علم المسيح

16- لقب المعلِّم ما يعنيه ومدى عمله



16- لقب المعلِّم ما يعنيه ومدى عمله

16- لقب المعلِّم ما يعنيه ومدى عمله

أمَّا
ملكوت الله الذي جاء المسيح ليؤسِّسه بين الناس فهو روحي، فتحتَّم أن يكون معلِّم
الملكوت روحياً أيضاً.

وكانت
مهمته من جهة الملكوت أن يستعلنه من الداخل ليُعرف في الخارج ومن الخارج. ولأن
الملكوت كما قلنا هو روحي، فلَزِمَ أن تكون كافة الوسائل التي يستخدمها المسيح
لاستعلان الملكوت روحية. هذه الحقيقة شرحها المسيح لبيلاطس عندما سأله بيلاطس:
“أنت ملك اليهود؟.. أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم (ملكوته
روحي هو).. فقال له بيلاطس: أفأنت إذاً ملك؟ أجاب يسوع: أنت تقول إني ملك، لهذا
قد وُلِدْتُ أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق!
” (يو 18:
33و36و37)

هذا
الحقائق الثلاث التي أعلنها المسيح لبيلاطس وللعالم، تفيد أنه هو حقا صاحب
الملكوت، وأنه حقا هو ملك ووُلِدَ لذلك (بمعنى أنه أتى إلى العالم بتدبير الله من
أجل ذلك)، وأنه حقا جاء إلى العالم ليشهد للحق ويعمله.

وواضح من منطق المسيح أنه جاء ليؤسِّس الملكوت بطريق
الشهادة للحق، على أنه شهد في

موضع آخر: “أنا هو الحق (الطريق والحق والحياة)” (يو 6: 14). والمعنى
يصبح واضحاً أنه جاء ليشهد للحق باستعلان نفسه بالكلمة والعمل، فيكون هذا هو أساس
الملكوت: استعلان الحق وامتلاكه.

لم
يعد هو مُعلِّماً وحسب ولا معلِّماً روحياً فقط، بل المعلِّم والملك والحق الإلهي
معاً وصاحب ملكوت المسيَّا: “(الله) الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت
ابن محبته،
الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا” (كو 13: 1و14). كانت
إقامة المعلِّم الإلهي التي استأثرت بتعليمه وعمل معجزاته هي في الجليل ثم في
أُورشليم. وكان اليهود شغوفين برؤية الآيات بالدرجة التي استنفدت كثيراً من جهد
المسيح وعطَّلت كثيراً من تقبُّلهم التعليم، سواء كان في الجليل أو في أُورشليم.
ولكن كان شعب الجليل بسيطاً سريع التأثُّر والرجوع والتوبة، ولم يكن تأثير
الفرِّيسيين عليه شيئاً يُذكر. أمَّا في أُورشليم فكان الفرِّيسيون يمثِّلون
الطبقة الأكثر وجوداً والأكثر مقاومة.

ولكن شعب الجليل البدائي وكانت
لهم رؤية ضيقة بالدين والروحيات
لم يروا في المسيح لا شكل المسيَّا ولا حتى كرامة النبي، إذ
أن ما ساد على تفكيرهم وأفسد رؤيتهم هو تعرُّفهم على المسيح، فهو من ذات الوطن، إذ
عرفوه أنه ابن النجَّار، وتعرَّفوا أيضاً على أُمه وإخوته وأخواته من يوسف، فلم
ترتفع نظرتهم أو تنفتح آذانهم إلاَّ على قدر ابن نجار يعظ وابن مريم، وهبه الله
لساناً يتكلَّم وآيةً يعمل. وهكذا أُعطي له من
الكرامة والإصغاء ما لنجار الناصرة الذي يقول إنه أُرسل من
الله.

ولكن
وقد علَّم في أُورشليم وتفوَّق على الربيِّين والكتبة والفرِّيسيين، عاد إلى وطنه
وقد ارتفعت قيمته في أعين مواطنيه: “فلما جاء إلى الجليل قبله الجليليُّون،
إذ كانوا قد عاينوا كل ما فعل في أُورشليم في العيد.” (يو 45: 4)

وهكذا
دخلت خدمته إلى مرحلتها ذات التأثير في عقول أهل أُورشليم وقلوب أهل الجليل.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى