اللاهوت الروحي

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

يطلب ويخلص ما قد هلك

مقالات ذات صلة

44- يطلب ويُخَلِّص ما قد هلك

” لأن إبن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص
ما قد هلك ” (لو19: 10)

لماذا جاء السيد المسيح إلى عالمنا؟ يوضحه
الإنجيلي بقوله إنه جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19: 10) أي الخطاة الهالكين.

 

ولماذا جاء يخلصهم؟ السبب أنه أحبهم.. على الرغم
من خطاياهم!

 

وفي هذا يقول الكتاب: “هكذا أحب الله
العالم حتى بذل إبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة
الأبدية” (يو3: 16) إذن هو حب أدي إلى البذل، بالفداء. قصة قصة ميلاد المسيح
إذن، هي فر جوهرها، قصة حب.

 

أحب الله العالم، العالم الخاطئ، المقهور من
الشيطان، المغلوب من الخطية.. العالم الضعيف العاجز عن إنقاذ نفسه! أحب هذا العالم
الذي لا يفكر في حب نفسه حباً حقيقياً، ولا يسعى إلى خلاص نفسه.. بل العالم الذي
في خطيته انقلبت أمامه جميع المفاهيم والموازين، فأصبح عالماً ضائعاً. والعجيب أن
الله لم يأت ليدين هذا العالم الخاطئ، بل ليخلصه، فقال: “ما جئت لأدين
العالم، بل لأخلص العالم” (يو12: 47).

 

لنا يأت ليوقع علينا الدينونة، بل ليحمل عنا
الدينونة. من حبه لنا وجدنا واقعين تحت حكم الموت، فجاء يموت عنا.

 

ومن أجل حبه لنا، أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد،
وصار إنساناً.

 

كانت محبة الله لنا مملوءة اتضاعاً، في ميلاده،
وفي صلبه.

 

في هذا الاتضاع قبل أن يولد في مذود بقر، وأن
يهرب من هيرودس، كما في إتضاعه أطاع حتى الموت، موت الصليب، وقبل كل الآلام
والإهانات لكي يخلص هذا الإنسان الذي هلك. رأي الرب كم فعلت الخطية بالإنسان!
فتحنن عليه..

 

كان الإنسان الذي خلق على صورة الله ومثالة قد
انحدر في سقوطه إلى أسفل، وعرف من الخطايا ما لا يحصي عدده، حتى وصل إلى عبادة
الأصنام ” وقال ليس إله “.. ” الجميع زاغوا وفسدوا معاً”
(مز14: 1 3).. ووصلت الخطية حتى إلى المواضع المقدسة!

 

الإنسان وقف من الله موقف عداء. ورد اله على
العداء بالحب!

 

فجاء في محبته ” يطلب ويخلص ما قد هلك
“. وطبعاً الهالك هو الإنسان الذي عصي الله وتحداه، وكسر وصاياه، وبعد عن
محبته، “وحفر لنفسه آباراً مشققة لا تضبط ماء” (أر2: 13). ولكن الله كما
اختبره داود النبي ” لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.
وإنما.. كعبد المشرق عن المغرب، أبعد عن معاصينا” (مز103: 10 12). ولماذا فعل
هكذا؟ يقول المرتل: “لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن” (مز103:
14).

 

45- الله مُحِب الخطاة

حقاً إن الله نفذ (محبة الأعداء) على أعلي
مستوي..

جاء الرب في ملء الزمان، حينما اظلمت الدنيا
كلها، وصار الشيطان رئيساً لهذا العالم (يو14: 30)، وانتشرت الوثنية، وكثرت
الأديان، وتعددت الآلهة.. ولم يعد للرب سوي بقية قليلة، قال عنها أشعياء النبي:
“لولا أن رب الجنود أبقي لنا بقية صغيرة، لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة”
(إش1: 9).

 

وجاء الرب ليخلص هذا العالم الضائع: يخلصه من
الموت ومن الخطية.

 

وقف العالم أمام الله عاجزاً، يقول له:
“الشر الذي لست أريده، إياه أفعل” “ليس ساكناً في شئ صالح”
“أن أفعل الحسني لست أجد” (رو7: 17 19). أنا محكوم على بالموت والهلاك.
وليس غيرك مخلص (إش43: 11). هذا ما تقوله أفضل العناصر في العالم، فكم وكم الأشرار
الذين يشربون الخطية كالماء، ولا يفكرون في خلاصهم!!

 

إن كان الذي يريد الخير لا يستطيعه، فكم بالأولي
الذي لا يريده؟! إنه حقاً قد هلك..

 

لم يقل الكتاب عن المسيح إنه جاء يطلب من هو
معرض للهلاك، وإنما من قد هلك.. لأن ” اجرة الخطية هي موت” (رو6: 23).
الخطية في اعنف صورها ” قد دخلت إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز
الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع “.. وهكذا ” ملك الموت من
آدم” (رو5: 12 14).

 

والرب في سمائه استمع إلى أنات القلوب وهي تقول:

 

قلب قد تغير: الله لم أعد أطلبه. والخير لم أعد
أريده. والتوبة لا أبحث عنها ولا أفكر فيها، ولا أريدها. لماذا؟ لأن ” النور
جاء العالم. ولكن العالم أحب الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة”
(يو3: 19).. ومادام قد أحب الظلمة أكثر من النور، إذن فسوف لا يطلب النور ولا يسعي
إليه!

 

هذا العالم الذي يحب الظلمة، جاء الرب ليخلصه من
ظلمته.

 

” إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقلبه”
(يو1: 11). وعدم قبولهم له معناه أنهم هلكوا. والرب قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك.
رفضهم له لا يعني أنه هو يرفضهم. بل على العكس يسعي إليهم، لكي يخلصهم من هذا
الرفض. لأنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقلبون ” (1تي2: 4).

 

كذلك جاء يطلب الوثنين الذين يعبدون آلهة أخري
غيره.

 

هم لا يعرفهم ويعرف ضياعهم. وقد جاء لكي يطلبهم
” النور أضاء في الظلمة. والظلمة لم تدركه” (يو1: 5) ولكنه لم يتركهم
لعدو إدراكهم له. إنما جاء ليعطيهم علم معرفته. وقد قال للآب عن كل هؤلاء الذين
جاء ليخلصهم: “عرفهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون
أنا فيهم” (يو17: 26).

 

ما أكثر ما احتمل الرب لكي يخلص ما قد هلك.

 

لست أقصد فقط ما احتمله على الصليب. ولكني أقصد
أيضاً ما أحتمله أثناء كرازته من الذين رفضوه، حتى من خاصته! التي لم تقبله.. حقاً
ما أعجب هذا: أن يأتي شخص ليخلصك، فترفضه وترفض خلاصه. ومع ذلك يصر على أن يخلصك!

 

46- قصبة مرضوضة لا يقصف

حتى الذين أغلقوا أبوابهم في وجهه، صبر عليهم
حتى خلصهم.

كان في محبته وفي طول أناته، لا يياس من أحد..

جاء يعطي الرجاء لكل أحد، ويفتح باب الخلاص أمام
الكل.. يعطي الرجاء حتى للأيدي المسترخية وللركب المخلعة (عب12: 12).

 

” قصبه مرضوضة لا يقصف. وفتيلة مدخنة لا
يطفئ (مت12: 20).

 

إنه جاء ليخلص، يخلص الكل. وكل هؤلاء مرضي
وضعفاء وخطاة ومحتاجون إليه. وهو قد قال: ط

 

لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضي ما جئت
لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مر2: 17). من أجل هذا، لم يجد المسيح
غضاضة أن يحضر ولائم الخطاة والعشارين ويجالسهم ويأكل معهم ويجتذبهم إليه بالحب.
وقول للمرأة التي ضبطت في ذات الفعل: “وأنا ايضاً لا أدينك” (يو8: 11)
لأنه ما جاء ليدينها بل ليخلصها.

 

وهكذا قيل عنه إنه ” محب للعشارين
والخطاة” (مت11: 19).

 

بل إنه جعل أحد هؤلاء العشارين رسولاً من الإثني
عشر (متى). واجتذب زكا رئيس العشارين للتوبة وزارة ليخلصه هو وأهل بيته وقال:
“اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت إذ هو ايضاً إبن لإبراهيم” (لو19: 9).
فتذمروا عليه قائلين: “إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ ” ولكنه كان يطلب ويخلص
ما قد هلك.

 

إنه لم يحتقر الخطاة مطلقاً، فالاحتقار لا
يخلصهم!

 

إنما يخلصهم الحب والاهتمام، والرعاية
والافتقاد، والعلاج المناسب.

 

العالم كله كان في أيام المسيح ” قصبه
مرضوضة وفتيلة مدخنة.. فهل لو العالم فسد وهلك، يتخلي عنه الرب؟! كلا، بل يخلصه.
هل لو فقد العالم صوابه، يحتقره الرب؟! كلا، بل يعيده إلى صوابه.

 

حتى الذين قالوا أصلبه اصلبه، قدم لهم الخلاص
أيضاً.

 

وقال للآب وهو على الصليب: “يا أبتاه أغفر
لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون” (لو23: 34). ولماذا قال: “أغفر لهم
“؟ لأنه جاء يطلب ويخلص ما قد هلك. ولهذا فتح الفردوس أمام اللص المصلوب
معه..

 

47- فتيلة مُدَخِّنة لا يطفىء

لم يكن ينظر إلى خطايا الناس، إنما إلى محبته
هو.

لم ينظر إلى تعدياتنا، إنما إلى مغفرته التي لا
تحد. أما تعدياتنا فقد جاء لكي يمحوها بدمه. وحينما كان ينظر إليها، كان يري فيها
ضعفنا. لذلك قال له المرتل: “إن كنت للآثام راصداً يارب، يارب من يثبت؟! لأن
من عندك المغفرة” (مز130).

 

إنه درس لنا، لكي لا نيأس، بل نطلب ما قد هلك.

 

هناك حالات معقدة في الخدمة نقول عنها: “لا
فائدة فيها “، فنتركها ونهملها كأن لا حل لها، بل نقول إنها من نوع الشجرة
التي لا تصنع ثمراً، فتقطع وتلقي في النار (يو3: 10).

 

أما السيد المسيح فلم يياس مطلقاً، حتى من إقامة
الميت الذي قال عنه احباؤه إنه قد أنتن لأنه له أربعة ايام (يو11).

 

وهذا درس لنا أيضاً لكي نغفر لمن اساء إلينا.

 

لأن الرب في تخليصه ما قد هلك، إنما يغفر لمن أساء
إليه. فالذي هلك هو خاطئ أساء إلى الله. والرب جاء يطلب خلاصه..! كم ملايين والآف
ملايين عاملهم الرب هكذا، بكل صبر وكل طول أناة، حتى تابوا وخلصوا. وبلطفه اقتادهم
إلى التوبة (رو2: 4).

كثيرون سعى الرب إليهم دون أن يفكروا في خلاصهم.

وضرب مثالاً لذلك: الخروف الضال، والدرهم
المفقود (لو15).

ومثال ذلك أيضاً الذين يقف الله على بابهم
ويقرع، لكي يفتحوا له (رؤ3: 20). وكذلك الأمم الذين ما كلنا يسعون إلى الخلاص،
ولكن السيد المسيح جاء لكي يخلصهم، ويفتح لهم ابواب الإيمان. ويقول لعبده بولس:
“أذهب فإني سأرسلك بعيداً إلى الأمم” (أع22: 21).

 

لماذا ذكر القديس بولس هذه العبارة التي قالها
له الرب صرخ اليهود عليه قائلين إنه: “لا يجوز أن يعيش” (اع22: 22).
ولكن هداية الأمم كانت قصد المسيح الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك.

 

48- تغيير النفوس

جاء الرب بغير النفوس الخاطئة إلى أفضل.

غير المؤمنين جاء يمنحهم الإيمان. والخاطئون جاء
يمنحهم التوبة. والذين لا يريدون الخير جاء يمنحهم الإرادة. والذين رفضوه جاء
يصالحهم ويصلحهم.

وهكذا كان يجول يصنع خيراً (اع10: 38).

حتى المتسلط عليهم إبليس (أع10: 38) جاء ليعتقهم
ويشفيهم.

لذلك نحن نناديه في أوشية المرضي ونقول له:
“رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين. عزاء صغيري النفوس، وميناء
الذين في العاصف “. كل هؤلاء لهم رجاء في المسيح الذي جاء يطلب ويخلص ما قد
هلك.. إنه عزاء الهالكين وأملهم.

لذلك دعي اسمه ” يسوع ” أي مخلص، لأنه
جاء يخلص.

ولذلك فإن ملاك الرب المبشر ليوسف النجار، قال
له عن العذراء القديسة: “ستلد أبناً. وتدعو أسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من
خطاياهم” (مت1: 21).

 

مجرد اسمه يحمل معني رسالته التي جاء من أجلها،
أنه جاء يخلص ما قد هلك..

 

جاء يبشر المساكين، يعصب منكسري القلوب. ينادي
للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق” (إش61: 1).

 

ما إحلالها بشري جاء المسيح بها. لم يقدم للناس
إلهاً جباراً يخافونه.. بل قدم لهم اباً حنوناً يفتح لهم أحضانه، يلبسهم حلة
جديدة. ويضع خاتماً في أصابعهم، ويذبح لهم العجل المسمن (لو15).. إلهاً يخلصهم من
خطاياهم، ويمسح كل دمعة من عيونهم.

 

وهكذا ارتبط الخلاص باسم المسيح وبعمله وفدائه.

 

فإن كنت محتاجاً للخلاص، فاطلبه منه: يخلصك من
عاداتك الخاطئة، ومن طبعك الموروث، ومن خطاياك المحبوبة، ومن كل نقائصك. ينضج.
ينضح عليك بزوفاه فتخلص، ويغسلك فتبيض أكثر من الثلج..

هذه هي صورة المسيح المحببة إلى النفس، الدافعة
إلى الرجاء.

فإن أردت أن تكون لك صورة المسيح، افعل مثله.

اطلب خلاص كل أحد. افتقد سلامه اخوتك.

 

وأولاً عليك أن تحب الناس كما أحبهم المسيح،
وتبذل نفسك عنهم في حدود إمكانياتك كما بذل المسيح. وتكون مستعداً أن تضحي بنفسك
من أجلهم. بهذا تدخل فاعلية الميلاد في حياتك

 

ثم أنظر ماذا كانت وسائل المسيح لأجل خلاص
الناس.

 

استخدم طريقة التعليم، فكان يعظ ويكرز، ويشرح
للناس الطريق السليم، حتى يسلكون بالروح وليس بالحرف.

 

واستخدم أيضاً أسلوب القدوة الصالحة. وبهذا ترك
لنا مثالاً، حتى كما سلك ذاك، ينبغي أن نسلك نحن أيضاً (1يو2: 6).

 

واستخدم المسيح الحب، وطول الأناة، والصبر
الأناة، والصبر على النفوس حتى تنضج. كما استخدم الاتضاع والهدوء والوداعة.

 

وأخيراً بذل ذاته، مات عن غيره، حاملاً خطايا
الكل..

 

فافعل ما تستطيعه من كل هذا. واشترك مع المسيح،
على الأقل في أن تطلب ما قد هلك، وتقدمه للمسيح يخلصه.

 

وعلى الأقل قدم صلاة عن غيرك ليدخل الرب في
حياته ويخلصه. والصلاة بلا شك هي عمل في امكانك.

 

ولا تكن عنيفاً ولا قاسياً في معاملة الخطاة، بل
تذكر قول الرسول: “أيها الأخوة إن انسبق إنسان، فأخذ في زلة، فاصلحوا أنتم
الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة (غل6: 1).

 

كم استخدم الرب روح الوداعة في طلب الناس
وتخليصهم.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى