علم المسيح

سر الشكر الإلهى



سر الشكر الإلهى

سر
الشكر الإلهى

(مر
22: 1427، مت 26: 2630، لو17: 2220).

1
رواية العشاء السري عند الإنجيليين الثلاثة الأوُل.

2
غياب رواية العشاء السري عند الإنجيلي الرابع.

مقالات ذات صلة

3
البحث التحليلى لكلمات السيد التأسيسية لسر الشكر الإلهى.

أ
الصيغ الفعلية “أخذ”، “بارك”، “كسر”، “أعطى”
والأهمية لها.

ب
خبز وعصير كرمة الإفخارستيا جسد ودم للمسيح حقيقة وليس رموزًا.

ج
التحول الجوهرى للخبز وعصير الكرمة إلى جسد ودم المسيح.

د
الأحوال “مبذولاً”، و”مسفوكًا” وتفسيرها.

ه
الإفخارستيا ذبيحة كفارية وخلاصية لأجل العالم.

و
المعنى الكنسى لكلمات يسوع ” إنى لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم
حينما أشربه جديدًا في ملكوت الله ” (مر 25: 14، مت 29: 26، لو 18: 22).

ز
وصية السيد ” هذا اصنعوه لذكرى ” (لو 19: 22) وتفسيرها.

4
نهاية رواية العشاء الأخير.

5
ما السبب لتسليم سر الإفخارستيا؟.

 

ثانيًا:
سر الشكر الإلهى

(مر14: 22-26، مت26:
26-30، لو22: 17-20)

1
رواية العشاء السري عند الإنجيليين الثلاثة الأُوَل:

رواية العشاء السري بحسب مرقس (22: 1426) في حين
أنها تعتبر كتكملة للرواية السابقة عن العشاء الأخير (مر12: 1416)، إلاّ أنها كانت
أيضًا جزءً معروفًا في التقليد الليتورجي للكنيسة الأولى، أخذه القديس مرقس كما هو
من صلاة إفخارستيا كانت منتشرة بكثرة في ذلك الوقت، إذ تتكرر بنفس الكلمات تقريبا
عند الإنجيليين الثلاثة الأُوَل، وأيضا في الرسالة الأولى لبولس إلى الكورنثيين
(أنظر11: 23 25)[1].

 

والقديس متى في إنجيله الذى يعقب إنجيل مرقس زمنيًا عدَل في هذا الجزء من
صلاة الإفخارستيا، مضيفا بعض الإضافات، ومحدثا بعض التغيرات التي جاءت كصدى، أو من
تأثير العمل الليتورجي للكنيسة فى أيامه؛ فعلى سبيل المثال:

(أ) الصيغة الروائية بحسب مرقس، ” فشربوا منها كلهم ” (14: 23)
صارت عند متى ” اشربوا منها كلكم ” (26: 27).

(ب) في حالة الكأس، أضاف العبارة ” لمغفرة الخطايا ” (26: 28).

(ج) التعبير ” في ملكوت الله ” (مر 14: 25) تغير إلى ” في
ملكوت أبي ” (26: 29).

رواية الإنجيلي الثالث لوقا عن سر الشكر الإلهي تظهر أيضا بعض التغييرات
عن الروايات المقابلة (لمرقس ومتى)، والتى تعكس بالمثل تأثير العمل الليتورجي
للكنيسة، وعلى أكثر الاحتمالات لكنيسة أفسس، حيث كتب لوقا إنجيله هناك. تغييرات
مثل هذه هي كالتالي:

(أ) يسوع يبارك كأسين، الأول قبل مباركة الخبز وكسره، والثاني ” بعد
العشاء” حيث الكلمات التأسيسية للسر تصاحب مباركة الكأس الثاني (أنظر لو22: 1820).

(ب) يعلن رغبة يسوع الشديدة لأن يأكل قبل آلامه، العشاء الفصحي مع تلاميذه
(أنظر
لو
15: 22).

(ج) العبارة ” لأني أقول لكم إني لا.. ” تكررت مرتين، الأولى
بعد الإعلان عن رغبته في أكل العشاء الفصحي، ” لأني أقول لكم إني لا أكل منه..
” (لو22: 16) والثانية بعد مباركة الكأس الأول ” لأني أقول لكم إني لا
أشرب.. ” (لو22: 18).

(د) بعد مباركة الخبز، يعطى النصيحة ” اصنعوا هذا لذكري” (22: 19)[2].

 

هكذا وكما أشرنا سابقًا فإن روايات الأناجيل عن العشاء السري ليسوع تعكس
صدى وتأثير التقليد الليتورجي للكنائس. بكل تأكيد، العشاء السري إحتوى أكثر مما
رواه الإنجيليون. لكن هؤلاء ركزوا على كل ما كان سائدًا كعمل ليتورجى فى الكنيسة،
وبالتالى فالعمل الليتورجى هو الذي حفظ لنا وبدقة، كلمات يسوع التي نطق بها في وقت
العشاء الأخير. بكلمات أخرى، الحياة الليتورجية للكنيسة هي في النهاية المجال أو
الوسط الذي فيه تُسلّم وتُفسر وتُعاش كلمات يسوع، وخاصة تلك الكلمات التي بها أسس
سر الشكر الإلهي.

 

2
غياب رواية العشاء السري عند الإنجيلي الرابع:

في
رواية الإنجيلي الرابع ” يوحنا ” نلاحظ أن الكلمات التأسيسية لسر الشكر الإلهي
لا تُذكر، كيف يُفسر إذن هذا الغياب.

(أ)
هل لأنه الأخير الذي كتب إنجيله (نهاية القرن الأول الميلادي) والثلاثة السابقين
عنه أشاروا إلى تسليم السر، ولذا اعتبر أن الإشارة إليه من جديد هو أمر زائد عن
الحاجة؟.

(ب)
هل بسبب أن سر الشكر الإلهي قد دخل مبكرا في الحياة الليتورجية للكنيسة، وصار
معروفًا ومنتشرًا بين المؤمنين؟.

(ج)
أم هل يوحنا بالقول فى (12: 24) ” الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة
في الأرض وتمت فهى تبقى وحدها؛ ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير” وبالمعنى كما
يكتب هو أن حبة الحنطة هي يسوع؛ خبز الحياة، والخبز الذي سيعطيه يسوع هو جسده الذي
سوف يبذله من أجل حياة العالم (أنظر يو6: 4851)، يلخص لنا المعنى الرئيسي للعشاء
السري، تاركا التفاصيل للإنجيليين الثلاثة؟

 

هنا
بالتحديد، من الجدير أن نسجل الرأي الآتى لمطران بني سويف الراحل نيافة الأنبا
أثناسيوس: يوحنا لا يذكر الكلمات المتعلقة بالعشاء السري؛ أي كلمات التسليم لسر
الشكر الإلهي؛ لأنها هي نفسها موجودة في الأناجيل الأخرى، وقد صارت من قبل يوحنا
معروفة للكثيرين. لكن يوحنا يهتم بتسجيل أحداث أخرى تغيب عند الإنجيليين الآخرين،
على سبيل المثال: غسل أرجل التلاميذ، الحوار بين بطرس ويوحنا حول شخصية من سوف
يسلم السيد، لحظة خروج يهوذا (أنظر يو13) [3].

 

3
البحث التحليلي لكلمات السيد التأسيسية لسر الشكر الإلهي:

قبل
أن نبحث تحليليا الكلمات المتعلقة بتسليم سر الشكر الإلهي من السيد إلى التلاميذ أثناء
العشاء الأخير، يجب أن نذكر هذه الملاحظة: أن وصف العشاء السري من جانب الإنجيليين
الثلاثة مختصر، وكلمات يسوع المؤلفة لسر الشكر الإلهي هى مركزة وموجزة، فالإنجيليون
الثلاثة لا يصفون تفصيليًا تلك الليلة، لكنهم يركزون رواياتهم على كلمات السيد.

والآن
نتقدم إلى البحث التحليلي للكلمات التي تختص بسر الشكر الإلهي:

أ
الصيغ الفعلية “أخذ”، “بارك” “كسر”
“أعطى” وأهميتها
:

الصيغ
الفعلية “أخذ“، “بارك“، “كسر“،
أعطى“، التي تُذكر هنا، تُذكر أيضا في رواية معجزة إكثار الخبز
(إشباع الجموع) (أنظر مر6: 34-44، مت14: 1521، لو9: 12 17، يو6: 514). وهذه
الرواية الأخيرة قد اعتبرتها الكنيسة من القرون الأولى نموذجًا لرواية سر الإفخارستيا؛
وبالتالي المقابلة بين الروايتين تشرح لنا بكلمات مبسطة كيف يستطيع المسيح أن يقدم
نفسه في سر الشكر الإلهي، على عدد لا حصر له من المذابح وفي نفس الوقت.

ب
خبز وعصير كرمة الإفخارستيا جسد ودم للمسيح حقيقة وليس رموزًا
:

الخبز
الذي قدمه يسوع إلى تلاميذه لا يرمز إلى جسده لكنه هو جسده، أيضًا عصير
الكرمة لا يرمز إلى دمه، لكنه هو دمه حيث:

(1)
ضمير الإشارة ” هذا ” يُظهر أن هذا الخبز هو جسده، وهذا النبيذ
هو دمه (أنظر مر14: 22، 24، مت26: 26، 28، لو22: 19،20).

(2)
بنفس الطريقة، الفعل “يكون[4]
هنا لا يترك هامشًا لأفكار عن الرمزية لجسد ودم المسيح، عن الخبز وعصير الكرمة.

(3)
وفي الرسالة الأولى إلى الكورنثيين، يؤكد الرسول بولس، إن أكل الخبز وشرب عصير
الكرمة، في سر الشكر الإلهي، هما شركة حقيقية في جسد المسيح ودمه (أنظر10: 16).

(4)
[لا تشك]، هكذا يشدد القديس كيرلس [لحقيقة هذا، حيث هو نفسه قال بوضوح: ”
هذا يكون جسدي “، و” هذا يكون دمي ” بل بالأكثر أقبل بإيمان قول
المخلص، لأنه هو الحق الذي لا ينطق بالكذب] [5].

(5) الكاتب القبطي جرجس
بن العميد (ق14 م) يعطي تفسيره التحليلي الخاص فيما يتعلق بتحول الخبز وعصير
الكرمة فى سر الإفخارستيا ويقول: [نؤمن، أن الخبز وعصير الكرمة اللذين يُقدَّمان
اليوم في الكنيسة، يتحولان بنعمة الروح القدس إلى جسد ودم المسيح، اللذان سلمهما
السيد إلى تلاميذه في العشاء السري. هذه العناصر؛ أي الخبز وعصير الكرمة ليست هى مثال
لجسد ودم المسيح، لكن هي بنفسها جسده ودمه. فالسر الذي سلَّمه السيد المسيح والسر الذي
يُتمم باستمرار منذ ذلك الوقت وحتى اليوم في الكنيسة ليس بينهما أي اختلاف إطلاقًا.
لأن] يواصل الكاتب حديثه [قوة التقديس التي عملت في ذلك الوقت في الخبز وعصير
الكرمة، هي نفسها التي تعمل حتى الآن في كل إفخارستيا لا تتغير ولا تستنفذ].

وفي
هذه النقطة يبرهن الكاتب على صحة قوله، معتمدًا على شاهدين؛ الأول من الرسالة
الأولى لأهل كورنثوس (11: 27) والثاني من الإنجيل ليوحنا (6: 53)، حيث الشاهد
الأول يعلن لنا أن الذي يتناول بدون استحقاق خبز وعصير كرمة الإفخارستيا يكون مجرمًا
فى جسد ودم السيد المسيح وليس (فى) أشياء ترمز لهما. والشاهد الثاني يقول أن الذي
لا يأكل من جسد ابن الإنسان، ولا يشرب من دمه وليس من أشياء مماثلة لهما لن تكون
له حياة[6].

(6)
في العشاء الأخير، قال يسوع الكلمات التالية بالآرامية عن الخبز والكأس ” هذا
يكون جسدي.. هذا يكون دمي”. ومسيرة الترجمة والنقل أثمرت عن صياغة مؤكدة،
فبخصوص العبارة ” هذا يكون جسدي ” (مر14: 12) من الجدير أن نذكر أن
الدارسين للغة الآرامية، من بعد أبحاث عديدة، وصلوا إلى النتيجة أن العبارة
السابقة كانت في البداية هكذا: ” هذا يكون أنا “.

(7)
هذه العبارة المُعبِّرة جدًا ” هذا يكون جسدي ” يوضحها الفن القبطي
عندما يرسم سمكة على مائدة العشاء السري، حيث كلمة سمكة في اللغة اليونانية
ICQUS ترمز إلى الحروف الأولى لعبارة يسوع المسيح ابن الله مخلص
(‘Ihsoàj
CristÕj QeÕu UƒÕj Swt»r
)، أي أن هذا الذي يُقدَّم في الإفخارستيا هو نفسه يسوع المسيح ابن
الله.

(8)
أيضا الكنيسة القبطية، ومثل كل الكنائس الأرثوذكسية، تؤمن وتعترف بالتحول السري
للخبز وعصير الكرمة إلى جسد ودم المسيح، فقبل التناول مباشرة يعلن الكاهن القبطي
جهرًا ثلاث مرات أن هذا الذى أمامه على المائدة هو: جسد مقدس ودم كريم حقيقي ليسوع
المسيح ابن إلهنا آمين “، ” مقدس وكريم جسد ودم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا،
أمين “، ” جسد ودم عمانوئيل إلهنا، هذا هو بالحقيقة، آمين ” وفى كل
مرة يجيبه الشعب ” آمين ” [7].

 

في لحظة سابقة من لحظات
أحاديث يسوع، عندما سمعه اليهود وهو يتحدث عن أكل جسده، الذي هو خبز الحياة، بدأوا
يتنازعون فيما بينهم قائلين: كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل ” (يو6: 52)
كما أن بعض تلاميذه ” من الدائرة الواسعة وليس من دائرة الاثنى عشر ”
اعتبروا هذا الكلام صعب ورجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه ” (يو6: 60،66).
ولكن في لحظة العشاء السري، قَبِلَ الاثنى عشر كلماته وآمنوا، بدون أي تشكك، أن هذا
هو جسد ودم معلمهم على الرغم من إنهم يأكلون خبزًا ويشربون عصير كرمة.

 

ج
التحول الجوهري للخبز وعصير الكرمة إلى جسد ودم المسيح:

حفظ
الرب يسوع المادة التى منها الخبز وعصير الكرمة، وفي نفس الوقت أجرى ببركته تحولاً
داخليًا جوهريًا لهما. بينما في عرس قانا الجليل على سبيل المثال وببركته أيضًا
أجرى للماء تحولاً داخليًا جوهريًا وأيضا خارجيًا ظاهريًا إذ صار الماء خمرًا (يو1:
211). وبالتالي في سر الشكر الإلهي، ليس لدينا تحول في الشكل أو في الطعم، أو في
اللون، ولا حتى في العناصر المكونة للخبز والنبيذ، لكن في الواقع هناك تحول في
طبيعتهما الداخلية، أي تكتسب هذه المواد طبيعة أخرى جديدة، لم تكن لها أبدًا من
قبل. هذه الطبيعة الجديدة للخبز ولعصير الكرمة لا تخضع للعوامل البيولوجية التى
تخضع لها الأطعمة المختلفة للإنسان، ولا تدرك بالحواس الخارجية، لكن بالإيمان،
تمامًا مثل السيد المسيح عندما تجسد “أخذ شكل العبد.. ووُجد في الهيئة كإنسان
” (في2: 78) بينما كان في نفس الوقت وهو دائما الله، والرسول بطرس عرفه فقط
بالإيمان (مت16: 16).

 

وهنا
قد يُثار منطقيا السؤال التالي: لماذا اختار السيد الخبز وعصير الكرمة؟

والإجابة
التي نعطيها تأتي من الكاتب القبطي سمعان بن كليل (ق 12م)، السيد اختار الخبز
وعصير الكرمة حيث:

1
هذه المواد تمثل عناصر مباركة لأكل وشرب الإنسان

2
من العهد القديم، معروف لنا أن كاهن الله العلي ملشيصادق، قدم لابرآم خبزًا وخمرًا
(تك14: 18)

3
في خيمة الشهادة، وعلى المائدة وُجد خبز الوجوه (الحضرة) اثني عشر قرصًا في صفين
كل صف ستة أقراص (أنظر خر25: 30، لا24: 56).

4
عندما نتناول جسد ودم المسيح؛ فإن جسدنا ودمنا يتحدان في المقابل بجسده ودمه،
وهكذا يُخلق جسد واحد رأسه المسيح [8].

بنفس الروح يجيب جرجس
بن العميد (ق 14م) عندما يقول: مستخدمًا الخبز وعصير الكرمة، سلم لنا المسيح جسده
ودمه، عنصران منهما نتكون نحن أيضًا، وذلك حتى ننجح في تحقيق الشركة معه كما أيضا
مع الله الآب والروح القدس [9].

 

د
الأحوال ” مبذولا “، ” و” مسفوكا ” وتفسيرها:

الأحوال
” مبذولا ” (لو22: 19)، و” مسفوكا ” (مر14: 24، ومت26: 28،
لو22: 20) التي استخدمها السيد المسيح في وصف جسده ودمه تؤكد على أن جسده باستمرار
في حالة بذل ودمه باستمرار في حالة سفك.

إذ أن الحال في اللغة
اليونانية يستخدم للتعبير عن أمر مؤكد حدوثه ليس له زمن محدد، وبالتالي في سر
الإفخارستيا نحن أمام حقيقة التحول المستمر للخبز وللخمر إلى جسد ودم، وحقيقة
الفعل لهذا السر في المؤمنين كل مرة يتمم فيها.

 

لقد عرف يسوع أنه من
بعد صعوده إلي السماوات، ستكون لتلاميذه، وفيما بعد للمؤمنين به، حاجة ماسة إلى
وحدة سرية تجمعهم، وإلى وسيلة تجعل الشركة المفرحة معه ومع بعضهم البعض ممكنة. ولم
يكن هناك طريقة أخرى لتحقيق هذه الوحدة ولقيام هذه الشركة، غير طريقة استمرارية
وجوده في وسطهم؛ هذه النعمة أو العطية تمنحها وتضمنها كل الحياة الليتورجية
للكنيسة، وبالذات مركز هذه الحياة؛ سر الإفخارستيا. وهكذا بجسد المسيح ودمه ننجح
في تحقيق حياة الشركة المستمرة مع المسيح، ومع بعضنا البعض وأن نكون مع المسيح
دائمًا. هذا يعني:

1
مسرته الكاملة، كما عبر هو عنها في صلاته الأخيرة ” أيها الآب، أريد أن هؤلاء
الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا.. ” (يو17: 24)

2
التحقيق لوعده ” وها أنا أكون معكم كل الأيام إلى انتهاء الدهر ” (مت28:
20).

3
وفي النهاية، تحقيق كونه ” عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا ” (مت2: 23)،
حسب النبوة.

وأن نكون نحن واحدًا
هذا يعني:

أ
إيمان العالم برسالة المسيح (أنظر يو17: 21).

ب
معرفة العالم ” بعظمة محبة المسيح لنا” (أنظر يو17: 23).

ويجب
ألاّ ننسى أن مثل الكرمة والأغصان قد قيل من السيد إلى التلاميذ بعد تسليم جسده
ودمه لهم، وكل المثل كما هو واضح يشرح معنى الشركة معه (أنظر يو1: 156) كما أن
بولس الرسول يعتبر إن كل الذين لا يحفظون شركة المحبة بينهم (الأغابى) في العشاء
العام، هم غير مستحقين للمشاركة في العشاء السري. (أنظر1كو11: 2829) [10].

 

إن الحضور المستمر
للمسيح وعمله في سر الإفخارستيا هو العامل الرئيسي الذي حفظ ويحفظ تلك الشركة بين
أعضاء جسده، أي الكنيسة، بلا انقطاع، وعلى مر الأجيال، أمام كل عوامل الفناء
البشرية والزمنية (أنظر مت16: 18). لذا هو منطقي جدا أن يعتبر القديس كيرلس
الأسكندرى، الإفخارستيا، الزاد الجوهري للمسيحي ومؤونته في مسيرة حياته [11].

وأيضًا يصير مفهومًا
لنا؛ لماذا سبق وحذر السيد إن كل الذين لا يأكلون جسده ولا يشربون دمه، ليس لهم
حياة في أنفسهم (أنظريو6: 53).

 

ه الإفخارستيا ذبيحة
كفارية وخلاصية لأجل العالم:

بالتعبيرات “هذا
يكون جسدي”، “هذا يكون دمي” يريد السيد أن يوضح لنا أن الإفخارستيا
هى ذبيحة، إذ وفقا للطقوس اليهودية، المصطلحات “جسد” (لحم)، و”دم”
تدل على العناصر التي تتكون منها الذبيحة، والتي يجب أن تقدم إلى الله على المذبح.
” فتعمل محرقاتك اللحم والدم على مذبح الرب إلهك. أما ذبائحك فيسفك دمها على
مذبح الرب إلهك، واللحم تأكله ” (تث11: 27).

أيضا في العبارات
” مبذولاً عنكم.. مسفوكا عنكم وعن كثيرين ” يجب أن نعترف بالخاصية
الكفارية والخلاصية لذبيحة الإفخارستيا، فجسد المسيح دائما في حالة بذل، ودم
المسيح دائما في حالة سفك، وذلك “لمغفرة الخطايا” كما يعلل الإنجيلي متى
(26: 28)، ولكي ” يهب حياة للعالم ” كما يقول الإنجيلي يوحنا (6: 33).

هذا، وإنه لمن الواضح،
أن كلمة ” كثيرين ” هنا ليس لها معنى محدود، ولكن متسع، أي أن جسد
المسيح مبذول ودمه مسفوك لأجل كل البشر عامة، ولأجل كل واحد وحده خاصة، في كل مكان
على الأرض، وعلى مر العصور كلها، وحتى نهاية هذا العالم [12].

وعلى أي الأحوال، فإن
التعبيرات الإنجيلية ” من أجل كثيرين” (مر14: 24، مت26: 28) ” عنكم
” (لو22: 20) ” من أجل حياة العالم ” (يو6: 51) تُحضر إلى ذهننا
كلمات الإصحاح 53 لإشعياء، حيث السيد المسيح يُصَوَر كالعبد المتألم الذى ”
حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” (أش53: 12).

 

هذه
الخاصية الخلاصية لسر الإفخارستيا، يشدد عليها كل كاهن قبطي أثناء نطقه بالاعتراف،
وقبل أن يناول المتقدمين للشركة كالآتي: ” أؤمن، أؤمن، أؤمن وأعترف إلى النفس
الأخير، أن هذا هو الجسد المحيي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح..
يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه ” [13].

أيضا، في كنيستنا
القبطية الأرثوذكسية يحافظ الكاهن على الطقس كما مارسه السيد، إذ يناول المؤمنين
الجسد أولاً ثم الدم، مؤكدًا بهذا على حقيقة كون الإفخارستيا ذبيحة.

 

و
المعنى الكنسي لكلمات يسوع ” إني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم
حينما أشربه جديدا في ملكوت الله ” (مر 14: 25، مت26: 29، لو 22: 18):

كلمات
يسوع “إني لا أشرب..” ليس لها معنى إسخاتولوجي (أخروي)، غير محدد كما
يزعم بعض المفسرين[14]، ولكن بالتحديد
معنى كنسي ” اعتاد المسيح ” يكتب القديس كيرلس الأسكندرى ” أن يسمى
التبرير الذي يأتي بالإيمان، والتطهير الذي يأتي بالمعمودية، وشركة الروح القدس،
والقوة التي نأخذها من الحياة بالروح، كل هذه يسميها ملكوت الله “[15].

 

وأيضا
رأى سمعان بن كليل (ق12)، والذي وفقًا له فإن ملكوت الله يُفسر على أنه قيامة المسيح،
لأنه على الرغم من أن جسد القيامة ليس له حاجة للأكل والشرب، إلاَّ أن السيد آنذاك
أكل أمام التلاميذ (أنظر لو24: 4143) لكى يبرهن لهم أنه هو نفسه معلمهم الذي صلب
ومات[16].

أيضًا
وحسب تفسير كاهن الإسكندرية أمونيوس (ق5)، ملكوت الله هو من بعد قيامة الأموات،
حيث أجساد البشر ستتخلص نهائيًا من الفساد والأشياء نفسها ستتغير، وسنسكن في
الحياة الجديدة، هكذا حتى إن فرحنا أيضًا سيصير جديدًا [17].

استمرارًا
لعرض الآراء، نقدم رأى أسقف مصر في القرن ال 13 بولس البوشي الذي يرى أن الكلمات
السابقة التي نطق بها السيد تعني الإبطال للفصح القديم، الذي فيما عدا أنه كان
وقتيًا، كان أيضًا مثالاً مصورًا مسبقًا للفصح الجديد الأصلي. ويسوق الكاتب لتعضيد
رأيه الشاهد من الرسالة إلى العبرانيين (10: 1) القائل ” لأن الناموس له ظل
الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء ” [18].

وبحسب رأينا، فإن معنى
الآية يتركز حول كلمة ” جديدًا ” (مر14: 25) التى تُظهر عمل الروح القدس
في الخليقة. فالإنسان الجديد، هو الذي يعيش بحسب الروح (أنظر رو8: 1214)، وحتى
السماء الجديدة والأرض الجديدة هى أيضًا روحية (رؤ1: 21). فالروح القدس الذي نأخذه
عن طريق أسرار الكنيسة هو الذي يساعدنا على تحقيق حياتنا الجديدة خلال حياتنا
الأرضية، أي يجعل سيرتنا الأرضية هى سماوية (أنظر فيلبي3: 20). وبالتالى يمكن
تفسير الآية ” إنى لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه
جديدًا فى ملكوت الله ” كالتالى: إنه عندما يتم الفداء ويحل الروح القدس على
التلاميذ حسب وعد المسيح (أنظر مثلاً: لو49: 24، أع1: 4، 1: 24) وتتم الشهادة
والكرازة باسمه فى اليهودية والسامرة وفى أقصى الأرض (أنظر أع8: 1) ستنضم أعضاء
أخرى لكنيسة المسيح، هذه الأعضاء ستصير جديدة بعمل الروح القدس فيها داخل الكنيسة،
وكما كان السيد حاضرًا مع تلاميذه فى إفخارستية يوم الخميس الكبير، فإنه سيكون
حاضرًا أيضًا مع هذه الأعضاء الجديدة فى كل إفخارستيا تُقام. وما يؤكد هذا، أن
كنيستنا القبطية تبدأ ليتورجية القديس باسيليوس (بالطقس الإسكندري)، معترفةً بحضور
الله وسط شعبه قائلة: ” مجدًا وإكرامًا، إكرامًا ومجدًا للثالوث القدوس الآب
والابن والروح القدس سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله “[19].
ومن جانب آخر، فإن هذا الحضور وعمل الثالوث القدوس في الكنيسة ما هو إلا دليل قوي
على أن ملكوت الله قد بدأ الآن وأما استعلانه الكامل فسيكون فى الدهر الآتي(أنظرلو17:
2021).

 

من
كل التفاسير السابقة التي قدمها أباء الإسكندرية والكتاب الأقباط للشواهد (مر14: 25،
مت26: 29، لو22: 18)، يمكننا أن نلخص معنى ملكوت الله في النقاط التالية:

1
هو اكتمال العهد القديم بالعهد الجديد.

2
هو دخول المؤمنين إلى الحياة الجديدة عن طريق الإيمان باسم المسيح والاعتماد على اسم
الثالوث.

3 هو التمتع بجمال تلك
الحياة الجديدة عن طريق عمل الروح القدس من خلال أسرار الكنيسة في حياة المؤمنين
بمشاركتهم في حياة الكنيسة التعبدية.

4 وهو انتظار قيامة
الأجساد والحياة السماوية المستقبلية.

 

إذن
ملكوت الله يتحقق الآن بصورة جزئية هنا على الأرض، وذلك عندما يعيش المؤمنون في
شركة الروح مع المسيح، عن طريق الكنيسة، متذوقين عربون خيرات هذا الملكوت ثم يتحقق
بصورة كاملة هناك فى السماء بعد قيامة الأجساد[20].

 

ز وصية السيد “.. هذا اصنعوه لذكري ” (لو22: 19) وتفسيرها:

بالوصية “.. هذا اصنعوه لذكري” (لو22: 19، 1كو11: 25)، لا
يطلب السيد من تلاميذه في كل مرة سيتممون فيها سر الشكر الإلهي، أن يتذكروا فقط
هذه الإفخارستيا التي يتممها معهم الآن، لكنه يطلب منهم أن يتذكروا أيضًا كل حضوره
في وسطهم، أي: تجسده، حياته، موته، قيامته، ومجيئه الثاني، وكذلك وعده لهم أنه كما
هو حاضر معهم في هذه الإفخارستيا سوف يكون حاضرًا أيضًا وفي كل إفخارستيا (أنظر
مت28: 20، لو22: 16).

ووفقا لرأي الكاتب بولس البوشي، فإن السيد بقوله هذا، يأمرنا
باستمرارية ممارسة الفصح الخلاصي (أي سر الشكر الإلهي) كما سلمه لنا هو بنفسه،
كرئيس الكهنة الأعظم. هذا السر يجب أن يتمم، ليس كذكرى لنبي أو لرسول ما، ولكن
لتذكر رب المجد نفسه وحتى مجيئه الثاني[21].

أي لا ننظر هنا إلى حدث تسليم الجسد والدم على أنه عمل أخير ليسوع
قبل آلامه وموته، ولكن على أنه بداية الحياة السرائرية للكنيسة، والتي يمثل سر
الشكر فيها مركز هذه الحياة[22].

بالإضافة
إلى هذا فإن كلمة “الذكرى” (
`H ¢n£mnhsij)، ليس لها خاصية ذهنية عاطفية (أي التذكر الذهني لأمر نتطلع إليه
غائبًا عنا)، ولكن خاصية كيانية فعالة (أي إعادة تحقيق هذا الأمر وبصورة فعالة)[23].
بل الأكثر من هذا أن الفعل “اصنعوا”، جاء في اللغة اليونانية في صيغة
الأمر المستمر المبني للمعلوم، والفعل بهذه الصياغة يعني استمرارية إتمام سر
الإفخارستيا.

وأخيرا كما طلب الرسول بولس من الكورنثيين ” فإنكم كلما أكلتم
هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ”(1كو11: 26). هكذا
الأقباط المؤمنون، بمشاركتهم في سر الإفخارستيا، يبشرون بموت المسيح وينتظرون
مجيئه الثاني المملوء مجدًا، وذلك عندما يرتلون: حقا حقا حقا بموتك يا رب نبشر،
وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السماوات نعترف، نسبحك، نباركك، نشكرك يا رب ونتضرع
إليك، يا إلهنا [24].

 

4 نهاية رواية العشاء الأخير:

رواية العشاء الأخير تنتهي عند الإنجيليين الاثنين الأولين بالعبارة
“وسبحوا وخرجوا” (مت26: 30، مر14: 26)، فالسيد المسيح إذ سلم سر
الإفخارستيا، مباشرةً إلى تلاميذه، وعن طريقهم إلى كل الكنيسة، وحقق شهوته الأخيرة
(أنظر لو22: 15) التي لأجلها أقام هذا العشاء، سبح مع تلاميذه بتسابيح الفرح لعيد
الفصح الذي قد بدأ يطل عليهم. وهكذا قليلاً قليلاً، بدأ جو العلية يمتلئ بالفرح
والتهليل والهدوء، من بعد مشاعر الحزن والحيرة والشك، التي سادت بسبب نبوة السيد
عن خيانته. (أنظر مر14: 1819، مت26: 2122، لو21: 22 23، يو21: 1322)، حالة الفرح
والتسبيح هذه التي غمرت العلية، تعيشها الكنيسة القبطية، في نهاية القداس الإلهي،
وذلك عندما يرتل جموع المصلين أثناء التناول، المزمور (150) لداود ” سبحوا
الله في جميع قديسيه، سبحوه في جَلَد قوته.. كل نسمة فلتسبح اسم الرب إلهنا
هلليلويا ” وبمصاحبة أصوات موسيقية بفرح من آلات الدف والمثلث[25].

 

5 ما السبب لتسليم سر الإفخارستيا؟

بعد كل ما قدمناه حتى الآن، من المفيد أن نلمس فيما بعد، وعلى قدر
الإمكان، السؤال: لأي سبب سلم لنا السيد سر الشكر الإلهي؟

بحسب القديس كيرلس الإسكندري الذي يبدي رأيه في السؤال السابق، إنه
كان ينبغى أن الإنسان الذي كان قد خُلق للخلود، لكنه بسبب عصيانه ارتبط بالخطية
والفساد والموت أن يُعاد مرة أخرى إلى عدم الفساد، فيقول: ” خلق إله الكل كل
شئ بهدف عدم الفساد (أى أن يكون خالدًا)، لكن بسبب حسد الشيطان، دخل الموت إلى
العالم.. أما صلاح الخالق فقد تجاوز ضرر خبث الشيطان وساعد البشر.. وأعطى للجسد
الذي يموت أن يصير في شركة مع القوة المحيية التي تأتي من الله. وهكذا إذ نرى الخبز
والخمر موضوعين على الموائد المقدسة، يتنازل الله إلى ضعفاتنا، ويعطي للقرابين المُقدَّمة
قوة الحياة (القوة المحيية) جاعلاً لها قوة حياة جسده، لكي نشترك نحن في هذه الحياة
عندما نأخذها كمثل بذرة محيية يوجد في داخلها عنصر الحياة “. وبمواصلة الحديث،
يورد لنا الأب القديس مثالين لكي يساعدنا على الفهم التام لكلماته السابقة هما:

أ عندما تغمس قطعة من الخبز في نبيذ أو زيت أو في أي سائل آخر، سوف
تكتشف أن الخبز تَشرَبَ من جوهر السائل.

ب عندما يدخل الحديد في النار، فإنه يكتسب حرارة، وبينما هو حديد
بحسب طبيعته، إلا أنه قد تأثر بالقوة الحرارية للنار[26]
.

هكذا بينما يسير المسيح بإرادته نحو الصليب، عارفا أنه يحقق إرادة الله
الآب، لفداء البشرية، يسلم قبل آلامه بقليل إلى تلاميذه، وبواسطتهم إلى الكنيسة،
سر الشكر الإلهي، مفسرا الخبز المبارك منه على أنه جسده، ومحتوى الكأس على أنه دمه.
كذلك فالرب يسوع المعلم العظيم، لا يترك طريقته التعليمية بالأمثال حتى في نهاية
حياته على الأرض، فمن العشاء السري ومن غسل أرجل التلاميذ كما سنرى في الفصل
التالي يشرح لنا كيف يجب علينا أن نقبل الإفخارستيا كغذاء روحي لنا، وموته القادم
كطهارة روحية لنا فهو كما أخذ الخبز وعصير الكرمة وأعطاهما إلى تلاميذه، هكذا في
الإفخارستيا يعطي الآن نفسه لنا كغذاء للحياة الأبدية، وكما طهر أرجل التلاميذ
بغسلها بنفسه، هكذا بالصليب سوف يأتي بالطهارة الروحية للعالم كله [27].



[1] M. Dibelius , ” Die  Formgeschichte des
Evangeliums ”
Tűbingen 51966, P . 210.

[2] W. Grundmann, ” Das Evangelium nach
Lukas ” 
Berlin 1966 P. 392.

[10] Bl. S. ‘Agour…dh, SÚntomoj
™rmhneˆa tÁj A/Kor. ‘Epist.
, Qesþn…kh 1967.

[14] F.X.P. LEBEAU ” Les Paroles
eschatolgiques de Jésus á la céne (mt26, 19) dans L’exégés Patristique st.
Patr VII, 1966 P. 516 – 523.

[20] P.Vassiliadis , ” Orthodxy and Ecumenism
Thessaloniki 1996 , p. 161

[22] Bl. M. Siètou Qeˆa EÙcarist…a, Qesün…kh 1957, s. 23.

[26]  P.G. 72, 909-912. أنظر أيضًا الترجمة العربية لإنجيل لوقا، الجزء الخامس، إصدار
مركز دراسات الآباء، القاهرة 2001 ، ص 111 ـ 112.

[27] D. Wenham, “How Jesus understood the Last
Supper”. NTA 36 No3, 1992, p.327.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى