علم المسيح

المسيح يحاور شيوخ اليهود



المسيح يحاور شيوخ اليهود

المسيح يحاور شيوخ
اليهود

 

كما
يطلب المحارب المغلوب حلفاء جدداً لعله ينتصر أخيراً، تحالف رؤساء اليهود مع
خصومهم من الهيرودسيين أنصار الملك هيرودس. وبعد أن تشاوروا اتفقت القوة السياسية
مع الدينية على هجوم جديد.

 

ما
لقيصر لقيصر

«ثُمَّ
أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْماً مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ
وَٱلْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا
قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلا تُبَالِي بِأَحَدٍ،
لأَنَّكَ لا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ ٱلنَّاسِ، بَلْ بِٱلْحَقِّ
تُعَلِّمُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ
لِقَيْصَرَ أَمْ لا؟ نُعْطِي أَمْ لا نُعْطِي؟» فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ
لَهُمْ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ». فَأَتَوْا
بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هٰذِهِ ٱلصُّورَةُ وَٱلْكِتَابَةُ؟»
فَقَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ
لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ» (مرقس 12:
13-17).

 

كانت
الحيلة أن الهيرودسيين يتظاهرون بالتديُّن لكي يصطادوا المسيح ويمسكوه بكلمة،
فيسلِّموه إلى حكم الوالي وسلطانه. فتقدموا إليه وتملَّقوه واستشاروه إن كانوا
يدفعون الجزية للحكومة الرومانية أو لا يدفعونها، أملاً أن يمسكوه في شبكتهم مهما
كانت إجابته، فإن قال بدفع الجزية ينفر الشعب منه، لأنهم ضجروا من هذه الضريبة
التي هي علامة استعبادهم للرومان، ولأنهم ينتظرون مجيء المسيح ليحررهم منها.
وكانوا يسألون: «كيف يمكن أن يكون المسيح ملك إسرائيل – كما هتف له الشعب بالأمس
في الهيكل، ويحكم أن ندفع الجزية لقيصر؟». وإن أجاب بعدم دفعها كما يرغب
الهيرودسيون (وهو ما كانوا يرجّحونه) يحصلون على حجة كافية ليسلموه للحكومة، كمثير
للفتنة ضد القيصر الذي وضع هذه الضريبة.

 

علم
المسيح رياءهم وخبثهم، وأن الجواب الذي يروق للفريسيين لا يروق للهيرودسيين – ومع
ذلك اتفق الفريقان على امتحانه، فأجاب: «لماذا تجربونني يا مراؤون؟ أروني معاملة
الجزية». ولما أتوا بدينار. كانت صورة الإمبراطور مرسومة عليه. ومعنى هذا أنهم
يعترفون بسلطان قيصر عليهم. فقال: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله». أي أعطوا
كل ذي حق حقه. بهذا الجواب حطم الشَّرَك المنصوب له، ونطق بهذا القول المأثور
قاعدة للواجبات في الدين والدولة. فلم يقدروا أن يمسكوه بكلمة قدام الشعب وتعجبوا
من جوابه وسكتوا، وتركوه ومضوا.

 

من
تعليم المسيح هذا نرى أن الواجبات للدولة مقدسة وضمن الواجب الديني… ليس السؤال:
هل نخضع لقيصر أم لله، لأن الخضوع للاثنين واجب، والخضوع لقيصر في ما لا يخالف
الخضوع لله هو من أصل الخضوع لله، لأن الله هو الذي سمح لقيصر أن يتسلَّط عليهم.
فعليهم أن يخضعوا لهذا التأديب. وكما تذكِّرهم صورة القيصر على الدينار، بما عليهم
له، يجب أن تذكّرهم صورة الله التي خُلق فيها الإنسان، بما عليهم لله.

 

إله
أحياء، لا إله أموات

«وَجَاءَ
إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ، ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ
قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ
أَخٌ، وَتَرَكَ ٱمْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاداً، أَنْ يَأْخُذَ
أَخُوهُ ٱمْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلاً لأَخِيهِ. فَكَانَ سَبْعَةُ
إِخْوَةٍ. أَخَذَ ٱلأَوَّلُ ٱمْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ
نَسْلاً. فَأَخَذَهَا ٱلثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضاً
نَسْلاً. وَهٰكَذَا ٱلثَّالِثُ. فَأَخَذَهَا ٱلسَّبْعَةُ،
وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلاً. وَآخِرَ ٱلْكُلِّ مَاتَتِ ٱلْمَرْأَةُ
أَيْضاً. فَفِي ٱلْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ
زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ». فَأَجَابَ يَسُوعُ:
«أَلَيْسَ لِهٰذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لا تَعْرِفُونَ ٱلْكُتُبَ وَلا
قُوَّةَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لا
يُزَوِّجُونَ وَلا يُزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلائِكَةٍ فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ
يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ
ٱلْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ قَائِلاً: أَنَا
إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ؟
لَيْسَ هُوَ إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ
إِذاً تَضِلُّونَ كَثِيراً» (مرقس 12: 18-27).

 

أخيراً
اتفقت جميع الأحزاب الكبرى الدينية والسياسية على مهاجمة المسيح هذا اليوم الأخير
في الهيكل، فانضمَّ الصدوقيون إلى الفريسيين والكتبة ورؤساء الكهنة وشيوخ الشعب،
ونصبوا للمسيح شركاً آخر علقوه علىفلسفتهم الطبيعية. كان الصدوقيون يستخفُّون بالدِّين
إجمالاً، ولا يؤمنون بالقيامة ولا الملائكة ولا الأرواح، فكان يُنتظر منهم أن
يسألوا سؤالاً هزلياً جدياً، ليثيروا الاستهزاء بالمسيح.

 

وبما
أن أفكارهم كانت جسدية، فقد لفّقوا مشكلة تتصل بالعالم الروحي الذي تسكنه الأرواح
بعد الموت الجسدي. كانت شريعة موسى توجب على إخوة كل رجل متزوج يموت دون أن ينجب
نسلاً أن يتزوج أحدهم بأرملة المتوفَّى ليقيم للأخ الميت نسلاً. ولأجل غايتهم
الهزلية تخيل الصدوقيون امرأة تزوجت بسبعة إخوة، الواحد بعد الآخر. وسألوه لمن من
هؤلاء السبعة تكون زوجة في القيامة؟

 

كان
الفريسيون يشاركون المسيح في الإيمان بالقيامة وبعالم الأرواح، فهزيمته هنا أمام
الصدوقيين تكون هزيمة لهم أيضاً. ونجاح المسيح في الجدل، يساعد الفريسيين من هذا
الوجه. ولو أنه يكون مصيبة عليهم، لأنه يرفع مقام المسيح فيتعلَّق الشعب به أكثر
من قبل.

 

نلاحظ
في جواب المسيح على الصدوقيين أنه ترفَّق بهم أكثر مما بالفريسيين، وتلطَّف في
توبيخهم، لأنه كان يحسب رياء الفريسيين أشر من كفر الصدوقيين، فلم ينطق عليهم
بالويل أو يناديهم: «يا مراؤون». بل أجاب: «أليس لهذا تضلون، إذ لا تعرفون الكتب
ولا قوة الله؟» إن خطية الصدوقيين أخف من خطيئة الفريسيين الذين يعرفون ولا يعملون
بما يعرفونه.

 

وأعطاهم
المسيح برهاناً من أسفارهم الموسوية أن الله ليس إله أموات بل إله أحياء. إذاً
توجد قيامة حقيقية. وهو سبحانه روح. إذاً يوجد عالم روحي واسع وأعظم جداً من
العالم المادي. فلو كانوا يعرفون الكتب المقدسة لما كانوا ينكرون القيامة. ولو
كانوا يعرفون قوة الله لما حددوها وحصروها في عالم الماديات الصغير.

 

وأفهم
المسيح سامعيه أن العالم الروحي لا يقاس تماماً على العالم المادي، فالزيجة
الجسدية لا وجود لها هناك، إذ يكون كل من له نصيب في قيامة الأبرار كملائكة الله
في السماوات. فبُهت الجموع من تعلميه، وفرح بعض الكتبة بفشل الصدوقيين أكثر مما
تكدروا لانتصار المسيح، وقالوا له: «يا معلم، حسناً قلت». وتوقف قليلاً تيار
الاعتراض على هذا المعلم الناصري، ولم يتجاسروا أيضاً أن يسألوه عن شيء.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى