علم المسيح

خطاب المسيح في العلية (يوحنا 14-16)



خطاب المسيح في العلية (يوحنا 14-16)

خطاب المسيح في
العلية (يوحنا 14-16)

 

بعد
أن رسم المسيح فريضة العشاء الرباني، ألقى على تلاميذه حديثاً يشغل الأصحاحات
14-16 من بشارة يوحنا. يبتدئ بقوله: «لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون باللّه فآمنوا
بي. في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلتُ لكم. أنا أمضي لأُعدَّ لكم
مكاناً، وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ، حتى حيث أكون أنا
تكونون أنتم أيضاً». أليس هذا كلاماً مدهشاً جداً من إنسان يعلم جيداً أنه قبل
غروب شمس الغد يكون تلاميذه الذين يكلّمهم هكذا، مشتَّتين يختبئون من أمام أعدائه
وأعدائهم؟ ويكون هو جثة هامدة على صليب بين لصين؟ فبأي حقٍ يتكلم كغالبٍ وليس
كمغلوب؟ وماذا نقول في كلماته التالية: «أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد
يأتي إلى الآب إلا بي. الذي رآني فقد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي،
فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي.
مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن».

 

ثم
يأتيهم بأعظم مواعيده، لأن عليه يتوقف حُسن مستقبلهم، وكيان كنيسته، ونجاح أفرادها
في كل الأزمان. قال: «أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح
الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه
لأنه ماكث معكم ويكون فيكم. وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو
يعلّمكم كل شيء، ويذكّركم بكل ما قلتُه لكم». ويكرر كلاماً في ارتباط المحبة له مع
حفظ وصاياه، ويبيّن النتيجة الجميلة لحفظ وصاياه في قوله: «إنْ أحبني أحد يحفظ
كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً».

 

أي
تفسير لهذا كله إلا أن المسيح – اللّه الذي ظهر في الجسد – يقول هذا الكلام العظيم
بسلطان إلهي عظيم… هو رئيس السلام الذي كان السلام موضوع بشارة الملائكة عند
ولادته، فيقول: «سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا».
ليس «عليه السلام» كالأنبياء بل «منه السلام» كما صرح بذلك الرسل في الرسائل. ولكي
لا يستسلموا للحزن يقول: «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى أبي،
لأن أبي أعظم مني».

 

ثم
تنتقل أفكاره من تلاميذه إلى ما يجري في المدينة بقربهم في نصف الليل، لأنه يرى ما
يرونه من التجمهُر في دار رئيس الكهنة، استعداداً لأعظم جريمة في التاريخ. ويرى
ليس فقط الرؤساء وأعوانهم، وحركات الإسخريوطي الخائن بينهم، بل يرى أيضاً رئيس
الشياطين الذي يقوده هؤلاء في مكائدهم الأثيمة، دون أن يشعروا بحضوره الروحي
بينهم. ووقفته ورؤيته في كلامه عند قوله: «لا أتكلم معكم أيضاً كثيراً، لأن رئيس
هذا العالم يأتي، وليس له فيّ شيء». كان للشيطان رئيس هذا العالم في كل نبي شيء.
لكن ليس للشيطان شيء في ابن الإِنسان، الكامل الخالي من كل خطية وخطأ.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى