علم المسيح

النساء يجئن صباح الأحد بالحنوط



النساء يجئن صباح الأحد بالحنوط

النساء يجئن صباح
الأحد بالحنوط

 

«وَبَعْدَمَا
مَضَى ٱلسَّبْتُ، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ
وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ.
وَبَاكِراً جِدّاً فِي أَّوَلِ ٱلأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى ٱلْقَبْرِ
إِذْ طَلَعَتِ ٱلشَّمْسُ. وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ
يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟» فَتَطَلَّعْنَ
وَرَأَيْنَ أَنَّ ٱلْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّاً»
(مرقس 16: 1-4).

 

مقالات ذات صلة

اتفقت
النساء الأمينات أن يأتين بالحنوط الذي أعدَدْنه مساء الجمعة، ويجتمعن باكراً صباح
الأحد عند القبر لتجديد التحنيط بإتقان، وكان هذا لظنهنَّ أن المسيح باقٍ في قبره.
فاهتمَّ بهن مجلس السماء بناءً على أمانتهن وغيرتهن في أصعب الأحوال. فلم يكد
يبتدئ هذا الاجتماع عند شق فجر اليوم الأول، أي الأحد، إلا سبقتهن إلى القبر خدمة
الملائكة.

 

كُنَّ
قد شاهدن في ساعة الدفن الحجر الكبير الذي أُغلق به القبر، فتحيرن في كيفية دحرجته
ليتمكنَّ من الوصول إلى الجسد، لأنه كان عظيماً جداً. لكنهن جهلن صعوبةً أعظم
جداً، وهي ما عمله الرؤساء بعد مبارحتهن القبر. ولا ريب أنهن لو اقتربن إليه في
وجود الحراس لاعتبروهنَّ آتياتٍ لسرقة الجسد، وعاملوهن أقسى معاملة. ولو سُمح لهن
بالاقتراب، فماذا كنَّ يصنعن بختم الحكومة على الحجر؟ لكن بما أن صعوبة رفع الحجر
التي يعرفنها لم تثنهنَّ عن الواجب الحبي، أزال اللّه مِن أمامهن ليس تلك فقط، بل
أيضاً ما هو أعظم منها كثيراً مما يجهلنه وهو حراسة الحراس، التي أُخفيت عنهن،
رحمةً بهن، لئلا تمنعهنّ عن تأدية خدمتهن الشريفة، أَوَليس أكثر ما تخفيه عنّا
العناية الإِلهية (إذا لم نَقُلْ كلُّه) قد أُخفي رأفةً بنا؟

 

أرسل
اللّه ملاكاً ليفعل ما لا تستطيعه النساء. نزل الملاك ودحرج الحجر عن الباب وجلس
عليه، فحدثت عند نزوله زلزلة عظيمة، فارتعب الحراس وهربوا من دحرجة الحجر، ومن
هيئة الملاك الذي كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.

 

نهضت
النساء للمجيء إلى القبر والظلام باق، وسِرنْ إلى أن بلغْنَ المكان عند طلوع الشمس
وعيونهن شاخصات إلى القبر من بعيد، ولم تكن أمُّ يسوع معهن لأنها كانت في بيت
يوحنا الحبيب تستقبل تعزيات من يتجرأ من المحبين على زيارتها بمناسبة وفاة ابنها.

 

أما
مريم المجدلية فكانت المتقدمة في زمرة النساء المتعبدات، لأنها كانت تشعر بعظمة
دَيْنها لمخلِّصها – والذي غفر له المسيح كثيراً يحبُّ المسيح كثيراً – ولم تجد من
الخدمة والإكرام ما يكفي ليعبِّر عن شكرها القلبي للذي فكَّ أسْرَها القديم من نير
سبعة شياطين.

 

«وَفِي
أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى
ٱلْقَبْرِ بَاكِراً، وَٱلظَّلامُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ ٱلْحَجَرَ
مَرْفُوعاً عَنِ ٱلْقَبْرِ. فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ
وَإِلَى ٱلتِّلْمِيذِ ٱلآخَرِ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ،
وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا ٱلسَّيِّدَ مِنَ ٱلْقَبْرِ وَلَسْنَا
نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ». فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ
ٱلآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى ٱلْقَبْرِ. وَكَانَ ٱلٱثْنَانِ
يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ
أَوَّلاً إِلَى ٱلْقَبْرِ، وَٱنْحَنَى فَنَظَرَ ٱلأَكْفَانَ
مَوْضُوعَةً، وَلٰكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ
يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ ٱلْقَبْرَ وَنَظَرَ ٱلأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً،
وَٱلْمِنْدِيلَ ٱلَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ
ٱلأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. فَحِينَئِذٍ دَخَلَ
أَيْضاً ٱلتِّلْمِيذُ ٱلآخَرُ ٱلَّذِي جَاءَ أَوَّلاً إِلَى
ٱلْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ
ٱلْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ.
فَمَضَى ٱلتِّلْمِيذَانِ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِهِمَا» (يوحنا 20: 1-10).

 

لما
وقع نظر مريم على القبر ورأت الحجر مدحرجاً عن الباب، ظنّت أن شخصاً محباً أو
مبغضاً أخذ الجسد الكريم، فكيف تطيق أن يهين المبغضون هذا الجسد؟ فرجعت راكضة إلى
المدينة لتخبر بطرس ويوحنا، ولما وجدتهما قالت لهما: «أخذوا السيد من القبر، ولسنا
نعلم أين وضعوه؟». فركض التلميذان إلى القبر مدفوعَيْن بمزيد الإهتمام والكدر.
وسبق يوحنا بطرس، ولم يكتف بطرس بنظرة من بعيد، بل دخل القبر ليفحص بالتدقيق، لعله
يجد سبباً يفسّر فُقدان الجسد. ثم دخل يوحنا مرة أخرى وراء بطرس، وفحصا المكان
معاً، ورأيا هيئة الأكفان الغريبة، وبرهانَ اليد الإِلهية الظاهرة في بقاء منديل
الرأس منفصلاً عن الأكفان، كما هي العادة في التكفين. وبعد المشاهدة مضى بطرس متعجباً
في نفسه مما كان، أما يوحنا فرأى وآمن، بعد أن رأى الدلالة الواضحة على أن غياب
الجسد لم يكن بعمل بشري، بل بقيامة خارقة للعادة. فإن هيئة الأكفان المرتّبة
جيداً، وبقاءها في القبر، علامة كافية على أن عدم وجود الجسد لا يُعزَى إلى يدٍ
أثيمة أو معادية. وكانا يعلمان جيداً أن ليس بين المحبين مَنْ أخذ الجسد من القبر،
فأتمَّت الأكفانُ الغاية من ذِكرها، إذْ أقنعت بطرس ويوحنا أن المسيح قد قام حقاً
ويقيناً.

 

كان
القبر الفارغ برهاناً على القيامة لا يقبل الريب. فلو أن الأعداء أخذوا الجسد،
لفنَّدوا القول بأنه قام، لأن جسده الميت بين أيديهم. والمحبون لا يجدون سبيلاً
إلى أخذه، لأن ضعفهم ويأسهم، وختم الحكومة، والحراس، وسطوة خصومهم، موانع كافية
تحول دُون ذلك. ولو فرضنا أنهم تمكّنوا من سرقة الجسد حسب تهمة اليهود، لكي يدّعوا
أنه قام، فكيف نفسر اختباءهم في علية أورشليم مساء ذلك الأحد، وهم خائفون وغير
مصدِّقين أنه قام؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى