علم المسيح

15- ما يعنيه المسيح من لقب ابن الله



15- ما يعنيه المسيح من لقب ابن الله

15- ما يعنيه المسيح من لقب ابن الله

إن
أكثر الأناجيل انطلاقاً في هذا المجال الروحي العالي الذي يحيط بالمسيح والتركيز
على الجوهر اللاهوتي الساكن فيه هو إنجيل ق.
يوحنا. ولا يمكن تعليل ذلك بأي علَّة غير العلاقة الروحية التي
ربطت ق.
يوحنا بالمسيح، وجعلت المسيح يرتاح إليه ويُعلن له ما لم يعلنه لآخرين. كذلك، ومن
قراءة وفحص إنجيل ق. يوحنا، يتحقَّق لنا بوضوح مدى عمق وأصالة تقليد ق. يوحنا
كَمُلْهَم وموهوب. وبالرجوع إلى أحاديث المسيح الروحية في إنجيله نُدْرِك في الحال
أن المسيح يستفيض من أعماق روحه، وأن ق. يوحنا يستوعب ما لا تطيقه قدرة إنسان
عادي. فمستوى التعليم والكشف والتعمُّق فيه أكثر من أي إنجيل آخر. كذلك فالرجوع
إلى بشرية المسيح لاستيعابها يأتي في إنجيل ق. يوحنا بإنصاف ووعي يرفع عن إنجيل ق.
يوحنا أي انحياز لأي نظرية أو مبدأ غير ما هو في المسيح وله.

ولكن
لا نعدم في إنجيل ق. متى أيضاً من التعابير التي أتت معبِّرة عن حقيقة وأصالة
مفهوم ابن الله، ما يضارع ما جاء في إنجيل ق. يوحنا، كقوله: “كل شيء قد دُفع
إليَّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلاَّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلاَّ الابن،
ومَنْ أراد الابن أن يُعلن له” (مت 27: 11). يكشف إنجيل ق. متى هنا بلسان
المسيح العلاقة السرِّيَّة والخاصة جداً بين الآب والابن. ولكي يتأكَّد القارئ
تماماً أن المسيح هنا هو القائل هذا بنفسه، فقد عاد وقاله للفرِّيسيين ممتحناً مدى
إدراكهم للتوراة والمسيَّا والله، إذ سألهم في نفس الموضوع: “ماذا تظنون في
المسيح؟ ابن مَنْ هو؟” (مت 42: 22). وما كان قصد المسيح من ذلك إلاَّ ليفتح
أعينهم لكي يدركوا حقيقة المسيَّا أنه ابن الله على مستوى واقع التوراة وليس من
تخريجاتهم. لأن بقية المزمور تكاد تنطق أن المسيَّا هو رب داود وإن جاء بالجسد
ابناً لداود: “قال الرب لربي اجلس عن يميني!!” (مز 1: 110)

هذا
هو المسيَّا الذي يُدعى اسمه عجيباً حقا، لأنه “وهو لم يزل إلهاً أتى وصار
ابن بشر.. فلنسبِّحه ونمجِّده ونزيده علواً!!”(
[1])

وحينما
قال بولس الرسول إن “الله ظهر في الجسد” (1تي 16: 3)، كان يعني بذلك أن
المسيح حامل لطبيعة الله.

فكما
أن آدم لم يكن يَمُتُّ إلى البشرية بل البشرية هي التي صارت تمتُّ إليه، كذلك
المسيح لم يكن واحداً من الناس بل كان هو “الناس”. فهو حامل طبيعة
الإنسان بصورة جديدة منتسبة إلى الله، لذلك فالمسيح هو الإنسان الجديد المنتسب إلى
الله الذي ظهرت فيه البشرية الجديدة بحالتها السماوية الجديدة بالقيامة من بين
الأموات. وإن كانت البشرية الجديدة تنتسب إليه لكنه هو لا ينتسب إلى البشرية إلاَّ
باللقب كابن الإنسان، لأنه يضمّها كلها في كيانه، فهو ممثِّل البشرية ورأسها، آدم
الجديد، فهو البشرية الجديدة بجملتها. لذلك فهو ليس مخلوقاً ولكنه هو الذي خلق
بشريتنا الجديدة منه وملتحمة فيه، وبدايته هي في الله ليس كعمله بل كحامل لجوهره،
وبالتالي فهو أزلي وليس له نهاية. وهو يحمل بشرية الله الجديدة المخلوقة على صورته
في البر وقداسة الحق وليس بشرية آدم العتيقة.

وإنه
من الخطأ أن نقول إن المسيح إله كامل وإنسان كامل كما يقولون كأنهما اثنان، بل هو
الإله الإنسان أو الإله المتأنِّس الحامل لجوهر اللاهوت والناسوت معاً وبلا تفريق.
فالمسيح ليس اثنين: الله وإنسان، بل واحد، الإله المتأنِّس أو المتجسِّد!
“الله ظهر في الجسد” واستعلان الله كآب وابن لم يظهر إلاَّ بعد التجسُّد
حيث أخذ الابن جسداً وظهر فيه وهو يخاطب الله على أنه أبوه، فاستُعلنت لنا صفة جديدة علينا أظهرت الله أنه آب
وابن بجوار كونه الله الأبدي اللازمني، وأصبح
الروح القدس الذي في الآب والابن هو الذي ينقل لنا ما للآب والابن(
[2]) ويضمنا في روح الأبوَّة
والبنوَّة لله.

ونداء الآب من السماء مرتين على المسيح: “هذا هو ابني
الحبيب” هو ليس استعلاناً فقط، بل هو
تقديس
أيضاً وإرسال “روح السيد الرب عليَّ لأن الرب.. أرسلني” (إش 1:
61). فالمسيح وهو ابن اثنتي عشرة سنة اعتبر بصورة قاطعة ومنتهية أن الله أبوه
“ينبغي أن أكون في ما لأبي” (لو 49: 2). على
أن قمة إحساس المسيح
بالله أبيه عبَّر عنها بقوله: “أنا والآب واحد” (يو 30: 10). هذه رؤية
صافية لا يعكِّرها شيء من نقائص عقل الإنسان.
هذا الإحساس نابع من جوهر يتدفَّق باللاهوت معبِّراً عن كيان المسيح بالنسبة لله.
إنه قمة الانسجام الفكري الإلهي لا يعوِّقه أي اهتزاز. هذا هو نبع اللاهوت الذي
تفجَّر في قلب توما حينما لمس جروح الرب فصرخ قائلاً: “ربي وإلهي” (يو

28: 20).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى