علم المسيح

الموعظة على الجبل (متى 5: 1-7: 28)



الموعظة على الجبل (متى 5: 1-7: 28)

الموعظة على الجبل
(متى 5: 1-7: 28)

 

بعد
أن اختار المسيح تلاميذه، ألقى عليهم عظة فريدة وافية شاملة أبدية، تُعتبر قاعدة
المواعظ وخلاصة الدين، وتُسمَّى «الموعظة على الجبل». ألقاها المسيح في مكان مرتفع
بقرب كفرناحوم، اتفق أكثر المفسرين على أنه المكان المعروف حالياً باسم «قرون
حطين» وهو للجهة الشرقية الشمالية من مدينة طبرية. والموعظة على الجبل هي أهم
وأكمل ما ورد من عظات المسيح، كما أنها الأكثر شهرة، والأقرب قبولاً عند أضداد
المسيحية من سائر خُطب المسيح.

 

هذه
الموعظة دستور الملكوت الروحي الجديد الذي أنشأه المسيح على أساس النظام القديم
الإلهي الذي أُنزل على موسى والأنبياء، وجاء المسيح لا لينقضه بل ليكمله. في هذا
الملكوت نرى أن المسيح هو الملك الذي أنبأ الله عنه قبلاً بفم نبيّه داود: «أَمَّا
أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي» (مزمور 2: 6).
فلا بدَّ له من منشور خصوصي يسلّمه لسفرائه الرسل معلناً فيه ما هو جديد في نظام
هذا الملكوت، وما هو المعنى الجديد لما حفظ فيه من النظام القديم. فالملك الذي
عيَّن رسله، يؤيدهم بقوة خصوصية تمكّنهم من القيام بمهمتهم المتنوعة العجيبة.

 

قبل
الإصغاء إلى كلام المسيح، لنقف قليلاً لنشرح الظروف الخارجية المتعلِّقة بهذه
العظة، التي لم تُعْطَ كما أُعطيت الشريعة القديمة، فقد أُعطيت شريعة موسى على جبل
سيناء الأجرد، بصوت إلهٍ غير منظور، ومحُوطةٍ بالبروق والرعود والزلازل ولهيب
النار المخيفة، بينما حُرِّم على كل حي، سوى موسى الكليم، الدنوّ من هذا الجبل
وإلا قُتل رجماً. أما الموعظة على الجبل فأُلقيت على جبل «قرون حطين» الأنيس، في
وسط المروج الخضراء، وبين تغريد العصافير الأليفة، وأريج الأزهار الجميلة. والصوت
صوت الإله متأنساً متسربلاً بالطبيعة البشرية، محاطاً بتلاميذه، وراءهم جمهور من
كل الأنحاء جاءوا لسماع كلامه.

 

قال
اليهود في تقاليدهم إنه عندما يظهر المسيح فإنه يقف على شاطئ البحر عند مدينة
يافا، ويأمر البحر أن يسلِّم ما فيه من الكنوز، فيقذف البحر أمام قدميه الجواهر
الثمينة والكنوز التي دُفنت في قاعه، فيُلبِسُ المسيح تابعيه الملابس الفاخرة
والحجارة الكريمة، ويطعمهم منّاً سماوياً يفوق حلاوة ولذة المن الذي أكله آباؤهم
أربعين سنة في البرية. هذا تصوير وهميٌّ لمجيء مسيح وهمي.

 

أفلَم
تكن الحقيقة التي نحن بصددها أجمل وأكمل؟ هل من جواهر في قاع البحر تساوي جواهر
التعليم الروحي الجوهري؟ هل من حُلل أفخر من حلل الخصال الحميدة المذكورة في وعظه
والظاهرة في مثاله؟ هل في الأمر للبحر أن يقدم ما فيه سطوة وهَيُبة كالتي في الأمر
للشياطين أن تخرج من الناس، وللموتى أن تحيا، وفي الأمر الذي يمنح غفران الخطايا
لتابعيه.

 

لا
ريب في أن كل درر تعاليمه ليست جديدة في مسامع البشر. كان قد سبق عند اليهود كثير،
وعند الأمم قليل من التعاليم المشابهة لها، لكن هذه السابقة كانت كجسم آدم الجميل،
عندما جبله الرب من التراب قبل أن قام حياً، بينما تعاليم المسيح أشبه بجسم آدم
بعد أن نفخ الخالق نسمة الحياة.

 

«وَلَمَّا
رَأَى ٱلْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ
إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ. فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ
بِٱلرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. طُوبَى
لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ
يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى
ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ
يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ
ٱللّٰهَ. طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ
ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ
ٱلْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ
إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ
شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ
أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا
ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (متى 5: 1-12).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى