علم المسيح

ابن الله وابن الإنسان



ابن الله وابن الإنسان

ابن
الله وابن الإنسان

أولاً:
المسيح ابن الله:

لقب
«ابن الله» من أهم الألقاب المنسوبة للمسيح، فهو اسم يسترعي الكثير من الانتباه،
لكرامة المسيح، وخاصة من جهة ألوهيته التي تدل على أنه مؤهل تماماً للتحدُّث عن
أمور الله. إنه ذلك الجانب من طبيعته الذي حاز إعجاب نثنائيل عِندما أدرك مندهشاً
أن المسيح يعرف ماضيه المستور، فهتف: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ
ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يوحنا 1: 49). أمّا المعارضة
لطبيعة المسيح الإلهية والاشمئزاز منها فقد اتضحت جلياً في محاولة التشكيك التي
أجراها إبليس عندما تحدّى المسيح قائلاً: «إن كنت ابن الله، فقُلْ أن تصير هذه
الحجارة خبز»

و
«إِنْ
كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ»
(أي من جناح الهيكل العلوي) (متى 4: 3، 6). هذا حدث أيضاً عند إخراج المسيح
للشياطين الذين صرخوا عند خروجهم: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ ٱلْوَقْتِ
لِتُعَذِّبَنَا؟» (متى 8: 29). أما تعليق المسيح على القصد من موت لعازر وإقامته
له من الموت فكان: «لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ
ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ» (يوحنا 11: 4). أمّا اعتراف التلميذ بطرس
عن المسيح في قوله له: «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (متى 16: 16) فكان نتيجة
لإدراكه لإلوهية المسيح. وصرّح البشير يوحنا أيضاً أن القصد من كتابة بشارته هو
«لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ
ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ
بِٱسْمِهِ» (يوحنا 20: 31).

 

يجب
أن نفهم هذين التعبيرين «الآب»
و«الابن» على أساس وجهة نظر المفهوم
العبري في الكتاب المقدس أن «الآب»
و«الابن» هما نظيران متطابقان ومتساويان
في الطبيعة والكيان. ففي كل مرة يدعو فيها الكتاب المقدس المسيح بلقب «ابن الله»
يقصد أن يشدّد على حقيقة وأصالة ألوهيته. فهو ذو الطبيعة نفسها التي للآب تماماً.
وكما أن أي ابن بشري تكون طبيعته بشرية مطابقة لطبيعة أبيه، هكذا المسيح ابن الله
هو مثل أبيه في جوهر طبيعته الإلهية، تلك الطبيعة التي لا يشارك فيها الله أي
مخلوق. الآب والابن والروح القدس هم واحد، معاً في جوهرهم وطبيعتهم وأزليتهم، وهم
متساوون في القدرة والمجد، كانوا ولا زالوا موجودين في أقانيمهم الثلاثة المميزة.
وعلينا أن نتذكر أن الاسمين «الآب»
و«الابن» ليسا بالضرورة كافيين للتعبير
الكامل والتام عن العلاقة التي تربط الأقنومين الأول والثاني في الثالوث، ومع ذلك
يبقى هذان الإسمان أفضل ما لدينا، نحن البشر، للتعبير عن هذه العلاقة. وعلاوة على
ذلك فإنهما يعبّران لنا في الكتاب المقدس ليس فقط عن وحدتهما في الجوهر والطبيعة،
بل أيضاً عن علاقة الودّ والمحبة المتبادلة بينهما. المسيح يسوع هو ابن اللّه
الازلي، أمّا نحن فنصير أولاد الله المتبنّين بالنعمة. المسيح هو ابن الله بحقه
الأزلي الخاص، أمّا نحن فنصبح أولاداً لله بالتبني عندما نُولد من جديد وتصبح
الحياة الجديدة في المسيح من نصيبنا، أي عندما يُحسَب لنا برّه وطهارته. وصيرورتنا
أولاداً للّه لا تعني أن تكون لنا الألوهية التي للمسيح، لكنها تعني أننا قد عدنا
إلى مشابهة أخلاقية وروحية أكمل من تلك التي كانت لنا عند الخليقة، والتي تشوهت
وتحطّمت ونُقضت معالمها بواسطة الخطية. اللّه هو أب الرب يسوع المسيح بمعنى خاص
يختلف كل الاختلاف عن كونه أب المؤمنين به. صحيح أن يسوع تحدّث لتلاميذه عن اللّه
كأبيهم الذي في السموات، لكنه في الوقت نفسه أظهر أن أُبوَّة اللّه لهم هي بمعنى
محدود وليس بالمعنى غير المحدود الذي يرتبط هو فيه بأُبوَّة الآب. فبنوّتهم للّه
هي نتيجة ارتباطهم بالمسيح الذي هو الابن الحقيقي الكامل لله. وأوضح المسيح ذلك في
قوله لتلاميذه: «ٱلآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأنَّكُمْ قَدْ
أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ خَرَجْتُ»
(يوحنا 16: 27). هذا ما عبّر عنه البشير يوحنا بجمال باهر حين قال: «أَعْطَاهُمْ
سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ
ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).

 

لا
يتفق الكتاب المقدس مع النظرية الشائعة بين الذين تشرّبوا الفلسفة الدهرية صاحبة
النظرية التي تدعي أن الجميع أخوة. فالكتاب المقدس يعلمنا أن البنوَّة لا تُبنى
على العلاقة التي نتجت عن كون اللّه هو خالق البشر أجمعين، إنما هي مبنية على
العلاقة الروحية التي يحصل بواسطتها البشر على الخليقة الجديدة في المسيح. وكخليقة
جديدة يصبح المؤمنون أولاداً للّه، بإيمانهم بالمسيح. إنّ الله هو أب الجميع بمعنى
أنه مصدر حياتهم، لكن أولاده الحقيقيين بين البشر هم الذين «وُلدوا من جديد»
(يوحنا 3: 3). «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ
جَدِيدَةٌ» (2 كورنثوس 5: 17). «لأنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ
ٱللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ»
(رومية 8: 14). كل المسيحيين الحقيقيين هم «أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ
بِٱلإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 26). «فَإِنْ كُنْتُمْ
لِلْمَسِيحِ فَأَنْتُمْ إِذاً نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ ٱلْمَوْعِدِ
وَرَثَةٌ» (غلاطية 3: 29).

 

فمعنى
كلمة «أب» – خارج دائرة التبني بواسطة المسيح – معنى سطحي جداً، لأنه في المسيح وحده
نقدر أن نعرف الله بالحقيقة: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلا
ٱلآبُ، وَمَنْ أَرَادَ ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ» (متى 11: 27).
أمّا أولئك الذين يبقون في خطيتهم وسقوطهم، دون تجديد روح الله فهُمْ ليسوا
أولاداً للّه، بل هم أولاد إبليس لأنهم كإبليس وشركاء له في طبيعته الشريرة، لأنهم
«بِٱلطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ ٱلْغَضَبِ» (أفسس 2: 3). قال يسوع
لمقاوميه: «أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ
أَنْ تَعْمَلُو» (يوحنا 8: 44)، «أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي،
وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ… لَوْ كَانَ
ٱللّٰهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لأنِّي خَرَجْتُ مِنْ
قِبَلِ ٱللّٰهِ وَأَتَيْتُ» (يوحنا 8: 38 – 42).

 

هذا
ما علّمه أيضاً الرسول بولس، عندما قال للساحر: «أَيُّهَا ٱلْمُمْتَلِئُ
كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ!
أَلا تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللّٰهِ ٱلْمُسْتَقِيمَةَ» (أعمال
الرسل 13: 10). وعندما نؤمن بالمسيح نصير أولاداً للّه لأنه «سَبَقَ فَعَيَّنَنَا
لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ» (أفسس 1: 5)، أما المسيح فهو
ابن الله بنوة أصيلة، إذ أنه قال عن نفسه: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا
10: 30).

و
«اَلَّذِي
رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9)
و«مَنْ لا
يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ» (يوحنا 5: 23)، وقال بولس عنه: «صُورَةُ
ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ» (كولوسي 1: 15) وإن
«ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ
لِنَفْسِهِ» (2كورنثوس 5: 19)
و«فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ
ٱللاهُوتِ جَسَدِيّ» (كولوسي 2: 9) أما كاتب الرسالة إلى العبرانيين فقد قال
إن المسيح « بَهَاءُ مَجْدِهِ (مجد اللّه)، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ» (عبرانيين 1: 3).
وإضافة إلى كل ذلك فإن عظات السيد المسيح التي نجدها في العهد الجديد تدل على
إحساسه ووعيه الدائم بألوهيته، لأنه كان يدرك النوعية الخاصة لعلاقته باللّه الآب،
وكذلك كان اللّه الآب مدركاً كل الإدراك لبنوّة المسيح يسوع الفريدة.

 

ومساواة
المسيح للّه ووحدته معه واضحان في اللقبين «الآب»
و«الابن».
ويبدو جلياً من جواب اليهود للمسيح عندما شفى مريضاً في يوم السبت، قال: «أبِي
يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» ونتيجةً لكلامه: «كَانَ
ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ
ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ،
مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا 5: 17، 18). بعد ذلك حاولوا
قتله رجماً بالحجارة قائلين له: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ
لأجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰه»
(يوحنا 10: 33). والقول إن المسيح هو ابن اللّه، كان محور تهمة رئيس الكهنة له،
التي أدّت لإصدار مجلس السبعين (السنهدريم) الحكم بالموت على المسيح (متى 26: 63 –
66)، وقتئذ قال اليهود لزعمائهم: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ
أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (يوحنا
19: 7). أما يسوع فلم ينكر تلك التهمة قط، بل على العكس اعترف علانية بصحة قولهم.
وقد علّق على موضوعنا هذا أحد كبار علماء تفسير اللاهوت قائلاً: «كما أن المسيح
أخذ عن أبيه السماوي الطبيعة الإِلهية، وهو أمر متميز ومختلف عن ناسوته. يشير
الكتاب المقدس إلى المسيح باسمين فيدعوه أحياناً ب ابن اللّه». وأحياناً أخرى ب
«ابن الإِنسان». أما عبارة «ابن الإِنسان» فلا يمكن فهمها إلا على أساس أنها نموذج
لما يجب أن يكون الإِنسان عليه. هذا هو معنى الأصل العبري ل «ابن الإِنسان» والذي
يشير على أنه ذرية آدم. كذلك فإن تسمية المسيح ب «ابن اللّه» تشير إلى ألوهيته
وكيانه الأزليين. فمن البديهي أن يشير كونه «ابن الإِنسان» إلى طبيعته البشرية.
(مبادئ الديانة المسيحية – الفصل الأول ص 442).

 

يتضح
لنا إذن أن لقب «ابن اللّه» كان المقصود منه إبراز المسيح في طبيعته الجوهرية
كإله، فالذي وُلد من نسل داود بحسب الجسد هو أيضاً نفسه الذي تبيّن بقوة أنه ابن
اللّه (رومية 1: 3، 4)، وذاك الذي، حسب الجسد، أتى من نسل عبراني قد تعيَّن أيضاً
«عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (رومية 9:
5). فعلينا أن نؤمن بالابن كما نؤمن بالآب، وأن نكرم الواحد كما نكرم الآخر.

 

ثانياً:
المسيح ابن الإِنسان:

استعمل
يسوع لقب «ابن الإِنسان» مراراً كثيرة عندما أشار إلى نفسه، ويبدو أن هذا اللقب
كان مفضّلاً لديه. وكانت عبارة «ابن الإِنسان» موضوع الكثير من الدراسات والنقاش
عبر التاريخ المسيحي. والمعنى الحقيقي والرئيسي الذي ينطوي عليه لقب «ابن
الإِنسان» هو أنّ يسوع كان إنساناً بكل معنى الكلمة. إنه الإِنسان المثالي الكامل.
نرى في المسيح البشرية في كمالها، دون تشويه ولا تلوُّث، وهو المثال الذي بواسطته
ينسَّق البشر حياتهم. وبما أن للمسيح طبيعة بشرية، فهو ذو علاقة حيوية بجميع أعضاء
الجنس البشري، وبناء على تدبير اللّه، له الحق في تمثيلهم جميعاً أمام الحضرة
الإِلهية.يستعمل المزمور الثامن هذا اللقب إشارة إلى البشر عامة فيقول: «مَنْ هُوَ
ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟»
(مزمور 8: 4). لكن العهد الجديد إذ ينسبه للمسيح فإنه يعطي الاصطلاح مدلولات تفوق
البشر، فيقول سفر دانيال، من ضمن نبوة عن عودة المسيح إلى السماء: «وَإِذَا مَعَ سُحُبِ
ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى
ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ
سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ
وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ
يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لا يَنْقَرِضُ» (دانيال 7: 13، 14). هذا فهمه اليهودي
بدون تردد على أنه إشارة لهويّة المسيّا المنتظر. وأشار المسيح إلى تلك النبوة وهو
على يقين تام من انطباقها عليه فقال: «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ
ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَ… جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ،
وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ
ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلائِكَتَهُ بِبُوقٍ
عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ
ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَ» (متى
24: 30، 31 – راجع أيضاً لوقا 21: 27).

 

تُنتقى
الأسماء عادة بقصد إبراز ملامح فريدة معينة، كإطلاق لقب على إنسان ما بقصد إظهار
خلاصة شخصيته. فيُقال مثلاً عن فلان «الطيب القلب» وعن آخر «النبيل». واللقب هنا
يدل على شخصية صاحبه ويعطي فكرة عن نوعيته. فالناس لا يُسمُّون تبعاً لملامح
مشتركة مع غيرهم، بل تبعاً لتلك الملامح الخاصة التي تميّزهم عن أندادهم من البشر.
أما المسيح فقد تميّز منذ الأزل بالألوهية التي شارك فيها الآب والروح القدس. فهو
شريك لكل من أقنومي اللاهوت الآخرَيْن في ميزات حضورهما في كل مكان، وأزليتهما،
وعلمهما بمطلق كل شيء. أما موضوع التجسُّد فكان مختصاً بالمسيح وحده. تلك هي ميزته
الخاصة في نطاق اللاهوت. من هنا لم يكن مدهشاً أن يكون «ابن الإِنسان» هو لقب
المسيح الزائر المتوقع للأرض ولساكنيها.

 

ولا
بد من ملاحظة أن المسيح استعمل لقب «ابن الإِنسان» عندما تحدث عن مجيئه (الإنجيل
بحسب متى 24: 44
و25: 31 و26: 24):
«… لأنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ».

«وَمَتَى
جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ
ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ».

«إِنَّ
ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ».

 

كما
جاء في الإنجيل بحسب لوقا 19: 10 «ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ
لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ». «فَإِنْ رَأَيْتُمُ ٱبْنَ
ٱلإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَّوَل» (يوحنا 6: 62).

 

لقد
دُعي لقب «ابن الإِنسان» على نحو ملائم جداً لقباً «انتقالي» ليس فقط لما يعنيه
ذلك من تكاتف المسيح مع الجنس البشري تكاتفاً تاماً عند تجسده، بل أيضاً لما في
ذلك من إشارة لأصله الأسمى قبل التجسُّد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى