علم الكنيسة

الرعاة والمعلمون



الرعاة والمعلمون

الرعاة
والمعلمون

 تعطى
هذه المواهب للعناية بالأطفال في المسيح المولودين من الله حديثاً، لقيادتهم
وإرشادهم في الحق، فكل مواهب المسيح معطاة “لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة،
لبنيان جسد المسيح.. لكي لا نكون فيما بعد أطفالاً” (أف 4: 12 و 13). وإن
الله يريد لأولاده النمو في الحق، لذلك منح هذه المواهب لبنيانهم ونموهم. وهذا هو
– على وجه الخصوص – عمل وغرض الرعاة المعلمين.

 

 وفي
النص الذي ذكرناه، يربط الرسول موهبتي الرعاة والمعلمين ببعضها. فلا يقول (وأعطى
البعض أن يكونوا رعاة والبعض معلمين)، ولكن: “أعطى… البعض رعاة
ومعلمين”، وإذ تذكر الموهبتان معاً يتبين أنهما مرتبطتان مع كونهما موهبتان
متميزتين، ويمكن أن يكون للشخص إحداهما دون الأخرى، وقد يمتلكها معاً. وهاتان
الموهبتان تعطيان للعناية بشعب الله ومساعدته، وهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً.

 

أ
– الرعاة

 إن
كلمة “رعاة” تعني حرفياً “رعاة غنم”. وهي توحي لنا بفكرة الذي
يطعم “القطيع” أو “رعية الله” ويعتني بهم. وتشير هذه الكلمة
إلى أولئك الذين أعدهم الله ومنحهم الموهبة “ليرعوا رعية الله”. ودعاهم
لهذا العمل. فالراعي الصالح لا يرغب فقط في أن تخلص غنمه من يد العدو، ولكن أيضاً
أن يحفظها ويقودها ويطعمها. فالراعي يعتني بشعب الرب، حتى لا يشرد أحدهم هنا وهناك،
بل يرده متى ضل، والراعي يتصف بأن له قلباً عطوفاً، ويعرف كيف يقدم لرعية الله
التعزية والراحة في أوقات الشدة، كما يتداخل معهم في تجاربهم ومشكلاتهم، باذلاً كل
جهده لتشجيعهم وإدخال السرور عليهم وتقويتهم، ومقدماً النصح والتشجيع والتقويم،
وذلك بتطبيق المكتوب – كما تتطلب كل حالة على حدة. كما أن الراعي يلاحظ النفوس
وينذرها إذا ما اتجهت نحو التهاون والحياة العالمية.

 

 ولا
يكفي للراعي أن يكون ملماً بالحق فقط، ولكن يجب أن تكون له القوة الروحية والموهبة
لكي يُحرّض الآخرين ويقودهم لهذا الحق يوماً فيوماً. إنه يطبق الحق عملياً على
القلب والضمير، ويجد سروره في الاهتمام بخراف المسيح كأفراد. والواقع أن ممارسة
مثل هذا العمل الرعوي مضني وكثير المشقات مما يسبب إحجام الكثيرين وتباعدهم عن تلك
المسئولية، ولكنه في الحقيقة عمل مبارك جداً، والرعية في أشد الاحتياج إلى مثل هذا
العمل.

 

 نعم،
فإن عمل الراعي هم عمل لا يقدر أن يقوم به غيره، وليس من اللازم أن يكون للراعي
خدمة كلمة جهارية، أو له مركز روحي مرموق، ومع ذلك فمن الممكن أن تكون له موهبتي
الوعظ والتعليم، وقد يتصف عمله بطابع جهاري أيضاً. تلك هي المميزات الرئيسية
لموهبة الراعي.

 

 وبالنظر
إلى الاستخدام الشائع لكلمة “راعي” في أيامنا هذه، فالأمر يحتاج إلى
التفرقة بين المفهوم الشائع للراعي وبين موهبة الراعي كما جاءت في المكتوب، والذي
نحن بصدده الآن. ففي هذه الأيام نرى أن الشخص الذي يختارونه لخدمة كنيسة في طائفة
معينة يدعي راعياً للكنيسة، ولكن مثل هذه الوظيفة – منصب راعي الكنيسة – غير
معروفة في الكتاب المقدس، ولم يكن لها وجود في الكنيسة في العصر الرسولي. ويمكن
لواحد أن يكون بحسب الموهبة راعياً في كنيسة محلية، ولكننا لا نجد في الكتاب
المقدس شخصاً تكلم عنه باعتبار الراعي أو الخادم لكنيسة محلية من بين شعب الله
(وسنتكلم عن موضوع خدمة الشخص الواحد بالتفصيل في الفصل الثالث).

 

 والراعي
الذي يتكلم عنه الكتاب المقدس في أفسس 4: 11، هو الذي يمتلك من المسيح الموهبة
الخاصة ومؤهلات الرعاية، والعناية بشعيب الله في كل مكان يجدهم فيه. إنه راعي بحسب
الموهبة وخادم أيضاً، وربما يكون له عمل دنيوي لإعاشته، وفي الوقت المتبقي ينظر في
أعواز شعب الله في دائرة سكنه. أو ربما يعطي كل وقته لرعاية أولاد الله، مُتنقلاً
من مكان لآخر خادماً لكنيسة الله الحيّ. وقد يعمل في أحد الأماكن أكثر من غيرها،
ولكن كل شيء يتم حسبما يرى سيده، وبحسب توجيه الرأس من السماء. وقد يوجد عديد من
الرعاة الموهوبين في اجتماع محلي في كنيسة الله، وكل منهم مهتم بالنفوس، لأن هذا
يؤدي إلى اغتصاب مكان الروح لقدس وإبطال سلطة عمله في استخدام من يشاء ليكون فمه
المتكلم في الكنيسة (انظر 1 كورنثوس 12: 11).

 

 وفي
الأنظمة الكنسية السائدة في الوقت الحاضر، قد يحمل الشخص لقب “راعي
الكنيسة”، ومع ذلك قد لا تكون له موهبة الرعاية من المسيح على الإطلاق. بل
ربما لا يكون مولوداً من الله. فإذا كان مولوداً من الله فعلاً فمن الجائز مثلاً
أن تكون له موهبة التبشير فقط. لكنه بحكم وظيفته الكنيسة ملتزم بأن يقوم بعمل
الراعي والمعلم أيضاً، مع أن هاتين الموهبتين لم تُعطيا له من المسيح. وفي نفس
الوقت قد يكون هناك غيره في الإجتماع من نال فعلاً موهبة الرعاية، ولكن لأنه لا
يحمل لقب ووظيفة الراعي الرسمي للكنيسة، فلا توجد فرصة له لممارسة هذه الموهبة
المعطاة له من المسيح. وبذلك تتعطل مواهب المبشرين وأيضاً المعلمين بهذه الصورة.

 

 وكل
هذا مخالف لنظام الله في كنسيته كما هو معلن بوضوح في سفر الأعمال والرسائل، كما
أنه يعطل حرية عمل روح الله في استخدام عطايا المسيح. ونحن لا نشك أبداً في أنه
يوجد هناك خدام حقيقيون للمسيح ورعاة موهوبون حقاً يخدمون صورة رسمية في كنائس ذات
أنظمة غير كتابية، وهم يعملون عملاً حسناً للسيد. فإننا يجب أن نعترف بمثل هذه
المواهب التي من الرب وأن نكرمها، ولو أننا – في ذات الوقت – لا نقبل وضعها غير
الكتابي. فما نتحدث عنه الآن هو نظام الله في كنيسته، والموهبة الصحيحة للرعاية
كما ترد في المكتوب، والتي تختلف عن نظام الناس في كنائس العالم في الوقت الحاضر.
وسنتكلم بتفصيل أكثر عن النظام الكتابي للخدمة في الإجتماع المحلي للمؤمنين في
الفصل القادم.

 

 نعود
إلى موضوع مميزات موهبة الرعاية، فنقول أنها على وجه العموم رعاية وإدارة ونظارة،
وقد ترجمت الكلمة “
rule” في متى 2: 6، رؤيا 2: 27 إلى “يرعى”، وهي تعني
حرفياً يرعى الغنم. وفي يوحنا 21: 16 تعطي معنى “يطعم”، وكذلك في أعمال
20: 28، وبطرس الأولى 5: 2 حيث يتكلم عن العناية الرعوية. وعندما يتكلم الكتاب عن
الرعاة، فإنه يعني الخدمة، فالذي يرعى أو يقود بطريقة أفضل هو الذي يخدم الرب أكثر
وأفضل.

 

 وقد
وردت مؤهلات من له الموهبة الرعوية – بصفة عامة – في المواضع التي يتكلم فيها عن
الشيوخ والنظّار مثل 1 تيموثاوس 3: 1 – 14، تيطس 1: 6 – 9، لأن عمل الشيوخ مرتبط
ارتباطاً وثيقاً بالموهبة الرعوية، ويرى هذا عند الكلام عن المسؤولية الملقاة على
قسوس كنيسة أفسس في أعمال 20: 28، إذ يقول: “احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع
الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله”.

 

 ومن
المؤكد أن موهبة الراعي وعمله أمر في غاية الأهمية، فنحن في مسيس الحاجة إلى
الرعاة، ليتنا نطلب من رب الحصاد أن يقيم ويشجع رعاة كثيرين حقيقيين للقطيع. فإنه
كما كان في أيام المسيح هكذا الآن، قد صار الكثيرون “مشتتين كخراف لا راعي
لها” (متى 9: 36).

 

ليت
كل من له موهبة الراعي – مهما كانت طاقاته قليلة – أن يستيقظ ليقوم بمسؤوليته،
فينظر في حاجات “رعية الله” ويخدم بالمحبة التاعبة، ويتشجع في هذا العمل
النبيل. فإن لم تكن فينا الموهبة الرعوية، فلنصلّ لكي يعطينا الرب قلب الراعي لكي
نعتني بخراف المسيح.

 

ب-
المعلمون

 إن
موهبة المعلم في غاية الأهمية أيضاً، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالموهبة الرعوية –
التي كنا بصددها -، لأن الراعي يصعب عليه أن يكون ذا فائدة لشخص ما، دون أن يكون
قادراً – إلى حد ما – أن يعلمه شيئاً، ويمكن أن يكون الشخص معلماً دون أن تكون له
موهبة رعوية، ولكنه من الصعب أن يكون الشخص راعياً دون أن يكون معلماً إلى حد ما.
ويلاحظ أن موضوع المشغولية الأكثر للراعي هو النفوس، بينما الحق الإلهي هو
المشغولية الأكثر للمعلم، فيقدم المعلم الحق الإلهي، بينما يجاهد الراعي لكي يرى
كيف يصبح هذا الحق مقبولاً لدى الأفراد.

 

 والمعلم
الموهوب من الله هو الذي يفرح، بل ويجب أن يساعد الآخرين في التمتع بالحق الإلهي.
إنه موهوب في فهم ومعرفة حقائق كلمة الله وإدراك مميزات الحق وظلال المعاني. وهو
قادر بقوة الروح أن يميط اللثام عن هذه الحقائق ويقدمها للآخرين. فكثيرون يتمتعون
بالحق لأنفسهم ولكنهم غير قادرين على توضيحه للآخرين، ولكن موهبة التعليم معناها
أن الشخص الذي له هذه الموهبة يكون قادراً على أن يضع الحق بكل وضوح وإقناع أمام
المؤمنين، بحيث يتلامس هذا الحق مع عواطفهم، وبالتالي فإنه يؤثر بالقوة في النفوس.
كما أنه يقدم الحق أيضاً بصورة مقنعة تماماً فيستحضر الضمير ويستشعره بمسؤوليته
إزاء هذا النور للسلوك فيه. فمثل هذه النتيجة يمكن الوصول إليها من المعلم الموهوب
المنقاد بالروح.

 

 والمعلم
– بوجه خاص – هو تلميذ للمكتوب، ويعرف كيف يطبق الحقائق بالضبط. “مفصلاً كلمة
الحق بالاستقامة”، فيميط اللثام عن كمالاتها، ويفسر تعاليمها، ويشرح غوامضها.
ويحب دائماً أن يقود أولاد الله إلى أعماق كلمة الله، حتى تظهر صفات الله فيهم.
والمعلم هو الذي يواجه التعاليم الخاطئة ويحذر من التعاليم الكاذبة والشريرة،
فبذلك يحرس وينقذ النفوس. وكما أن المسيح هو مركز الكتاب وغرض كل الحقائق الواردة
فيه، فإن المعلم – المتعلم من الله – يعظّم المسيح ويعلن أمجاد شخصه وكفاية عمله.
وهذا هو الطابع المميز لخدمته.

 

 إن
موهبة التعليم عطية ثمينة للكنيسة، لأنه من الضروري جداً وجود المعلمين! ونحن
مدينون بالفضل للرب من أجلهم، لأنه هو الذي أعطى للكنيسة كل معلم موهوب لبنيان
القديسين فلا يحمل المؤمنون بكل ريح تعليم (أفسس 4: 14). وحيث أن التعاليم الخاطئة
والشريرة تتكاثر في كل مكان، فنحن في حاجة أن نصلي لكي يقيم الرب ويشجع المعلمين
الموهوبين، الذين يقدمون الحق الإلهي بالقوة والوضوح، فتتحرر النفوس من الضلال
ويبني المؤمنون في الإيمان. كما نصلي أيضاً لكي لا تكون مواهب الله للكنيسة مكبلة
بقيود الأنظمة الدينية الآلية أو الأنظمة البشرية، حتى يمارسوا بحرية، خدمتهم
المعطاة لهم من الله، تحت قيادة المسيح رأسهم والموجّه الوحيد لهم.

 

 وفي
أيامنا هذه، حيث كثرت التعاليم الفاسدة والمعوجة، فالحاجة ماسة إلى “الإنجيل
التعليمي” لبنيان وتحرير النفوس التي حصلت على الحياة. والمقصود
“بالإنجيل التعليمي” هو خليط بين عمل المبشر وعمل المعلم. وهو ما نراه
واضحاً في الرسالة إلى رومية، حيث يعلم الرسول مبادئ الإنجيل للمؤمنين. لقد كان
لبولس مواهب كثيرة، فكان رسولاً ونبياً، ومبشراً، ومعلماً، وراعياً حقيقياً. وكانت
كلماته لبرنابا، “لنرجع ونفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب
كيف هم” (أعمال 15: 36)، وهذه شهادة على القلب الحقيقي للراعي، وتعتبر شعاراً
يصلح لكل من يرعى خراف المسيح.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى