علم المسيح

الفصل الحادي عشر



الفصل الحادي عشر

الفصل
الحادي عشر

لماذا
ظهر الله في الجسد
ولم ينزل
ظاهرا
ً بلاهوته؟

 

س 1: لماذا اتخذ جسدا؟ ولماذا لم
يظهر بلاهوته، بدون التجسد، فيراه الجميع علي حقيقته؟ أليس هذا اكرم له وأليق
بعظمته ومجده؟

&
الله بلاهوته، بجوهره، بطبيعته غير مرئي وغير مدرك بالحواس ولا يمكن أن يراه أو
يدركه مخلوق بالحواس، ولذلك لم يره أحد قط من جميع المخلوقات سواء التي تري أو
التي لا تري، البشر أو الملائكة. يقول الوحي الإلهي:

– ” الله لم يره أحد قط ” (يو18: 1).

– ” الله لم ينظره أحد قط ” (1يو2: 4)
لماذا؟ لأنه:

– ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور
لا يدني منه، الذي لم يره أحد، من الناس ولا يقدر أن يره ” (1تي16: 6).

 أنه نور وساكن في نور ولا يري علي الإطلاق ولا
تدركه الحواس حتى الملائكة الواقفين حول العرش لا يمكن أن يروا جوهره، جوهر لاهوته،
لأنه بطبيعته غير مرئي وغير مدرك بالحواس.

 والسرافيم الممتلؤن عيونا والمتقدون نارا لا
يجرؤن علي مجرد التفكير في رؤيته بجوهره إذ يقول الكتاب أن لكل ” واحد ستة
أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير ” (أش2: 6)، لماذا
يغطون وجوههم لأنهم لا يستطيعون النظر إليه والي ضياء ولمعان مجده ولا يوجد في
الخليقة كلها من يقدر أن يدرك جوهره، جوهر لاهوته، يقول الكتاب أنه يرى فقط في
خليقته ؛ ” لأن أموره غير
المنظورة ترى منذ خلق
العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته
” (رو20: 1). جاء
في القداس الإلهي:

 ” السرافيم والشاروبيم (يقفون أمامك) فبجناحين
يغطون وجوههم من أجل لاهوتك الذي لا يستطاع النظر إليه ولا التفكير فيه
(1).

 وقد اشتهي جميع الأنبياء أن يروا مجده ولكنهم
لم يستطعيوا، لماذا؟ لأن الله غير مرئي ولا يستطيع أي مخلوق مهما كان أن يقف أمامه
أو أن يراه. قال أيوب البار بأسلوب مجازي ؛ ” يحجب كرسيه باسطا عليه سحابة …
أعمدة السموات ترتعد وترتاع من زجره ” (أي5: 26،11).

 هو، بلاهوته، بطبيعته وجوهره الإلهي، غير مرئي
وغير مدرك بالحواس كما أنه أيضا غير محدود في المكان أو في الزمان، كلي الوجود:

– ” أما املأ أنا السموات والأرض يقول الرب
” (ار23: 23).

– ” منذ الأزل والي الأبد أنت الله ”
(مز2: 90).

 وقد اشتهى جميع الآباء والأنبياء في القديم أن
يروه، أن يروا مجده، أن يروا الله في جوهره وكيانه ولكنهم لم يروا سوى شبه للرب في
الرؤى والأحلام، وبرغم امتياز موسى النبي عن جميع الأنبياء إلا أنه لم ير سوي
شبه الرب “، قال الله لهارون أخو موسى ولمريم أختهما ؛ ”
اسمعا كلامي أن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه، وأما
عبدي موسى فليس هكذا بل هو آمين في كل بيتي، فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا
بالألغاز وشبه الرب يعاين “(عد6: 12-8).

 قال الرب يسوع المسيح ” الحق أقول لكم أن
أنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم
تسمعون ولم يسمعوا
“(مت17: 13).

 وعندما طلب موسى من لله أن يراه وقال له ”
ارني مجدك “، قال له الله ” أجيز كل جودتي قدامك وأنادى باسم الرب قدامك
وأتراءف على من أتراءف وارحم من ارحم “، ثم قال له ” لا تقدر أن ترى
وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش
“، ولما أراد الله أن يكشف له عن شيء من
مجده قال له ” هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني
أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز، ثم ارفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي
فلا يرى “(خر18: 33-23).

 وبالرغم من أن موسى لم يرى سوى شيء من المجد
الإلهي وهو مختبئ في قلب الصخرة إلا أن جلد وجهه صار يلمع من انعكاس هذا القليل من
المجد الإلهي، يقول الكتاب ؛ ” وكان لما نزل موسى من جبل سيناء … لم يعلم أن
جلد وجهه صار يلمع
في كلامه معه، فنظر هرون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا
جلد وجهه يلمع فخافوا أن يقتربوا إليه
“، وهذا ما أضطر موسى النبي أن يضع
برقع على وجهه ” ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعا،
وكان موسى عند دخوله أمام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتى يخرج ثم يخرج ويكلم بني
إسرائيل بما يوصى، فإذا رأى بنو إسرائيل وجه موسى أن جلده يلمع كان موسى يرد
البرقع على وجهه
حتى يدخل ليتكلم معه ” (خر29: 34-35).

 ولما نزل الله علي الجبل في هيئة وشكل مظاهر
الطبيعة المختلفة ” وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل أن الرب نزل عليه بالنار
وصعد دخانه كدخان الآتون وارتجف كل الجبل جدا، فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا
وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت ” (خر18: 19،119). ” ولما رأي الشعب ذلك
ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع ولا يكلمنا الله لئلا
نموت ” (خر19: 20). وقالوا بعد ذلك ” لأنه من هو من جميع البشر الذي سمع
صوت الله الحي يتكلم من وسط النار مثلنا وعاش
” (تث26: 5)، لقد سمعوا صوت
فقط يأتيهم من وسط النار التي ظهر الله من خلالها، ولكنهم لم يروا الله ظاهرا، في
طبيعته وجوهره لأته لا يراه الإنسان ويعيش. ويقول الكتاب أن موسى نفسه وهو الذي
خاطب الله وتناقش معه وحاوره (خر9: 34) قال عندما جاء إلي الجبل المضطرم بالنار
الذي كان الله متجليا عليه ” أنا مرتعب ومرتعد ” (عب21: 12).

 فإذا كان مجرد سماع صوت الله يميت فماذا يحدث
لو ظهر الله بجوهره، بطبيعته، بلاهوته علي الأرض؟ وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن
يحدق في الشمس وهي إحدى مخلوقات الله، فكيف نفكر في نزول الله وظهوره بلاهوته غير
المرئي بلا حجاب؟

– طلب موسى أن يري الله فوعده أن يريه مجده
ووضعه في نقره، وأخفاه لأنه لا يستطيع أيضا أن يري مجده في تمام بهائه ولمعانه ومع
ذلك نزل موسى من علي الجبل وكان جلد وجهه يلمع من انعكاس بهاء مجد الله عليه، من
انعكاس لمعان بهائه علي وجهه مما أضطر موسى أن يضع برقعا علي وجهه حتى يستطيع هرون
وبنو إسرائيل أن يتكلموا معه. فإذا كانت الجماعة قد خافت أن تقترب من موسى لأن جلد
وجهه كان يلمع بسبب كلامه مع الله ورؤيته شبه مجده فماذا يحدث لهم لو رأوا مجد
الله وبهاءه واللمعان الخارج منه؟ ماذا يحدث لو رأوه ظاهرا بلا حجاب؟ إذا كانوا قد
خافوا أن يروا إنساناً أنعكس عليه نور مجد الله، ليس نور وإنما لمعان من النور،
فماذا يحدث لو رأوا البهاء الذي أنعكس منه هذا اللمعان وليس جوهر اللاهوت نفسه؟

– سمع إيليا صوت الله منخفضا وكان في مغارة في
جبل تابور فخرج من المغارة بعد أن ” لف وجهه بردائه ” (1مل13: 19)،
وعندما عبر مجد الله بعد أن سبقه ريح ونار عظيمة تشققت الجبال والصخور (1مل11: 19)؟
فماذا يحدث للبشر إذا كان الريح والنار (1مل14: 19) التي وجدت بحضوره قد شققت
الصخور والجبال؟ كما أن إيليا لف وجهه لسماعه صوت الله.

– عندما ظهر ملاك الله لدانيال النبي علي نهر
دجله في رؤيا سقط علي وجهه وتحولت نضارته إلى فساد وسقط علي وجهه إلى الأرض (دا9: 10)،
وإذا كان دانيال وهو النبي المحبوب عند الله لم يستطيع أن يثبت أمام الملاك بل سقط
علي الأرض وتحولت نضارة جسده إلى فساد، شيخوخة، فكيف تحتمل البشرية رؤية رب
الملائكة؟

– ولما تجلي الرب يسوع المسيح علي الجبل أمام
تلاميذه وأظهر شيئا من مجد لاهوته، يقول الكتاب ؛ ” أضاء وجهه كالشمس
وصارت ثيابه بيضاء كالنور
” (مت2: 17)، فارتعد التلاميذ وخافوا وسقطوا
علي الأرض مع أنهم أكلوا مع المسيح وشربوا معه ولكن عند رؤيتهم شيئا من مجد لاهوته
لم يحتملوا رؤية مجده، فماذا يحدث لو أن المسيح ظهر بلا هوته بدون حجاب الناسوت؟

– ولما ظهر الرب يسوع المسيح لشاول الطرسوسي –
القديس بولس فيما بعد – بعد قيامته وصعوده إلى السماء رأي، شاول، نورا وصفه بأنه
افضل من لمعان الشمس” رأيت في نصف النهار في الطريق … نورا من السماء
افضل من لمعان الشمس قد ابرق حولي
وحول الذاهبين معي ” (أع13: 26)، فسقط
هو والذين معه علي الأرض، وبعد أن كلمه الرب يسوع المسيح وقام من علي الأرض كان
وهو مفتوح العينين لا يبصر ” (أع8: 9)، ولما ابصر علي يد تلميذ المسيح حنانيا
سقط من علي عينيه ” شئ كأنه قشور فأبصر في الحال ” (أع18: 98).

 فإذا كانت رؤية القديس بولس لنور المسيح من
خلال حجاب الناسوت، بعد القيامة والصعود، قد أعمت بولس وجعلت علي عينيه ما يشبه
القشور لأن الرب كان يريده، فماذا كان يحدث لو لم يكن الرب يريده؟ ماذا يحدث
للآخرين الذين كانوا معه لو رأوا مجده كما رآه شاول؟ ماذا يحدث لو نزل المسيح
ظاهرا بلاهوته وبدون حجاب الناسوت الذي احتجب به؟

– ولما ظهر للقديس يوحنا وهو منفي في جزيرة بطمس
في رؤيا سقط عند رجليه كميت برغم أنه التلميذ الذي ” كان الرب يحبه “(2)، والذي سبق أن اتكأ علي صدره (يو23: 13). فماذا
كان يكون الأمر لو ظهر له حقيقة بلاهوته وليس في رؤيا؟

– يذكر سفر الرؤيا أن ملاكا واحد نزل من السماء
واستنارت الأرض من بهائه ” (رؤ1: 18)، فإذا كان ملاكا واحد
أنار الأرض واستنارت من بهائه وهو المخلوق والذي لا يستطيع رؤية الخالق فكم وكم
يكون بهاء مجد الله لو نزل علي الأرض ظاهرا كما نزل الملاك؟

 لقد اتخذ المسيح جسدا، تجسد، اخذ صورة العبد
ليحجب لاهوته، ليحجب بهاء مجده والنور خارج منه. تجسد لكي يستطيع البشر أن يروه.
وبعد أن كان غير مرئيا صار مرئي بالجسد وفي الجسد الذي اتخذه، رآه البشر ورأته
كذلك الملائكة، رأته الملائكة ورآه السرافيم الذين يخفون وجوههم بأجنحتهم وهم وقوف
قدامه، رأته الملائكة بعد أن تجسد وصار مرئيا بناسوته ” عظيم هو سر التقوى
الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة
” (1تي16: 3،17).

 

– قال يوحنا ذهبي الفم في عظمته الخاصة علي
الإنجيل للقديس يوحنا:

 ” أن كنا لا نقدر مطلقا أن نشاهد أي قوه
روحيه حتى المخلوقة ” لذلك يقول بولس: ” الذي لم يره أحد من الناس ولا
يقدر أن يراه ” (1تي16: 6) هل هذه الخاصية تخص الأب وحده دون الابن؟ حاشا لنا
أن نفكر هكذا إنما تخص الابن أيضا لكي تعرف هذا اسمع بولس يقول عنه ذات الأمر
” صورة الله غير المنظور ” (كو15: 1)، فأن كان هو صورة غير المنظور يلزم
أن يكون غير منظور وإلا فلا يكون صورته. لا تعجب من بولس حين يقول في موضع آخر: ”
الله ظهر في الجسد ” فقد تحقق الظهور خلال الجسد، لكن ليس ظهورا للجوهر.

 أضف إلى هذا أن بولس يتحدث عنه كغير منظور،
ليس فقط بين البشر، بل وأيضا بين القوات العلوية، إذا بعد قوله ” ظهر في
الجسد ” يقول ” تراءى لملائكة
“.

 عندما لبس الجسد صار منظورا حتى بالنسبة
للملائكة. أما قبلا فلم تره الملائكة إذ جوهره غير منظور حتى بالنسبة لهم

(3).

 

– وقال أغناطيوس الأنطاكي عن ظهوره بالجسد
مخاطبا القديس بوليكاربوس ؛ ” وليكن نظرك علي من لا يتغير، أي ذاك الذي
يعلو الزمان ولا يرى ولكن قد صار مرئيا لأجلنا
(4).

– وفي أقوال القديس اكليمندس الإسكندري يوضح أنه
بعملية التجسد اصبح الكلمة، ابن الله، منظورا ومدركا في حيز الأشياء التي نراها
وندركها بحواسنا
(5).

 

– وقال القديس اغريغوريوس النيزنزي:

 ” كلمه الله الذي هو قبل العوالم، غير
مرئي وغير المدرك، الذي لا جسم له (غير المحوي) البدء من البدء. نور من نور، أصل
الحياة والخلود، صورة الله وختم جوهره، الصورة غير المتغيرة صوره الأب وكلمته جاء
لصورته (يقصد الذي خلق علي صورته ومثاله) وأخذ جسدا لأجل جسدنا “(6).

 

س 2: ماذا يعني الكتاب برؤية بعض
الأنبياء لله؟

 ماذا يعني إذا قول الكتاب أن بعض
الأنبياء رأوا الله؟ وما الفرق بين ظهوره في القديم واتخاذه جسدا، وبمعني أدق ما
الفرق بين الجسد الذي ظهر به في القديم والجسد الذي اتخذه في التجسد؟

& يذكر الكتاب أن الله قد ظهر لإبراهيم في هيئة رجل ” وظهر
له الرب
عند بلوطات ممرا ” (تك1: 18)، واستضافه وأكل معه (تك3: 18،8)،
وظهر لأسحق ” وظهر له الرب وقال … فظهر له الرب في تلك
الليلة وقال أنا اله إبراهيم أبيك ” (تك2: 26،24)، وظهر ليعقوب ” وظهر
الله ليعقوب
أيضا حين جاء من فدان أرام وباركه ” (تك9: 35)، وأن يعقوب
رأي الله ” وجها لوجه ” (تك30: 32)، وأن والد شمشون ووالدته رأيا الله
وقالا ” نموت موتا لأننا قد رأينا الله ” (قض22: 13)، وكذلك
اشعياء يقول ” رأيت السيد (الرب) جالس وأذياله تملأ الهيكل ” (اش1: 6).

 والقديس يوحنا يقول أن اشعياء رأي مجد المسيح
” قال (اشعياء) هذا حين رأي مجده ” (يو41: 12)، وحزقيال رأي ” شبه
كمنظر نار من منظر حقويه ” (حز3: 8)، ودانيال رآه في صورة ” قديم الأيام
” الجالس علي عرش الدينونة (دا9: 7).

 ولكن هذه الظهورات هي رؤى وامثال، شبه، ظهورات
وقتيه وليست تجسدات حقيقية. ظهر في هيئة شكليه لرجل أو ملاك وتكلم من خلال النار
والريح والسحاب أو في رؤى. وهذه كلها ظهورات وقتيه بأشكال وقتيه وغير ثابتة. أنها
أشكال اتخذها الله للظهور بها مؤقتا ولكنها لم تكن أجسادا حقيقية، كانت تمهد
الطريق والذهن البشري للتجسد الحقيقي، الاتحاد الحقيقي، واتخاذ جسدا من لحم ودم
وعظام، باتحاد ابدي لا ينفصل ولا ينحل. اتحاد حقيقي كامل ” والكلمة صار جسدا
“.

 ظهر الله للآباء البطاركة، إبراهيم وأسحق
ويعقوب، ثم لموسى النبي في العليقة وتخاطب معهم ” فماً لفم ” وسمعوه
بآذانهم كما يسمع صوت الطبيعة وكل ما له صوت مسموع، وظهر لهم في أشكال مرئية للعين،
رأوا فيها ” شبه الرب “، أو كما قيل عن موسى النبي ” وشبه
الرب يعاين
“، ولكن دون أن يروه بلاهوته، في طبيعته اللاهوتية، النورانية
والروحية، وجوهره الذي لا يُرى. ظهر لهم في أشكال مؤقتة وهيئات جسمية مثل الرجال.

 هذه الظهورات أسماها علماء اللاهوت ”
الثيؤفانيا –
θεοφανιαTheophania(7) أو
” ثيؤفاني –
θεοφανη Theophany “، أي ظهور إلهي. وهذا التعبير اللاهوتي مأخوذ ومركب من
كلمتين يونانيتين هما ” ثيؤس
θεος Theos “، أي ” الله ” و” فانين φανειν Phanein ” أي ” يظهر “.

 ويقدم لنا العهد الجديد في المثالين التاليين
نموذجين للظهورات الإلهية في هيئات جسمية مرئية:

1 – في معمودية الرب يسوع المسيح من يوحنا
المعمدان يقول الكتاب ” ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسّمية مثل حمامة
” (لو22: 3)، ” وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
” (مت17: 3).

2 – وعند حلول الروح القدس على التلاميذ يوم
الخمسين يقول الكتاب ؛ ” صار بغتةً من المساء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ
كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كانها من نار واستقرت
على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس. وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما
أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا ” (أع1: 2-4).

 وهنا نرى أن الروح القدس الذي هو روح الله،
الله روح، غير المرئي، يظهر في العماد في ” هيئة جسمية مثل حمامة
“، وفي اليوم الخمسين يظهر في شكل وهيئة ” ألسنة منقسمة كانها من نار
“، إذا ليس هو حمامة ولكنه ظهر في هيئة وشكل ” مثل
حمامة، وليس هو نار مادية وإنما ظهر في هيئة وشكل السنة منقسمة ” كأنها
” من نار.

 والعهد الجديد يتكلم أيضا عن ظهور الله
لإبراهيم ” ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم ” (أع2: 7)، وظهور
” ملاك الرب ” لموسى النبي ” ظهر له ملاك الرب في برية جبل
سيناء في لهيب نار عُلّيقة ” (أع31: 7)، ويستخدم الفعل اليوناني ”
οπτομαι Optomai ” والذي يعنى ” يرى، يعاين، يظهر ” والذي استخدمه
الكتاب بالروح حوالي 48 مرة من 55 مرة للتعبير عن ظهورات إلهية وملائكية كظهور
الله لإبراهيم وملاك العهد لموسى النبي وظهور الملاك في بستان جثسيمانى (لو32: 22)،
وظهور موسى وإيليا مع الرب يسوع المسيح على جبل التجلي (مت3: 17)، وظهورات الرب
القائم من الموت بعد القيامة للتلاميذ والرسل (لو34: 24)،
وظهوراته عند المجيء الثاني (مت30: 24؛64: 26)، ومشاهدة ورؤية رؤى وإعلانات في رؤى
كرؤى القديس يوحنا(8)، وفي كل الأحوال يعنى رؤية
ظهورات واضحة ومرئية للعين الخارجية، ورؤى سماوية مدركة بالعين الداخلية، وكلاهما
مدرك بالعقل والحواس أيضا لأنهما مرتبطان بمعجزات ظاهرة ومحسوسة وملموسة، ونبوات
تمت بعد هذه الإعلانات سواء في أيام الأنبياء وحياة معاصريهم أو بعد ذلك بقليل أو
كثير.

 كانت الأجساد في الظهورات السابقة إعلانات، رؤى
وأمثال قال الله لهوشع النبي ” كلمت الأنبياء وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت
أمثالا ” (هو10: 12).

 

س 3: ما الفرق بين الظهورات في
القديم والتجسد؟

& ظهر الله في القديم في أشكال مختلفة وبطرق متنوعة، ظهر في هيئة
رجل أو ملاك أو تكلم من خلال النار والريح والسحاب وهذه كلها كانت مجرد ظهورات
وقتيه تنتهي بمجرد انتهاء المهمة التي ظهر لأجلها أنها كانت أشباه، أمثله، مثلها
مثل ظهور الملائكة في هيئة رجال، في هيئة مرئية، الله روح لطيف لا جسم له ولما ظهر
في القديم اتخذ مظهر الجسد، ظهر في شبه مثال للتجسد الآتي. ولكن لم يكن تجسدا
كاملا من لحم ودم وعظام كما حدث في التجسد الذي تم في ملء الزمان و” يمكن
القول أنه جسد خيالي أو جسد أثيري يتكون من الأثير ثم ينتهي بمجرد انتهاء مهمة هذا
الظهور وذلك بتحلل هذا الجسد فيتبدد ويزول “(9).

 علي آية حال فقد ظهر الله في أشكال ولم
تكن تجسدات حقيقية وهو وحده الذي يعلم كيفيتها.

 

(1) القداس
الكيرلسي.

(2) أنظر يو26: 19؛2: 20؛ 7: 21،20.

(3)
On John Hom. 5.

(4) الرسالة
إلى بوليكاربوس 3: 2.

(5) Storm 5 , 39 ; 16, 5.

(6) Sec. Oration On Easter: 9.

(7) أنظر كتابنا ” الإعلان الإلهي وكيف كلم
الله الإنسان ” ف 2.

(8) رؤ7: 1؛ 19:
11؛ 1: 12،3؛ 4: 22.

(9) كتاب
” في ليلة عيد الميلاد ” لنيافة الأنبا أغريعوريوس، ص 25.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى