اللاهوت الروحي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

21- درجات من الإيمان: مقدمة

مقالات ذات صلة

يختلف الناس في نوعية إيمانهم ودرجته حسبما
“قسم الله لكل واحد نصيباً من الإيمان” (رو 12: 3). وقد يبالغ البعض،
وإذ يجد إنسان ناقصاً في إيمانه، يقول عنه إنه غير مؤمن على الإطلاق. وهذا الحكم
ضد تعليم الكتاب المقدس كما سنرى. والبعض قد يخلط بين كلمة (المؤمنين) وكلمة
(المختارين)، كما لو كانتا تدلان على معني واحد.

فلنتأمل إذن أنواع الإيمان ودرجاته:

1- حديث الإيمان

2- قليل الإيمان | ضعيف الإيمان

3- الإيمان المحدود

4- البطيء القلب في الإيمان

5- الإيمان الميت

6- إيمان غير ثابت

7- خروج عن الإيمان السليم

8- الارتداد عن الإيمان

9- النمو في الإيمان

10- حِفظ الإيمان والثبات فيه

11- الرسوخ في الإيمان

12- الغِنى في الإيمان

13- الامتلاء من الإيمان

14- الإيمان العامِل بالمحبة

15- الإيمان الذي يصنع العجائب

16- إيمان الثقة والتصديق

17- كل الإيمان

 

1) حديث الإيمان

هناك نوع “حديث الإيمان” وهذا قد أمر
الرسول بعدم سيامته في درجة الأسقفية “لئلا يتصلف” (1تى 3: 6).

 

2) قليل الإيمان | ضعيف الإيمان

وهناك نوع “قليل الإيمان “أو
“ضعيف الإيمان”.

وسنضرب أمثلة من الإنجيل لهذا النوع:

أ – الذين يشكون في عناية الرب بهم في المأكل أو
الملبس. هؤلاء ضرب الرب لهم مثلاً بزنابق الحقل التي ولا سليمان في كل مجده كان
يلبس كواحدة منها. ثم وبخهم قائلاً “فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح
غداً في التنور، يلبسه الله هكذا، أفليس بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟!”
(متى 6: 28 – 30، لو 12: 28).

 

ب – كذلك وبخ التلاميذ لما فكروا أنهم لم يأخذوا
معهم خبزاً، فانتهرهم قائلاً “يا قليلي الإيمان” (متى 16: 8).

 

ج – ووبخ الرب القديس بطرس لما خاف بعدما مشى
معه على الماء فبدأ يغرق حينئذ أمسكه الرب قائلاً له “يا قليلي الإيمان، لماذا
شككت؟” (متى 14: 31).

 

د – وبالمثل وبخ التلاميذ لما خافوا حينما غطت
الأمواج السفينة أثناء نومه فيها. حينئذ قال لهم “ما بالكم خائفين يا قليلي
الإيمان” (متى 8: 26).

 

إذن الخوف، والشك في معونة الله دليلان على قلة
الإيمان.

 

ه – وقد ضرب الرسول مثلاً في ضعف الإيمان بالأخ
الذي يعثر من أكل ما ذبح للأوثان. وأمر بأن ضعف الإيمان لا يجوز إدانته ولا
الإزدراء به، وقال “هو لمولاه: يثبت أو يسقط. ولكنه سيثبت لأن يثبته”
(رو 14: 1 – 4). هنا ويعجبني والد الطفل المصروع، لما سأله الرب “أتؤمن؟
“لكي يشفيه. حينئذ أجاب “أؤمن يا رب. أعن عدم إيماني” (مر9: 24).
إن الإيمان الضعيف يحتاج إلى من يصلي لأجله، لكي يعينه الرب. ولا يجب مطلقاً أن
نزدريه. فالله قادر أن يثبته.

 

3) الإيمان المحدود

هناك نوع ثالث: هو الإيمان المحدود:

ونقصد به الذي يؤمن بالرب في حدود معينة، ولا
يصل إيمانه إلى ما هو أبعد منه.. مثال ذلك مريم ومرثا، اللتان كانتا تؤمنان أن
الرب يقدر أن يشفي أخاهما من المرض فلا يموت. أما إن مات، فقد كانت إقامته من
الأموات أمراً لم يكن إيمانهما قد وصل إليه. لذلك كل منهما قالت للرب “لو كنت
ههنا، لم يمت أخي” (يو 11: 21، 32). ولما قال الرب لمرثا “سيقوم
أخوك” أجابته “أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير” (يو
11: 24). ولما ذهب الرب إلى القبر وقال “إرفعوا الحجر “قالت مرثا
“يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام” (يو 11 24).

 

إن الله لم يرفض هذا الإيمان المحدود، إنما
أعطاه فرصة لينمو.

 

 لذلك
لمرثا “من آمن بي، ولو مات فسيحيا”. ووبخها عند القبر قائلاً “ألم
أقل لك إن آمنت ترين مجد الله” (يو 11: 20، 40). وأعطاها فرصة أن ترى مجد
الله في إقامة أخيها لعازر، لتؤمن أيضاً اليهود الذين شهدوا المعجزة.

 

وهنا كان الإيمان لاحقاً للمعجزة، وليس سابقاً لها.

 

وربما كان ذلك لأن تلك المعجزة كانت الأولى من
نوعها، أي إقامة ميت بعد أربعة أيام من موته، بعد أن أنتن.

 

4) البطيء القلب في الإيمان

نوع رابع، من الإيمان الضعيف، هو البطيء القلب
في الإيمان. وربما يكون عن بطء في الفهم، أو عن عدم إدراك، فلا يأتي إيمانه سريعاً.
وكان هذا هو نوعية إيمان تلميذي عمواس من جهة قيامة الرب. ولذلك وبخها قائلاً
“أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما
كان ينبغي أن المسيح يتألم..” (لو 24: 25، 26). ثم بدأ يشرح لهما الأمور
المختصة به في جميع الكتب.. لكي يؤمنا، أو لكي يعالج هذا البطء في إيمانهما،
الناتج عن عدم فهم أو عدم معرفة. وفي هذا المثال أيضاً نقول: إن علاج الأخطاء
الخاصة بالإيمان، هو الوضع السليم. وهذا أفضل من الإزدراء أو التحقير الذي لا يأتي
بنتيجة ولا يوصل إلى الإيمان السليم.

 

5) الإيمان الميت

وهناك حالة خطيرة هي الإيمان الميت:

فقد قال القديس يعقوب الرسول “الإيمان بدون
أعمال ميت” (يع 2: 20، 17). وقال إن مثل هذا الإيمان لا يقدر أن يخلص صاحبه
(يع 2: 14). ورأي أن الإيمان الحي ينبغي أن تكون له أعمال تدل عليه، فقال
“أنا أريك بأعمالي إيماني” (يع 2: 18).

 

6) إيمان غير ثابت

هناك أيضاً إيمان غير ثابت:

مثال ذلك أن السيد المسيح (قبيل القبض عليه) قال
لتلميذه بطرس “هوذا الشيطان طلبكم لكي لا يفني إيمانك” (لو 2: 18). في
ذلك الوقت إهتز إيمان بطرس، لكنه عاد بعدئذ إلى قوته الأولى.

 

7) خروج عن الإيمان السليم

وهناك حالات وصفها الكتاب بأنها خروج عن الإيمان
السليم. ومنها:

أ – قال القديس بولس الرسول “إن كان أحد لا
يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان، وهو شر من غير المؤمن”
(1تي 5: 8).

 

ب – وقال عن الأرمل الحدثات اللاتي يرجعن في
نذرهن للبتولية “أرفضهن، لأنهن متى بطرن على المسيح، يردن أن يتزوجن. ولهن
دينونة، لأنهن رفضن الإيمان الأول” (1تي 5: 12).

 

ج – وقال كذلك “محبة المال أصل كل الشرور.
الذي إذا ابتغاه قوم، ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة” (1تي 6: 10).

 

د – وقال “إحفظ الوديعة، معرضاً عن الكلام
الباطل الدنس.. الذي إذ تظاهر به قوم، زاغوا من جهة الإيمان” (1تي 6: 21).

 

هل بعد هذه الأمثلة نستطيع أن ننكر علاقة
الإيمان بالأعمال؟!

 

لأنه هنا بعمل خاطئ يقال إن إنساناً أنكر
الإيمان، أو رفض الإيمان، أو ضل أو زاغ عن لإيمان.. لعلنا بأمثال هذه المقاييس
نمتحن أنفسنا، عملاً بقول الرسول “إختبروا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان”
(2 كو13: 5).

 

8) الإرتداد عن الإيمان

أخطر حالة هي “الارتداد عن الإيمان”:

يقول الرسول “في الأزمنة الأخيرة يريد قوم
عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة” (1تي 4: 1). وعبارة الارتداد عن الإيمان،
تعني أنهم كانوا في الإيمان ثم ارتدوا ويتحدث الرسول عن الارتداد العظيم الذي يسبق
مجيء المسيح فيقول إنه “لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولاً” (2 تس 2: 3).
هذا من الجهة العامة، أما عن الناحية الفردية فيقول “أما البار فبالإيمان
يحيا. وإن ارتد لا تسر به نفسي” (عب 10: 38). وهنا يتكلم عن ارتداد إنسان
مؤمن بار كان بالإيمان يحيا.

 

مادام المؤمن يمكن أن يريد، إذن المؤمنون هم غير
المختارين. فالمختارون يبقون على إيمانهم كل حياتهم، حتى ملاقاة الرب.. كل ما
ذكرناه في الأنواع السابقة، هو عن السلبيات في الإيمان. نتابع كلامنا إذن عن الإيجابيات
الإيمانية.

 

9) النمو في الإيمان

النمو في الإيمان:

يقول القديس بولس الرسول لأهل تسالونيكى
“نشكر الله كل حين من جهتكم أيها الأخوة.. لأن إيمانكم ينمو كثيراً” (2
تس 1: 3). وقال عن أهل كورنثوس إنهم يزدادون في الإيمان (2 كو8: 7). إذن الإيمان
فضيلة كسائر الفضائل، يمكن أن ينمو فيها الإنسان..

 

10) حفظ الإيمان والثبات فيه

يقول الرسول عن نفسه في أواخر حياته، ووقت
انحلاله، ووقت انحلاله قد حضر “..أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيراً وضع لي
إكليل البر” (2تي 4: 7،8). ويقول لأهل كولوسى “.. ليحضركم قديسين وبلا
لوم ولا شكوى أمامه، إن ثبتم على الإيمان..” (كو1: 23). وأقوى من الثبات في
الإيمان، تعبير آخر هو الرسوخ في الإيمان:

 

11) الرسوخ في الإيمان

يقول القديس بطرس الرسول عن محاربات إبليس
“.. فقاوموه راسخين في الإيمان” (1بط5: 9).

 

12) الغنى في الإيمان

وهناك درجة أخرى من الإيمان هي: الغني في
الإيمان:

يقول القديس يعقوب الرسول “أما اختار الله
فقراء العالم أغنياء في الإيمان، وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه”
(يع 2: 5). وهناك درجة أزيد من الغني في الإيمان وهي:

 

13) الامتلاء من الإيمان

قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة
“فاختاروا اسطفانوس رجلاً مملوءاً من الإيمان والروح القدس “،
“وأما اسطفانوس فإذ كان مملوءاً إيماناً وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة..
“(أع 6: 5،8). كل هذه الصفات تقال عن حالة لازمة للإيمان هي:

 

14) الإيمان العامل بالمحبة

يقول القديس بولس الرسول “في المسيح يسوع،
لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة” (غل 5: 6).
ولعله ذكر عبارة الإيمان بدون أعمال ميت (يع 2: 20). أما عبارة المحبة، فلأنه بها
يتعلق الناموس كله والأنبياء (متى 22: 40). وهناك نوع عظيم من الإيمان هو:

 

15) الإيمان الذي يصنع العجائب

تحدث السيد الرب عن “آيات تتبع
المؤمنين” (مر16: 17). وقال القديس يعقوب الرسول “صلاة الإيمان تشفي
المريض” (يع 5: 15). ولكن لعل قمة هذا الأمر تبدو في قول الرب “كل شئ
مستطاع للمؤمن” (مر 9: 22). ولعل هناك نوعاً آخر، ليس لصانع الأعجوبة، إنما
للذي يتقبلها وهو:

 

16) إيمان الثقة والتصديق

وهو الذي كان يتطلبه الرب ممن تحدث معه المعجزة.
وأحياناً يسأله “أتؤمن؟”. وكما قال للأعميين اللذين طلباً منه الشفاء
“أتؤمنان أنى أقدر أن أفعل هذا؟” (متى 9: 28). وقد طوب الرب هذا النوع
من الإيمان، مثلما قال للمرأة الكنعانية “عظيم هو إيمانك” (متى 15: 28).
ومثلما قال عن قائد المائة “لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا”
(متى 8: 10).

 

17) كل الإيمان

يقول القديس بولس الرسول “إن كان لي كل
الإيمان حتى أنقل الجبال.. “فاعتبر أن هذا الإيمان الذي ينقل الجبال، هو كل
الإيمان، أي قمته، ولا شئ بعده.

 

– أنواع من الإيمان

 هناك
فرق كبير بين نوعين من الإيمان: إيمان نظري، وإيمان عملي..

1- الإيمان النظري | الإيمان العقلي

2- الإيمان العملي

3- إيمان دائم

4- إيمان دون أن يرى

5- إيمان الثقة والاختبار

6- إيمان قوي

7- إيمان لا يتزعزع

8- الإيمان كموهبة

9- الإيمان السليم

 

1) الإيمان النظري | الإيمان العقلي

هو إيمان فكرى، فلسفي. مجرد الاقتناع العقلي
بوجود الله، وبوجود الأمور التي لا ترى دون أن يكون لذلك أي تأثير على الحياة.

وهناك نص يثبت أن الشياطين لهم هذا النوع من
الإيمان. إذ يقول القديس يعقوب الرسول عن الإيمان الميت، الخالي من الأعمال:

 

” أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل.
والشياطين يؤمنون ويقشعرون” (يع 2: 19). وسفر أيوب يعطينا دليلاً عملياً على
هذه النقطة. لأن حديث الشيطان مع الله تبارك إسمه يثبت هذا الإيمان النظري، إذ
يقول الشيطان للرب “هل مجاناً يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سيجت حوله.. باركت
أعمال يديه. ولكن إبسط الآن يدك ومس كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك” (أي 2:
5). وهذا الكلام كله يثبت أن الشيطان يؤمن عقلياً بأن هذا هو الله، وأنه هو الذي
بارك أعمال أيوب، وهو القادر أن يمس ماله، وأن يمس لحمه وعظمه. وأن أي عبارة تصدر
من أيوب ضد الله تعتبر تجديفاً على الله.. ومع كل هذا كان الشيطان يحارب ملكوت
الله وأولاده، ولا يزال.

 

إيمان الشيطان العقلي الذي تحدث عنه معلمنا
يعقوب، هو أيضاً إيمان ميت، حسب قول الرسول نفسه “إيمان بدون أعمال ميت”
(يع 2: 20). فإن كان الإيمان الخالي من الأعمال الصالحة إيماناً ميتاً، بالأكثر
المشحون بالأعمال الردية ومقاومة كل صلاح أياً كان..

 

إن الإيمان العقلي سهل. ما أسهل إثبات وجود الله
بالأدلة العقلية وبالبراهين العديدة. المهم هو الإيمان العقلي. هذا يقودنا إلى
النوع الهام من الإيمان، وهو:

 

2) الإيمان العملي

هو الإيمان الذي تظهر علاماته في الحياة العملية،
حياة إنسان يؤمن أن الله كائن أمامه، يراه ويحسه، ويتصرف بما يليق بهذا الإيمان.
وهو يحب هذا الإله الذي يؤمن بوجوده وبعنايته ورعايته وحفظه، ويكلم هذا الإله
المحبوب في صلواته وتضرعاته، ويخشى أن يفعل شيئاً يخرج قلبه المحب.. وفي اطمئنانه
لعمله لا يخاف ولا يضطرب، بل يحيا في سلام دائم، مسلماً حياته كلها لتدبيره الحكيم..

 

وهكذا يقوده الإيمان إلى عديد من الفضائل لا
تحصي.

 

وهذا النوع من الإيمان سيكون موضوع كتابنا هذا
بمشيئة الرب، حيث سنشرح كيف يقود الإيمان حياتنا كلها لتصبح حياة الإيمان. وهذا
المفهوم ينقلنا إلى صفة أخرى من صفات الإيمان السليم وهي:

 

3) إيمان دائم

ونعني به أنه لا يكون إله مناسبات. فلا يظهر
إيماننا فقط حينما نكون في الكنيسة أو في اجتماع روحي، أو حينما نصلي، أو نقرأ
الكتاب، أو نتقدم للتناول. وإنما يظهر هذا الإيمان في كل وقت، وكل مكان، في خارج
الكنيسة كما في داخلها. الله أمامنا باستمرار، وفي فكرنا باستمرار، بالإيمان لا
يتغير. إنه ليس فقط إله الكنائس وإله الكتاب، إنما هو إله القلب والفكر جميعاً،
وإله الحياة كلها.

 

4) إيمان دون أن يرى

 إيمان
لا يعتمد على الحواس، وينطبق عليه قول الرب “طوبى للذين آمنوا دون أن
يروا” (يو 20: 29). ليس مثل العلماء الذين لا يؤمنون بشيء، إلا إذا أحضروه في
معاملهم، وتيقنوا منه بأبصارهم وأجهزتهم. وليس مثل الصدوقيين الذين أنكروا وجود
الملائكة والقيامة والأرواح (أع 23: 8)، لأنهم لا يرون شيئاً من ذلك كله..

 

5) إيمان الثقة والاختبار

إنه ليس الإيمان بالله الذي نقرأ عنه في كتب
اللاهوت، أو في المعاهد الدينية، أو في الكنائس وفي فصول التعليم الديني على
أنواعها. وإنما إيمان بالله الذي اختبرناه في حياتنا، وعاشرناه، وأدخلناه في كل
تفاصيل حياتنا، واختبرنا عملياً قول داود النبي “ذوقوا وانظروا ما أطيب
الرب” (مز 34: 8)..

 

ووجدنا أن الله عجيب عجيب، إلى أبعد الحدود، فوق
ما يتصور العقل.. حياتنا كلها مجرد عشرة معه، ذقنا فيها حلاوته وحبه ورعايته،
ورأينا أيضاً قوته وجلاله. وجربنا كيف يدخل في مشاكلنا، بطرق ما كانت تخطر على
عقولنا. ونتيجة للإختبار، صارت لنا ثقة، غير مبنية على الكتب، وإنما على ما لمسناه
بأيدينا.. لذلك إيماننا إيمان حقيقي راسخ في قلوبنا.

 

6) إيمان قوي

وهو الإيمان الذي يستطيع كل شئ (مر9: 23).
ويمكنه أن ينتصر على كل عقبة. ولا يرى أمامه شيئاً مستحيلاً. بل كما قيل عن زر
بابل “من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زر بابل تصير سهلاً” (زك 4: 7).
إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضع قدمه في الماء، لكي يعبر البحر الأحمر في أيام
موسى النبي (خر 14: 22)، وأن يعبر نهر الأردن في أيام يشوع (يش 3). ويستطيع أن
يمشي في داخل الغمر العظيم، والمياه تحيط به مثل سور، عن يمين وعن شمال، دون أن
يخاف.. إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضرب الصخرة فيتفجر منها الماء (خر 17: 6). وهو
الإيمان الذي يسير في الصحراء بلا زاد وبلا مرشد، يجمع طعامه من المن النازل من
السماء يوماً بيوم (خر 16: 15 – 23).

 

إنه الإيمان القوى الذي استطاع أن ينقل الجبل
المقطم على يد سمعان الدباغ، أيام البابا ابر آم بن زرعه. وهو الإيمان القوى الذي
استطاع به إيليا النبي أن يقول “لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند
قولي” (1مل 17: 1).

 

وهكذا “لم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة
أشهر. ثم صلي فأعطت السماء مطراً” (يع 5: 17، 18). وهكذا استطاع أن يغلق
السماء ويفتحها. ما أكثر الأمثلة عن هذا الإيمان القوى. ولكن هناك أمثلة أخرى عن
هذا الإيمان القوى، تبدو في مظهر آخر هو:

 

7) إيمان لا يتزعزع

إنه إيمان ثابت، لا يتأثر مطلقاً بالعوامل
الخارجية: فهو يؤمن بمحبة الله سواء كان على جبل التجلي أو على جبل الجلجثة. يؤمن
بمحبة الله الذي يعطيه من سارة نسلاً في ظروف تدعو إلى اليأس، تماماً تماماً كما
يؤمن بمحبة الله وهو يقول له: خذ إبنك وحيدك الذي تحبه إسحق، وأصعده هناك محرقة
على الجبل الذي أريك إياه (تك 22: 2).

 

أن إبراهيم وهو يرفع بيده السكين على إبنه اسحق،
ما كان يشك مطلقاً في محبة الله، ولا في صدق مواعيده..

 

لم يتزعزع إيمانه مطلقاً في هذا الإله، ولا في
أنه سيكون له من اسحق نسلاً مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثيرة.. إن الإيمان
الثابت لا يتغير بالظروف الخارجية المحيطة به، لأن ثقته ثابتة في الله، وسلامه
القلبي لا يستمده من الظروف الخارجية، إنما من الله نفسه ومحبته وصدق مواعيده.

 

8) الإيمان كموهبة

هناك إيمان عادى، وإيمان يعتبر موهبة من الروح
القدس. ولا شك أن هذا له درجة عالية تفوق الإيمان العادي بكثير.. يقول القديس بولس
الرسول في حديثه عن المواهب، فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد.. ولكنه لكل
واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة.. ولآخر إيمان
بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد..” (1كو12: 4 – 9). وهكذا
أيضاً وضع الإيمان ضمن ثمار الروح (غل 5: 22). ويبدو هنا أننا لا نستطيع أن نفصل
الإيمان عن عمل الروح القدس: إما من ثمار الروح، وإما من مواهب الروح. ولكل منهما
درجته..

 

9) الإيمان السليم

ما أكثر ما يؤمن الناس بأفكار، أو مذاهب، سياسية
أو اجتماعية، ويعطيهم إيمانهم بها قوة على التنفيذ، وعلى نقلها إلى عقول الناس..
ولكننا نود في هذه الصفات أن نتحدث عن الإيمان السليم، الذي يكون له طابع روحي
وصلة وطيدة بالله “الإيمان العديم الرياء” (1تي 2: 5)، “الإيمان
المسلم مرة للقديسين” (يه3).. هذا الإيمان الطاهر النقي فكراً وسلوكاً. وهذا
يجعلنا نقول:

إن الإيمان، ليس هو مجرد عقيدة، إنما هو حياة..
أو هو حياة مؤسسة على عقيدة. أو هو عقيدة إختبارية عاشها الناس، وليست مجرد أفكار
في الكتب.

وما نريد أن نتحدث عنه في هذا الكتاب هو هذه
الحياة، حياة الإيمان.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى