علم المسيح

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل الثامن

جسد المسيح روحي أزلي أم مادي زمني؟

وما معنى عبارة
مولود غير مخلوق

 

س 1: جسد المسيح ؛ هل هو روحي أزلي
أم مادي زمني؟

ونقول في قانون الإيمان النيقاوي
” نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل
الدهور
نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق“، فما معني
عبارة ” مولود غير مخلوق”؟

& أولا: جسد المسيح وهل هو روحي أم مادي، أزلي أم زمني:

 قلنا إن المسيح كإله، بلاهوته، صورة الله غير
المنظور، بهاء مجد الله الآب ورسم جوهره، قوه الله وحكمة الله، انه الله ناطقا عقل
الله الناطق، الله معنا، الله الظاهر في الجسد، الإله القدير، الكائن على الكل
الإله المبارك، الإله الواحد، الإله العظيم، رب المجد، رب الأرباب، رب الكل
(العالمين)، وقلنا أن ” الله روح ” (يو24: 4)، و ” أما الرب فهو
الروح ” (كو7: 3)، والروح كما يقول الرب يسوع المسيح ” ليس له لحم وعظام
” (لو39: 24)، فهو بسيط وغير مركب، انه ” نور و ” ساكن في نور لا
يدني منه ” (1تي16: 6)، وغير مرئي وغير مدرك بالحواس.

 أما جسد المسيح، المسيح كإنسان، بناسوته، فهو
كما ذكر الكتاب مكون من لحم ودم وعظام ونفس إنسانية وروح إنسانية، مولود من مريم
العذراء وقد تكون في أحشائها ومن أحشائها، هيأ لنفسه منها جسدا ” فلذلك يقول
عند دخوله إلى العالم:

ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا ”
(عب5: 10)، اعد الجسد داخل أحشائها من لحمها ودمها، حل الروح القدس عليها وطهر
أحشاءها، حل اللاهوت، الكلمة في بطن العذراء وهيأ لنفسه جسدا منها، من لحمها ودمها،
فهو ثمرة بطنها المولود منها بقوة الروح القدس: ” أن الابن (اللوجوس) قد حل
في بطن القديسة العذراء، وأخذ له ناسوتا منها ثم ولدته “(1).

 انه آدم الثاني، الإنسان الكامل المولود بغير
زرع بشر، انه من نفس جبلتنا فقد أخذ من لحم ودم مريم العذراء المجبولة من نسل آدم.
انه من جنسنا.

– ” من ثم كان ينبغي انه يشبه اخوته في كل
شئ ” (عب17: 2) انه مولود من مريم العذراء فهو كإنسان ابن مريم وابن داود
وابن إبراهيم.

– ولد في ملء الزمان ” ولما جاء ملء الزمان
أرسل الله ابنه مولودا من امرأة ” (غل4: 4).

– وبالتالي فالمولود من البشر هو بشر أو كما قال
السيد نفسه: ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح ” (يو5:
3)، والمولود من المادة هو مادة، والمولود من الزمني هو زمني، فالجسد المولود من
العذراء هو من لحمها ودمها ومن نفس جوهرها وطبيعتها كإنسان، انه كإنسان من نفس
طبيعتنا وجنسنا وجوهرنا، من نفس طبيعة العذراء وجوهرها، مولود منهما فهو ثمرة
بطنها. وهو كإنسان شابهنا في كل شئ من لحم ودم وعظام وروح إنسانية عاقلة ونفس
إنسانية. انه مولود من العذراء وكإنسان بدأ في العذراء وتكون منها وفيها وكإنسان
حبلت به وكإنسان ولد منها وهو ابنها.

 قبل التجسد كان اللاهوت ولم يكن الناسوت، وقبل
العذراء مريم لم يكن للناسوت أي وجود وإنما وجد بعد وجودها لأنه منها. والعذراء
مجبولة، فهو مجبول من العذراء، والعذراء حادثة زمنية مخلوقه وهو مولود منها، حبلت
به وولدته ورضع من لبنها ودعي ابنها، ابن مريم، مع انه الموجود منذ الأزل بلاهوته
فقد كان بلاهوته منذ الأزل، فهو الله الدائم الوجود، الأبدي الأزلي، غير الزمني،
الذي بلا بداية وبلا نهاية.

 

– قال القديس أثناسيوس الرسولي موضحا جوهر
وطبيعة ناسوت المسيح، المسيح بناسوته، المسيح كإنسان في كتابه تجسد الكلمة:

 ” ولكنه اتخذ جسدا من جنسنا …، وليس ذلك
فحسب، بل من عذراء طاهرة وبلا لوم، لم تعرف رجلا، جسدا طاهرا وخاليا بالحق من زرع
البشر. لأنه بالحق هو القادر عل كل شيء، وبارئ كل شيء، أعد الجسد في العذراء كهيكل
له، وجعله جسده بالذات، وأتخذه أداه له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل(2).

– ” وهكذا إذ اخذ جسدا من أجسادنا جسدا
مماثلا لطبيعتها “(3).

– ” فقد اخذ لنفسه جسدا لا يختلف عن جسدنا
(4).

– ” وإذ رأى ” الكلمة ” أن فساد
البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة
” الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا اخذ لنفسه جسدا قابلا للموت
حتى باتحاده بالكلمة، الذي هو فوق الكل، يكون جديرا أن يموت نيابة عن الكل

(5).

– ” فأنه إذ أتى إلى عالمنا، واتخذ أقامته
في جسد واحد بين أترابه “(6).

– ” لهذا إذ ابتغي منفعة البشر كان طبيعيا
أن يأتي إلينا كإنسان أخذا لنفسه جسداً كسائر البشر، ليعلمهم الأمور الأرضية أي
بأعمال جسده “(7).

– ” وما دام الجسد قد اشترك في ذات الطبيعة
مع الجميع لأنه كان جسدا بشريا وان كان قد اخذ من عذراء فقط بمعجزه فريدة، فكان
لابد أن يموت أيضا كسائر البشر نظرائه، لأنه كان جسدا قابلا للموت. ولكنه بفضل
اتحاده ” بالكلمة ” لم يعد خاضعا للفساد بمقتضى طبيعته، بل خرج عن دائرة
الفساد بسبب الكلمة الذي أتى ليحل فيه(8).

 

– وجاء في رسالته إلى ادلفوس:

 ” لأنه إن كان الجسد في حد ذاته هو جزء من
عالم المخلوقات لكنه صار جسد الله “(9).

 و ” لذلك فانه عند اكتمال الدهور أيضا فقد
لبس هو نفسه ما هو مخلوق (أي الجسد) لكي يجدده مره أخري بنفسه كخالق، ولكي يستطيع
أن يقيمه “(10).

 

– وجاء في رسالته ابكتيتوس:

 ” العذراء هي التي ولدته. وجبرائيل حمل
إليها البشارة بيقين كامل ولم يقل مجرد ” المولود فيك ” حتى لا يظن أن
الجسد غريب عنها ومجلوب إليها من الخارج، بل قال ” المولود منك ” لكي
يعتقد الجميع أن المولود خارج منها. إذ أن الطبيعة تبين هذا بوضوح، فمن المستحيل
على عذراء أن تدر لبنا أن لم تكن قد ولدت. ومن المستحيل أن الجسد يتغذى باللبن
ويقمط أن لم يكن قد ولد بصورة طبيعية قبل ذلك “(11).

– ” وهكذا فان المولود من مريم هو بشري
بالطبيعة، بحسب الكتب الإلهية، وأن

جسده جسد حقيقي، وهو حقيقي لأنه نفس جسدنا، حيث
أن مريم هي أمنا، لأننا نحن جميعا (هي ونحن) أيضا من آدم “(12).

– ” أن الجسد الذي كان فيه الكلمة لم يكن
من نفس جوهر اللاهوت، بل هو حقا مولود من مريم، والكلمة نفسه لم يتحول إلى عظام
ولحم، بل قد صار في الجسد … أنه صار جسدا لا بتحوله إلى جسد بل باتخاذه جسدا حيا
من أجلنا، وصار إنسانا … وبما أن هذا هو معنى النص المشار إليه، فانهم يدينون
أنفسهم أولئك الذين يظنون أن الجسد المولود من (مريم) كان موجودا قبل مريم، وأن
الكلمة كان له نفس بشرية قبلها (قبل مريم) “(13).

 

– وجاء في كتاب تجسد ربنا يسوع المسيح والمنسوب
إلى القديس اثناسيوس:

” لقد تم اتحاد لاهوت كلمه الله بالناسوت
في أحشاء القديسة مريم، عندما نزل الكلمة من السماء، أي أن الناسوت لم يكن له وجود
قبل نزول الكلمة وتجسده، بل لم يكن للناسوت أي وجود حتى قبل وجود مريم والده الإله
التي ولدت من آدم “(14).

– ” أما هؤلاء الذين نفند آراءهم (الهراطقة،
المبتدعون) فهم يتوهمون أن الكلمة متغير أو يفترضون أن تدبير الآلام هو غير حقيقي
ولم يحدث، لأنهم يطلقون علي جسد المسيح أوصافا مثل ” غير مخلوق ” و
” سمائي ” و أحيانا يقولون أن الجسد ” من ذات جوهر اللاهوت “(15).

 

– وقال القديس كيرلس عمود الدين في شرح تجسد
الابن الوحيد:

 ” وإذا كان هناك أحد ما يتجرأ أو يعلم بأن
الجسد الترابي (أي مريم العذراء) هو الذي ولد الطبيعة الإلهية غير الجسدانية، أو
أن العذراء حبلت بالطبيعة التي هي فوق كل الخليقة، فان هذا هو الجنون بعينه، لان
الطبيعة الإلهية ليست من تراب الأرض حتى تولد منه (من التراب ولا تلك الخاضعة
للفساد تصبح أما لعدم الموت ولا تلك الخاضعة للموت تلد الذي هو حياه الكل، ولا غير
المادي يصبح ثمره للجسد الذي بطبيعته خاضع للميلاد وله ابتداء في الزمان، الجسد لا
يمكنه أن يلد الذي لا بداية له … هكذا الكلمة هو الله لكنه تجسد أيضا وولد حسب
الجسد وبطريقه بشرية، لذلك تدعي التي ولدته والدة الإله “(16).

– وأيضا ” لأنه عندما تجسد أخذ جسدا ارضيا
من تراب الأرض، ولذلك قيل انه مات به (الجسد) مثلنا، رغم انه بطبيعته هو الحياة
(17).

– وقال في تفسير يوحنا ؛ ” لم يكن (جسد
المسيح) خيالا أو شبحا استتر في شكل بشري، أو كما يدعي البعض جسدا روحيا من مادة
خاصة أثيرية مختلفة تماما عن الجسد الذي علق علي الصليب، وهذا ما يفهمه البعض من
تعبير ” الجسد الروحي(18)
(19)، ” لأنه كيف، وبأي وسيلة يمكن لأثار
المسامير والجروح وتناول الطعام المادي أن تنسب لروح عارية من الجسد؟ كل هذه
الأمور تناسب الجسد وأحواله وحده. وما فعله المسيح لا يعطي الفرصة لأحد لكي يعتقد
أن المسيح قام (من الأموات روحا فقط)، أو أن جسده كان خيالا أو جسدا أثيريا، وهو
ما يطلق عليه البعض اسم الجسد الروحي “(20).

– وقال في تفسير أمثال 23: 8 ؛ ” لبس جسدنا
كما لو كان من الأرض “(21).

– وقال تعليقا علي أمثال 1: 9 ؛ ” لقد صار
بيتا للحكمة، مبنيا بها، هذا الجسد العادي المولود من القديسة العذراء “(22).

 

– وهاجم القديس اعناطيوس في أواخر القرن الأول
الذين أنكروا بشرية جسد المسيح وقالوا انه كان شبه أو خيال وانه لم يتألم بالحقيقة
كبشر ولكن شبه لهم:

 ” إذا كان يسوع المسيح كما زعم الذين بلا
اله، أي الملحدين لم يتألم إلا في الظاهر … فلماذا أنا مكبل بالحديد لماذا أتوق
إلى مجابهة الوحوش؟ “(23).

 

– وقال اغريغوريوس النيزنزي في رسالة إلى
كليدونيوس ضد ابوليناريوس:

” وإذ قال أحد أن جسده جاء من السماء وليس
من هنا أو منا (نحن) علي الرغم من انه فوقنا فليكن محروما، لان الكلمات: ”
الإنسان الثاني الرب من السماء ” (1كو47: 15) وكما هو السماوي هكذا السماويون
أيضا (1كو48: 15) ” ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن
الإنسان الذي هو في السماء ” (يو13: 3) وما شابه ذلك تفهم باعتبار الاتحاد مع
السماوي حتى أن كل الأشياء خلقت بالمسيح والمسيح يحل في قلوبكم “(24).

 

– قال البابا تاودوسيوس البطريرك ال 23(528
559م):

 ” وإذا المسيح خرج من زرع داود وأخذ شبهنا
في كل شئ ما خلا الخطية فنحن اخوته بحق كما نص الرسول “(25).

 

– وقال البابا بنيامين البطريرك ال 38 (617
656م):

 ” الذي هو الله الكلمة صار جسدا بأقنومه
وحده بدون افتراق ولا اختلاط من جسد ودم والده الإله مريم المقدسة التي هي عذراء
في كل زمان. جسدا مساويا لنا متألما له نفس عاقلة ناطقة “(26).

 

– وقال يوحنا الدمشقي:

 ” تم التجسد الإلهي علي أثر التبشير …
إذ بعد إن قبلت العذراء القديسة (بشارة الملاك لها) حل الروح القدس عليها …
فطهرها ومنحها أيضا قوة استيعاب لاهوت الكلمة مع ولادته. وللحال ظللتها حكمه الله
العلي وقوته … فاستخلص لذاته من دمائها النقية الجزيلة الطهارة جسدا حيا، نفساً
ناطقة عاقلة … لم يتحد بجسم له أقنومه قائم في ذاته بل أنه لما حل في أحشاء
العذراء القديسة وهو غير محصور في أقنومه قد أقام له جسدا حيا ذا نفس ناطقة وعاقلة،
وذلك من انقي دماء الدائمة البتولية “(27).

 

– وقال البابا مقار ال 59 (923 943م):

 ” بمشيئة الآب وفعل الروح القدس ومن مريم
الطاهرة حين ناداها رئيس الملائكة جبرائيل فحبلت من ثم بالكلمة المتأنس تسعه شهور
تامة وولدت بأمر عجيب … وهكذا ولد من العذراء “(28).

 

– وقال البابا مينا الثاني ال 61 (948 966م):

 ” نزل إلينا بدون مفارقة حصن أبيه
وانفصاله عن جوهره وحل في بطن العذراء البتول: وإنما صنع له جسما بشريا من الروح
القدس ومن دمائها الطاهرة بنفس ناطقة عاقلة من نسل إبراهيم ولذلك صار الكلمة لحما
00 “(29).

 

– وقال ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين:

 ” انه تراءى وظهر لنا في آخر الزمان
في جسد خلقه من جسم العذراء مريم “(30).

 

– قال الأنبا بولس البوشي في ميمر له علي
الميلاد:

 ” المولود من الآب قبل الدهور ميلادا
أزليا بلا ابتداء لا يدرك ولا يحد له زمان ولد اليوم للخلاص “.

– وجاء في مذكرة طبيعة المسيح لقداسه البابا
شنوده الثالث:

 ” الطبيعة اللاهوتية (الله الكلمة) اتحدت
بالطبيعة الناسوتية التي أخذها الكلمة (اللوجوس) من العذراء مريم بعمل الروح القدس.
الروح القدس طهر وقدس مستودع العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئا من
الخطية الأصلية، وكون من دمائها جسدا اتحد به ابن الله الوحيد وقد تم هذا الاتحاد
منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء “(31).

 

– وجاء في كتاب أنت المسيح ابن الله الحي للأنبا
أغريغوريوس ردا علي سؤال ” هل جسد المسيح مخلوق؟ “. ” أقول نعم أن
الجسد من حيث هو جسد، مخلوق، وقد تكون بالروح القدس من مريم العذراء، من دمها
ولحمها
فلذلك يقول
عند دخوله إلى العالم: ذبيحة وتقدمه لم تشأ ولكن هيأت لي جسدا “(32).

 ” ومع ذلك بعد التجسد لا نجرؤ علي أن نفصل
بين ناسوت المسيح ولاهوته لأنهما منذ التجسد قد اتحدا بغير افتراق ولا انفصال ولا
يجوز بتاتا أن نميز أو نفصل بين اللاهوت والناسوت أو نفرق بينهما وإذا فصلنا بين
خصائص الناسوت وخصائص اللاهوت نفصل بين الخصائص فصلا ذهنيا بينهما بعد الاتحاد،
لأنه اتحاد كامل لا يقبل الانفصال أو الافتراق “(33).

& ثانيا: مولود غير مخلوق:

 

س 2: إذا ما معني عبارة ” مولود
غير مخلوق
؟ “

 عبارة ” مولود غير مخلوق
تخص اللاهوت، الطبيعة الإلهية فالمسيح من حيث هو اله، من حيث لاهوته، فهو مولود من
الآب قبل الأزمان ولادة لا مادية ولا حسية، فهو نطق الله الذاتي وعقله الناطق يصدر
من ذات الآب بالولادة بلا انفصال، بولادة روحيه فوق الجنس والحس والعقل والإدراك
في كامل التنزيه والتجريد والتوحيد، يصدر من ذاته وفي ذاته، فهو عقل الله ناطق،
الله ناطقا، كلمه الله وقوة الله وحكمة الله ورسم جوهره.

 انه مولود غير مخلوق ” من حيث هو كلمة
الله، وكلمة الله مولود من الآب “، ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك ”
(مز7: 2)، فهو كلمة الله الذي هو الله نفسه: ” في البدء كان الكلمة والكلمة
كان عند الله وكان الكلمة (هو) الله ” (يو1: 1).

 وعبارة ” مولود غير مخلوق
وردت في قانون الإيمان الذي صدر عن مجمع نيقية سنه 325م، والذي رد بها علي بدعة
اريوس الذي أنكر أزلية المسيح وولادته من ذات الآب كابن الله وكلمة الله ونطقه
الذاتي العاقل وقال انه مخلوق وموجود قبل الزمان وقبل العالم ومتميز عن الآب وهو
حسب اعتقاد اريوس كائن متوسط بين الآب والعالم، ورفض فكرة ولادة الابن والكلمة من
ذات الله واعتبر أن الولادة لا تتفق مع روحانية الله لان الولادة تقتضي المادية
كما تقتضي الشهوة الجنسية والتغير، ورفض أن يكون الابن من جوهر الآب أو أن يكون
صادرا منه وإنما قال أن الابن وجد بعملية خارجية محدودة أو بفعل صادر عن أراده
الآب.

 وهو بهذا يتجاهل أقوال وإعلانات الكتاب المقدس
عن أزلية المسيح وكونه الله ذاته، الله الكلمة، عقل الله ونطقه العاقل وكلمة الله
المولود منه ولادة روحية لا حسية ولا مادية وانه ” مساو للآب في الجوهر
” لأنه صورة الله غير المنظور المساوي الله لأنه هو الله. انه ابن الله،
كلمته المولود منه بلا بداية ولا انفصال.

– ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند
الله وكان الكلمة الله ” (يو1: 1).

– ” أنا هو الألف والياء البداية والنهاية
يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي ” (رؤ8: 1).

– ” أنا هو الألف والياء. الأول والأخر
” (رؤ11: 1).

– ” أنا الألف والياء الأول والأخر.
البداية والنهاية ” (رؤ13: 22).

– ” ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل
” (مي5: 2).

– ” الكل به وله قد خلق وهو قبل كل شئ وفيه
يقوم الكل ” (كو17: 1).

 انه البدء ومبدىء الحياة، الله، الأزلي الأبدي،
الذي بلا بداية وبلا نهاية، الدائم الوجود، غير الزمني، الذي لا يحد. ولم يكن هناك
وقت لم يكن، فهو كلمة الله
الذاتي الذي لا يحد. ولم يكن هناك وقت لم
يكن فيه، فهو كلمة الله الذاتي الأزلي ولم يكن هناك وقت كان الله فيه بدون عقله
وكلمته ” منذ وجوده أنا هناك ” (اش16: 48).

 

– قال القديس امبروسيوس:

 ” الابن هو قبل الزمن وخالقه ولا يمكن أن
يكون قد بدأ في الوجود بعد خليقته “(34).

 

– وقال القديس اثناسيوس الرسولي:

 ” كلمته أزلي وهو ابن الله الوحيد المولود
من الآب قبل كل الدهور، نور من نور اله حق من اله حق، مساو للآب في الجوهر الذي به
كان كل شئ ولم يكن قبل وجوده زمان ولا بدء له … قبل كل الدهور كلها وليس بمكون
ولا كان من بعد أن لم يكن “(35).

 

وقد جاء نص قانون الإيمان النيقاوي الذي رد فيه
علي إنكار اريوس لأزلية المسيح هكذا:

 ” نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله
الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور اله حق من اله حق، مولود غير مخلوق مساو للآب في الجوهر، الذي به كان
كل شئ الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح
القدس ومن مريم العذراء تأنس
“.

واضح هنا انه مولود من الآب قبل كل الدهور كإله،
كالله الكلمة، بلاهوته وان ولادته من الآب هي المقصود بها انه مولود غير مخلوق،
مولود من ذات جوهر الآب بلا انفصال وليس مخلوق كما قال أريوس
.

وانه مساو للآب في الجوهر أو واحد مع الآب في
الجوهر كما قال
:

              
” أنا والآب واحد ” (يو30: 10)

              
” كل ما للآب هو لي ” (يو15: 16)

              

من رآني فقد رأي الآب أنا في الآب والآب فيّ ” (يو9: 14،10).

 والملاحظ في تسلسل قانون الإيمان انه يتكلم عنه
كإله أولا، مولود من الآب قبل كل الأزمان وليس مخلوق وانه خالق كل شئ ثم يحدث عن
تجسده أو ميلاده من العذراء في ” ملء الزمان ” تجسد من الروح القدس
ومن مريم العذراء تأ
نس “.

 

فالمسيح له ميلادان، ميلاد أزلي من ذات الله
الآب وفي ذاته بلا انفصال ” الابن الوحيد الذي في حضن الآب (يو18: 1)، فهو
كلمة الله ونطقه العاقل، الله الكلمة، الله ناطقا، وميلاد زمني من مريم العذراء في
ملء الزمان الذي هو تجسده، ميلاد أزلي دائم وغير منفصل وهو الذي يعبر عنه قانون
الإيمان بقوله: ” مولود غير مخلوق “، وميلاد زمني له بداية، حادث
ويعبر عنه قانون الإيمان بالقول: ” نزل من السماء وتجسد من الروح القدس
ومن مريم العذراء تأنس
“، فهو أزلي زمني في آن واحد، أزلي كإله، باعتبار
لاهوته وزمني كإنسان باعتبار ناسوته.

 

– قال القديس كيرلس الإسكندري:

 ” أن المسيح الواحد هو عينه الابن الوحيد
المولود من الآب. وهو ذاته البكر بين أخوه كثيرين. هو عينه أزلي كإله، وهو ذاته
مولود في الزمان جسديا. هو ذاته قدوس حسبما هو اله، وهو ذاته تقدس معنا لما طهر
أنسانا “(36).

 

(1) طبيعة
المسيح لقداسة البابا شنوده الثالث ص 9.

(2) تجسد الكلمة ف3: 8.

(3) السابق ف 4:
8.

(4) السابق ف 2:
8.

(5) السابق ف 1:
9.

(6) السابق ف 4:
9.

(7) السابق ف 8:
14.

(8) السابق ف 4:
20.

(9) الرسالة
إلى أدلفوس: 3.

(10) السابق: 8.

(11) الرسالة
إلى أبيكتيتوس: 5.

(12) إلى أبيكتيتوس:
7.

(13) إلى
أبيكتيتوس: 8.

(14) الفصل
الرابع.

(15) الفصل
الثاني.

(16) الفصل
الثامن والعشرون.

(17) الفصل
السادس الثلاثون.

(18) تعبير نادى
به وظهر في الأوساط الغنوسية في القرنين الأول والثاني للميلاد، ويبدوا أنه ظل
سائدا حتى القرن الرابع الميلادي.

(19) تفسيره
ليوحنا 24: 20،25.

(20) السابق 28:
20.

(21) في سر
التجسد 29.

(22) السابق 29.

(23) رسالته إلى
ترالس: 10.

(24) To Cledonius

(25) الخريدة
النفيسة في تاريخ الكنيسة ج 1: 41.

(26) اعترافات
الآباء.

(27) المئة
مقالة في الإيمان الأرثوذكسي: 46.

(28) اعترافات
الآباء.

(29) السابق.

(30) مصباح
العقل 5: 15.

(31) اللاهوت
المقارن ج 2 ؛ وطبيعة المسيح ص 1.

(32) أنت المسيح
ابن الله الحي ج 7: 74.

(33) السابق.

(34)
The ch. F. 58.

(35) كمال
البرهان ص 59.

(36) علم
اللاهوت للقمص ميخائيل مينا ج 1: 355.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى