علم المسيح

67- وكيل الظلم



67- وكيل الظلم

67- وكيل الظلم

الموضوع
هام وخطير لذلك آثرنا أن نفرد له شرحاً مفصَّلاً:

المال
بين أيدي أبناء الظلمة، وكيف يكون بين أيدي أبناء النور؟

هنا
أعطى المسيح مثلاً محتواه مرفوض روحياً، ولكنَّه يوضِّح حكمة أبناء الظلمة، كيف
يستخدمون المال ولو بالحرام حتى يعيشوا في عالم ظالم شرير. هذا المَثَل مؤدَّاه أن
وكيلاً لرجل غنيّ وُشي به، فعرف أنه سيُطرد من وكالته حتماً، فذهب وغيَّر الوثائق
التي تفيد مديونية الناس للغني. فالذي عليه مائة بثِّ زيت جعله يغيِّر الصك
المكتوب إلى خمسين، والذي عليه مائة مكيال قمح جعله يكتب ثمانين، حتى إذا طُرد من
وظيفته يمكنه أن يسترد جزءاً من هذه المختلسات لنفسه ليعيش منها. فلا شك أن هذا
الإجراء الماكر مرفوض روحياً، فهذا الشخص مختلس، ولكنه عمل ذلك بحكمة الأشرار من
أجل حياته على الأرض. والمسيح يقصد من هذا المثل، لا أن نقتدي به، ولكن أن نتعلَّم
منه ماذا نصنع في هذا العالم الظالم الشرير؟ لكي يكون لنا حياة أفضل في العالم
الآخر. واضح إذن، أن المطلوب أن نبدِّد مال هذا العالم الظالم الشرير على الفقراء
والمساكين والمعوزين، حتى إذا طُردنا من هذا العالم الشرير نجد رحمة وعزاءً عند
الله في عالم النور. وهذا يُحسب لنا عمل حكمة ممتازاً في مالنا الخاص الذي هو مال
العالم الظالم الشرير. فالمال كله هنا حُسب “مال الظلم” على كل حال مهما
حصلنا عليه بالأصول والحلال، فهو مال هذا العالم الظالم الشرير. ولكي نحوِّله إلى
مال مقدَّس
الذي يسمُّونه الآن عملية
غسل الأموال
بالعملة السماوية التي عليها
صورة الله، علينا أن نبدِّده على مساكين هذا العالم الذين ظَلَمَهم العالم
وحَرَمَهم من خيراته الظالمة. والآية الرائدة التي جاءت في هذا المثل لتوضِّحه
تماماً جاءت هكذا: “وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء (في السماء) بمال
الظلم، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية” (لو 9: 16). هكذا فإن
منفعة المال في العالم هو أن نشتري به النصيب الحسن السماوي.

يلزمنا
أن نجد جواباً على عدة أسئلة لندرك حقيقة هذا الوكيل الحكيم دنيوياً والمزوِّر
والسارق والمختلس روحياً:

ماذا
كان يعمل هذا الوكيل؟

كان
يغيِّر الصكوك التي يدوِّن فيها ديون الزبائن بكتابة أرقام أقل، حتى إذا طرده صاحب
المال يكون له عند الزبائن الذين كتبوا على أنفسهم فيها أرقاماً أقل من الحقيقة،
فيقاسمهم الفرق عند طرده من الوكالة.

ما
هو القصد الذي قصده المسيح من هذا المثل؟

كان
القصد واضحاً أن أبناء النور يكون لهم نفس هذه الحكمة دون سرقة أو اختلاس؛ بل بعكس
ذلك، فلأن هذا العالم ظالم فماله كله هو مال ظلم، فعلى الإنسان أن يبدِّد هذا
المال على الفقراء والمساكين ليتحوَّل كل ما سيبدِّده إلى رصيد سماوي، فعندما يذهب
إلى فوق يجد رصيده في انتظاره: رحمةً من الله ومحبةً كما أحبَّ ورحم فقراءه على
الأرض.

+”
وقال أيضاً لتلاميذه (خاصة): كان إنسانٌ غنيّ له وكيل، فوُشِيَ به إليه بأنه
يُبذِّر أمواله. فدعاه وقال له: ما هذا الذي أسمع عنك؟ أعطِ حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً بعد”
(لو 16: 1و2)

لا
يزال المسيح يتكلَّم وسط الجمع، والكتبة والفرِّيسيون سامعون، ولكن المسيح يوجِّه
هنا كلامه لتلاميذه لأن المَثَل في الحقيقة يصلح للاثنين.

يُلاحَظ
أن الإنسان الغنيّ كان له وكيل، وكان يتعامل مع متاجر يبيع لهم الزيت الخارج من
معصرته وطبعاً زيت زيتون، والقمح من حقله؛ فهو إنسان ثريّ حقا، ووكيله وكيلٌ
قانوني للبيع والتحصيل، وفي هذه الحالة يكون له صلاحيات كبيرة في المطالبة بالديون
ورفع القضايا وقفل المحلات في حالة عدم السداد، نظير ذلك فهو يعمل عند صاحب الأرض
إمَّا بالعمولة أو بالأجر، وغالباً كان يعمل
بالعمولة. ويبدو أنه كان يحابي التجَّار على حساب صاحب الأرض (كان يبذِّر
أمواله)
التي تُحسب نوعاً من التبديد، ولهذا صمَّم الغنيّ على عزله
وهنا
على القارئ أن يلاحظ أننا مطالبون بمثل هذا السلوك روحياً
كما
سيتضح
فدعاه صاحب العمل وأمره أن يسلِّم دفاتر الوكالة وجميع الإيصالات.

وهذا
أيضاً سيحدث لنا حينما يجدنا السيد رئيس هذا العالم غير أمناء لحسابه لأننا نبذِّر
“مال الظلم”
ومال العالم هو مال الظلم
كثر أو قلَّ، جُمع بأمانة أو غير أمانة

فحينما يجدنا رئيس العالم نبذر أمواله على أولاد رئيس العالم السماوي يحقد علينا
(وهو وضع أولاد الله القديسين في وسط هذا العالم موظفين وتجاراً، أو العاملين بأي
عمل حينما يسخون على الفقراء والضعفاء ويبذِّرون “مال الظلم” على
الأعمال التي يحتاجها المسيح على الأرض، فإنهم يكونون مُبغَضين من رئيس هذا العالم
جداً). وإن طالت حياتهم مهما طالت سيودِّعهم رئيس العالم بالإهانة وربما بالاضطهاد
أو بالأمراض. وهذا هو القصد من: “أعطِ حساب وكالتك” بالنسبة لرئيس
العالم، أي نعطيه حساب وكالته الرديَّة ونمرق إلى السماء؛ حيث نجد أن كل الأرصدة
من مال الظلم التي خُنَّا (من خيانة) فيها رئيس العالم وسَرَّبْنَاها إلى فوق، قد
تحوَّلت إلى أموال طاهرة مقدَّسة التي هي مواهب نِعَم الله في السماء. وهذا بلغة
هذه الأيام هو محاولة جريئة لِغَسْلِ أموال الظلم (أي مال العالم)، وتحويلها إلى
أموال سماوية!

علماً
بأننا حينما يقبلوننا فوق في السماء يسألوننا عن “إخلاء طرف” من رئيس
العالم، فالذي يجدونه لم يُخلِ طرفه تماماً لا يُقبل. ورئيس العالم يعطي إخلاء
الطرف مع شهادة بعدم الصلاحية في العالم وصفات رديئة كثيرة، منها أنه كان يضيِّع
وقته في الصلاة والذهاب للكنائس وتبديد أموال العالم على الغرباء من العالم
كالشحَّاذين والمساكين، وكان يمتّ بصلات شديدة بعدونا الأكبر صاحب السماء وابنه.

+”
فقال الوكيل في نفسه: ماذا أفعل؟ لأن سيدي يأخذ مني الوكالة. لست أستطيع أن
أنقُب وأستحي أن أستعطي. قد علمت ماذا أفعل، حتى إذا عُزلت عن الوكالة يقبلوني في
بيوتهم. فدعا كل واحدٍ من مديوني سيده، وقال للأول: كَمْ عليك لسيدي؟ فقال: مئةُ
بثِّ زيتٍ. فقال له: خُذْ صكَّكَ واجلس عاجلاً واكتب خمسين. ثم قال لآخر: وأنت كم
عليك؟ فقال مئة كُرِّ قمحٍ. فقال له: خُذْ صَكَّك واكتب ثمانين”
(لو 16:
37)

طبعاً أخذ الوكيل العلم بتسليم الوكالة، وعليه أن يرتِّب
الدفاتر

والإيصالات، ولكنه فكَّر كيف يعيش بعد الطرد؟ ويبدو أن العمل شحيح في هذه الكورة.
ففكَّر: أنا لا أستطيع أن أنقب
أي أسرق (مع أنه حرامي) ولا أستطيع أن أشحذ، فهداه فكره لعملية الاختلاس. فتاجر
الزيت كان عليه مائة بث زيت، والبث بحسب يوسيفوس المؤرِّخ يساوي 6
,8 جالون
أو 39 لتراً تقريباً، وبحسب الاكتشافات الأثرية يساوي 20 لتراً تقريباً. فجلسا
معاً هو وتاجر الزيت وزوَّرا إيصالات الاستلام والدفع حتى صارت خمسين بثًّا، وهي
تساوي في ذلك الزمان 500 دينار بعد خصم السرقة، رقماً لا بأس به.

ودعا
تاجر القمح وصنع معه نفس الشيء، إذ كان عليه مائة كُرّ قمح. فقال: خُذ صكك واكتب
ثمانين، والكُرّ
kÒroj هو
مكيال يبدو أنه بالزكيبة ويساوي 48 جالون. وكان ثمن القمح آنئذ بحسب العلاَّمة يوسيفوس المؤرِّخ بين 2530
ديناراً للكُرّ الواحد، الذي يساوي في جملته 2500 دينار. وهكذا خرج من إيصالات القمح بسرقة قدرها 500 دينار، لا بأس بها
أيضاً.

+”
فمدح السيد وكيل الظلم إذ بحكمةٍ فعل، لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور
في جيلهم”
(لو 8: 16)

المسيح
هنا هو المتكلِّم، فواضح جداً أن السيد “ذ
kعrioj
كيريوس” هنا هو الغنيّ صاحب الأرض. والكلام هنا غير واضح، لأن
الغنيّ
الذي وصفه المسيح بالسيد
بنوع من التهكُّم
وجد في وكيل الظلم حكمة (ظالمة طبعاً)
وفي غير مصلحة الغنيّ، ولكن استطاع بها أن يعيش بأن يرحِّل مال الظلم الذي اختلسه
مع زبائن الرجل الغنيّ، لكي يقبلوه حينما يأتي إليهم بعد الطرد يسترزق. وعلَّق
المسيح على ذلك: هل أبناء النور يستطيعون أن يكون لهم حكمة مثل هذا الرجل؟
ويسرِّبوا مال الظلم في هذا العالم إلى فوق: “حتى إذا فنيتم يقبلونكم في
المظال الأبدية”

+”
وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في
المظال الأبدية”
(لو 9: 16)

واضح
من القصة التي قالها المسيح، ومن تصرُّف وكيل الظلم، أنه تصرَّف بحكمة في مال
الظلم بحسب مهارة أولاد العالم. وأن المسيح قال هذه القصة لنأخذ هذا الأسلوب عينه.
والشرح كما سبق وقلنا في المقدِّمة يكون كالآتي:

إن هذا العالم الظالم الشرير هو السيد، ونحن رغماً عن أنفنا
أقامَنَا هذا السيد وكلاءَ له لنكدح
ونشتري ونبيع ونعمل في
مكاتبه الحكومية، وفي أعماله الخاصة في الزرع والبناء والتجارة والبنوك
والصناعة، واكتشاف الفضاء والنزول على القمر لكي
نجمع له المال ونسلِّمه لمن يستلم، ونجمع له
العلم والبيانات والاختراعات ونسلِّمها له. فمطلوب منَّا من وراء هذا السيد
القاسي الشرير أن نأخذ
نصيبنا من مال
الظلم هذا، ولكن ما نستحقه بأمانة كاملة، ثم نبدِّده على الفقراء والمساكين
والمذلِّين والمرضى
وذوي العاهات حتى لا نُبقي له شيئاً عندما يطردنا ونذهب
إلى فوق، حيث نجد أموالنا كلها قد تحوَّلت من أيدي الغلابة والمساكين إلى أيدي
الملائكة فوق، ووُضِعت كُلَّها رصيد نعمة وحكمة ووعي روحي لكشف أسرار ملكوت الملك العظيم السمائي. فنؤهَّل للعمل مع الله الغنيّ في
الرحمة. ذلك أفضل
جداً.

الأمانة في المال:

+” الأمين في القليل أمينٌ أيضاً في الكثير،
والظالم في القليل ظالمٌ أيضاً في الكثير”
(لو 10: 16)

لا
تُفهم هذه الآية إلاَّ على ضوء الآية السابقة، حيث الأمانة لحساب المسيح فوق
للملكوت. بمعنى أن الذي يكون العالم الظالم الشرير قد سلَّمه وكالة صغيرة لكي
يخدمها لحسابه، فإذا انتهز الفرصة وكان أميناً للمسيح والملكوت والحياة الأبدية،
وبدَّد منها شيئاً على الفقراء أمثاله والمساكين أيضاً، ولو قروشاً قليلة؛ ثمَّ
إذا استحسنه رئيس العالم الظالم الشرير ورفعه إلى وكالة أعظم، فانتهز الفرصة نفسها
وكان أميناً لسيده المسيح وأخذ من المال الزائد من عمله وبدَّده يميناً وشمالاً
على كل مسكين وذليل وكل معوز ومتضايق

فإن هذا كله يُحسب له أمانة للمسيح في الكثير، ويُحفظ له فوق كأجر عظيم لا يتدنَّس
ولا يضمحل.

+” فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم، فمن يأتمنكم
على الحق؟”
(لو 11: 16)

الأمر
واضح يا عزيزي القارئ، فالأمانة في مال الظلم هي جمعه بالأمانة والدقة، ولكن صرفه
بالتبديد على الفقراء والمساكين والمظلومين والمتضايقين لفك ضيقهم. هذه هي الأمانة
في مال الظلم تحت رئاسة رئيس هذا العالم الظالم الشرير. أمَّا أن يأتمنَّا المسيح
على الحق بالمقابل، فهذا بحقٍّ هو المعادلة السرِّية بيننا وبينه التي سيكشف عنها
بعد قليل.

+”
وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير، فمَنْ يعطيكم ما هو لكم؟” (لو
12: 16)

وأيضاً بمقتضى ما سبق من آيات، الأمانة فيما للغير هي
الأمانة فيما للمساكين والمذِّلين وبائسي الأرض، هؤلاء هم “الغير”
الذين يتبعون المسيح رأساً. أمَّا “عطية ما هو لكم” فهي هنا النعمة
والبركة والستر والرضا والفرح والرجاء والسرور الكامل، والعلاقة السرِّية مع الله
الآب وابنه يسوع المسيح. إذن، فهي معادلة تسير هكذا: بدِّد ما هو هنا على مساكين
الله، يسكب الله عليك من فوق من غِنَى مجده.

+”
لا يقدر خادم أن يخدم سيدين، لأنه إمَّا أن يُبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم
الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال”
(لو 13: 16)

واضح
جداً الآن بمقتضى شرح ما فات، أنه يستحيل أن نخدم المال بأمانة لحساب العالم ونكون
في ذات الوقت أمناء في خدمة المسيح بالروح والحق. هنا مضادة عظمى يستحيل حلها
إلاَّ بما استطعنا أن نقوله ونوضِّحه في الآيات السالفة. فلكي نكون أُمناء للمال
لابد أن نجاهد ونبذل ما في وقتنا وصحتنا وأعصابنا لنستزيده لحساب رئيس هذا العالم
الشرير، الذي يعطينا إذا نجحنا وجمعنا له الملايين لنضعها في البنوك، يعطينا شهادة
الدكتوراه في الإخلاص في خدمة العالم ومال الظلم. ولكن أن نخدم المسيح تصبح خدمتنا
للمال لحساب السيد المسيح، أي نأخذ منه الكفاف والباقي في مشروعات لحساب الفقراء
والمساكين فيكون لنا كنزٌ في السماء، والله لا يكذب. يستحيل أن نحب المال ونحب
الله، هذا رياء فرِّيسي. إذا أحببنا الله فعلاً من كل قلبنا وفكرنا، يلزم ويتحتَّم
أن المال إذا وقع في أيدينا يكون مال الله،
ومال الله يُعطى للمحتاجين من أولاد الله ولا يخصنا منه إلاَّ
كفافنا.

يستحيل
أن نخدم المال ونخدم الله، إن أردنا أن نخدم المال، فيلزم بالضرورة أن يكون مال
الله بالفعل وليس بالكلام.

وإلى
هنا ينتهي موضوع المال، ويؤسفني أن أقول أن الشرَّاح الذين اضطلعوا بشرح هذا
الأصحاح أعطوا شرحاً متحيِّزاً للعالم ولمال الظلم. لذلك نوعِّي القارئ أن المسيح
يقول الحق، والحق لا يجوز اللعب به ليتناسب مع ظروفنا أو مبادئنا نحن أو واقعنا
المالي. فإن كنَّا نحسب أنفسنا أننا أبناء الملكوت، فالملكوت له شروط يلزم أن
تُراعى جيداً هنا في العالم. وأي محاولة للخلط بين العالم والملكوت مجازفة نحن
فيها خاسرون:

+
“وأمَّا الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة
غبيَّة ومضرَّة، تغرِّق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور،
الذي إذ ابتغاه قوم ضلُّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.” (1تي 6:
9و10)

توبيخ
الفرِّيسيين الذين أرادوا أن يخدموا الله والمال:

هنا
تعقيب على كلام المسيح بخصوص المال وخدمته، فلمَّا سمعه الفرِّيسيون استهزأوا به
مثل كل إنسان يريد الآن أن يزكِّي الغِنَى واقتناء المال والادعاء بإمكانية خدمة
الله والمال. ويكشف المسيح عن سرّ الإصرار على خدمة المال مع خدمة الله أنها
محاولة لكسب رضا الناس وتكريمهم.

ولكن
شهادة لله(
[1]) نقولها: إن بعض العلمانيين
الجبابرة في هذا الجيل قاموا بمشاريع ينتفع منها الفقير والمريض. هؤلاء لا يمكن أن
نضعهم في صفوف الأغنياء الذين يطلبون الكرامة ومجد الناس، لأن أعمالهم تشهد لهم. والمسيح هنا يتكلَّم قاصداً الفرِّيسيين الذين
يضمرون في قلوبهم
كما يراها
محبة المال والجري وراءه.

+
“وكان الفرِّيسيون أيضاً يسمعون هذا كله، وهم محبون للمال، فاستهزأوا به.
فقال لهم: أنتم الذين تبرِّرون أنفسكم قُدَّام الناس! ولكن الله يعرف قلوبكم. إن
المستعلي عند الناس هو رجسٌ قُدَّام الله.” (لو 16: 14و15)

إن
كلام المسيح مثل صليب المسيح وعلى مستواه. فكما أن الذي قاله المسيح يبرهن صدقه
على الصليب، كذلك يريد المسيح منَّا، إن كنَّا نؤمن بصليب المسيح والملكوت الذي
أعدّ، فحتماً نؤمن بصدق كلامه والحق الذي فيه. فالذي يرى في كلام المسيح تعارضاً
مع حياة الإنسان ومنفعته، لن يستطيع أن يؤمن بصليب المسيح وأن يمارس الموت معه.
فموقف الفرِّيسيين هنا أنهم استهزأوا به، مما أدَّى في النهاية إلى أنهم اشتركوا
في صلبه. فإن أخطر ما في محبة المال أنها تؤدِّي إلى الكبرياء والاعتداد بالذات
التي وصفها المسيح أنها رجسٌ عند الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى