علم المسيح

36- معجزة إخراج الشياطين



36- معجزة إخراج الشياطين

36- معجزة إخراج الشياطين

من هو الشيطان؟ يلزمنا في البداية
أن نأخذ فكرة عن الشيطان الشخصي والأسطورة والقوة
المخرِّبة.

أسماء
الشيطان:
إبليس،
الحية القديمة، لوسيفورس (أي حامل النور)، بعلزبول (إله الذباب). أمَّا الاسم
“الشيطان” فمعناه: الخصم أو العدو أو المقاوم، كما جاءت في الأسفار ولكن
بدون تحديد الشخصية. وأمَّا ظهوره بشخصية متكلِّمة فأول ما جاء في سفر أيوب
باعتباره واحداً من أبناء الله، يحمل اسم الشيطان كعضو في الهيئة السماوية
للملائكة، وله الإذن أن يدخل حضرة الله، ولكن ليس كبقية الملائكة:

+
“وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (الملائكة) ليَمْثُلُوا أمام الرب، وجاء
الشيطان أيضاً في وسطهم. فقال الرب للشيطان: من أين جئت؟ (لائماً) فأجاب الشيطان
الرب وقال: من الجولان في الأرض ومن التمشِّي فيها (أصلاً ليس هو على الأرض). فقال
الرب للشيطان: هل جعلت قلبك على عبدي أيوب لأنه ليس مثله في الأرض، رجل كامل
ومستقيم يتَّقي الله ويحيد عن الشر. فأجاب الشيطان الرب وقال: هل مجَّاناً يتَّقي
أيوب الله؟ أليس أنك سيَّجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟ باركت
أعمال يديه، فانتشرت مواشيه في الأرض. ولكن ابْسِطْ يدك الآن ومَسَّ كل ما له،
فإنه في وجهك يجدِّف عليك. فقال الرب للشيطان:
هوذا كل ما له في يدك، وإنما إليه (إلى نفسه وروحه) لا تَمُدَّ يدك.” (أي 1:
612)

هذه
القصة تمدنا بكل ما يخص هذه الشخصية المخاصمة والعدوَّة والمقاوِمة للإنسان. فواضح
أنه ملاك ساقط من رتبته لأنه عصى الله، كما عرفنا في موضع آخر: “إن كان الله
لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا، بل في سلاسل
الظلام طرحهم في جهنم وسلَّمهم محروسين للقضاء” (2بط
4: 2)،
“والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم، حفظهم إلى دينونة اليوم
العظيم بقيود أبدية تحت الظلام.” (يه 6: 1)

وللشيطان
أعوان على مستوى الرؤساء والسلاطين ولكن أشرار، يذكرهم بولس الرسول كيف أن المسيح
ظفر بهم جميعاً على الصليب وجرَّدهم من رتبتهم: “إذ جرَّد الرياسات والسلاطين
أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه (في الصليب).” (كو 15: 2)

والشيطان
كان مقرُّه في السماء في الهواء: “وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا
التي سلكتم فيها قبلاً، حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي
يعمل الآن في أبناء المعصية
” (أف 2: 1و2). والمسيح رآه ساقطاً من السماء:
“رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء.” (لو 18: 10)

والمعروف
عنه أنه يستطيع أن يجعل هيئته مضيئة “شبه ملاك نور” (2كو 14:
11). ولكن نوره غاش وكاذب، فهو نور ينطفئ، أمَّا نور الله فهو نور حقيقي لا ينطفئ
قط.

ومعروف
أنه هو الحيَّة التي أضلَّت حواء وأغرتها لتأكل من الشجرة المحرَّمة وتعصي أمر
الله، لذلك سُمِّي بالحية القديمة. ويجمع سفر الرؤيا له صفات كثيرة هامة هكذا:
“فطُرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان
الذي يضل العالم كله، طرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته.. طُرح المشتكي
على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً” (رؤ 12: 9).
وكذلك أيضاً: “فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس
والشيطان.” (رؤ
2: 20)

وكما
رأيناه في سفر أيوب مشتكياً ضد أيوب الصدِّيق، لأن الله سيَّج حوله بعنايته فلم
يستطع الشيطان أن يمسّه. فاشتكى أن أيوب يعبد ويُسبِّح الله لأنه مُسيِّج حوله
وحول كل ما له، فلمَّا فك الله السياج ضربه الشيطان بضربات فظيعة صارت عبرة
للإنسان؛ ولكن لم يستطع أن يميته، فأنجده الله أخيراً ونجَّاه وأعاد له ما كان له
مضاعفاً من كل شيء. لذلك فعمل الشيطان كما قال هو: أن يجول في الأرض يلتمس شكاية
على الأبرار والقديسين ليأخذ تصريحاً لتجربتهم وضربهم.

من
هنا استشف العلماء أن وظيفة الشيطان هي مراقبة أعمال الناس وحياتهم ليشتكي على أي
محاباة من الله لأولاده حتى يختبرهم هو. أمَّا الله فلا يتخلَّى عن مختاريه بل
يردّ لهم ما فقدوه أضعافاً إن كانوا مظلومين. فالشيطان يحقد على الإنسان المحبوب
من الله، ولكن حقده يجعل الله يزيد المحبة والعناية. وبالنهاية الإنسان الصالح
يربح من حقد الشيطان ومقاومته وعداوته وإساءته. فوجود الشيطان هو لصالح الإنسان
وليس لضرره، ذلك بالنهاية وعلى المستوى الروحي.

ومقاومة الإنسان للشيطان لا تحتاج إلى قوة ولا مهارة ولا
حرص ولا أي فضيلة إلاَّ الصراخ لله. لأن أيوب أمامنا كان رجلاً باراً تقياً يخاف
الله ويحيد عن الشر، وضربه الشيطان ضربات مريعة حقا وبإذن من الله. إذن، لا التقوى
نفعت ولا البر ولا أي فضيلة إلاَّ صراخ أيوب بالنهاية مع صبره واحتماله وشكره على
طول المدى. لذلك فمعركة الشيطان مع أيوب بعد أن انجلت لمَّا حلَّلها الآباء لم
يجدوه قد غلب إلاَّ “بالصبر”، فدخل الصبر كأقوى سلاح ضد محاربات
الشيطان، مع الشكر الذي لم يتخلَّ عنه أيوب في أحلك ساعاته: “الرب أعطى والرب
أخذ فليكن اسم الرب مباركاً.” (أي 21: 1)

ومعروف
أن عقاب الشيطان سيأتي في النهاية، وذلك باعتراف الشيطان نفسه. فالرجلان اللذان
كان عليهما شيطان لمَّا وجدا المسيح قادماً عليهما صرخا: “ما لنا ولك يا يسوع
ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذِّبنا؟” (مت 29: 8). أمَّا الوقت
الذي يعرفانه فهو في النهاية عند الدينونة.

والمسيح
يقول بوضوح: إن الشيطان وأعوانه من رؤساء وسلاطين وملائكة ساقطين يكوِّنون مملكة:
“فإن كان الشيطان يُخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته
(مت 26: 12). إذن، فهي مملكة الشر المدرَّبة على كل صنوف الشرور لإيقاع الإنسان.
ومعروف أن الشيطان له قدرة أن يحارب الملائكة: “وحدثت حرب في السماء: ميخائيل
وملائكته (الند للشيطان) حاربوا التنين (الشيطان)، وحارب التنين وملائكته ولم
يقووا، فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء.” (رؤ 12: 7و8)

والشيطان له سلطان أن يجرِّب ويحارب الإنسان ويضربه بسماح
من الله
لتزكية إيمان وأعمال مختاريه: “ولئلاَّ أرتفع بفرط
الإعلانات أُعطيت شوكة في الجسد: ملاك الشيطان ليلطمني لئلاَّ أرتفع. من جهة هذا
تضرَّعت إلى الرب ثلاث مرَّات أن يفارقني. فقال لي: تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف
تُكْمَلْ. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليَّ قوة المسيح.” (2كو
12: 79)

ومعروف
أن الشيطان أخذ رتبة “رئيس هذا العالم المادي” بعد سقوطه من السماء
كمجال لعمل ضلالاته: “ومتى جاء ذاك (الروح القدس يوم الخمسين) يبكِّت العالم
على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أمَّا على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي، وأمَّا على بر
فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً. وأمَّا
على دينونة فلأن رئيس هذا العالم (الشيطان) قد دِين.” (يو 16: 8
11)

ومعروف
أن إزاء أعمال إبليس كلها التي زرعها في العالم وفي الطبيعة البشرية جاء المسيح
ليبطلها ويُبطل مفعولها: “مَنْ يفعل الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء
يخطئ. لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس.” (1يو 8: 3)

موقف
المسيح من الشيطان:

يؤكِّد
المسيح وجود مملكة الشر (انظر: مت 26: 12) وأنها ذات قوة، والشيطان هو شخص محدَّد
يترأَّس على مملكة الشر. ويؤكِّد أن الشيطان وأعوانه هم وسائط ومنبع كل مصائب
الإنسان التي تظهر أنها طبيعية وهي من فعل الشيطان، من أمراض متعدِّدة الأشكال
والأنواع والأسماء، كلها من فعله (انظر: لو 16: 13)، وكذلك المصائب الخُلُقيَّة
التي رُزِئ بها الإنسان هي من حبكه ومن عمل يديه. فهي تظهر طبيعية وعادية، ولكن
الأصل والمنبع فيها الشيطان والخطية، وهذان لهما صلة وثيقة معاً. ومن جهة محاربة
الوعظ والخدمة يقول المسيح، إن الشيطان يحارب الإنجيل وكلمة الوعظ بكافة الطرق:
“وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تُزرع الكلمة، وحينما يسمعون يأتي الشيطان
للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم.” (مر 15: 4)

ولكن
موقف المسيح من الشيطان وطريقة عمله كشفها المسيح بتصوير غاية في الدقة والواقعية.
فالمسيح ردًّا على الكتبة والفرِّيسيين الذين كانوا يقولون إن المسيح بواسطة
الشيطان كان يُخرج الشياطين، كان ردُّه بتصوير واقعي كالآتي: “حينما يحفظ
القوي داره متسلِّحاً تكون أمواله في أمان. ولكن متى جاء مَنْ هو أقوى منه فإنه
يغلبه، وينزع سلاحه الكامل الذي اتَّكل عليه، ويوزِّع غنائمه.” (لو 11:
21و22)

1 واضح من هذا المَثَل الذي قدَّمه المسيح
ليُقارِن بين نفسه وبين الشيطان، أنه اعتبر الشيطان “القوي” رئيس
ملائكة سابق وصاحب مملكة الشر، ولكن اعتبر المسيح نفسه أنه “الأقوى”.
وطبعاً إن كانت للشيطان مملكة شر، فمملكة المسيح تكون هي ملكوت الله للخير
والصلاح. وهي بالتالي الأقوى.

2 ومن المَثَل يبدو للعين اللمَّاحة أن
هناك عداوة وثأراً ونيَّةً مبيَّتة من الشيطان للحرب والمقاومة، ودليلنا على ذلك
أنه سلَّح داره بالسلاح الكامل. وأسلحته منها الأسلحة الكبرى التي حارب بها
المسيح، والمسيح حطَّمها له. أمَّا الأسلحة الصغرى للناس فهي متعدِّدة ومعروفة:
الخطية بالأساس وما يتبعها من غش وكذب ومراوغة ودهاء وحقد للإيقاع بفرائسه. وهذه
كلها حطَّمها المسيح بتعليمه.

3 كذلك هناك عند المسيح خطة وسياسة وتدبير
سماوي من طرف الآب للنزول من السماء والإطباق على الشيطان في عقر داره وهو العالم،
وتحطيم حصونه، وهي حصون الشر، لاستخلاص غنائمه. وذلك بإرسال “الأقوى”
وهو الابن الذي لا تعلو عليه قوة ولا يعلو عليه فكر أو إرادة.

4 ويتحتَّم أن يكون في الخطَّة بحسب مَثَل
المسيح ضرورة ربط القوي ثم نزع سلاحه.

5 بعد ذلك يسهل على المسيح نهب بيت القوي
هذا وتوزيع غنائمه. فأمَّا البيت فهو العالم الذي يرأسه، وأمَّا غنائمه فهم
الأشخاص الذين استولى عليهم وكبَّلهم بالحديد تحت سلطانه وسحقهم بالأحزان والأمراض
والهموم واليأس.

تنفيذ
الخطة:

وقد
جاء الأقوى ابن الله متجسِّداً مخفيًّا في هيئة إنسان،

واختلى بالشيطان على جبل التجربة وبدأ في تحطيم أسلحته
سلاحاً وراء سلاح، حتى توقَّف الشيطان عن الحركة وكأن المسيح قد ربطه (بانتظار
الصليب، حيث يجرِّده على الصليب من كل سلطانه).

وبعدها
نزل المسيح إلى الخدمة لمواجهة أعمال الشيطان واستيلائه على النفوس التي استحوذ
عليها وربطها بسلطانه. فبدأ المسيح يُخرِج الشيطان عنوة بالأمر النافذ، وبكلمة
“اخرج” يخرج في الحال. ثم بدأ “يشفي جميع المتسلِّط عليهم
إبليس” والذين ربطهم بالأوجاع والأمراض والعمى والصمم والخرس والشلل، ما كان منها مصطنع من عمل العدو، وما كان
منها من الطبيعة،
ولكن إصبع الشيطان
فيها أيضاً. فهو الذي أفسد الطبيعة وأخضعها للباطل
والضعف.

أمَّا
على الصليب فقد عمل المسيح عملين أساسيين بالنسبة للشيطان:

العمل
الأول:
هو
إبطال الخطية أن تكون عنصراً قاتلاً، وبهذا انتزع أقوى أسلحة الشيطان الذي بدونه
لا يساوي شيئاً.

العمل
الثاني:
أمسكه،
وتقول الرسالة إلى أهل كولوسي إنه ظفر بالشيطان وبكل السلاطين والرياسات التابعة
له، وجرَّدهم جميعاً من رتبتهم وسلطانهم ليوم الدينونة (كو15: 2). ولكن بقي لهم عمل
يتناسب مع ضعفهم حتى إلى ذلك اليوم.

ومن هذه الجولة مع الشيطان يتأكَّد القارئ أن الشيطان ليس
وهماً ولا خيالاً؛ بل إن الاستهزاء
به والتقليل من قيمته
أو نفي وجوده هذا من عمل الشيطان أيضاً لكي يخلو له الجو ويشتغل دون

مقاومة!!

كذلك
فإن الشيطان لم يفقد وجوده نهائياً، بل لا يزال يعمل ولكن تحت ضبط وفي أضيق الحدود
لمنفعة الإنسان، لأن عين الله ونعمته ساهرة على أولاده. إنما الواضح أنه يطيح الآن
في عالم اليوم وكأنه استرد قوته كذباً، ذلك لغياب سلطان المسيح. فالكنيسة كادت
تفقد تأثيرها على العالم، لأن الحقيقة انقلبت والعالم هو الذي استعاد تأثيره على
الكنيسة.

وبهذا
نكون أكملنا النقط الأساسية التي قام عليها منهج المسيح التعليمي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى