اللاهوت الروحي

2- كان الآب قد أعد مذبح المُحرَقة



2- كان الآب قد أعد مذبح المُحرَقة

2- كان الآب قد
أعد مذبح المُحرَقة

 في هذا
اليوم تحتفل الكنيسة المقدسة بتقديم السيد المسيح ذبيحة عنا. وهنا نود أن نشرح ما
هو المقصود بكلمة ذبيحة، في بعض تفاصيلها.. منذ أن بشر الله آدم بالخلاص، في قوله
أن “نسل المرأة يسحق رأس الحية” (تك 3: 15)، علمه من ذلك الحين أن يقدم
ذبائح، ويسلم نسله:

مقالات ذات صلة

 

وتعلم آدم بهذا أول درس للفداء.

لقد أخطأ فتعرى، ولم تصلح لستره أوراق التين.
فصنع له الله قميصاً من جلد ذبيحة لعله جلد ذبيحة، وستره به. فعرف أن الخطية مها
العرى، والذبيحة معها الستر. وكان هذا الدرس الأول. وتوالت الذبائح من حيوانات
طاهرة.

 

نفس طاهرة لم تخطئ، تموت عن نفس بشرية أخطأت.

 

وقرأنا عن محرقة هابيل الصديق (تك 4) قدمها
“من أبكار غنمه ومن سمانها”. من أين عرف هابيل أن يقدم ذبيحة محرقة
للرب؟ لعله عرف هذا بالتقليد، تسليما من أبية آدم، الذي تسلم هذا الأمر من الله.
وعبرت فكرة الذبيحة، أو عقيدة الذبيحة إلي جميع الأجيال. وقرأنا عن محرقات أبينا
نوح “تك 8” من الحيوانات الطاهرة. إنه نفس الدرس “نفس طاهرة تموت
عن نفس مخطئة. وكان هذا هو الدرس الثاني. وهكذا قرأنا عن محرقات قدمها أيوب الصديق
عن أولاده قائلا “ربما أخطأ بني وجدفوا في قلوبهم، علي الله” (أي 1: 5)
ومن سفك دم الذبائح والمحرقات، ظهر الدرس الثالث وهو: “أجرة الخطية موت”
(رو 6: 23) للخاطئ أو نفس عوضاً عنه.

 

وجاء موسى النبي ليشرح بالتفاصيل المحرقات
والذبائح التي تقدم عن الخطايا. وكانت كل منها ترمز إلي ذبيحة السيد المسيح من
زاوية معينة. فلنأخذ إذن فكرة عنها لنعرف ما الذي قدمه المسيح عنا في هذا اليوم،
يوم الفداء العظيم. نحن نعلم أن الإنسان قد أخطأ. وكانت خطيئته ضد الله ذاته.
ويكفي أنها عصيان لله وتمرد عليه،، كما أنها انفصال عن الله وعدم محبة له.

 

وخطيئة الإنسان كانت لها نتيجتان: أولاً إغضاب
الله، وثانياً هلاك الإنسان. وجاء السيد المسيح ليعالج الأمرين معاً.

 

1- يصالح الله الآب، ويتحمل غضبه، ويدفع له ثمن
الخطية.

2- يخلص الإنسان المحكوم عليه بالموت، بأن يموت
بدلاً منه.

 

أما إرضاء قلب الله، فكانت ترمز إليه ذبيحة
المحرقة.

 

لذلك وضعت في مقدمة الذبائح كلها، في الأصحاح
الأول من سفر اللاويين. وقبل عنها ثلاث مرات في هذا الأصحاح إنها “محرقة
وقود، رائحة سرور للرب” (لا1: 9، 13، 17). ولأنها كانت خاصة بالله وحدة، ما
كان يأكل منها احد، لا الكاهن، ولا اللاوى، ولا مقدمة الذبيحة، ولا أصحاب مقدمها.
إنما كانت تأكلها نار المذبح وحدها “التي تشير العدل الإلهي” تظل النار
تتقد فيها، حتي تتحول إلي رماد. ثم يأخذ الكاهن هذا الرماد إلي خارج المحلة إلي
مكان طاهر “لا 6: 8- 12” إشارة إلي أن حق الله قد استوفي، وتمت المصالحة
معه، وأخذ ثمن الخطية: وسر من خضوع المحرقة حتي المنتهي. هذا عن إرضاء قلب الله،
فماذا عن خلاص الإنسان؟

 

كانت ذبيحة الخطية، هي التي تحمل خطايا الإنسان
وتموت بدلاً منه، لكي يخلص. وكذلك ذبيحة الإثم.

 

إنهما ذبيحتان، إحداهما عن خطية الإرادية،
والأخرى عن خطية التي فعلها الإنسان سهواً ثم أعلم بها (لا 4، 5) كل من ذبيحة
الخطية وذبيحة الإثم، كانت طاهرة وبلا عيب.

 

الذبيحة لم تكن خاطئة، إنما كانت حاملة خطية.

 

كانت حاملة لخطية مقدمها، الذي يضع يده عليها،
إشارة إلي أنها تنوب عنه، وأن خطاياه تنتقل منه إلي رأس هذه الذبيحة، فتموت عنه
(لا 4: 4، 15، 24، 29، 33)

 

وقد قال الكتاب عن هذه الذبيحة إنها قدس أقداس.

 

“في المكان الذي تذبح فيه المحرقة ذبيحة
الخطية أمام الرب إنها قدس أقداس.. في مكان مقدس تؤكل في دار خيمة الاجتماع. كل من
مس لحمها يتقدس.. إنها قدس أقداس” (لا 6: 24- 29). ونفس الكلام قيل عن ذبيحة
الإثم (لا 7: 1، 2، 6) (إنها قدس أقداس). كل هذه كانت رموزاً في العهد القديم. فما
الذي حدث للسيد المسيح الذي كانت ترمز إليه هذه الذبائح والمحرقات؟

 

في يوم الجمعة الكبيرة، كان الله الآب قد أعد
مذبح المحرقة علي جبل الجلجثة..

 

وتقدم السيد المسيح، وهو يحمل حطب المحرقة. تقدم
وارتفع علي هذا المذبح بنفسه. لم يرغمه أحد، لكنه هو الذي قال: أنا أضع نفسي عن
الخراف. ليس أحد يأخذها مني. بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان
أن آخذها أيضاً (يو 10: 15- 18). تقدم السيد المسيح وصعد علي مذبح المحرقة من
ذاته. واتقدت فيه النار

 

وأتت نيران كثيرة، وأحاطت به.

 

نيران من أقطار قريبة وبعيدة. ونيران من أجيال
عديدة. كلها كانت تخص الناس، في كل مكان، وعلي مدي الأزمان. إنها نار العدل الإلهي
الواقع علي كل هذه الخطايا. وظلت النار تتقد ثلاث ساعات كاملة. من السادسة حتي
التاسعة.

 

كانت النار تلتهم هذه المحرقة الإلهية. وصعد
دخانها إلي فوق. وتنسم الآب رائحة الرضا.

 

ولم يرفع يده عن المحرقة، كما حدث مع أسحق. لذلك
صرخت المحرقة “إلهي إلهي، لماذا تركتني؟” أنه – تبارك أسمه – لم يترك
محرقة أبنه الوحيد لحظة واحدة ولا طرفة عين. إنما ترك نار العدل الإلهي تتقد فيها
حتي النهاية لإرضاء الآب ومصالحته.. عن كل خطية. وعن كل إثم، وكل سهو. لكل أحد، في
كل مكان، وفي كل الأزمان.

 

وقبل أن تتحول المحرقة إلي رماد، قالت للآب: قد
أكمل

 

“أيها الآب.. العمل الذي أعطيتني لأعمل، قد
أكملته” (يو 17: 4). وإذا استودعت روح السيد المسيح في يدي الآب، أخذ الآب
رماد المحرقة – حسب الناموس – ووضعه في مكان في الفردوس أولاً.. ثم عن يمين الآب..

 

وفي نفس الوقت. وعلي نفس الجبل، جبل الجلجثة.
قدم السيد المسيح ذاته كذبيحة خطية.

 

 ليحمل
خطايا العالم كله، كما قال المعمدان (يو 1: 29) وكما قال القديس يوحنا الحبيب (1يو
2: 2) سواء الخطايا المعاصرة لوقت الصلب، أو خطايا الماضي منذ آدم، أو خطايا
المستقبل حتي آخر الدهور.. لكل من يؤمن به ويتوب.. لهذا فإن كل الراقدين علي رجاء
في الجحيم، مدوا أيديهم ووضعوها علي رأس هذه الذبيحة، لتنوب عنهم، وقد قبلوها ذبيحة
عن خطاياهم. وكل الذين آمنوا بالسيد المسيح في جميع الأجيال، يضيعون أياديهم أيضاً
علي هذه الذبيحة لتنوب عنهم. وهم يقبلونها لفدائهم.

 

ودم ذبيحة الخطية هذه رش مستديراً، حول الكرة
الأرضية..

 

وعندئذ، حدث أن الملاك الذي كان يحرس الطريق إلي
شجرة الحياة، بسيف من نار (تك 3: 24).. هذا الملاك رأي الدم، نازف من ذبيحة
الخطية، ليمحوا كل خطية، فقال “عندما أري الدم أعبر، عنكم” (خر 12)

 

وأصبح طريق شجرة الحياة، مفتوحاً أمام من يغلب.

 

وذلك كما قال الرب فيما بعد لملاك كنيسة أفسس
“رؤ 2: 7). أما الكنيسة المقدسة، فقد وقفت أمام هذه المحرقة الإلهية وذبيحة
الخطية، ترتل في كل يوم من أيام البصخة قائلة:

 

المسيح مخلصنا جاء وتألم عنا، لكي بآلامه
يخلصنا.

 

نسألك أيها الصالح أن تصنع معنا رحمة كعظيم
رحمتك.. وإذ كان الناس يستهزئون بهذا المصلوب، ويظنون فيه الضعف، ظلت الكنيسة طوال
أسبوع الآلام تغني في أذني المسيح تسبحتها المعروفة “لك القوة والمجد والبركة
والعزة يا عمانوئيل إلهنا وملكنا” وعندما كان الناس يسخرون به وهو مصلوب،
ويقولون له “إن كنت أبن الله، إنزل من علي الصليب وخلص نفسك”كانت
الكنيسة تنشد له لحن (أومونوجينيس): “أيها الابن الوحيد، الكلمة الأزلي، الذي
لا يموت). ولما “أحصي بين أثمه” وهو علي الصليب، ظلت الكنيسة خلال
الساعة السادسة والساعة التاسعة، تغني له باللحن (آجيوس) أي قدوس.. قدوس.. قدوس..

 

إن حامل خطايا العالم كله ترتل له الكنيسة لحن
الثلاثة تقديسات

 

إن الكنيسة تعرف قداسته التي بلا حدود.. وتعرف
أنه قد مات عنا، من فرط حبه لنا. كان لابد من ذبيحة بلا عيب، لكي تحمل عيوب الناس
جميعاً.. كان لابد من إنسان بلا خطية.. إذا مات، يكون موته عن خطاياً غيره
فيفديهم.. علي أن يكون هذا الذي يموت غير محدود،، ليقدم كفارة غير محدودة، تكفي
لجميع الخطايا، لجميع الناس، في جميع الأجيال. ولم يوجد إنسان بلا خطية، ولم يوجد
غير محدود بين جميع المخلوقات. فتجسد الرب لأجلنا، وحمل خطايانا. ولما مات عن
خطايانا نحن، إذ ليست له خطية خاصة يموت عنها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى