علم المسيح

الفصل الثالث عشر



الفصل الثالث عشر

الفصل
الثالث عشر

المسيح في
أُورشليم في عيد التجديد

96- المسيح
يعلن جهاراً عن مسيانيته ووحدته مع الآب

وكان عيد التجديد في أُورشليم
وكان شتاء. وكان يسوع يتمشَّى في الهيكل في رواق سليمان” (يو 22: 10). كان
ذلك في شهر ديسمبر، وكان سكان أُورشليم شديدي التعلُّق به، وسمعوه كثيراً وأحبوه
كثيراً وتمنوا أن يسمعوا منه كلمة أنه مسيَّا لترتاح قلوبهم: “فاحتاط به
اليهود وقالوا له: إلى متى تعلِّق أنفسنا، إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً”
(يو 23: 10). لقد آلم هذا السؤال المسيح جداً، لأنه ليس من الضروري أن يقول لهم:
أني أنا! يكفي أنه علَّم بما لم يعلِّم به أحدٌ غيره، لا نبي ولا حكيم ولا
فرِّيسي. ويكفي أنه عمل أمامهم أعمالاً تنطق بأن عاملها هو الله، ألا يكفي هذا.
فردَّ عليهم آسفاً: “إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم
أبي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي، كما قلت لكم. خرافي تسمع
صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني” (يو 10: 2527). الخراف لا تحتاج من
راعيها أن يُقْسِم لهم بالقول أنه راعيها، بل تتبعه في رضا وهدوء؛ لأنه يطعمها من
دسم المراعي، ويزود عنها، ويضمِّد جراحها، ويحمل على كتفيه الضعيف منها، والمرضعة
يقود! “وأنا أُعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من
يدي” (يو 28: 10). أنا لم أجمعها حولي، بل الذي ناداها وجمعها هو أبي، فهو:
“الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل (ليس من رابِّي ولا من فرِّيسي ولا من
رئيس كهنة ولا من السنهدرين أنا أخذتها)، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي”
(يو 29: 10). هذا لأنهم كانوا يقولون إنه لم يستلم تعليمه من أحد. وعاد المسيح
يؤكِّد لهم أنه ليس نبياً هو ولا ابن نبي، بل هو الواحد الوحيد مع أبيه: “أنا
والآب واحد” (يو 30: 10). وإلى هنا انتهى صبر السائلين عن مسيَّانيته. وامتدت
أيديهم كالبرق على الحجارة
وهي عندهم كثيرة ليرجموه!

فابتدأ
المسيح يداعب عقولهم الجاهلة ونفوسهم الحاقدة بلا سبب: “أعمالاً كثيرة حسنة
أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني!!” (يو 32: 10). مع أنه لم يقل
عن نفسه أكثر مما قيل عن المسيَّا، فالمسيَّا عند اليهود في التعبير اللاهوتي
السري هو ابن الله وهو المتكلِّم والعامل بالله، والله أعطاه أن يستعلن شخصه لهم.

ولكن
إن ضاقت الرؤية وفسد الذهن، فلا يُرى فيمن يتكلَّم بكلام الله ويعمل أعماله إلاَّ
مجدِّفاً! لأن وحدانية الله عند اليهود حصرت الله في مفهوم الواحد العددي وأضاعت
من الله اتساعه اللانهائي ووجوده الكلِّي، وحبست كلمته في المكتوب، وأنكرت عليها
التجسُّد ليُرى الله بين الناس، رؤية العين، ويتكلَّم معهم بسماع الأُذن حتى
يعلِّمهم الحق بعلم نفسه، ويفديهم بعمله ويحييهم بدمه بعد أن أفلس الأنبياء في
خلاص الإنسان، وأفلس معهم كلُّ المعلِّمين والمتكلِّمين والحالمين! قالوا له:
“لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك
إلهاً” (يو 33: 10). لقد أخطأوا التعبير والبداية والنهاية، بل إنه وهو إله
جعل نفسه إنساناً!! هنا ليت بصيرة الإنسان تنفتح ليرى ما عمله الله باتضاعه، إذ
أخفى مجد لاهوته وأخذ شكل العبد لكي يرثي لحال العبيد ويرفعهم لحال الله في المجد.
إذن، فالذين لم يتعرَّفوا عليه بعد، هم الذين جدَّفوا، لأنه إن كان الله أظهر نفسه
في الجسد، أتقول له قد كذبت؟

أنقبل
الناس عندما يمجِّدون أنفسهم فننحني أمامهم ونسجد، ولا نقبل الله لما يتضع ونُنكر
تقديم السجود له؟ وإن كان في التوراة كثيراً ما استُخدمت كلمة” ابن
الله”
للتعبير عن الشعب أو عن الآباء بنوع من شدة التعلُّق والقُرْبى من
الله. وهنا تعجب المسيح وقال: ” فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم،
أتقولون له: إنك تجدِّف، لأني قلت إني ابن الله؟”
(يو 36: 10). ما هو
حلال عندهم أن يُقال لهم أبناء الله وهم بشر، حرام على ابن الله بالحق أن يقول إني
ابن الله؟

وعاد
المسيح يتمسَّك بالأعمال التي يعملها: فإنْ ضَعُفَ الإحساس عندهم لإدراك الحق في
شخص المسيح كابن الله، فهل إلى هذا الحد انعدم الفهم والبصر في إدراك هذا الحق في
الأعمال؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى