علم الكنيسة

التعيين أو الرسامة



التعيين أو الرسامة

التعيين
أو الرسامة

 الفكر
الشائع والتعليم السائد في كنائس العالم اليوم,هو أنه لكي يكون الشخص خادماً ليسوع
المسيح, فإنه يجب أولاً أن يتعلم في مدرسة أو كلية لاهوت. وبعدئذ تتم رسامته (أي
يُعين ويُفوض بوظائف خدمة) بواسطة شخص له سلطة دينية. وبذلك يعتبر خادماً مرسوماً
ومؤهلاً تأهيلاً كاملاً, وله السلطة بأن يقوم بالسلطة المقدسة في الكنيسة. وبدون
هذه الرسامة أو التنصيب من الناس, لا يعتبر الشخص – طبقاً للفكر اللاهوتي السائد –
خادماً بالمعنى الصحيح أو خادماً رسمياً, ولا يمكنه بالتالي أن يقوم بكل مهام
الخدمة المعروفة التي يقوم بها غيره مثل خدمات المعمودية والعشاء الرباني.

 

 هذا
هو تعليم الناس في هذه الأيام. ولكن ماذا يقول الكتاب؟ هذا هو سؤالنا مرة أخرى.
ماذا تُعَلّم كلمة الله في هذا الموضوع؟ فذلك هو اهتمامنا الرئيسي, فلا يهم ماذا
يقول أو يفكر البشر, سواء كان هؤلاء البشر متعلمين أو ذوي سلطة.

مقالات ذات صلة

 

الله
هو الذي يقيم

 في
الكتاب المقدس نجد نقطة بالغة الأهمية وهى أن الله هو الذي يقيم. وعندما تحدثنا عن
موضوع إعداد وتدريب خدام الله, أشرنا إلى أرميا 1: 15و 16 لنبين أن الله يفرز
ويخصص خدامه قبل أن يولدوا, ويعدهم منذ ولادتهم. وسنقتبس هذه الفصول الآن
بالارتباط مع موضوع الرسامة أو التنصيب.

 

 يقول
أرميا: “فكانت كلمة الرب إليّ قائلاً، قبلما صورتك في البطن عرفتك، قبلما
خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبياً للشعوب”. ويقول بولس في غلاطية: “وأعرفكم
أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به، إنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند
إنسان، ولا علمته. بل بإعلان يسوع المسيح.. ولكن لما سرّ الله الذي أفرزني من بطن
أمي ودعاني بنعمته. أن يعلن ابنه فيّ بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ودماً”
(غل 1: 11 و 15).

 

 وفي
1 تيموثاوس 1: 12 نجد أن الرسول بولس يشكر الله الذي جعله أميناً للخدمة. وفي 2
تيموثاوس 1: 8 – 11 يتكلم عن الخلاص والدعوة في المسيح، وعن “الإنجيل”
“الذي جعلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم”. وهكذا أيضاً عن
الإثني عشر رسولاً، فيخبرنا مرقس 3: 14 أن الرب “أقام اثني عشر ليكونوا معه
وليرسلهم ليكرزوا”.

 

 هذه
العداد تكلمنا بوضوح عن الإقامة والتعيين للخدمة، إنها من الله نفسه. والرسول بولس
يخبرنا أن الإنجيل الذي يكرز به والخدمة التي أعطيت له لكي يعلّم، لم تكن من إنسان،
ولم يتلقاها من أحد، ولا حتى من الرسل الذين كانوا قبله. فإن كان بولس قد دعا
وتعين من الله، وخدمته لم يتعلمها من الرسل الذين سبقوه، فكيف يتسنى لهم أو لأي
شخص آخر أن يعين أو يرسم؟ ولماذا يحتاج هذا أو غيره إلى تنصيب من الناس أو سلطة
بشرية، طالما كان الله – الذي هو السلطة العليا – قد دعاه وعينه ومنحه المواهب
وعلّمه؟!.

 

لا
إقامة أو تنصيب من البشر

 لم
يكن هناك تعيين من الناس ولا سلطة بشرية بالنسبة لبولس أو أي نبي أو كارز آخر سواء
في العهد القديم أو العهد الجديد، بل إن بولس قال عندما دعاه الله أنه لم يستشر
لحماً ودماً، ولا صعد إلى أورشليم لكي يحصل على مصادقة أو تأييد من ذوي السلطان
الرسولي هناك.

 

 والآن
فإن نفس هذا المبدأ الذي تصرف بموجبه بولس وآخرون في سفر الأعمال لا يزال صحيحاً
حتى اليوم. فإن تعيين الله لخدامه عمل فائق وفيه الكفاية، لأنه إذا كان المسيح قد
أعطى واحداً موهبة ليستخدمها لحسابه، ودعاه وأقامه لخدمته، فإن هذا الشخص بالتأكيد
يصبح غير أمين لو انه ذهب إلى أي جماعة من الناس ليطلب موافقتهم لممارسة الموهبة،
كما أنه يكون أيضاً غير أمين لو أنه فشل في استخدام الموهبة لأن الناس لم يصادقوا
عليها. إن الموهبة تحمل معها مسؤولية ممارستها، ودعوة الله تستوجب الطاعة لها.
وبالطبع فإن الادعاء بوجود الموهبة والدعوة يتطلبان دائماً البرهان. وأولئك الذين
لهم الذهن الروحي قادرون على التمييز إذا ما كان الشخص ذا موهبة ومدعواً من الله
أم لا وبالتالي فإن عليهم أن يشجعوه أو لا يشجعوه طبقاً للحالة.

 

 ولكن
الكنيسة – أو أي شخص آخر – متى أقامت أو عينت معلماً أو راعياً أو كارزاً، قد أخذ
موهبة من الله وتأيد بقوة الروح القدس لكي يكرز ويعلم بالمسيح، فمعنى هذا أن
الكنيسة قد وضعت جانباً تعيين المسيح وعمله، وكأنه غير كاف..! وبكل تأكيد فإن واجب
الكنيسة أن تتعرف على المواهب التي يمنحها المسيح وان تقبلها أيضاً، وهذه هي
الطاعة له. ولكن متى فعلت الكنيسة بخلاف ذلك فإنه يعد عصياناً على المسيح.
والكنيسة ليست في قدرتها أن تمنح مواهب روحية، فلذلك ليس لها الحق أن تختار خدامها
أو تقيمهم وترسمهم. ولكنها تقوم بإعطاء الحاجات المادية، كما أن لها الحق أن تختار
الشمامسة وتعين أولئك الذين يشرفون على أموالها ومصالحها الأخرى، ولكن هذا شيء
مختلف تماماً عن إقامة أو تعيين خدام الكلمة.

 

 والكتاب
المقدس يتكلم عن الشيوخ أو الأساقفة الذين أقامهم الرسولان بولس وبرنابا، أو الذين
أقيموا بواسطة أولئك الذين كان لهم تفويض خاص من الرسول للقيام بهذا العمل، ولكن
لا نقرأ مطلقاً عن أي شخص قد أقامه الناس لكي يكرز بالإنجيل أو يعلم أو يصبح
راعياً على كنيسة. فلا يوجد مثل هذه الفكرة في الكتاب المقدس كله فهي من اختراع
البشر تماماً. كان الشيوخ أو الأساقفة (وهما وظيفة واحدة – انظر تيطس 1: 5 – 7)
يقاموا لكي يتقلدوا وظيفة أو خدم محلية في الكنيسة، ولكن لم يكن هناك خلط بين
عملهم وبين المواهب اللازمة للخدمة. فالوظيفة الكنسية والموهبة شيئان مختلفان
تماماً. وسنعالج موضوع الشيوخ والشمامسة بعد ذلك. ولكن موضوعنا الآن هو الخدمة
الروحية والخدام.

 

 ولكي
نضع الأمر بأكثر تحديد، نؤكد هنا أنه لا يوجد ولا نص واحد في الكتاب المقدس كله
يقول بأن من كان له موهبة كالمبشر أو الراعي أو المعلم، يجب أن يقيمه الناس ليصير
خادماً معترفاً به في كنيسة الله، قبل أن يكون قادراً على ممارسة الخدمة الروحية،
وسنرى الآن بعض الأمثلة التي تؤيد ما نقول في تاريخ الكنيسة الأولى كما هو موحى به
في سفر الأعمال.

 

 ولنتأمل
في حالة اسطفانوس أعمال 6، 7: فمن هو الذي أقامه ليكرز ويخدم بكلمة الله؟ لقد كان
واحداً ممن انتخبهم جمهور التلاميذ ليقوموا بخدمة الاحتياجات المادية والعناية
بالأرامل في الكنيسة، وقد أقيم رسمياً من الرسل لهذه الخدمة – خدمة الشماس. ولكننا
بعد ذلك نجده يتكلم بكلمة الله ويكرز في مجمع اليهود، مع أنه لم تذكر كلمة واحدة
عن تعيينه من الناس لأجل هذه الخدمة، ولا نقرأ عن أن الكنيسة حاولت منعه عن
الكرازة لأنه أقيم شماساً فقط. وأي كارز أقامه الناس استطاع أن يكرز بقوة، أو يشهد
بأمانة وإخلاص، بطريقة تشبه شهادة المسيح نفسه، مثل اسطفانوس ذلك الخادم الذي لم
يقام من الناس.

 

 ونرى
في أعمال 8: 4 بعد الاضطهاد الذي حدث عقب استشهاد اسطفانوس أن “الذين تشتتوا
جالوا مبشرين بالكلمة”. فمن هو الذي أقامهم أو من الذي منعهم عن التبشير؟
ويسجل لنا ذات الأصحاح الكرازة الناجحة والعمل التبشيري الذي قام به فيلبس، الذي
كان قد عين شماساً مثل اسطفانوس، ولا توجد عنه أية إشارة تبين أن فيلبس قد أقيم من
الناس لكي يبشر، ولا حتى من بطرس أو يوحنا، اللذين نزلا من أورشليم إلى السامرة
لكي يكملا العمل. ويعطينا أعمال 11: 19 – 30 تفصيلات أخرى عن عمل أولئك الذين
تشتتوا بعد موت اسطفانوس، ولكننا نلاحظ أن برنابا الذي أرسلته الكنيسة في أورشليم
لمتابعة العمل هناك، لم يقم برسامتهم ولا حاول أن يفعل ذلك بل أنه لم يفكر في ذلك
على الإطلاق.

 

 ولنتأمل
الآن في أعمال 13: 1 – 4. هذا الفصل الذي ما برح اللاهوتيون لمدة طويلة يستشهدون
به ويتخذونه حجة للبرهنة على ضرورة السلطة في تنصيب الخدام. ويخبرنا هذا الجزء أنه
“كان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون”. ويذكر خمسة أسماء
منهم، “وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا
وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم
أطلقوهما. فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدروا إلى سلوكية”.

 

 فهل
يعني أنه بهذا الإجراء قد تم تنصيب برنابا وشاول للخدمة؟ كلا، فلقد كان كلاهما
يخدم الرب بنشاط قبل ذلك الوقت بسنوات، كما كان لهما أكثر من سنة في أنطاكية
يعلمان ويبنيان المؤمنين هناك، إنه من السخافة أن نظن أن كنيسة حديثة التأسيس مثل
أنطاكية كان لها السلطان أن تقيم وتنصب رسلاً؟. بالتأكيد ليس المقصود هنا هو
التنصيب أو الرسامة على الإطلاق.

 

الاستيداع
والشركة

 ما
هو إذاً المقصود من الصوم والصلاة ووضع الأيادي على برنابا وشاول؟. إن عادة وضع
الأيدي كانت تُمارس قديماً في سفر التكوين، عندما كان الأب أو الجد يضع يديه على
الأولاد، وكانت هذه علامة الاستيداع لله من شخص قريب جداً من الله ويستطيع أن يؤكد
له بركة الله. وكذلك في العهد الجديد كان هذا يتكرر دون الإدعاء بأنها تمنح أي صفة
للخدمة. وهنا في أعمال 13 نجد أنها تعبير هام وثمين عن الشركة مع هذين الخادمين
المُكرمين في العمل المرسلي الخاص الذي دعاهما له الروح القدس. وهكذا فإن أعمال 14:
26 يعبر بوضوح عن الدلالة الحقيقية لهذا العمل عندما يقول عنهما بعد ذلك أنهما
“سافرا في البحر إلى أنطاكية حيث كانا قد اُسلما إلى نعمة الله للعمل الذي
أكملاه”.

 

 إذاً
فالشركة مع خدام الله واستيداعهم لنعمة الله هما الفكر الحقيقي المعبر عنه في
أعمال 13: 1 – 4. ولا يزال إلى يومنا الحاضر هذا المبدأ الكتابي سارياً، ولا زالت
هذه الحادثة الواردة باقية المعنى باعتبارها سابقة كتابية ويجب أن تمارس. وكل خادم
حقيقي مدعو وموهوب من المسيح يجب أن تكون له مع كنيسته المحلية أو جماعة المؤمنين
نفس هذه الشركة والصلوات، وأن يستودع منهم عندما ينطلق إلى عمل الرب الذي دعاه
إليه بالروح القدس. ويجب أن يكون كل شيء بترتيب حتى يمكن لأخواته أن يستودعوه لعمل
الرب وللشركة مع المؤمنين والكنيسة في كل مكان آخر. هذا هو النظام الكتابي والإلهي
بالنسبة لخادم المسيح وخدمته، بينما التعيين والرسامة نظام غير كتابي. وهكذا يمكن
تجنب الاستقلال وعدم الترتيب في الكنيسة من جهة، ومن جهة أخرى نتجنب أيضاً النظام
الإكليروسي الذي يعتمد على التنصيب والسلطة.

 

تيموثاوس
حالة خاصة

 وقبل
أن ننتهي من موضوعنا يجب أن نتناول بسرعة حالة تيموثاوس الخاصة، إذ بوضع أيدي
الرسولية عليه حدث معه تأثير خاص وهنا نقتبس كلمات “وليم كيلي”: (لقد عُين
تيموثاوس بنبوات سابقة للعمل الذي دعاه إليه الرب، وبالتالي فإن الرسول بولس
استرشد بالنبوة في وضع يديه على تيموثاوس (1 تيموثاوس 4: 14، 2 تيموثاوس 1: 6)،
ونقل إليه قوة مباشرة بالروح القدس تتناسب مع هذه الخدمة الخاصة التي كان عليه أن
يتممها. ولقد اشترك الشيوخ الموجودون في ذلك المكان مع الرسول في وضع أيديهم عليه.
ولكن هناك فرقاً في التعبير الذي يستخدمه روح الله، والذي يبين أن توصيل الموهبة
لم تعتمد على القوة المؤثرة التي كانت في الشيوخ بل التي في الرسول فقط. لذلك
عندما تُذكر المشيخة نجد أن الوحي يستخدم كلمة (
meta)
اليونانية وتعني (مع) للتعبير عن المشاركة، فقيل “مع وضع أيدي المشيخة”.
ولكن حين يتكلم الرسول عن نفسه نجد كلمة (
dia) اليونانية وتعني
(بواسطة) فقال “بوضع يديَّ”. إن الرسول هو الذي ينقل موهبة. ولم يُسمع
مطلقاً عن شيوخ يمنحون موهبة، فليس هذا عملاً منوطاً بالأساقفة أو الشيوخ، ولكنه
امتياز رسولي سواء لتوصيل قوة روحية أو تكليف الآخرين بوظيفة ما… ولكن من يستطيع
أن يفعل مثل ذلك الآن؟!).

 

 ويستطيع
القارئ أن يراجع أيضاً حالتي يهوذا وسيلا في الأعمال 15: 22 – 34. وكذلك حالة بولس
في أعمال 18: 24 – 28. وقد خدم هؤلاء خدمة مقبولة دون إقامة من الناس.

 

 وينطوي
تحت نظام التعيين البشري تعليم آخر هو تعليم الخلافة ويتضمن الإدعاء بأن ثمة
سلطاناً مُسلماً من الله أصلاً، وينتقل من الواحد للآخر، فالأساقفة يخلفون الرسل،
وهكذا… ولكن رأينا أنه لا يوجد ما يدل على أن الرسل قد عينوا أُناساً للقيام
بالخدمة الروحية. فكيف يمكن إذاً أن تكون هناك خلافة لشيء ليس له وجود أصلاً؟!، إن
هذا كله من ابتداع عقل الإنسان. فالخلافة الرسولية ليس لها وجود في الكتاب المقدس.

 

 وفي
ختام هذه النقطة لنتأمل في بطرس الأولى 4: 10 و 11 والتي تحوي كلمات نافعة لإرشاد
خادم المسيح مقدمة في بساطة ووضوح، وترينا ترتيب الله في ممارسة الخدمة “ليكن
لكل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً، كوكلاء صالحين على نعمة الله
متنوعة، إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله. وإن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها
الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح، الذي له المجد والسلطان إلى أبد
الآبدين آمين”.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى