علم الله

الفصل الثاني: الله في المسيحية



الفصل الثاني: الله في المسيحية

الفصل
الثاني: الله في المسيحية

1-
{الله واحد}

الله
اختار إبراهيم ونسله لإيداعهم عقيدة التوحيد الإلهي. لم يحافظوا عليها. بنى سليمان
مشارف لنسائه الوثنيات على جبل الزيتون. لذلك قال فيه سفر الملوك الأول:
“فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل. لهذا قال له الرب:
سأشق الملك عنك وأدفعه إلى عبدك” {1 ملو 11: 8-11}. ولما كان موسى على الجبل،
تذمر الإسرائيليون، فصنع لهم أخوه هرون عجلاً من ذهب ليعبدون. واستمر التأرجح حتى
الإصلاح الديني في عهد يوشيا الملك، فطهر فلسطين من رجاسات الأوثان، ونادى بالإله
الواحد. إلا أن المصريين غزوا فلسطين وقتلوه في معركة جبل مجيدو {12} على بعد 30
كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من حيفا. ولكن قوي التيار المتعبد ليهوه. وأرهف جلاء
بابل {587-538} المشاعر الدينية.

 

مقالات ذات صلة

إله
العهد القديم هو إله العهد الجديد. فلما سئل يسوع عن أولى الوصايا أجاب:
“اسمع يا إسرائيل: إن الرب إلهنا هو الرب الأوحد” {مرقس 12: 29}. الآية
وردت في سفر التثنية {6: 4-5} {13}.

 

العهد
القديم {وبخاصة المزامير والأنبياء} يحمل حملات شعراء على عبادات شعوب المنطقة
لأنها رجاسات أوثان. إسرائيل تفرد في الزمان القديم بعبادة الإله الواحد غير
المنظور وغير المعلوم وغير المدرك وغير المحدود. وهو صانع الأكوان جميعاً

“في
البدء خلق الله السموات والأرض” {تكوين 1: 1}

لم
يكن قبله شيء. وهو الخالق غير المخلوق. العالم مخلوق لا أزلي كما لدى أفلاطون.

 

2-
{الله روح}

“الله
روح” {يوحنا 4: 24}. ولذلك هو لا يشبه أي شيء من المنظورات المسموعات
والملموسات. جوهره روحي لا مادي. والملائكة أرواح. ولبني البشر أرواح. إنما الله
روح بمعنى أسمى وأكمل واشمل. هو روح مطلق. أما أرواح البشر فمحدودة ومرتبطة
بأجسام. وأرواح الملائكة ومحدودو متنقلة في خدمة مقاصد الله. هي “أرواح خادمة
ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص” {عب 1: 14}.

 

التركيز
على الجوهر الروحي لله يجعل المسيحية ديانة روحية. تضع النبرة على الروح. قال
يسوع: “إن الروح هو الذي يحيي، وأما الجسد فلا يجدي نفعاً” {يوحنا}. ولم
يقف الأمر عند هذا الحد، فجعل يسوع العبادة روحية: ” الله روح والذين يسجدون
له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” {يوحنا 4: 24}.

 

منذ
الآية الأولى من الكتاب المقدس، يرد ذكر “روح الله”. فهو مُترَع بعشرات
الآيات التي تذكر “روح الله”، “الروح القدس”، “روح”
{الإنسان}. ومنذ البداية ترى أن الله صنع الإنسان على صورته ومثاله، فنفخ فيه من
روحه، فجعل الطين الجبول متمتعاً بوجود روح فيه. والروح هو الذي يحيي الجسد. الجسد
فانٍ، وأما الروح فخالد, وبفضل الروح، ليس البشر جماداً بل أشخاصاً. ومادام الله
روحاً فهو ذو كيان شخصي لا ماهية فلسفية مجردة يدركها الإنسان بعملية تجريدية
عقلية.

 

3-
{الله موجود}

“لأن
الذي يتقرب إليه {أي إلى الله} لابد له أن يؤمن بأنه موجود {عبرانيون 11: 6}. لما
أعلن الله لموسى اسمه في العليقة قال له: “اهيه اشر اهيه” {خروج 3: 14}.
ترجمتها: “أكون من أكون”. الصيغة صيغة المضارع بالعبرية
“اهيه” أي بالف المتكلم. أما صيغة الغائب في المقطع نفسه فهي
“يهوه” أي يكون {خروج 3: 15}.

 

الله
هو الكائن المجرد عن الزمان. هو هو أمس واليوم وغداً {عبرانيون 13: 5}. المترجم
اليهود إلى اليونانية قبل الميلاد رد العبارة بنبرة شخصية خاصة. ترجم: “أنا
هو الكائن”. لم يستعمل صيغة الفعل المتكلم وحدها، بل دعمها بقوة ضمير المتكلم
“أنا”. وكان اليهود قد وسعوا العبارة فقالوا: “الذي كان والذي يكون
والذي سيكون”. يوحنا الإنجيلي زادها قوة في الرؤيا فقال: “أنا هو الألف
والياء، يقول الرب الإله، الكان والذي كان والآتي، المهيمن العزيز” {1: 4 و1:
8 و4: 8 و…}. الكلام يصدر عن الرب الإله المهيمن الألف والياء وفي مواضع أخرى من
الكتاب هو “الأول والآخر” {أشعياء 41: 4 و44: 6 و48: 12 ورؤيا 1: 11 و17
و22: 13}. عبارة “المهيمن العزيز” ترجمة للفظة يونانية تعني حرفياً
“الضابط الكل”. “أنا” الله بارز جداً في هذه النصوص. هو
الكائن الشخصي الموجود سرمدياً، بلا بداية ولا نهاية له، ولا إله سواه {اشعياء 44:
6}. لم يوجد احد قبله. وهو القوي القدير المهيمن العزيز الذي يقبض بيديه على
المخلوقات جميعاً {14}.

 

الجدير
بالملاحظة ان لفظة “موجود” أعلاه {عب 11: 6} هي في الأصل اليوناني من
فعل “كان”. هذه النصوص تركز على الوجود الإلهي الشخصي. الله فيها شخص
فاعل مهيمن عزيز “قدير وحده، ملك الملوك ورب الأرباب” {تيموثاوس الأولى
6: 15، انظر تثنية 17: 1 ورؤيا 17: 14 و19: 16}. والجدير بالذكر ان لفظة “يهوه”
وردت أكثر من 6000 مرة في العهد القديم. وترجمت إلى اليونانية بلفظة
“رب”.

 

فيما
بعد سنطرق موضوع حدود معرفة الإنسان لله. نستطيع أن نعرف أنه موجود فقط.

 

4-
{“حي
الرب”، “الله الحي”
}

هذه
العبارة تتردد كثيراً في الكتاب المقدس {قضاة 8: 19 والملوك الأول 17: 1 وصموئيل
الأول 17: 26 و36 والملوك الثاني 19: 16 واشعياء 49: 18 وارميا 22: 24}. حزقيال
كرّر 14 مرة عبارة “حي أنا يقول السيد الرب” {14: 16 و18: 20… ونحميا
2: 9}. وفي رومية {رومية 14: 11} جاء: “حي أنا يقول الرب”. وفي مواضيع
عديدة وصف الله بالحي إلى الأبد {دانيال 4: 34 و6: 26 و12: 7 ورؤيا 4: 1 و10: 6
و1: 19}، أو “الحي” {يو 6: 51 و57 ورؤيا 1: 19 و4: 9 و10}

 

ففي
هذه الآيات تركيز على الله الحي. عبارة “حي أنا…أنا” تبرز
“أنا” الله بقوة. ليس الله جماداً. إنه الكائن الحي. والحي نشيط فاعل
ممتلئ. ليس فقط حياً بل يملأ الكون حياة ونشاطاً. وهو صانع المخلوقات جميعاً.

الله
كائن حي موجود حاضر بقوة. حضرته كلية الجلال.

 

النبرات
الخاصة في هذا الفصل من الكتاب تسمح لنا بالقول مع التيارات الفلسفية المعاصرة ان
المسيحية وجودية شخصانية. والعجيب في هذا ما يُعلقه الشراح اليوم على خروج {3:
14}: النصر عبراني وإنما ذو رائحة فلسفية يونانية قبل ظهور الفلسفة المذكورة. يطرق
موضوع الوجودية قبل زمنها بأجيال. الترجمة الفرنسية اليهودية للفظة
“يهوه” هي “سرمدي”
Eternel. تركوا على وجوده
السرمدي بلا بداية ولا نهاية: الموجود أبداً. كم في هذه المعاني جميعاً من تجريد
ذهني رفيع، مع أن ذهن الشعوب السامية عملي واقعي محسوس منظور ملموس!

 

وهذا
التركيز على ال “أنا” الإلهي واسع جداً في العهد القديم. مثلاً:
“قال الله لكم: “أنا إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب”. وما كان
إله أموات، بل إله أحياء” {متى 22: 32 عن خروج 3: 6 و15 و16}. “أنا
الرب… فتعلمون أني أنا الرب الهكم… أنا الرب” {خروج 6: 6 و7و8}.
“أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر” {خروج 20: 2}. ومثل هذا كثير.
فالله إله شخصي، إله أحياء لا إله أموات، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. يخاطب الناس
مباشرة معلناً ذاته لهم وقائلاً أنه إلههم. هو إله إبراهيم شخصياً، إله إسحق
شخصياً، وإله يعقوب شخصياً، وإله بني إسرائيل شخصياً. ويكرر اشعياء: “لكي
تعرفون وتؤمنوا بي وتفهموا أني أنا هو. أنا أنا الرب وليس غيري مخلص. أنا أخبرت
وخلصت واعلمتُ” {43: 10 – 11 انظر يوحنا 8: 24 و28} {15}. فالمطلوب من
الإنسان أن يعرف الله ويؤمن به ويفهم ويعلم. والمقصود بعبارة “أنا هو” –
كما يتضح من اليوناني – هو “يهوه”.

———-—-

[12]
العام 609 قبل الميلاد.

[13]
اف 6: 4 ويع 2: 19 ويو 5: 44 وغلا 3: 20 ورو 3: 29-30 وتيمو الأولى 2: 5. أما
العهد القديم فمترع: التثنية 4: 35 و39 و22 و1صم 2: 2 و2سمو 22: 22 و45: 5 واش 44:
وملا 2: 2 و8 و1يو1: 15…

[14]
باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وكيرللس الإسكندري وديونيسيوس المنتحل
اعتبروا يسوع المسيح هو الرب الإله المهمين الكائن والذي كان والآتي في الرؤيا 1:
8. وهذا ما ذهبت إليه في “يهوه أم يسوع” و”شهود يهوه معلمون
كذبة”. -{باسيليوس، الينابيع المسيحية، العدد 305 ص 72 السطران 18 و15 وص 74
السطر 46 وص 56، السطر 57، غريغوريوس وديونيسيوس في “يهوه ام يسوع؟”،
كيرللس الإسكندري يطبق خروج {3: 14} على الرب يسوع، على غرار باسيليوس {الينابع،
العدد 231 ص148 و365 والعدد 337 ص302}}. الدمشقي يعتبر لفظة “الكائن”
تنطبق على الله {ص 74}. والله بالنسبة إليه هو الثالوث. ففي ص 148 من كيرللس، لفظة
“الكائن” تنطبق على المتساوي الجوهر.

[15]
في إنجيل يوحنا، يكرر يسوع مراراً لفظة “أنا”: أنا خبز الحياة، أنا
الباب، أنا الراعي الصالح، أنا هو الكائن.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى