علم الله

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل
التاسع

المعمودية

“واعترف
بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا”

 

مقالات ذات صلة

قوة المسيح هذه التى خلصت وأحبت يجب أن تُنقل بالروح القدس.

حياة الكنيسة هى، إذًا، حياة المسيح منقولة إلينا بالعنصرة، بإنعطاف
الروح القدس على البشر وعلى الكون بواسطة الكنيسة.

الكنيسة هى المحيط الذى فيه الله فاعل.

الله يحرّك الكنيسة، يحييها وينعشها بالحياة نفسها التى فيها، هذه
الحياة التى كانت مسكوبة فى المسيح.

وتوزيع حياة المسيح والقوة التى فى المسيح يتممه الروح القدس عن طريق
الأسرار.

 

السرّ فى الكنيسة كأن نقول سرّ المعمودية، سرّ الميرون أو سرّ الشكر..
السر فى الكنيسة لا يعنى شيئًا آخر غير السرّ الإلهى القديم، الأزلى، الذى تكلّم
عنه الرسول بولس، أعنى سرّ الحياة الإلهية، سرّ المحبة، سر محبة الآب والابن
والروح القدس.

وبالتالى، كيف تظهر محبة الله لنا بالأسرار؟، هذا هو الموضوع.

أسرار الكنيسة ماهى إلا نفس السرّ الذى ينكشف الآن، الذى يتحقق الآن.

وهذا السرّ الذى تحدّث عنه الرسول بولس فى الرسالة إلى أهل أفسس عندما
قال:

[ أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ
فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ.

الَّذِي بِحسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ تَقْدِرُونَ أَنْ
تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ اَلْمَسِيحِ.

الَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو
اَلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ اَلْقِدِّيسِينَ
وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ:

أَنَّ اَلأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي اَلْمِيرَاثِ وَاَلْجسَدِ وَنَوَالِ
مَوْعِدِهِ فِي اَلْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ
. ] [ أفسس
3: 3 6
].

ثم يكمّل:

[ وَأُنِيرَ اَلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ اَلسِّرِّ
اَلْمَكْتُومِ مُنْذُ اَلدُّهُورِ فِي اَللهِ خَالِقِ اَلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ
اَلْمَسِيحِ
] [ أفسس 3: 9 ].

وهذا السر الإلهى نحن شركاؤه، نحن شركاء هذا الشئ الخفى فى أعماق الله
وهو أن الأمم محبوبة كاليهود، أن البشر جميعا محبوبون ويدخلون فى ميراث الله.

أسرارالكنيسة، إذًا، هذا الإخراج لسرّ الله، هذا النقل وهذه الترجمة
لهذه المحبة.

 

ولكن لهذه الأسرار كلها، وبالتالى، علاقة بحياة المسيح فى الجسد.

وهذا هو المهم جدًا فى البحث فى الأسرار.

هذه الحياة الإلهية الأزلية عاشها المسيح فى الجسد، هنا.

والروح يعطينا حياة المسيح كما عاشها هنا.

وبالأخير، إذًا، عندما نتكلّم عن أسرار الكنيسة السبعة فهذه كلها تكون
إمدادات لحياة المسيح فى أيام تجسده، بحيث نعيش نحن فى الجسد ما عاشه هو فى الجسد.

 

* سر المعمودية:

1 المعمودية
موت وحياة:

سر المعموية ماذا يُخرج إلينا من حياة المسيح، ماذا يُترجم لنا؟.

هنا يمكن القول، أن المعمودية تترجم لنا كل حياة المسيح إذا كانت هذه
الحياة تلخّص بكلمتين: موت وحياة.

حياة المسيح فى البشرية، من الميلاد إلى تمجيدها عند فجر الفصح، كلها
موت وحياة، لأن المسيح وُلد لكى يموت ويُبعث.

طبعا، وضعه فى أقمطة وهذا المولد المتواضع وهذه المعمودية التى نالها
من يوحنا فى الأردن وهذه الآلام المعنوية التى ذاقها من اليهود وهذه الاضطهادات،
كل هذا، قبل صلبه من اليهود وبيلاطس، كان طريقا على الموت وكان، فى وقت واحد،
إنبعاثا من موت.

معمودية يسوع فى الأردن كانت نزولاً تحت المياه وكانت خروجا من المياه
وظهورًا للآب والروح عليه.

كذلك، التجلّى على الجبل كان تمجيدًا له، ولكنه، فى آن واحد، حسب
رواية لوقا الإنجيلى، كان حديثا عن خروجه من أورشليم، أى كان إستعدادًا لموته:

[ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً
وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً.

وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ وَهُمَا مُوسَى
وَإِيلِيَّا

اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ اَلَّذِي
كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.

وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاَللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا
بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اِسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ وَاَلرَّجُلَيْنِ
اَلْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ.

وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَا
مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ
وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا
يَقُولُ.

وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ.
فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي اَلسَّحَابَةِ.

وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ اَلسَّحَابَةِ قَائِلاً: هَذَا هُوَ اِبْنِي
اَلْحَبِيبُ. لَهُ اِسْمَعُوا.

وَلَمَّا كَانَ اَلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَأَمَّا هُمْ
فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا
أَبْصَرُوهُ
] [ لوقا 9: 28 36 ].

 

كل فصول حياة السيد هى إنبعاث من موت، مرافقة الموت للحياة.

من هذا القبيل المعمودية تعطينا كل المسيح ولهذا نقول أنها الميلاد
الثانى.

هى الميلاد الثانى إذا قيس هذا الميلاد بميلادنا من أمتنا.

هذا هو المولود الأول فى الجسد، ولكننا نولد الآن ليس من لحم ودم ولا
من مشيئة رجل بل من الله.

المسيح أعطانا أن نصير أولاد الله:

[ وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ
قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ
اللَّهِ
أَيِ
الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.

 اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ
جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ
اللَّهِ
] [
يوحنا 1: 12، 13 ].

الإنسان كان فى حالة الغضب، فى حالة اللعنة.

واللعنة تعنى الإقصاء عن البركة.

والبركة معناها إمداد الإنسان بحياة الله.

الإنسان أُقصى عن هذه البركات بالخطيئة.

هو جعل نفسه فى الظلمة وجعل نفسه فى العزلة عن الله وفى التشتت وفى
التفتت، فى التجزئة، فى التلاشى وفى الإضمحلال.

هذه هى الخطيئة عمقا وكينونة.

فالإنسان من جديد يولد وكأنه لم يكن.

فى الواقع، لم نكن نحن شيئًا قبل المخلّص وقبل أن يتنزّل علينا
بالمعمودية.

 

2 المعمودية فى الديانات:

ماذا جرى فى المعمودية؟.

ماذا كان يجرى سابقا، قبل المسيح، بالمعموديات؟.

كان للناس فى كل الدنيا معموديات وفى كل الديرة.

والوضوء الإسلامى نوع من معمودية وهو يعنى إغتسالاً وتهيئة للصلاة.

رهبان قمران، على شواطئ البحر الميت، قبل مجئ المخلّص، كانت لهم أحواض
يغتسلون فيها كل يوم أكثر من مرة.

عندنا، أيضا معمودية يوحنا كتهيئة للتوبة.

والدخلاء الوثنيون الذين كانوا ينضمون للدين اليهودى على يد
الفريسيين، هولاء، أيضا كانوا يُعمّدون.

الحضارة البشرية، قبل المخلّص، هنا وهناك، كانت تعتمد تشوقا منها إلى
طهارة كانت تتوق إليها.

كانت تتوقع هذه البشرية أن تنال طهارة.

والبشرية أحسّت أنها، من أجل هذه الطهارة تستعمل ماء.

طبعا، أن يُقال: هذا أمر طبيعى وبديهى جدًا كون الماء يغسل الجسم.

ولكن الفكرة كانت أبعد من هذا.

فالماء ملتبس المعنى فى الحضارات القديمة، أى ان له معنى مزدوجا وهو
لا يعنى، دائما الطهارة.

الماء مخيف البحر مريع.

الماء يدل على الغرق، على الموت.

والماء، فى كل الحضارات، كان محيط الخطيئة، محيط الشر.

مثلاً، فى الفكر العبرى: ” لوياثان” التنين: هذا كان الوحش
الأسطورى الذى فى الماء.

ولذا، فخواض البحر يقتل التنين، وما إلى ذلك من هذه الصورة الأسطورية.

الماء مخيف ثم الماء محيى.

فى التوراة خلق الله الدنيا من ماء:

[ فِي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ
الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ اَلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اَللهِ
يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ اَلْمِيَاهِ
] [ تكوين 1: 1،
2
].

فى بداية التكوين، فى الأساطير البابلية، وأيضا فى القرآن: ”
وجعلنا من الماء كل شئ حى”.

الماء هو المحيط الذى يخرج منه الكائن الحى.

الجنين يخرج من ماء.

إذًا، الماء مزدوج المعنى ملتبسه.

ولهذا فإتخاذ الإديان للماء لم يكن سببه فقط، أنه غاسل ولكن سببه هو
أنه يميت ويحيى.

وإذًا، فالغسل، هنا، ليس شيئًا سطحيًا.

الغسل معناه أننا نموت بشكل ما.

 

عندما جاء المخلص لم يخترع رمز الماء ولم يخترع المعمودية.

وجدها قائمة عند أهل قمران ويوحنا المعمدان والفريسيين.

ولكن موقفه منها كان أنه عبأها، ملأها بمعنى جديد.

 

3 المعنى المسيحى للمعمودية:

نعم، نحن نموت بالماء، ولكن أى موت هو المقصود؟.

ونحيا بالماء، ولكن أى حياة هى المقصودة؟.

فى أواخر إنجيل متى:

[ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ
الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ
] [ متى 28: 19
].

أى إجعلوا من جميع الأمم لكم تلاميذ وعمدوهم.

إذًا، فالمعمودية مرتبطة عند المسيح بأن الناس يصيرون بها تلاميذ له.

أذًا، يتعلمون الإنجيل ويأخذون من الإنجيل الإيمان:

[ مَنْ آمَنَ وَاِعْتَمَدَ
خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ
] [ مرقس 16: 16
].

 

الإيمان هو الخروج من أى وضع نحن فيه إلى الله.

يقول الله لإبراهيم:

[ اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ
إِلَى اَلأَرْضِ اَلَّتِي أُرِيكَ
] [ تكوين 12: 1
].

الإيمان هو، أيضًا، مجازفة مع الله.

هو أن يطرح الإنسان نفسه فى كائن لا يعرفه، ويعرفه على قدر ما يطرح
نفسه فيه.

يذوقه بعد أن يرمى نفسه هناك.

إذًا، هناك موت بالنسبة إلى الحياة القديمة التى كان فيها، هناك
إنسلاخ عنها.

شئ منا يموت.

نُغْرَق فى الماء.

وإذا متنا تأتى حياة جديدة ليست منا.

هنا كل الحديث عند يسوع عن الماء الذى هو يعطيه، فى ما قال للمرأة
السامرية التى كانت تستقى من بئر يعقوب:

[ كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً
] [
يوحنا 4: 13 ].

إذًا، شئ من الدنيا القديمة نتركه، نترك هذا العالم القديم، ندخل فى
وضع جديد مع هذا العالم الجديد.

كلّ هذا ينكشف، فيما بعد، بصورة أوضح بعد أن قام المخلّص وحدثنا
الرسول بولس عن هذه الحياة التى جاءت إلينا بالمعمودية حيث يقول فى الرسالة إلى
أهل رومية:

[ أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اِعْتَمَدَ لِيَسُوعَ
اَلْمَسِيحِ اِعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ

فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا
أُقِيمَ اَلْمَسِيحُ مِنَ اَلأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ
أَيْضاً فِي جِدَّةِ اَلْحَيَاةِ.

لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ
مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ.

عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا اَلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ
مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ اَلْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً
لِلْخَطِيَّةِ
] [ رومية 6: 3 6 ].

ما أود أن ألفتكم إليه، فقط، الآن، هو هذا أن اللفظة التى يستعملها
الرسول باليونانية وقد ترجمت: أعتمد، يعتمد، معمودية. إلخ.

هذه اللفظة هى Vaptiso (أعمّد) وهى تعنى، فقط، أغطس.

هذه كلمة عادية جدًا صارت، بعدئذ، مصطلحا مسيحيا.

من إعتمد ليسوع اللام هنا هى، فى اليونانية، حرف جر وهو يعنى الحركة،
أى إنتقل إلى يسوع بهذا التغطيس إنما إنتقل إلى موته فدفن مع المسيح بالمعمودية.

مع هنا هى Préfixe أى هى، فى لغاتهم، أداة توضع
قبل الفعل.

ودفنّا معه تصبح، بهذا، فعلاً واحدًا عندهم، أى تصبح لفظة واحدة.

وإذا قرأ الواحد اللفظة الفعل هذا الذى ركّبه الرسول بولس والذى ليس
موجودًا فى اليونانية بلّ هو من إختراع بولس: دفن مع، فهذا بعنى أنه عندما دُفن
المسيح كان معه الذين له، أى أن الذين له كانوا معه فى القبر.

إذًا، نحن عندما نعتمد فكأننا تخطينا الزمان وأبدناه وإنتقلنا هذه
السنين الألفين، وكأننا، أيضًا، نحن الذين متنا مع المخلّص ودُفنّا معه.

إذًا، ما حصل ليسوع المسيح ربطنا مع المسيح.

ما حصل له هو، بالفداء، حصل لنا أيضا.

 

إن الحياة الإلهية التى كانت فى المسيح أبادت الموت، تفجرت فى الموت
فحولته إلى حياة وقامت هذه الحياة من القبر لأنه لا يمكن أن يُضبط أساس الحياة
وخالقها فى القبر.

بعد أن مات، لا يموت ولا يتسلّط عليه الموت.

 

يمكننا أن نقول، إذًا، أن المعمودية هى أن تتحقق فينا هذه الأشياء
التى صارت، أن تُخرج.

فى الحقيقة، ليس هناك شئ جديد فى المعمودية.

المعمودية لم تبتدئ اليوم، هى إبتدأت آنذاك بموت السيد وقيامته.

إن موت المسيح وقيامته هما كحدث واحد من حيث الأصل والطاقة، لأن كل
قيامة المسيح موجودة فى موته ولكنها تفجرت بعدئذ.

أى أن كل حياة المسيح كانت مسكوبة فيه عندما مات.

وهذه الحياة التى فيه هى مسجلة فينا نحن منذ أن مات وقام، أى هى مسجلة
فى المؤمنين.

ولذلك، فعندما يُعمّد إنسان تخرج هذه الحياة، نؤديها، ونُعبّر عنها.

هى بالحرى، خلقة جديدة بالماء والروح.

هى إنكشاف لحياة المسيح فينا.

 لذلك، نقول: دُفِنّا وهو فعل ماضٍ معه للموت أى حتى الموت.

نحن نُدْفن حتى نموت، حتى، كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب،
هكذا نسلك نحن أيضًا فى جدة الحياة، فى حياة جديدة.

إذًا، هذه مشاركة كانت موجودة وحُققت الآن، وُزعت علينا هذه المشاركة،
بالروح القدس، فى هذا السرّ.

 

القضية، إذًا، ليست قضية محو خطيئة.

هى ليست أن ثمة دَيْنا مكتوبا علينا يُمْحى فنصبح بلا دَيْن هذا
التصوّر العادى للمعمودية وهو أننا بها نصبح بلا دين، بلا خطيئة جدّية.

فى الحقيقة، إن الخطيئة الجديّة لا تورّث، أى لا تنتقل، ولكن الإنسان
يولد ميتا، يُولد معرّضا للموت، حاملاً فى طيّات نفسه وجسده قوة الموت.

الإنسان هو فى حالة موت دائم، بمعنى أنه مقهور، منحدر، مهترئ.

هذا وضع نلاحظه.

الموت لم يأتِ.

هو لا يأتى ولا يذهب.

هذا ما يُلاحظ: الموت فى الإنسان.

هذا وضعه.

هو إنسان فى حالة إنحطاط.

كلّ إنسان هو مولود فى الإنحطاط، فى التقهقر، فى الإهتراء، فى السقوط،
فى الظلمة.

إذًا، الموت طاقة فينا.

هذا ما سمّاه فرويد ” غريزة الموت”.

فعندما ينزل المسيح إلينا ويتحد بنا فى المعمودية يضع شيئًا ليس فينا،
يضع قوة الحياة.

فقوة الحياة التى فيه تصارع قوة الموت التى فينا.

فإذا قبلنا الموت هو، نكون، فى نفس الوقت، قابلين إفناء موتنا نحن.

عندما نرتضى أن المسيح مات، أى عندما نسلّم إليه، إلى صليبه، إذ ذاك
نكون غالبين لقوة الموت التى فينا.

المهم هو أنه يجب أن ندرك هذا حتى ندرك كل العمليه وإلا تبقى قضية
سطحية.

وليس هناك كعمودية بدون إدراك ذلك.

 

كيف خلصنا يسوع المسيح؟.

خلصنا بأنه، وهو الذى لا يحتمل الموت ولا يُحكم عليه بالموت ولا يموت
ولا يستطيع أن يموت لأنه بار، والبار لا يموت، إرتضتى الموت.

كل عملية الفداء متعلقة بهاتين الكلمتين.

المسيح الذى لا يستطيع أن يموت أراد أن يموت.

فإذًا، هو أدخل الموت طوعا إلى ذاته.

فالموت الذى كان ضرورة على الجنس البشرى، إقتبله هو طوعًا.

أطاع الله بهذا.

لكونه خضع بإرادته للموت، كان فوق الموت.

لكونه أطاع الموت، صار فوق الموت وصار غالبا له، هو سيد الموت.

لكونه أطاع الله حتى الموت، موت الصليب، رفعه الله إليه: ”
متوفيك ورافعك إلىّ”.

رفعه الله إليه وأعطاه إسم فوق كل إسم.

ترجمة هذا الكلام فى اللغة العصرية تعنى: أعطاه قوة فوق كل قوة
وحضورًا فوق كل حضور، ونفاذًا فوق كل نفاذ.

وإذًا، حياة المسيح كانت فيه وهى حياة الله فى المسيح فى هذا الجسد
منذ ان قبل الموت.

بكلمة أخرى، كان المسيح منبعثا منذ أن إرتضى الموت.

قوة الإنبعاث كانت فيه آنذاك.

هذا يعنى أنه، عندما كان المسيح على الصليب، بعد أن مات، لم تكن ثمة
لحظة من لحظات الزمان كان المسيح فيها مغلوبا ولا يمكن أن يُغلب.

من المهم تأكيد أنه ليس هناك لحظة زمنية كان المسيح فيها ميتًا وعبدًا
للموت.

إذًا، هذا يعنى أنه مات وقام فى نفس الوقت.

ليس هذا أنه رُئى حيًا، كلا، لم يُرَ حيًا ولكن فى حقيقة الأمر، كان
حيًا.

رُئى حيًا بعد ثلاثة أيام، فى اليوم الثالث، فى القيامة التى هى كشف
لهذه الحياة التى فيه وإذاعة لها وبثا لها على الكون وإشراكا للمؤمنين فى قوة
الفداء.

من هنا قول الرسول بولس: ” دُفنّا معه للموت” وهذا يعنى أنه
ربانا فى الموت بالمعمودية، حتى، كما أقيم، نقوم نحن أيضًا فى جدة الحياة.

نحن أيضًا عندما إرتضينا المعمودية أو نرتضيها بعد أن تمت، أى نرتضيها
طيلة العمر المعمودية تُرتضى أو تُرفض فإرتضاؤنا لها يعنى أننا قبلنا هذا الموت.

قبلنا موت المسيح وقبلنا أن نموت عن الخطيئة.

وبلغة أخرى، أن نميت الخطيئة فينا، وبهذا نفصل كياننا الحقيقى الجوهرى
عن الخطيئة.

عندما يقول الرسول بولس: ” أن نموت عن الخطيئة”، فهذا لأن
الإنسان، فى أصله، حرّ من الخطيئة.

والرسول إعتبر الخطيئة جسم غريب، دخيل نموت عنه.

إذًا، فى اللحظة التى نُعمّد فيها، نموت ونقوم، نحصل على الحياة
الجديدة بالمثل.

وإذا كانت فينا الحياة الجديدة فالخطيئة تزول.

إذًا، فزوال الخطيئة فينا أو زوال قوة الخطيئة فينا هو نتيجة للحياة
الجديدة.

الحياة الجديدة تأتى مثل الطعم.

والطعم إذا أتى يحارب الجرثومة.

 

الحياة الجديدة التى تنسكب من المسيح علينا بالروح القدس فى الكنيسة
هى التى تطارد قوة الموت.

فإذًا، نحن فى مطاردة لقوة الموت عن طريق الحياة الجديدة.

وهذا ما نحياه بوجه عام، فى العمر كلّه.

حياتنا هى إفناء للموت، إماتة الموت، إماتة الخطيئة، إماتة كل قوة
القهر والظلم والخنوع والذل وكل ما هو فساد.

وهى مطاردة الفساد بقوة الحياة التى إنكشفت وتفجّرت.

 

* ملحق:

معمودية الأطفال

لللأب/ نقولا أفاناسييف

 

1 المسألة:

تتوجه البشارة المسيحية إلى الناس كافة حتى يقدر كل منهم أن يؤمن بابن
الله وأن يدخل فى الكنيسة إذا تاب.

والإيمان والمعمودية يتطلبان ذلك الرشد الذى يضمن العلاقة الواعية بسر
المعمودية عند الداخل إلى الكنيسة.

والكنيسة تقبل فقط أولئك الذين ادركوا الغاية والمعنى من إنضمامهم
إليها.

فهل يتبع هذا أن الأطفال والأولاد يجب أن، ويقبلوا فقط إذا بلغوا ذلك
الرشد أو بمكن تعميدهم وفق رغبة ذويهم؟.

 

ويبدو أن هناك ما يجعلنا نظن أن مسألة المعمودية كانت مطروحة فى العصر
الرسولى وكانت تثار من وقت إلى آخر بصورة ماسة.

ولكن بلغت حدتها فى زمن المناظرات البيلاجيوسية.

وبنتيجة هذه المناظرات ثبتت ممارسة معمودية الأطفال.

ولكن المسالة لم تطرح جانبًا بصورة نهائية.

وفى الأزمنة الحديثة ظهرت ظهرت بصدد هذ المسألة تيارات متشعبة.

 

2 معمودية الأطفال فى العصر الرسولى:

ليس لدينا من العصر الرسولى معطيات إيجابية تجعلنا نؤكد الصورة التى
حلت فيها قضية معمودية الأطفال فى الكنيسة الأولى.

أن الشهادات التى لدينا لا تخولنا الحق فى أن نؤكد أن معمودية الأطفال
كانت تُكمّل فى العصر الرسولى الأول أو لا تُكمّل.

لقد ذكرت فى أسفار العهد الجديد معمودية بعض العائلات:

عماد بطرس لكرنيليوس [ أعمال الرسل 10].

معمودية ليديا وأهل بيتها [ أعمال 16:
15
].

معمودية السجان وأهل بيته [ أعمال الرسل
16: 33
].

معمودية كريسيوس رئيس المجمع وكل أهل بيته [ أعمال الرسل
18: 8
].

ومعمودية بيت إسطفانوس [ 1 كورونثوس 1: 16
].

ومن العسير أن نذهب إلى أن هذه البيوت المعمدة كلها كانت خالية من
الصغار.

كذلك لا نستطيع الجزم بأنهم كانوا موجودين.

فلو كنا عارفين أن الرسل عمدوا أولادًا لقلنا بتأكيد أن الصغار، فى
حال وجودهم، عمدوا ولكن من كون بيوت كرنيليوس وليديا والسجان تعمدت لا نستطيع
إطلاقا أن نستنتج أن الرسل عمدوا أولادًا.

 

3 معمودية الأطفال فى العصور الأولى:

أما فى العصر اللاحق للعصر الرسولى فممارسة معمودية الصغار مشهودًا
لها كثيرًا.

فإن أوريجانوس يشهد بأن:

الكنيسة تقلّدت من الرسل أن تمنح المعمودية أيضًا
للأطفال
” [ فى الرسالة إلى الرومانيين 5: 9
].

ونعلم أن الأطفال فى القرن الثانى عُمّدوا شرقا وغربا.

بذا يشهد إيريناوس [ ضد الهرطقات 2، 33: 2
]، وترتليانوس [
فى المعمودية، 18 ].

وفى القرن الثالث، فى كنيسة روما، كانت معمودية الأطفال ظاهرة مألوفة.

وفى ” التقليد الرسولى” إشارة إلى أنه يجب تعميد الأطفال
قبل البالغين.

وقد كان يؤتى بالأولاد إلى المعمودية فى سن مبكرة جدًا.

ويتضح هذا مما أشار إليه هيبوليتوس الرومانى بأن الوالدين أو الأقارب
يستطيعون أن يعطوا جوابا أثناء المعمودية [
التقليد
الرسولى 21: 4
].

وإذا أتاح ” التقليد الرسولى” مجالاً للشك فى السن التى
فيها يؤتى بالأولاد إلى المعمودية ففى أيام كبريانوس القرطاجى كانوا يقولون بأنه
لا يجوز إرجاء المعمودية إلى ما بعد اليوم الثامن [
الرسالة ال
64
].

فى القرن الرابع لم يتغيّر الموقف من معمودية الأطفال.

وكما يتضح من شهادة يوحنا ذهبى الفم [ الموعظة 11،
17: 28
]، وأمبروسيوس [ فى إبراهيم 2، 81
]، كانت معمودية الأطفال نظاما شائعا.

وفى القرن الخامس ثبتت المناظرات البلاجيوسية نظام معمودية الأطفال،
” إنه من الحماقة أن نعلم أن الأولاد يستطيعون أن يرثوا الحياة الأبدية دون
المعمودية”، هكذا قال البابا أينوكنديوس الأول عن نتيجة هذه المناظرة.

 

وفى الغرب ثبت رأى كبريانوس القرطاجى بمجمعه فى أن المعمودية يمكن ان
تكمّل مباشرة بعد الولادة.

أمّا فى الشرق ففى القرن التاسع كانوا أيضا يذهبون إلى أنها تكمّل فى
اليوم الأربعين.

ثم زال الفرق بين العرف الغربى والعرف الشرقى تدريجيًا.

ولكن ثبت فرق آخر، ففى الشرق رافق معمودية الأطفال والأولاد إتمام سرّ
مسحة الميرون وبعده يعلن الطفل مستحقا للإشتراك بسر الشكر ” الفائق القداسة
والكمال”.

أمّا فى الغرب، ففى القرون الوسطى فصل التثبيت عن المعمودية وأخذ الأسقف
يكمله على الأولاد فى سن الحادية أو الثانية عشرة وكانت المناولة الأولى تتبعه.

ولكن فى الكنيسة الأرثوذكسية يتم قبول الأطفال فى الكنيسة قبولاً
كاملاً بالمعمودية والميرون.

 

4 الأساس التاريخى واللاهوتى لمعمودية الأطفال:

وإن كانت معمودية الأطفال نظاما شائعا فى القرن الثانى فمن الطبيعى
الظن بأنه لم ينشأ فى العصر اللاحق للرسل ولكنه كان تكميلاً النظام العصر الرسولى.

فنحن نعود هكذا ثانية إلى هذا السؤال:

هل كان الرسل يتممون معمودية الأطفال أم لا؟

وإذا كنا بدون أدلة تشير إلى ذلك فى أسفار العهد الجديد فهل ينبغى أن
نزهد بحلّ مسألة جوهرية كهذه؟.

أن خلاء الأدلة الواحدة فى أسفار العهد الجديد طبيعى بالكلية لأن
العدد العديد من المتعمدين كانوا من البالغين.

أن مسألة تعميد الأولاد يمكن ان تُطرح فقط فى الجيل المسيحى الثانى
ولكن عندما طُرحت فى ذاك الزمن كان التقليد الكنسى فى هذا الموضوع متراكما.

من خلاء الأدلة المباشرة عن معمودية الأطفال فى العهد الجديد ينبغى أن
نخرج بالتعليم عن المعمودية من جهة وبنظام معمودية الدخلاء عند اليهود ونظام
الختان من جهة اخرى.

وبكلمة أخرى، المسألة فى هل يتوافق نظام معمودية الأطفال مع التعليم عن
سرّ المعمودية؟.

وهل ينسجم مع نظام الختان وقبول الدخلاء؟.

[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا
إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ
أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً
] [ 1
كورونثوس 12: 13
].

إن الدخول فى الكنيسة لهو الدخول فى جسد المسيح، وأعضاءه صرنا فى
المعمودية.

هذا الدخول يجب أن يسبقه الإيمان والتوبة أو التوبة والإيمان، وعليهما
يُبنى الإختيار الروحى لمن يرغب فى الدخول إلى الكنيسة.

ومع هذا لا الإيمان وحده ولا التوبة وحدها ولا الإختيار الحرّ قادر أن
يجعل من الراغب فى الإنضمام على الكنيسة عضوًا فى جسد المسيح.

إن الكنيسة لا تسجّل الراغبين فى الدخول إليها إن وَجدت فيهم الإيمان
والتوبة ولكنها تكمّل سرّ المعمودية عليهم، الإنضمام إلى الكنيسة يكمّله الروح
القدس الذى يرسله الله فى سرّ المعمودية.

الكنيسة هى مكان فعل الروح القدسن ولذا تُجرى المعمودية فى الكنيسة
وهى التى تجريها بالإستقلال عن المعتمد ولو بناء على إختياره الحرّ.

المعمودية هى جواب الكنيسة عن إيمان الراغب فى الدخول إليها ولكن
المعمودية نفسها تقتضى أن يتبعها إيمان المعتمد جوابا منه عن معموديته.

الدخول فى الكنيسة ممكن فقط بالإيمان بابن الله الذى أحب المعمد واسلم
نفسه من أجله.

 الإيمان السابق للمعمودية يفرض الإيمان اللاحق إنفتاحا كاملاً
له.

 

الحياة فى الكنيسة تبتدئ بوقت المعمودية بواسطة الإشتراك فى سرّ الشكر.

بدون هذا الإشتراك تظل المعمودية غير ومحققة.

وبدورها الحياة فى الكنيسة غير ممكنة بدون المعمودية.

 

هكذا نصل إلى العبارة ” الإيمان المعمودية الإيمان” وتبدو
هذه العبارة إلزامية إطلاقا لكلّ الداخلين فى الكنيسة.

إن الشطر الأول والشطر الثالث من هذه العبارة يتعلّقان بالإنسان، امّا
الشطر الثانى وهو الرئيسى فلا يتعلّق به، بلّ يكمّله الروح القدس بالكنيسة.

[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا
إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ.
].

الإيمان السابق يفتح إمكانية تكميل المعمودية.

أمّا الإيمان اللاحق فهو الشرط لإمكانية الإشتراك فى الإفخارستيا.

 

إن الولادة الطبيعية من والدين يهوديين تعين إنتساب الأولاد إلى شعب
العهد القديم المختار إلا أن الولادة الطبيعية وحدها لم تكن بكافية لتجعلهم أعضاء
فى الشعب الذى اقام الله معه عهدًا.

فكان ختم الختان وحده يجعل المولود من أبوين يهوديين عضوًا حقيقيا فى
شعب الله.

وفى اليهودية كان الختان يُنظر إليه كولادة جديدة ترافق الولادة
القديمة.

وأن معنى الختان كعلامة إنتساب للشعب المختار ينطلق من هذا أن
الوثنيين كانوا قادرين أن يصبحوا أعضاء فى شعب الله عن طريق الختان.

وكان يتمّ عليهم على أساس إيمانهم وحرية إختيارهم.

[ وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ
خَتْماً لِبِرِّ
الإِيمَانِ الَّذِي
كَانَ فِي
الْغُرْلَةِ لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي
الْغُرْلَةِ
كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً
الْبِرُّ
] [
رومية 4: 11 ].

ولابد هنا ان نلاحظ أن ختان الأمميين كان يرافق ” غسل
التطهير” الذى كان يجرى للرجال والنساء.

وأثناء ختن الدخلاء كان صبيانهم يختنون.

وأما ” غسل التطهير” فكان يجرى للبالغين والأولاد المولودين
قبل ختانة الأب.

أمّا الأولاد الدخلاء المولودين بعد الختانة فما كانو خاضعين ل ”
غسل التطهير”.

 

أن عصر الولادة الطبيعية لم يكن له معنى فى العصر الرسولى للدخول إلى
الكنيسة.

فكان الأمم واليهود يتنصرون ” بختم” سرّ المعمودية.

فكما كان الختان، كانت المعمودية ختم الإنتساب إلى شعب الله.

إن المقارنة بين المعمودية والختان ظاهرة عند الرسول بولس:

[ وَبِهِ أيْضاً
خُتِنْتُمْ خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا
الْبَشَرِيَّةِ،
بِخِتَانِ
الْمَسِيحِ ] [ كولوسى
2: 11
].

بقوة هذه المقارنة استبدل الختان المصنوع بيد البشر بختان غير مصنوع
بيد.

 

لقد أعوز الأمم واليهود ” غسل التطهير” ليصبحوا يفعل الروح
القدس أعضاء فى جسد المسيح.

عليهم ان يولدوا من فوق، من الروح القدس لينتسبوا للعهد الجديد.

إن المعمودية ولادة روحية وبدونها لا حياة فى الكنيسة.

وقد حسم الرب يسوع سرّ المعمودية فى مقابلته مع نيقوديموس قائلاً:

[ فَقَالَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ
أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ.

قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ
يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ
ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟

أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ
أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ
مَلَكُوتَ اللَّهِ.

اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ
الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.

لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ
فَوْقُ.

اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا لَكِنَّكَ
لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ
مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ
] [ يوحنا 3: 3
8
].

 

5 الولادة الطبيعية من أبوين مسيحيين دعوة إلى العماد:

كان لا بد لعنصر الولادة الطبيعية أن يدخل فى حيّز الوجود فى الجيل
المسيحى الثانى فيما يتعلّق بمعمودية الأولاد المولودين من أبوين مسيحيين.

إن النظام المسيحى، آنئذ، كان يوجهه نظام الرسل الأول عندما شرعوا
يعمدون العَيل (العائلات).

إن حالات التعميد لعائلات كاملة كما هى موصوفة فى سفر الأعمال ما كانت
نادرة.

إن المقارنة بين المعمودية والختان أوحت إلى الرسل وصحبهم أن يكملوا
فى آن واحد معمودية البالغين والأولاد.

وإنّا لواجدون فى بولس الرسول ما يثبت ذلك عندما يقول:

[ لأَنَّ اَلرَّجُلَ غَيْرَ اَلْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي اَلْمَرْأَةِ
وَاَلْمَرْأَةُ غَيْرُ اَلْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي اَلرَّجُلِ وَإِلاَّ
فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ. وَأَمَّا اَلآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ

(Aghia) ] [ 1 كورونثوس 7: 14 ].

فمن كلام بولس الرسول يتضح أن لعنصر الولادة الطبيعية علاقة مباشرة
بالإنتساب إلى الكنيسة ولفظة ” أجيوس” التى يضعها بولس الرسول للأولاد
من أب مؤمن أو أم مؤمنة تعنى أنهم ينتسبون لشعب الله. أى أنه يفتح لهم أبواب
المعمودية: إنهم مقدسون فإذًا قد إعتمدوا.

 

إن اللاهوت العقائدى يؤكد أن معمودية الأطفال تكمل يناء على إيمان
الوالدين:

{ أما ما يختص بالأطفال فهم غير قادرين أن يكون عندهم إيمان وتوبة ولا
أن يشهدوا لهما قبل المعمودية فإنهم يتعمدون يناء على إيمان والديهم وإشبينهم
الذين يتلون عوضا عتنهم قأنون الإيمان وجحد الشيطان وكل أعماله متعهدين أمام
الكنيسة بتنشئة الأولاد فى الإيمان وحسن العبادة إذا ما بلغوا السن }.

 

إن إيمان الوادين هو حقيقة شرط إمكانية تكميل معمودية الأولاد.

فى العبارة ” الإيمان المعمودية الإيمان ” الإيمان السابق
عند المعتمد يقوم مقامه عند الولد كونه إبنا لوالدين مؤمنين.

الكنيسة تنتمى إلى الدهر الآتى ولكنها قائمة فى الدهر الحاضر.

والولادة الطبيعية عنصر طبيعى متعلق بالدهر الحاضر ولكن من أجل
العائشين فى الكنيسة فإنها عنصر كنسى.

الولادة الطبيعية تجر إليها الولادة الروحية للدهر الآتى.

الولادة من أبوين مسيحيين شهادة تعطى للكنيسة أن نقول أن الله يدعو
أولاد هذين الأبوين إلى الكنيسة.

ولذلك لا نستطيع أن نقول أن معمودية الأطفال تخرق حرية إرادتهم لأن
الإرادة الحرة غير موجودة إطلاقا عندهم ونحن لا نقول ان الولادة الطبيعية تخرق
الإرادة الحرّة عندهم.

ومن هنا تنبثق نتيجة أساسية تتعلّق بمعمودية الأطفال والأولاد.

إنها تكمل فقط لأولاد الأشخاص القائمين فى الكنيسة لأن قيام الوالدين
فى الكنيسة يمكن أن يقوم مقام إيمان الطفل المعتمد.

ففى حالة معمودية الأطفال المولودين لأبوين غير مسيحيين ليس من إيمان
سابق لأن إيمان الإشبين لا يستطيع أن يملأ فراغ الإيمان عند الأولاد

 

المولود لأبوين مسيحيين يدخل إلى العالم والله يدعوه إلى الكنيسة.

بالمعمودية المكملة فى الكنيسة يصبح عضوًا فى شعب الله.

إن حياته العاملة فى الكنيسة تتعلق بإيمانه اللاحق.

وهذا هو جواب من تعمد فى الطفولة عن نداء الله.

وبآن واحد هذا الإيمان هو جوابه للكنيسة التى عمدته على أساس نداء
الله إليه.

وهذا الجواب يمكن ان يكون إيجابيا أو سلبيا.

ولكن فى هذه الحالة وتلك يظل عضوًا فى الكنيسة.

وكما يستحيل محو الولادة الطبيعية هكذا يستحيل محو الولادة الروحية.

وبقوة ولادته الروحية يعترف انه مقيم فى الدهر الحاضر وأنه ينتمى بآن
واحد إلى الدهر الآتى.

على المعتمد نفسه أن يحقق إنتسابه إلى الكنيسة وان مسئولية هذا
التحقيق ملقاة ليس فقط عليه ولكن على الكنيسة التى على أساس إيمان والديه كملت
معموديته، ثم تقع هذه المسئولية على والديه.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى