علم المسيح

أخوة يسوع وأمة



أخوة يسوع وأمة

أخوة يسوع وأمة

 

«وَفِيمَا
هُوَ يُكَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ إِذَا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ قَدْ وَقَفُوا
خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوهُ. فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «هُوَذَا أُمُّكَ
وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ». فَأَجَابَهُ:
«مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلامِيذِهِ
وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي
ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي» (متى 12:
46-50).

 

لما
سمع أقرباء المسيح أن الازدحام زاد عليه وعلى من معه، حتى أنهم لم يجدوا وقتاً
للأكل، خرجوا ليمسكوه باعتبار أنه «مختل العقل» (مرقس 3: 21) وكان الواجب أن
يدركوا أن ليس الغيور في الدين هو المختل، بل الفاتر في الدين.

 

هل
يمكن أن نقدّر مرارة الحزن التي تولَّدت في قلب المسيح المحب، عندما جاءت أمه مع
إخوته ليحجزوا عليه كمختل، لكنهم لم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع المزدحم من
حوله؟ أليس غريباً أن درجة الحماسة والتفاني التي يحسبها الناس نشاطاً، ويمدحونها
كحكمة في جمع المال، أو مقاومة الخصوم، أو تحصيل العلوم، يعتبرونها جنوناً إن كانت
في خدمة الدين والإصلاح؟ فلما منع الازدحام أقرباء المسيح من الوصول إليه كلَّفوا
بعض الواقفين أن يقولوا له: «هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك،
طالبين أن يكلّموك». وكانوا يأملون أن يخرج ليكلّمهم خارجاً، فيسهل لهم أخذه معهم
ولو قسراً، ليستعملوا الوسائط اللازمة لشفائه من هذا الاختلال العقلي الذي اتّهموه
به ظلماً وجهالة.

 

وانفتح
للمسيح بهذا الطلب باب مناسب ليعلّم أهله، ثم تلاميذه، ثم جمهور سامعيه، أموراً
جوهرية، يأمل رسوخها في أذهانهم. علّمهم أنه ليس من هذا العالم، فهو لا يعتبر
أحداً من البشر أُمّاً حقيقياً أو إخوة حقيقيين له، كغيره من البشر. فقد زالت
العلاقة الوقتية الجسدية مع أهل بيته، وحلّت محلها العلاقة الدائمة الروحية، التي
تربطه، مستقلة عن الروابط الجسدية، مع كل الذين يتّحدون به اتحاداً روحياً. أعلن
كل هذا في سؤاله للذي كلَّمه: «من هي أمي، ومن هم إخوتي؟» ثم مدَّ يده نحو تلاميذه
(من رجال ونساء) وقال: «ها أمي وإخوتي. أمي وإخوتي الذين يسمعون كلمة الله ويعملون
بها. لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي».

 

كانت
محبة المسيح لأمه مريم العذراء واحترامه لها ومحبته لإخوته من أقربائة حسب الجسد
أشد وأنقى من محبة أي إنسان كان لذويه، فالمسيح مثال الكمال في هذا الأمر، كما في
غيره. لكن أمانته وحبه لأقربائه هؤلاء تخضع كل الخضوع لأمانته وحبه للآب الذي
أرسله. كما تخضع أيضاً للمحبة الروحية التي تربط أولاد هذا الآب الروحيين معه
كإخوة حقيقيين. ومن جواب المسيح هذا نرى أن كل الذين يعملون مشيئة الآب يكونون
أقرب البشر إليه وأعزهم عنده.

 

وللقارئ
العزيز أن يتخيل مقدار تعزية رسل المسيح من تأثير هذا الكلام في أيام الاضطهاد
المرّ القادم عليهم، الذي سيقاسونه من مبغضيهم. فإن المسيح يُكافئ كل من يصنع مع
تلاميذه خيراً، ويعاقب كل من يصنع معهم شراً، حتى ومن يتغاضى عن فعل الخير لأجلهم.
فيتحقق معهم قول النبي زكريا: «مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ»
(زكريا 2: 8).

 

رفض
المسيح أن ينقاد إلى أهله في حبهم البشري الطبيعي، الممتزج بقصر البصر الروحي،
وخرج من البيت وجلس عند البحر، ليسرد سلسلة أمثال تبيّن ماهية ملكوت السماوات.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى