علم المسيح

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

الإله
المتجسد

 

نؤمن
حسب ما جاء فى الكتاب المقدس وما نقله التقليد وما أقرته المجامع المسكونية
من خلال
الكتاب المقدس- ان السيد المسيح هو كلمة الله الإله القدير، العظيم الوحيد، الحى
القيوم، السرمدى وقد شاْت إرادته الإلهية أن يتجسد ويأخذ صورة الإنسان لكى يظهر
للناس ويقوم بفداء البشرية عن طريق تقديم ذاته على الصليب، كذبيحة أثم ليرفع عن
البشرية إثمها ويقيمها من سقطتها ويجلسها معه فى السماويات:


“لانه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفيه ويدعى اسمه عجيباً
مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام(1)


و “منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح. الذى
بذل نفسه لأجلنا لكى يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً
 (2).


“هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعوا اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله
معنا”(3).


وهكذا فى الوقت الذى حددته المشورة الالهية، فى ملء الزمان، تجسد، اتخذ جسداً وصار
بشراً وحل بين الناس وعاش بينهم كواحد منهم.


“ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة”(4).


“والكلمة صار (اتخذ) جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً”(5).

 وصار
مرئياً من كل الخلائق، البشر والملائكة ما يرى وما لا يرى:


“عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة كرز به
بين الأمم أو من به فى العالم رفع فى المجد”(6).


“الذى كان من البدء الذى سمعناه، الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته
أيدينا من جهة كلمة الحياة”(7).

وقد
اتخذ جسداً مثل أجسادنا ولكن بلا خطية جاء “فى شبه جسد الخطية”(8) أو كما نقول فى القداس الإلهى “شابهنا فى كل
شىء ما خلا الخطية وحدها”. اتخذ جسدآ من لحم ودم وعظام:


“جسونى وأنظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى”(9).


“إذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو كذلك فيهما… من ثم كان ينبغى
أن يشبه إخوته فى كل شىء”(10).

وكما
كان له لحم ودم وعظام هكذا أيضاً كان له روح إنسانيه, إذ إتخذ الطبيعة البشرية
الكاملة:


“فللوقت شعر يسوع بروحه”(11).


“يا أبتاه فى يديك أستودع روحى”(12).


“فصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح”(13).

 

قال
القديس كيرلس الكبير (عمود الدين) (أنتقل سنة 444م):


“هو إله بالحقيقة ومجده أسمى من مجد العالم كله لأنه بالطبيعة إله, فهو كلمة
الله الآب الذى تجسد وصار إنساناً كاملاً. ونحن نؤمن أن الجسد الذى إتحد به, فيه
نفس عاقلة, ولهذا فالإتحاد حقيقى وكامل”(14).

 

قال
القديس ديديموس الضرير (309
396م):

“ظهر
ناسوته لنا فى كل شىء, فيما عدا الخطية.. ولم يكن جسده بغير نفس… أن نفس يسوع…
عاقله ومطابعه لنفوس الناس (أو من ذات جوهرها)و كما أن جسده الخارج من مريم كان
مطابعاً لأجساد الناس (أو من ذات جوهرها)(15).

 

قال
القديس أثناسيوس الرسولى (296
373م):

“والآن
علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات” “الكلمة صار جسداً”؟ إنه لا
يعنى أن الكلمة لم يعد الكلمة, وإنما يعنى أن الكلمة هو دائماً الكلمة حتى عندما
إتخذ لذاته جسداً وفيه قبل الآلام والموت أى فى صورة البشرية… وأعلن بذلك أن له
لحماً وعظاماً ونفساً بإعلان جسده الذى لم ينفصل عنه والذى أخذه كما هو مكتوب
“من نسل داود”(16).

وأيضاً
“وهكذا فإن المولود من مريم هو بشرى بالطبيعة، بحسب الكتب الإلهية. وأن جسده
هو جسد حقيقى، لأنه من نفس جسدنا، حيث أن مريم هى أختنا”(17).

إتخذ
الطبيعة الإنسانية الكاملة، ضم إلى لاهوته الكامل الإنسانية الكاملة، فقد كان
كاملاً فى لاهوته كما كان كاملاً فى ناسوته: “الذى فيه يحل كل ملء الاهوت
جسدياً”(18).

قبل
التجسد هو الله الكلمة وبالتجسد لم يتغير أو يتحول عن طبيعته ولكنه إتخذ جسداً، ضم
إلى ذاته الناسوت الكامل. وهذا لا يعنى أن الاهوت والناسوت كانا منفصلين ثم أتحدا،
كلا وحاشا! وإنما كان الاهوت ولم يكن الناسوت، وعندما وجد الناسوت بحلول الروح
القدس على مريم العذراء، وجد متحداً بالاهوت، فقد بدأ فى بطن العذراء ونما وهو
متحد بالاهوت ولم يوجد لحظة واحدة بعيداً عن الاهوت “القدوس المولود
منك”(19) وهذا يفسر لنا كيف سجد له
يوحنا المعمدان وهو جنين فى بطن أمه(20)،
بل وفى الشهر الأول للحبل به، فقد كان هذا الجنين ليس مجرد إنسان ولكن كان
“القدوس ” “الخالق” سجد المعمدان المخلوق للخالق المتجسد. كان
الاهوت المتحد بالناسوت، أو الناسوت الذى فيه يحل كل ملء الاهوت: “وليس أحد
صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء”(21).

طبيعة
واحدة متحدة من طبيعتين فهو الإله المتجسد، أقنوم واحد وطبيعة واحده لها خصائص
الاهوت والناسوت، طبيعة من طبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير: “أومن
أومن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا الجسد المحيى قد أخذه ابنك الوحيد ربنا
وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم،
وجعله واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير… أومن أن لاهوته لم
يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين”(22).

 


قال قداسة البابا شنوده الثالث فى حوار مع أحد الكهنة السريان:

“السيد
المسيح كامل فى لاهوته وكامل فى ناسةته، ولاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة
ولا طرفة عين، نحن من جهة الطبيعة الواحده بعد اتحاد الطبيعتين فى السيدة العذراء
وولادة السيد المسيح لا نعود نتكلم عن طبيعتين إنما نتكلم بإستمرار عن طبيعة واحده
الطبيعة الواحده التى نقصدها هى طبيعة الإله المتجسد فالطبيعة الواحده ليست هى
الاهوت ولا هى الناسوت، وإنما هى الاهوت والناسوت متحدان معاً فى طبيعة واحده
نسميها طبيعة الإله المتأنس كعبارة القديس كيرلس الكبير الذى قال “طبيعة
واحده للإله الكلمة المتجسد”(23).

 

وقال
القديس كيرلس الكبير:

“نحن
نقرن الطبيعتين بالإتحاد ونعترف بمسيح واحد وإبن واحد ورب واحد أخيراً نقول إنها طبيعة
واحده لابن الله المتجسد… ذلك الإتحاد هو إتحاد الجسد ذى النفس العاقلة مع
الكلمة”.

 

وقال
القديس أثناسيوس الرسولى:

“نعترف
بإبن الله المولود من الآب خاصياً أزلياً قبل كل الدهور وولد من العذراء بالجسد فى
آخر الزمان من أجل خلاصنا… طبيعة واحده لله الكلمة المتجسد ونسجد له مع
جسده”(25).

وقال
أيضاً: فالخاصية التى تميز الإيمان بالمسيح هى هذه:

“إن
ابن الله هو كلمة الله” فى البدء كان الكلمة” وهو حكمة الآب وقوته
“لأن المسيح هو قوة الله وحكمة الله” هذا الذى صار إنساناً فى آخر
الدهور لأجل خلاصنا.. “والكلمة صار جسداً” هذا القول يعنى أنه صار
إنساناً. والرب أيضاً يقول عن نفسه “لماذا تطلبون أن تقتلونى وأنا الإنسان
الذى قد كلمكم بالحق” وبولس الذى تعلم من اعتاد أن يقول “إله واحد ووسيط
واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح” فالإنسان الذى كون الأنسان الذى
كون الأجناس البشرية ودبرها، وأباد الموت وأبطله عنا. يجلس الآنسان عن يمين الآب
وهو كائن فى الآب كائن فيه، كما كان دائماً وسيكون إلى الأبد”(26).

وهكذا
نؤمن أن المسيح هو كلمة الله، الإله السرمدى المالىء الكل والذى فوق الزمان
والمكان، اتخذ جسداً وصار بشراً فى ملء الزمان ودعى إنساناً وابن إنسان وهو الإله
القدير وصار يحمل فى طبيعته وأقنومه صفات وخصائص الاهوت وصفات الناسوت فقد صنع
القوات وسجد له وتكلم عن نزوله من السماء وكونه واحداً مع الآب وأنه موجود فى كل
مكان وزمان وأنه الديان وأنه ابن الله والله بلاهوته، كما جاع وتعب وعطش ونام وأكل
وشرب وتألم ومات بناسوته إذ كان “مجرباً مثلنا فى كل شىء بلا خطية”(27) ومع ذلك فقد كان شخصاً واحداً أقنوماً واحداً
وطبيعة واحدة.هو نفسه الذى جاع والذى أشبع خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال
بخمسة أرغفة وسمكتين، وهو نفسه الذى نام فى السفينة والذى قام وإنتهر الرياح
والمواج فصار هدوء عظيم(28). وهكذا أيضاً كان يتكلم
عن نفسه كإنسان وكإله فى آن واحد، كان يتكلم عن نفسه كأبن الإنسان ولكن الموجود فى
كل مكان، كما كان يتكلم عن نفسه كالإله القدير ولكن الذى بذل نفسه لأجل الخطاة،
وكذلك يتكلم الكتاب عنه:

“وليس
أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء”(29).

“هكذا
أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد”(30).

“الذى
نزل هو الذى صعد أيضاً فوق جميع السموات لكى يملأ الكل”(31).

“لأنهم
لو عرفوا لما صلبوا رب المجد”(32).

“كنيسة
الله التى أقتناها (اشتراها) بدمه”(33).

 

كما
دعى ابن داود ورب داود بالجسد ورب داود بالاهوت:

“أنا
أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير”(34).

“ومنهم
(اليهود) المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الله المبارك إلى الأبد”(35).

“لأنه
يولد لنا ولد ونعطى ابناً… ويدعى اسمه… الإله القدير الآب الأبدى”(36).

كانت
له خصائص وصفات الاهوت وخصائص وصفات الناسوت وهو المسيح الواحد والرب الواحد،
طبيعة واحده وأقنوم واحد.

 

قال
القديس ديسقورس (أنتقل 457م):

“إننى
أعرف تماماً إذ نشأت فى الإيمان أن الرب من الآب بكونه الله، هو بنفسه مولود من
مريم كإنسان، أنظره يسير على الأرض كإنسان، وخالق الطغمات السمائية كإله، نراه
نائماً فى السفينة كإنسان وسائراً على البحر بكونه الله، تراه جائعاً كإنسان ويهب
الطعام كإله، عطشاناً كإنسان ويروى الظمآن بكونه الله، تجده مجرباً كإنسان ويخرج
الشياطين بكونه الله، وهكذا فى أمور كثيرة مشابهة”(37).

 

 

(1) أش 6: 9

(2) تى 13: 2

(3) إش 14: 7، متى 23: 1

(4) غلا 4: 4

(5) يو14: 1

(6) 1تى 16: 3

(7) 1يو1: 1

(8) رو 3: 8

(9) لو39: 24

(10) عب 12: 2 و 13

(11) مر 8: 2

(12) لو46: 23

(13) متى 5: 27

(14) شرح تجسد الابن الوحيد 26

(15) فى سر التجسد، الأنبا غريغوريوس 16

(16) تجسد ربنا يسوع المسيح 12

(17) الرسالة إلى ابيكتيكوس 7

(18) كو9: 2

(19) لو 35: 1

(20) لو 44: 1

(21) يو13: 3

(22) القداس الإلهى.

(23) المجلة البطريركية للسريان الأرثوذكسى العددان
47،48 ص 366 (أنطاكية)

(25) الخريدة النفيسة ج1: 472

(26) يو21: 17

(27) عب 15: 4

(28) مر 38: 4 و 39

(29) يو13: 3

(30) يو 16: 3

(31) أف 10: 4

(32) 1كو8: 2

(33) أع 20: 28

(34) رؤ 16: 22

(35) رو 5: 9

(36) إش 6: 9

(37) البابا ديسقورس الاسكندرى، لغريغوريوس بهنام،
مطران بغداد ص 152، 153

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى