علم الكنيسة

رابعاً: الأسلوب الإلهي للخدمة



رابعاً: الأسلوب الإلهي للخدمة

رابعاً:
الأسلوب الإلهي للخدمة

 والآن
وقد عرفنا أن نصوص الحق الإلهي التي أوردناها، والتي لا يعرفها ولا يؤمن بها سوى
القليلون، إنما هي تتعارض تماماً مع المبدأ الأساسي الذي تسير عليه الكنائس
النظامية، وتختلف اختلافاً شاسعاً مع ما يتعلّمه الناس وما يمارسونه يقبلونه كحق
في المسيحية الاسمية. والآن إذ عرفنا هذا نريد أن نتوسع قليلاً في الموضوع رغبة
منا في مساعدة القارئ الذي يساوره القلق أو تقلقه الحيرة. إننا نريد أن نوضح بجلاء
من كلمة الله طريق الله للخدمة في الكنيسة – حتى تتوضح طريقة الخدمة الصحيحة
واستمرار الشهادة الصحيحة للمسيح بحسب فكر الله بالتباين مع طريقة الإنسان. ولعل
بعضاً من القراء يتساءلون “كيف يمكن أن يكون هذا؟” وكيف يمكن للاجتماعات
أن تسير أو للخدمات أن تجري دون أن يضطلع بها شخص مسئول؟

 

 ودراسة
دقيقة للعهد الجديد تعطينا جواباً على كل هذه الأسئلة وعلى كل ما قد يبرز من أسئلة
غيرها. غير أننا إذا كنا نريد أن نستفيد وان نخطو في الطريق الصحيح من جهة هذا
الموضوع ينبغي أن ندير التفاتنا وندير أفكارنا بعيداً عن كل ما يعمله الإنسان وما
يقوله الإنسان ونأخذ في الاعتبار شيئاً واحداً فقط هو ما كتبه الله في كلمته لأجل
تعليمنا. إننا نحرض القراء الأعزاء على تفتيش الكتب. فاحصين هل هذه الأمور هكذا؟
كما فعل أهل بيرية في أعمال 17: 11.

مقالات ذات صلة

 

لوقا
22: 7 – 13.

 لنأخذ
هذا الفصل ولنلاحظ فيه بعض الرموز التي تساعدنا على فهم هذا الموضوع. لما قال الرب
لبطرس ويوحنا أن يذهبا ويعدا الفصح سألاه قائلين “أين تريد أن نعد؟”
وبالمثل نحن نسأل في يومنا الحاضر “إلى أين نذهب للسجود؟” والرب حينئذ
قال لهما أن يدخلا إلى المدينة فيستقبلهما إنسان حامل جرة ماء فيتبعاه إلى حيث
يدخل. هذا الإنسان يمكن أن يمثل لنا الروح القدس وجرة الماء تمثل لنا كلمة الله.
وعلينا أن نذهب إلى حيث يقودنا الروح القدس وكلمة الله. وكان على بطرس ويوحنا أن
يتبعا الرجل إلى البيت حيث يدخل ويسألا هناك رب البيت “يقول لك المعلم أين
المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي”. ويخبرهما الرب بأنه سوف يريهما علية كبيرة
مفروشة وهناك يعدا (ع 12)، وهكذا مضيا ووجدا كما قال لهما، وهناك أكلوا عشاء الفصح
مع الرب في العلية، وهناك أيضاً أسس الرب عشاء العهد الجديد. فقد تأسست الكنيسة
بعد عشاء الفصح.

 

 كل
هذا له معناه عندنا. فإن الرب اجتمع مع تلاميذه واحتفل بالفصح في علية منفصلة عن
سائر البيت. هكذا الآن كحقيقة روحية فإن الرب يجتمع بخاصته في مكان منفصل عن كل ما
يحزن روحه ويهين اسمه في وسط المسيحية المعترفة كما هو مكتوب في 2 تيموثاوس 2: 21
“إن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة، مقدساً، نافعاً، نافعاً للسيد،
مستعداً لكل عمل صالح”. والعلية كانت “كبيرة مفروشة”. هكذا كنيسة
الله الحي، حيث المسيح في وسطها ينبغي أن تجتمع في جو سماوي كأعضاء جسد المسيح
بقلوب متسعة مرحبة، حتى يجد كل عضو مكانه عندما يأتي راغباً مخلصاً متمسكاً
بالطهارة والحق. وعندما يجتمع المؤمنون هكذا بالاتكال البسيط على شخصه كمركز
اجتماعهم وقائدهم، فلا بد أن الرب يزودهم بكل ما يحتاجون إليه، لإعلان الشهادة
لاسمه. إن ذاك الذي في الوسط هو رأس الكنيسة الذي يعطي المواهب لعمل الخدمة – كما
رأينا في الفصل السابق عن المواهب والخدمة. والرب في سفر الرؤيا يستعلن لكنيسة
فيلادلفيا كمن له مفتاح داود الذي يفتح ويغلق (رؤيا 3: 7). وهو أيضاً له مفتاح
كنوز ومخازن الله ويستطيع أن يمد شعبه من غنى موارده ما داموا يعتمدون عليه
بالإيمان البسيط والثقة الهادئة.

 

إمدادات
يقدمها المسيح

 إن
الرب يقدم لشعبه المعونة بمواهب الخدمة (أفسس 4: 11 – 16) وحيث يكون الاعتماد على
الروح القدس وحرية عمله، فإنه يدعو ويعطي القوة ويستخدم المواهب في كل كنيسة محلية
للبنيان والعناية بالقديسين والكرازة بالإنجيل للخطاة. فليست هناك حاجة إلى البحث
عن المبشر في الخارج لنستأجره. فحيثما التف المؤمنون معاً حول الرب فإنه يمنح
الوزنات ويعطي البعض إمكانية للخدمة. فقد تكون الخدمة ضعيفة وبسيطة ولكنها من الرب،
وخمس كلمات بالروح القدس أفضل من عشرة آلاف كلمة بلسان غير معروف، أو بلسان بشري
فصيح وطليق (اقرأ 1 كورنثوس 2: 1 – 4، ص 14: 19).

 

 إن
مواهب الرب متنوعة وكل مؤمن له موهبة من نوع معين وله قدرة لتشغيل هذه الموهبة
بشكل معين باعتباره عضواً في جسد المسيح “لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس
هبة المسيح” (أفسس 4: 7). قد تستلزم هذه المواهب اكتشافها وإضرامها وتنميتها
بالاستخدام، ولكنها موجودة بالفعل وقد أعطيت لأجل بنيان وخدمة الجميع، فعندما
يجتمع المؤمنون معاً باسم الرب وحده، مقدرين حرية الروح القدس ليستخدم من يشاء،
فإن كل مؤمن يشعر بمسؤوليته فيتمم دوره المنوط به كعضو لإظهار الشهادة للرب. وهنا
تكتشف المواهب والإمكانيات لكي تعمل بنشاط، بينما في الاجتماعات التي يستحوذ فرد
واحد على كل نواحي الخدمة ويحمل كل مسؤوليتها، لا توجد هذه الحرية لتشغيل المواهب
أو تنميتها مع أنها موجودة في الاجتماع.

 

 إن
الطريق الكتابي لشعب الرب هو أن يجتمعوا حوله بالبساطة كمؤمنين به معتمدين على
الروح القدس ليستخدم المواهب لت بينهم وليقيم آخرين بمواهب أخرى معهم، وقد يُرسل
غليهم خادماً أو خداماً موهوبين لافتقادهم حسب اختياره، وفي الوقت المناسب
لتشجيعهم وتعزيتهم وتبشيرهم بالإنجيل أو لتقديم المساعدة الروحية التي يحتاجون
إليها. والرب كرأس الكنيسة وعريسها يُطعمها ويُدللها، وهو يسدد حاجة كل كنيسة
محلية مجتمعة إليه طالما تعتمد عليه وحده. وهذا ما نراه أمامنا دائماً الكثيرون
معنا، وما نجده في كنائس العهد الجديد. إنهم يجتمعون كمؤمنين، ليبني أحدهم الآخر،
ويقبلون خدام الرب المرسلين إليهم. فتش في سفر الأعمال والرسائل، أفلا تجد هذه
الحقيقة هكذا؟

 

“معلمون
ومنذرون بعضكم بعضاً”

 يكتب
الرسول بولس لأهل رومية قائلاً “وأنا نفسي أيضاً متيقن من جهتكم يا إخوتي
أنكم أنتم مشحونون صلاحاً ومملوؤن كل علم. قادرون أن ينذر بعضكم بعضاً”
(رومية 15: 14) وكذلك كان يرغب في أن يزورهم لكي يمنحهم هبة روحية لثباتهم”
(رومية 1: 11). وللإخوة في كولوسي يكتب قائلاً “لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى
وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم” (كولوسي 3: 16). فالمؤمنون في كل زمان
قادرون على هذه الخدمة، وكما كانوا قبلاً هكذا اليوم. حتى في الكنائس المحلية التي
قد لا تهر فيا مواهب ممكن جداً أن تحصل فيها هذه الخدمة – خدمة تعليم بعضهم البعض
وإنذار بعضهم البعض ما داموا يجتمعون حول الرب ببساطة لأجل دراسة كلمته.

 

 عن
الفشل الأكبر الذي أصاب الكنيسة هو ما حذر منه الرسول بولس إخوته الكولوسيين لما
قال لهم “لا يُخسركم أحد الجعالة… منتفخاً باطلاً من قبل ذهنه الجسدي غير
متمسك بالرأس الذي منه كل الجسد بمفاصل وربط متوازراً ومقترناً ينمو نمواً من
الله” (كولوسي 2: 19). فالمفاصل والربط ليست من الأعضاء الكبيرة الظاهرة في
الجسد، ولكنها تخدم تربط الأعضاء معاً حتى يُحصّل نمو الجسد. فلو تمسك المؤمنون
بالرأس وثبّتوا أعينهم عليه واعتمدوا عليه اعتماداً كاملاً لا بد من نموهم
وانتعاشهم في اجتماعهم. ولو فعلوا غير ذلك فحالاً تظهر الأساليب البشرية والاجتهاد
البشري كما نرى في كل مكان من حولنا.

 

المواهب
اللازمة لا تجتمع كلها في شخص واحد

 تصور
لنا هذه الحقيقة بدقة ما جاء في رومية 12: 5 – 8 “هكذا نحن الكثيرين جسد واحد
في المسيح وأعضاء بعضاً لبعض كل واحد للآخر ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة
المعطاة لنا. أنبوة (فلنتنبأ بقدر أو) بالنسبة إلى الإيمان. أم خدمة (فانُشغل
أنفسنا) في الخدمة. أم المُعلّم ففي التعليم. أم الواعظ ففي الوعظ. المُعطي فبسخاء
(أو ببساطة). المدبر فباجتهاد. الراحم فبسرور”. فمواهب مختلفة أُعطيت لأشخاص
مختلفين وكُلها لازمة لبنيان القديسين ولأداء شهادة الكنيسة. فليمارس كل واحد عمل
الموهبة التي أُعطيت له، لأن هذا هو طريق الله للخدمة في الكنيسة. هكذا يكتب
الرسول بطرس قائلاً “ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها يخدم بها بعضكم
بعضاً كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة” (1بطرس 4: 10).

 

 لما
كان الكورنثيون يتحزبون كل فريق حول شخص أو آخر من خدام الرب – لبولس من أجل
مواهبه وذاك لأبولس من أجل فصحاته وآخر لصفا من أجل جرأته، كتب لهم بولس قائلاً
“كل شيء لكم. أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم.. كل سيء لكم” (1 كورنثوس
3: 21 و 22). فإنهم كانوا يريدون أن يقيدوا أنفسهم بموهبة واحدة (آنية خدمة واحدة).
بينما الرب قد أعطاهم كل هؤلاء الإخوة الموهوبين مع مختلف مواهبهم لأجل بركتهم.
لذلك يجب أن نتحمس ونتحيز لخدمة كل المواهب وكل الخدام الذين أعطانا الرب إياهم
ولا نتحيز لموهبة ونستبعد الأخرى. إن الكتاب يستعمل التعبير “خادم في
الكنيسة” بوسع نطاق ولم يستعمل تعبير “الخادم لكنيسة محلية”.
والفرق واضح. فالكنيسة من واجبها أن تقبل خدام الرب الذين يرسلهم إليها الرب بشكر
وامتنان ما دام كل شيء يسير حسب الترتيب التقوي.

 

القادة
أو المدبرون

 هناك
مدبرون وقادة لهم اعتبارهم في الكنيسة وفي الاجتماعات المحلية، يستخدمهم الله لأجل
إرشاد وبركة شعبه. وهذا ما يؤكده الكتاب المقدس لنا. ونقرأ في أعمال 15: 22 إن
يهوذا المُلقّب برسابا وسيلا “رجلين متقدمين في الإخوة” وفي عبرانيين 13:
7 نقرأ التحريض” اذكروا مرشديكم الذين كلموهم بكلمة الله”. ولكن نلاحظ
أن الكلام عن هؤلاء يأتي بصيغة الجمع وأن مثل هؤلاء لم يُعينوا رسمياً بل هم أولئك
الذين اعتاد الروح القدس أن يستخدمهم في ذلك والروح القدس هو المرشد الحر في أن
يختار من يشاء.

 

التمييز
بين الاجتماعات

 ونشير
هنا إلى الاختلاف بين الاجتماعات الكنسية ككل (مثل اجتماعات السجود وعشاء الرب
والصلاة أو أي اجتماع آخر تدعو إليه الكنيسة)والإجتماعات الأخرى التي يعقدها خدام
المسيح لممارسة خدمتهم حيث تقوم هذه الاجتماعات على مسئوليتهم الشخصية (مثل
الاجتماعات التبشيرية واجتماع مدارس الأحد والاجتماعات التي تلقى فيها محاضرات
لتعليم وخدمة شعب الرب). وهذه الأخيرة تعقد بواسطة أفراد موهوبين من الرب لأجل
خدمة كهذه. وهي اجتماعات لها صفة مختلفة عن تلك التي تعرف عادة باجتماع الكنيسة.
والمسئولية فيها ملقاة على عاتق القائمين بها سواء كانوا أكثر من واحد أو شخص
بمفرده. أما اجتماعات الكنيسة فإن الخدمة فيها غير مقيدة بشخص أو بأكثر بل كل من
يستخدمه الروح القدس يمكنه أن يشترك في الخدمة بنصيب.

 

 إن
كل شعب الله كهنة ولهم جميعاً حق الاقتراب من الله في أقداسه للسجود والصلاة. لأجل
ذلك فإن أي أخ يمكنه أن يقود الجماعة في التسبيح والسجود والصلاة (أما الأخوات
فهناك وصية أن يصمتوا في الكنيسة 1 كورنثوس 14: 34، 1 تيموثاوس 2: 11 و 12 – أي
غير مأذون لهن أن يتكلمن أو يُعلّمن). وبطرس يقول إن المؤمنين “كهنوت مقدس
لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح”، وكذلك هم “كهنوت
ملوكي” (1بطرس 2: 5 و 9).

 

 ولنا
ثقة أن هذه الصفحات سوف تنير السبيل أمام القراء من جهة طريق الله للخدمة في
الكنيسة. وإذا سأل واحد منهم قائلاً (وهل هذه هي طريقة عملية؟) (أيمكن ممارستها؟).
فإن جوابنا هو (بكل تأكيد هي الطريقة السائدة في كنائس العهد الجديد، ولا تزال
تثمر إلى اليوم حاملة البركة في آلاف الكنائس في أنحاء العالم كله حيث تُمارس هذه
المبادئ الكتابية).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى