علم المسيح

محاكمة يسوع الدينية



محاكمة يسوع الدينية

محاكمة يسوع الدينية
أمام حنان وقيافا والمجمع
اليهودى الكبير

 (مر53: 1472 و1: 15، مت57: 2675 و1: 272، لو54: 2271، يو12: 1827)

أولاً: إستجواب يسوع من رئيس الكهنة
السابق حنان

(يو12: 1814 و1924).

1)           
ثانيًا: يسوع أمام رئيس الكهنة قيافا والمجمع
الكبير
:

(مر53: 1464 و1: 152، مت57: 2666 و1: 272، لو54: 22 و6671).

2)           
1 زمن المحاكمة.2 مكان المحاكمة.

3)           
3 إجراءات المحاكمة.

4)           
أ طلب الشهود.ب موقف يسوع أمام شهود الزور.

5)           
ج إعتراف المسيح بمسيانيته أمام المجمع اليهودى،
والحكم عليه بالموت.

6)           
4 سؤال رئيس الكهنة قيافا، وإجابة يسوع بحسب
المفسرين الحديثين.

7)           
5 مجمع السنهدريم وحقوقه في إصدار قرارات الحكم
بالموت.

8)           
ثالثًا: الإستهزاءات بيسوع (مر65: 14، مت67: 2668،
لو63: 2265).

رابعًا:
إنكار بطرس (مر66: 1472،مت69: 2675، و54: 2262، يو15: 1818 و2527).

1
الإنكار الثلاثى (الأشخاص والزمن).2 مشكلة صياح الديك.

3
نظرة السيد وتوبة بطرس.4 سبب إنكار بطرس.

مقالات ذات صلة

5
لماذا حفظ الإنجيليون حدث الإنكار؟

 

أولاً: إستجواب يسوع من
رئيس الكهنة السابق حنان (يو12: 1814 و24: 19)

بعد
تسليم
يسوع
نفسه
لفصيلة
جند اليهود حراس الهيكل في
جثسيماني، أُخذ مباشرةً إلى حنان رئيس الكهنة
السابق[1]. هذا
الإجراء من جانب غير قانوني أساسًا، لأن حنان لم يكن وقتئذٍ رئيس الكهنة الرسمي
لليهود، رئيس الكهنة الرسمي كان يوسف قيافا، الذي كان حنان حماه وهو الذي عهد إليه
بهذا المنصب الهام. وقيافا بدوره كنوع من الإمتنان لشخص حماه والاعتراف له بالجميل،
تنازل له لكي يجري الإستجواب الأول ليسوع[2]. ومن جانب
آخر، فإن هذا الإجراء موضع الحديث يقودنا إلى الاستنتاج المحتمل، أن حنان كان هو
الشخص الذي خطط للقبض على يسوع، وربما منه أيضًا، قبض الخائن يهوذا مكافئته[3].

عندما
وقف يسوع أمام حنان، وجّه له سؤالاً مزدوج، عن تلاميذه وعن تعليمه (انظر يو19: 18).
أبدى الكاهن الأسكندري أمونيوس (ق 5م) ملاحظة صائبة جدًا وهي أن حنان يواجه السيد
كما لو كان شخصًا ثائرًا ومتمردًا قد تجمع حوله تلاميذه، ولم يقترب منه أحد من
الناس، وكمثل من يخطط لأمر شرير[4].

لكن
لماذا سأل حنان السيد عن تلاميذه، بالرغم من معرفته لهم (انظر على سبيل المثال
مر23: 224 ومت1: 152). وبالرغم من أن واحدًا منهم (يوحنا) كان حاضرًا في الإستجواب
(انظر يو15: 18)؟ أيضًا لماذا سأله حنان عن تعليمه، ومع العلم بأن السيد لم يُعلّم
إطلاقًا في الخفاء، بل كان يُعلّم دائمًا علانية، أمام الكل وتحت سمع الكل (انظر
يو20: 18)؟

الإجابات
التي نأخذها من القديس كيرلس الأسكندري، هي قيّمة جدًا، لأنه فيما عدا أنها تجيب
على الأسئلة السابقة، فهى تعطينا في نفس الوقت وصف عام لطريقة تفكير حنان ومن ثمّ
لنوعية شخصيته. يقول المفسر الكبير: يسأله عن التعليم وعن تلاميذه، لأنه لم تكن
هناك إتهامات حقيقية ضد المسيح، ولأنه كان يجهل نقاوة هذا الذي يحاكمه. فهو يسأل
السيد عن تعليمه لكي يعرف أيًا من الأمرين حادث، هل تعليمه مخالف لناموس موسى ولكل
ما قد أُعطى حسب التدبير القديم، أم أنه متوافق معه. ثم يسأل عن التلاميذ لكى يعرف
ما هو الهدف من تكوينه لتلاميذ. وهل هؤلاء ملتزمون بالعادات القديمة السائدة، أم
أنهم يعتنقون عبادة جديدة وغريبة. وقد تصرف رئيس الكهنة هكذا بخبث، لأنه افترض أن
المسيح سوف يهاجم علانية الناموس، رافضًا أوامر موسى، وبالتالي سيثير غضب اليهود
عليه، وسينال هكذا بعدل جزاء تعدى الناموس، وهو جزاء من يتعدى على الله[5].

ومن
جانبنا يمكن القول إن حنان يسأل السيد أولاً عن تلاميذه، لأنه ربما يريد أن يعرف
إلى أي مدى إرتباط هؤلاء التلاميذ بمعلّمهم، فطالما يظن حنان، أن يسوع يبشر بعبادة
جديدة، فتلاميذه سيكونون بالطبع هم الكارزون من بعده بهذه العبادة والمحافظين
عليها. وعليه إذا تأكد لحنان هذا الظن فإنه سيكون بالنسبة له بمثابة سبب قوى لا
لإتهام المعلّم وحده أمام اليهود بالخروج على ناموس موسى بل والتلاميذ أيضًا. بل
والأخطر من هذا، أنه طالما أن حنان عنده الانطباع أن يسوع يعتبر نفسه ملك ومسيا
(انظر لو1: 232) فتلاميذه بالتالي سيكونون هؤلاء الذين على اسمه سيدبرون ثورة لقلب
نظام الحكم الروماني. وبالتالي سؤاله عن التلاميذ سيساعده كثيرًا على اتهام
المعلّم وأتباعه لدى الرومان أيضًا.

في
الإجابة التي يعطيها يسوع لحنان ” أنا كلمت العالم علانية أنا علّمت كل حين
في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائمًا. وفي الخفاء لم أتكلم بشيء لماذا
تسألني أنا، اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم، هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت
أنا” (يو20: 1821). نلاحظ أن السيد لم يقل أي شئ بخصوص تلاميذه، إذ هو دائمًا
يحفظهم ويحميهم، وكما فعل هذا من قبل، هكذا يفعل الآن وفي هذه اللحظة: ” حين
كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك، الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد..”
(يو12: 17). هكذا لم يجب السيد بشئ عن تلاميذه وأتى بالقول مباشرة إلى النقطة التي
تهم حنان معرفتها أساسًا، ألا وهي ” السرية في تعليمه ” حسب ظن رئيس
الكهنة السابق حيث أعلن له أنه كان يكلم العالم علانية وفي الخفاء لم يتكلم بشيء،
وفي ثقة الواثق من تعليمه، طلب من حنان أن يسأل الذين قد سمعوه بماذا كان يكلمهم.
وحقيقة كانت السمة المميزة لتعليم السيد المسيح هي الجهرية، كما أنه هو نفسه لم
يطلب أبدًا أن يكون تعليمه في الخفاء بل على العكس أمر تلاميذه قائلاً: ”
الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على
السطوح” (مت27: 10).

فضلاً
عن ذلك فإن إجابة يسوع السابقة لحنان، تُحضر إلى ذهن رؤساء كهنة اليهود الكلمات
النبوية لإشعياء والتي تصف شخصية السيد: ” لم أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض..
بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد..” (19: 45 و2: 65).

بمواصلة
الحديث نظن أنه من المفيد أن نعرف، لأي سبب تجرأ واحد من خدام رئيس الكهنة وبوقاحة
لطم يسوع بعد هذه الإجابة بالتحديد، بينما السيد لم يقل شيئًا يثير الغضب، بل
بوداعة عظيمة كان يدافع عن الاتهامات التي وُجهت ضده، ولا حتى رئيس الكهنة أمر
الخادم بضرب السيد. لماذا إذًا قبل اللطمه ذاك الذي أعتق آدم في الصلب؟ الموضوع هو
كالآتي: عندما سأل حنان السيد عن تعليمه، أجابه: “.. لماذا تسألني أنا؟ اسأل
الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم” (يو21: 18)، وهو بهذا الرد قد أشار إلى بعض
الأشخاص من الخدام الحاضرين، الذين عندما أُرسلوا في مرة سابقة من قِبل القيادات
الدينية للقبض على السيد بسبب تعليمه، هؤلاء ليس فقط لم يقبضوا عليه، بل وبالتحديد
بسبب تعليمه أُعجبوا به جدًا وعادوا وهم مندهشين من ذلك وقالوا للذين أرسلوهم: ”
لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان” (انظر يو31: 753). ويبدو أن واحدًا
من هؤلاء الخدام، قد ملأه الجبن، وفي محاولة منه لإبعاد الشبهات عنه والإتهامات له،
بأنه من المعجبين بالسيد، أسرع ودافع عن نفسه بطريقة سيئة جدًا، صافعًا السيد،
مقدمًا تبريرًا كاذبًا: ” أهكذا تجاوب رئيس الكهنة” (يو22: 18). هذا هو
إذًا السبب، الذي جعل السيد يقبل صفعة[6].

ونرى
فيما بعد، السيد وهو يجيب بطريقة رائعة على هذا التصرف الأحمق للخادم، مؤنبًا إياه
لكن بدون إهانة له في نفس الوقت: ” إن كنت قد تكلمت رديًا فاشهد على الردى
وإن حسنًا فلماذا تضربني” (يو23: 18). وعند هذه النقطة يتوقف السرد التاريخي
من قِبل يوحنا لمحاكمة السيد أمام رئيس كهنة اليهود غير الرسمى حنان، فقط يسجل أن
السيد، بناء على وصية حنان، أُرسل مقيدًا إلى رئيس الكهنة الرسمي قيافا (انظر يو24:
18).

هكذا
لم يستطع حنان أن يوقع السيد في حبائله، بالرغم من إبداعاته الذكية في تأليف
الاتهامات. وسيق السيد ” كشاة إلى الذبح” (إش7: 53) إلى أول من أفتى
بذبحه، إلى قيافا، الذي بالرغم من أنه قد مُسح لرتبة رئاسة الكهنوت، إلاّ أنه أظهر
في النهاية أنه مستحق لأي شئ آخر إلاّ رئاسة الكهنوت.

قبل
أن تنتهى الجلسة الأولى من محاكمة السيد المسيح الدينية، حيث كان الحديث فيها عن
إستجوابه من قِبل حنان، وتبدأ وقائع الجلسة الثانية حيث سيكون الحديث عن إستجوابه
السيد من قِبل قيافا والمجمع اليهودي، نجد لزامًا علينا أن نعرض الملاحظات التالية:

1
الإنجيليون الثلاثة الأُول، لا يوردون أية إشارة لإستجواب السيد من قِبل حنان،
ربما لأن حنان لم يكن وقتئذٍ وكما قلنا سابقًا رئيس الكهنة الرسمي لليهود، لذا
اعتبروا (الإنجيليون) أن إجراء الفحص هذا غير قانوني.

2
يوحنا، وكما هو معروف، يكتب الإنجيل الأخير، وبالتالي ما لم يذكره الإنجيليون
الثلاثة السابقون، يذكره هو. هكذا هنا، فقد سبق وسجل لنا الإنجيليون الثلاثة
محاكمة يسوع من قِبَل رئيس الكهنة قيافا وأمام المجمع الكبير. ثم جاء يوحنا ليُسجل
بدوره وكشاهد عيان (انظر يو5: 18) الإجراء السابق لهذه المحاكمة، أي إستجواب السيد
من قِبل حنان.

3
الإنجيليون الثلاثة الأُول يحفظون في كتاباتهم محاكمة يسوع أمام قيافا والمجمع
الكبير، لأن قيافا كان هو رئيس الكهنة الرسمي وقتئذٍ، وكان هو الذي أشار على رؤساء
اليهود أنه خير للشعب اليهودي أن يموت إنسان واحد عنه ولا تهلك الأمة كلها (انظر
يو50: 11).

4
رواية الإنجيلي الثالث لوقا، على الأخص، تُظهر كما يلاحظ
Léon Dufour[7] استقلالية
إلى حد ما عن رواية يوحنا المقابلة في إجراءات المحاكمة، وهو أمر عادة لا يتبعه
لوقا، فروايته هنا قريبة جدًا من روايات مرقس ومتى.

 

ثانيًا: يسوع أمام رئيس الكهنة قيافا والمجمع
الكبير
:

(مر53:
1464 و1: 152، مت57: 2666
و1: 272، لو54: 22 و6671)

1
زمن المحاكمة:

وفقًا للإنجيليين
الاثنين الأولين، لدينا المعلومة أن رئيس الكهنة قيافا قام باستدعاء كل أعضاء
المجمع الكبير ليلاً، بهدف أن يبدأ فورًا محاكمة يسوع في حضور الكل. هذا الإجراء
يستنتج من شاهدين للإنجيليين مرقس ومتى:

أ
” فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة فاجتمع معه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ
والكتبة” (مر53: 14، مت57: 26).

ب
” وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه..”
(مت59: 26، مر55: 14).

أما
رواية الإنجيلي الثالث لوقا فهي تُظهر تميزًا خاصًا وتعطينا الإنطباع أن الاجتماع
موضع الحديث والمحاكمة لم يتما ليلاً، بل في الصباح. إذ تُظهر الرواية، يسوع وهو
يُقاد ليلاً إلى فناء بيت رئيس الكهنة، في نفس المكان الذي سيحدث فيه فيما بعد
الإنكار الثلاثي من بطرس. في هذا المكان ظل يسوع حتى الصباح وهو يتلقى صنوف من
الاستهزاءات، ووابل من الضربات من الرجال الحارسين له. وفي الصباح بدأ أعضاء
المجمع الكبير في التجمع. ثم يروى لنا الإنجيلي بعد ذلك، الأحداث التي ذكرها كل من
مرقس ومتى في الجلسة المسائية (انظر لو63: 2271). وفي حين أن مرقس ومتى يشيرون فقط
بالاسم إلى الاجتماع الصباحي دون ذكر أية تفاصيل (انظر مر1: 15، مت1: 27).

ومازلنا
عند الإنجيلي الثالث، لنستنتج المميزات الخاصة بروايته، ولنلاحظ أيضًا أنه هو نفسه
لا يتكلم عن اجتماع كل أعضاء المجمع بل يذكر فقط العبارة: ” ولما كان النهار،
اجتمعت مشيخة الشعب ورؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إلى مجمعهم” (66: 22).

الصعوبة
التفسيرية التي يُظهرها موضوع زمن انعقاد مجمع السنهدريم، ومن ثم بداية محاكمة
يسوع، قُدمت لها الحلول التالية:

1
أتباع مدرسة علم تاريخ الكتاب المقدس[8] يعضدون أن
الجلسة المسائية للمجمع الكبير، ليست ذات أهمية تاريخية، وأنها أُضيفت فيما بعد من
الإنجيليين مرقس ومتى، لأسباب تعليمية ودفاعية. ولذا فإن الجلسة الصباحية المذكورة
عند لوقا هي المهمة لمعرفة إجراءات المحاكمة.

لكن
بحسب رأينا نرى أن الجلسة المسائية مساوية في الأهمية للجلسة الصباحية. لأن انعقاد
المجمع صباحًا كان الاستمرارية الطبيعية لبداية انعقاده مساءً. كما أن القرار الذي
صدر في الجلسة الصباحية (انظر لو1: 232، مر1: 15، مت1: 272) إنما جاء بناءً على
المحاكمة التي تمت في الجلسة المسائية أمام حنان وقيافا ومجمع السنهدريم.

2
يعتبر
Rengstorf[9] أن دعوة
أعضاء المجمع للانعقاد مساءً أمر صعب تحقيقه، كما أن العثور على شهود ليلاً هو أمر
أكثر صعوبة، ولذا حديث الإنجيلي لوقا عن اجتماع صباحي للمجمع هو أكثر قبولاً
لتوافقه مع الواقع الزمنى.

ونعلّق
على هذا الرأي فنقول إنه على الرغم من أن عدد مجمع السنهدريم كان يتكون من (71)
عضوًا تمثل القيادات الدينية لليهود يرأسه رئيس الكهنة[10].
إلاّ أنه لم يكن من الصعب استدعاءهم ليلاً، وذلك لأن كل الأعضاء كان يجب عليهم
التواجد في أورشليم في ذلك الوقت، لأجل الاحتفال بعيد الفصح. كما أن الشخص الذي
يُحاكم، ليس شخصًا عاديًا، بل هو شخص قد سبق واتفق أعضاء المجمع على قتله (يو47: 1153).
أيضًا نقول إن العثور على شهود في فترة الليل لم يكن أمرًا غير ممكن، وبالذات
عندما نعلم أن هؤلاء كانوا شهود زور (انظر مر56: 14، مت60: 26)، أي أُناس اعتادوا
ممارسة هذا الأمر كمهنة لهم.

3
يقبل
Blinzler[11] القول
باجتماع واحد بدأت جلساته مع الساعات الأولى بعد منتصف الليل وانتهت مع الساعات
الأولى للصباح.

ونلاحظ
أن هذا الرأى يمكن أن يصير مقبولاً، فقط إذا أخذنا في اعتبارنا أن الاجتماع الذي
بدأ بالليل قد توقف في ساعة ما، لفترة زمنية، ثم استكمل جلساته بعد ذلك في الصباح.
في فترة التوقف هذه أُخذ السيد خارجًا إلى فناء دار رئيس الكهنة (انظر لو54: 2266).

4
يري
Bénoit[12] أن تقابل
روايتي لوقا ويوحنا يمكن أن يقود إلى تسوية حسنة جدًا للأمور. فالإستجواب الليلي
غير المذكور عند لوقا، يتفق مع الإستجواب الذي قام به حنان والذي يذكره يوحنا
(انظر 12: 1813). والذي انتهت جلسته مع الساعات الأولى من الصباح حيث أُرسل يسوع
بعد ذلك إلى قيافا (انظر يو24: 18)، وفي أثناء مروره بفناء دار رئيس الكهنة ألقى
نظرة على بطرس، الذي تواجد بالفناء في هذه اللحظة (انظر لو61: 22).

لكن
على الرغم من أن
Bénoit ينادي بالرأي السابق إلاّ أنه اضطر للاعتراف بصعوبة قبوله. لأنه
بحسب ترتيب الأحداث عند يوحنا فإن الإنكار الثالث لبطرس، وقع بعد فحص يسوع من
قيافا وليس قبله (انظر يو24: 1827) [13].
وفي النهاية يؤكد
Bénoit أن المجمع اليهودي اجتمع مرة واحدة فقط وذلك في الجلسة التي تمت
صباحًا كما ذكر الإنجيلي لوقا، وإذا كان الإنجيليين مرقس ومتى يتحدثان عن جلسة
مسائية فربما لأنهم اعتبروا الجلسة الصباحية غير رسمية مثل جلسة فحص يسوع من حنان.

وBénoit برأيه هذا هو قريب جدًا من رأي أتباع مدرسة علم تاريخ الكتاب
المقدس.

5
المطران أثناسيوس[14] يعتقد أن
المحاكمة الدينية ليسوع أمام قيافا والمجمع الكبير قد تمت ليلاً، لكن بسبب أن
قوانين المجمع لا تسمح لأعضائه بإصدار قرارات في فترة الليل، لهذا اجتمعوا مرة
أخرى في الصباح وأصدروا قرار الحكم على يسوع بالموت.

أسانيد
هذا الرأي صحيحة وثابتة كما سنرى ولهذا نرى أنه محتمل جدًا.

من
كل ما سبق إذًا وشرحناه، يمكننا أن نستنتج النتائج التالية:

1
يصف لنا الإنجيليان مرقس ومتى أولاً أحداث الجلسة المسائية لأعضاء المجمع اليهودي
الكبير والتي في نهايتها أفتوا أن يسوع مذنب، وأنه مستوجب الموت، وفيما بعد يوردون
إشارة سريعة وقصيرة للجلسة الصباحية للأعضاء السابقين والتي فيها تشاوروا بمكر في
كيفية قتل يسوع، بناء على فتوتهم الليلية، ولقد وجدوا الطريقة الخبيثة بدون عناء
في التفكير إذ قرروا تسليم السيد إلى الوالي الروماني بيلاطس البنطي لكي يقتله هو
وليس هم.

2
يؤرخ كل من مرقس ومتى بالتفصيل أحداث الجلسة المسائية، ثم يأتي لوقا من بعدهم
ويستلم خيط مضمار تتابع الأحداث ليؤرخ لنا بالتفصيل عن الجلسة الصباحية واضعًا في
اعتباره أنها انعقدت على أساس الجلسة المسائية السابقة، وأنه من المرجح أن يكون
أعضاء المجمع قد أعادوا طرح نفس السؤال على يسوع الذي طرحه من قبل رئيس الكهنة في
الجلسة المسائية (انظر لو66: 2271)، وذلك إمّا لإعطاء يسوع فرصة لتبرئة نفسه من
تهمة التجديف، التي نُسبت إليه مساءً، وإما لكي يعترف أعضاء المجمع أنفسهم بتجديف
يسوع كما اعترف رئيس الكهنة في الجلسة السابقة، وإما الاثنين معًا. على أى حال نرى
أنه بعد أن سمع الأعضاء بآذانهم ما يسمونه “التجديف” من فم يسوع (انظر
لو71: 22)، تحولت فتوى الجلسة المسائية ” أنه مستوجب الموت ” إلى قرار
مجمعي. ثم يذكر لنا لوقا الطريقة التي توصلوا إليها لتنفيذ هذا القرار وذلك
بتسليمه إلى بيلاطس البنطي واتهامه هناك بتهمة سياسية فحواها ” إننا وجدنا
هذا يُفسد الأمة ويمُنع أن تُعطى الجزية لقيصر قائلاً إنه هو مسيح ملك.. وإنه يهيج
الشعب ويُعلّم في كل اليهودية (بذلك) مبتدئًا من الجليل إلى هنا” (انظر لو5،2:
23).

3
في النهاية يأتي يوحنا، والذي يضيف بدوره، مرحلة أخرى من مراحل محاكمة السيد
الدينية، وهي مرحلة الإستجواب الأولي ليسوع من قِبل رئيس الكهنة السابق لليهود،
حنان.

هكذا
وبهذه الشهادة الأخيرة للإنجيلي الرابع تكتمل لدينا الصورة الكاملة لمحاكمة يسوع
الدينية من جانب اليهود.

 

2
مكان المحاكمة:

بمواصلة
الحديث، سنناقش مسألة أخرى تخص تحديد المكان، الذي فيه تمت محاكمة السيد المسيح.
ولهذه المسألة تجمعت لدينا الآراء التالية:

1
مفسرون كثيرون[15] يعتمدون
على شهادة كتاب ال
Mischna العبري، بأن المكان المُخصص لانعقاد المجمع اليهودي الكبير ”
السنهدريم” للنظر في القضايا، كانت القاعة المعروفة باسم
Lischkath Haggajith والتي تعنى عند يوسيفوس المؤرخ[16]
” مجلس النواب ” والموجودة بالساحة الداخلية للهيكل، ومن ثمّ ينادون
بالرأي القائل بأنه نظرًا لأن أبواب الهيكل كانت مغلقة في الليل، لذا فإن المحاكمة
الموصوفة في الأناجيل الأربعة للسيد المسيح قد تمت في دار رئيس الكهنة.

لكن
هؤلاء المفسرين، بينما هم يحاولون أن يبرروا رأيهم بأن محاكمة يسوع تمت في دار
رئيس الكهنة، يقعون في خطأ، إذ قد ذكرنا في نقطة سابقة بأنه حسب يوسيفوس كانت
أبواب الهيكل تظل مفتوحة طوال الليل أمام الزائرين الوافدين من كل مكان لأجل عيد
الفصح. فيما عدا هذا الخطأ فإن ادعائهم بأن محاكمة يسوع قد صارت في دار رئيس
الكهنة، هو صحيح تمامًا.

2
مفسرون آخرون[17] يعتبرون أن
الرأي القائل بأن المجمع اليهودي أيام المسيح كان يعقد جلساته في الهيكل هو رأي
غير محتمل، وذلك لأن قاعة اجتماعات المجمع كانت محتلة من قائد الجند الروماني،
المشرف على الأمن والنظام بأورشليم. ولذا كان المجمع يعقد جلساته في مكان آخر خارج
مدينة أورشليم، ومن ناحية الجانب الغربي من الهيكل.

لكن
هذا الرأي بينما هو يحوي العنصر الإيجابي القائل بأن محاكمة السيد تمت في مكان ما
خارج الهيكل إلاّ أنه وهنا بالتحديد يحوى العنصر السلبى له إذ لم يحدد بالضبط أين
تمت المحاكمة في حين أن الأناجيل الأربعة تتكلم بوضوح على أن المكان كان دار رئيس
الكهنة (انظر مر54: 14، مت58: 26، لو54: 22، يو15: 18).

3
رأي ثالث[18] يعتمد على
تقليد يهودي محفوظ، مضمونه أنه لم يكن مسموحًا للمجمع أن يحاكم أحدًا أو أن يأخذ
قرار حكم الموت على أحد، خارج القاعة المخصصة لاجتماعاته بالدار الداخلية للهيكل.
وبناء على ذلك يعتبر أصحاب هذا الرأي، أن الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الكهنة بعد
منتصف الليل أعضاء المجمع “السنهدريم” في داره هو اجتماع غير قانوني.

هذا
الرأي يمكن أن يوصف بأنه نموذجي، إذ أنه حدّد، دار رئيس الكهنة وليس الهيكل، كمكان
لدعوة أعضاء المجمع وإجراء محاكمة السيد، وبغض النظر عما إذا كان المكان المُخصص
لذلك بالهيكل كان مشغولاً أو لا من الجند الرومان. وعند هذه النقطة يجب أن نقدم
الشهادة التالية:

إن
أبحاث الآثار في أورشليم، قد اكتشفت، في مكان دار رئيس الكهنة، كتابة تقول: ”
قصر حنان وقيافا” مما يعني أن دار حنان وقيافا كانت واحدة[19].
وبالتالي، عندما يقول الإنجيل عن السيد إن ” حنان قد أرسله موثقًا إلى قيافا
رئيس الكهنة” (يو24: 18)، لا يعني ذلك، أن يسوع قد أُرسل من دار حنان إلى دار
أخرى لقيافا، لكنه في الواقع استمر في داخل نفس البيت، منتقلاً فقط من حجرة إلى
حجرة أخرى.

بعد
كل ما عرضناه صار واضحًا كيف أن الآراء التي قُدمت عن زمان ومكان محاكمة السيد
المسيح هي عديدة ومتنوعة. لكن لا يجب أن ننسى أمرين أساسيين هما: أولاً: أن
الإنجيليين ليسوا بمسجلين لأحداث محاكمة يسوع، ولا هم يكتبون أناجيلهم من جانب
تاريخي فقط، حتى ننتظر منهم تفاصيل دقيقة عن زمان ومكان محاكمة السيد، فالأناجيل
أول كل شئ هي كتابات دينية هدفها أساسًا لاهوتي. هكذا في كل ما يتعلق بموضوع
محاكمة يسوع يهتم الإنجيليين بتقديم التعليم الأساسي التالى والذي سوف ندرسه
تحليليًا فيما بعد أن يسوع قد أعلن جهرًا أمام الرئاسة الدينية لليهود عن شخصيته
المسيانية والتي كان حتى ذاك الوقت يتجنب الإعلان عنها، مستخدمًا شواهد من كتب
الأنبياء دانيال وداود فيما يخص ابن الإنسان. وأن هذا الإعلان الصريح تسبب في غضب
المجمع، لذا قرر محاكمته بالموت.

وثانيًا:
أن الإنجيليين لا ينشغلون بتسجيل التفصيلات ذات الصبغة القانونية للمحاكمة، ولا
يهمهم رصد الأخطاء القانونية للمجمع الكبير، بل الذي يهمهم هو التشديد على إيمان الكنيسة
في مسيانية المسيح، والتأكيد على أن موته تحقق لأجل فداء العالم من الخطية ووفقًا
لخطة التدبير الإلهي[20]. وبناء على
ذلك فإننا نعتبر أن محاولة بعض الكُتّاب[21]
تجميع إجراءات مجمع السنهدريم المخالفة للقانون، هي محاولة ليست ذات جدوى وليست
ذات قيمة.

 

3
إجراءات المحاكمة:

بعد
أن أكملنا كل ما يخص موضوع زمان ومكان محاكمة السيد المسيح،
نتقدم الآن لبحث موضوع
المحاكمة في ذاتها، ولنبدأ ب:

أ
طلب الشهود:

إجراء
محاكمة يسوع أمام رئيس الكهنة ومجمع السنهدريم يبدأ، حسب
رواية الإنجيليين
الأولين متى ومرقس، بالإصرار من جانب القضاة على طلب شهود ضد يسوع، وترجع أسباب
طلب القيادات

الدينية لشهود إلى:

1
ذُكر في كتاب التثنية (15: 19) أن الشهود ضروريين للحكم في موضوعات قضائية بمثل
هذه النوعية.

2
لأن اليهود كانوا في ذاك الوقت تحت حكم الرومان، وهؤلاء بدون شهود، لن يعضدوهم في
تنفيذ حكم الموت على يسوع[22].

3
لكي يتم قول الكتاب: ” قد قام علىَّ شهود زور ونافث ظلم” (مز12: 27).

هذا
وبينما وفقًا لقوانين المحاكم اليهودية في المحاكمة، تستدعى المحكمة أولاً شهود
الدفاع، بهدف مساعدة المتهم على إثبات براءته، ثم بعد ذلك تستدعي شهود الاتهام،
نجد أنه في محاكمة يسوع قد حدث العكس تمامًا إذ استدعى القضاة أولاً وفقط شهود
الاتهام. وبالرغم من أن هؤلاء كانوا كثيرين ووجهوا إتهامات عديدة ضد يسوع، إلاّ أن
شهادتهم لم تتفق فيما بينها وكانت كلها غير مدعمة وكاذبة (انظر مر55: 1456، مت59: 2660).

الإنجيليين
لوقا ويوحنا، لا يذكرون إجراء استدعاء الشهود في محاكمة السيد، ربما لأنهم قد
وضعوا في اعتبارهم من البداية أن رئيس الكهنة والمجمع قد قرروا بالفعل قتل يسوع
(انظر يو53: 11، لو2: 22). وبالتالي، فإن كل هذه الإجراءات بحسب رأيهم لا معنى لها
ولا قيمة.

فيما
بعد، يتحدث كل من مرقس ومتى عن ظهور شهود كذبة (اثنين بحسب متى60: 26) ادعوا أنهم
سمعوا المتهم يسوع يقول: ” إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلثة
أيام أبني آخر غير مصنوع بأيادِ” (مر57: 14 58، مت60: 2661).

وهذا
القول يُذكر عند يوحنا فقط (انظر19: 2) وهو فعلاً ليسوع وقد قاله عن هيكل جسده
(انظر يو21: 2). بمعنى أنه سيسلم نفسه لليهود، وهؤلاء سوف يقتلونه جسديًا (انظر
1بط18: 3) ولكن بعد ثلاثة أيام هو بنفسه سوف يقيم جسده مرة أخرى.

يلاحظ
الأب بطرس السدمنتى أنه عندما سأل اليهود يسوع: “.. أية آية ترينا حتى تفعل
هذا”، أجاب يسوع: “.. انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه”
(يو18: 219)، الأمر الذي يعني أن الشاهد موضع الحديث قيل من السيد كإجابة على سؤال
اليهود، بينما الشاهدين قالوا: ” نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل..”،
أي أنهم يذكرون القول كحديث عرضى قيل من يسوع بدون سؤال سابق أو سبب له. لهذا يصف
الإنجيليان هذين الشاهدين على أنهما ” شاهدا زور” (مت60: 26، مر57: 14).
ويسجل لنا القديس مرقس أنه ” ولا بهذا (أيضًا) كانت شهادتهم تتفق” (59: 14)[23].
هذه التهمة الكاذبة التي وُجهت إلى يسوع أثناء المحاكمة سوف توجه إليه مرة أخرى
فيما بعد وهو على الصليب من اليهود المجتازين كنوع من الاستهزاء به (انظر مر29: 1530،
مت39: 2740).

ب موقف يسوع
أمام شهود الزور
:

في
متابعتنا لإجراءات المحاكمة، يصف لنا القديس مرقس أنه في دعوة رئيس الكهنة ليسوع
أن يجيب على التهمة (السابقة) التي وُجهت إليه، فإن ذاك فضّل الصمت (انظر مر60: 1461)،
مت62: 2663). هذا الصمت يذكرنا بنبوة إشعياء (7: 53): ” ظُلم أما هو فتذلل
ولم يفتح فاه..” كما أنه في بعض كتب من القرن الثاني الميلادي مثل الكتاب
المزور المسمى إنجيل بطرس (من الأبوكريفا المنتشرة في الخفاء) وكذلك في بعض أعمال
الشهداء وغيرها، نجد أحاديث عن هذه الشهادة الصامتة ليسوع كنموذج للمؤمنين أمام
الاتهامات الكاذبة التي يتعرضون لها في حياتهم[24].

ويسوع
هنا يُفضل الصمت لأنه:

1
هو ابن الإنسان المتألم، الذي يسير بإرادته نحو الآلام والموت. ونظرة سريعة على
إصحاحات الآلام في إنجيلي مرقس ومتى سنجد أن الوصف المُقدم عن يسوع فيها هو صورة
البار المُضطهد والذي يتفق مع الصور المذكورة عنه في سفر المزامير وذلك لأنهما أي
مرقس ومتى قبل الآلام يقدمون يسوع في صورة المُخبر بآلامه والشارح لها، ثم من بعد
القبض عليه يقدمونه في صورة البار المُضطهد محترمين في ذلك صمته(انظر مثلا مر60: 1461،
4: 155، من62: 2663 و13: 2714). في حين أن الإنجيليين لوقا ويوحنا في روايتهما عن
الآلام يقدمان يسوع العارف بكل شئ، تاركين له الحديث حتى في أحداث الصليب (انظر
مثلاً لو27: 2331 و3943، يو33: 1837 و25: 1927)[25].

2
لم يأتِ لكي يدافع عن نفسه، إنه برئ من كل خطأ وخطية (انظر مثلاً يو46: 8)، بل جاء
بالذات لكي يحمل كل خطية، ويحتمل بصبر كل الاتهامات التي أُلصقت به (انظر 1بط22: 224).

3
يدرك من البداية أن الدفاع لن يأتي بنتيجة إيجابية مع قاضي ذى نية سيئة، إذ في
الواقع قد سبق وأخذ قرار الحكم بموته[26].

4
ولأنه هكذا يتحقق لنا أكثر أنه بإرادته يُسلم نفسه للموت إذ أن صمته وعدم دفاعه عن
التهم التي وُجهت إليه، يعطى الانطباع لدى من يقاضوه أنه متهم بالفعل.

ج اعتراف
المسيح بمسيانيته أمام المجمع اليهودي، والحكم عليه بالموت
:

وبينما
نتابع إجراءات المحاكمة، يروي لنا الإنجيليون الثلاثة الأُول بالتفصيل، كيف أن
يسوع قد سُئل عن صفته المسيانية من قيافا بحسب مرقس ومتى، ومن قيافا وأعضاء المجمع
بحسب لوقا (انظر مر61: 14، مت63: 27، لو66: 2267). ومضمون السؤال الذي وُجه ليسوع
كان ” استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله”. وهذا
السؤال من جانب يحوي احتمالين مؤكدين للإجابة، ومن جانب آخر يضمن ثلاثة أسباب
لمحاكمة يسوع:

أ
ففي حالة إجابة السيد بالنفي، أي أنه أنكر أنه هو المسيا ابن الله، فسوف يُحاكم
عندئذ بتهمة إدعائه الكذب، وتضليله الشعب الذي آمن به كابن الله[27].

ب
وفي حالة إجابة السيد بالإيجاب، أى أنه قبل وأعلن عن خاصيته المسيانية، فإنه سيجلب
على نفسه تهمة التجديف وسيُحاكم بالتالي كمجدف.

ج
أما في حالة صمت يسوع وعدم إجابته لا سلبيًا ولا إيجابيًا، فسوف يُحاكم أيضًا
عندئذٍ كمزدرى بالقسم الإلهي، لأنه بقسم إلهي سُئل لكي يجيب.

على
هذا السؤال الذي وُجه إلى يسوع، نراه لا يُفضل الصمت، بل يتكلم ويختار الإجابة
السليمة جدًا، التي حفظها لنا الإنجيليون الثلاثة الأُول. والإجابة عند القديس متى
وإن كانت تحوى في بدايتها جانبًا سلبيًا غير مباشر إلاّ أنها في مجملها إيجابية: ”
قال له يسوع أنت قلت وأيضًا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين
القوة وآتيًا على سحاب السماء” (64: 26). وهي تأخذ هذا المعنى، في سؤال رئيس
الكهنة، إذا كان يسوع هو المسيا السياسي، المنتظر من الشعب اليهودي، يجيب السيد:

أ
إنه لم يدّعِ لنفسه شيئًا مثل هذا، بل إن رئيس الكهنة هكذا يظن.

ب
وإنه يقبل كونه هو المسيا مستخدمًا شواهد من المزامير (1: 109) وسفردانيال (13: 7)،
ولكنه يوضح أي نوع مسيا هو، فهو المسيا، ابن الله، المتألم الآن، والآتي بمجد في
المستقبل[28].

ومن
وجهة نظرنا نقول إن صياغة الإنجيلي متى لإجابة يسوع هكذا، تخدم بلا شك هدف كتابة
إنجيله فهو إذ يوجه إنجيله إلى اليهود، يؤكد لهم في كل مناسبة أن يسوع المسيح هو
المسيا الحقيقي الروحي، المُحرر من الخطية، كما كتب عنه الأنبياء، وليس هو المسيا
السياسي المنتظر لتحريرهم من نير الرومان (انظر على سبيل المثال مت22: 123، 3: 26و15و1718و23،
12: 416، 16: 827، 4: 215، 7: 2710).

ووفقًا
للإنجيلي مرقس، إجابة يسوع هي إيجابية تمامًا: ” أنا هو وسوف تبصرون ابن
الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا في سحاب السماء” (62: 14). وقد صيغت
هكذا من الإنجيلي الثاني، حتى لا يدّعي اليهود أنه وقت أن سألوا يسوع إن كان هو
المسيح ابن المبارك، أجاب بالنفي. ولا بالطبع يستطيعون إدعاء شئ مثل هذا في
المستقبل. فالسيد بإجابته أعلن بوضوح ليس فقط أنه هو المسيا، بل وأضاف أنه هو نفسه
سيكون الدّيان لهم في المستقبل في مجيئه الثاني[29].

وعند
الإنجيلي لوقا يجيب السيد كالتالي: ” إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا
تجيبونني ولا تطلقونني. منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين قوة الله”
(67: 2269). إذ أنه يعرف تمامًا أنه يوجه حديثه إلى أُناس غير مؤمنين به، لهذا حتى
ولو كانت الإجابة التى سيرد بها عليهم إيجابية، فإنها ستصطدم في الواقع بقساوة
قلوبهم، وسيظلوا على عنادهم له ورفضهم إياه. لأنه إذا كان هؤلاء في الحقيقة جادين
ومخلصين في معرفة إن كان هو المسيح أم لا، لكان من السهل عليهم جدًا أن يعرفوا ذلك
من خلال الناموس والأنبياء المتمسكين بهما، إذ سيروه هناك موصوفًا بطرق متنوعة
وواضحة. بل إن السيد نفسه عندما سألهم في مناسبات مختلفة ” ماذا تظنون في
المسيح؟ ابن من هو؟” هؤلاء بينما كانوا يعرفون بالتحديد أنه ابن داود ورب
داود أيضًا، أجابوه فقط أنه ” ابن داود” وفضلوا الصمت على الجانب الآخر
من الحقيقة (انظر مت41: 2246)[30]. ومع
إستمرار بقائنا عند الإنجيلي الثالث، نلاحظ الآتي:

أ
غياب العبارة ” وآتيًا على سحاب السماء” من عنده والتي توجد في المقابل
عند مرقس ومتى، يُعلّل من قِبل بعض المفسرين[31]
من مفهوم لوقا لخلاص المسيح المقدم للأمم كما لليهود، وبالتالي من مجيئه كديان
للجميع وليس لليهود فقط.

ب
في إجابة يسوع لأعضاء المجمع: ” أنتم تقولون إنى أنا هو” (70: 22) يعترف
بعض المفسرين[32] أن لهجة
لوقا هنا تتشابه إلى حد كبير مع لهجة يوحنا في حديثه عن المسيح (انظر على سبيل
المثال يو12: 8و24و28).

وفي
النهاية نقول إن إجابة يسوع، وكما عُرضت في الأناجيل الثلاثة الأولي، هي إيجابية
تمامًا، لأنه بغير ذلك، لا يُبرر غضب رئيس الكهنة والمجمع اليهودي وتمزيق رئيس
الكهنة لقميصه (حسب مر63: 15) وردائه الخارجي (حسب مت65: 26) واتهام يسوع بالتجديف.

والتهمة
التي نُسبت للمسيح، تتلخص في أنه بقوله: ” أنا هو (ابن المبارك)” قد
تجاوز وتخطى، وفقًا للعقائد الإيمانية المتشددة لليهود، حدود الطبيعة البشرية،
طالما قد قبل وأعلن بوضوح بنوته لله الآب[33].

هذا
الادعاء هو غير مقبول لدى اليهود، الذين كما ذكرنا في موضع سابق قد اعتبروا تجّرُء
أي إنسان في دعوة الله ” أبًا له ” هو تجديف. إذ بينما هو في نظرهم
إنسان عادى إذ به يساوي أو يعادل نفسه بالله (انظر يو18: 5). ولذا وجدنا ليس رئيس
الكهنة فقط، بل وأيضًا كل المجتمعين تقريبًا، قد اعترفوا بتجديف يسوع بسبب
المساواة التي نطق بها، والغير المسموح بها. وليس فقط أن يدّعي شخص ما عن نفسه أنه
“ابن الله” يُتهم بالتجديف، بل وأن يعتقد في هذا تمامًا، كما أظهر هنا
يسوع بالضبط. لهذا كان من يخطئ مثل هذه الخطية، يُعاقب بالموت وبالتحديد الموت
بالرجم (انظر لا16: 24، يو18: 5،33: 10و36،7: 19، أع11: 6).

والأكثر
من هذا، إن يسوع هنا لا يتوقف عند الاعتراف ببنوته الطبيعية لله الآب، بل ويواصل
إعلانه قائلاً: كيف أنه سيأتي مرة ثانية في المستقبل وبمجد كدّيان، لكي يدين هذا
الشعب، الذي رفضه ولم يؤمن به.

كل
هذه الاعترافات “المرعبة” من يسوع، أدت برئيس الكهنة قيافا إلى حالة من
الغضب الرهيب، وجعلته يفقد السيطرة على نفسه، فقام من على كرسيه وفي سخط وغضب
شديدين شرع في تمزيق ثيابه الداخلية والخارجية تمزيقًا لا يمكن إصلاحه[34].

 

4
سؤال رئيس الكهنة قيافا، وإجابة يسوع بحسب المفسرين الحديثين
:

عند
هذه النقطة، إذ نربط سؤال رئيس الكهنة قيافا من جانب، بإجابة يسوع من جانب آخر،
نعرض لكم بعض الآراء:

1
بعض الدارسين الحديثين[35]، يرون أن
سؤال قيافا إلى المسيح قد صيغ من الإنجيليين وليس من رئيس الكهنة بطريقة ما، تعكس
الخاصية المسيانية للمسيح، إذ أن المسيا لا يوصف في النصوص اليهودية صراحةً كابن
لله.

هذا
الرأى غير سليم، للأسباب التالية:

1
لا توجد إجابة ما تستطيع أن تغضب رئيس الكهنة بهذه الشدة، غير تلك الإجابة المحددة،
التي أعطاها له يسوع، إذ أنها اعتبرت في إعتقاده إهانة لله.

2
كانت عادة في عصر السيد أنه عندما يتفوه شخص ما بتجاديف على الله، وبالذات أمام
الكهنة، فإن هذا الحدث كان يدفع الكهنة إلى تمزيق ثيابهم، وهم بهذا التصرف يريدون
أن يظهروا للناس، من جانب بشاعة الخطية التي وقع فيها المجدف، ومن جانب آخر، أنهم
أبرياء تمامًا من هذه الخطية (انظر على سبيل المثال أع11: 1418)[36].

3
أيضًا، ربما أن رئيس الكهنة قيافا قد خاف هنا من رد الفعل المحتمل من قبل الشعب
على عملية القبض على يسوع، ومن هيجان الشعب المعجب جدًا بيسوع. ولذا نجده فورًا
بعد إجابة السيد، يقوم بنفسه بتمزيق ثيابه، وينسب ليسوع تهمة التجديف، جاعلاً إياه
هكذا مذنبًا في نظر الشعب الذي أحبه واحترمه[37].

4
هذا وإن كان المسيا في النصوص اليهودية لا يوصف صراحةً “كابن لله” فمن
المحتمل أن يكون رئيس الكهنة بهذا السؤال يريد أن يحضر إلى مسرح الأحداث، الرأى
الذي لدى أتباع يسوع عنه (انظر مت13: 1616).

5
كما أنه إذا صار هذا الرأى مقبولاً، سيظهر الإنجيليون عندئذٍ وكأنهم يحركون كل
خيوط نشاط يسوع وعلى الأخص محاكمته ليس على أساس الحقائق التاريخية، لكن بحسب
رغبتهم الشخصية.

هكذا
فإن كل ما يتعلق بالسؤال الذي وجهه رئيس الكهنة إلى يسوع، نعتقد أنه وجهه أساسًا
بهدف أن يثير يسوع للإعتراف، إنه هو ابن الله الآب، وحتى يمكن إستخدام هذا
الإعتراف كدليل على تجديفه وبالأخص أمام الشهود.

أما
فيما يتعلق بالإجابة التي قدمها يسوع إلى رئيس الكهنة، فإن إدعاء نفس الباحثين أن
هذه الإجابة قد كُتبت من الإنجيليين للتعبير عن إيمان الكنيسة بالمسيح كابن طبيعى
لله، وأنها أى الإجابة لم ينطق بها السيد نفسه، هو إدعاء غير مسنود بأدلة لأن:

1
الإجابة مؤكدة تاريخيًا، فهى من ناحية أهميتها عظيمة جدًا لدرجة أنها صارت فيما
بعد المحور الرئيسى لكل إجراءات المحاكمة والسند القوى لإصدار قرار الحكم بالموت
على يسوع. بل وقد تكررت أكثر من مرة فيما بعد وذلك عندما استخدمت من اليهود أنفسهم
موجهين إياها وبطريقة إستهزائية إلى يسوع في ساعة الصلب ” إن كنت ابن الله
فانزل عن الصليب ” (مت39: 2740، لو35: 23).

2
وبالمثل إذا صار الإدعاء السابق مقبولاً، فكما سجلنا من قبل، سيظهر هنا الإنجيليون
ككُتّاب بحسب ما يترجون، الأمر الذي سيتولد معه تشكك جدير بالقبول في التاريخ. وهو
الأمر الذي لا يسرى عليهم.

3
أضف إلى كل هذا أن مسيانية المسيح لا تتوقف فقط على رأى الإنجيليين فيها، إذ اعترف
بهذه الخاصية ومن القديم جدًا الأنبياء (انظر على سبيل المثال مز7: 2، 1: 109، إش6:
9، دا13: 714). وفيما بعد تلاميذ السيد (انظر على سبيل المثال مت33: 14، 15: 1616،
يو67: 669، 25: 1127). بل وقبل الكل، الآب السماوى نفسه (انظر مر9: 111، لو28: 935).

4
أيضًا إذا اعتبرنا أن هذا الإدعاء صحيح، سوف يجب عندئذٍ أن توجد فيه إشارة أيضًا
للقيامة، والتي تمثل أساس إيمان الكنيسة في شخص المسيا، وكما يظهر ذلك من اعترافات
الإيمان التي حفظت لنا في العهد الجديد (انظر مثلاً 1كو3: 154) ” فإننى سلّمت
إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه
دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب “.

هكذا
ظهر يسوع أمام أعضاء المجمع الكبير، كواحد مُصلح للأمة اليهودية غير مرغوب فيه.
وإذ أكد أمامهم في المحفل أنه هو المسيا، أثار ذلك غضبهم الدينى عليه واعتبر بحسب
رأيهم أنه مجدف على إلههم[38]. هذا
وبينما يُرجع التحليل القانونى اليوم موت المسيح إلى الضعف الشديد في استراتيجية
دفاعه، متجاهلاً بذلك حقيقة أقواله، نرى أنه بسبب المسائل التجديفية غير المسموح
بها والتي لا تُغفر التي تعرض لها يسوع، كان يجب أن تُفرض عليه عقوبة. هذه العقوبة،
كما ذكرنا من قبل، هى الموت (انظر مر64: 14، مت66: 26)[39].

وعودة
إلى موضوع الحديث، نلاحظ أنه في رواية الإنجيلى لوقا لم يُذكر قرار المجمع بالحكم
على يسوع بالموت. بل يُسجل لنا الإنجيلى أن المجمع سلّم السيد، من بعد محاكمته،
إلى الوالى الرومانى بيلاطس البنطى بتهمة سياسية (انظر لو1: 232).

وفي
رواية الإنجيلى يوحنا نلاحظ أن الكاتب قد أغفل الحديث عن المجمع، على الرغم من
حقيقة أنه هو نفسه كان حاضرًا لجلسات المجمع وشاهد عيان، على المحاكمة (انظر يو15:
18). هذا الإغفال ربما يرجع إلى أن يوحنا قد فهم من البداية، إن القرار النهائى هو
في يد رئيس الكهنة، وأن رئيس الكهنة قيافا كان ومن فترة يتحرك بنيّة العداوة تجاه
المسيح، بل وقد قرر بالفعل التخلص منه (انظر يو49: 1150). وبالتالى فإن دعوة
المجمع للإنعقاد لم يكن إلاّ أمرًا شكليًا.

هكذا،
حُكم على المسيح كمذنب، وبالتحديد مذنب للموت. لكن الجدير بالتسجيل هنا والمستحق
للإعجاب أنه في قرار المحاكمة هذه لم يوجد إتفاق عام بين الأعضاء. فالقديس لوقا
يحفظ لنا معلومة تاريخية هامة جدًا عن يوسف الذي من الرامة، عضو المجمع اليهودى
الكبير، والذي ” لم يكن موافقًا لرأيهم وعملهم..” (50: 2351). والقديس
يوحنا يحدثنا أيضًا عن عضو آخر من المجمع اليهودى، هو نيقوديموس الفريسى الذي دافع
عن يسوع أمام رؤساء الكهنة والفريسون، وذلك عندما أراد هؤلاء في محاولة سابقة
القبض على يسوع (انظر يو45: 752) هذا الشخص سوف نراه فيما بعد، يهتم كثيرًا بعملية
دفن السيد بل ويشترك في إجراءاتها (انظر يو39: 1940).

 

5
مجمع السنهدريم وحقوقه في إصدار قرارات الحكم بالموت:

تركنا
لنهاية هذا الفصل، البحث في سؤال هام جدًا وهو: هل كان في إمكان المجمع اليهودى
الكبير واليهود تحت حكم الرومان إصدار قرارات الحكم بالموت، وإمكانية تنفيذها بدون
الرجوع إلى السلطة الحاكمة؟ أم أن دور المجمع كان ينحصر فقط في جمع أدلة الإتهام
على “المذنب” ليقدمها فيما بعد إلى السلطة الحاكمة لإصدار الحكم؟
للإجابة على السؤال موضع الحديث نقدم الآراء التالية:

1
مجموعة من الباحثين تعضد الإفتراض الأول، جاعلة بذلك الزعامة الدينية لليهود هى
المدانة تمامًا في قضية موت المسيح. نذكر منهم على سبيل المثال:
Lietzmann [40] الذي يرى أن المجمع الكبير، كان له الحق في المحاكمة بالموت، في حالة Jus gladü أى في حالة الجرائم الدينية والتجديف على الله. ومن ثم فإن الذهاب
بيسوع فيما بعد إلى بيلاطس إنما كان فقط للتصديق الرسمى على قرار المجمع.

2
مجموعة أخرى من الباحثين تتفق مع الإفتراض الثانى معتبرة بذلك الوالى الرومانى
بيلاطس البنطى هو المتسبب الرئيسى في موت المسيح. ولكى تبرر هذه المجموعة تعضيدها
للرأى الثانى ترتكن إلى تتابع أحداث المحاكمة وكما يرويها الإنجيلى لوقا. نذكر
منهم على سبيل المثال:
Schürer [41]، الذي يقول إن المجمع اليهودى الكبير وحتى قبل سنة (70م) (سنة هدم
الهيكل)، لم يكن له الحق في تنفيذ قرارات الحكم بالموت. هذا الرأى يؤكده أيضًا
Edersheim [42] الذي يكتب: من المعروف أن المجمع اليهودى قد توقف عن تنفيذ القرارات
الرسمية من (40) سنة قبل هدم الهيكل وخراب أورشليم، أى من أيام السيد المسيح. ولذا
فإن لا التقليد اليهودى ولا التقليد المسيحى يحفظ لنا أن يسوع قد حُكم عليه من
المجمع الكبير رسميًا.

3
مجموعة ثالثة من الباحثين تقدم حلولاً وسطًا للمشكلة فيقترح
Cullmann [43] أنه في قضية المسيح، يجب التمييز بين مسئولية قانونية وقعت على عاتق
الرئاسة الرومانية، ومسئولية أدبية تثقلت بها الرئاسة الدينية لليهود.

ويفترض
Harvath [44] أن اليهود كانت لديهم شكوك حول شخصية المسيح، أى إذا كان هو حقيقة
المسيا السياسى المنتظر أم لا. ولذا أحضروه إلى بيلاطس، حتى يمكن من موقفه أمام
الرئاسات الرومانية التحقق من مسيانيته أو تكذيبها. فهو لو كان حقيقةً المسيا، سوف
ينقلب ضد الرومان ويحرر الشعب من عبوديته. أما إذا كان كاذبًا في مسيانيته فسوف
يصلبه بيلاطس.

وإذ
نعبّر الآن عن رأينا، نقول إنه في الحقيقة كان لليهود وهم تحت حكم الرومان، الحق
في إصدار قرارات المحاكمة بالموت والحق في تنفيذ هذه القرارات وبدون الرجوع إلى
السلطة الحاكمة. وهذا يتضح من:

1
قول بيلاطس لهم في (يو31: 18أ): ” خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم “.
وحتى عندما قالوا أنفسهم لبيلاطس “.. لا يجوز لنا أن نقتل أحد” (يو31: 18ب).
إنما قالوا هذا: ” ليس بسبب أنه لا يجوز لهم أن ينفذوا عقوبة الموت في أحد،
لكن بسبب أنه يجب أن يكونوا طاهرين لذبح خروف الفصح “[45].

2
أيضًا من بعض المواضع المدونة في العهد الجديد مثل:

أ
محاولة اليهود رجم المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل والتي قد أحضروها إلى السيد
(انظر يو2: 85).

ب
رجم الشماس والشهيد الأول استفانوس (انظر أع58: 760).

ج
محاولات الرسول بولس تجنب مواجهة المجمع اليهودى الكبير، لأنه طلب قتله (انظر أع12:
2315، 1: 253، 911).

د
أيضًا المؤرخ اليهودى يوسيفوس في كتابه (الآثار اليهودية 9: 20و1) يذكر رجم اليهود
للرسول يعقوب أخو الرب.

ففي
الواقع كان اليهود على استعداد تام في الشروع وحدهم في تنفيذ هذا العمل الإجرامى،
وبدون أن يحتاجوا إطلاقًا إلى موافقة الرومان أو إلى تصريح من الوالى، ولذا:

1
إذا كان أتباع الرأى الثانى يحملّون الرومان مسئولية موت المسيح، معتمدين في ذلك
كما سبق القول على عرض الأحداث وفقًا للإنجيلى لوقا. فإن هذا الإعتماد هو نفسه
نقطة الضعف في رأيهم. إذ من المعروف أن القديس لوقا في كل إنجيله (وأيضًا في سفر
أعمال الرسل) يحاول أن يعفى الرومان من كل محاولات إضطهاد المسيحية والمسيحيين لا
إتهامهم[46].

2
ويمكن القول أن رأى
Harvath السابق هو غير صحيح لأنه من غير الممكن أن يطلق الرومان سراح
إنسان ما، من بعد تأكدهم أنه هو حقيقة المحرر لليهود. بل وإذا قبلنا أن رأى
Harvath هو صحيح، فلا يوجد عندئذٍ سبب مقنع لمحاكمة يسوع أمام السنهدريم
اليهودى، إذ كان يجب منطقيًا، أن يُقاد مباشرةً إلى الوالى الرومانى. وهو الأمر
الذي لم يحدث.

نكرر
إذًا، أن اليهود كان في إستطاعتهم وبكل سهولة، أن يقتلوا المسيح، وبالتحديد بالرجم،
كما تحددت هذه العقوبة في سفر اللاويين (16: 24) للمجدف. وأيضًا كان في استطاعتهم
أن يصلبوه هم أنفسهم، إذ قد قال لهم بيلاطس: ” خذوه أنتم واصلبوه لأنى لست
أجد فيه علة ” (يو6: 19). لكن اليهود، عمليًا لم يفعلوا أى شئ من كل هذا،
وفضلوا، مدفوعين من حسدهم للمسيح (انظر مر10: 15، مت18: 27) أن يسلموه إلى الوالى
الرومانى بيلاطس البنطى للأسباب التالية:

1
لكى يقتله الحاكم الرومانى. وبهذه الطريقة سيظهرون أمام الشعب أنهم أبرياء من دمه،
وأيضًا أمام القيادات الرومانية أنهم يعملون لصالحهم.

2
لكى يحققوا موت الصلب المهين ليسوع، الأمر الذي دفعهم إلى إتهامه أمام الرومان
بتهمة سياسية (التآمر) (انظر لو2: 23و5). وهم بهذه التهمة ضمنوا من جهة التأكد من
موت المسيح بالصلب، ومن جهة أخرى الحماية لهم بغطاء سياسى.

3
وربما لأنهم قد فكروا كثيرًا في أنهم إذا اختاروا طريقة الرجم لقتل السيد، فلن
يجرؤ واحد من الناس أن يلقى ولو حجرًا واحدًا عليه.

4
ومن المحتمل أنهم أرادوا للسيد موت الصليب متهمينه بتهمة سياسية، لكى يمحوا من كل
الشعب اليهودى، الذي جاء إلى أورشليم في ذلك الوقت بسبب عيد الفصح، كل أثر حسن قد
تركه المسيح فيهم.

ونضيف
على كل هذا، أنه قد توافرت وقتئذٍ بعض العوامل الهامة التي ساعدت بدور كبير على
نجاح خطتهم الدنيئة، عوامل مثل هذه هى:

1
وجود الحاكم الرومانى بيلاطس البنطى في ذلك الوقت بأورشليم.

2
أن السلطات الرومانية، لم تكن تتردد إطلاقًا في القبض على أى إنسان يتهم بمقاومة
النظام الحاكم وبالذات في أيام عيد الفصح اليهودى.

3
أنه كانت لليهود عادة في عيد الفصح وهى أن الوالى الرومانى كان يطلق لهم أسيرًا
واحدًا مَن طلبوه ويصلب الباقين (انظر مر6: 15، مت15: 27، لو17: 23، يو39: 18).
هذه “العادة” كانت بمثابة الفرصة الذهبية للقيادات الدينية اليهودية،
للتخلص من السيد وبأقصى سرعة. الأمر الذي كما سنرى بمواصلة الحديث، قد حققوه.

في
النهاية، نشدد ولمرة أخرى، أن السيد، بلا أدنى شك، قد عرف كل هذا من قبل جيدًا.
فهو إذ يسير بإرادته نحو الآلام، قد أخبر مسبقًا ومرات عديدة تلاميذه بمَن
سيقتلونه وبأى طريقة سيقتلونه، (انظر مثلاً مت17: 2019) ” ها نحن صاعدون إلى
أورشليم وابن الإنسان يُسلّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت
ويسلمونه إلى الأمم لكى يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم ”
(انظر أيضًا مر32: 1034، مت21: 16 و22: 27، لو31: 1833). بل وقد سبق وأخبر اليهود
أنفسهم عن ذلك: ” فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذٍ تفهمون أنى
أنا هو ” (يو28: 8).

والأكثر
من كل هذا أن العهد القديم، قد تنبأ عن موت السيد على الصليب (انظر على سبيل
المثال مز22، إش53، دا9). ورمز إليه بالحية النحاسية، التي رفعها موسى النبى في
البرية (انظر عد9: 29، يو14: 315). وهكذا تصير الحقيقة أنه بإرادته وبإرادته وحده
تحمل الصليب وبسببنا ولأجلنا، أكثر وضوحًا.

قبل
أن نغلق هذا الفصل، نعتبر أنه من المفيد أن نشدد على عنصر آخر وهو أن الإنجيليين
يذكرون بوضوح الدور الحاسم والوضيع في نفس الوقت للقيادات الدينية لليهود، في قرار
محاكمة السيد بالموت. والإنجيلى لوقا بالذات أكثر من الإنجيليين الآخرين، يُظهر
اليهود أساسًا وكما ذكرنا من قبل وكأنهم أداة في يد الشيطان في كل مقاومتهم للمسيا،
محاولاً هكذا أن يُبرر إلى حد ما الرومان[47].
كما أن مواضع كثيرة في سفر الأعمال ذكرت على لسان الرسل، وبالذات لبطرس، تتحدث عن
مسئولية اليهود في قتل السيد المسيح، ومعبّرة بذلك عن الرأى الذي كان يسود في
الكنيسة الأولى. لنسمع على سبيل المثال ” هذا (يسوع) أخذتموه مسلّمًا بمشورة
الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدى آثمة صلبتموه وقتلتموه ” (36: 2)، “..
الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه ولكن أنتم أنكرتم
القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه..” (13: 315)
(انظر أيضًا 36: 2، 30: 5، 52: 7، 39: 10، 27: 1328). والكنيسة بالطبع، تذكر في
نصوصها المكتوبة، مسئولية وذنب اليهود في قتل السيد المسيح. ولكن في نفس الوقت كأم
مُحبة للبشر وحانية عليهم، متمثلة في ذلك بسيدها ومؤسسها، لا تقف عند حد الاعتراف
بعمل اليهود الظالم هذا والمستحق كل لوم، بل تحاول أن تقودهم إلى التوبة وأن تكمل
إيمانهم غير الكامل بالإيمان بالمسيح المصلوب والقائم من الأموات، وأن تحثهم على
قبوله كمخلّص لنفوسهم وفادى لحياتهم، حتى يمكنهم أن يفوزوا برحمته في مجيئه الثانى
(انظر على سبيل المثال أع37: 239، 17: 327، 32: 1341).

 

ثالثًا:
الإستهزاءات بيسوع: (مر65: 14،مت67: 2668، لو63: 2265)

بعد
انتهاء الجلسة المسائية لأعضاء المجمع الكبير مباشرةً، تحت قيادة رئيس الكهنة
قيافا، وقرار الحكم على المسيح بالموت، وقبل أن تصير الجلسة الثانية للأعضاء
المذكورين سابقًا في الصباح. يخبرنا الإنجيليان مرقس ومتى، أن يسوع، بحسب أكبر
الإحتمالات، أُخذ إلى فناء دار رئيس الكهنة، حيث بدأ في قبول سيل متدفق من البصق،
والإستهزاءات، واللكمات، والجلدات، والسخرية بمسيانيته من خدام رئيس الكهنة وخدام
المجمع، مظهرًا أمام كل هذا صبرًا عظيمًا واحتمالاً كبيرًا (انظر مر65: 14، مت67: 2668).
كذلك الإنجيلى لوقا، والذي لا يكتب شئ عن الجلسة المسائية، يذكر أن السيد ظل في
فناء دار رئيس الكهنة طوال الجزء الباقى من الليل منتظرًا الجلسة الصباحية للمجمع،
حيث أقدم الرجال الحافظين له على أعمال مشابهة لتلك التي قام بها الخدام بحسب مرقس
ومتى (انظر لو63: 2265). أما الإنجيلى يوحنا، فهو لا يذكر أى شئ عن الاستهزاءات بيسوع،
وربما يرجع ذلك إلى أنه لا يكتب، من البداية شئ عما يتعلق بمحاكمة يسوع أمام رئيس
الكهنة قيافا ومجمع السنهدريم. الحدث الوحيد الذي يحفظه لنا، هو قبول يسوع للطمة
من خادم ما، أثناء فترة إستجوابه الأول من حنان (انظر يو22: 18).

وفي
هذه النقطة نشدد على أن ربط حدث الإستهزاءات بيسوع التي يذكرها لوقا، بحدث لطمة
يسوع من العبد والتي يذكرها يوحنا، وجعلهما حدثًا واحدًا هو افتراض غير صحيح من
قبل
Schmiewind [48] إذ يجب أن ننظر هنا إلى حديثين مختلفين.

لكن
فيما عدا الحقيقة التاريخية المؤكدة لموضوع الإستهزاءات بيسوع فإن ما له أهمية
كبيرة، هو أنه من هذه اللحظة أساسًا قد انفتح في حياة يسوع الفصل، الذي يسمى
” الآلام المكرمة ” والذي سيغلق بموت الصليب. هذه الآلام، قد سبق التنبؤ
بها عن ابن الإنسان، وبأزمنة كثيرة قبل ميلاده، انظر على سبيل المثال النبى إشعياء،
وبالذات في الاصحاحين (53،50).

والآن
يوجد سؤالان:

أ
لماذا جرت هذه الإستهزاءات بيسوع؟

ب
ولماذا قبلها يسوع، حافظًا موقفًا من الصبر والإحتمال أمامها؟

للسؤال
الأول توجد إجابتان:

وفقًا
للأول: التاريخ يخبرنا أنه كانت عادة في البلاد الشرقية القديمة، أن يستهزءوا
بالمتهمين بعد صدور قرار الحكم عليهم، وذلك ليكونوا عبرة للآخرين.

ووفقًا
للثانى: الحسد الكبير من جانب الزعامة الدينية اليهودية تجاه يسوع، والكراهية
الشديدة التي غذّت قلوبهم من نحوه، سمحتا بطريقة ما للخدام وللحراس أن يستهزءوا
بيسوع (انظر مر10: 15، مت18: 27)[49].

وعن
السؤال الثانى، توجد إجابة مميزة يعطيها لنا القديس كيرلس الأسكندرى عندما يقول: قبل
يسوع الإستهزاءات واحتملها لسببين أساسيين:

أولاً:
لكى يعتقنا من جرحنا المستحق، فلقد قبل الإستهزاءات والضرب لكى نستهزئ نحن
بالشيطان الذي أذلنا، ولكى نهرب من الخطية التي لصقت بنا من جراء المخالفة الأولى.
سوف نعتبر أن فكرنا على صواب إذا قلنا إن كل آلام المسيح صارت بسببنا ولأجلنا ولها
من القوة أن تحل كل ما حدث لنا باستحقاق.

وثانيًا:
لكى يعطينا المثال في طول الأناة. فسيد الأرض والسماء، خالق الكل وصانعهم، ملك
الملوك، ورب الأرباب، أُهين كواحد مثلنا، وهو بصبر يحتمل الضربات ويخضع لسخرية
الأشرار، ويعطينا نفسه مثالاً كاملاً لطول الأناة[50].

في
النهاية، ولكى يكون لدينا فهم كامل لموضوع الإستهزاءات بيسوع يجب أن نضع دائمًا في
ذهننا الملاحظة الهامة التالية: أن كل الإستهزاءات قد وُجهت إلى السيد المسيح
كإنسان وليس بحسب لاهوته بأى حال من الأحوال. وهذا ما يؤكده لنا القديس إيسيذورس
الفرمى، إذ يُسجل ” نحن لا نتحدث عن آلام الله، لقد كانت آلام المسيح، لقد
تجسد الله واحتمل الآلام بالجسد الذي أخذه. فالألوهية في ذاتها، ليس فقط لا يمكن
أن تتألم، بل ولا أيضًا أن تُلمس وأن تُرى لو لم يكن قد اتحد محب البشر بالطبيعة
البشرية”[51].

 

رابعًا:
إنكار بطرس: (مر66: 1472،مت69: 2675، و54: 2262، يو15: 1818 و2527).

1
الإنكار الثلاثى (الأشخاص والزمن)

بعد
قبض اليهود على يسوع في بستان جثسيمانى، يذكر الإنجيليان مرقس ومتى أن التلاميذ
الاحد عشر تشتتوا (انظر مر50: 14، مت56: 26). لكن اثنين من هؤلاء تبعوا من بعيد
يسوع الذي أُخذ إلى دار رئيس الكهنة قيافا. هذان التلميذان هما سمعان بطرس ويوحنا
بن زبدى (انظر مر54: 14، مت58: 26، لو54: 22، يو15: 18). يوحنا كان معروفًا لدى
رئيس الكهنة (انظر يو15: 18)، لهذا سُمح له بالدخول إلى داره، على أمل أن يقف
بجانب معلّمه لمعرفة أى تطور ستأخذه عملية القبض. أما بطرس، فقد انتظر خارج الدار،
بجوار الباب الخارجى. ولكى يُسمح له بالدخول إلى داخل الدار، تكلم يوحنا مع
البوابة، وهذه البوابة هى التي سمحت لبطرس بالدخول (انظر يو16: 18).

يلاحظ
القديس كيرلس الأسكندرى هنا ملاحظة صحيحة جدًا: أن بطرس كان سيدخل هكذا أو بطريقة
أخرى إلى ساحة الدار مع السيد ويوحنا، لأنه أراد وبشدة أن يتابع معلّمه، ولم يمنعه
عن ذلك إلاّ البوابة وبسبب عدم معرفتها به. ويواصل القديس حديثه، وإذ دخل بطرس إلى
الداخل، اختلط بالعبيد الذين كانوا هناك وتشبّه بهم، على الرغم من أنه كان حزينًا
جدًا، وذلك حتى لا يكتشفوه ويطردوه بالتالى خارجًا، مُبعدين إياه هكذا عن ما كان
يتمناه كثيرًا[52].

وبينما
كان هذا التلميذ، يستدفئ، في “الدار أسفل” مع الخدام، الذين قد تجمعوا
بالقرب من النار لتجنب برد الليل[53]. حدث منه
الإنكار الثلاثى لسيده ومعلّمه يسوع. لكن الروايات الإنجيلية الأربعة لا تظهر لنا
بوضوح نوعية الشخصيات وعددها التي سألت بطرس عن علاقته بيسوع، والتي دفعته إلى
الإنكار. هكذا، السؤال الأول طُرح على بطرس بحسب الروايات المقابلة للإنجيليين، من
“جارية ما”، حددها يوحنا أنها “البوابة” (مر66: 1468، مت69: 2670،
لو55: 2257، يو17: 1818). والسؤال الثانى من “جارية أخرى” بحسب متى (71:
2672). هى نفس “الجارية الأولى” (البوابة) بحسب مرقس (69: 1470). ومن
“شخص ما”، بحسب لوقا (58: 22)، ومن “بعض الأشخاص”، بحسب يوحنا
(25: 18). وفي النهاية، السؤال الثالث طُرح بحسب مرقس (70: 1471) ومتى (73: 2674)
بعد قليل من الثانى، ومن الذين “كانوا حاضرين”. بينما بحسب لوقا بعد
ساعة من السؤال الثانى ومن “شخص ما” (غير الأول) (59: 2260). وبحسب
يوحنا واحد من “عبيد رئيس الكهنة”، وهو نسيبب العبد ملخس، الذي قطع بطرس
أذنه في جثسيمانى (انظر يو26: 1827).

موضوع
التحديد الدقيق للأشخاص الذين قاموا بسؤال بطرس أُعتبر في الكنيسة القبطية موضوع
قليل الأهمية، هكذا يكتب، على سبيل المثال، بطرس السدمنتى: هدف الإنجيليين في
موضوعنا الذي تحت البحث، لم يكن هو التحديد الدقيق للأشخاص الذين وجهوا أسئلة إلى
بطرس، بل التسجيل للنتيجة التي أسفرت عنها هذه الأسئلة. وهذا يتضح لنا من
إستخدامهم لكلمات لا تدل على شخصيات محددة مثل “القيام”،
“آخر”، “واحد”، “جارية أخرى”[54].

من
كل الأحداث الكتابية، نستطيع أن ندرك أن الإنجيليين يهتمون، في المقام الأول،
بتقديم الأساسيات، التي استقوها من منابعهم ومن تقليدهم، ولا يهتمون بتوافق
التفصيلات بينها. فهنا على سبيل المثال، الجزء الهام في الرواية الحاضرة ليس هو
التحديد الدقيق للأشخاص الذين تتابعوا في إلقاء الأسئلة على بطرس، بل هو حدث الإنكار
المأسوى نفسه من قِبَل هذا التلميذ بأن ليس له أية علاقة بشخص يسوع. وذلك بالتحديد
في نفس اللحظة التي كان فيها سيده ومعلّمه يعترف أمام المجمع الكبير بأنه هو
المسيا.

وبكلام
آخر يمكننا أن نقول: إنه بينما كان بطرس بإنكاره ” لست أنا” (يو17: 18)،
و” لا أعرف ” (مر68: 14) ينكر كل علاقة له بيسوع، أمام الخدام. كان يسوع
في نفس الوقت، وعلى العكس تمامًا، بإجابته “أنا هو” (مر62: 14) يعترف
بمسيانيته أمام رؤساء الخدام. والقديس كيرلس الأسكندرى، من جانبه يلاحظ كيف أن
الإنجيلى يوحنا، وهو يروى لنا إرسال يسوع من حنان إلى قيافا لمواصلة المحاكمة،
يُقدم لنا، في هذه اللحظة بالتحديد، بطرس وهو يتقبل سؤالاً من الخدام، الذين كانوا
يستدفئون معه، وسؤالاً آخر من قريب ملخس الذي قطع أذنه في جثسيمانى واللذين أنكر
فيهما علاقته بالسيد[55]. بناء على
ما سبق يعتبر رأى
Winter[56] القائل أن
حدث إنكار بطرس وحدث إعتراف السيد لم يكونا، في الواقع، في نفس الوقت، وإن
الإنجيليين سجلوا لنا الحدثين بهذه الطريقة، التي يبدو فيها التوافق الزمنى بينهما
لأسباب تعليمية هو رأى ضعيف، فهذان الحدثان مرتبطان معًا في التقليد الإنجيلى لكل
من الإنجيليين الثلاثة الأُول والإنجيلى الرابع يوحنا إرتباطًا واضحًا.

إذ
يتعرض بطرس لثلاثة أسئلة من شخصيات مختلفة، فإنه يُنكر، وبطريقة محزنة، سيده ثلاثة
مرات. هذا وعبارة إنكار بطرس ” لا أعرف” و” لا أفهم ما تقولين
” (مر68: 14). قد ترجمها أحد العلماء الباحثين في اللغة العبرية
Torry[57]كالتالى: لا
أنا صديقه، ولا أنا أعرف إطلاقًا مَن الذي تتحدثين عنه. لكن الجدير بالذكر هنا أن
بطرس بعد نهاية الإنكار الثالث، مباشرةً، سمع صوت صياح الديك[58].
هذا الصوت، من جانب، أيقظ ذاكرة بطرس، فتذكر على الفور، الكلمات النبوية التي
قالها له يسوع، إنه سوف ينكره ثلاثة مرات، قبل أن يصيح الديك (انظر مر30: 14، مت34:
26، لو34: 22، يو38: 13). ومن جانب آخر أيقظ أيضًا ضمير بطرس، فبدأ يراجع نفسه،
فهو قبل ساعات قليلة كان قد وعد معلّمه بأنه سيتبعه ولو إلى الموت (انظر مر31: 14،
مت35: 26، لو33: 22، يو37: 13)، وها هو نفسه الآن ينكره ثلاثة مرات. لكن كانت
تأنيبات ضميره شديدة لدرجة أنها دفعته إلى أن يخرج خارج الدار، وهناك بكى بكاءً
مريرًا، زارفًا دموعًا غزيرة لكنها كانت دموع التوبة والرجاء (انظر مر72: 14، مت74:
2675، لو60: 2262، يو27: 18).

 

2
مشكلة صياح الديك

لكن
في هذه النقطة، من الواجب أن نعترف أن الإشارات إلى صوت صياح ديك، وعلاقتها بإنكار
بطرس ليسوع، قد أثارت مشكلتين كبيرتين هما:

أ
الديك هو طائر غير معروف في كتاب العهد القديم العبرى.

ب
كتاب المشنا[59] يخبرنا عن
عدم وجود الديوك في أورشليم.

كيف
إذًا سمع بطرس صوت صياح ديك، بل ومرتين. هل الإنجيل يعرض الحدث بهذه الصورة
الجميلة جدًا، للدرجة التي معها يعطى الإنطباع بأن الحدث حقيقى[60].

في
الواقع الموضوع بسيط جدًا، والمشكلة تحل كالآتى:

1
على الرغم من معلومة كتاب المشنا بأن الطيور من نوع الديوك لم يكن يُسمح بوجودها
في أورشليم، لكن لم يكن من المستحيل وجودها في القرى القريبة من المدينة. ونضيف أن
هدوء الليل يساعد بلا شك على أن تُسمع أصواتها في المدينة. وهكذا سمع بطرس صوت ديك
حقيقة.

2
كان اليهود أيام السيد المسيح، يقسمون النهار والليل إلى ثمانية فترات: أربعة
للنهار (انظر مت1: 206) وأربعة لليل (انظر مر35: 13)، وكانت كل فترة تتكون من
ثلاثة ساعات ومع نهاية كل فترة وبداية أخرى كان حراس المدينة يعلنون عن ذلك
باستخدام الأبواق. هكذا كانت احدى الفترات الليلية، هى الفترة من الثانية عشر (نصف
الليل) وحتى الثالثة صباحًا. وفي وقت الساعة الثالثة بالتحديد كان يُسمع صوت الأبواق.
وبسبب تزامن صوت الأبواق هذا مع صوت صياح الديك المعتاد في الفجر سُمى
“مجازًا” صوت أبواق الساعة الثالثة صباحًا بصياح الديك. وعليه يكون من
الممكن جدًا أن بطرس قد سمع صوت هذه الأبواق.

هذا
والسيد نفسه في حديثه عن مجيئه الثانى، تكلم عن الفترة الزمنية الثالثة من الليل
والتي دعاها “صياح الديك” (انظر مر35: 13) وكما عُرفت هكذا عند اليهود.
هذه الشهادة للسيد تؤّمن وتؤكد الحل السابق.

 

3
نظرة السيد وتوبة بطرس

يُعلّق
رئيس أساقفة الأسكندرية (ق5م) بإبداع على دموع بطرس المُرة، والتي هى في نفس الوقت
دموع توبة، قائلاً: كون أن التلميذ قد توبخ من تأنيبات ضميره، فهذا واضح من خروجه
خارجًا ومن بكائه بعد ذلك مباشرةً. ويقول الكتاب إنه ” بكى بكاءً مرًا”
مُصليًا إلى المسيح ومتذكرًا الكلام الذي قاله له. لذلك فبرجوعه وتوبته لم يفقد
الهدف، بل استمر على نفس الوضع الذي كان عليه سابقًا، أى تلميذًا أصيلاً رابحًا
مغفرة الخطية[61]. وفي المقارنة التي يقيمها مطران بنى سويف الراحل نيافة الأنبا
أثناسيوس بين بطرس بعد إنكاره لسيده، ويهوذا بعد خيانته له،
يصل في النهاية
إلى أن حزن بطرس كان حزنًا برجاء وأمل، لهذا قاده إلى التوبة، بينما ندم يهوذا كان
عن يأس، ولذا قاده إلى الإنتحار. ويختم المطران استنتاجه هذا بكلمات الرسول بولس: ”
لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة. وأما حزن العالم فينشئ
موتًا” (2كو10: 7)[62].

وتوضح
لنا الشواهد التالية كيف أن توبة بطرس كانت عميقة وصادقة:

أ
قول الملاك للنسوة حاملات الطيب: ” اذهبن وقُلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم
إلى الجليل” (مر7: 16).

ب
الظهور الخاص للمسيح القائم لبطرس (انظر لو34: 24، 1كو5: 15).

ج
إسترجاع السيد الثلاثى للتلميذ “.. ارع خرافى” (يو15: 2119).

وفي
هذه النقطة، يحفظ لنا الإنجيلى لوقا معلومة خاصة جدًا، لا توجد عند الإنجيليين
الثلاثة الآخرين، وهى ” فالتفت الرب ونظر إلى بطرس.. ” (61: 22). هذه
المعلومة، على أكثر الإحتمالات، أخذها لوقا من بطرس نفسه، وحتى لو كان تذكرها يجلب
له الألم. لكن متى تم هذا الحدث؟ على الأرجح عندما أُخِذَ السيد إلى ساحة دار رئيس
الكهنة، بعد إنتهاء محاكمته أمام المجمع الكبير. ففي تلك اللحظة تمامًا، رأى السيد
بطرس والذي كان قد أنكره للتو للمرة الثالثة، وصوت صياح الديك مازال يرن في أذنيه.
ولقد فهم بطرس في الحال ماذا عنت نظرة السيد له.

لكن
لماذا وجّه السيد نظره إلى بطرس بالذات؟ بالتأكيد أنه لأمر مقصود وليس صدفة،
فالسيد إذ يعرف جيدًا محبة بطرس العميقة من نحوه وإخلاصه الشديد له، أراد، بهذا
العمل، أن يُذّكر تلميذه بكل ما سبق وقاله له عن الإنكار[63].

أمام
هذا التصرف من السيد تجاه تلميذه الذي أنكره يسجل لنا كل من أمونيوس كاهن
الأسكندرية (ق5م) وبطرس السدمنتى الراهب (ق13م) إعجابهما الشديد ويقولان ما أعظم
إهتمام المعلّم بتلميذه إذ على الرغم من أنه كان مُقيدًا وتحت الحراسة، إلاّ أنه
اهتم به كثيرًا، وبنظرة واحدة جعله يشعر بالخجل من نفسه، ويقوم على الفور ويخرج
خارجًا مقدمًا دموع التوبة[64].

 

4
سبب إنكار بطرس

ونصل
معًا إلى نقطة التساؤل بطريقة معقولة جدًا: لماذا أنكر بطرس السيد، ليس مرة واحدة،
بل ثلاثة مرات، وكل مرة أمام عبيد؟

الطرق
التي نفهم بها الإجابات على هذا السؤال عديدة ومختلفة:

1
بحسب الطريقة الأولى، أنكر بطرس السيد، لأنه هُزم من روح الخوف، فبطرس كانت لديه
النية حقيقة أن لا يشك في سيده، إذ قال بكل تأكيد: ” وإن شك فيك الجميع فأنا
لا أشك أبدًا” (مت33: 26). لكنه إنهزم من روح الخوف وقبل أن يصيح الديك أنكره
ثلاثة مرات[65].

2
وفقًا للطريقة الثانية، الإجابة مزدوجة وهى كالآتى:

أ
الإنكار حدث لا لكى تظهر كلمات يسوع أنها كاذبة، بل من الخوف البشرى. فنحن بالطبع
لا نقول إن الإنكار قد حدث لكى لا يظهر يسوع كاذبًا، لأنه بينما هو لا يجهل هذا
الذي سوف يحدث من تلميذه، قد سبق وأخبره به كما قال، فالإنكار إذًا قد حدث من
الخوف البشرى[66].

ب
الإنكار يرجع إلى محبة بطرس للسيد فالجارية البوابة عندما طلبت من بطرس أن تعرف إن
كان من تلاميذ ذاك الذي يُحاكم بالداخل. ابتدأ يراوغ في الإجابة ويقول: ” لست
أنا “. فهو قد أنكر ليس لأنه كان خائفًا من إحتمال القبض عليه أو لأنه لم يرد
الإعتراف بالحقيقة، ولكن لأنه ظن أنه بمراوغته في الإجابة سيظل في داخل الدار
بالقرب من المسيح، وسيتابع كل ما يتعرض له. فالإنكار عند بطرس يرجع أساسًا إلى
محبته لسيده[67].

3
بالطريقة الثالثة، لا يُبرر الإنكار بسبب عدم إيمان بطرس في معلّمه، لكن يُبرَر
بسبب الضعف الإنسانى. فبطرس قد جُرّب من الشرير ولم يحفظ الوعد الذي أعطاه لسيده.
كما أن الظروف المحيطة لم تساعده على تذكر كلمات الوعد، بل قد نسى كل ذلك من الخوف.
فليس من عدم إيمان صار الإنكار بل من الضعف الإنسانى[68].

4
الطريقة الرابعة، تُعلل الإنكار، على أنه نوع من الدبلوماسية من قِبل بطرس وذلك
لتجنب المشاكل التي ستنجم عن الإعتراف بعلاقته بيسوع، وأيضًا لإيقاف سيل الأسئلة
المنهمر عليه من الخدام[69].

5
تُفسر الطريقة الخامسة إنكار بطرس كوسيلة لتجنب العقوبة من اليهود. فبطرس بدأ يدرك
أنه قد عُرف بعلاقته بيسوع من الشخصيات التي سألته. وبسبب أنه قبل وقت قليل في
بستان جثسيمانى قطع أذن عبد رئيس الكهنة ملخس أثناء دفاعه عن سيده، لذا من المؤكد
أنه بدأ يخاف من إحتمال القبض عليه ومن معاقبة اليهود له وربما بالموت. ولذا لكى
يحمى نفسه أنكر أنه من تلاميذ المسيح ووصل به حد الإنكار إلى قطع كل علاقة به[70].

6
في النهاية الطريقة السادسة، نرجع إنكار بطرس إلى فقدان شجاعته مؤقتًا. أى عندما
قبل بطرس إعصارًا من الأسئلة، عما إذا كان يعرف يسوع وعن ما هى علاقته بذاك الشخص،
اضطرب، وفقد شجاعته، ولكى يخرج من هذا المأزق، التجأ إلى الإنكار.

وأمام
هذه التبريرات المتنوعة والمقنعة للكتّاب الأسكندريين، لا تثبت آراء بعض الباحثين
القائلة:

أ
أن بطرس بعبارة ” لا أعرف الإنسان ” إنما كان يعنى ” لا أعرف إنسان
عالِ، ولكن إله صار إنسان “.

ب
أن إنكار بطرس يرجع إلى خيبة أمله كتلميذ في معلّمه الذي قُبض عليه والذي فيه
تكذّبت كل الآمال المسيانية. وأن بكائه راجع إلى حالة التردد التي عاشها التلميذ من
زعزعة إيمانه في يسوع كمسيا بعد القبض عليه، ومن إيمانه الذي مازال في شخص معلّمه
عندما تحققت نبوته عن الإنكار[71].

والآن
يجب أن نسجل عنصرًا آخر وهو: أن عدم حدوث أى شر لبطرس من الوسط العدائى للخدام،
الذي كان يحيط به، وحتى عندما عُرف منهم. هذا يرجع بلا شك إلى أن السيد قبل قليل
قد صلى لأجله: ” أنا طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك ” (لو32: 22).

 

5
لماذا حفظ الإنجيليون حدث الإنكار؟

في
نهاية هذا الفصل ننشغل بمشكلة أخرى وهى: لماذا حفظ لنا الإنجيليون الأربعة هذا
الحدث “المؤلم” لأخيهم الرسول بطرس، حدث إنكاره لسيده ومعلّمه؟

1
حل أول مدهش لمشكلتنا، يأتينا من القديس كيرلس الأسكندرى، الذي يشرح، أن
الإنجيليين قد حفظوا لنا حدث إنكار بطرس لسيده، لكى نفهم نحن القارئون لأناجيلهم
حالة مَن كانوا معلمى المسكونة قبل قيامة السيد وقبل حلول الروح القدس عليهم،
وحالتهم من بعد ذلك. لقد كانوا قبل هذه الأحداث غير ثابتين أما بعد ذلك فقد تميزوا
بثباتهم[72].

2
حل ثانى ذكى، يعود إلى أمونيوس كاهن الأسكندرية، والذي يعتقد أن الإنجيليين يكتبون
عن إنكار بطرس ليس بالطبع لكى يدينوا التلميذ، لكن لكى يعلّموننا كم هو أمر سيئ أن
نثق في أنفسنا ولا نثق في الله[73].

3
حل ثالث متميز للقديس إيسيذورس الفرمى يُركّز فيه على الأهمية العظمى للتوبة،
ويعتبرها هى السبب، الذي من أجله ذكر الإنجيليون حادثة الإنكار. أى أن بطرس قد سقط
في الخطأ بإنكاره الثلاثى للسيد، ولكنه تاب بصدق ولذا أعاده السيد إلى رتبته
الرسولية ثلاثة مرات (انظر يو15: 2117). كل البشر يسقطون باستمرار في أخطاء،
قاطعين صلتهم بالسيد، لكن ستظل التوبة الصريحة الصادقة هى الطريق الوحيد لاسترجاع
الصلة المقطوعة مع السيد من جديد[74].

4
حل رابع تأملى يتردد من القرن (13م) من الأب بطرس السدمنتى، الذي يرى أن الإنكار
مذكور في نصوص الأناجيل، لكى يكون المثال لكل المسيحيين في المستقبل، الكاملين
منهم حتى يحافظوا على أنفسهم من السقوط في الخطأ، وغير الكاملين حتى تكون لديهم
الثقة في مراحم الله[75].

5
حل خامس تعليمى يقدمه لنا قداسة بابا وبطريرك الأسكندرية الحالى الأنبا شنودة
الثالث، يُشدد فيه على أن الإنكار ذُكر في الأناجيل الأربعة كمثال تعليمى لنا،
وذلك لكى لا يتكبر المسيحيون ويعتزون بقوتهم الشخصية لأنها عادةً قوة كاذبة[76].

6
حل سادس إستنتاجى وأخير، نفسر به الإنكار، على أنه قد سُجل من قبل الإنجيليين
للتشديد على إظهار ألوهية السيد المسيح، أى أن كل ما تنبأ به السيد عن بطرس، تحقق
وبطريقة دقيقة جدًا. وهذا بالطبع لم يكن لأى هدف آخر سوى لتقوية إيمان التلاميذ في
شخصه في ذاك الوقت ” قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون”
(يو29: 14).

إذًا
نستنتج أن الإنجيليين لم يحفظوا لنا حدث إنكار بطرس، لأسباب تاريخية فقط بل
ولأسباب تعليمية وروحية أيضًا.



[1] هو حنان،
ابن شيث، الذي شغل منصب رئيس كهنة اليهود في السنوات من 9ـ15م
عندما خلعه الوالي
الروماني السابق لبيلاطس ” فاليريوس جيراتوس”. ومن بعد حنان، تولى هذا
المنصب، لمدة عام فقط ابنه لعازر (16ـ17م). وفيما بعد أخذ مهام رئيس الكهنة يوسف
قيافا، الذي تزوج ابنة حنان
وقد إستمرت رئاسته الكهنوتية
حتى عام 36م. انظر:

Iws»pou,
‘Ioud… PÒl… XVIII. 2, 1F.

[2] Hengstenberg E.W., “Commentary on the Gospel
of
St. John”, Edinburgh, 1971, p. 351.

[3] Kur…llou ‘Alex., ‘Exhg. ‘Iw£nnhn
EÙagg.
, P.G. 74, 593.

[4] ‘Apos. ‘Iw£nnhn EÙagg.”, P.G. 85, 1505.

[5] P.G. 74, 600.

[6] P.G. 74, 601-604 انظر القديس كيرلس
الأسكندري
.

[7] “Récits de la Passion”, SDB, VI, P. 1448.

[8] Finegan, “Die überlieferung der
Leidensgeschichte”,
Giessen 1934, p. 72.

Bultmann, “Die
Geschichte…”,
Gottingen 61964, p. 290.

[9] “Evan. Lukas”, NTD3 Gottingen
1937, p. 259.

[10] E. Schürer, “A History of Jewish people in
the time of Jesus Christ”,
Edinburgh, 1901, partIII, p. 163-195.

[11] “Der prozess Jesus”, Regensburg 1960, p. 95.

[12] “ Jésus devant le Sanhédrin”., Exégése et
théologie I, p. 301-307.

[13] الصعوبة
هذه قد لوحظت أيضًا من القديم إذ أن نسخ بعض المخطوطات لإنجيل يوحنا تنقل السطر
(يو24:18) إلى بعد السطر (يو13:18). لكي تبدو لنا أحداث السطور من 14ـ23 وكأنها قد
تمت كلها عند قيافا. هذا النقل يحل بالفعل الصعوبة التي اعترف بها
Bénoit، ولكنه سيخلق لنا ـ في حالة قبوله ـ صعوبات أخرى أكبر بكثير من
السابقة، إذ سيترتب على ذلك، ظهور محاكمة ليسوع من قِبل قيافا (يو19:18ـ23) ليس
لها أي دليل مع المحاكمة المماثلة والموصوفة من= =الإنجيليين الثلاثة (انظر
مر53:14ـ65، مت57:26ـ67، لو66:22ـ71). هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النقل السابق
لسطر (يو24:18) إلى ما بعد (يو13:18) ورد في عدد قليل جدًا من المخطوطات.

[14] انظر الإنجيل بحسب
متى”، بني سويف 1985، ص70.

[15] Bénoit, “ Jésus devant le Sanhédrin” P. 310انظر مثلاً:
.

[16] Iws»pou, “ Ioud. PÒl..”, 2, 34.5, 144.6, 345.

[17] Blinzler, “Der prozen Jesus”, p. 120; L. Filip…dou, “Istor…a
tÁj ™pocÁj tÁj K.D”, Aq»na, 1958, s. 450.

[18]Westcotte, B.F.,“The Gospel according to St John”. Eerdimans, 1962, p. 267.

[19] Hengstenberg,
E.W., “Commentary on The Gospel of
St.
John
”, Eedinburgh 1871, p. 535.

[20] I. KarabidÒpoulou, “tÕ p£qoj toà Cristoà..”,
s. 112-113.

[21] ‘A. PrÒkou, “`H d…kh toà Cristoà”, ‘AqÁnai
1949; ‘
I. ‘Agap…dh “Ð ‘Ihsoàj
™nèpion tÁj ‘IoudaikÁj ka… rwma‹kÁj dikaiosÚnhj”,
Qesün…kh1968.

[22]
 انظر بطرس السدمنتى،
” القول الصحيح.. “، ص 179ـ180.

[23] انظر
“القول الصحيح ..” ص 184.

[24] M. Combe, NTA 27,
No2, 1983, p. 131-132.

[25] J. N. Aletti, NTA
30, No I, 1980, p. 15.

[26] انظر بطرس
السدمنتى، ” القول الصحيح.. “، ص 196.

[27] انظر أبو
شكار أبو الكرم (ق 13) مخطوط 200 لاهوت مكتبة بطريركية الأقباط الأرثوذكس
بالقاهرة، إصدار القمص جرجس السرياني: ” الشفا في كشف ما استتر من لاهوت
المسيح واختفى”، القاهرة 1905، ص 254ـ 255؛ انظر أيضًا بطرس السدمنتى
“القول الصحيح..” ص196ـ197.

[28] Cullmann, “Der
Staat im N. Testament”,
Tubingen 21961, p. 21.

[29] انظر أبو
شاكر: ” الشفا في كشف … “، ص 259.

[30] انظر القديس
كيرلس في شرحه لإنجيل لوقا
PG72,
290
. انظر أيضًا الترجمة
العربية ـ إصدار مركز دراسات الآباء ـ الجزء الخامس، القاهرة 2001، ص 155ـ156.

[31] H. Conzelmann,
“Die Mitte der Zeit”, Tübingen 51964, p. 77; Bénoit, “Passion et
Résurrection”, p. 128.

[32] Rengstorf,
“Evang. Lukas”, p. 259
انظر مثلاً: .

[33] P. Lamarche, “Le
Blosphémé de Jésus devant le Sanhédrin”, Rech SR 50 (1962), p. 74-85.

[34] A. Edersheim,
“The Life and Times of Jesus the Messiah”, Eerdmans, 401965, vol.II,
p. 561.

[35] Lohse, “Die
Geschichte des Leidens und sterbens Jesus”, Güttershah 1964, p85. Grundmann,
“Evang. Markus”,
Berlin 1965, p. 302; Haenchen, “Der weg Jesus”, Berlin 1966, p. 511.

[36]
 انظر كيرلس الأسكندرى
“شروحات على إنجيل يوحنا”،
P.G
74, 674-676

[37]
 انظر سمعان بن كليل،
“تفسير إنجيل متى”، ورقة 316ظ.

[38] D.L.
Back
, “ Jesus v. Sanhedrin “, NTA 42 No3 , 1998,
P.462.

[39] المرجع
السابق.

[40] “ Bemerkungen zum Prozess Jesu znw30 (1931), P.
211-215.

أنظر
أيضًا
Blinzler, “ Der Prozess
Jesu “, P.127.

[41] “A
Histerory of Jewish people in the time of Jesus christ“, Edinburgh 1901, Part
II, P. 163-195.

[42]
 المرجع السابق  P.
556.

[43] Cullmann, “ Der Staat im N. Testament “, P.
31.

[44]
why was Jesus Brought to pilate “, NT11 (1969), P. 174-84.

[45] انظر كيرلس
الأسكندرى، شروحات على إنجيل يوحنا
P.G.
74, 616-617

[46] S. /Agour…dh, “ E„s. e„j t»n K. Diaq»khn “, qes/n…kh 1971, s.137.

[47] S. ‘Agour…dh, ™nq. ¢nwt.., s. 137.

[48]
Die Parallelperikapen bie Lukas und Johannes “,
Darmstadt
1970, P.43.

[49]
 انظر القول الصحيح في
آلام المسيح، لبطرس السدمنتى، ص 231ـ232.
 

[50] في شروحاته
لإنجيل يوحنا
P.G. 74, 628، وفي شروحاته لإنجيل لوقا P.G. 72, 929.
انظر أيضًا الترجمة العربية (لإنجيل لوقا)، إصدار مركز دراسات الآباء، الجزء
الخامس، القاهرة 2001، ص153.

[51] “ kat¦ qeopascitën “, P.G. 78, 265.

[52] P.G.
74. 597.

[53]
 إذا أخذنا في الإعتبار،
أن إرتفاع أورشليم هو حوالى 800م عن سطح البحر، يمكننا عندئذ أن ندرك مدى شدة
البرد في ليالى أبريل. انظر
Q.H.E.t. 6. st. 821

[54] انظر
“القول الصحيح في آلام المسيح”، ص292ـ293.

[55] P.G.
74,609.

[56]
The Trail of Jesus “,
Berlin 1961, P.16.

[57]
The Four Gospels: Anew Translation “ P.303.

[58] يذكر
الإنجيلى مرقس، أنه بعد الإنكار الأول صاح الديك أيضًا (انظر 68:14).

[59] كلمة
المشنا تعنى “تعليم” وكتاب المشنا هو كتاب يحوى مجموعة من الأبحاث
للربانيين (المعلمين) اليهود (عددها 63 بحثًا) وضعت في القرون الثلاثة الأولى
الميلادية. وهى تمثل الناموس الشفهى لدى اليهود. انظر
Q.H.E. t. 8, 6t. 1171-1175

[60] G.
Brunet, NTA 23, No3, 1979, P.273.

[61] P.G.
72,928

انظر
أيضًا الترجمة العربية ـ إصدار مركز دراسات الآباء ـ الجزء الخامس، القاهرة 2001،
ص149.

[62]
 انظر الإنجيل للقديس متى،
بنى سويف 1985، ص257.

[63]
 انظر سمعان بن كليل،
” تفسير إنجيل متى “، مخطوط 131. لاهوت، ورقة 318ج.

[64] P.G.
85, 1508.

انظر
” القول الصحيح في آلام المسيح ” ص284.

[65]
 انظر أوريجانوس ”
شروحات على إنجيل يوحنا ”
P.G
14, 796

[66] انظر كيرلس
الأسكندرى “تفسير إنجيل لوقا”
P.G 72, 928.
انظر أيضًا الترجمة العربية ـ إصدار مركز دراسات الآباء ـ الجزء الخامس، القاهرة
2001، ص148.

[67]
 انظر كيرلس الأسكندرى
” شروحات على إنجيل يوحنا ”
P.G. 74, 597

[68]
 انظر أمونيوس الأسكندرى
(شروحات على إنجيل يوحنا)
P.G. 85,
1485,1508

[69]
 انظر بطرس السدمنتى،
المرجع السابق، ص179، 254، 255.

[70]
 انظر سمعان بن كليل،
المرجع السابق، ورقة 319ج.

[71] W.
Grundmann, “ Die Geschichte … “, P.329.

[72] P.G.
74, 609

[73] P.G.
85, 1508.

[74] Bl. “ perˆ ¢rn»sewj toà Pštrou “, P.G. 78, 385-388.

[75]
 انظر ” القول الصحيح
في آلام المسيح ” ص269ـ270.

[76]
 انظر ” تأملات في
يوم الجمعة العظيمة “، القاهرة 1982، ص38ـ39.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى