علم المسيح

125- مَثَل وليمة الملك في عُرس ابنه



125- مَثَل وليمة الملك في عُرس ابنه

125- مَثَل وليمة الملك في عُرس ابنه

في
هذه المدة الزمنية أعطى المسيح، وقبل دخوله في آلامه مباشرة، عدة أمثلة ناطقة
بالمعاني التي تدور حول الملكوت. وبدأها ق. متى بعرس ابن الملك والوليمة التي
أقامها، إذ قال: إن إنساناً ملكاً صنع عُرساً لابنه، وهكذا ينقل المسيح لنا صورة
إبداعية عن إحساسه ونظرته إلى نفسه كعريس، وبآن واحد، ابن الملك. والوليمة هي
للفرحة العظمى التي أكمل بها المسيح صليبه وارتفع ومعه البشرية عروسه المفدَّاة،
ومسرَّة الآب بالخلاص الذي تمَّ، وإقامته الوليمة الملكوتية الدائمة إلى الأبد.
أمَّا الضيوف فهم أعضاء المملكة القديمة في الأُمة اليهودية التي رفضت الحضور
كلية. ويدخل المَثَل مباشرة في: كيف أُعدَّ العُرس؟ وهو يشير إلى اكتمال التدبير
الإلهي للملكوت، وكيف أرسل الملك خدَّامه (الأنبياء) إلى المدعويين الذين دُعُوا
في السابق ومنذ البدء، والآن قد حلَّ ميعاد بدء العُرس. ولكن المدعوين رفضوا.
فأرسل عبيداً آخرين (أنبياء) ليؤكِّد: “هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمَّناتي
قد ذُبحت، وكل شيء مُعَدٌّ. تعالوا إلى العرس” (مت 4: 22)! وإذ بهم يتهاونون
بالدعوة والداعي، ومضوا واحد إلى تجارته، والآخر إلى حقله، والباقون أمسكوا عبيده
وشتموهم وقتلوهم. فلمَّا سمع الملك غضب، وأرسل جنوده، وأهلك أُولئك القتلة وأحرق
مدينتهم! وقد تمَّ ذلك بالفعل.

ثم قال لعبيده: أمَّا العُرس فمستعد، وأمَّا المدعوون فلم
يكونوا مستحقين. فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل مَنْ وجدتموه فادعوه إلى العُرس.
فخرج أولئك العبيد وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين، فامتلأ العُرس من
المتكئين. هنا ثغرة يلزمنا أن نملأها حتى نفهم لماذا “أشراراً وصالحين”
إذ أن المدينة أُحرقت فلم يَعُد من يُدعى من المدعوين الأولين، لذلك لزم الذهاب
بعيداً للأُمم. وهكذا انفتحت أبواب الملكوت إلى منتهى اتساعها. والمدعوون- أشراراً
وصالحين- اغتسلوا ولبسوا لباس العرس. فلمَّا دخل الملك لينظر المتكئين، رأى
إنساناً لم يكن عليه لباس العرس، فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك
لباس العرس؟ أمَّا لباس العرس فهو ثوب المعمودية الذي يُكنى به إلى لبس المسيح
بالإيمان: “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل 27:
3). هذا هو الذي رفضه المدعوون الأولون، فحُرموا من العُرس والملكوت. وفي الحقيقة،
يُحسب لباس العُرس في هذا المَثَل أنه هو نفسه حَمْل المسيح في القلب في الأعماق،
الذي هو مصدر الحياة التي سنحياها في الملكوت: “فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا
فيَّ” (غل 20: 2)، الذي عبَّر عنه المسيح لاهوتياً: “وأنتم فيَّ وأنا
فيكم” (يو 20: 14). فهو ليس مجرَّد ثوب يُلبس، بل كيان جديد يُولد:
“الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت
الله” (يو 3: 3). فالإنسان الجديد الروحي هنا غائب.

 

126-
الكرَّامون الأردياء الذين قتلوا ابن صاحب الكرم

لقد
صوَّر المسيح كيف عامل اليهود أنبياء الله منذ القِدَم وقتلوهم، مع أنهم كانوا
يطالبون بحق صاحب الأرض البهية التي أسكنهم إيَّاها؛ ثم كيف في النهاية خطَّطوا
ونفَّذوا لقتل المسيح، وهو ابن الله صاحب الأرض والهيكل. إنه تصوير شديد التعبير،
صارخ الجرم، ماسكٌ بخناق القتلة بصورة منقطعة النظير.

فإن
كان في مَثَل وليمة عرس ابن الملك صوَّر المسيح الملكوت بأعلى ما يمكن أن يتصوَّره
إنسان في حفلة ملكية يقيمها الملك لمناسبة عُرس ابنه الوحيد المحبوب، وصوَّر فيه
رداءة عنصر المدعوين الذين أهانوا الملك وحرموا أنفسهم وخرَّبوا ديارهم؛ ففي مَثَل
الكرَّامين الأردياء قد صوَّر الروح الشريرة التي تملَّكت على هؤلاء الذين أعطاهم
الله الأرض كَكَرْمٍ يُفَلِّحونه بالروح لحسابه، كيف بلغت بهم شهوة الكبرياء
والتحرُّر من الله وتملُّك مواريث الله لحسابهم، حتى قتلوا ابنه، ليس عن خطأ بل عن
إصرار وعناد وتعمُّد لكي يتخلَّصوا من نير الحق!!

مقالات ذات صلة

وقد
صوَّر المسيح هذا المَثَل بربِّ كَرم غرس كَرماً واعتنى به جداً من الخارج حماية
من الأعداء، ومن الداخل بكل ما يلزم الكرم من تأسيس لحياة الساكنين فيه، وسلَّمه
إلى كرَّامين يعرفون في شئون الكرم وفلاحته على أُسس مكتوبة ومعرفة متوارثة.
ولمَّا قارب الكرم أن يعطي ثماره- الروحية طبعاً- أرسل عبيده- الأنبياء
والرسل والآباء- إلى الكرَّامين ليأخذ من ثمار الكرم بما يفرِّح قلبه ويوازي صلاحه
ونعمته وحفظه ورعايته؛ ولكن الكرَّامين أخذوا عبيد صاحب الكرم، وجلدوا وأهانوا
وقتلوا منهم مَنْ شاءوا. ثم عاد صاحب الكرم وأرسل عبيداً آخرين- أنبياء وراء
أنبياء وراء أنبياء، كثيرين جداً- ففعل الكرَّامون بالآخرين ما فعلوه بالأولين.
وأخيراً، أرسل لهم صاحب الكرم ابنه الوحيد قائلاً: إنهم يهابون ابني؛ وأمَّا
الكرَّامون فلمَّا رأوه قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ
ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه. فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك
الكرَّامين؟ وكان المسيح يُلقي المَثَل مخاطباً به الكتبة والفريسيين، فلجمال
الأسلوب وحبك القصة تاه الكتبة والفرِّيسيون عن غرض المسيح وواقع حياة إسرائيل
وحياتهم، وثارت نفسهم فيهم وحكموا بلا تريُّث،
فكان حكمهم طبق الأصل مما عملوه ومما حاق بهم! قالوا له: أُولئك الكرَّامين
الأردياء يهلكهم هلاكاً رديًّا، ويسلِّم الكرم إلى كرَّامين آخرين يعطونه الأثمار
في وقتها!

هكذا
انكسرت وتحطَّمت علاقات الله مع إسرائيل أصحاب مملكته الأرضية، وآلت إلى الأُمم في
وضعها الروحي السمائي!!

 

127- العشر
عذارى

من
القصص ذات الجمال الفائق في توجيه أولاد الله إلى السهر والصلاة والعبادة والتقوى
بروح التبتُّل لله، وكأن مع الله لا يوجد شيء آخر للإنسان على الأرض- ولكن لكي
يبلغ النفع بهذا المَثَل البديع أقصاه يلزم أن نمتد بكلمة السهر بانتظار العريس
السمائي إلى الوضع الداخلي في حياة الإنسان- فعندما تنشأ علاقة إيمان بالمسيح يبدأ
الإنسان بحرارة يقدّم العبادة اللائقة بالمسيح كمخلِّص وفادٍ؛ ولكن وبنفس المستوى،
تزداد حرارة الإنسان بالعبادة، فتبدأ زيارات النعمة وفيها يحس الإنسان أن المسيح
جاء ليفتقده فعلاً. وهنا ينشغل الإنسان بالمسيح كعريس حقيقي ويبدأ يُعِدُّ نفسه كل
يوم بحرارة جديدة وسهر جديد وتوسلات لطيفة ولغة كلها هيام بالرب. وفي لحظة من
اللحظات يأتي بالفعل ويأخذنا إليه. هنا السهر والزيت والنور والمصباح والفرح كل
يوم. إنه عمل كعمل العذارى!

والقصة
التي يسوقها المسيح لتلاميذه ومحبيه يصوِّر فيها عشر عذارى، خمس حكيمات وخمس
جاهلات. وهنا الحكمة قصرها المسيح على الذين يستخدمون وقتهم ومواهبهم بمهارة في
خدمة المسيح والاستعداد لمجيئه.

وصوَّر
الحكيمات والجاهلات كأنهن يستعددن لحفل عُرس فيه سيأتي المسيح في وقت ما بالليل لا
يعلمه أحد. فالحكيمات احتراساً منهن، لعل العريس يتأخر، أخذن مع المصابيح أواني
فيها زيت حتى يغذِّين المصابيح كلما شحَّ الزيت فيها. أمَّا الجاهلات فأخذن
المصابيح وبها زيتها القليل، ولم يأخذن زيتاً إضافياً. فلمَّا تأخَّر العريس ونعسن
قليلاً، استيقظن على الصراخ: هوذا العريس قد أقبل. فقامت الحكيمات وبسرعة ملأن
مصابيحهن وأشعلنها، فأضاءت لهن الطرق لزفَّة العريس؛ ولكن الجاهلات انطفأت
مصابيحهن، فلمَّا أردن أن يأخذن من الحكيمات، اعتذرن قائلات: لعله لا يكفينا
وإياكن. فلمَّا ذهبن ليبتعن زيتاً، جاء العريس ودخلت معه الحكيمات صاحبات المصابيح
المضاءة وأُقفل الباب!

والمَثَل
خصب وبليغ وبه منافع للذين يريدون أن يخدموا العريس، ويتعلَّموا مهنة السهر
البديع.

 

128- الخراف
والجداء والأعمال

الإيمان
يتحتَّم أن يعبِّر عن نفسه بالأعمال،

والمسيح يمكن أن يُرى في الجائع والعريان والغريب والمريض
والمحبوس:

أساسيات:

لكي
نفهم هذا المَثَل يلزم أن نعرف: من الذين سيُدانون؟

الجواب:

1-
الذين رفضوا الإيمان عن معرفة.

2-
الذين أساءوا إلى الإيمان بأعمالهم وأفكارهم.

ثم
مَنْ هم الذين لا يدخلون الدينونة؟

الجواب:
المؤمنون بالمسيح، الذين أثبتوا إيمانهم بالفعل والقول.

الذي يؤمن به لا يُدان. والذي
لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.” (يو 18: 3)

ولكن في مَثَل الخراف والجداء يدخل عنصر جديد على الذين
سيدانون، وعلى الذين لا يدخلون الدينونة.


فالذين سيُدانون يُضاف لهم صنف آخر من الناس- وهم رقم (3)- الذين آمنوا بالمسيح،
ولكن حجزوا المحبة والعطف والرحمة والبذل عن إخوتهم المعوزين من كل صنف الذين
اعتبرهم المسيح كشخصه.

والذين لن يدخلوا الدينونة
زاد عليهم، أو على الإيمان بالمسيح كابن الله الوحيد، الذين سكبوا محبتهم وعطفهم
ورحمتهم وبذلهم على إخوتهم المعوزين الذين اعتبرهم المسيح كشخصه.

فالمفروض
الآن قبل أن ندخل إلى المَثَل أن نعلم أن المَثَل الذي أعطاه المسيح لا يمثِّل
الشرط الوحيد في الرفض والدينونة، ولا هو الشرط الوحيد الذي يمنح حق الدخول إلى
ملكوت الله.

والمَثَل
يقوم أولاً على أساس الذين ربحوا الملكوت:

+
“ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد
لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً
فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه الأبرار
حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك، ومتى
رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا
إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء
الأصاغر، فبي فعلتم!” (مت 25: 3440)

ويُلاحَظ هنا أن المسيح دعا هؤلاء بالأبرار حيث يصبح عملهم
هذا مضافاً إلى برِّهم الذي بالإيمان.

+
“ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية
المعدَّة لإبليس وملائكته، لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريباً فلم
تأووني. عرياناً فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم أيضاً
قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو
محبوساً ولم نخدمك؟ فيجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء
الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة
أبدية.” (مت 25: 41 46)

والذي
نخلص به من هذا التصوُّر الشديد التحديد لكيفية معالجة الفقر والعوز والجوع والعطش
والمرض والهجرة والسجن في العالم، هو أن التقصير في ذلك قادر أن يلغي الإيمان
بالمسيح جملة ويحرم من نعمة الله والحياة الأبدية إذا لم يوضع في أجندة كل إنسان
وكل رئيس وكل مسئول، من أول الجار ثم الحارة ثم الشارع ثم الحي وبعد ذلك القرية
والمدينة. وها نحن نرى أن سر اختلال توازن العالم
اليوم راجع إلى إهمال هذا الجزء شبه الميت من جسم البشرية والساقط من جميع
ميزانيات
الدول.

ويتبقَّى
لنا اعتبار لاهوتي هام من مَثَل الخراف والجداء في موضوع خدمة المعوزين، وهو أن
الذين خدموهم لم يربطوا قط بين خدمتهم لهؤلاء المعوزين وشخص المسيح في ذاته! فكون
المسيح نفسه يعتبر أن خدمة هؤلاء المعوزين تُحسب خدمة له شخصياً، يُستشف من هذا
كيف اعتبر أن محبة الآخرين هي بعينها محبة الله في الوصية العُظمى والأُولى: تحب
الرب إلهك من كل قلبك.. إلخ، وقريبك كنفسك. ففي هذا المَثَل الذي أعطاه المسيح في
قصة الخراف والجداء وَضَحَ أن المسيح احتسب خدمة الآخرين- هؤلاء المعوزين- هي خدمة
موجَّهة لشخصه، مما يفيد أن الله لا يفرِّق بين حبنا لشخصه وحبنا للآخرين
المعوزين. فمحبة القريب عند المسيح هي ومحبة الله على التساوي أو التوازي في
اعتبار الله. لذلك في موضوع هذه الوصية الأُولى والعظمى قال: ” والثانية
مثلها”!!
(مت 39: 22)، والاثنان وصية واحدة!! والله هو الذي يدعونا
للمحبة والمعونة في الآخرين! بهذا المعنى فقط
تكون محبة الآخرين هي محبة الله. وهنا فالإجابة العجيبة على سؤال ذلك الكاتب: مَنْ
هو قريبي؟ هي: “هو الله في المحتاج”، هو المسيح في الجائع والعطشان
والعريان والمريض والمسجون والغريب!

وحينما
يقول المسيح: “أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلُّوا
لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم” (مت 44: 5)، فالله يعلن عن عدم قبوله أو
رضاه للحواجز التي يضعها الإنسان بينه وبين أخيه الإنسان، ويدعونا في قوة محبته أن
نتجاوزها لحساب الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى