علم المسيح

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

أباء الكنيسة:
وتعبير “صار جسدا”

 

منذ
فجر المسيحية والكنيسة تؤكد عدم التحول أو التغير في ذات الله وأن الرب يسوع
المسيح هو الإله المتجسد، الله الظاهر في الجسد، عمانوئيل، الإله القدير، الأزلي
الأبدي، المولود من نسل إبراهيم وأسحق ويعقوب وداود بحسب الجسد مع أنه الكائن على
الكل الله المبارك إلى الأبد (رو5: 9)، وأنه ظهر في الجسد باتخاذه جسداً من لحم
ودم وعظام وروح ونفس في أحشاء القديسة مريم العذراء. وهذا ما سجله كل من القديس
لوقا والقديس متى بالتفصيل بالروح القدس في الإنجيل (مت1،2؛لو1،2)، وما أكده، أيضا،
كل من القديس مرقس والقديس يوحنا بإعلانهما بالروح القدس أمومة العذراء القديسة
مريم له، سواء في تعاملها معه وتعامله معها (يو2؛ مر31: 3؛3: 6)، أو عند الصليب
(يو25: 1927)، وهذا أيضا ما سجله بقية الرسل في رسائلهم بالروح القدس ؛ فالقديس
يوحنا يقول بالروح القدس ” والكلمة صار جسدا ” (يو14: 1)، ويقول
أيضا أنه ” جاء في الجسد ” (1يو2: 4) و” آتيا في الجسد
” (2يو7). والقديس بولس الرسول أكد مرات عديدة حقيقة تجسد الرب باتخاذه جسدا
كقوله ” ومنهم المسيح حسب الجسد ” (رو5: 9) و” الله ظهر في
الجسد ” (1تي16: 3).

 وكذلك القديس بطرس
بقوله بالروح: ” فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد ” (1بط1: 4) و
” سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيمانا
ثمينا مساويا لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح ” (2بط1: 1)، فهو،
هنا، يعلن أنه إلهنا ومخلصنا ” وعند الحديث عن آلامه يبين أنه ” تألم
بالجسد
” كما قال أيضا ” مماتا في الجسد ” (1بط18: 3).

 وقد
تعلم أباء الكنيسة، من تلاميذ رسل الرب يسوع المسيح وخلفائهم، الذين تعلموا علي
أيدي الرسل، بما استلموه من الرسل أنفسهم، سواء المدون في العهد الجديد مع شهادة
العهد القديم أو ما تسلموه شفاهه ونادوا به في كل مكان. وهذه شهادتهم وتعليمهم في
القرون الأولى للمسيحية:


قال القديس أعناطيوس الإنطاكي تلميذ القديس بطرس الرسول:

 ”
المسيح يسوع الذي من نسل داود (بالجسد) (رو3: 1) والمولود من مريم: الذي
ولد حقا وأكل حقا… ” (ترالس: 9).

 ثم
يقول أنه ” يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه روح وجسد (إي إله وإنسان)،
مولود وغير مولود. الله صار جسدا
، حياة حقيقية في الموت (أي التجسد) من
مريم ومن الله
، كان قابلاً للألم وهو الآن غير قابل للألم. يسوع المسيح ربنا
” (أفسس2: 7).

 وأيضا
” إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود بحسب الجسد ؛ ابن الإنسان وابن
الله ” (أفسس 2: 20).

 ثم
قال بأكثر وضوح: ” نؤمن هكذا أنه اخذ إنسانا كاملا من مريم العذراء
والده الإله ومن الروح القدس ” ودعاه جسده ” الجسد الذي بناه
الله من جسم ودم العذراء
” (لاهوت).

 ”
المسيح الذي هو حقيقة من نسل داود بالجسد (رو3: 1) وابن بمشيئة وقوة الله،
وولد حقا من مريم العذراء وأعتمد من يوحنا المعمدان لتتم به كل عدالة.

 


وقال القديس بوليكاريوس تلميذ القديس يوحنا الرسول:

 ”
كل من لا يعترف بأن يسوع المسيح قد جاء في الجسد هو ضد المسيح “(1).

 وهو
هنا يستخدم نفس تعبير القديس (1يو2: 4) يوحنا لأنه تلميذه.

 


وقال ارستيدس الاثيني (حوالي 140م):

 ”
يرجع إيمان المسيحيين إلى الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء بالروح القدس لخلاص
البشرية وهو ابن الله العلي وقد وولد من عذراء قديسة بدون زرع بشر وأتخذ جسدا بغير
فساد ”
(2).

 


وقال ميليتو أسقف ساردس (حوالي 171م):

 ”
تبرهن أعمال المسيح بعد معموديته أن روحه وجسده، طبيعته الإنسانية، كانا مثل
طبيعتنا … وتوضح أعماله بعد معموديته، خاصة معجزاته، للعالم بكل تأكيد اللاهوت
المحتجب في جسده
، ولكونه الله ولكونه أيضا إنساناً تاماً (كامل في ناسوته) فقد
قدم إيضاحاً إيجابياً لطبيعته (حرفيا طبيعتيه ؛ اللاهوت والناسوت): أوضح لاهوته عن
طريق معجزاته التي صنعها في السنوات الثلاث التالية لمعموديته، التي أتممها لكونه في
الجسد
، فقد حجب لاهوته بالرغم من أنه الإله الحقيقي الموجود قبل كل
الدهور
(3).

 


وقال ايريناؤس أسقف ليون وخليفة تلاميذ الرسل:

 ”
لكي يجدد الإنسان في نفسه، صار غير المرئي مرئياً وغير المدرك صار مدركاً والغير
المتألم صار خاضعاً للألم. الكلمة صار إنساناً ليجدد كل شيء في ذاته “
(4).

 ”
وعندما جاء المسيح إلى عالمنا لخلاصنا أخذ جسدا حقيقيا كأجسادنا لأن الرسول
يقول الكلمة صار جسدا “(5).

 


وقال اطيفوس تلميذ الرسل وبطريرك القسطنطينية علي الميلاد:

 ”
كلمة الله أتضع وهو غير المتضع في جوهره، أتضع بإرادته ولبس صورة العبد،
الذي بلا جسد لبس جسدا من أجلك أيها الإنسان. الكلمة الذي تجسد، غير
الملموس بجوهر لاهوته لُمس من أجلك أيها الإنسان الذي ليس له ابتداء بلاهوته لبس
جسدا. الغير متغير تجسد بالجسد المتغير ” (اعتراف الآباء).

 


وقال ترتليان (حوالي 155م):

 ”
نزل بهاء مجد الله (عب1: 3)، كما سبق أن تنبأ الأنبياء في القديم، إلى عذراء وكون
جسدا في رحمها
، وولد متحداً كإله وإنسان، تشكل الجسد بالروح القدس،
تغذى ونما إلى الرجولة، تحدث وعلم وعمل، هذا هو المسيح “(6).

 ”
دعي الكلمة ابنه (ابن الله) وظهر في أوقات مختلفة للبطاركة باسم الله، وكان
الأنبياء يسمعونه دائما، وأخيرا نزل من الروح القدس وبقوة الله الآب إلى مريم
العذراء وصار جسدا في أحشائها، وولد منها(7).

 


قال اكليمندس الإسكندري (150 215م).

 ”
بعملية التجسد اصبح الابن منظورا ومدركا في حيز الأشياء التي نراها وندركها
بحواسنا “(8).

 


قال يوستينوس الشهيد (ولد حوالي 100م):

 ”
الكلمة (
logos λόγος)، هو نفسه أتخذ شكلا وصار إنسانا ودعي يسوع المسيح “(9).

 ”
أنه كان موجودا سابقا كابن خالق كل شيء، لكونه الله، وأنه وُلد كإنسان بواسطة
العذراء … كان موجودا سابقا وخضع لمشيئة الآب ليولد كإنسان مثلنا “(10).

 ”
لقد صار المسيح إنسانا بواسطة العذراء ليزهق العصيان الذي أنبثق عن الحية بالطريقة
نفسها “(11).

 


قال اوريجانوس (185 253م):

 ”
يسوع المسيح نفسه الذي جاء (إلى العالم) … جرد نفسه (من مجده) وصار إنسانا
وتجسد برغم من أنه الله
وبينما صار إنسانا بقي كما هو إله، لقد اتخذ جسدا مثل
أجسادنا … ولد من العذراء ومن الروح القدس “(12).

 


وقال العلامة هيبوليتوس (استشهد عام 235م) في تفسير أمثال 9: 1 ” الحكمة بنت
بيتها “:

 ”
أنه يقصد أن المسيح حكمه الله الأب وقوته (1كو24: 1) بني بيته أي طبيعته الجسدية
التي اتخذها من العذراء كما قال (يوحنا) من قبل ” والكلمة صار جسدا وحل بيننا
” ثم قال في تفسير ” مزجت خمرها ” ” أن المخلص وحد لاهوته،
مثل الخمر النقي، مع الجسد في العذراء وولد منها إله وإنسان في أن واحد
(13).

 


وقال القديس اثناسيوس الرسولي (296 373م):

 ”
لكنه اخذ جسدا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل من عذراء طاهرة بلا لوم … لأنه وهو
القادر علي كل شئ وبارئ كل شئ أعد الجسد في العذراء كهيكل له، وجعله جسده بالذات،
واتخذه أداة له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل
(14).

 ”
صار” تخص الجسد، وفعلا ” صار” الجسد خاصا بالكلمة وليس خاصا بإنسان،
فالله تأنس، ولذلك قيل أنه ” صار جسدا ” حتى لا يخطئ أحد في فهم حقيقة
التجسد، ويغفل اسم الجسد ” … هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي
صار جسدا خاصا به وفيه حل “(15).

 وقال
أيضاً: ” التعبير: ” صار جسدا “، يبدو كأنه متوازي مع ما قيل عنه
” جُعل خطية، ولعنة ” (2كو21: 15)، ليس لأن الرب تحول إلى ذلك لأنه كيف
هذا؟ بل لأنه قبل هذا عندما اخذ إثمنا وتحمل ضعفنا (اش4: 53) “*.

 


وقال القديس كيرلس الإسكندري متسائلا ” كيف تفسر ” الكلمة صار جسدا؟
“:

 ثم
أجاب قائلا: ” يبشرنا بولس الحكيم جدا ووكيل أسراره وكاهن الإنجيل ”
فليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع أيضا الذي إذ كان في صورة الله صار في
شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان تواضع وأطاع حتى الموت موت الصليب ”
(في5: 27).

 ”
فالكلمة الابن الوحيد الإله الذي ولد من الله الأب الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره
(عب3: 1) هو الذي صار جسدا، دون أن يتحول إلى جسد، أي بلا امتزاج أو اختلاط
أو أي شئ آخر من هذا القبيل بل ” أخلي ذاته ” وجاء إلى فقرنا، ومن اجل
الفرح الموضوع أمامه، استهان بالعار (عب2: 12) دون أن يحتقر فقر الطبيعة الإنسانية
لأنه أراد كإله أن يخلص الإنسان الخاضع للموت والخطية وأن يعيده إلى ما كان عليه
في البدء، فجعل جسد البشر جسده ونفس إنسانية عاقلة … فولد كإنسان بطريقة
إعجازية من امرأة، لأنه لم يكن ممكنا بأمره أن نري الله علي الأرض في شكله غير
المنظور لأن الله لا يري فهو غير مرئي، وطبيعته غير محسوسة، لكن حسن في عينيه أن
يتجسد وأن يظهر في ذاته كيف يمكن أن تتمجد طبيعتنا بكل أمجاد اللاهوت، لأنه هو
نفسه إله، وإنسان ” في شبه الناس ” ولأنه أصلا إله قيل عنه أنه ”
صار في شبه الناس “. فالله الذي ظهر في شكلنا وصار في صورة العبد، هو الرب
وهذا ما نعنيه بأنه صار جسدا ولذلك نؤكد أن العذراء القديسة هي والدة الله “(16).

 وقال
في تفسيره ليوحنا 1: ” والكلمة صار جسدا “: ” الآن يعلن الإنجيلي
التجسد بشكل علني، فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، ودعي ابن الإنسان. ولهذا السبب
بالذات وليس لأجل أي شيء آخر يقول ” الكلمة صار جسدا ” ومعنى هذه
الكلمات لا يزيد عن قوله ” الكلمة صار إنسانا “، وتعبير الإنجيلي
” الكلمة صار جسدا ” ليس غريبا ولا بعيدا عن استعمال الأسفار الإلهية
لأنها غالبا ما تسمي الإنسان كله ” جسد ” كما جاء في النبي يوئيل ”
سأسكب من روحي على كل جسد ” (يوئيل28: 2) … ولم يقل الإنجيلي أن الكلمة جاء
إلى الجسد مثلما فعل في القديم عندما جاء إلى الأنبياء والقديسين، واشتركوا فيه
وإنما ما يعنيه الإنجيلي، أنه صار جسدا، أي صار إنسانا ولكنه هو الله بالطبيعة
وهو في الجسد، وجعله جسده دون أن يفقد لاهوته. فهذا هو اعتقادنا لأننا نعبده وهو
في الجسد
…وحتى لا يتصور أحد بجهل أنه تخلى عن طبيعته، وتحول إلى جسد، وتألم،
وبذلك صار قابلا لتغير (مع أن اللاهوت بعيد تماما عن التغيير أو التبديل)، أضاف
الإنجيلي الإلهي على الفور ” وسكن فينا “، لكي ندرك أنه يتكلم عن شيئين
أولا الساكن، ثم المسكن، لكي لا يفترض أحد بعد ذلك أنه تحول إلى جسد، وإنما سكن في
الجسد، واستخدم جسده، الهيكل الذي اتخذه من العذراء القديسة، أو كما يقول بولس
” لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو9: 2).

 ثم
يضيف ” ورأينا مجده، مجد الابن الوحيد للآب، مملوء نعمة وحقا “:

 بعد
أن قال أن الكلمة صار جسدا، أي صار إنسانا، وبعد أن جعله معنا في الأخوة الخاصة مع
الخلائق والعبيد، يعود ويؤكد كرامته الإلهية التي لم تتغير، ويعلنه لنا إلها كاملا،
له كل صفات وطبيعة الآب. فالطبيعة الإلهية لها ثباتها الخاص بها، ولا تقبل التغيير
إلى ما ليس منها، بل تظل بلا تبديل محتفظة بما لها من صفات. ولأجل ذلك بعد أن قال
الإنجيلي ” الكلمة صار جسدا ” عاد وأكد أنه لم يخضع لضعفات الجسد، ولم
يفقد قوته ومجده الإلهي، عندما لبس جسد الضعف الذي بلا مجد. فقال ” ورأينا
مجده “، الذي يفوق كل مجد، والذي يجعل كل من يراه يعترف أنه مجد الآب الوحيد،
ابن الله الآب، المملوء نعمة وحقا “**.

 


يقول اميروسيوس أسقف ميلان في عمله بخصوص الإيمان:

 ”
لقد كتب أن الكلمة صار جسدا، ولا أنكر أن هذا كتب، ولكن أنظر إلى النصوص المستخدمة،
إذ يتبع هذا قوله، وحل بيننا، وهذا يعني أنه سكن في جسد بشري … أنه يتكلم عن
اتخاذه جسدا “.

 ونختم
هذه الأقوال بقول القديس اثناسيوس الرسولي إلى أبيكتيتوس:

 ”
من أين خرجت هذه الأمور. وأي عالم سفلي تقيأ القول بأن الجسد الذي من مريم هو من
نفس جوهر لاهوت الكلمة؟ أو بأن الكلمة تحول إلي لحم وعظام وشعر وكل الجسد وتغير عن
طبيعته الخاصة؟ أو من كفر إلى مثل هذه الدرجة حتى يقول وهو في نفس الوقت يعتقد
أيضا بأن اللاهوت ذاته الذي من نفس جوهر الأب، قد صار ناقصا خارجا من كامل، والذي
سمر علي الخشبة لم يكن هو الجسد بل هو جوهر الحكمة الخالق ذاته؟ أو من سمع بأن
الكلمة حول نفسه جسدا قابلا للتألم، ليس من مريم بل من جوهره الذاتي فهل يمكن أن
يدعي مسيحيا من يقول هذا؟ “(19).

 لقد
صار الكلمة جسدا، صورة الله اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، اتخذ كل مالنا،
شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية ” لأنه جاء في شبه جسد الخطية ” (رو3: 8)،
” مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية ” (عب15: 4)، ” ظهر في الجسد
” الذي اتخذه من مريم العذراء وحل فيه وبه وصار جسده، جسد الله الكلمة،
الكلمة المتجسد، الإله المتجسد.

 

(1)
(رسالته إلى فيلبي 1: 7).

(2)
Apology 15.

(3)
Fragment In Anastasius of Sinai ch.
13
.

(4)
Ag. Her. B,3: 16,6.

(5)
Ag. Her. b1.436.

(6)
Apology 13.

(7)
Ag. The Her. 13,1.

(8)
Storm v. 39;2.

(9)
First Apology 5.

(10)
Dialogue With Trypho 48.

(11)
آباء الكنيسة د أسد رستم 82.

(12)
De Principiis.

(13)
Ant. N. F. vol. 3, p174.

(14)
تجسد الكلمة 3: 8.

(15)
تجسد ربنا يسوع المسيح 28.

*
الرسالة إلى أبيكتيتوس: 2.

(16)
المسيح واحد، مركز دراسة الآباء 20،21.

**
شرح إنجيل يوحنا ص 129 – 132.

(19)
الرسالة إلى أبكتيتوس: 2.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى