علم المسيح

29- ثلاث طاقات في السماء مفتوحة



29- ثلاث طاقات في السماء مفتوحة

29-ثلاث طاقات في السماء مفتوحة

وأنا أقول لكم: اسألوا تُعطوا. اطلبوا
تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم.

لأن
كل مَنْ يسأل يأخذ، ومَنْ يطلب يجد، ومَنْ يقرع يُفتح له”:

عاد
الرب هنا ليعطي صورة حقيقية عن موقفه حيال المصلِّي ليزيد الإنسان ثقة بالله سامع
الصلاة. ولكن الأمر متعلِّق بالإنسان، فهو الذي يحدِّد الاستجابة بنوع الصلاة التي
يصلِّيها، فكلُّ درجة حرارة في الصلاة لها ردّها عند الله.

وعلى
من يتقدَّم إلى الله بالصلاة بإحدى هذه الدرجات الثلاث: السؤال، والطلبة، وقرع
الباب، إن كان يريد حقا أن يفوز بالاستجابة، أن يثق في إيجابية الله ووعوده ثقة
كاملة. ولكي يصل إلى هذه الثقة الكاملة عليه أن يثبت ذلك بأن يتصوَّر نفسه وقد نال
ما يريده ويرسِّخ هذا التصوُّر لعدة أيام وهو يسأل ويطلب ويقرع الباب. أي يعيش
حالة استجابة لصلاته بالفعل شاكراً مهلِّلاً معترفاً بفضل الله عليه. بهذا الوضع
يكون الإنسان قد بلغ مستوى عطية الله بالفعل فيأخذها، لأنه يكون في نظر الله قد
استحقها بلجاجته الواقعية والعملية على أساس إيمانه الواثق بصدق وعود الله.
فالإنسان لا يتوهَّم أنه أخذ سؤاله: بل هو تحقيق على مستوى الإيمان!! وهذا
استناداً على وعد المسيح لقائد المائة: “ثم قال يسوع لقائد المائة اذهب، وكما
آمنت ليكن لك” (مت 13: 8). إنه قانون الاستجابة عند المسيح: ” اذهب،
وكما آمنت ليكن لك”.
قليل جداً مَنْ انتبه إلى هذا القانون، فقائد المائة
آمن في قلبه فعلاً أن المسيح سيشفي أو قد شفى غلامه ثقة منه بالمسيح، فكان إيمانه
فعلاً فعَّالاً تقدَّم به إلى المسيح فقُبِلَ
في الحال. إذن، مرَّة أخرى: علينا أن نؤمن أننا أخذنا قبل أن نأخذ وبهذا نأخذ،
أي أن مستوى إيماننا باستجابة الصلاة هو الذي يتحكَّم في الاستجابة، لأن هذا معناه
أننا نوقِّع صدق الله على إيماننا فيفوز الإيمان في الحال لأنه مدعَّم بصدق الله.
وهذا الوضع يُحسب اختراق مجال الله بالإيمان والصلاة لنوال سؤالنا وطلبتنا، وكلمة
السر هي تصديق وعود الله!!” كما آمنت ليكن لك”، حيث يكون أول
مهنِّئ للإنسان بنوال طلبته قبل أن يأخذها هو الروح القدس، إذ يُسِرُّ إلى القلب
“هنيئاً قد أخذت”! ومنها يبدأ الإنسان فرحه وتهليله وتمجيد الله، كل ذلك
قبل أن يأخذ!! وهذا حق وجيد أن تكون ثقتنا في الله أكبر من الطلب الذي نطلبه.

مقالات ذات صلة

ثم
الآية الأكثر وضوحاً: “لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلُّون فآمنوا
أن تنالوه
(
[1])،فيكون لكم
(مر 24: 11). وهنا وضع المسيح الاستجابة في أمر المستحيل ليوضِّح معنى قوة
الإيمان السابق على العمل: “لأني الحق أقول لكم: إن مَنْ قال لهذا الجبل
انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون
له.” (مر 23: 11)

أ” اسألوا
تُعْطَوْا”:

الفعل
“تُعْطَوْا” مبني للمجهول، والفاعل واضح أنه هو الله الذي يعطي:
“الحق الحق أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. إلى الآن
لم تطلبوا شيئاً باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملاً” (يو 16: 23و24).
وهي قد تأتي بمعنى أنه يجب أن تسألوا حتى تأخذوا، وعكسها صحيح أنه إن لم تُصَلُّوا
فلن تأخذوا شيئاً، أو لن تأخذوا شيئاً حتى تُصَلُّوا من أجله. ومعنى الكلام هنا أن
الله بواسطة تدخُّل ذبيحة ابنه مستعد للرد على كل سؤال “باسم
المسيح”.
فالمسيح يضع هنا نفسه ودمه ضامناً لاستجابة صلواتنا عند الآب
أبيه. لذلك يكون المعنى: إذا صلَّيتم فينبغي أن تتأكَّدوا أنكم ستأخذون ما تطلبون.

ب” اُطلبوا تجدوا”:

فعل “اطلبوا” هنا يأتي دائماً في طلب وجه الله‎:
“قلت اطلبوا وجهي، وجهك يا رب أطلب” (مز 8: 27). وطلب وجه الله يعني
الصلاة مباشرة، لأن طلب وجه الله يعني حضرته أو حضوره: “وكان جوع في أيام
داود ثلاث سنين سنة بعد سنة فطلب داود وجه الرب فقال الرب: هو لأجل شاول..”
(2صم 1: 21). ولكن في العهد الجديد تعني طلب الله مباشرة: “لكي يطلبوا الله
لعلَّهم يتلمَّسونه
(يلمسونه عن قرب) فيجدوه
مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً” (أع 27: 17). “اجتهدوا أن تدخلوا من
الباب الضَّيِّق. فإني أقول لكم: إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون.”
(لو 24: 13)

والمعنى
ينحصر في الحركة، يطلبون وجه الرب أو يطلبون وجهه، ومَنْ يطلبه حتماً يجده. فهنا
يُعْتَبر هذا المقطع من الآية: “اطلبوا تجدوا” لا يعني الصلاة من أجل
شيء أو طلب شيء، ولكن طلب الله ووجه الله كحالة صلاة قائمة بذاتها: “اطلبوا
الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب” (إش 6: 55)، “وُجِدتُ من الذين لم
يطلبوني، وصرت ظاهراً للذين لم يسألوا عني” (رو 20: 10)، ويقصد هنا الأُمم
الذين لم يطلبوه ولكنه وُجد لهم. فهنا الصلاة هي دعاء لوجود الله أو الوجود في
حضرته. وآخر الآية توضِّح أن الله يُظهر نفسه ويُوجَد للأُمم. والمعنى هنا أن الله
منتظر مَنْ يطلبه حتى يوجد له: “إن طلبتموه يوجد لكم وإن تركتموه
يترككم” (2أي 2: 15). وهنا وعد عظيم ليس هيِّناً أبداً، أن الله واقف منتظر
مَنْ يطلبه ومَنْ يسعى إليه إمَّا بالمخافة أو التوبة أو مجرَّد الرجاء: ” ثم
إن طلبت من هناك الرب إلهك تجده إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك”
(تث 29:
4)، “وتطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلبكم.” (إر 13: 29)

ح” اقرعوا يُفتح
لكم”:

القرع
هنا كناية عن الصراخ. هنا الصلاة دخلت في مرحلتها الأخيرة والعالية حيث يقف
الإنسان على باب الله: “أنا هو الباب” (يو 9: 10)، وكأن بصلاته يقرع
الباب (بمعنى يرفع صوته) ويقرع باب تحنُّنات الله ومراحمه، وهي تعطي صورة شحاذ
يشحذ وقف على الباب وظل يقرع وهو يطلب شيئاً ويجتهد في طلبه، ويتوسَّل معتمداً على
مراحم الله التي لا تُحَدُّ. وقول الرب: “اقرعوا يُفتح لكم” تكشف أن
الله داخل الباب منتظر مَنْ يقرع أو هو على استعداد أن يفتح إن كنَّا نقرع بلجاجة:
“ومَنْ يُقبل إليَّ لا أُخرجه خارجاً” (يو 37: 6). وحتى لا يشعر الإنسان
بصغر النفس حينما يقول المسيح إن مَنْ يقرع يُفتح له، قال بالمقابل: “هأنذا
واقف على الباب وأقرع (هنا كلمة “أقرع” تأتي بمعنى أُثابر)، إنْ سمع أحد
صوتي وفتح الباب أدخل..” (رؤ 20: 3). فالقرع على الباب يصف أشد حالات السؤال
بمثابرة وعناد. فإن كان المسيح يقرع بابنا ويطلبنا أفكثير علينا أن نقرع نحن بابه
ونطلب وجهه؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى