علم المسيح

معجزة المسيح ينتهر لجئون



معجزة المسيح ينتهر لجئون

معجزة المسيح ينتهر
لجئون

 

«وَجَاءُوا
إِلَى عَبْرِ ٱلْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ ٱلْجَدَرِيِّينَ. وَلَمَّا
خَرَجَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ ٱسْتَقْبَلَهُ مِنَ
ٱلْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، كَانَ مَسْكَنُهُ فِي
ٱلْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلا بِسَلاسِلَ،
لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيراً بِقُيُودٍ وَسَلاسِلَ فَقَطَّعَ ٱلسَّلاسِلَ
وَكَسَّرَ ٱلْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. وَكَانَ
دَائِماً لَيْلاً وَنَهَاراً فِي ٱلْجِبَالِ وَفِي ٱلْقُبُورِ،
يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِٱلْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ
بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا
يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ ٱلْعَلِيِّ! أَسْتَحْلِفُكَ
بِٱللّٰهِ أَنْ لا تُعَذِّبَنِي!» لأَنَّهُ قَالَ لَهُ:
«ٱخْرُجْ مِنَ ٱلإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا ٱلرُّوحُ
ٱلنَّجِسُ». وَسَأَلَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «ٱسْمِي
لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ لا
يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ ٱلْكُورَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ
ٱلْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ ٱلْخَنَازِيرِ يَرْعَى، فَطَلَبَ
إِلَيْهِ كُلُّ ٱلشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى
ٱلْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ.
فَخَرَجَتِ ٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي
ٱلْخَنَازِيرِ، فَٱنْدَفَعَ ٱلْقَطِيعُ مِنْ عَلَى
ٱلْجُرْفِ إِلَى ٱلْبَحْرِ – وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ،
فَٱخْتَنَقَ فِي ٱلْبَحْرِ. وَأَمَّا رُعَاةُ ٱلْخَنَازِيرِ
فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ وَفِي ٱلضِّيَاعِ،
فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا
ٱلْمَجْنُونَ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱللَّجِئُونُ جَالِساً
وَلابِساً وَعَاقِلاً، فَخَافُوا. فَحَدَّثَهُمُ ٱلَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ
جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ ٱلْخَنَازِيرِ. فَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ
إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ
طَلَبَ إِلَيْهِ ٱلَّذِي كَانَ مَجْنُوناً أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، فَلَمْ
يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «ٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى
أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». فَمَضَى
وَٱبْتَدَأَ يُنَادِي فِي ٱلْعَشْرِ ٱلْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ
يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ ٱلْجَمِيعُ» (مرقس 5: 1-20).

 

مقالات ذات صلة

حدث
بعد تسكين النوء أمرٌ يحوّل الفكر من أفعال المسيح إلى أفعال خصمه إبليس، الذي لم
يسكت عن المسيح كل مدة وجوده طاهراً بين الناس. فتعويضاً عن فشله في محاولة
التسلُّط على المسيح ضاعف سلطته على بعض البشر، ليستخدمهم في مقاومة خصمه العظيم

 

ومن
جملة آلات إبليس البشرية رجلان مجنونان يطوفان البرية في منطقة الجرجسيين، في
المكان الذي قصد المسيح أن ينزل فيه من السفينة. وإذ رأى هذان المجنونان قدوم
سفينة، هجما من مأواهما في المدافن الصخرية، لأنهما كانا قد قطعا بجنونهما الطرقات
في تلك الناحية كلها على العابرين. ويُرجَّح أنهما قصدا الفتك بالقادمين فيها،
وعلى الأخصّ بالمسيح لأنهما عرفاه، فأتيا يصرخان ملطخيْن بدمائهما، لأنهما كانا
يجّرحان نفسيهما بالحجارة. عند ذلك أمر المسيح الأرواح النجسة الحالَّة فيهما أن
تخرج منهما، فصاحا للوقت بكلام بعضه شيطاني وبعضه معقول، مما دلَّ على سطوة المسيح
عليهما، قائلين: «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله العلي! أجئت هنا قبل الوقت
لتعذبنا؟».

 

حصر
البشير مرقس هذا الخبر في أشهر هذين الرجلين وأورده مفصَّلاً. بعد انتهار المسيح
الأرواح الشريرة الحالَّة في هذا الرجل وفي رفيقه، ركض هذا وسجد له صارخاً:
«أستحلفك بالله أن لا تعذبني». التأثير الأول لأمر المسيح للشياطين أن تخرج، كان
تعذيباً للمسكون، لأن الشيطان لا يخرج من إنسان إلا ويصرعه ويؤلمه، ولذلك كان
المسكون يخاف ويطلب التخلُّص من الآلام. وفعل المسيح الثاني كان تعذيباً للشيطان،
الذي يتلذّذ بتعذيب الإنسان وإهلاكه. وعذابه يكون بنزع فريسته من بين مخالبه،
فالساكن والمسكون يصرخان: «لا تعذبنا».

 

يا
لها من صورة مؤثرة على شاطئ هذا البحر! يقف المسيح مكلَّلاً بهيبة القداسة،
المقترنة بالسلطان والحنان، ووراءه التلاميذ وهيئتهم تدلُّ على الاضطراب الشديد من
تعب الليل الماضي، وعلى اضطراب جديد من هجوم المجنونيْن عليهم في هذا الوعر،
وجهلهم ماذا يصير من أمرهما. ومع اضطرابهم ترى في وجوههم ملامح الشفقة على هذا
المعذب بالأرواح النجسة. وأمامهم هذا الشخص البربري الجاثي في عريه وجروحه أمام
سيدهم، وفي هيئته شيء من أمل المستنجد بشخص يعرفه قادراً على تخليصه من شقائه.

 

سأله
المسيح «ما اسمك؟» فأجاب: «اسمي لجئون». لأن شياطين كثيرة دخلته. واقترحت الشياطين
على المسيح أن يسمح لها بالدخول في الخنازير، وليس إلى الهاوية. فسمح لهم بالدخول
في قطيع كبير من الخنازير، نحو ألفين، كان يرعى عند الجبال بعيداً عنهم – وما أكبر
الشبه بين الأرواح النجسة والخنازير – فالخنازير محرمة عند اليهود، وامتلاكها
برهان غلبة الطمع على الدين في أصحابها اليهود، فعاقبهم المسيح بهلاك خنازيرهم
المحرمة، ولا سيما أن في هذا برهاناً ملموساً بأن الاحتلال الشيطاني حقيقي، وبأن
الشفاء من هذا الإحتلال كان حقيقياً ودائماً، ويرى الجميع عاقبة الاستعباد
للشيطان، وبرهاناً لسلطان المسيح على الخيرات الزمنية، فيتصرف بها حسب حكمته. لأن
الذي سمح بهذه الخسارة على أصحاب الخنازير هو المالك الأصلي الحقيقي. أَوَلا تسمح
عنايته كل يوم بمثل هذا العالم، حتى بين خائفيه أيضاً؟ فكل تقي يقول لربه: ما لا
يأتيني أستغني عنه دون تذمر قائلاً: «ٱلرَّبُّ أَعْطَى وَٱلرَّبُّ
أَخَذَ فَلْيَكُنِ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ مُبَارَكاً» (أيوب 1: 21).

 

قال
المسيح للأرواح: «امضوا» فخرجت ودخلت في الخنازير، وإذا القطيع كله يندفع من على
الجُرف إلى البحيرة ويختنق في المياه. وانذهل رعاة الخنازير من هذا الأمر الغريب،
فهربوا وأذاعوا في طريقهم بين الضياع وفي المدينة خبر ما حدث للمجنونين وللخنازير،
فأسرع الجمهور قاصدين مكان هذا الحادث الغريب. وعند وصولهم رأوا في جثث الخنازير
برهان صحة رواية الرعاة. وزادت دهشتهم عند رؤيتهم المجنون لابساً وعاقلاً وجالساً
عند قدمي المسيح، يسمع تعليمه في موضوع ملكوت السماوات الذي دخله جديداً، إذ آمن
بالملك الروحي الذي نجّاه.

 

كنا
ننتظر أن يبتهج الناس بظهور خصم إبليس القوي، القادر أن يقيّده ويخلص الناس من
الاستعباد له، وكنا ننتظر أن يشكروا المسيح على معجزاته، ولكن الغريب أنهم طردوا
المسيح من بلدهم، لأنهم حسبوا خسارة خنازيرهم أكبر من فائدة الانتصار على إبليس.

 

لكن
ماذا يفعل هذا الرجل الذي شُفي؟ هل يطلب العودة إلى بيته وأملاكه وأشغاله، ليستعيض
عن الزمان الطويل الضائع؟… لو كان شفاؤه جسدياً فقط لفعل ذلك. لكن المسيح لم
يشفِ جسده فقط، بل شفى نفسه أيضاً، وهذا أهم من شفاء جسده بما لا يُقاس. فظهر
الشفاء الروحي في هذا المجنون من طلبه أن يكون مع المسيح.

 

ولنا
في هذا المجنون مثال صادق للخاطئ. حقاً إن الخطيئة جنون النفس، والجنون المعروف
رمز إلى الجنون الحقيقي وهو الخطيئة، ففضَّل مجنون جدرة القبور النجسة مسكناً على
البيوت النظيفة الصحية المرتّبة، وكان عمله إضراراً بذاته مع كل من لاصقه أو مرّ
به. كان يتجنّب معاشرة الأصحّاء، ويختار عشراء من المجانين نظيره ومن وحوش البرية،
ويقول للمخلص الوحيد: «ما لي ولك!» ولم يظهر مخلِّص من جنون الخطيئة ومن نتائجها
في الدنيا والآخرة، إلا المسيح الذي خلَّص مجنون جدرة في ذلك اليوم من جنونه
وأسبابه ونتائجه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى