علم المسيح

29- الخطية والخطاة عند المسيح



29- الخطية والخطاة عند المسيح

29- الخطية والخطاة عند المسيح

أمَّا
تعريف الخطية في مفهوم المسيحية فهي عدم التوافق مع ناموس الله، أو هي التعدِّي
على وصايا الله من أي نوع أدبية أو عبادية روحية. والخطية التي كان يتعامل معها
المسيح لم تَزِدْ عن كونها مرضاً أصاب النفس، والخطاة مرضى كمرضى الجسد: “لم
آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة.. لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل
المرضى” (مت 9: 13و12). والخطايا هي ثمار حياة الإنسان، كثمار الشجر؛ فالشجرة
الرديئة المريضة تنتج ثمراً رديئاً مريضاً. وكذلك الخطية والشر هي نتاج كنز القلب
الشرير. تماماً كالحمى أو الألم يكشف عن مرض داخلي. لذلك دعوة المسيح إلى
التوبة تعني في الأساس تغيير الداخل المريض الشرير وليس تصحيح السلوك، لأن السلوك
هو ناتج الصحة أو المرض الداخلي.
فالمطلوب ليست الأنظمة والقوانين التي تضبط
السلوك، بل شفاء المرض الذي أنتج السلوك الشرير.

وشفاء
المرض والنفس لا يكون بمعالجة الأعراض والظواهر، ولكن بالبحث أولاً عن نوع العلَّة
والسبب الذي أمرض القلب والضمير. والمسيح كطبيب حقيقي للنفس المريضة كشف في مواضع
كثيرة أن علَّة مرض النفس والخطية والسلوك الشرير هو محبة الذات، حيث الذات قد
أزاحت الله واحتلت مكانه. لذلك تكون كل أعمالها ضد الله لأنها أصبحت غريمة وعدوَّة
لكل ما هو لله. فمن محبة الذات تنبع كل الخطايا والشرور والتعديات على وصايا الله
ومشيئته، ومحبة الذات تلد الاعتداد بالذات وتفضيلها وانغماسها في شهوات العالم
وملذاته: “لأن من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل
سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل، جميع هذه الشرور تخرج من
الداخل وتنجِّس الإنسان.” (مر 7: 2123)

لذلك
أصبح إنكار الذات هو أول محاولة لقمع الخطية وتغيير القلب الشرير: “ودعا
الجمع مع تلاميذه وقال لهم: فإن مَنْ أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل
صليبه ويتبعني. مَنْ أراد أن يخلِّص نفسه يهلكها ومَنْ يُهلك نفسه (الرديئة
الشريرة) من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلِّصها” (مر 8: 34و). فإن أردت
أن تكون مسيحياً، فعليك أن تفحص ذاتك وميولها وتتعلَّم كيف تقمع أنانيتها وشهواتها
الخاصة. ولكي تأخذ قوة ومعونة على ذاتك لتردعها؛ قدِّم المحبة مع المسيح، وتقرَّب
إليه، واخضع لوصاياه، وتعلَّم طاعته، والصِق قلبك به على الدوام.

وتقديم
المحبة للآخرين هي ثمار الروح التي تؤكِّد أن الشجرة صارت جيدة.

وفي
مَثَل الابن الضال تصوير بديع للخاطئ، إذ بدَّد ما له وأصبح مديناً بسبب محبته
لذاته، وهنا ظهر الله كأب ظل ينتظر عودته باستعداد أن يغفر ويسامح بالدين.

 

30- المنهج
الأخلاقي عند المسيح

مطالب
المسيح الأخلاقية تنجمع كلها في معنى التغيير في الطبيعة والميل والاستعداد، لا عن
طريق التمرين أو القمع، ولكن عن طريق التجديد والانحياز للروح، حتى يأتي التغيير
كثمرة روحية أو كإشعاع نور من بعد ظلمة، كفعل روحي وإلهي معاً في القلب. ولكن
الاعتراض على ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يغيِّر طبيعته ولا عاداته، ولكن الرغبة
الملحَّة مع الإيمان بالله وبالحق وبما هو أفضل يهيئ التغيير في القلب والطبيعة.
لذلك فالمسيح يعتمد على حركة القلب وليس حركة الفكر أو الجسد للتغيير، باعتبار أن
الذي يلوِّث الإنسان ويجعله إنساناً غير صالح وغير مقبول لدى الله، ليس هو بسبب
الذي يدخله، بل بسبب الذي يخرج منه: “يُخرج من قلبه الشرور” فالقلب هو هدف
التغيير عند المسيح وليس السلوك: “الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب
يُخرج الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرج الشرور.” (مت 35: 12)

لذلك
فالاعتناء بالقوانين التي تحكم الأخلاق والسلوك هو بمثابة تطهير الصحفة(
[1]) من الخارج لتظهر نقية. وتمادي
التدقيق في الاعتناء بالمظهر يخفي داءً داخلياً هو الرياء.

لذلك
يتمسَّك المسيح بتغيير الداخل لتغيير الأخلاق والسلوك. لذلك كان العراك بين
الفرِّيسيين والمسيح عراكاً بين النواميس التي تضبط السلوك الموضوعة بصرامة، وبين
تغيير القلب الداخلي. وبذلك اعتبر الفرِّيسيون أن المسيح مخرِّب للناموس ويهدِّد
وجوده وبقاءه، وبالتالي يلزم قتله.

ذلك
في الوقت الذي يرى فيه المسيح أن تغيير القلب في الداخل بالإيمان بالله ومحبة الحق
مسألة حياة أو موت بالنسبة للإنسان الساعي في طريق الملكوت. لذلك فتعليم المسيح
ليس هو ناموساً جديداً أو تعديلاً بسيطاً لقوانين العهد القديم، أو هو نظام وقانون
جديد عِوَض نظام موسى؛ ولكنه تغيير، وتغيير كلِّي في المفهوم والسلوك والإيمان
والحياة، بأن القلب الصالح هو الذي يقنِّن للإنسان سلوكه. فالخير والصلاح والبر
والتقوى تأتي ليس بالقانون والسلوك بل بتغيير القلب: “قلباً نقياً اخلق فيَّ
يا الله وروحاً مستقيماً جدِّد في داخلي.” (مز 10: 51)

والمسيح
لا يمكن أن يُعطي وسائط عملية للحصول على الأخلاق الجيدة، ولكن يعطي نماذج. يعطي
نفسه أولاً: “تعلَّموا مني” ثم يُعطي النموذج في القصص: كالسامري
الصالح، وكمريم التي اختارت النصيب الصالح، والكنعانية التي اختطفت الملكوت من يد
المسيح بإيمانها وباتضاعها المنسحق جداً، وبقائد المئة بإيمانه العالي.

المسيح
يتحاشى إعطاء القوانين، فلما طلب منه المتشاجران على الميراث أن يتدخَّل ليعطي
كلمة العدل والفصل رفض، وقال لهما تحرزا من الطمع. وهكذا حلَّ المشكلة داخلياً.

وأخيراً،
فالمسيح يعتمد على النموذج الأخلاقي المنبعث من قناعة داخلية وتغيير وليس على
إدراك وتمييز الصالح والجيد. والذي يميِّز
المسيح في التعليم الأخلاقي عن الكتبة والفرِّيسيين هو أن اليهودية
تعتبر السلوك الجيد والصالح هو جزء من الدين، أمَّا المسيح
فيرى أن الصلاح هو ثمرة الدين. وأعظم مَثَل
لذلك: المحبة عند المسيح. فالمسيح عُرف عنه يقيناً أنه مُحب للعشَّارين
والخطاة. هذا معناه أنه يحب
غير المحبوبين وغير المقبولين وغير الصالحين، بل ويحب رديئي الأخلاق والسلوك والطباع،
لماذا؟ لأنه يحب من قلبه
وليس من فكره
وعينيه، فتختفي كل الحواجز والموانع، فلا يستطيع أي عائق أن يمنعه من أن

يُحب!! وهو يحب مَنْ هو في أشد الحاجة إلى المحبة. وهو واثق أن بالمحبة سيغيِّرهم
من خطاة إلى قديسين.

31- الكنيسة
وعملها في تدريب النفس وبنائها

[لم
يعتبر المسيحيون الأوائل أنفسهم كمجتمع جديد، ولكن كان في صميم شعورهم الذي
يتحرَّكون به أنهم “شعب الله”، بمعنى أنهم جزء لا يتجزَّأ من الشعب
القديم، شعب الآباء والأنبياء الأُول؛ انفصلوا عن الذين رفضوا المسيَّا، الذين
قطعوا أنفسهم من “مواعيد الله لإسرائيل” فكثير من الأنبياء تحدَّثوا عن
البقية التي تبقى لإسرائيل أنها هي التي سوف تتوب وتخلص (والقصد كان أنهم هم الرسل
والذين آمنوا بالمسيح من الكتبة والفريسيين وبقية شيوخ الشعب). وأنبياء أخر قالوا
إن الأُمم أيضاً سيأخذون نصيبهم في المسيَّا ونصيبهم في إسرائيل. هذا هو وضع
المسيحيين بالنسبة للمسيح، معتبرين أنفسهم أنهم هم وحدهم الذين يفهمون، وقد فهموا
الأنبياء وخضعوا وأطاعوا النبوَّات وحصلوا على الوعد. غير أن الذين رفضوا المسيح
من إسرائيل هم الجزء الأكبر، أي أكثر مما كان يظن الأنبياء، وهذا هو الذي أضعف
الرؤيا عندهم. كذلك فإن الجزء الذي قَبِلَ المسيح من الأُمم ودخل في الشعب الواحد
هو أعظم بكثير جداً مما تصوَّر الأنبياء. ولكن هذا لم يغيِّر في أساس الرؤيا عند
الأنبياء، وأن الذين سيقبلون المسيَّا هم المعتبرون “إسرائيل الله” برغم
ما فيهم من كثرة طاغية من الأمم.](
[2])

وبحسب
تحقيق بولس الرسول، يحتسب أن هذه الحقبة التي كان يمر فيها (أيام بولس الرسول) هي
حقبة تمتاز بأن ملكوت الله في صميم معناه ومبناه قد تحقَّق بالتدريج وهو لا يزال
إلى أن يسلِّمه (المسيح) كاملاً إلى الله أبيه (1كو 15: 2028).

فشعب الله الآن أو إسرائيل الجديد هم الذين تحت إلهام
المسيح وقيادته، يعملون بكل الجهد
لاكتمال ملكوت الله.
وما كانت تُحار
ِب فيه إسرائيل بواسطة
الغيورين فيها من أجل الخلاص من الأعداء
الذين استولوا على البلاد، أي
التخلُّص من ملكوت الأُمم والعالم، تُحارِب
فيه الكنيسة الآن ضد ملكوت الشيطان وأعداء المسيح بالروح، وأسلحتها صارت روحية
بالضرورة: “الحق”، “البر”، “السلام”،
“الإيمان”، “الخلاص”، “كلمة الله السيف ذو الحدين”
(أف 6: 1417). في هذا المجال تعمل الكنيسة في العالم بكل جهد في جيش
ملكوت السموات للنصرة فوق كل قوة روحية معادية لاكتساب
العالم للمسيح ولملكوت الله بالنهاية: “فإن سيرتنا نحن هي في السموات.. إذاً
يا إخوتي
الأحباء والمشتاق إليهم، يا
سروري وإكليلي، اثبتوا هكذا في الرب أيها الأحباء.” (في 20: 3، 1: 4)
(
[3])

فالكنيسة
تجاهد وتحارب على الأرض وتنمو وتزداد في السماء! فالكنيسة لها وجودان ووجهان: على
الأرض جهاد وحرارة وتضحية وبذل، وفي السماء فرح وسرور وابتهاج وإكليل مجد؛
والوجهان يسيران معاً ولو أن الواحد لا يرى الآخر. وهذه بعينها هي صورة الملكوت
المتحرِّك عَبْرَ الزمان على الأرض لحساب الخلود والمجد السماوي.

فبتدريب
التلاميذ وتعليمهم على المستوى الروحي الذي يعيشونه ويسلكون بمقتضاه بما يتناسب مع
ملكوت الله، يكون المسيح قد وضع أول صورة للكنيسة. لأن فاعلية الحياة الروحية
بسلوك روحي يتناسب مع ملكوت الله يُنشئ

من تلقاء ذاته
وحدة جماعية تشعر بقوة روحية
تجمع الأفراد معاً، لأن المبادئ والفهم والسلوك والهدف يكون قد أخذ شكله الواحد
بحسب ما يطبعه المسيح على النفس والروح، فيكون التجمُّع الذي يجمعهم ليس صناعياً
يحتاج إلى إقناع أو ضغط أو رجاء، بل يكون قوة نابعة منهم أنفسهم، لأن الذي جمعهم
هو المسيح وروح الله، والهدف هو ملكوت الله وطاعة وحب المسيح والآب. هذا يتم بحسب
مشيئة الله وبقيادة روح الله، لأن خلقة كنيسة في وسط العالم بهذه الصورة الروحية
المتحدة عضوياً وفكرياً وسلوكياً هي منتهى مشيئة الآب، وغرض المسيح الذي جاء من
أجله إلى العالم ليكوِّن من البشرية التي تمزَّقت
بسبب خطية آدم وتدخُّل الشيطان وحدة إنسانية بشرية روحية كجسد واحد
روحاني، له صفات الله في الطهارة والبر والقداسة. وبذلك وبناء عليه، يستحيل
استحالة قاطعة القبول بأن الكنيسة نفسها تنقسم وتتعدَّد وينقسم فكرها وتتباعد
علاقتها من الداخل وتتعادى.

فالكنيسة
محسوبة أنها دعامة البشرية الجديدة المطلوب دخولها إلى الله في السماء لميراث
الملكوت المعد. فهي الأصل والأساس الجديد الذي ينبثق منه الإنسان الجديد المخلوق
بحسب الله في البر وقداسة الحق. وهكذا أصبح من ألزم الفروض فيها أن تكون موحَّدة
الفكر والرأي والمنهج وأسلوب التعليم وحل مشكلات الإنسان، للبلوغ بالبشرية الجديدة
إلى هدفها الروحي الواحد في السماء.

فأصبح
المطلوب منها أن تتخطَّى كل المعوِّقات من تعدد الأجناس والشعوب والعادات
والثقافات، مستخدمة كل طاقتها المسيحية المتسامية جداً بالروح فوق كل هذه الفوارق
والعثرات والمعطِّلات. فالكنيسة لها ملء ما للمسيح نفسه بحسب رؤية بولس الرسول
الصادقة والأمينة والمدعَّمة بروح المسيح. وأرجو من القارئ أن ينتبه إلى متابعة
بولس الرسول في الآية القادمة، كيف أخذ مكاسب المسيح كلها من أجل البشرية
(الكنيسة) وصبَّها فيها، لتكون كلها لها بلا تمييز ولا نقصان هكذا:

+
“مستنيرة عيون أذهانكم، لتعلموا ما هو رجاءُ دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في
القديسين، وما هي عظمةُ قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدَّةِ قوَّته
الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويَّات، فوق
كل رياسةٍ وسلطانٍ وقوَّةٍ وسيادةٍ، وكل اسمٍ يُسمَّى ليس في هذا الدهر فقط بل في
المستقبل أيضاً، وأخضع كل شيءٍ تحت قدميه، وإيَّاه جعل رأساً فوق كل شيءٍ
للكنيسةِ،
التي هي جسده، (وهي) ملءُ الذي يملأُ الكلَّ في الكلِّ.” (أف
1: 1823)

فلو
سمح القارئ وأعاد هذه المكاسب العظمى ثم وقف مليًّا عند قوله في النهاية أنه جعلها
للكنيسة
بسبب أنه صار هو نفسه رأساً
لها
كرأس لجسده، فالكنيسة أصبحت
جسده الذي جلس به عن يمين الله فوق كل هذه القوات والسلطات، وهو بقي رأساً لها يحس
ويُدبِّر ويرفع ويدافع عنها إلى أنتبلغ مكانها الذي أعدَّه لها وحجزه باسمها. هذا
هو مفهوم الكنيسة عند المسيح وق. بولس. وقد أعطى العلاقة بين المسيح والكنيسة
علاقة عريس بعروس وذلك من واقع كلمته هو: “هل يستطيع
بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم” (مت 15: 9). وهذا تعبير عن
الاتحاد القائم بين المسيح والكنيسة الذي هو واقع اتحاده هو بجسد الإنسان. فإن كان
المسيح وهو ابن الله الذي اتَّحد بجسم البشرية هو واحد مع جسده، فهو كذلك مع
كنيسته!

ولكن
أين بذرة الاتحاد الأُولى؟ أليست هي اتحاد الإنسان المؤمن بأخيه الإنسان في نفس
الإيمان بعامل قوة المسيح والروح القدس المشترك بينهما؟ بهذه البداية ومن هذه
البذرة الأُولى: اتحاد الإنسان بالمسيح ثم اتحاد الإنسان بالإنسان بالتالي، تبدأ
الكنيسة لتنتهي بالمسيح كعريس وعروس يؤهِّلها لنوال كل ما للابن عند الله أبيه.

فإذا
سألتني: ما هي إذن أخلاقيات الكنيسة وقيمها ومُثُلها العليا، وعلى أي أساس يكون
تعليمها للمؤمنين وتدريبهم؟ أقول:

الإجابة
واضحة مما سردنا أعلاه. كيف جمع المسيح تلاميذ أميين، وبدأ يدرِّبهم ويعلِّمهم
تعليماً يخلو من جميع السلبيات والضوابط والضواغط على الأخلاق والسلوك وإعطاء
تدريبات الصوم والنسك وتقشُّفات الجسد بشبه المعمدان وتلاميذه، وارتفع بالتعليم
والمعلِّمين إلى المستوى الروحي لغرس مبادئ الروح لتكون هي مبادئ الأخلاق والقيم
الروحية العليا التي كشفها واستعلنها المسيح لتنتقل الكنيسة بأبنائها وعابديها من
مستوى العبيد إلى مستوى الأحباء والأخصاء الذي يليق بهم البذل حتى الصليب. هكذا
تتعلَّم الكنيسة وهكذا ترتفع بتعليمها وبذلها لتكون مثل المسيح لتلاميذه. وليس من
عندها تأتي الكنيسة بهذه الروح وهذه التعاليم وهذا البذل، بل من المسيح رأسها. فهو
مدبِّرها ومعلِّمها الأعظم، والروح القدس الذي صار المعزِّي الآخر والمدبِّر
المباشر: “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا
يتكلَّم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلَّم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجِّدني، لأنه
يأخذ مما لي ويخبركم” (يو 16: 13و14). إذن، لقد ضمنت الكنيسة المصدر الذي
تأخذ منه حياتها وتعليمها الذي لا ينضب إلى الأبد.

ولكن
الذي يتحتَّم أن تعرفه الكنيسة الآن تماماً أنه بدون هذا المصدر الذي هو الرأس
المسيح والروح القدس في كل شيء وكل زمان وحال، فلا تعليم ولا أبناء لله والملكوت.
وإن نَزَعَتْ للعودة إلى الرُقعة الجديدة على الثوب العتيق فثوب الخلاص سيتمزَّق،
أو إن مالت للرجوع إلى الزِّقِّ العتيق لكي تضع فيه خمر الروح القدس فالخمر سينسكب
على الأرض!

والمسيح
حينما يشعر أن الكنيسة وضعته مثلاً فوق الرأس ومصدر التعليم والتدبير، وإن شعر
الروح القدس أنه أخذ وضعه وكرامته، فسوف يعمل المسيح والروح لرفع الكنيسة من
الهوَّة التي استقرَّت فيها.

فالمسيح
يعلم حقا وتماماً ما آلت إليه أمورنا، والروح انطوى حزيناً بانتظار أن نملِّك
المسيح علينا بالصدق وندعو الروح القدس ليعمل! وستظل الكنيسة هي النجم الذي يهدي
الحكماء حيث المسيح! والصوت الآمر بروح التقليد والميراث للعودة إلى الطرق الأُولى
واتِّباع أقوال الآباء ومشورات الروح القدس، وقبل كل شيء الإنجيل كأساس!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى