتحطيم الحجاب بين الله والإنسان.

 

لم
تحاول الكنيسة أبداً أن توجد سيرة ليسوع، لأن “سيرة” كهذه محكوم عليها
بالفشل، هذا الفشل لا يعود فقط إلى عدم توافر المصادر بل إلى صعوبة الشخص الذي
تعكسه لنا. كتابة سيرة يسوع تعني رسم الوجه الإنساني لشخص يسوع وهذا يفترض بالتالي
فصل يسوع الإنسان عن يسوع الإله. وهذا الأمر مستحيل وباطل في ذاته إذ لا انفصل في
المسيح بين الإنسان والإله(12). إن فصلاً كهذا أدى على الصعيد اللاهوتي إلى
النسطورية، وعلى الصعيد الكتابي إلى ما يسمى “بسير يسوع” التي ظهرت في
القرنين التاسع عشر والعشرين. الكنيسة تؤمن بأن كلا من النسطورية و”سير
يسوع” قدمتا صورة مباينة لصورة المسيح الإنجيلية.

 

هكذا
يسوع لم يطلب قط من تلاميذه أن يدونوا سيرة حياته. لقد أعطاهم سلطاناً لطرد
الشياطين (مر3: 14-15) ولشفاء المرضى (مر6: 12-13) ولإعلان بشارة ملكوت الله
(متى10: 7،لو9: 1-2). وطلب منهم بعد القيامة أن يعمدوا كل الأمم: “اذهبو
وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يعملوا بكل
ما أوصيتكم به” (متى28: 19-20). وعندما سأله تلاميذ يوحنا المعمدان: “هل
أنت الذي يجيء أم ننتظر آخر؟” (متى11: 3) لم يقدم لهم أية معطيات عن ماسيانيته
بل لفتهم إلى أعماله: “ارجعو وأخبروا يوحنا بما تسمعون وترون: العميان يبصرون
والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يتلقون
البشارة” (متى11: 4-5). هذا ما نجده في الأناجيل وليس سيرة منهجية ليسوع.

 

ربّ
قائل بأن “السيرة” لم تكن أسلوباً من أساليب الكتابة التي أولاها اليهود
اهتمام ونحن نعلم بأن التلاميذ جميعاً كانوا يهود، وأن الإنجيليين ما عدا لوق،
كانوا من أصل يهودي. كَتَبَ غرانت بهذا الشأن: “لم يحظ أي نبي وحكيم وكاتب
وربان بسيرة كاملة”(13). لكن بسبب تأثير يسوع على أتباعه ولكتابة الأناجيل
خارج فلسطين حوت بعض عناصر السيرة لكنها لا تعتبر إطلاقاً سيرة.

 

لا
تقدك وثائق العهد الجديد سوى وصف موجز لشخص يسوع لأنه، أصل، لم تكن تبغي العناية
بالوصف الأدبي ولا برسم صورة فوتوغرافية ليسوع، بل إظهار وجهه الحقيقي، مخالفة
بذلك الكتب الأبوكريفية التي يظهر فيها الوصف الأدبي واضحاً (14). وكذلك الأناجيل
فإنها لا تقدم لنا صورة فوتوغرافية لأن صورة كهذه تظهر الشخص في لحظة معينة من
حياته فقط، أي أنها صماء بكماء عما حدث قبل وبعد تلك الهنيهة. كما أنه يمكن
استخدام الصورة الفوتوغرافية “لتثبيت ونفي رواية الشاهد العيان دون أن تتمكن
من الحلول محلها” (15). وكثيراً ما شبهت الأناجيل بالأيقونة حتى دعيت ب
“الأيقونة الكلامية” للمسيح. وهذه الأيقونة ليست من إبداع مواهب
الإنجيليين بل نتيجة إتباع التقليد الذي به كانوا ملمين وفيه مشاركين ومنه استقوا
كل مواد إنجيلهم.

 

مهمة
الإنجيليين المزدوجة

لقد
اعترض الكثيرون على تحيز هذه الروايات عن حياة يسوع وشككوا في قيمتها من الوجهة
التاريخية. ولا يخفي الإنجيليون تأثر أناجيلهم بالقيامة. ولولا قيامة المسيح لما
كان هنالك كنيسة ولا أناجيل. وتسجل لنا أحداث الماضي في ضوء القيامة.

 

هذه
هي نظرتهم ولا يمكن التأريخ بدونها. ويقول الأب جورج فلورفسكي: “إننا لا نقدر
أبداً أن نتذكر ماضينا القريب كما عشناه تماماً لأنه لو كنا نتذكر ولا نحلم لكنا
تذكرنا الأحداث الماضية بمنظار التحولات الكثيرة التي طرأت علينا بعدها”
(16). القيامة هي التي أعطت للأحداث معناه وهي التي غيرت البشر وحولت المؤسسات.
فحل محل فريضة السبت الاحتفال بيوم القيامة وأضحى يوم الأحد، وليس السبت، اليوم
“الذي صنعه الرب” وصار يعتبر هو تاج الأسبوع. كل شيء أصبح جديد وتغير
بعد القيامة. فالرسل الذين أظهروا الجبن في أسبوع الآلام، غدوا بعد القيامة شهدوا
لا يهابون أحداً. وقد دهش رؤساء اليهود وشيوخ الشعب من جرأة بطرس ويوحنا (أعمال4:
13). ألم يعلن بطرس بكل جرأة أمام المجلس أنه “يجب أن نطيع الله لا
الناس” (أعمال: 29) وهو الشخص الذي وبخه يسوع قبل القيامة لأن أفكاره هي
“أفكار البشر لا أفكار الله” (مر8: 32 وما يوازيها). وما كتبه بولس
الرسول عن حياته الخاصة يمكن أن ينطبق على الإثني عشر:

 

“إلا
أن ما كان في كل ذلك من ربح لي عددته خسراناً من أجل المسيح. بل أعد كل شيء
خسراناً من أجل الربح الأعظم، ألا وهو معرفة ربي يسوع المسيح. من أجله خسرت كل شيء
وعددت كل شيء نفاية لأربح المسيح وأكون فيه …وإذا تم لي ذلك عرفته وعرفت قوة
قيامته وشاركته آلامه. فتمثلت به في موته لعلي أبلغ القيامة من بين الأموات”
(فيليبي3: 7-11).

 

ومع
أن البشائر كتبت في ضوء القيامة بيد أنها حافظت على الكثير مما يتعلق بتاريخ يسوع
قبل القيامة. وهذه المعلومات التاريخية لم تعرض كمجرد حقائق تاريخية خالصة بل أعطي
لها المعنى الذي اتضح بعد القيامة. إذ أنه بعد القيامة فقط انكشفت أحداث بشارة
يسوع، وكل حدث أخذ معناه الكامل، وأصبح ملتصقاً بتفسيره، غير أن هذا المعنى لم يكن
من استنباط الإنجيليين بل نتيجة التقليد الذي يستمد جذوره من يسوع نفسه.

 

تبقى
مهمة علم التاريخ أن يكشف، بقد الإمكان، عما حدث فهل ويفسر كيفية دمج الأحداث
ومعانيها من قبل الإنجيليين. يساعد في ذلك وجود أربع مدونات لأقوال وتعاليم يسوع
مما يتيح للمؤرخين تحليل ومقارنة المعلومات الواردة في المصادر الأساسية والسعي
للتمييز بين الأحداث التي وقعت قبل القيامة وبعدها. اعترف بطرس بإلوهية المسيح
الوارد عند الإنجيليين الأربعة (متى 16: 13، مر8: 27، لو9: 18، يو6: 68 …) هو
مثال لهذه المشكلة في البحث التاريخي. سأل يسوع تلاميذه: “ومن أنا في رأيكم
أنتم” (17)، فكان جواب بطرس مختلفاً في الأناجيل الأربعة. فحسب مرقس كان
الجواب: “أنت المسيح” (مر8: 19) وحسب لوقا: “أنت مسيح الله”
(لو9: 20). أما عند متى فيجيب: “أنت المسيح ابن الله الحي” (متى 16:
16). وهنا يرد السؤال: ماذا قال بطرس بالفعل؟ وما هو الشكل الصحيح لاعترافه؟ وهل
يجب قبول راويتي مرقس ولوقا المتشابهتين ورواية متى التي تختلف عنها بشكل ملحوظ،
فتضيف “ابن الله الحي”؟ يعترف بطرس عند لوق ومرقس بان يسوع هو الماسيا
المنتظر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ماسيا ذاك لم يكن يعتبره اليهود كائناً إلهياً.
أما شهادة بطرس في إنجيل متى فإنها تدل على أن بطرس والرسل الآخرين كانوا قد فهموا
آنذاك سر يسوع. وهذه الفرضية تناقض الصورة عن الإثني عشر في الأناجيل لأنهم لم
يكونوا يعرفون هذا السر قبل القيامة. كذلك لا تتوافق هذه الفرضية مع رفض بطرس
لتعليم يسوع عن آلامه وتوبيخ يسوع له: “ابتعد عن يا شيطان فأنت عقبه دوني لأن
أفكارك ليست أفكار لله بل أفكار البشر” (متى 16: 23). إن رفض بطرس للآلام
وتوبيخ يسوع له يردان مباشرة بعد الاعتراف به. وذلك يدل على أن بطرس اعترف بيسوع،
حسب رواية مرقس ولوق، انه المسيح المتمم لوعد العهد القديم.

 

إذن،
كيف يمكننا أن نفسر الكلمات: “ابن الله الحي”. فمتّى عندما دون هذه
الكلمات في إنجيله لم يحرف ويسئ فهم ما حدث في قيصرية فيلبي، لكنه بتدوينه الكلمات
سجل بكل بساطة اعترف بطرس مفسراً في ضوء القيامة. الوحيد الذي اعترف به بطرس على
انه الماسيا هو ابن الله المتجسد. واعتراف بطرس، كما هو مدون في متى، يبرز بقوة أن
يسوع التاريخ هو نفسه يسوع الإيمان، وأن كليهما واحد، وأن من تعبده الكنيسة ليس
سوى الذي أكد بطرس انه الماسيا. فما أضافه متى هو المعنى الذي انكشف كاملاً بعد
القيامة. فمتى لم يفرق بين تاريخ يسوع وتاريخ السيد في الكنيسة في حين اتضح الأول
جيداً في ضوء الثاني. ولقد اتضح الحدث وانجلت معانية فقط عندما نظر إليه من خلال
نهايته التي هي في الوقت ذاته بداية جديدة. هذا هو ما يسمى بمهمة الإنجيليين
المزدوجة التي تكمن في تدوين “ما حصل” ونقل معناه في آن.

 

دور
الشهود

وقد
وعد يسوع تلاميذ قبل صعوده إلى الآب بأنهم سيتلقون قوة عند حلول الروح عليهم
وسيكونون “شهوداً”
Martyres له “في أورشليم واليهودية كم والسامرة حتى أقاصي الأرض”
(أعمال 1: 8). وقد شهد الاثنا عشر ليسوع “منذ أن عمده يوحنا إلى يوم رفع
عنا” (أعمال 1: 33). وفي اليوم الخمسين، فيما كان بطرس واقفا مع التلاميذ،
أعلن أن “يسوع هذا قد أقامه الله، ونحن بأجمعنا شهود
Martyres
على ذلك” (أعمال 2: 32). وهكذا لم ينسب بطرس ولا التلاميذ أية كلمة خاصة إلى
أنفسهم بل أكدوا فقط أنهم شهود ليسوع.

 

يجب
التمييز بين كون الاثني عشر شهود عيان (
autoptai) (لوقا 1: 2) قبل
القيامة وحلول العنصرة وكونهم شهود
Martyres بعد ذلك. كشهود عيان أصغوا إلى تعليم يسوع وكانوا على استعداد
لترك “العالم” ليتبعوه (لو14: 25)، في حين كان يوجد شهود عيان كثيرون
غيرهم فضلوا العالم على إتباع يسوع. لأنهم وجدوا كلامه عسيراً لا يطابق،
“فتخلى عنه عندئذ كثير من تلاميذه وانقطعوا عن مصاحبته” (يو6: 52). أما
بصفتهم شهوداً فقد شهدوا على بشارة يسوع: ماذا قال، وماذا فعل. فكانوا مسؤولين عن
نقل أحداث حياة يسوع وبالوقت نفسه عن تفسيرها. كانوا مسؤولين عن تفسير العهد
القديم بواسطة يسوع نفسه. وقبل كل شيء فقد شهدوا لقيامته وكل ما تعنيه: لقد كانوا
شهوداً
Martyres على أن السيد الناهض هو نفسه يسوع. وشهادتهم هذه هي أساس
الأناجيل.

 

كل
الشهود لقيامة المسيح أبدوا اهتماماً بيسوع التاريخي فبولس الرسول لم يكن شاهد
عيان لحياة يسوع الأرضية ولكن الرب اختاره ليكون له شاهداً (أعمال22: 15، 26: 16).
ومع أن كل رسائله إلى الأمم كانت موجهة إلى الجماعات المسيحية التي كانت مطلعة على
أحداث حياة يسوع، كشف بولس الرسول اهتمامه الشخصي بتفاصيل هذه الحياة عندما تعدى
الأحداث التاريخية الموجودة عادة في الكرازة الرسولية وكتب، مثل، عن ذرية يسوع في
الجسد وعلاقته بشعب إسرائيل (رو1: 3، 9: 5). كذلك أكد على طبيعة يسوع الإنسانية
كابن الله مولود من امرأة (غلا4: 4). وأظهر بولس معرفته لحياة يسوع وتواضعه وطاعته
الكاملة للآب (فيلبي2: 7-8). ويدل المقطع التالي من الرسالة الثانية إلى أهل
كورنثوس (8: 9): “وتعلمون جود ربنا يسوع المسيح، كيف افتقر لأجلكم وهو الغني
لتغتنوا بفقره”، إن تاريخ حياة يسوع قد بث “على الأقل في خطوطه
الكبرى” في التعاليم التي كانت الكنيسة تلفتها لأعضائها الجدد (18).

 

وكثيراً
ما كان يرجع بولس الرسول في رسائله إلى كلمات يسوع. فأصداء الموعظة على الجبل تسمع
في رومية 2: 14 (متى 5: 44، 12: 17) (متى 5: 39)، 14: 10(متى 7: 1). ويستهل رسالته
الأولى إلى أهل كورنثوس (7: 10، 9: 14) بكلام يسوع. “لو لم يكن وجه يسوع
التاريخي كما يظهر من خلال أقواله وأفعاله وآلامه يشكل الخلفية الحية والركيزة الأساسية”
لرؤيته اللاهوتية لما استطاع بولس أن يكتب أكثر مقاطع رسائله إلهاماً (19). إن وجه
المسيح التاريخي ومجده الذي أعلن على طريق دمشق كانا حاضرين دائماً أمام عيني
بولس، ولذا لم يعرف أي انفصام بين يسوع التاريخي والرب المتجمد. أخذ بولس الرسول
معلوماته عن يسوع التاريخي عن الشهود العيان لحياة يسوع وآلامه، وعن الشهود
لقيامته. وشهادة هؤلاء متجسدة في الأناجيل التي هي المصدر الوحيد لمعرفتنا عن يسوع
الناصري ولا نملك وسيلة أخرى لنقل الحقائق التاريخية إلا في حاملي الشهادة. ومن
شهادة كهذه بزغت الأناجيل.

—————

(*)
إن هذا السطر مكرر مرتين في الكتاب. والمقصود من الكاتب -حسب اعتقادي- هو أن مرقس
قد شدد على أن المسيح هو ابن الله وهذا التعبير في إنجيل مرقس لا نراه يستخدم من
الناس وإنما من الله في حوادث معينة (المعمودية، التجلي…).

 

حواشي
الفصل الثالث

(00)
من “
Synoptiques“. ويمكن استعمال أيضاً عبارة (المتماثلة).

(1)
توجد في أعمال الرسل (مثلاً في 10: 36-43) وفي رسائل القديس بولس (خاصة في 1 كو
15: 3) خلاصة الكرازة الرسولية. إن ما فعله يسوع وقاله هو رسالة الخلاص. هذا هو
الإنجيل الذي من يسوع. أما ما أعلنه بعد موته وقيامته الذين عايشوه أثناء حياته
الأرضية، فهو الإنجيل عن يسوع. هناك صلة جوهرية بين هذين الإنجيلين، لأن يسوع
التاريخي هو الرب الناهض من القبر ذاته.

 

(2)
راجع:
Justin: First Apology، 66-67

 

(3)
راجع:

 w. Schneemelcher: << Gospel>> in
Edgar Hennecke New Testament Apocerypha I
، p. 72.

 

(4)
فيما يختص بخلفية العهد القديم لاستخدام مرقس لكلمة (إنجيل)، راجع:
Edwyn Hoskyns and Francis Noel Davey: The
Riddle of the New Testament
،
London، Faber and Faber، 1947،
pp. 74 ff

يعتقد
المؤلفان أن الإنجيلين السينابتيين الآخرين قد أبرزا ناحية معينة من معنى هذه
الكلمة. والإنجيل
Euaggelion عند متى ولوقا هو قبل كل شيء إنجيل ملكوت الله حتى قبل شخص يسوع
كتحقيق لوعد الله. لكن هذين الوجهين لمعنى كلمة (إنجيل) لا يتناقضان بل يتكاملان.
فعند الإنجيليين الثلاثة ماسيا هو المعلم، وملكوت الله لا يتجلى في حياته وموته
وقيامته فقط بل أيضاً في تعليمه. عند الثلاثة ملكوت الله هو تحقيق لآمال العهد
القديم (ص 96).

 

(5)
“إذا أدرك يسوع أنه ابن الله الذي آتى لكي يموت ويقوم، فلا بد أن يكون قد
أدرك أيضاً أنه هو مضمون رسالة تلاميذه … كل ما أعطى مع شخص يسوع يؤلف فحوى الإنجيل.
إذن توحي كلمة
to euaggelion ضمنا للتلاميذ كشف السر الماسياني”. راجع:

 

 Kittel: Theological Dictionary of the New
Testament
، II،
p.727.

 

(6)
تعني كلمة يسوع “الرب يخلص” و”يهوه هو الخلاص”. قال الملاك
ليوسف أن مريم ستحمل ابن وأن يوسف سيسميه “يسوع، وهو الذي يخلص شعبه من
خطاياهم” (متى1: 22). في العبرية والآرامية كلمة يسوع و”سيخلص”
تتشابهان من حيث الشكل. راجع:

 

Oxford Annotated Bible، Revised Standard
Version
، on Matt. 1: 21.

 

(7)
إن البحاثة الذين يقولون بأن إنجيل يوحنا كتب في وقت متأخر، هم بالضبط الذين يعتبرون
أن له أهمية لاهوتية أكثر مما له قيمة تاريخية. لأن لاهوته المتطور جداً يوحي لهم
بأنه كتب في وقت متأخر، وهو ليس من أعمال شاهد عيان لحياة يسوع. غير أن هذا
الإنجيل أخذ يدرس في الأبحاث والدراسات الحديثة من منظورية جديدة. يقول
“أولبرايت”، أحد كبار علماء الآثار المعاصرين، أن “المحتوى
الفكري” للإنجيل الرابع يعكس الفترة التاريخية التي عاش فيها يسوع ويوحنا
المعمدان وليس فترة لاحقة. راجع:

 

W.F. Albright: Religion
in Life 21
، 1952، 550.

 

وفي
مؤلف آخر يتابع فكرته قائلاً: “إننا واثقون بأن الإنجيل الرابع يحتوي على مذكرات
الرسول يوحن وذلك بصرف النظر عما إذا توفي في أورشليم وفي أفسس، علماً أن أفسس هي
المكان الأكثر احتمالاً لوفاته كما يشهد التقليد بقوة”. راجع:

 

W.F. Albright:
Discoveries in
Palestine and the Gospel of St. John، in:

 

W.D. Davies & D، Daube، eds: The Background
of the New Testament and its Eschatology
، Cambridge
University Press
، 1956، p. 171.

 

(8)
من أجل المقارنة مع النظرات اللاهوتية المتشابهة الموجودة في مرقس 1: 1-13 ويوحنا
1: 1-18. راجع:

 

R.H. Lightfoot: The
Gospel Message of St. Mark
،
Oxford، Clarendon Press، 1950،
pp. 30f.

 

كتب
تيلور: “أن خريستولوجية مرقس هي سامية جداً وهي تعادل أسمى خريستولوجية في
العهد الجديد بدون استثناء إنجيل يوحنا”. راجع:

 

Vincent Taylor: The
Gospel According to St. Mark
،
London، Macmillan Co1966،
p. 121.

 

إن
ابن الله عند مرقس كائن ليس من هذا العالم، وألوهيته وإنسانيته هما حقيقتان
كاملتان.

 

(9)
يشير الذهبي الفم إلى أنه لو اتفق الإنجيليون في التفاصيل كلها لاتهموا بالتآمر
لجعل قصصهم متماثلة. ولذلك نستطيع اعتبار اختلافاتهم برهاناً على استقلال كل
إنجيلي عن الآخر وعلى أن رواياتهم هي أصيلة وحقيقية.

 

(10)
راجع:

 

Introduction to the Synoptic Gospels”، Jerusalem bible، pp. 7-9.

 

لكن
الباحث
John L. Mackenzie يجد مع عدد آخر من العلماء، أن البراهين المقدمة لإثبات وجود نص
لمتى آرامي غير مقنعة. راجع:

 

The Gospel According to Matthew”، Jerome Biblical
Commentary 43: 13-14
.

 

(11)
العالمان الشهيران الكاثوليكيان سيرفو وليون دوفور هما من أشهر العلماء الممثلين
لهذه النظرية. راجع:

 

Léon-Dufour: The
Gospels and the Jesus of History
،
New-York، Desclee، 1967.

 

راجع
أيضاً مقالة:

 

The Synoptic Gospels” in A. Robert and A.
Feuillet: Introduction to the New Testament
، New-York، Desclee، 1965،
pp. 140-324.

 

وراجع
أيضاً:

 

Frederic Gast:
“Synoptic Problem” in Jerome Biblical Commentary 40: 23-24
.

 

(12)
راجع:

 

Bishop Kassian: Christ
and the First Christian Generation
،
Paris، YMCA Press، 1950،
p. 3، in Russian.

 

(13)
راجع:

 

Frederic C. Grant: The
Gospels: Their Origin and Their Growth
، New York، Harper and
Brothers
، 1957، p. 27.

 

(14)
في أعمال بولس الأبوكريفية يوجد هذا الوصف لبولس الرسول: “رجل قصير القامة،
أصلع الرأس، مقوس الرجلين، قوي … مليء بالجمال، يظهر حيناً كإنسان وحيناً بوجه
ملاك”.

 

(15)
راجع:

 

H. Palmer: The Logic of
Gospel Criticism
، New-York، St. Martin’s
Press
، 1968، p.38.

 

 (16)
راجع:

 

Georges Florovsky:
“The Predicament of The Christian Historian”
، in W. Leibrecht، edReligion and
Culture: Essays in Honor of Paul Tillich
، p. 150.

 

(17)
يوضح يوحنا الإنجيلي رواية الأناجيل السينابتية عندما يشير إلى الأسباب والظروف
التي حثت يسوع إلى طرح هذا السؤال. فعنده، يرتبط اعتراف بطرس بحادثة إشباع الخمسة
آلاف وبمحاولة اختطاف يسوع وإقامته ملكاً (يوحنا6: 1-15) فقاوم يسوع هذه التجربة
بابتعاده مع التلاميذ عن الجموع. لذلك أصيب الكثير من أتباعه بخيبة أمل لأنهم
أرادوه ملكاً أرضي وماسيا محققاً لتوقعات الشعب. في هذا الوقت المتأزم بالذات سأل
يسوع تلاميذه: “ومن أنا في رأيكم أنتم؟” وكما في الأناجيل الأخرى، يؤكد
إنجيل يوحنا أن بطرس هو الذي أجاب عن هذا السؤال بالاعتراف المعروف مضيفاً إليه
كلمات: “أنت هو قدوس الله” (يوحنا6: 68-69).

 

يعتبر
دود، بشأن المناسبة التي أدت إلى اعتراف بطرس، أنه ربما تكون رواية يوحنا مستقاة من
“تقليد أغنى وأكثر شمولية”. راجع:

 

C.H. Dodd: Historical
Tradition in the Fourth Gospel
،
Cambridge، Cambridge University Press، 1963،
p. 428.

 

(18)
راجع:

 

John J. O’Rourke:
“The Second Letter to the Corinthians”
، Jerome Biblical
Commentary 52: 28
>

 

(19)
انظر المقال:

Jesus، St. John and St. Paul،
in Anton Fridrichsen and others، The Root of the
Vine: Essays in Biblical Theology
،
New-York، Philosophical
Library
، 1953، pp. 50-52.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى