علم المسيح

معجزة شفاء أبرص



معجزة شفاء أبرص

معجزة شفاء أبرص

 

«فَأَتَى
إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِياً وَقَائِلاً لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ
تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي!» فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ
وَقَالَ لَهُ: «أُرِيدُ، فَٱطْهُرْ». فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ
ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ وَطَهَرَ. فَٱنْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ
لِلْوَقْتِ، وَقَالَ لَهُ: «ٱنْظُرْ، لا تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئاً، بَلِ
ٱذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ
بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ». وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَٱبْتَدَأَ
يُنَادِي كَثِيراً وَيُذِيعُ ٱلْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ
يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِراً، بَلْ كَانَ خَارِجاً فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ،
وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ» (مرقس 1: 40-45).

 

بين
كل أنواع المرض التي شفَى المسيح منها، كان عدد الذين شفاهم من البرص – أي الجذام
– أكبر من أي عدد آخر. وقد اعتُبر هذا المرض منذ القديم رمزاً للخطيئة ونجاستها،
حتى سُمِّي الشفاء منه «تطهيراً». كما اعتبروه إعلان غضب اللّه على الخطاة. وبين
كل ما ذُكر في كتب اليهود الطبية من أدوية ومعالجات للأمراض كافة، لا يُذكر علاجٌ
لمرض البرص، لأنهم تأكدوا أنه عديم الشفاء إلا بمعجزة إلهية. وظهر اعتقادهم هذا
جلياً في جواب الملك يهورام زمن النبي أليشع في قصة نعمان السرياني (2 ملوك 5: 7).
لذلك كان هذا المرض هو الوحيد الذي يفرضون على المُصاب به أن يعتزل عن جميع الناس،
حتى عن أهل بيته، وإنْ دخل بلداً يُجازَى بأربعين جلدة. وكانوا يعتبرون الأبرص
كأنه ميت، يتنجس من يلمسه. وكان الأبرص مجبوراً أن يمارس فروض الحداد من تمزيق
ثيابه، والكشف عن رأسه، وتغطية فمه، وترك الاغتسال، وما أشبه، وأن يُحذِّر كل
إنسان من الاقتراب منه بصراخه الدائم: «نجس! نجس!». والبرص هو المرض الوحيد
الوراثي، الذي ينتقل من الوالدين إلى الأولاد. فإذا أُصيب إنسان بالبرص أو بما
يُشتبه أنه برص، ثم تحققت سلامته منه فيما بعد، كان يتوجب عليه الحصول على شهادة
كهنوتية بهذه السلامة.

 

كان
المسيح يوماً يزور إحدى المدن عندما أتاه رجل مصاب بهذا المرض، بالرغم من الموانع
الشرعية التي كانت تحول دون مجيئه. ولا بد أن يشتت مجيئه هذا جمهور الحاضرين حذراً
من التنجُّس. كانت هيئته كئيبة ورأسه محلوقاً مكشوفاً، وثيابه ممزقة، وصوته أجش من
تأثير المرض في حنجرته، وهو يصرخ تحذيراً للجميع: «نجس! نجس!». وجهه بشع من اهتراء
أنفه وأذنيه وشفتيه وجفنيه، لأنه كما يقول البشير: «مملوء برصاً». فلما رأى هذا
الأبرص المسيح خرَّ على وجهه وسجد له.

 

يا
أيها التعيس في الظاهر، أنت بالحق سعيد، لأن روح اللّه ألهمك أن تسجد لهذا الرجل
الذي دعوْتَه «يا سيد». لم يسبقك إلى هذا السجود، إلا المجوس الذين سجدوا له في
مهده. أما بعدك فيقتدي بك ملايين البشر على اختلاف أجناسهم.

 

ولكن
كيف قبِلَ المسيحُ هذا السجود؟ لم يبرح بعد من آذاننا صوتُه الرهيب لما طرد إبليس
من أمامه قائلاً: «مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد». ورسله حتى وملائكته
يوقفون سجود الناس لهم، لأنه لا يجوز. فهل هم أصلح من المسيح، وأكثر غيرة منه على
حقوق اللّه الذي وحده يحقُّ له السجود؟ ألا يضطرُّنا الأمر أن نرى في قبول المسيح
لهذا السجود الذي قُدِّم له دليلاً كافياً أنه يعلم أن له حقوقاً إلهية؟

 

يدهشنا
إيمان هذا الأبرص اليائس، ونحار في أمره – كيف تولَّد فيه هذا الإيمان؟.. كان لسان
المصابين الذين لجأوا إلى المسيح: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ
عَلَيْنَا» (مرقس 9: 22) مع أن عللهم لم تكن بعيدة عن الرجاء كعلة هذا الرجل الذي
قال: «يا سيد، إن أردتَ تقدر أن تطهرني». في هذه الكلمات أعلن إيمانه بأن المسيح
قادر على هذا العمل الذي لا يقدر عليه إلا اللّه، لكنه لتواضعه لم يجسر أن يحكم هل
يشاء المسيح أن يشفيه أو لا يشاء. ومع شدة حاجته احترم حرية إرادة المسيح، فاستحق
أن يكرمه المسيح على ذلك وأن يلتفت إليه.

 

وبناءً
على ما ظهر لم ير المسيحُ مُوجِباً لامتحانه بتأجيل الاستجابة إلى حين كما امتحن
غيره، بل لاشى شكوكه حالاً بخصوص إرادته أن يشفيه، فالمسيح لا يؤجل دقيقة واحدة
طلب من يريد الشفاء من خطاياه والخلاص بمغفرتها. يهمُّنا أن نلاحظ أن ما دفع
المسيح لتطهير هذا الأبرص لم يكن لجاجته (لأنه لم يكن لجوجاً)، ولا حب الافتخار
وطلب الشهرة، (لأن المسيح أوصاه أن يكتم خبر شفائه). لكن المسيح شفاه لأنه تحنن،
وإظهاراً لحنانه «مدَّ يده ولمسه» تقرُّباً منه.

 

نرى
في لمس المسيح الأبرص أموراً هامة، فقد كافأه المسيح على إيمانه العجيب، إذْ طيَّب
قلبه باقترابه ولمْسه، بعد سني نفيه واجتناب الجميع (حتى أهله) له، وبعد عذاباته
المتنوعة من هذا المرض الشنيع. لقد اقترب المسيح من الأبرص ولمسه ليلخِّص عمله
الفدائي، الذي استوجب أن يرسل اللّه ابنه في شبه جسد الخطيئة، ويجعل
«ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ
بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كورنثوس 5: 21).

 

وفي
لَمْس المسيح للأبرص أعلن أن اللّه محبة، وأنه يضع المحبة قبل الطقوس، فقد قال:
«إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً» (متى 12: 7) فأبهج هذا الأبرصَ المسكين بلمسةٍ
منه، ثم زاده ابتهاجاً وملأ قلبه وفمه شكراً لما أزال شكوكه بخصوص إرادته أن يشفيه
بقوله: «أريد فاطهر». هاتان الكلمتان صيَّرتا الأبرص إنساناً جديداً في الخارج وفي
الداخل.

 

رأى
المسيح أن في انتشار خبر شفاء الأبرص ضرراً، وأن الرجل متحمِّس ابتهاجاً وراغبٌ في
نشره، فأوصاه: «لا تقلْ لأحدٍ شيئاً». لئلا يقول الناس إن المسيح قد تنجس بلمسه
الأبرص، وهذا الخبر إنْ شاع يعطّل عمله كثيراً. والسبب الآخر هو قصد المسيح أن لا
يزيد الازدحام الذي يقف في وجه عمله الأهم وهو الكرازة والتعليم. ويقول القديس
يوحنا فم الذهب إن المسيح قصد أن يحضّ الذين شفاهم على التأمل بسكوت ووقار في
مراحم الله الفائقة نحوهم، وأن يحميهم من الكبرياء إذا أدهشوا الكثيرين بما حدث
لهم، وحصلوا بذلك على شهرة.

 

من
الواجب على هذا الرجل اليهودي أن يخضع دون تردُّد للنظام الموسوي. فألحَّ عليه
المسيح أن يسرع بالذهاب إلى الكهنة في أورشليم، ليحصل على الشهادة التي تعلن
براءته، وتعيد له كامل حقوقه بين شعبه. ومع أن هذا الأمر ليس سهلاً ولا بسيطاً فقد
كان لا بد منه. وربما لم يرد المسيح من الرجل أن يعلن عن شفائه المعجزي لئلا يحرمه
كهنة أورشليم من الحصول على وثيقة الشفاء، بسبب كرههم للمسيح فقال له: «اذهب أرِ
نفسك للكاهن».

 

وقد
سبَّب عصيانُ هذا الأبرص لأمر المسيح انزعاجاً، لأنه سبَّب ازدياد الازدحام. قال
البشير: «خرج وابتدأ ينادي كثيراً ويذيع الخبر. فاجتمع جموع كثيرة حتى لم يعد
المسيح يقدر أن يدخل مدينة ظاهراً، بل كان خارجاً في مواضع خالية يعتزل في البراري
ويصلي» (لوقا 5: 16).

 

لقد
عصى هذا الرجل أمر المسيح له بالسكوت، بعد أن نال الشفاء، وكان الواجب أن يخضع. إن
كنت قد نلت شفاءك من مرض الخطيئة بنعمة المسيح، فاعمل على أن تكون المؤمن الخاضع
الممتثل لأمر المسيح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى