علم المسيح

مصادر حياة المسيح



مصادر حياة المسيح

مصادر حياة المسيح

 

وصلتنا
الأخبار الحقيقية عن يسوع المسيح من أربعة مصادر تُسمَّى أناجيل أو بشائر لمتى
ومرقس ولوقا ويوحنا.

وكلمة
«الإنجيل» لفظة يونانية معرَّبة، ومعناها «البشرى» أو «الخبر المفرح» وأول ما
استُعملت له هو بشرى الخلاص الذي جاء المسيح به – بمعنى التعاليم التي تحتوي حقائق
تلك البشرى، ثم سيرة المسيح التي جسَّدت تلك البشرى.

وكلمة
الإنجيل بهذا المعنى، لم تَعْنِ بالأصل أي كتاب، بل هي البُشرى نفسها ونَقْلها.
وقبل تدوين الإنجيل كتابة كان الإنجيل الشفهي – أي نقل البُشرى شفهياً على لسان
الرسل وتلاميذهم وكان قد انتشر في الإمبراطورية الرومانية كلها. لم يكتب السيد
المسيح إنجيلاً ولم يطلب من تلاميذه أن يكتبوا، فوحي المسيحية ليس في الدرجة
الأولى وحي كتاب يُنزَّل حروفاً وكلمات، بل وحي شخص حي، هو المسيح نفسه. ويقول
الرسول بولس إن الله الذي كلَّم الآباء، قديماً بواسطة الأنبياء مراراً كثيرة
وبطرق شتى، كلمنا نحن أخيراً بمن هو نفسه كلمة الله. ويقول الرسول يوحنا في مطلع
رسالته الأولى غن الذي سمعه الرسل ورأوه بعيونهم وتأملوه ولمسته أيديهم، بشروا به
العالم، ناقلين إليه الإنجيل، أي بشرى الرجاء والخلاص.

ولكن
قادة المسيحية شعروا بضرورة تدوين أخبار حياة المسيح لتبقى مرجعاً وثيقاً للجماعات
المسيحية، بعيدة عن كل شبهة أو تلاعب أو تحريف. وكان لا بد من العمل في زمن رسل
المسيح أنفسهم، وهم الذين تلقُّوا البشرى وعايشوها وعاشوها قبل أن ينقلوها لغيرهم،
فعمد البعض بوحي من الروح القدس إلى تدوين الإنجيل كتابة، فكانت الروايات الأربع
التي نسميها الأناجيل الأربعة، الموجودة هنا اليوم بالكتاب المقدس – فليس في
المسيحية إلا إنجيل واحد – أي البشرى التي حملها المسيح لنا، وجسَّدها في حياته،
ولقَّنها في تعليمه. وبهذا المعنى لم يرد لفظ الإنجيل إلا مفرداً في العهد الجديد،
بمختلف أسفاره. إلا أن نقل تلك البشرى إلينا وصل في روايات أربع تتفق جوهراً
وموضوعاً. الإنجيل البُشرى واحدٌ إذاً. أما مدوّنوه فأربعة: متى ومرقس ولوقا
ويوحنا – متى ويوحنا من تلاميذ المسيح الإثني عشر. مرقس تلميذ الرسول بطرس، ولوقا
تلميذ الرسول بولس – وقد كتب مرقس ولوقا تحت إشراف الرسولين بطرس وبولس.

كتب
متى قصة البشرى لبني قومه من اليهود، وهذا واضح من اهتمامه بنبوات التوراة عن
السيد المسيح، وكيف تحققت كلها بمجيء المسيح. أما مرقس فقد دوَّن قصة البشرى عندما
كان في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية، ووجَّهها للمسيحيين الذين جاءوا من
خلفية رومانية. ولذلك فإن مرقس ينبّر على ما يستدعي انتباه الرومان من مظاهر قوة
المسيح وعظمته. ودوَّن لوقا البشرى للمسيحيين الذين جاءوا من خلفية يونانية، ولذلك
تراه يشدد على الإرادة والقلب اللذين بدونهما لا يكتمل الإنسان، واللذين بهما ظهرت
محبة اللّه للبشر، حتى سُمِّي إنجيل لوقا بإنجيل الرحمة. أما يوحنا فقد كتب البشرى
بعد انتشار المسيحية، فكتب لتوضيح بعض الأمور، وللرد على بعض الأفكار التي دخلت
إلى التعليم المسيحي.

 

بشارة
متى

«كِتَابُ
مِيلادِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱبْنِ
إِبْراهِيمَ»(متى 1: 1).

كتب
متى بشارته للمؤمنين من اليهود، وهو يصوّر لنا حياة المسيح، لا كحادثة مستقلة
بذاتها، بل كإتمامٍ لسلسلة تاريخية ونبوية بدأت من قديم الزمان، وعلى هذا فهو كتاب
ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم جدّ اليهود. ويشير متى دوماً إلى أسفار
التوراة ليُظهِر كيف تمت النبوات في المسيح، فصار المسيح «مكمِّل كل بر» أي مكمل
كتابات موسى والأنبياء. وقد اقتبس متى من العهد القديم 75 آية توضح أن المسيح
تتميم البركة الموعودة لإبراهيم ونسله، وأنه جاء ليؤسس ملكوت السموات ليصحح خطأ
اليهود الذين ظنوا المسيا الآتي سيؤسس مملكة سياسية مركزها أورشليم. ومتّى واحد من
تلاميذ المسيح الإثني عشر.

 

بشارة
مرقس

«بَدْءُ
إِنْجِيلِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ» (مرقس 1:
1).

لم
يكن مرقس من رسل المسيح، ولم يُذكر اسمه مطلقاً في البشائر الأربع. كان اسمه العبراني
يوحنا، واسمه اليوناني (المتفق مع الروماني) مرقس. وقد ورد ذكر هذا الكاتب أول مرة
بعد صعود المسيح ببضع سنين. وكان ابن امرأة مؤمنة بالمسيح اسمها مريم، أخت برنابا
اللاوي القبرصي الذي اشتهر كثيراً في التبشير. ويقول الرسول بطرس عن مرقس إنه
ابنه، وهي تسمية حُبّية تدل على أن مرقس اهتدى إلى الإيمان بواسطة بطرس. وقد اتفقت
كتابات الآباء المسيحيين على أن مرقس كان تلميذاً لبطرس، وأنه كتب بشارته بتوجيهه،
وهذا هو السبب في عدم كتابة بطرس بشارة باسمه.

أما
مقدمة مرقس فتقول: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن اللّه». ومنها نتبيّن أن سيرة
المسيح هي إنجيل، أي بشارة مفرحة مثلثة، ظاهرة في الاسم المثلث الوارد في هذه
المقدمة أي: يسوع، ومسيح، وابن اللّه.

1.
يسوع: وقد أُطلق على المسيح اسم يسوع (أي مخلّص) بأمر الملاك الذي كرر هذا الاسم
عندما بشّرَ بقُرْب ولادته. وفسّرَ تخصيص هذا الاسم لهذا المولود بقوله: «لأَنَّهُ
يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى 1: 21) فيكون خلاصه خلاصاً أبدياً.

2.
المسيح: ويُسمَّى «المسيح» لأنه ابن داود، الموعود به من زمن آدم فما بعده، إذْ قد
مسحه اللّه نبياً وكاهناً وملكاً. وأرسله إلى العالم حسب تلك النبوّات الثمينة
التي قدمها للآباء والأنبياء، في سلسلة متواصلة كريمة، جيلاً بعد جيل.

3.
ابن اللّه: ويُسمَّى ابن اللّه بحق، لأنه لم يأخذ هذا الاسم الجليل من بشر، بل
بإعلان إلهي ورد على لسان الملاك الذي بشر العذراء الطاهرة بأنها ستلد ابناً يكون
عظيماً «وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى» (لوقا 1: 32). ولما طلبت إيضاح
هذا الأمر المستحيل عندها، حقّقه لها جبرائيل بالتكرار، لأنه كان من الضروري إعلان
مقامه الإلهي الحقيقي قبل مجيئه، فليس بين كل أخبار التاريخ البشري خبر يستحق أن
يُسمَّى إنجيلاً كخبر المسيح، فهو حقاً بشارة. ولا عجب أن النبي الإنجيلي إشعياء
السابق للمسيح بنحو سبعمائة سنة قال فيه: «رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ
عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ»
(إشعياء 61: 1) ولا عجب أن الملاك لما أخبر رعاة بيت لحم بولادته قال:
«أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ» (لوقا 2: 10). ففاتحة مرقس هذه المكوَّنة من ست
كلمات، تلخص ما هو ضروري أن نعرفه عن يسوع المسيح.

 

بشارة
لوقا

«إِذْ
كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي ٱلأُمُورِ
ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ
كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ
أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ ٱلأَوَّلِ
بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا
ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ ٱلْكَلامِ ٱلَّذِي
عُلِّمْتَ بِهِ» (لوقا 1: 1-4).

ولوقا
مثل مرقس، غير مذكور في البشائر الأربع، لكن لنا لمحات عن حياته في سِفْره الثاني
(أي سفر أعمال الرسل) تُبيّن أنه رافق الرسول بولس في أسفاره التبشيرية. ثم نعلم
من إحدى الرسائل أنه كان طبيباً محبوباً (كولوسي 4: 14). والظاهر أنه كان من أهل
العلم، لأن لغة كتابته في اليونانية تمتاز بالفصاحة.

ومقدمة
بشارته رسالة وجيزة إلى صديقه اليوناني صاحب السمو ثاوفيلس. المؤمن بالمسيح، بيَّن
فيها لوقا أنه قصد من كتابتها إفادة ثاوفيلس وتثبيته في إيمانه الجديد، فأكَّد له
أنه اجتهد ليقف على الأخبار الراهنة عن المسيح، فقال: «تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ
مِنَ ٱلأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي
إِلَيْكَ أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ
ٱلْكَلامِ ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ» (لوقا 1: 1-4).

 

بشارة
يوحنا

«فِي
ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ
ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ. هٰذَا
كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللّٰهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ،
وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ،
وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ» (يوحنا 1: 1 – 4).

والبشير
الرابع هو يوحنا الرسول، الذي كان من تلاميذ يوحنا المعمدان سابقاً، وأحد الشخصين
اللذين سبقا الجميع في التتلمذ للمسيح. وهو الذي نال لقب «التلميذ الذي كان يسوع
يحبه» (يوحنا 13: 23). ومع أنه صياد سمك، إلا أنه لم يكن من الفقراء، إذ كان لأبيه
زبدي سفن وعمّال. وكانت أمه سالومة ترافق المسيح ورسله لكي تعولهم من مالها، وقد
خصَّ المسيحُ يوحنا بالكثير، فهو الذي اتكأ على صدره في العشاء الأخير (يوحنا 13:
23)، وله سلّم أمه وهو على الصليب ليعتني بها (يوحنا 19: 27). وتفوح بشارة يوحنا
برائحة المحبة واللطف.

كتب
يوحنا بعد زملائه الثلاثة بعشرين أو ثلاثين سنة، بعد أن كان اليقين بناسوت يسوع
الحقيقي قد رسخ، وساد في أفكار المؤمنين، وزال الخوف من أن يتزعزع. لكن لما كان
التطرُّف دأب البشر في أكثر الأمور، ولا سيما في الدين، فقد تحول كثيرون من
المسيحيين من المجاهرة بناسوت المسيح إلى إنكار لاهوته، لذلك رأى يوحنا من الضروري
أن يُضمِّن بشارته كثيراً من الكلام في لاهوت يسوع، إصلاحاً للخطأ الذي كان قد
تسلَّل إلى الكنيسة.

وفاتحة
بشارة يوحنا تُعَدُّ من أفخر أقوال الإنجيل وأشهرها، ولها وقع عظيم في نفس كل محب
للدين، وفيها يتذكر الكاتب الموحَى إليه، بدء الخليقة. وفاتحة كتاب الوحي تقول:
«فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ
وَٱلأَرْضَ» (تكوين 1: 1). ولكن يوحنا يصوّر لنا بدءاً سابقاً لذلك البدء،
إذ يقول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ
كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ
ٱللّٰهَ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ
مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 1-3).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى