علم المسيح

شهادة المسيح عن ألوهيته



شهادة المسيح عن ألوهيته

شهادة
المسيح عن ألوهيته

شهادة
المسيح عن ألوهيته هي أهم شهادة، فهو لم يكن يتمتع بشركة متواصلة باللّه فحسب، بل
كان لديه اقتناع واضح أنه هو نفسه ذو طبيعة إلهية. هذا ما نراه بوضوح حين أجاب عن
سؤال أمّه وهو في الثانية عشرة من عمره: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأبِي؟» (لوقا 2: 49).
كانت هذه العبارة من التعبيرات الأكثر شيوعاً في تعليم المسيح. ثم أنه نسب لنفسه
مكانة مساوية للّه الآب: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). وكذلك
يذكر الإنجيل مكانة المسيح المساوية للآب، كما جاءت في فصول بشارة يوحنا التالية:
(5: 3 و12: 44 و45، و14: 9) «لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ
كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ. مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ
ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ» و«ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِي لَيْسَ
يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي. وَٱلَّذِي يَرَانِي يَرَى
ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» و«اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ».

 

يكشف
المسيح وحده عن اللّه بحق: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي،
وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلا ٱلآبُ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ
ٱلآبَ إِلا ٱلابْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَه»
(متى 11: 27). وفي مَثَل الكرّامين الأشرار كشف المسيح عن كونه الإبن وارث الكرمة،
معطياً نفسه مركزاً أسمى من الأنبياء. فهو الذي رُفض وذُبح، كما أنه هو الذي صار
«رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ» (متى 21: 33 – 45).

 

كان
عمله مطابقاً لعمل الآب: «لأنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ
ٱلابْنُ كَذٰلِكَ» (يوحنا 5: 19). وشهادة المسيح عن بنوته وعن شركته
الخاصة مع الآب وألوهيته كانت واضحة لليهود، حتى أنهم في إحدى المناسبات التقطوا
حجارة وحاولوا رجمه بها، فقال لهم يسوع: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً
أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي – بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟»
أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ
لأجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰه» (يوحنا
10: 32 و33). وعندما اشتكوا عليه أمام بيلاطس قالوا: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ
نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ» (يوحنا 19: 7).

 

وكلمات
المسيح في الأسبوع الأخير من حياته على الأرض هي كلمات اللّه بالذات. فلو أن إنساناً
عادياً نطق بها لاعتبره البشر مجدفاً، لكن يسوع حثَّ تلاميذه على أن يكون إيمانهم
به مماثلاً لإِيمانهم باللّه: «أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ
فَآمِنُوا بِي» (يوحنا 14: 1). كما أنه أخبرهم بأنه سينطلق إلى السماء ليُعِدّ لهم
مكاناً، وأنه سيعود ليأخذهم إليه. كما أنه كشف عن كونه «الطريق والحق والحياة»
وأنه لا يمكن لإِنسان أن يأتي إلى الآب إلاّ به، وأن من يعرفه يعرف الآب، ومن يراه
يرى الآب، فهو والآب واحد. هو ذاهب إلى الآب، وكل صلوات يرفعونها باسم يسوع تكون
مقبولة. ووعد يسوع المسيح تلاميذه أنه سيرسل إليهم الروح القدس الذي هو الأقنوم
الثالث في الثالوث الأقدس. ذلك أن الروح القدس سيقوم بوظيفة المعزي والرفيق
والمعلم، فهو الذي يحفظ تعاليمهم من الخطأ، وهو الذي يعطي البصيرة الروحية لكل
المؤمنين. وكشف المسيح أنه هو المصدر الحقيقي لحياة الكنيسة، وعلى كل مؤمن أن
يتَّحد به كما أن كل غصن حي يبقى متصلاً بالشجرة. هم لم يختاروه بل هو الذي
اختارهم، حتى أنه قد أصبحت بينهم وبين «العالم» هوَّة عظيمة. ومن يبغض المسيح يبغض
أباه أيضاً. وقال يسوع إنّ كل الأشياء التي للآب هي له، وكل ما يطلبونه من الآب
باسمه يُعطَى لهم. فهو قد خرج من عند الآب وأتى إلى العالم، وكان مزمعاً أن يترك
العالم ليعود إلى الآب (يوحنا 14 – 16).

 

في
صلاته الشفاعية المدونة في الفصل السابع عشر من الإنجيل كما رواه يوحنا، طلب
المسيح من الآب أن يمجد الابن (أي يسوع نفسه) وقد بنى طلبه هذا على أساس أن تمجيد
الابن يؤول إلى تمجيد الآب أيضاً. ثم أننا في تلك الصلاة نرى أنه نسب لنفسه سلطة
منح الحياة الأبدية لجميع الذين أعطاه إياهم الآب، وهي الحياة الناتجة عن معرفة
اللّه التي ترتبط بمعرفة يسوع بالذات. لكن يسوع ذكر أيضاً أن المجد الذي طلبه من
الآب هو نفس المجد الذي للآب، وهو أيضاً ذات المجد الذي شارك فيه الآب أصلاً قبل
تكوين العالم.

 

وأثناء
محاكمته أمام مجلس السبعين شهد يسوع المسيح جهاراً وعلانية بألوهيته، وعندما تمَّت
المحاكمة حُكم عليه بالموت لأنه كان قد نطق «بتجديف»، حسب ادّعاء اليهود، إشارة
إلى شهادته عن ألوهيته. فقد سأله رئيس الكهنة: «أَأَنْتَ ٱلْمَسِيحُ
ٱبْنُ ٱلْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ
تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ
ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ
ٱلْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ قَدْ
سَمِعْتُمُ ٱلتَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَٱلْجَمِيعُ حَكَمُوا
عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ» (مرقس 14: 61 – 64).

 

وعندما
أسند المسيح إلى تلاميذه الرسالة العظمى (أي المناداة بالإنجيل في سائر أنحاء
العالم) بعد قيامته من الموت وقبل صعوده إلى السماء قال لهم: «دُفِعَ إِلَيَّ
كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، فَٱذْهَبُوا
وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ
وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا
جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ
إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 18 – 20).

 

نلاحظ
من كلمات السيد المسيح هذه أنه أورد اسمه (الإبن) واحداً في الثالوث الأقدس، الذي
هو الآب والإبن والروح القدس، إذ أوصى المؤمنين به أن يعمّدوا بذلك الاسم، ووعدهم
أنه يكون معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. وعندما نسب إلى نفسه «كل سلطان في
السماء وعلى الأرض» كان يعني أنه يملك القدرة على كل شيء. أما وجوده مع أتباعه كل
الأيام إلى انقضاء الدهر فيعني أنه موجود وحاضر في كل مكان. ثمّ أن ممارسة
المعمودية «باسم الآب والإبن والروح القدس» يضفي صيغة في غاية الأهمية بالنسبة
لهذه الفريضة المقدسة. ونلاحظ أن الصيغة هي صيغة الجمع (الآب والإبن والروح القدس)
ثلاثة أقانيم أو كيانات مميزة، لكل واحد إسم خاص به. ثم نلاحظ أنه لم يقُلْ باسم
الآب وابن وروح قدس، بحذف ال التعريف عن أقنومي الابن والروح القدس، كما لو أن
الأمر كان يخص أقنوماً واحداً له ثلاثة أسماء. فالأمر عكس ذلك. كل أقنوم في
الثالوث الأقدس سُمّي بصيغة المفرد، و«ال التعريف» كُررت لكل منهم بصورة دقيقة
وواضحة. فمع أن الأقانيم الثلاثة موحَّدون في طبيعة وصفة واحدة (أي اللّه)، إلاّ
أنهم يبقون مميزين كأقانيم الواحد عن الآخر. فما أكده يسوع المسيح في هذه الوصية
هو أن إيمان أتباعه، ومن يؤمنون بواسطة مناداتهم بالإنجيل، مبنيٌّ على اسم اللّه
المثلث الأقانيم «الآب والابن والروح القدس». ومما لا شك فيه أنه قد أشار إلى نفسه
في اسم «الابن» واضعاً نفسه على ذات المرتبة مع «الآب» و«الروح القدس» ذلك أنه
معهما الإله الواحد السرمدي الكائن بذاته.

 

شهد
يسوع المسيح أنه يتمتع بصفة الألوهية، ولا بد لكل من يدرس العهد الجديد (أي
الإنجيل) بطريقة موضوعية أن يصل إلى نفس النتيجة. وهذا هو الانطباع السائد بين
الجماهير الغفيرة من قراء العهد الجديد عبر العصور والأجيال.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى