علم المسيح

وعي المسيح لماسويته



وعي المسيح لماسويته

وعي المسيح
لماسويته

! هل
كان يعي المسيح أنه ” المسيا “؟

. لقد
قال المسيح عن نفسه إنه ” ابن الله “، بما لهذه العبارة من معنى كامل
حقيقي. فالفرّيسي بولس – قبل اهتدائه إلى المسيحية على طريق دمشق – ناهض المسيحيين
لأنهم كانوا يجدّفون على الله بانتحالهم القول بتلك ” البنوة “. والمسيح
يوم أعلن نفسه ابن الله، على وجه ” المحفل الأعظم “، قد استنزل بنفسه
حكم الموت.. في وثائق الدعوى التي أقيمت على جان دارك، وعلى هامش النص الذي أعلنت
فيه الفتاة انتساب رسالتها إلى مصدر علوي، علق المسجل بهذه الكلمات الثاقبة:
” جواب فيه حكم الموت! “. وكلمات يسوع التي أجاب بها إلى سؤال الكاهن
الأعظم: ” أأنت ابن المبارك؟ – أنا هو! “، تلك الكلمات هي التي استجلبت
عليه قضاء الموت أيضاً!.. وأما الشكوى التي رفعت إلى بيلاطس، بأنه جعل نفسه ملكاً،
فما كانت سوى حجة سياسية فإن التهمة التي تظلم بها عليه الفقهاء والكهنة، والسبب
الدفين الذي أوغر عليه صدورهم هم أنه جعل نفسه إلهاً، مفترياً بذلك وحدانيته
تعالى. وفي ذلك ما يعلل تلك الدسيسة التي لم تعرف الهوادة، والتي تضافرت فيها على
يسوع عوامل العنف والحيلة (ولا بدع، فالمجدف قد سقطت عنه حقوقه الإنسانية)؛ وتلك
الاستهزاءات الضارية التي قذفوه بها، ساعة كان معلقاً على الصليب: ” إن كنت
ابن الله فانزل عن الصليب ” (متى 27: 40 – 44). بل إن حكم الصلب دلالة قاطعة
على أنه ادعى ” البنوة الإلهية “، على افتراض أن مثل هذا التصريح لا
يؤخذ من كلامه وتصرفاته. ومن الثابت إذن أن الألوهية لم تكن، في كيان يسوع، حقيقة
خفية مطوية عن وعيه. وهو لم يعلن نفسه ” مسيحاً ” وحسب، أي تحقيقاً لآخر
مرحلة من مراحل الماسوية اليهودية، بل حول الماسوية تحولاً جذرياً، باعلان بنوته
الإلهية. وإذا كان لابد من استعمال تعبير لاهوتي، فهو قد عرف ذاته ” مساوياً
لله في الجوهر ” – هذا بحسب التعبير الذي اعتمدته الكنيسة رسمياً في المجمع
المسكوني الأول الذي انعقد في نيقية سنة 325، في إثر استفحال الهرطقة الآريوسية،
وهي التي نفت الألوهة عن المسيح – وكل شئ برهان على ذلك: موقفه من الشريعة
الإلهية، وقد أعلن ذاته ” سيداً ” عليها، ولم يتردد في استخدامها،
وتبديل تعابيرها، متيقناً أنه باعث كمالها، ومصرحاً بأنه يملك روحها بينما لا يملك
الآخرون سوى حرفها؛ ثم تلك السيطرة الهادئة، سواء أكان في طريقة تعليمه، أم في
استعمال طاقاته الخارقة؛ ثم أخيراً تصريحاته التي تتلخص في هذه العبارة الجازمة:
” أنا والآب واحد! ” (يوحنا 10: 30)

 

. لقد
تلقن أتباع يسوع، من يسوع – إذ كان بعد على الأرض – هذه الحقيقة الخالدة، التي
ينبغي لكل مسيحي أن ينعم النظر فيها، وهي أن التعليم الصادر من كلام المسيح وشهاة
حياته يبقى عقيماً، إذا لم ينبعث في النفس ذاك الصوت الآخر الذي به يتم اليقين،
وبه يرضى الإنسان بأن يتجدد. فالله لا يفرض شيئاً على الإنسان المستعصي. ويوم أعلن
بطرس إيمانه بأن المسيح ” هو ابن الله الحي! “، أجابه يسوع قائلاً:
” طوبى لك يا سمعان. فإنه ليس اللحم والدم أعلنا لك هذا، بل أبي الذي في
السماوات ” (متى 16: 16 – 17). أجل، إن تعليم المسيح لا يصبح ” روحاً
وحياة “، ” وطريقاً يؤدي إلى الآب “، إلا لمن يرضى بالإنصات إليه؛
وهكذا ينشئ كل إنسان، في ذاته، ألوهية يسوع. بيد أن هذه الألوهية كانت، في وعي ذاك
الكائن الحي الذي نتأمل فيه، حقيقة صامدة، ما كان يوماً ليجهلها أو ليرتاب في
أمرها؛ وليس من الحق في شئ، ما قيل عن يوحنا الإنجيلي، من أنه، في شبه هذيان
لآهوتي، دون مطلع إنجيله: ” في البدء كان الكلمة!.. “. فكون الكلمة قد
” أصبح جسداً وحل بيننا “، حقيقة عرفها يسوع، وصرح بها، وكشف عنها، هو
نفسه: ” الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر!
” (يوحنا 1: 18)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى