علم المسيح

4- ابن الإنسان في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح



4- ابن الإنسان في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح

4- ابن
الإنسان في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح

 

كما ورد لقب ابن الإنسان في ثلاثة مراجع أخري خارج الكتاب المقدّس، في
التقليد اليهوديّ المعاصر للمسيح، وهي سفر أخنوخ الأوَّل الأبوكريفي وسفر عزرا
الرابع الأبوكريفي وكتابات فيلو الفيلسوف اليهوديّ الإسكندريّ المعاصر للمسيح.
ويبدو أنَّها كلَّها متأثِّرة بما جاء في سفر دانيَّال النبيّ. وعلي الرغم من
عبارة ” ابن الإنسان ” لم تردْ في التلمود اليهوديّ والذي كُتِبَ بعد
المسيح بمئات السنين إلاَّ أنَّ كثيرين من الربِّيِّين اليهود فسَّروا نبوَّة
دانيَّال النبيّ عن ابن الإنسان علي أنَّها خاصَّة بالمسيح الآتي والمنتظر:

(1) سفر أخنوخ الأول: استخدم هذا السفر المكتوب في القرنين
الأوَّل قبل الميلاد والأوَّل بعد الميلاد، في جزئه الثاني المعروف بالخطب
الأخرويَّة أو أمثال أخنوخ (في الإصحاحات من 37 إلى71)، عبارة ولقب ” ابن
الإنسان” مرَّات عديدة عن كائنٍ أسمي من الملائكة والبشر دعاه أيضًا ب ”
المختار
Elect “، وقد وصفه بصفات تتطابق كثيرًا مع صفات
” مثل ابن الإنسان ” في سفر دانيال النبي:

1 – فقال في الإصحاح 39 ” رأت عيناي مختار الحق
والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار والمختارون، الذين لا يُحْصَي عددهم
(سيمتثلون) أمامه…والأبرار والمختارون كانوا كلَّهم أمامه بمثل جمال نور
النار…بحضوره لن تهلك العدالة أبدًا، ولن يفني الحق بوجوده ” (6و7).

2 – هذا المختار سيجلس علي عرش المجد ” سيجلس مختاري على عرش المجد
وسيصنف أعمالهم ” (3: 45).

3 – كما يصفه أيضًا بالذي ينتمي إليه الحق ” فسألت حول ابن الإنسان
هذا أحد الملائكة القديسين الذي كان يرافقني ويبيِّن لي الأسرار كلها: ” من
هو؟ ومن أين جاء؟ ولماذا يرافق مبدأ الأيام؟ ” فأجابني: ” إنَّه ابن
الإنسان الذي ينتمي إليه الحقّ، وقد أقام العدل معه، وهو الذي سيكشف كنز الأسرار
كلَّه…ابن الإنسان هذا الذي رأيته سيرفع الملوك والجبابرة من مضاجعهم، والأقوياء
من مقاعدهم سيفصم روابط الأقوياء وسيسحق أسنان الخطاة. سيطرد الملوك من عروشهم ومن
ممالكهم لأنّضهم لا يُسبّحونه ولا يمجّدونه ولا يعترفون من أين جاءهم الملك. سيخفض
وجوه الأقوياء، ويملؤها بالخجل ” (1: 46-4).

4 – ثم يصفه في بقيَّة الإصحاحات كنورِ الأمم الموجود قبل الخليقة والذي
سيسجد له جميع سكان الأرض ” و(لفظ) اسمه بحضور مبدأ الأيام. قبل أنْ تُخلق
الشمس والإشارات، قبل أنْ تُصنع نجوم السماء، كان اسمه قد أُعلن بحضور ربّ
الأرواح. سيكون عصا للأبرار، وسيتكئون عليه بلا خوف من التعثّر. سيكون نور للأمم،
سيكون أمل للذين يتألمَّون في قلبهم. أمامه سينحني ويسجد جميع سكان الأرض ”
(2: 48-5). ثم يُؤكِّد بعد ذلك أنَّه أُعطي ابن الإنسان هذا كل الدينونة (27:
69-29)، وأنَّه سيجلس علي عرش اللَّه (1: 51-3؛6: 61-8)
(2).

(2) أنظر ” مخطوطات قمران – البحر الميت ” ج2: 45- 56, مع H.F.D. Sparks The Apocryphal O T p.
221-257

 

(2) سفر عزرا الرابع: والذي كُتب قبل الميلاد، ويتكلَّم عن
ابن الإنسان المهيب الرهيب الخارج من البحر، والذي يصفه بقوله ” ونظرت [ وإذا
بهذه الريح تُصعد من قلب البحر كائناً كان مثل إنسان،
ونظرت
وإذا ] بهذا الإنسان يطير مع سحب السماء وحيث كان يدير وجهه لينظر كان كل ما يقع
عليه نظره يرتجف “. ثم يصفه بالجبار المهيب الذي يبيد الأشرار بنفخة فمه ويضم
إليه الأبرار (1: 13-13)
(3).

(3) السابق ج3: 347. مع The New English Bible. 2 Esdras ch. 13.

 

(3) الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلو المعاصر للمسيح: هذا
الرجل وصف ابن الإنسان بنفس الصفات المذكورة في سفر دانيَّال النبيّ ويقترب كثيرًا
مما جاء عن ابن الإنسان علي لسان الربّ يسوع المسيح، ولكنه لا يعترف أنَّه يسوع
الناصري
(4).

 (4) Theological Dictionary of Thwe N. T.
vol. 8 p. 410-411

 

5- ابن الإنسان كما لُقب به الرب يسوع المسيح نفسه:

 لقَّب المسيح نفسه بلقب ابن الإنسان وكان اللَّقب المفضَّل
بالنسبة له ولم يُلقِّبه به أحدٌ ولم يأتِ علي لسان أحدٍ غيره في الإنجيل بأوجهه
الأربعة إلاَّ مرَّة واحدة عندما سأله اليهود ” من هو هذا ابن
الإنسان؟”.

فما هو
مغزى الاسم؟

ولماذا
استخدمه الرب يسوع المسيح؟

وما هي
الصفات التي ارتبطت به، وهل يدلّ علي لاهوته أم علي ناسوته فقط، وأنَّ المسيح
مُجَرَّد إنسان فقط كما يزعُم البعض؟

 وفي البداية نقول أنَّ هذا اللقب اُستخدم في العهد القديم سواء
في سفر العدد أو سفر المزامير أو سفر أشعياء أو سفر حزقيال ” ابن آدم ”
بمعني عام هو الإنسان في إتضاعه وضعفه كالمخلوق من تراب بالمقارنة مع الله الخالق
في رفعته وسموه، ولكن عندما جاء علي لسان المسيح ولَقّب به نفسه فقد استخدمه بمعني
آخر ومغزي آخر تمامًا، استخدمه ليُشير به إلي نفسه كالمسيح الآتي والمنتظر الذي هو
ليس مُجَرَّد إنسان من تراب، بل هو الربّ الذي من السماء، استخدمه ليُعبّر به عن
نفسه كالإله المتجسِّد، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته (إنسانيَّته). فقد كان
هو ابن الإنسان الآتي من نسل آدم ”
وَهُوَ
عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي…بْنِ آدَمَ

(
لو3/23-38)، كإنسان، ولكنَّه في نفس الوقت هو
ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ” (مت16/16
الرب الآتي من السماء، كإله. يقول القديس بولس بالروح في المقارنة بين آدم والمسيح
الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ
الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هَكَذَا
التُّرَابِيُّونَ أَيْضاً وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ
أَيْضاً.
” (1كو15/47-48). فالمسيح
إذًا هو ابن الإنسان الذي هو الربّ الآتي من السماء كقولِ الربّ يسوع المسيح نفسه
فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ
أَوَّلاً
” (يو6/62).

 هو كلمة اللَّه الذي تجسَّد وصورة اللَّه الذي إتَّخذ صورة عبد،
اللَّه الذي حلَّ بملء لاهوته في الجسد، ظهر في الجسد، يقول الكتاب:

وَالْكَلِمَةُ
صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ
” (يو1/14
وصار جسدا هنا تعني، اتخذ جسدا، صار بشرا ”
وَالْكَلِمَةُ
صَارَ بَشَراً
“.

الَّذِي
إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً
لِلَّهِ.
لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي
شِبْهِ النَّاسِ.
وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ،
وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ
” (في2/6-8).

الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت
جسدياً ”
فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ
جَسَدِيّاً
. ” (كو2/9

عَظِيمٌ
هُوَ سِرُّ التَّقْوَى:
اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،
تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ،
أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ
.” (1تي3/16).

 وخلاصة هذه الآيات أنَّ الربّ يسوع المسيح هو كلمة اللَّه وصورة
اللَّه، اللَّه بكل ملئه، بكل ملء لاهوته، لكنه أخلي نفسه بمعني حجب لاهوته في
ناسوته، افتقر وهو الغني ”
فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ
رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ،
لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ.
” (2كو8/9).
وقال عن نفسه ”
لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ
السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ
رَأْسَهُ
” (مت8/20). ظهر في الجسد، إتَّخذ
جسدًا وصورة العبد، صائرًا في شبه الناس وهيئة الإنسان، وولد من امرأة ”
وَلَكِنْ
لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ
امْرَأَةٍ
” (غل4/4)، ودُعي
إنسان وابن الإنسان ولكن لم يتغيَّرْ عن كونه كلمة اللَّه وصورة اللَّه، اللَّه
بملئه.

 كان لقب ابن الإنسان يحمل في ذاته كلّ صفات المسيح اللاهوتيَّة
والناسوتيَّة، كالإله المتجسِّد. كان يعني دائمًا، علي فمِّ الربّ يسوع المسيح،
المسيح كما هو ؛ المسيح كما تنبَّأ عنه أنبياء العهد القديم والذي هو ابن إبراهيم
والكائن قبل إبراهيم ”
قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ
أَنَا كَائِنٌ
” (يو8/58)، أي الموجود الدائم، والذي
من نسل داود ورب داود، كقوله ”
أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ
دَاوُدَ
” (رؤ22/16)، والذي من
بني إسرائيل ولكنه الإله القدير ”
لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا
وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ
عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ.

(
اش9/6)، ” وَمِنْهُمُ
الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى
الأَبَدِ.
” (رو9/5)، المولود من بيت لحم ولكنه
الأزلي الذي لا بداية له(
مي5/2)(5).

(5) أنظر الكتاب الثاني من هذه السلسلة ” هل تنبأ أنبياء العهد
القديم عن المسيح؟ “.

 

كان لقب ” ابن الإنسان ” هو اللَّقب المفضَّل لدي الربّ
يسوع والذي أطلقه علي نفسه ولم يُطلقه عليه أحد لأنَّه كان يؤكِّد دائمًا أنَّه
المسيح بكلِّ صفاته كالإله المتجسِّد، فلماذا استخدمه الربّ يسوع المسيح ولم يُعلن
صراحةً أنَّه هو المسيح؟!

 لم يُعلن الرب يسوع المسيح عن نفسه أنَّه المسيح الآتي والمنتظر
إلا في مرَّات محدودة وخاصَّة جدًا لأنَّ لقب المسيح كان يعني في مفهوم اليهود في
عصره، وما يزال، كما تصوَّروا فيما جاء عنه في نبوَّات أنبياء العهد القديم، أنَّه
صاحب المعجزات والمحارب القويّ والسياسيّ القدير الذي سيُحَرِّر اليهود من الرومان
ويرّد المُلك لإسرائيل (
أع1/6)، ويسود
علي العالم بالقوَّة ويجعل من أورشليم عاصمة العالم العسكريَّة والسياسيَّة
والدينيَّة، ويجعل اليهود سادة العالم عسكرياً وسياسياً ودينياً!!
(6)

(6) أنظر كتابنا ” المجئ الثاني وهل سينتهي العالم سنة 2001 أو
2012 ” وكتابنا القدم من سلسلة أسئلة في الكتاب المقدس: هل سيهدم اليهود
المسجد الأقصي ويبنون الهيكل الثالث؟”

 

بل وفي معظم الأوقات التي تصوَّر فيها اليهود أنَّه هو المسيح الآتي
والمنتظر كانوا يلقّبونه فيها بملك إسرائيل وكانوا يحاولون تتويجه ملكًا! وعلي
سبيل المثال فعندما كشف لنثنائيل بعض الأسرار، يقول الكتاب أجاب نثنائيل وقال
له”

يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ
إِسْرَائِيلَ!
” (يو1/49)، وعندما أشبع الجموع
بخمسة خبزات وسمكتين يقول الكتاب “
فَلَمَّا
رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «
إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى
الْعَالَمِ!
» وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ
أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً
انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ.
“(يو6/14- 15)، وعند دخوله
الإنتصاري لأورشليم يقول الكتاب أيضًا: ”
فَأَخَذُوا
سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «
أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ مَلِكُ
إِسْرَائِيلَ!
»
” (
يو12/13).
ولما سأله رئيس الكهنة إنْ كان هو المسيح ابن الله الحي قال له ”
أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ
تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى
سَحَابِ السَّمَاءِ»
” (مت26/64)، فمزَّق رئيس الكهنة
جبَّته وإتَّهمه بالتجديف!! وكانت تهمته التي قدموه بها إلى بيلاطس هي أنه قال أنه
ابن الله وأنه ملك اليهود ”
ثُمَّ دَخَلَ
بِيلاَطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «
أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»
أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ
عَنِّي؟» أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ
وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ:
«
مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ
خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ
لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا».
” (يو18/33-36).

 كان المسيح ملكًا ولكن ليس كما فهم اليهود ومازالوا يتوقَّعون
في مسيحيهم الذي ما زالوا ينتظرونه! وإنما هو ملك الملكوت ”
مَلِكُ
الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ
” (رؤ19/16).

 إذًا فماذا يعني لقب ابن الإنسان كما استخدمه الرب يسوع
المسيح؟
يعني اللَّقب كما بينّا أعلاه أنَّه هو المسيح، المسيَّا، الآتي
والمنتظر كالإله المتجسِّد، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته:

 

(1) ابن الإنسان الذي هو رب الملائكة ؛ يقول
الكتاب لما رأى الرب يسوع المسيح ”
نَثَنَائِيلَ
مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ
فِيهِ». قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ:
«قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ». فَقَالَ
نَثَنَائِيلُ: «
يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ
مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!
» أَجَابَ يَسُوعُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي
قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ
هَذَا!» وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:
مِنَ
الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ
وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ
».” (يو1/47-51).

 

(2) ابن الإنسان الكلي الوجود، الموجود في كل مكان: في
حديثه مع نيقوديموس أحد قادة اليهود قال الربّ يسوع المسيح ”
وَلَيْسَ
أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ
الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.
” (يو3/13).
وهنا يُؤكِّد أنَّه الموجود في كلِّ مكان في السماء وعلي الأرض في آنٍ واحدٍ، فهو
ابن الإنسان النازل من السماء والصاعد إلي السماء والموجود في نفس الوقت في
السماء. وقد أكَّد ذلك أيضًا في قوله لليهود ”
فَإِنْ
رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً!

(
يو6/62).

 

(3) ابن الإنسان هو ابن الله الذي له كل ما لله الآب من صفات وألقاب
ويعمل جميع أعمال الله
: يقول الكتاب ” فَأَجَابَهُمْ
يَسُوعُ: «
أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».
فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ
لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ
بَلْ قَالَ
أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ
.
فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ
الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ
يَعْمَلُ.
لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ.
لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ
أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ
الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ
يَشَاءُ. لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَداً بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ
لِلاِبْنِ
لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ…اَلْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ
الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا
أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ
تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ
وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ
يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.
” (يو5/17-27).

 

(4) ابن الإنسان النازل من السماء ليعطي الحياة الأبدية:
قال الربّ يسوع المسيح ”
اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ
الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي
يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ»
لأَنَّ
خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ»
.
فَقَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هَذَا الْخُبْزَ».
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ
فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَداً. وَلَكِنِّي قُلْتُ
لَكُمْ إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ…
لأَنِّي
قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ
الَّذِي أَرْسَلَنِي.
“(يو6/27-38).

 

(5) ابن الإنسان هو ابن الله الحي: يقول
الكتاب ”
وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ
سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ
إِنِّي
أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟
» فَقَالُوا: «قَوْمٌ يُوحَنَّا
الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ
الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟»
فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ».
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْماً
وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

” (
مت16/13-18).

 

(6) ابن الإنسان هو رب الملائكة والبشر الذي سيأتي على السحاب عند
نهاية العالم ليدين المسكونة
بالعدل ويجازي كل واحد بحسب أعماله
فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ
مَلاَئِكَتِهِ وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ

(
مت16/27).

اَلْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ
حَتَّى
يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ
».
وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ
وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ.
وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ
ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ…وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «
هَذَا
هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا
».
وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدّاً.
فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا». فَرَفَعُوا
أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ. وَفِيمَا هُمْ
نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: «
لاَ
تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ
الأَمْوَاتِ
». ” (مت
16/28؛17/1-9
).

مَتَى
جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً
عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاِثْنَيْ
عَشَرَ
” (مت19/28).

يُرْسِلُ
ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ
الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ
وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ
النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. حِينَئِذٍ يُضِيءُ
الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ.
” (مت13/41-43).

لأَنَّهُ
كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ
هَكَذَا يَكُونُ أَيْضاً
مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ…وَحِينَئِذٍ
تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ
جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ
وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ
آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ
مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ
الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ
مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.

(
مت24/27-31).

وَمَتَى
جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ
مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ.
وَيَجْتَمِعُ
أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ
فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ
بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ فَيُقِيمُ
الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ
لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ
الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ.
«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ
عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ
الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ…فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ
أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».
” (مت25/31-46).

 

(7) ابن الإنسان غافر الخطايا:

وَجَاءُوا
إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ
000فَلَمَّا
رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ
خَطَايَاكَ»
. وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ
فِي قُلُوبِهِمْ: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ
يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟» فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ
يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ
لَهُمْ: …أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ
خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلَكِنْ
لِكَيْ
تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ
الْخَطَايَا
» – قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ
وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ
قُدَّامَ الْكُلِّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللَّهَ قَائِلِينَ: «مَا
رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَطُّ!».
” (مر2/3-13).
وهنا يؤكِّد أنَّه يملك السلطان لغفران الخطايا، في حين أنَّه لا يغفر الخطايا
إلاَّ اللَّه وحده مؤكدًا حقيقة لاهوته.

 

(8) ابن الإنسان هو الفادي الذي جاء ليبحث عن الضالين وليبذل نفسه،
كالإله المتجسد
، عن خطايا العالم، لذا يقول عنه الكتاب أنَّه رب المجد الذي صلب
لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ.
(
1كو2/8)، واللَّه الذي فدي الكنيسة بدمه ” كَنِيسَةَ
اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
” (أع20/28
والذي إنتصر علي الموت انتصارًا نهائيًا بقيامته من الأموات. وكانت آلامه وصلبه
وموته حتميَّة ”
لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ
جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ.
” (مت18/11).”
أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ
نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ
” (مت20/28):

وَابْتَدَأَ
يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً
وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ
وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ.
” (مر8/31).

وَكَمَا
رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ
ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ
لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
” (يو3/14- 15).

 

(9) أخيراً ابن الإنسان هو رب العالمين: قال الرب
يسوع المسيح لتلاميذه قبل صعوده مباشرة ”
دُفِعَ
إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ

فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ
وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا
أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ.
وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ
الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ
” (مت28/18-20
ويُضيف الإنجيل للقدِّيس مرقس ”
ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ
بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ
.
وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ
يَعْمَلُ
مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ
.
(
مر16/19-20).

 

وهكذا وبعد آلامه وقيامته كابن الإنسان، كالإله المتجسِّد، لم يعدْ
يستخدم ذلك اللَّقب الذي كان مُحببًا إليه وإنما استخدم لقبه الأساسي ” الربّ
” والذي استخدم في سفر أعمال الرسل وحده 110 مرة عن المسيح الممجد القائم من
الأموات والجالس عن يمين العظمة في السموات كربّ الخليقة ومدبِّرها، كما قال عنه
القديس بطرس ”
هَذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ
(
أع10/36).

 

والخلاصة هي أنَّ لقب ابن الإنسان استخدمه الربّ يسوع المسيح وأطلقه
علي نفسه ولم يُطلقه عليه أحد ليُعبِّر به عن كونه الإله المتجسِّد، المسيح الآتي
والمسيَّا المنتظر، ابن داود وربُّه وابن إبراهيم وهو الكائن الدائم الأبديّ
الأزليّ الذي لا بداية له ولا نهاية، المولود من اليهود بحسب الجسد وهو الكائن علي
الكلِّ الإله القدير والمبارك إلي الأبد. إنَّه لا يُبرهن أنَّ المسيح مُجَرَّد
إنسان فقط وإنما يُبرهن لاهوته كما يُبرهن حقيقة ناسوته، تجسُّده وكونه الإله
المتجسِّد الذي فيه يحلّ كلّ مِلء اللاهوت جسديًا، اللَّه بكلِّ مِلْئِه، فهو
اللَّه الظاهر في الجسد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى