علم المسيح

123- التنبُّؤ بقضاء الله على أُورشليم



123- التنبُّؤ بقضاء الله على أُورشليم

123- التنبُّؤ بقضاء الله على أُورشليم

كانت
كلمات المسيح الخاصة برؤيته العامة عن أحوال الكتبة والفرِّيسيين بأن صبَّ عليهم
الويلات تلو الويلات، لها تأثير واضح على قضاء أُورشليم ذاتها بأشد ما يكون
القضاء. فهذا هو حصيد عدم الاستجابة لتعليم المسيح، سواء بالنسبة للمعلِّمين الذين
قفلوا بعلمهم ملكوت السموات في وجه الداخلين فامتنع عليهم هم الدخول بالتالي، أو
المدن التي رفضت تعليمه بعد أن عمل آياته في الجليل ثم في أُورشليم ذاتها؛ وكأن
المسيح قد أخلى الأرض من ساكنيها قبل أن يفرِّغها الرومان بالسيف والدمار، ثم أحرقها بالكلمة قبل أن تحرقها نيران الرومان.
وهكذا تمَّت اللعنات في
أقرب مواعيدها
سواء على العلماء أو الشعب الرافض، وسواء على المدن الصغيرة أو المدينة العظمى

أُورشليم.

ففي الأصحاح الثالث والعشرين من إنجيل ق. متى صبَّ المسيح
ويلاته على الكتبة والفرِّيسيين هكذا:

§     
ويل
لكم أيها الكتبة والفرِّيسيون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدَّام الناس.

§     
ويل لكم أيها الكتبة والفرِّيسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل.

مقالات ذات صلة

§     
ويل لكم أيها الكتبة والفرِّيسيون المراؤون، لأنكم حينما
تكسبون دخيلاً واحداً تجعلونه ابناً لجهنم.

§  
ويل
لكم أيها القادة العميان القائلون: مَنْ حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن مَنْ حلف
بذهب الهيكل يلتزم. أيُّها الجهَّال والعميان، أيما أعظم الذهب أم الهيكل الذي
يقدِّس الذهب.

§     
ويل
لكم أيها الكتبة والفرِّيسيون المراؤون، لأنكم تعشِّرون النعنع والكمون وتركتم
الحق والرحمة والإيمان.

§     
ويل لكم أيها القادة العميان، لأنكم تصفُّون عن البعوضة
وتبلعون

الجمل.

§     
ويل
لكم، لأنكم تنقُّون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوءان اختطافاً ودعارة.

§  
ويل
لكم، لأنكم تشبهون قبوراً مبيَّضة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا
أنتم من خارج أبرار ومن داخل مشحونون رياءً وكذباً.

§  
ويل
لكم، لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزيِّنون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا في
أيام آبائنا ما شاركناهم دم الأنبياء، وهكذا تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة
الأنبياء.

§     
أيها
الحيات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم؟

§  
ها
أنا أُرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في
مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم ذكي سُفك على الأرض من
دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا.. الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي على هذا الجيل. (نحن الآن سنة 30م وخراب أُورشليم وحرق
الهيكل وقتل الشعب حدث سنة
70م).

والآن
يأتي دور أُورشليم:

+
“يا أُورشليم يا أُورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم
مرَّة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة
فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم
خراباً! لأني أقول
لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب!
(مت
37: 2339)

وهكذا
لم يشأ المسيح أن يختم على مجيئه الأول إلاَّ بعد أن يَعِدَ وعداً مؤكَّداً أنه
سيأتي ثانية ومعه بركة الآب ليفتح باب الملكوت على مصراعيه.

 

124-
التنبُّؤ بالأيام الأخيرة ومجيء الملكوت ومجيء المسيح ثانية

بعد
ما ترك المسيح الهيكل هو وتلاميذه، وبعد تنبُّئه عن خراب أُورشليم، عزَّ على
تلاميذه فخامة الهيكل ولم يتخيَّلوا إمكانية تخريب وإسقاط هذه الحجارة الهائلة
بنقوشها ورخامها- ولفتوا نظر المسيح إلى ذلك- فما كان من المسيح إلاَّ أن يؤكِّد
لهم أن هذه الأبنية العظيمة لن يُترك فيها حجر على حجر إلاَّ ويُنقض. هذا أثار
فكرهم وخيالهم وهالهم الأمر، فسألوه إذ كانوا جالسين منفردين على جبل الزيتون تجاه
الهيكل- بطرس ويعقوب ويوحنا- متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟

كان
من الصعب أن يعطيهم المسيح تصُّوراً كاملاً عن تطور الأمر فيما يخص الحوادث
المتعلِّقة باكتمال الزمان وتعاقب الحوادث التي تختص بملكوت السموات، ولكنه بدأ
يعطيهم ما يلزم لتوعيتهم ضد الضلالات
التي ستحدث، ومعظم الأمور كانت فوق طاقة تصوُّرهم، والتي تركها المسيح لعمل استنارة الذهن بحلول الروح القدس وإمكانية
استيعاب الأحداث من تطورها وتدرجها الزمني.

ولكن
المسيح اكتفى دائماً بإلقاء بذار الحقيقة، ثم تركها لتنمو مع الحوادث والزمن حتى
تُستعلن في حينها. على أن إعطاء صورة دقيقة للحوادث قبل وقوعها، فوق أنها لا
تفيدهم شيئاً، فهي غير مناسبة مع طريقة المسيح في بناء الإيمان. فمن جوهر التعليم
أن تبقى الحوادث الهامة الخاصة بالإيمان والحياة مخفية حتى حين ظهورها لتعمل عملها
الإلهي في الذهن والقلب. وقطع عليهم بالنهاية أي إمكانية لمعرفة مُسْبَقة لميعاد
مجيئه: “أمَّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات،
إلاَّ أبي وحده” (مت 36: 24). والسبب في ذلك ليس صعباً علينا أن ندركه،
فالابن جاء وملائكته معه ليخدم قضية في واقع الزمان، وهي خلاص الإنسان من الخطية
والموت وعبودية الباطل والزمن. فحدود عمله يبتدئ بالزمن وينتهي بالزمن، ولكن مجيئه
بعد اكتمال الزمن، لا يخص الابن في وضعه الزمني بعد، ولا الملائكة المعيَّنين
لخدمة المخلَّصين؛ فهي أمور لا زمنية، هذا من جهة الاختصاص. أمَّا من جهة
الصلاحية، فالأمور اللازمنية التي تختص بالمجيء الثاني، لا يمكن بأي حال من
الأحوال تحديدها بتاريخ أو حادثة زمانية على أي وجه كان؛ فعلاماتها وحركاتها فوق
الزمان، ويستحيل استحالة قاطعة تحديدها أو حصرها لعقل يعمل تحت قياسات الزمن. لذلك
قال: لا الملائكة، ولا الابن حال تجسده، يعرف بالفكر الزمني أو يحدِّد بالحوادث
الزمنية متى يجيء المسيح!

غير
أن هناك عنصراً وسيطاً بين الزمني واللازمني في الحوادث المزمعة أن تكون، بمعنى أن
انتهاء الهيكل العام للملكوت الأرضي العالمي المادي سيعقبه استعلان ملكوت الله
الحي الروحي في الحال. لذلك أصبحت العلامة الوحيدة التي يمكن رصدها عن: متى سيأتي
ملكوت الله؟ هي: متى سينتهي هذا العالم؟ ولهذا فقط بدأ المسيح يتكلَّم عن تغيير
وانحلال صورة هذا العالم، وعندما فرغ المسيح من تصوير نهاية هذا الدهر قال:
“وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً.” (مر 26: 13)

وقد أعطى المسيح علامة زمنية نعرف بها أن نهاية الزمن قد
قربت بهاتين الآيتين:

+
“وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم، وعلى الأرض كَرْبُ (قلق
sunocأُممٍ
بِحَيْرَةٍ
™n ¢por…a. وتصادم المياه في البحار (حسب الترجمة اليونانية). والناس
يُغْشَى عليهم من خوفٍ وانتظارِ ما يأتي على المسكونة، لأن قوات السموات تتزعزع. وحينئذ
يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابةٍ بقوة ومجد كثير.
” (لو 21: 2527)

ويعلِّق
المسيح على هذه الحوادث وأهميتها لمعرفة النهاية بقوله: “ومتى ابتدأت هذه
تكون، فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب” (لو 28: 21). بمعنى أن بدء
الحركة الأخيرة لنهاية العالم تصبح نقطة انطلاق في التأكيد بالآتي. ثم عاد المسيح
هنا وأعطى علامة رمزية واقعية زمانية كان قد سبق ونوَّه عنها: “وقال لهم
مثلاً: انظروا إلى شجرة التين (التي لعنها).. متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم
أن الصيف قد قَرُبَ..” (لو 21: 29و30). والقصد واضح، وهو الأُمة اليهودية،
فإذا رأيتم بدء تجديدها روحياً في الكرم أي الكنيسة، تكون علامة النهاية:
“فاعلموا أن ملكوت الله قريب.” (لو 31: 21)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى