علم المسيح

المسيح يعلّم عن العظمة الحقيقية



المسيح يعلّم عن العظمة الحقيقية

المسيح يعلّم عن
العظمة الحقيقية

 

«فِي
تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ تَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ:
«فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ؟» فَدَعَا يَسُوعُ
إِلَيْهِ وَلَداً وَأَقَامَهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:
إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ ٱلأَوْلادِ فَلَنْ تَدْخُلُوا
مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هٰذَا
ٱلْوَلَدِ فَهُوَ ٱلأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ.
وَمَنْ قَبِلَ وَلَداً وَاحِداً مِثْلَ هٰذَا بِٱسْمِي فَقَدْ
قَبِلَنِي» (متى 18: 1-5).

 

مقالات ذات صلة

تحدث
بعض التلاميذ عند رجوعهم من جبل التجلي، على غير مسمع من المسيح، في من هو الأعظم
بينهم. ومن الطبيعي أن التلاميذ الذين لم يدَّعوا لأنفسهم الأولية، كانوا ينتصرون
للذين يريدون لأنفسهم الكرامة الممتازة، فأوصلهم الحسد إلى الاحتجاج الذي ربما بنوه
على بعض الامتيازات الشخصية في معاملات المسيح وكلامه. فما أشد هذه الضربة على قلب
المسيح الرقيق المحب بوقوع هذه المشاحنة الصبيانية، بين الذين قد اصطفاهم من بين
كل البشر رسلاً له، ويا له من هبوط عظيم في الآمال التي تعلَّقت عليهم!

 

وفاتح
المسيح بعض تلاميذه في ما عسى أن يكون موضوع جدالهم الحماسي الذي لن يسمعه،
فسكتوا. كان يجب عليهم أن يعترفوا ويصلحوا زلتهم، فقد قال إمام الحكماء سليمان:
«مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لا يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا
يُرْحَمُ» (أمثال 28: 13). وقال نبي الله داود: «لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي
مِنْ زَفِيرِي ٱلْيَوْمَ كُلَّه.. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي»
وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي» (مزمور 32: 3 و5) لكن بعد سكوتهم تقدموا
وطلبوا إليه أن يفيدهم عن أساس العظمة في ملكوت السماوات ومن هو الأعظم فيه، فجمع
الاثنى عشر جميعاً، ثم دعا ولداً إليه وأوقفه في الوسط ليراه الجميع، وكأنه يقول
إن العظمة في ملكوته لا تكون إلا للذي لا يطلبها، وأن لا أحد يدخل هذا الملكوت إلا
من يرجع إليه ويصير مثل ولد.

 

من
أوصاف الولد بساطة التواضع بدلاً من ادعاء العظمة، وعدم المبالاة برفعة المقام،
وسهولة الانقياد والطاعة دون تردد أو اعتراض، وسرعة المسامحة على الأذية بدلاً من
التشبُّث بالانتقام والحقد طويلاً، والتطلُّع للأمام برجاء والنظر إلى المستقبل
بسرور بدلاً من القنوط واليأس، والاكتفاء بالخير القليل بدلاً من الطمع، وتصديق ما
يسمعه بدلاً من الشكوك والظنون السيئة.

 

لذلك
قال المسيح: «الأصغر فيكم جميعاً هو يكون عظيماً». وقد مرَّت تسعة عشر قرناً على
البشر ولا يزال هذا التعليم مجهولاً من الكثيرين، ولم يفهم في التواضع إلا عدد
قليل.. حتى تلاميذ المسيح أنفسهم لم يستفيدوا في ذلك الوقت إلا قليلاً من هذا
التعليم، لأنهم جددوا هذه المجادلة فيما بعد. وفي هذا الوقت طلبوا أن يعرفوا مَن
منهم يكون الأعظم في ملكوت السماوات. لذلك كانوا في خطر، ليس أن يفقدوا الامتياز
فقط، بل أن يفقدوا الدخول إلى ذلك الملكوت. وما دام الذي يطلب العظمة لنفسه ولا
يرجع ويصير مثل الأولاد لن يدخل ملكوت السماوات، فإن عليهم أن يتركوا السؤال عن
العظمة، ويهتموا بالسؤال عن دخول الملكوت.

 

ثم
علّمهم المسيح شيئاً عن كرامة اسمه، حتى أن كل ما يصنعه أحد باسمه يُحسب إكراماً
له. ومن يكرم صغيراً باسمه يكون قد أكرمه. ومن يكرمه يكون قد أكرم الآب الذي
أرسله. فما أجمل هذه الرابطة التي تربط الآب بالابن، ثم الابن بأصغر المؤمنين
باسمه.

 

«وَقَالَ
يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ شَيَاطِينَ
بِٱسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لأَنَّهُ لَيْسَ
يَتْبَعُنَا». فَقَالَ يَسُوعُ: «لا تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ
قُوَّةً بِٱسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعاً أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرّاً.
لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ
بِٱسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ
لا يُضِيعُ أَجْرَهُ» (مرقس 9: 38-41).

 

على
أثر هذا الكلام، أخبره يوحنا عما جرى معه ومع بعض رفقائه، لما التقوا بإنسان يخرج
شياطين باسم المسيح، وهو ليس من تابعيه ظاهراً، ظناً منهم أن لا حقَّ لغيرهم في
هذا الامتياز الذي منحه المسيح لهم. لكن طالما لا يقدر إلا المسيح أن يعطي هذا
السلطان، فلا مانع من أن يكون قد أخذه من المسيح على غير علمهم. وأن المسيح أجاز
له أن يعمل باسمه دون أن يرافقه، ودون أن يعرِّف التلاميذ به. وقد خطّأ المسيح
يوحنا، وأظهر أن من ليس عليه فهو معه. أي أن لا حياد بالنسبة لملكوت البر. فلا
يصحُّ أن يُقال مطلقاً في الدين: «لا معنا ولا علينا». والواجب على يوحنا أن يعرف
أن كل إنسان صالح يسمِّي اسم المسيح سنداً لعمله، يسنده المسيح، لأن عمله يكون
عزيزاً لدى المسيح. وحامل هذا الاسم باستحقاق يكون تحت حماية المسيح، وكل من يؤذيه
يجازيه الملك، ويكافئ كل من يقدم خدمة باسمه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى