علم المسيح

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

هل المسيح
إله أم إنسان؟

هل
هو ابن الله أم ابن مريم؟

 

يسأل
البعض هذا السؤال الجوهري بالنسبة للمسيحية
:


هل
المسيح إله أم إنسان؟

هل هو ابن
الله أم ابن الإنسان، أبن مريم؟ فعند القراءة الأولي للعهد الجديد يجد الإنسان
نفسه أمام هذا السؤال وغيره من الأسئلة العديدة المرتبطة به:

– هل المسيح هو
الله الخالق أم أنه مجرد إنسان مخلوق خُلق مثل آدم؟


هل هو الله الكلي الوجود، الموجود في كل مكان وزمان، غير المحدود بالزمان أو
المكان، الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية، أم أنه المولود من في بيت لحم
ومن العذراء في زمن معلوم ومكان محدد؟


هل هو الله الواحد غير المولود الذي لا أب له ولا أم ولا نسب؟ أو أنه الإنسان الذي
له ولد من أم وله سلسلة أنساب تصل إلى آدم؟


هل هو الله الذي لا يجوع ولا يعطش ولا يأكل ولا يشرب ولا يتعب ولا ينام، أم أنه
الإنسان الذي جاع وعطش وأكل وشرب وتعب واستراح ونام؟


هل هو الله الحي الأبدي الذي لا يموت، أم أنه الإنسان الذي مات ودفن في القبر
ثلاثة أيام؟

 وكثيرا
من الأسئلة التي سنذكرها في حينها.

 

س 1: هل المسيح هو الله وابن الله؟

& ج: نعم المسيح هو الله(1) وابن الله فقد نسب إليه الكتاب المقدس كل
أسماء الله

وألقابه
وصفاته وأعماله، ودعي اسمه يسوع (مت21: 1؛ لو31: 1) واصله العبري ” يهوشاع
” ومعناه الله المخلص أو الله يخلص (يهوه يخلص) كما دعي ” عمانوئيل
” في سفر اشعياء وإنجيل متي وتفسيره ” الله معنا ” (اش14: 7؛ مت23:
1) كما دعاه الكتاب ” الله ” أو ” الإله “:


” عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد ” (1تي16: 3).


” لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا
مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام ” (اش6: 9).


” لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه ” (أع28: 20).


” لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ”
(1تي5: 2).


” ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية
” (1يو20: 5).


” إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح ” (تي13: 2).


” ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك ” (رو5: 9).


” أما عن الابن يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ” (عب8: 1).


” أجاب توما وقال له (ليسوع المسيح) ربي والهي ” (يو28: 20).


” يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والي الأبد ” (عب8: 13).


” الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان ”
(يه25).


” أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي
القادر علي كل شئ ” (رؤ8: 1).

 وكانت
أعماله هي أعمال الله: فهو خالق الكون ومدبره:


” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في
البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة
كانت نور الناس ” (يو1: 13).


” الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فانه فيه خلق الكل ما في
السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم
سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل ” (كو15: 116).


” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه
الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي
وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” (عب2: 13).

 وصاحب
السلطان علي الكون ” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل
الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ”
(دا13: 7،14).

 وصفاته
هي نفس صفات الله كالوجود الأزلي بلا حدود والأبدية، أي الأزلي الأبدي والوجود في
كل مكان ” وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي
هو في السماء ” (يو13: 3) والعلم بكل شئ ” الآن نعلم انك عالم بكل شيء
ولست تحتاج أن يسألك أحد لهذا نؤمن انك من الله خرجت ” (يو30: 16)، والقدرة
علي كل شئ ” أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن
والذي يأتي القادر علي كل شئ ” (رؤ8: 1).

 أما
كون المسيح ابن الله ووصف الكتاب له بذلك باعتباره هو كلمة الله ” في البدء
كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ” (يو1: 1) وعقل الله
الناطق وصورة الله غير المنظور ” المسيح الذي هو صورة الله ” (2كو4: 4)،
المساوي لله الآب ” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا
لله ” (في6: 2)، ” الذي هو صورة الله غير المنظور … فانه فيه خلق
الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم
رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل

” (كو15: 1)، وبهاء مجد الله الآب ورسم (صورة) جوهره ” الذي وهو بهاء
مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” (عب3: 1)، والموجود دائما
وأبدا في حضن الآب من الأزل وإلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية ” الله لم يره
أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبر ” (يو18: 1)، ”
لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك وأيضا أنا أكون له أبا وهو
يكون لي ابنا ” (عب5: 1)، المولود من الآب وفي ذات الآب قبل كل الدهور نور من
نور إله حق من إله حق. من الآب ” أنا اعرفه لأني منه وهو أرسلني ” (29: 7)،
وفي الآب ” أنا في الآب والآب في … صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني
لسبب الأعمال نفسها ” (يو10: 14،11)، وواحد مع الآب ” أنا والآب واحد
” (يو30: 10). وهذا ما يؤكده الكتاب أيضا في العشرات من آياته:

 فقد
وُصف ب ” ابن الله الحي ” ؛ ” أنت هو المسيح ابن الله الحي ”
(مت16: 16)، و ” المسيح ابن الله ” (مت63: 26)، وفي بدء الإنجيل للقديس
مرقس يقول ” بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله ” (مر1: 1)، والشياطين
” كانت تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله ” (لو41: 4).
وأكد الرب يسوع المسيح للجموع أنه ابن الله الذي من ذات الله الآب والذي له كل
صفات الله الآب والذي يعمل جميع أعمال الله الآب ؛ ” فمن اجل هذا كان اليهود
يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا
نفسه بالله،
فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من
نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لان
الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا اعظم من هذه لتتعجبوا انتم، لأنه
كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء، لأن الآب لا يدين
أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا
يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله،
الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي
ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من
الموت إلى
الحياة، الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله
والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن
تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا
من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا
الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيّآت إلى قيامة الدينونة

(يو18: 529).

 

س 2: هل المسيح ابن مريم أيضا؟

& نعم الرب يسوع المسيح هو ابن العذراء القديسة مريم، فقد كرر
الكتاب المقدس في آيات كثيرة أن المسيح بالجسد حبل به وولد من العذراء القديسة
مريم بالروح القدس، يقول الكتاب: ” مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى
المسيح ” (مت16: 1)، ” أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم
أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس ” (مت18: 1)،
وقال الملاك ل ” يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به
فيها هو من الروح القدس ” (مت20: 1)، وقالت الجموع عنه ” أليس هذا ابن
النجار أليست أمه تدعى مريم ” (مت55: 13)، وقال لها الملاك ” وها
آنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى
ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه
نهاية، فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا؟ فأجاب الملاك وقال لها
الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن
الله
” (لو31: 135)، كما ووصفت العذراء مريم ب أمه ” وكانت واقفات
عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ” (يو25: 19)،
وأيضا ب ” مريم أم يسوع ” (أع14: 1)، كما وصفتها اليصابات بالروح
القدس ب ” أم ربي ” ؛ ” فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي
” (لو43: 1).

 

س 3: إذا هل يولد الله أو يلد؟ هل هو مولود أو والد؟

& مبدئيا نقول أن الله فوق الحس أو الجنس، فالله بطبيعته وجوهره غير
مولود أو والد، لم يلد ولم يولد، فالله نور ” الله نور وليس فيه ظلمة البتة
” (1يو5: 1)، ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي
لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية آمين
” (1تي 16: 6)، والله روح ” الله روح ” (يو24: 4)، والله واحد،
كائن في الكون وحده، ليس معه أو مثله أو شبيه به أحد ولا إله آخر معه ولا غيره ولا
قبله أو بعده هو الأول والآخر وليس إله غيره ؛ ” الرب هو الإله ليس آخر سواه
” (تث35: 4)، ” أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري ” (اش6: 44)،
” هل يوجد اله غيري ” (اش8: 44)، أنا الرب وليس آخر لا اله سواي ”
(اش5: 45)، ” وحدك الله وليس آخر ليس اله ” (اش14: 45)، ” إليس أنا
الرب ولا اله آخر غيري اله … ليس سواي ” (21: 45)، ” لأني أنا الله
وليس آخر الإله وليس مثلي ” (اش9: 46)، ” ليس اله آخر إلا واحدا ”
(1كو4: 8)، ” أني أنا هو قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون ” (اش10: 43).
فالله أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية. ولم يوجد أصلا بالتوالد إنما هو الموجود
الذاتي، الموجود بذاته دون أن يوجده أحد لأنه هو موجد كل الخليقة، خالقها ومدبرها.

 ولكنه
موجود كامل في ذاته، فيه الحياة وفيه العقل، فهو موجود بذاته عاقل بعقله حي بروحه،
وخاصية الوجود الذاتي في الذات الإلهية هي ما يسميها الله بالآب، وخاصية العقل في
ذات الله يسميها بالكلمة: كلمة الله والذي هو أيضا صورة الله، فالله ناطق بكلمته،
ويسميها أيضا بالابن، ابن الله، وخاصية الحياة في الذات الإلهية يسميها بالروح ؛
الروح القدس أو روح الله، روح الله القدوس. الله موجود بذاته، ناطق بكلمته أو عاقل
بعقله، حي بروحه.

 إذا
فالله موجود بذاته، الآب، ناطق بكلمته، وكلمته، ابنه، موجود في ذاته، في حضنه
” الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر ” (يو18: 1)، وروحه القدوس
من ذاته وفي ذاته، منبثق عنه، خارج عنه ” الروح القدس الذي من عند الآب ينبثق
” (يو26: 15).

 كلمة
الله خارج من ذات الله وفي ذاته ومن ثم يسمى بالابن، خارج من ذاته أي مولود من
ذاته وفي ذاته ولادة أبدية مثل ولادة النور من النور، كما نقول في قانون لأيمان
” مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير
مخلوق “. وهذه الولادة فوق الحس والجنس، مولود من الآب وغير منفصل عنه، فهذه
صفات الإله الواحد الكامل في ذاته. ولكن هذا غير ولادته من العذراء، أي تجسده في
ملء الزمان.

 

س 4: إذا كان هو الله الأبدي الأزلي، الأزلي الأبدي، غير المحدود في
الزمان والمكان فكيف تكون العذراء مريم هي أمه، وهي مخلوقة ولها بداية؟ كيف يكون
للأزلي أم حادثة ومخلوقة؟

& نعم العذراء مريم هي أمه بحسب الناسوت (بالجسد) ولكنها دعيت
بوالده الإله لأنها ولدت الإله المتجسد ودعتها اليصابات بالروح القدس ” أم
ربي
” (لو43: 1). ولكن أمومة العذراء للمسيح وحبلها به وولادتها له لا
يعني أنها اسبق منه في الوجود كإله أو أنها أصله ومصدره كإله، حاشا! فهو بلاهوته
اصلها وخالقها فهو الأزلي الأبدي، الأزلي الأبدي، غير الزمني وغير المحدود بالزمن
أو المكان، كقوله ” أنا هو الألف والياء الأول والأخر ” (رؤ11: 1)،
” أنا هو الأول والأخر ” (رؤ17: 1)، ” أنا الألف والياء البداية
والنهاية الأول والأخر ” (رؤ13: 22). فهو الموجود دائما قبل العذراء بل وقبل
الخلائق، فهو خالق كل شئ ؛ ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان هند الله وكان
الكلمة الله … كل شئ به كان (كون صار) وبغيره لم يكن شئ مما كان (كون). فيه كانت
الحياة … والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا ” (يو1: 1،2،14)،
” فأنه فيه (المسيح) خلق الكل ما في السموات وما علي الأرض ما يري سواء كان
عروشا أم رياسات أم سيادات أم سلاطين الكل به وله قد خلق ” (كو15: 1،16).
فوالدته العذراء مريم مخلوقة بواسطته، فهو خالقها وأصلها.

 

س 5: إذا كيف يكون المولود سابقا لأمه؟ وإذا كان هو الله فكيف تكون له
أما مخلوقة؟ علما بأن الله لا أم له ولا أهل فهو نفسه علة الوجود والذي يستمد منه
كل شئ وجوده؟

& أن الحبل بالمسيح وميلاده من العذراء لكونه عجيبا وغريبا علي
الأفهام صار آية الكون ودعاه الوحي آية” ولكن يعطيكم السيد نفسه آيه.
ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل ” (اش14: 7). نعم أن دخول
الله في البشرية وولادته من عذراء هو آيه الآيات وتحار الأفكار والعقول في إدراكها،
ولكن فكر الله يختلف عن فكر الإنسان ” يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما ابعد
أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لان من عرف فكر الرب أو صار له مشيرا ”
(رو33،34: 11).

 والآية
هنا هي في تجسد الله الأزلي الأبدي ؛ صائراً، مولوداً، من امرأة ”
عذراء ” ودخوله في الزمان وهو غير الزمني وظهوره بحجم محدود بالأبعاد الثلاثة
(الطول والعرض والارتفاع) وهو الغير محدود علي الإطلاق. صارت العذراء مريم أمه مع
أنه خالقها، صارت أما لمن أنشأها قال لها الملاك: ” وها أنت ستحبلين
وتلدين ابنا
وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلي يدعي ” (لو31: 1)،
” القدوس المولود منك يدعي ابن الله ” (لو35: 1)، فالمولود من
العذراء هو ” يسوع يهوشاع يهوه المخلص الله المخلص ” أنه ” القدوس
” القدوس الحق ” (رؤ7: 3) ” ابن العلي ابن الله “، ”
عمانوئيل الله معنا “، ” الإله القدير الأب الأبدي ” (اش6: 9).

 نعم
فالعذراء حبلت به وولدته مع أنه هو الله الأزلي الأبدي، غير المحدود، القدوس. كما
دعي أيضا ب ابن داود ومع ذلك يؤكد المسيح أنه وأن كان ابنا لداود فهو رب داود
وخالقه إذ يقول في سفر الرؤيا ” أنا أصل وذرية داود ” (رؤ16: 22).
ونظرا لصعوبة ذلك علي الفهم البشري فقد عجز عن فهمه وإدراكه عظماء الدارسين اليهود
في عصره (أيام تجسده) فقال لهم متسائلا:


” ماذا تظنون في المسيح ابن من هو؟ قالوا ابن داود. وقال لهم فكيف يدعوه داود
بالروح ربا قائلا: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فأن
كان داود يدعوه بالروح ربا فكيف يكون ابنه
؟ ” (مت42: 2245)، وهنا عجز
الكتبة والفريسيون عن الإجابة علي سؤاله!

 أنه
رب داود وخالقه ومع ذلك دعي ابنه!

 كما
دعي أيضا ابن يهوذا لأنه جاء من سبط يهوذا ” فانه واضح أن ربنا قد طلع من سبط
يهوذا ” (عب14: 7) ومع ذلك يقول الكتاب أنه ” اصل يهوذا ” (اش1: 11)،
أنه من نسل يهوذا وفي نفس الوقت رب واصل يهوذا!

 كما
دعي أيضا ب ابن إبراهيم ومع ذلك قال هو نفسه لليهود: ” قبل أن يكون إبراهيم أنا
كائن
(أكون) ” (يو58: 8)، أي قبل أن يوجد إبراهيم أنا موجود، أنا أكون
دائما، أنا كائن من الأزل والي الأبد.

 مما سبق يتضح أن المسيح هو ابن العذراء وخالقها وابن داود
وربه وخالقه وابن يهوذا وأصله وابن إبراهيم مع أنه الكائن الأزلي الأبدي الدائم
الوجود! وهذا يعود بنا للإجابة علي السؤال مرة أخري: كيف يكون المولود سابقا لأمه؟

 فتقول
أن المولود، هنا، سابقا لأمه لأنه هو ذاته خالقها، والله ليس في حاجة إلى الولادة
من امرأة ولكن شاءت أرادته الإلهية لكي يظهر للبشرية أن يتجسد في ملء الزمان ويأخذ
صورة الإنسان وأن يظهر لنا علي الأرض كإنسان، بالجسد أو في الجسد، ويصبح غير
المرئي مرئيا وغير المنظور منظوراً وغير المدرك مدركا، كما يقول القديس يوحنا
بالروح القدس ؛ ” والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده ” (يو14:
1)، ” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي
شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة فأن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد
ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الأب وأظهرت لنا
” (1يو1: 13)،
وأيضا يقول القديس بولس بالروح ” عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد
” (1تي 16: 3)، ” الذي إذ كان في صورة الله … أخلى نفسه أخذا
صورة عبد
” (في5: 2،6)، ” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه
مولودا من امرأة
” (غل4: 4).

 

 إذا
فالمسيح هو الله وابن الله وهو أيضا ابن مريم بالجسد وابن داود وثمرة صلبه بالجسد
” فإذ كان (داود) نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم
المسيح حسب الجسد
ليجلس على كرسيه ” (أع30: 2)(2)، وابن إبراهيم ونسله الموعود (غل14: 3،16)
ورب إبراهيم (يو58: 8)، فهو الإله المتجسد الذي يجمع في أقنومه وذاته اللاهوت
والناسوت، فهو كلمة الله وحكمه الله وقوة الله، الله معنا، وهذه حقيقة لاهوته، وهو
أيضا ابن الإنسان وهذه حقيقة ناسوته، أي أنه كإله فهو الله ذاته، كلمة الله، ابن
الله، وكإنسان فهو ابن مريم.

 

س 6: هل ولدت العذراء إنساناً لأنها لا يمكن أن تلد الله؟ فالله، كما
بينا، لا يولد مثل البشر فهو فوق المادة والحس والجنس!؟

& العذراء ولدت يسوع المسيح، ويسوع المسيح هو كلمة الله وهو نفسه
ابن الإنسان، أنه الإله المتجسد، عمانوئيل، الله معنا، القدوس الحق ” القدوس
المولود منك يدعى ابن الله “
(لو35: 1)، ” ابن العلي
(لو32: 1) وقد خاطبتها اليصابات بعد أن سجد الطفل الذي في بطنها لمن كان في بطن
العذراء: ” أم ربي ” (لو43: 1)، فقد ” ارتكض الجنين
(يوحنا المعمدان) بابتهاج في ” بطن اليصابات (لو44: 1) لربه وخالقه
الحال في بطن العذراء ليتخذ لنفسه جسدا، وعلمت هذه الحقيقة اليصابات بالروح القدس
فهتفت ” من ابن لي أن تأتى أم ربي إلى “.

 ولدت
العذراء الإله المتجسد فهي لم تلد إنساناً عادياً لأن الملاك بشرها أنها ستحبل
وتلد بالقدوس ولم تلد الله بلاهوته، لأن الله لا يلد ولا يولد ولا يتوالد وهو فوق
الحس والجنس، أنه روح وواحد لا شبيه له ولا مثيل ولا اله غيره ليس له والد أو والده
فهو الدائم الوجود وعله كل وجود. كما أنها لم تلد اثنين الهاً وإنساناً، إنسان ولد
منها وإله مر بأحشائها، إنما ولدت الإله المتجسد الذي هو اله وفي نفس الوقت إنسان،
أنها لم تلد اللاهوت ولكن اللاهوت هو الذي حل في أحشائها واتخذ لنفسه منها وفيها
جسدا فولدت الناسوت المتحد باللاهوت، ولدت الناسوت متحدا باللاهوت، ولدت كلمة الله
المتجسد.

 

قال
قداسة البابا شنوده الثالث متسائلا:

 ”
من الذي ولدته العذراء؟ هل ولدت إلها فقط؟ أم ولدت إنسانا فقط؟ ولدت إلها و
إنسانا؟ أم ولدت الإله المتجسد؟ ” وأجاب قداسته:

 ”
من المستحيل أن تكون قد ولدت إلها فقط لأنها ولدت طفلا رآه الكل. ولا يمكن أن تكون
ولدت إنسانا فقط، لأن هذه هرطقة نسطور. ثم ما معني قول الكتاب الروح القدس يحل
عليك، وقوة العلي تظللك. فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله (لو35: 1)
وما معني أن ابنها يدعي عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت23: 1)؟ وما معني قول
اشعياء النبي ” لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا، وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي
اسمه عجيبا مشيرا لها قديرا أبا أبديا رئيس السلام ” (اش6: 9)؟ إذا هو لم يكن
مجرد إنسان، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلها قديرا والعذراء أيضا لم تلد
إنسانا وإلها وإلا كان لها ابنان، الواحد منها اله، والآخر منها إنسان لم يبق إلا أنها
ولدت الإله المتجسد
(3).

 أنه
ابن مريم وابن الله وكلمته، صورة الله، الله معنا. أنه اله وإنسان في أن واحد، شخص
واحد مسيح واحد طبيعة واحدة من طبيعتين بغير اختلاط أو امتزاج أو تغيير أو استحالة
أو انفصال، أو افتراق، أنه الإله المتجسد الذي هو اله بلاهوته وإنسان بناسوته. له
خصائص وصفات اللاهوت وخصائص وصفات الناسوت مع أنه واحد مسيح واحد ” يوجد
اله واحد ووسيط واحد
بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ” (1تي5: 2)
الذي قال عنه يوحنا الرسول والإنجيلي ” هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية
” (1يو20: 5).

 وهذا
الإيمان هو ما آمنت به الكنيسة منذ نشأتها الأولى:

 


قال القديس اغناطيوس الإنطاكي تلميذ بطرس الرسول:

 ”
يوجد طبيب واحد هو في الوقت نفسه روح وجسد (اله وإنسان) مولود وغير مولود. الله
صار جسدا،
حياه حقيقية في الموت من مريم ومن الله(4).

 


وقال يوستينوس الشهيد (110165م):

 ”
لقد صار المسيح إنسانا بواسطة العذراء … أما مريم العذراء فأمنت وابتهجت
عندما بشرها الملاك فالقدوس الذي يولد منها هو ابن الله
(5).

 


وقال ايريناؤس (120 202م):

 ”
إذا لم يكن المسيح اله حق وإنسان حق لأصبح خلاصنا مستحيل “
(6)

 فالمسيح
باعتباره الإله المتجسد فقد جمع في شخصه الإلهي بين الإله والإنسان، اللاهوت
والناسوت. فهو من حيث لاهوته واحد مع الأب في الجوهر ومع حيث ناسوته فهو شريك
للإنسان، لنا في اللحم والدم (عب 14: 2)(7) وكل ما يتصل بنا. أنه اله من حيث لاهوته
وإنسان من حيث ناسوته.

 


جاء في ثاؤطوكية لأحد:

 ”
الله الكلمة … صار إنسانا بغير افتراق. واحد من اثنين. لاهوت قدوس بغير
فساد مساو للآب، وناسوت طاهر بغير مباضعة مساو لنا في التدبير “(8).

 


وجاء في ثاؤطوكية الثلاثاء:

 ”
التي ولدت لنا الله الكلمة الذي صار إنسانا لأجلا خلاصنا. وبعد أن صار إنسانا
هو الإله أيضا
(9).

 


وجاء في ثاؤطوكية الخميس:

 ”
هو اتحاد الاثنين: لاهوت وناسوت. ولهذا سجد له المجوس، ساكتين وناطقين
بلاهوته “(10).

 


وجاء في قانون الإيمان الاثناسيوسي:

 ”
لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونعترف بأن ربنا يسوع المسيح ابن الله، هو اله
وإنسان معا
هو اله مولود من جوهر الأب قبل العالمين. وهو إنسان مولود
من جوهر أمه في العالم. هو اله تام، وهو إنسان تام
ذو نفس ناطقة وجسد بشري
(11).

 


وقال القديس اثناسيوس الرسولي:

 ”
الكلمة نفسه الذي ولد من مريم فقد اتخذ منها جسدا وصار إنسانا، إذ هو بطبعه وجوهره
كلمه الله، أما من جهة الجسد فهو إنسان من نسل داود ومن جسد مريم “(12).

 


وقال القديس كيرلس الاسكندري عمود الدين البطريرك والعشرين (404 435): ” وماذا
يمكن أن يكون ذاك الذي ولد عن العذراء، إلا مثلنا في مظهره وطبيعته؟ لكن
بالإضافة إلى أنه إنسان هو أيضا الإله الحقيقي
(13).

 وقال
أيضا: ” نقر، حسب إقرار الكنيسة الجامعة، أن الله كاملا اتخذ الإنسان
كاملا
(14).

 


وقال ساويرس بن المقفع أسقف الاشمونين (ولد حوالي 915م):

 ”
أن المسيح خالق ورازق، وحي، وعالم، من حيث هو اله ونقول ” أن المسيح أكل وشرب
وقتل ومات”، من حيث هو إنسان “(15).

 نعم
أنه إله من جهة لاهوته وهو أيضا إنسان من جهة ناسوته، الإله المتجسد الذي يجمع في
شخصه اللاهوت والناسوت، خصائص وصفات اللاهوت وخصائص وصفات الناسوت، هو الأزلي
الأبدي، وكإنسان دعي ابن مريم العذراء لكنه الإله المتجسد والمسيح الواحد والرب
الواحد والطبيعة الواحدة المتحدة من طبيعتين بدون افتراق أو انفصال أو تحول أو
تغيير أو امتزاج.

 

إذا كان
المسيح هو الله فكيف يحل في بطن العذراء في وسط الدم والنجاسة؟ ومن كان يدير الكون
عندما كان في بطن العذراء؟!!

 يسأل
البعض هذا السؤال بدون وعي أو حتى مجرد التوقف لحظة للتفكير فيما يقولون، فقد بينا
أن الله غير محدود لا بالمكان ولا الزمان، فهو، بلاهوته، يملأ الكل وموجود في كل
مكان كقول الرب يسوع المسيح عن نفسه ” وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل
من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء ” (يو13: 3)، كما قال عنه الكتاب
أيضاً أنه ” الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل
” (أف10: 4). فالمسيح بلاهوته لا يحده مكان ولا زمان لذا قال لتلاميذه ”
حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم ” (مت20: 18)، كما قال
لهم عند صعوده إلى السماء ” وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر ”
(مت16: 28).

 


وقال
القديس أثناسيوس الرسولي
:


صار له كل ما للبشر كأنه واحد منهم مع أنه في نفس الوقت خالقهم ويملأ بلاهوته
السماء والأرض “، وقال القديس كيرلس عامود الدين ” ونحن لا نُعلم بأن
الكلمة عندما تجسد وصار إنساناً كاملاً أصبح محدوداً. فهذا هو الغباء بعينه. إنما
نحن نُعلم بأنه يملأ السموات والأرض وما تحت الأرض “.

 ولأنه
ماليء المسوات والأرض بلاهوته فقد كان في بطن العذراء متجسداً وكان في نفس الوقت
موجوداً في كل مكان، في السماء وعلى الأرض، بلاهوته، كما أنه، بلاهوته، لا يمكن أن
يتأثر لا بالدم أو أي سوائل أو بأي مادة مهما كانت مثل شعاع الشمس الذي لا يتأثر
بمياه البحار أو أي سوائل ينعكس عليها.

 

(2) أقرأ
كتابنا ” هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر؟ “.

(2) أنظر (2صم12: 713؛مز11: 132؛رو3: 1؛2تي8: 2).

(3) طبيعة المسيح لقداسة البابا شنودة الثالث.

(4) أفسس 7

(5) Dial. With Try.
100
.

(6) Ag. Her. b. 3.

(7) تاريخ
الفكر المسيحي ج 1: 453.

(8) الأبصلمودية المقدسة.

(9) الأبصلمودبة.

(10) السابق.

(11) الفقرات 28 30.

(12) الرسالة إلى أبكتيكس: 13.

(13) تفسيره ليوحنا 7: 19.

(14) في سر التجسد لنيافة الأنبا أغريغوريوس 18.

(15) مصباح العقل، تحقيق الأب سمير خليل ص 61.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى