علم الكتاب المقدس

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل
التاسع

الأسفار
القانونية في العهد القديم والأسفار المنحولة

سنة
70 بعد الميلاد اجتاح الرومان مدينة أورشليم عاصمة الشعب المؤمن في العهد القديم،
ودمّروا الهيكل الذي كان اليهود يعتبرونه بيت الله ومحلّ سكناه. زالت العبادة من
الهيكل وأُلغي الكهنوت وبطلت الذبائح، فلم يعد شيء يربط المؤمنين بالله إلاَّ
التوراة بأسفارها المقدّسة. ولكنّ التوراة نفسها صارت مهدّدة، بعد أن انفصل
السامريون المرتبطون بجبل جرزيم (قرب نابلس) عن اليهود المتعبّدين في هيكل
أورشليم، بعد أن اختلف الصادوقيّون والفرّيسيّون على تحديد الشريعة (شفهيّة أو
مدوَّنة)، وبعد أن تزايدت الدعاوة المسيحيّة وانتشر الإنجيل مستندًا إلى النص
اليوناني لأسفار العهد القديم، كما ترجمه العلماء في الاسكندرية، وقرأه المؤمنون
من يهود ووثنيين في كل حوض البحر الأبيض المتوسط.

 

مقالات ذات صلة

أ-
كيف تكوّن قانون التوراة أو العهد القديم

أمام
هذا الخطر الذي يهدّد الأمّة اليهوديِّة في كيانها ووجودها، اجتمع رؤساء اليهود
بقيادة يوحنّا بن زكاي في مدينة يمنيّة على شاطئ البحر القريب من يافا حوالي السنة
90 ب. م.، واتّخذوا إجراءات عديدة منها الانفصال عن المسيحيّين ومنعهم من الاشتراك
في الصلاة اليهوديّة، وتأليف صلاة تُتلى يوميًا ضدّ الهراطقة والمرتدّين
المتكبّرين، أي المسيحيّين، ووضع تقويم طقسي (اختلف فيه الأسيانيّون عن
الفرّيسيّين) تتوحّد بموجبه العبادة في المجامع، وتحديد قانون الأسفار المقدّسة.
في هذا الإجراء الأخير أعلنوا لائحة الكتب التي تؤلّف التوراة فتُعتبر كلام الله
وقاعدة حياة المؤمنين، فعدّوا سفري أخبار الأيّام آخر كتاب في توراتهم، فأغلقوا
الباب على أي كتاب جديد، معتبرين أسفار التوراة هذه منتهى الوحي وخاتمة كلام الله
إلى شعبه.

ولمّا
كانت النزعة الفريسيّة هي التي سيطرت على اجتماع يمنية، بعد أن زال تيّار
الصادوقيّين وغيرهم في أعقاب نكبة سنة 70 ب. م. التي تركت وراءها آلاف القتلى
والعبيد من اليهود، أخذ اليهود بالأسفار المكتوبة بالعبرّية، وتركوا جانبًا
الأسفار المكتوبة باليونانيّة، وزادوا على ذلك أنّهم حرموا استعمال الترجمة
اليونانيّة لأسفار التوراة المعروفة بالسبعينيّة واعتبروها محرَّفة بعد أن وضع
المسيحيّون يدهم عليها. ثمَّ طلبوا إلى أكيلا (وهو يهودي من البندس) في السنة 130
ب. م. أن يقوم بترجمة النص العبري إلى اليونانيّة ترجمة أمينة تتقيّد بحرفية النص
ولو على حساب المضمون والمعنى.

1-
التوراة اليهوديّة

هذا
الذي وصل إليه المجتمعون في يمنية كان نتيجة تحوّل دام أجيالاً عديدة، فأفضى إلى
أسفار التوراة القانونيّة التي تُتلى في اجتماعات الصلاة. أمّا ما تبقّى من كتب
فاعتبروه سرًّا محفوظاً لبعض العلماء لا قاعدةَ إيمان لجميع المؤمنين. وهذه الكتب
التي أخرجت من لائحة الأسفار القانونيّة هي التي نسمِّيها منحولة. هي ليست كتبًا
موحاة، بل كتب تقوية تساعدنا على فهم بعض نصوص الكتاب المقدّس بعهدَيه القديم
والجديد وعلى الاطلاع على عواطف المؤمنين الذين تقبّلوا بشارة الإنجيل.

نقرأ
أوّلاً في سفر عزرا الثاني، وهو كتاب غير قانوني دُوِّن في القرن الأوّل المسيحي
باللغة اليونانيّة (14: 44- 46): “بعد نهاية الأربعين يومًا من الصلاة
والانتظار كلّمني العليّ قال: أنشر هذه الكتب التسعة والثلاثين ليقرأها الصالحون
والأشرار على السواء. أمّا الأسفار السبعون الأخرى فاحفظها ولا تعطها إلاَّ للحكماء
من شعبي، بل احفظها سرًّا” (14: 26).

إنَّ
سفر عزرا يحدِّثنا عن مجموعة أسفار التوراة التسعة والثلاثين، أمّا يوسيفوس
المؤرّخ (37- 98 ب. م.) فيورد الرقم 22، وهو عدد الأحرف الأبجديّة في اللغة
العبرانية: جعل سفرَي يشوع وراعوت سفرًا واحدًا ونبوءة إرميا ومراثيه سفرًا
واحدًا، والأنبياء الاثني عشر سفرًا واحدًا. ولكن أكان الرقم اثنين وعشرين أم
أربعة وعشرين (راجع كتاب بارابترا، وهو كتاب يهودي غير قانوني دوِّن في نهاية
القرن الثاني ب. م.) أم تسعة وثلاثين، فالكتب المذكورة هي هي كما أقرّها مجمع
يمنية بعد جدال طويل، لاسيّمَا في ما يتعلّق بسفرَي الجامعة ونشيد الأناشيد.

وإليك
ما قاله يوسيفوس في كتابه “ضِد أبيون”: “ليس لنا عدد لا يحصى من
الأسفار المتنافرة والمتغايرة، بل اثنان وعشرون سفرًا تحوي تاريخ كل الأزمنة
وتُعتبر أسفارًا إلهيّة. كُتُب موسى الخمسة التي تضمّ الشرائع وتروي الأحداث منذ
خلق العالم إلى وفاة مشترع العبرانيين (أي موسى). وبعد موت موسى روى الأنبياء في
ثلاثة عشر سفرًا ما حصل في أيّامهم. ثمّ كانت سائر الكتب.. أمّا الإكرام الذي نحيط
به هذه الأسفار فواضح، إذ منذ أجيال وأجيال لم يجرؤ أحد أن يزيد عليها أو يحذف منها
أو يبدّل فيها شيئًا، كما أنّ المعلّمين يدخلون في قلب اليهودي منذ ولادته أنّه
يجد في هذه الأسفار وصايا الله التي علينا أن نحفظها ونعمل بها”.

هذه
الأسفار التسعة والثلاثون جعلها يشوع بن سيراخ في مقدّمة كتابه ثلاثة أجزاء:
الشريعة، والأنبياء وسائر الكتب. كانت أسفار الشريعة أهم ما في التوراة وأوّل ما
دخل فيها، ثمّ جاءت أسفار الأنبياء وما بعدها، وأغلق الباب بعد دخول سفرَي أخبار
الأيّام. أمّا أسفار الأنبياء فانتشرت في أوساط تلامذتهم قبل أن تدوّن وتجعل في
التوراة، وأمّا سائر الكتب فقد صلَّتها (المزامير) أو قرأتها جماعات عديدة
ومتنوّعة: والأدراج الخمسة أي نشيد الأناشيد، وراعوت، ومراثي إرميا، والجامعة،
واستير، كانت تقرأ في أعياد بني إسرائيل الكبرى، وأسفار الأخبار ونحميا وعزرا في
حلقات الكهنة القائمين على خدمة الهيكل.

وأمّا
الحديث عن الشريعة (أو التوراة بالمعنى الحصري) فيعود إلى الزمن القديم يوم كان
الكهنة يعتبرون مقاطع الكتاب موحاة فيرجعون إليها حجّة يستندون إليها ليعلنوا
حكمًا أو يفتوا في مسألة. نحن نقرأ مثلاً في خر 25: 1 عن بداية الوصايا العشر:
“تكلَّم الرب وتلك كانت كلماته التي قالها لشعبه “. ونقرأ في خر 7: 24
جواب الشعب: “كل ما تكلّم به الرب نفعله ونأتمر به”. وكلمات الشريعة
التي تكلّ بها الرب ووعد الشعب بالعمل بها ستُكتب في كتاب لتبقى مصونة محفوظة.
يقول تث 9: 31: “وكتب موسى هذه الشريعة، دوَّنها إلى الكهنة، بني لاوي، حاملي
تابوت عهد الرب وإلى سائر شيوخ بني إسرائيل ” (رج أيضاً يش 25: 24- 26 ؛ 1 صم
25: 10).

هذه
الشريعة التي بدأ الكتّاب بتدوينها منذ عهد سليمان، سيكتشفها الملك يوشيا وشعبه
سنة 621 كما وردت في سفر التثنية، وسيقومون على أساسا بإصلاح ديني جذري يتركّز على
تنقية شعائر العبادة من الممارسات الوثنيّة وحصر تقدمة الذبائح والاحتفال بالأعياد
في هيكل أورشليم دون غيره من المعابد المنتشرة في أرض إسرائيل (2 مل 22- 23).
وسيكتشفها الشعب الراجع من الجلاء كما وردت في الأسفار الخمسة. لهذه الشريعة كرّس
عزرا نفسه فدرسها ودعا إلى العمل بها (عز 7: 6). شعر أنّه اؤتمن عليها (عز 7: 14)،
فأخذ يعلّم بني إسرائيل أوامرها وأمثالها (عز 7: 10)، وأمر بقراءتها قراءة علانية
لاسيّمَا في الأعياد (نح 8- 10). وبدأ بتطبيقها في حياة الجماعة محتفلاً بعيد
المظال كما لم يُحتفل به منذ عهد يشوع (نح 17: 8).

إنّ
نحميا الذي أُرسل حاكمًا على أورشليم من قِبَل الفرس، وعزرا الذي كان كاتبًا
(موظّفًا) فارسيًا مسؤولاً عن قضايا اليهود، قد عاشا في القرن الخامس ق. م.، وهذا
يعني أنّ أسفار موسى الخمسة قد تثبّتت واستقرّت في صيغتها النهائيّة في ذلك الوقت
أو بعده بقليل، والدليل على ذلك أنّ السامريّين الذين لا يحتفظون من التوراة إلاَّ
بأسفار موسى الخمسة قد انفصلوا عن الجسم اليهودي في القرن الرابع ق. م.

وهكذا،
قبل ميلاد المسيح، تعوّد اليهود المشتّتون في العالم أن يجتمعوا يوم السبت من كل
أسبوع ليقرأوا فصلاً من الشريعة وآخر من الأنبياء وثالثًا من سائر الكتب، وهذه
العادة أخذت بها الكنائس الشرقية التي تقرأ في ليتورجيتها ثلاثة نصوص من العهد
القديم وثلاثة أخرى من العهد الجديد (الإنجيل، رسائل بولس، وسائر كتب العهد
الجديد). وكان المؤمنون الحاضرون يستمعون إلى هذه القراءات ويعتبرونها كلام الله
الذي يجب العمل به لأنّه قاعدة حياة المؤمنين أيًّا كانوا وأينما كانوا.

2-
التوراة المسيحية

أخذ
اليهود المجتمعون بيمنية بالأسفار المكتوبة بالعبرية وتركوا جانبًا تلك المكتوبة
باليونانيّة. أمّا المسيحيّون فقد قرأوا التوراة في نسختها اليونانيّة كما وصلت
إليهم في الترجمة السبعينيّة، ثمّ زادوا على الأسفار التسعة والثلاثين سبعة أسفار
هي: باروك، طوبيا، يهوديت، سفران للمكابيّين، الحكمة، يشوع بن سيراخ.

يجدر
القول هنا أوّلاً إنّ التقليد الشرقي اختلفت عن التقليد الغربي. فالتقليد الشرقي
اكتفى بالنصوص التي يأخذ بها التقليد اليهودي لاسيّمَا في المجادلات اليهودية. قال
يوستينوس: (القرن الثاني ب. م.) إنّه لا يستند إلاَّ إلى المكتب المقبولة عند
اليهود، وأرسل الأسقف مليتون السرديسي (حوالي 160 ب. م.) لائحة بمجموعة أسفار
التوراة إلى أسقف آخر اله أونسيموس، وأغفل ذكر سفر أستير والأسفار المسمّاة
“قانونيّة ثانية” أي باروك، طوبيا.. أمّا أوريجانس (القرن الثالث)
فيتردّد بين ما تقوله الكنيسة الغربيّة وما تقوله الكنيسة الشرقيّة ؛ وكذلك يفعل
كيرلّس الأورشليمي وأثناسيوس الاسكندراني وتيودورس المصّيصي. وانعقد مجمع خاص في
اللاذقية حوالي السنة 360 ولكنّه لم يقل شيئًا عن المجموعة القانونية الثانية.
ووجب انتظار المجمع المنعقد في قصر القسطنطنيّة الملكي سنة 692 لنرى الشرق يأخذ
بلائحة الكتب المقدّسة، أكانت قانونية أولى أم قانونية

أمّا
التقليد الغربي فقد أخذ منذ القِدَم بأسفار التوراة كما تعرفها الكنيسة
الكاثوليكية اليوم، ولم يشذّ عن هذه القاعدة إلاَّ روفينوس وإيرونيموس (القرن
الرابع) ممّا حدا بالقدّيس أغوسطينس على الإسراع في الدعوة إلى مجمع يحدّد هذه
الأمور بدقة، هو مجمع قرطاجة الثالث الذي عُقد سنة 397.

ويجدر
القول ثانيًا إنّ الحركة البروتستانتية أرادت أن تعود إلى الأصول، ففصلت بين
الأسفار المدوَّنة باللغة العبرانية وتلك المدوّنة باللغة اليونانية، فاعتبرت
الأسفار الأولى قانونية، والأسفار الثانية منحولة. فإنّ ما يعتبره الكاثوليك كتبًا
منحولة يسمّيه البروتستانت الكتب المزيّفة وذات الاسم المستعار. لهذا انبرى راهب
دومينيكاني اسمه سكستوس (من مدينة سيانة في إيطاليا) فقسم التوراة التي تقرأها
الكنيسة الكاثوليكية إلى أسفار قانونية أولى (لم تكن يومًا موضوع جدال في
الكنيسة)، وهي التي قبل بها اليهود والبروتستانت لأنّها كُتَبت باللغة العبرانية،
وإلى أسفار قانونية ثانية، وهي التي أدخلت فيما بعد إلى مجموعة أسفار التوراة
والتي يسمّيها البروتستانت الأسفار المنحولة.

ويجدر
القول ثالثًا إنّ الترجمة السبعينيّة بحسب مخطوطاتها المتعدّدة (الفاتيكاني،
السينائي، الاسكندراني، الأفرامي) تتضمّن، فضلاً عن الأسفار القانونية الأولى
والثانية، سفرًا ثالثًا وسفرًا رابعًا للمكّابيّين، وسفرًا ثانيًا لعزرا ومزامير
سليمان. وهذا يعني أنّ الكنيسة الأولى اختارت، بين الأسفار العديدة، تلك التي رأت
فيها كلمة الله كما ألهم بها الرب عباده. أمّا ما تبقّى من كتب فيعدّ كتبًا منحولة
أي إنّها تنتحل شخصيّة الكتب الموحاة أو إنّها تضيف إلى كلام الله ما قاله الناس،
وتنسب إلى الله ما لم يقله الله.

ونحن
عندما نتكلّم عن الأسفار القانونية في التوراة نأخذ بما قاله المجمع التريدنتيني
في جلسته الرابعة المعقودة في 8 من نيسان عام 1546: ارتأى المجمع المقدّس أن يضيف
إلى هذا المرسوم (الله هو مؤلّف العهد القديم والجديد) لائحة بالأسفار المقدّسة
فلا يبقى مجال للشك بما يتعلّق بالكتب التي تسلّمها المجمع. من العهد القديم:
أسفار موسى الخمسة أي التكوين.. هذه الأسفار هي التي تقرأها الكنيسة الكاثوليكية
في الترجمة اللاتينية القديمة المسمّاة “فولغاتا” أو شعبيّة.

إنّ
ما أعلنه المجمع التريدنتيني بوجه الحركة الإصلاحية البروتستانتية كانت قد قالته
مجامع عدّة: مجمع رومة المنعقد سنة 397، ومجمع فلورنسا والكلام الموجّه إلى
اليعاقبة (1442). وسوف يردّد المجمع الفاتيكاني الأوّل في الفصل الثاني من دستور
الإيمان الكاثوليكي (24 من نيسان عام 1870)، ما سبق وقاله المجمع التريدنتيني.

 

3-
ترتيب أسفار التوراة

هناك
ترتيب بدأت تأخذ به الترجمات المسكونية الحديثة التي تتبع الترتيب العبري (الأسفار
القانونية الأولى)، وتزيد عليه الأسفار القانونية الثانية المترجمة عن النسخة
السبعينية، وهناك ترتيب الترجمة اللاتينيّة بحسب الفولغاتا وهو الذي نجده مثلاً في
ترجمة الآباء اليسوعيين في بيروت أو الدومينيكان في الموصل.

وإليك
الترتيب الأوّل المقسوم أربعة أقسام:


الشريعة (توراة في العبرانية) أو أسفار موسى الخمسة المؤلّفة من تك، خر، لا، عد،
تث.


الأنبياء (نبييم في العبرانية): السابقون وهم: يش، قض، 1 و2 صم، 1 و2 مل،
واللاحقون وهم اش، ار، حز، ثمّ الاثنا عشر الصغار وهم: هو، يوء، عا، عو، يون، مي،
نا، حب، صف، حج، زك، ملا.


الكتب (كتوبيم في العبرانية) الباقية: مز، أم، أي، نش، را، مرا، جا، أس، دا، عز،
نح، 1 و2 أخ.


الكتب التي تسلّمتها الكنيسة باللغة اليونانيّة وهي با، طو، يه، 1 و2 مك، حك، سي.

أمّا
الترتيب الثاني فهو يقسم التوراة إلى أسفار الشريعة الخمسة (تك، خر، عد، لا، تث)،
والأسفار التاريخيّة (يش، قض، را، 1 و2 و3 و4 مل، 1 و2 أخ، عز، نح، طو، يه، أس)،
والأسفار الحكمية (مز، أم، جا، نش، حك، سي)، والأسفار النبويّة (أش، إر، مرا، با،
حز، دا، هو، يوء، عو، عا، يون، مي، نا، حب، صف، حج، زك، ملا)، وينتهي الترتيب
بسفرَي المكابيّين.

هذه
هي أسفار التوراة القانونية أكانت في الترتيب الأوّل أم في الترتيب الثاني،
أسُمِّيت قانونية أولى أم قانونية ثانية، وما عدا ذلك فهو أسفار منحولة. وحديثنا
في القسم الثاني من هذا المقال يتطرّق إلى الأسفار المنحولة.

 

ب)
الأسفار المنحولة

تشكّل
الأسفار المنحولة عمارة ضخمة جدًّا، ولهذا، ولئلاّ يتيه القارئ في معارجها، نجعلها
تحت عناوين ثلاثة. العنوان الأوّل: الأسفار التاريخية: رسالة أرستيس، سفر
اليوبيلات، سفر المكّابيين الثالث، سفر عزرا الثالث، حياة آدم. العنوان الثاني:
الأسفار التعليمية: وصيّات الآباء الاثني عشر، مزامير سليمان، سفر المكّابيين
الرابع. العنوان الثالث: الأسفار الجليانية (أو الرؤيوية): الأقوال السيبيلية، أسفار
أخنوخ (في اللغة الحبشيّة والسلافية واليونانية)، انتقال موسى (أو وصيته)، سفر
عزرا الرابع، رؤيا إبراهيم، رؤيا باروك، (في اللغة السريانية). في العنوان الأوّل
يسود العنصر الإخباري أكان تاريخًا أم أسطورة. وفي العنوان الثاني يسود عنصر
التعليم الأخلاقي، وفي القسم الثالث يكشف (يجلو) الله في رؤيا عن المستقبل، بل عن
نهاية الازمنة. كان التقليد يقول إنّ السماء أغلقت فلم ينزل روح الرب على أحد بعد
حجّاي وزكريا وملاخي، فحلّ بشعب إسرائيل خوف عظيم (1 مك 27: 9)، ولكنّ الله
سيتحنّن على شعبه فيزيل الستار عن أسراره ويطع بعضاً من عبيده على ما خفي عليهم من
أمور في الآتي من الأيّام.

 

1-
الأسفار التاريخيّة

أوّلاً-
رسالة أرستيس

هي
مقالة طويلة دوِّنت في القرن الثاني ق. م. فجاءت انعكاسًا للروح اليهودية في
الاسكندرية وتعبيرًا عن تطلّعاتها الاجتماعيّة واهتماماتها العقائديّة. هذه الرسالة
تدعو المتكلّمين باللغة اليونانيّة إلى تكريم شريعة الله الواصلة إليهم، وتربط
الشريعة المقروءة في الاسكندرية بتلك الموجودة في هيكل أورشليم. يد الله كانت
حاضرة حين كُتبت شريعة موسى باللغة العبرانية أو نُقلت إلى اللغة اليونانية. أجل،
إنعزل اثنان وسبعون شيخًا وترجم كل منهم توراة موسى. فجاءت ترجماتهم مطابقة بعضها
لبعض، وهذا ما يدلّنا على مستوى الترجمة الرفيعِ بحيث إنّ بطيموس أراد أن يجعلها
في مكتبته الملوكية. فقد أرسل ملك مصر هذا رسلاً إلى ألعازر رئيس كهنة أورشليم
والقيِّم على كتاب الشريعة يطلب نسخة من هذا الكتاب ليعمل على ترجمته وتزيين
مكتبته به. وصل “الدرج” الآتي من أورشليم، وسجد الملك أمامه سبع مرّات
قبل أن يولم للمترجمين وليمة ويتحدّث معهم على طريقة فلاسفة اليونان مازجًا
المسائل الملكيّة بمناهج الترجمة فجاءت شريعة موسى باليونانية تحفة لا مثيل لها.

نلاحظ
في رسالة أرستيس أنّ أسفار التوراة سمّيت، وللمرّة الأولى، “بيبلوس”،
الكتاب، وسيصبح اليهود في مصر منذ ذلك الوقت “أهل الكتاب”. ونلاحظ أيضاً
تقاربًا بين أسلوب أرستيس كمقدّمة للتوراة، وأسلوب لوقا في بداية إنجيله وسفر
أعمال الرسل.

 

ثانيًا-
سفر اليوبيلات

سفر
يقسم إلى سلسلة من اليوبيلات (يتألّف اليوبيل من 49 سنة)، الأحداث الواردة في سفر
التكوين وبداية سفر الخروج (ف 1- 12)، وكل يوبيل يقسم إلى سبع مجموعات من سبع
سنين، كل سنة تتألف من 364 يومًا. قسم الكاتب الزمن على هذه الصورة ليكون لأعياد
بني إسرائيل وأيّامهم المقدّسة زمن خاص بهم فيتميّزون عن سائر الشعوب الوثنيّة
المحيطة بهم.

يسمّى
هذا السفر أيضاً “التكوين الصغير” لأنّه تكرار مسهب لنصوص سفر التكوين
والخروج، يفسِّر فيه الكاتب أصل الشرائع والعادات اليهوديّة ويعتبر أنّ الآباء
كانوا يعيِّدون أعياد الشعب ويمارسون شرائعهم.

دوِّن
الكتاب في القرن الثاني ق. م. باللغة العبرّية وتُرجم إلى اليونانية. ولكن لم يبقَ
لنا منه في هاتين اللغتين إلاَّ مقاطع قصيرة. ولكنّه حُفظ لنا كاملاً بين أسفار
التوراة باللغة الحبشيّة. يجدر القول هنا إنّ مواد الكتاب قديمة وقد وُجد بعضها في
سفر التكوين المنحول الذي اكتشفت نصوصه المكتوبة بالآرامية في مغاور قمران قرب
البحر الميت.

نلاحظ
في هذا الكتاب ذكرًا للخمر، وللمرّة الأولى، في العشاء الفصحي عند اليهود. هل نحن
هنا في أساس ما عمل يسوع يوم أخذ الخبز والخمر ليحتفل بالعشاء السرّي، ذلك الفصح
المسيحي؟ ونلاحظ تشديدًا على موضوع قتل الأنبياء، وهو ما سيقول فيه يسوع:
“أرسل إليكم أنبياء.. منهم من تقتلون وتصلبون، ومنهم من تجلدون في مجامعكم
وتطاردون من مدينة إلى مدينة” (مت 23: 35؛ رج 23: 37: أورشليم قاتلة
الأنبياء). ويورد الكاتب فكرة تقول إنّ العبادة على الأرض هي صورة لما يحدث في
السماء. لذا فإنّ أي تعديل في الروزنامة يُعتبر نكبة لأنّه ساعة يحتفل أهل الأرض
بعيدهم يكون أهل السماء منشغلين بأمر آخر.. في لو 8: 2- 20 نعرف أنّه يجب أن ننشد
مجد الله على الأرض، لأنّ الملائكة ينشدونه في السماء. ويذكر الكاتب أخيرًا أنّ
الأبرار يعيشون ألف سنة (إذاً أكثر من آدم الخاطئ) في العهد المسيحاني. هذه الفقرة
سنقرأها في سفر الرؤيا (20: 1- 6) حيث الشهداء يعيشون ويملكون مع المسيح ألف سنة.

ثالثًا-
سفر المكّابيّين الثالث

السفر
الأوّل والثاني للمكّابيّين (وهما كتابان قانونيان) يتطرّقان إلى ثورة اليهود على
مضايقات أنطيوخس الرابع (ملك أنطاكية) وملاحقاته لهم. أمّا سفر المكّابيّين الثالث
فهو ينقلنا إلى مصر حيث نرى بطليموس الرابع يضطهد اليهود. والسبب في ذلك هو أنّه
أراد أن يدخل هيكل أورشليم، فمُنع بسبب شلل حصل له فجأة، فعزم على الانتقام من
اليهود، فجمعهم في محل سباق الخيل وأراد قتلهم ولكنّهم نجوا بعجائب عديدة حصلوا
عليها بفضل صلواتهم. ولمّا تمَّ لهم الخلاص أنشأوا عيدًا يحتفلون به مرّة كل سنة.

كتب
هذا السفر في القرن الأوّل ق. م. باللغة اليونانيّة، يهوديُّ من جماعة الاسكندريّة
بشكل أسطورة، فاستقى منه الكتّاب الكنسيّون عناصر عديدة حين رووا اضطهاد المسيحيين
الأوّلين.

 

رابعًا-
سفر عزرا الثالث

عرفت
التوراة العبرانية سفر عزرا وهو يتضمّن سفرَي عزرا ونحميا، وقد تمَّ الفصل بين
هذين السفرين في القرن الخامس عشر ب. م. أمّا التوراة اليونانيّة فقد اتبعت طريقة
التوراة العبرانيّة فجاء سفر عزرا، بفصوله الثلاثة والعشرين، جمعًا لما نسمّيه
اليوم سفرَي عزرا ونحميا، ثمّ قسّم السفر قسمين في عهد أوريجانس.

أمّا
سفر عزرا الثالث الذي نحن بصدده، فهو كتاب يوناني دُوِّن في الاسكندرية في القرن
الأوّل ق. م.، ولقي رواجًا عظيمًا عند آباء الكنيسة، فدخل في متن الترجمة
اللاتينية الشعبيّة بعد صلاة منسّى.

هذا
السفر هو جَمْع لمقاطع متعدّدة من أسفار التوراة: فالفصل الأوّل مثلاً يوافق 2 أخ
35: 1 ي، والفصل الثاني يوافق عز 1: 1 ي ؛ 7: 4- 24. والقسم الجديد (3: 1 – 5: 6)
يتضمّن أسطورة داريوس وزرلابل. أمّا موضع الكتاب فتاريخ الهيكل منذ عهد يوشيا
وإصلاحه والاحتفال بالفصح، مرورًا بعهد زربابل الذي أعاد بناء الهيكل قبل أن يحتفل
بالفصح، ووصولاً إلى عزرا الذي عمل على تنظيم العبادة واحتفل بعيد المظالّ.

 

خامسًا-
حياة آدم وحوّاء

تأمّل
المؤمنون اليهود في حياة آدم وحواء ودوَّنوا تقاليدهم في القرن الأوّل ق. م.، وقد
وصل إلينا منها تقليد باللغة اليونانية وآخر باللغة اللاتينيّة.

إنّ
حياة آدم وحواء المحفوظة باللغة اليونانية (واسمها أيضاً “رؤيا موسى”)
قد حملت العنوان التالي: “قصّة حياة الكائنين الأوّلين اللذين جبلهما الله، آدم
وحوّاء، كما أوحيت إلى عبده موسى عندما تسلّم لوحي الوصايا المكتوبين بيد الله،
وتلقّاهما من الملاك ميخائيل”. ينطلق هذا السفر من سفر التكوين (ف 1- 4)
فيروي في مدارش إخباري (هاجاده في العبرّية) حياة آدم وحوّاء ولاسيّمَا خطيئتهمَا
التي أغرتهمَا بها الحيّة، أداةُ الشيطان الملاك الثائر. تخبرنا حوّاء عن الزلّة
والخروج من جنّة عدن الغنيَّة بالثمار، وعن توبتها وتوبة زوجها.. ثمّ عن ولادة
الأولاد. وينتهي السفر بمرض آدم وحوّاء وموتهمَا.

وهناك
حياة آدم وحوّاء محفوظة باللغة اللاتينيّة تبدأ يوم طُرد آدم وحوّاء من الفردوس،
وتحدّثنا مطوّلاً عن توبة الخاطئين الأوّلين. سمع آدم كلام الرب فبكى كثيرًا وصرخ:
أيّها الرب إلهي، إنّ حياتي بين يديك. أبعد عنّي العدوّ الذي يسعى إلى هلاك نفسي.
أعطني، يا رب، المجد الذي عُرِّيت منه. فاختفى الشيطان عن ناظري آدم، وثابر آدم
على توبته أربعين يومًا في مياه الأردن. نتوقّف عنا لنلاحظ أنّ أفكارًا عديدة من
حياة آدم وحوّاء قد انتقلت إلى الفكر المسيحي.

*
نقرأ في النسخة اليونانية عن أهمّية شجرة الحياة (تك 9: 2، 22: 3) وقد بعث آدم
بابنه شيت ليجلب له منها زيت الشفاء، ولكنّ هذا الزيت رُفض لآدم المائت، فبات عليه
أن ينتظر نهاية الأزمنة والقيامة لكي ينال الحياة. إنّ سفر الرؤيا (22: 2) يحدّثنا
عن شجرة الحياة المنتصبة وسط أورشليم الجديدة: إنّ يسوع القائم من بين الأموات
يجعل الغالب يأكل من شجرة الحياة في فردوس الله (رؤ 7: 2). أمّا المسح بالزيت
للمرضى فطقس قديم مارسته اليهوديّة والمسيحيّة في القرن الأوّل المسيحي (مر 13: 6؛
يع 5: 14) لا كدواء يشفي مرض الجسد وحسب، بل كوسيلة تعطي المؤمن الحياة في الدهر
الآتي.

*
“قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله ” (مز 12: 51). هذا ما طلبه المرتّل في
خط حزقيال (36: 25 ي) الذي قال: “أعطيكم قلبًا جديدًا. أجعل في أحشائكم روحًا
جديدًا”. ولكنّ كاتب حياة آدم وحوّاء يعتبر هذا الأمر مستحيلاً ما دام
الإنسان على الأرض. أمّا في القيامة فيحصل المؤمن على هذا القلب الجديد فلا يعود
يخطأ من بعد. في هذا الخط نستطيع أن نقرأ في رسالة يوحنا الأولى (9: 3): “كل
مولود من الله لا يعمل الخطيئة.. هو لا يقدر أن يعمل الخطيئة لأنّه من الله
“.

*
عندما يورد الكاتب شعائر مأتم آدم وحوّاء يذكر أنّ شيئًا مسح والده بالزيت بالنظر
إلى القيامة. ونحن نتساءل: أما يمكن أن يفسّر على هذا الشكل ما فعلته امرأة بيت
عنيا. لمّا سكبت الطيب على جسد يسوع لتهيِّئه للدفن (مر 3: 14- 9)؟

*
وفي النسخة اللاتينيّة لحياة آدم وحوّاء نقرأ أنّ آدم أرفع من الملائكة لأنّه صورة
الله، ويسوع هو فوق الملائكة لأنّه ابن الله، ولأنّه صار يوم الفصح آدم الثاني
ونموذج الخليقة الجديدة، والصورة الكاملة للآب فأعطى له الآب اسمًا تنحني له كل
ركبة في السماء والأرض (فل 2: 9-10). ونقرأ أيضاً عن طعام جديد يبحث عنه آدم
وحوّاء ويراه سفر الحكمة (16: 20- 21) في المنّ، طعام الملائكة، الذي يتضمّن كل
لذّة ويلائم كل ذوق. هذا الطعام العجيب، هذا المنّ الخفيّ الذي يعطيه الرب للمتغلّبين
على الشرّ (رؤ 7: 2) هو جسده الذي يبذله من أجل حياة العالم (يو 6: 51).

 

2-
الأسفار التعليمية

أوّلاً:
وصيّات الآباء الاثني عشر

دُوِّن
هذا السفر في القرن الثاني ق. م. باللغة العبرانية وترجم إلى اليونانية ومنها إلى
الأرمنية والسلافية، ونرى فيه أبناء يعقوب الاثني عشر يعظون أولادهم قبل موتهم.
إذاً نحن أمام اثنتي عشر خطبة وُضعت في فم أبناء يعقوب يحثّون فيها بنيهم على
التقوى والصدق. ينطلق الكاتب من بركة يعقوب على بنيه كما نقرأها في تك 49: 1 ي،
فيبدأ، بالنسبة إلى كل أب من الآباء، بمقدّمة شبه تاريخيّة تورد بعض الأمور عن
حياة هذا الآب بشكل درس إخباري، ثمّ يُتبع المقدّمة بكلام أخلاقي يستنتج العبرة
ممّا تقدّم، ويُنهي بخاتمة قصيرة تكشف لنا عن المسيح الآتي.

نورد
من وصيّة لاوي بن يعقوب المقطع التالي: “بعد أن يعاقب الرب الكهنة الفاسدين،
يزول الكهنوت. حينئذٍ يقيم الرب كاهنًا جديدًا يكتشف كل كلمات الرب، ويمارس عدالة
حقيقية على الأرض، يطلع كوكبه ككوكب ملك.. وينمو كوكبه في المسكونة فيضيء كالشمس
على الأرض ويقتلع كل الظلمات من تحت السماء ويكون سلام على الأرض كلّها. في تلك
الأيّام تهتزّ السماوات فرحًا، وتبتهج الأرض ويعيّد الغمام وتنتشر معرفة الرب على
الأرض كمياه البحار وتنفتح السماوات، ومن المعبد المجيد يأتي على المسيح التقديس
يرافقه صوت أبدي كصوت إبراهيم لإسحق”. هنا نستطيع أن نتذكّر كلام يسوع:
“يا رب كشفت للبسطاء ما أخفيته عن العلماء” (مت 25: 11). وما قيل عن
الكوكب (أو النجمة) الذي ظهر في المشرق (مت 2: 2؛ رج عد 17: 24) فجاء المجوس
يسجدون له، وما حدث يوم تعمّد يسوع: انفتحت السماوات، هبط روح الله، وسُمع صوت من
السماء: هذا هو ابني الحبيب (مت 16: 3- 17).

ونورد
من وصية يهوذا لبنيه: بعد هذا اليوم يقوم كوكب لكم من يعقوب في السلام، يطلع رجل
من نسلي يكون كشمس البر، فيسير مع بني البشر (لو 15: 24) في الوداعة والعدل. لن
توجد فيه خطيئة (1 بط 22: 12). تنفتح السماوات فوقه فيفيض عليكم الروح الذي هو
بركة الآب القدّوس.. فتكونون أبناء الله حقًا وتسيرون بحسب شرائعه من أوّلها إلى
آخرها. حينئذٍ يشعّ صولجان ملكي (تك 49: 15) ومن جذركم ينبت فرع (أش 11: 1) يفرخ
منه قضيب عدل (روم 12: 15) يعاقب الأمم الوثنية (عز 9: 2) ويخلّص كل الذين يدعون
باسم الرب.

 

ثانيًا-
مزامير سليمان

نسب
التقليد اليهودي مجمل الأسفار الحكمية (أم، جا، حلم، نش) إلى سليمان (خدعة أدبية)،
كما نسب البنتاتوكس أو الأسفار الخمسة إلى موسى، والمزامير إلى داود، بسبب الحكمة
التي زيَّنها الرب بها (1 مل 5: 12). وزاد الأتقياء (في القرن الأوّل ق. م.) على
كل هذا مؤلّفًا منحولاً اسمه “مزامير سليمان” هو غير “موشّحات
سليمان “. إنّ “موشّحات سلمان ” هذه تتألّف من 42 قصيدة دوِّنت في
القرن الثاني ب. م. وحُفِظَت لنا باللغة السريانية. أمّا مزامير سليمان فتتألّف من
18 نشيدًا تشبه إلى حدٍّ بعيد ما نقرأه في “مزامير داود”. الفت
بالعبرانيّة وترجمت إلى السريانيّة واليونانيّة، فصوّرت لنا نفسيّة الشعب اليهودي
كما يراها الفريسيّون بعد أن أخضعتهم رومة لسلطانها على يد القائد بومبيوس (توفي
سنة 48 ق. م.).

نورد
هنا مقطعًا من المزمور 17: “أيّها الرب، أنت ملكنا دائمًا وأبدًا، وبك يا
إلهنا نتعظّم. كم تدوم حياة الإنسان على الأرض؟ وهو ما دام حيًّا يجعل اتكاله على
نفسه. أمّا نحن فنتّكل على الرب مخلَّصنا، لأنّ قوّة الله أبدًا رحومة وسلطان
إلهنا دائم على الأمم. أنت يا ربّ اخترت داود ملكًا على إسرائيل وحلفت له إنّ
ذريته ستدوم إلى الأبد، وبيته الملكي لا يزول من أمامك. ولكن بسبب خطايانا، وقف
بوجهنا الخطأة وهاجمونا وطردونا وأخذوا منّا عنوة كل ما نملك، مع أنك لم تَعِدهم
بشيء. هم لم يمجّدوا اسمك الذي يحق له كل إكرام.. أنظريا رب، وأقم لشعبك ملكًا،
ابن داود، في الزمن الذي تعرفه يا رب فيملك على إسرائيل عبدك. شدّده بقوّتك ليحطّم
الملوك الجائرين، نظِّف أورشليم من الوثنيّين الذين يدوسونها.. حينئذٍ يجمع الملك
شعبك المقدّس ويقوده بالبرّ ويسود قبائل الشعب المقدّس”.

نقرأ
مزامير سليمان فلا نجد نفوسنا غرباء عن مضمونها لأنّها منسوجة من آيات الكتاب
المقدّس، ولهذا جُعلت في السبعينيّة بعد أسفار الأنبياء. نكتشف في هذه المزامير
نظرة مسيحانيّة تجعل عمل المسيح يكن في هدم كل ما يضرّ بشعب إسرائيل، أكان ضغطاً
أجنبيًا، أم حضور غرباء، أو تنجيس هيكل.. ولكنّ يسوع الناصري لم يأخذ بهذه النظرة
المسيحانية الضيّقة التي تريد أن تجعل من الشعب العبراني محور الأرض، فتخضع له
جميع الشعوب، ومن المسيح ملكًا ينتصر باسم شعبه على العدو الروماني. لا بل نحن
ننادي بالمسيح مصلوبًا وقد صار بقيامته قدرة الله وحكمة الله (1 كور 1: 23- 24).

 

ثالثًا-
سفر المكّابيّين الرابع

كُتب
هذا السفر في جوّ يوناني في القرن الأول المسيحي، فأراد كاتبه أن يبيّين على طريقة
الرواقيين سلطان العقل على الرغبات والشهوات. بدأ يشرح القضية بشكل نظري، ثمّ عاد
إلى أمثلة مأخوذة من التاريخ المعاصر فذكر أونيا (1 مك 7: 12- 8؛ 2 مل 3: 31- 35)،
وألعازر (1 مك 2: 5)، والإخوة السبعة (2 مك 7: 1 ي).

جُعل
هذا السفر في النسخة السبعينيّة في الخطوط الاسكندراني والخطوط الفاتيكاني، ولكنّ
الكنيسة لم تحتفظ به، كما أنّها لم تحتفظ بسفر المكّابيّين الثالث، بين أسفارها
القانونية، واكتفت بسفرَي المكّابيين الأوّل والثاني. هذا هو عمل الروح فيها.

 

3-
الأسفار الجليانية

قسَّمنا
الأسفار المنحولة إلى تاريخيّة وتعليميّة وجليانيّة لنسهّل على القارئ التفرقة بينها،
ولكنّ هذا التقسيم يبدو مصطنعًا، لأنّ كل سفر هو جلاء بمعنى أنّه إظهار لأمور
خفيّة. في كل هذه الأسفار يرى المؤلّف رؤيا أو يجعل نفسه في إطار رؤيا يسمع فيها
كلام الله، فيعلن أنّه خُطف عن هذه الأرض وسمع كلامًا لم يسمعه بشر، يقوله في
نهاية حياته بشكل وصية لأبنائه، على مثال يعقوب (تك 49: 1 ي) أو موسى (تث 33: 1
ي). ولكن نجد بين هذه الأسفار ما تبرز فيها هذه الظواهر الجليانية بقوّة، كأسفار
أخنوخ ووصيّة موسى وغيرها مما سنذكره.

 

أوّلاً-
الأقوال السيبيلية

“سيبيلة”
نبيَّه تعوَّدت أن تتنبّأ بما سيحصل للبشر من أحداث في الآتي من الأيام. تخفَّى
وراءها الكتَّاب اليهود فجعلوها تلعب في اليونان الدور الذي لعبه موسى في أرض
إسرائيل. وعلى هذا بدأت تظهر منذ القرن الثاني ق. م. الأقوال السيبيلية أي
المنسوبة إلى “سيبيلة” وقد جعل فيها يهود الاسكندرية أفكارهم ومعتقداتهم
ليقرّبوها من العقلية اليونانية.

احتفظت
لنا المخطوطات باثني عشر كتابًا تتضمّن أقوالاً سيبيلية، ولكن يبق أهمّها الكتاب
الثالث الذي هو مصدر سائر الكتب ونموذجها، والذي نجد فيه مزيجًا غريبًا من الفكر
اليهودي المؤسّس على عبادة الله الواحد، ومن الفكر اليوناني (أسطورة أبناء هيسيودس)
أو الفكر البابلي عن السنة الكونية. نقرأ كل هذا في إطار جلياني على ما نجد في
أسفار أخنوخ أو كتاب اليوبيلات، فنتعلّم الكثير عن الله والإنسان ونفهم أنّ
التاريخ لا قيمة له بحدّ ذاته، وإنّما قيمته في أنّه يحوي أمثلة حيّة تسند التعليم
الأخلاقي الذي يتوجّه إلى المؤمن.

 

ثانيًا-
أسفار أخنوخ

وصل
إلينا من أخنوخ سفر باللغة العبرية بين القرن الأوّل والثالث ب. م.، يحتوي مجموعة
من الرؤى عن أعاجيب السماء، وكلامًا على الروحانية اليهودية. ووصل إلينا أيضاً
“سفر أسرار أخنوخ”، كتبه يهودي من فلسطين باللغة اليونانية في القرن
الأوّل المسيحي وحُفظ لنا باللغة السلافية القديمة. نرى فيه أخنوخ الشيخ يقوم
بسفرة في السماوات السبع فيرى رؤى ويتسلّم في كل منها وحيًا عن خلق العالم وأسرار
المستقبل. ووصل إلينا أخيرًا سفر كتبه في العبرانية أو الآرامية يهودي فرّيسي عاش
في فلسطين في القرن الثاني ق. م. ترجم التي اليونانية ومنها إلى اللغة الحبشية في
القرن الخامس أو السادس ب. م. نتحدث هنا عن أخنوخ الحبشي. يذكر سفر التكوين (5:
24) أخنوخ ويقول فيه: سلك مع الله. سار في طريق الله ووصاياه فأخذه الله إليه.
أمّا يشوع بن سيراخ (44: 15- 16) فيقول: الشعوب يحدّثون بحكمته ويقولون عنه إنّه
أرضى الرب. أخنوخ هو السابع بين الآباء الذين عاشوا قبل الطوفان، وهو يمثّل الكمال
فيهم. بعد ذلك لا نعجب إن استعار الكتَّاب اسمه فنسبوا إليه مجموعة من كتب
الجليان.

أمّا
سفر أخنوخ السلافي فنقرأ فيه بصورة خاصة خبر حبَل عجائي يشكل صلة وصل بين حبَل
المرأة العاقر مثل سارة (تك 18: 1- 15؛ با 21: 1- 3) وأليصابات (لو 1: 5 – 25)،
وحبَل العذراء أم يسوع (مت 1: 18- 25؛ لو 1: 26-38). في هذا السفر نقرأ عن امرأة
عجوز وعاقر تحبل بولد من دون علاقات زوجية، ولكنّها تموت يوم تلد ولدها كما حصل لراحيل
عندما ولدت بنيامين (تك 35: 16- 19).

كانت
صفنيم، امرأة نيرِ، عاقرًا لم تُنجب له ولدًا، وكانت عجوزًا عندما حملت في بطنها
ولدًا (رج لو 1: 24). وَلكنّ نيرًا لم يعرفها منذ يوم جعله الرب كاهنًا على رأس
شعبه. وخجلت صفنيم واختبأت كل الأيّام فلم يعرف أحد من الشعب بأمرها. ولما جاءت
أيّام الولادة تذكّر نير امرأته فدعاها إلى بيته ليتحدّث معها، فذهبت إليه وكان قد
اقترب وقت الولادة. ولمّا رآها على هذه الحال خجل بسببها وقال لها: “لماذا
صنعتِ هذا يا امرأة؟ لماذا جعلتِ الخجل يغطّي وجهي على عيون كل الشعب، فاذهبي الآن
بعيدًا عني. إذهبي إلى حيث حملتِ عار بطنك، لئلا أُنجِّس يدي فأقتلك فأخطئ أمام
الرب” (رج مت 1: 19). فقالت صفنيم لزوجها: “أنا عجوز يا سيّدي، ولم يعد
فيَّ غلواء الشباب، ولا أعرف كيف تمَّ في بطني هذا الحبَل الوقح السفيه”. لم
يصدِّقها نير، وقال لها: “إبتعدي عني وإلاَّ ضربتك فأخطأت أمام وجه
الرب”. وإذ كان نير يكلّم امرأته، سقطت صفنيم عند قدميه وماتت. وخرج الولد من
حشاها، وما إن خرج حتى بدا كامل الجسم ففتح فاه وبارك الله. أمّا الولد فهو
ملكيصادق: إنّ كلمة الله خلقت كاهنًا عظيمًا، كاهنًا لا أب له ولا أُمّ ولا نسب،
ولا لأيّامه بداية ولا لحياته نهاية (رج عب 3: 7).

أمّا
سفر أخنوخ الحبشي فهو أكبر كتب الجليان عند اليهود. يتكوّن من خمسة أقسام ويتضمّن
104 فصول فيها الكثير من الكلام الأخلاقي للزمن الحاضر، والنبوءات عن نهاية
الأزمنة. وصل إلينا من هذا السفر نسخة جعلت مع أسفار التوراة الحبشية، وكذلك مقاطع
باللغتين العبرانية والآرامية في مخطوطات مغاور قمران.

نجد
في هذا السفر: رؤيا الأسابيع، ورحلات أخنوخ وأمثاله. في رؤيا الأسابيع يرتسم
أمامنا تاريخ الكون في عشرة أسابيع يتميّز فيها كل أسبوع بحدث بالغ الأهمّية. وفي
الأسبوع السابع تنتهي الأحداث التاريخيّة الكتابيّة، وتبرز وجوه الأشخاص الذين
يحصلون على رؤى من الرب. وبعد هذا يبدأ المستقبل الاسكاتولوجي، أي ما سيحدث في
الأزمنة الأخيرة. وفي الأسبوع الثامن يدين الأبرار والأشرار وينتصر بنو إسرائيل
على أعدائهم. وفي الأسبوع التاسع يصل وحي الله إلى الوثنيين. وفي الأسبوع العاشر
يدين الله الملائكة المتمرّدين وينظّف السماء من آثارهم.

وإليك
مقطعًا من رؤيا الأسابيع: “ثمّ علَّم أخنوخ وقال: بالنسبة إلى أبناء البرّ،
إلى مختاري الكون، إلى نبتة الحق (أي شعب إسرائيل)، هذا ما أقوله لكم يا أبنائي،
أنا أخنوخ، بحسب ما أوحي التي في رؤيا سماوية تعلّمتها من خلال أصوات ملائكة
قدّيسين وفهمتها وقرأتها في لوحات السماء. قال: أنا سابع الآباء ولدت في الأسبوع
الأوّل وكان العدل والحق بعدُ على الأرض. في الأسبوع الثاني يحلّ شرّ عظيم وينتشر
الكفر وتكون التتمّة الأولى وينمو الجور. وبعد نهاية هذا الاسبوع ينمو الجور فيعطي
الرب شريعة للخطأة. وفي نهاية الأسبوع الثالث يتّم اختيار رجل يكون نبتة حكم عادل
فينمو إلى الأبد.. وفي الأسبوع العاشر تكون الدينونة الأبدية التي فيها يمارس الله
انتقامه وسط ملائكته. تزول السماء الأولى وتظهر سماء جديدة، كل قوى السماء تضيء
إلى الأبد سبعة أضعاف”.

نجد
صدى لما قرأناه في رؤيا الأسابيع، في سفر يهوذا (آ 6) الذي يتحدّث عن الملائكة
الأشرار فيقول: “إنّ الله يبقيهم ليوم الدين مقيَّدين بقيود أبدية في أعماق
الظلمات” (رج 2 بط 4: 2)، وفي رسالة بطرس الثانية التي تقول: “تلتهب
السماوات وتنحلّ، وتذوب العناصر بالنار. ولكنّنا ننتظر، كما وعد الله، سماوات
جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها العدل” (3: 12- 13).

ونقرأ
في رحلات أخنوخ: “رحت أزور مكانًا آخر، فأراني الملاك في الغرب جبلاً آخر
عظيمًا كبيرًا.. ورأيت أرواح الراقدين الذين يرفعون صلاتهم إلى الله. فوصل صوت
واحد منهم إلى السماء.. وسألت رفائيل، الملاك الذي كان معي: روح مَن هذا الروح
الذي طلب من الرب طلبًا فوصل صوته إلى السماء؟ أجابني: هو روح هابيل الذي قتله
أخوه قايين! إنّ هابيل يرفع صوته إلى الله على أخيه إلى أن يزول نسله من الأرض.
وطرحت سؤالاً عن الفجوات المدوّرة: لماذا تنفصل الواحدة عن الأخرى؟ أجاب: لكي
تنفصل أرواح الموتى بعضها عن بعض. فالفجوة التي في الوسط والتي فيها ينبوع الماء
المضيء، قد أفرزت لأرواح الأبرار. وتلك الفجوة الأخرى خُلقت للموتى.. هنا توضع
أرواحهم للعذاب العظيم إلى يوم الدينونة العظيم. هذا عقاب الملعونين إلى الأبد
وعذابهم “.

نجد
صدى لما قرأناه في رحلات أخنوخ، في سفر الرؤيا (6: 9- 10): “رأيت تحت المذبح
نفوس الذين سُفكت دماؤهم.. فصرخوا بأعلى صوتهم. حتّامَ أيّها الرب القدّوس ترجيء
الاقتصاص والانتقام لدمائنا من أهل الدنيا”؟ ونقرأ في متى كلام الرب إلى
الذين عن يساره: “إذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية” (25: 41).
وفي لوقا كان الغني يتعذّب في مثوى الأموات، وبين الأبرار والأشرار هوّة عظيمة فلا
يجتاز فريق إلى فريق آخر (22: 16- 26).

ونقرأ
في “أمثال أخنوخ ” التي تشكّل قلب الكتاب (ف 37- 69) عن المختار العادل
الذي يقيم مع رب الأرواح، وعن ابن البشر الذي يجلس بجانب رأس الأيّام. نتوقف عند
المقطع التالي: “وإليك المثَل الثاني عن الذين ينكرون وجود موطن القديسين
(يعني الصادوقيين في مر 18: 12). هم لا يصعدون إلى السماء ولا يدركون الأرض. هذا
هو مصير الخطأة الذين يُنكرون اسم رب الأرواح، فيُحفظون ليوم الحزن والتعاسة. في
ذلك اليوم، يقول الرب، يجلس مختاريّ على عرش مجيد وتكون مواضع راحتهم عديدة.. في
ذلك الوقت أُحوِّل السماء إلى بركة نور إلى الأبد، وأُحوِّل الأرض القاحلة فتصبح
مباركة ويسكن فيها مختاريّ، ولا أسمح للخطأة أو العاصين أن يدوسوها. إنّي أنا
رأيت، وسأشبع الأبرار سلامًا وأسكنهم معي، أمّا دينونة الأشرار فبشعة، وسأُزيلهم
من على وجه الأرض”.

 

ثالثًا-
انتقال موسى

سفر
معاصر للمسيح دوَّنه كاتب فرّيسي بعد موت هيرودوس فعكس فيه وجهات الرجاء اليهودي
في زمن المسيح. دُوِّن بالعبرانية أو الأراميّة وتُرجم إلى اليونانيّة (نجد آثارًا
له عند أوريجانس وغيره)، ولكن لم يبقَ لنا منه إلاَّ الجزء الثاني كما
“كتبه” موسى وتركه لخلفه يشوع بن نون.

دور
موسى دور فريد في مخطط الله. قال موسى ليشوع: صوَّرَني الرب في ذهنه واخترعني
وهيَّأني منذ بداية الكون لاكون وسيط عهده”. والشريعة التي أوحيت إلى موسى لا
تشمل الأسفار الخمسة وحسب، بل كل أقوال الأنبياء والحكماء وحتى دقائق الأحكام
وتفسير الكتبة وتحديداتهم. هذه الأقوال تسلَّمها موسى على جبل سيناء وسلّمها إلى
يشوع، فسلّمها يشوع إلى الشيوخ، والشيوخ إلى الأنبياء. قال موسى ليشوع: “خذ
هذا الكتاب واحتفظ بما أسلّمه إليك من أسفار، نظّمها، أدهنها بالزيت وأودعها في
جرار فخّار في مكان هيّأه الله لها منذ خلق العالم “. هذا هو وجه التقليد
الحقيقي الذي يحدّثنا عنه القدّيس بولس (1 كور 15: 1 ي): “سلّمت إليكم قبل كل
شيء ما تسلَّمته “.

ويحدّثنا
سفر انتقال موسى على مجيء ملكوت الله: “يُهدَم ملكوت الشر، ويظهر ملكوت الله
وينهزم الشيطان”. هذا الموضوع سيذكره يسوع فيعطي معنى لأعمال الشفاء وطرد
الشياطين: “إذا كنت أنا بروح الله أطرد الشياطين، ملكوت الله حلَّ
بينكم” (مت 28: 12). ويقول لتلاميذه العائدين من الرسالة فرحين بأنّ الشياطين
تخضع لهم باسمه: “رأيت الشيطان يسقط من السماء مثل البرق ” (لو 17: 10-
18).

 

رابعًا-
سفر عزرا الرابع

أَلّف
هذا السفر في نهاية القرن الأوّل ب. م. كاتب فرّيسي توسعّ في الحديث عن خراب
أورشليم فاستعار اسم عزرا مقابلاً بطريقة ضمنيّة بين خراب أورشليم سنة 587 ق. م.
وخرابها سنة 70 ب. م.

دُون
هذا السفر بالعبرانية أو الأرامية وبقيت لنا منه ترجمة لاتينيّة جُعلت في نهاية
الفولغاتا (أو الشعبيّة)، وهو بشكل كشف يتكوّن من سبع رؤى. في الرؤيا الأولى
والثالثة يتطرّق الكاتب إلى مشكلة الخطيئة والخلاص كما نقرأ عنها في رسالة القدّيس
بولس إلى أهل رومة (5: 1 ي). وفي الرؤيا الخامسة نعثر على تفسير جديد لسفر دانيال
(7: 1 ي) انطلاقًا من رمز رومة بنسرها الثلاثيّ الرؤوس (فسباسيانس، تيطس،
دوميسيانس). وفي الرؤيا السادسة يظهر المسيح كإنسان (أو ابن إنسان)، يصعد من البحر
فيحطّم قوى الأرض والكون المعادية، وينقذ المختارين.

 

خامسًا-
رؤيا إبراهيم

سفر
منحول حُفظ لنا باللغة السلافية وهو يتضمّن خبر ارتداد إبراهيم ثّم كشفًا عن نهاية
العالم. ألَّفه كاتب يهودي في القرن الأوّل المسيحي، ولكنّ يدًا مسيحية أعملت فيه
أصابعها ليبدو موافقًا لتعليم العهد الجديد.

رؤيا
إبراهيم هي غير وصيّة إبراهيم التي دوّنها في القرن الأوّل بعد المسيح يهود من مصر
فأبرزوا فضائل إبراهيم وأوّلها الضيافة. ما نقرأه في هذه الرؤيا هو أنّ الله أرسل
الملاك ميخائيل لينبّه إبراهيم إلى أنّ أيّامه قد انتهت، وأنّ عليه أن يرافق
الملاك إلى العالم الآخر. رفض إبراهيم أن يذهب قبل أن يتعرّف إلى الأرض كلّها ثمّ
يموت. أجاب الله طلبه. وحملت العربة إبراهيم إلى الشرق إلى أوّل أبواب السماء،
فرأى إبراهيم طريقين: الطريق الأوّل ضيّق محصور، والطريق الثاني واسع رحب. ورأى
كذلك بابين: الطريق الواسع يقود إلى الباب الواسع والطريق الضيّق يقود إلى الباب
الضيّق.. نلاحظ هنا كلام يسوع: “أدخلوا من الباب الضيّق، فما أوسع الباب
وأسهل الطريق المؤدّي إلى الهلاك.. لكن ما أضيق الباب وأصعب الطريق المؤدّي إلى
الحياة.. ” (متى 13: 7- 14).

 

سادسًا-
رؤيا باروك

باروك
بن نيريا هو تلميذ النبي إرميا، وسفره بين الأسفار القانونية الثانية. ولكن بقي
لنا أيضاً سفران منحولان نُسبا إلى باروك. الأوّل في نسخة يونانية انتقلت إلى
اللغة السلافية بشكل اقتباس، والثاني في نسخة سريانية (دوِّنت في نهاية القرن
الأوّل المسيحي)، سمّي سفر باروك الثاني وهو ترجمة عن النسخة اليونانية التي هي
بدورها ترجمة عن العبرانية أو الأرامية. يتذكّر الكاتب دمار أورشليم، فيبدأ بهذا
التساؤل: لماذا يتألّم شعب الله بينما أعداؤه يعيشون في نعيم؟ ويأتي الجواب في
سبعة أقسام يوحي الله فيها إلى باروك بأنّ العالم الآتي محفوظ للأبرار، وأنّ دمار
أورشليم يدلّ على أنّ هذه النهاية صارت قريبة. ويصوّر الكاتب النكبات التي تسبق
حلول العهد المسيحاني: تظهر المملكة الرومانية، وهي رابع الممالك الكونية، ثم
تدمَّر، فتحلّ محلّها المملكة المسيحانية التي لا تزول (رج دا 137- 14).

من
سفر باروك نقرأ هذا النص: “وتضرّعت إليك أيّها القدير وتوسّلت إلى مراحمك أنت
يا من صنع كل شيء: بأيّ شكل سيحيا الذين يرون يومك (رج 1 كو 35: 15)

وإلى
ما يؤول بهاؤهم بعد هذه الأحداث؟ هل يستعيدون شكلهم الحالي، هل يلبسون من جديد هذه
الأعضاء المغموسة بالشرّ التي بها يعملون الشرّ، أم أنّك ستحوّل العالم والذين فيه
(رج 1 كور 15: 51؛ روم 8: 21)؟ أجابني الرب: إنّ الأرض ستُعيد الموتى الذين تقبلهم
الآن وتحفظهم. هي تعيدهم كما قبلتهم دون أي تغيير في شكلهم، وهي تجعلهم يقومون
بالطريقة التي بها تسلّمتهم. يجب أن تكشف للأحياء أنّ الموقى يحيون وأنّ الذاهبين
يعودون. وعندما يتعرّف الناس بعضهم إلى بعض تبدأ الدينونة وتتمّ الأحداث التي أنبأ
الله بها. وعندما يأتي اليوم المحدّد يتبدّل شكلُ الذين شُجبوا ومجدُ الذين
برّروا. فالذين يفعلون الآن الشرّ سيبدو شكلهم أشدّ شرًّا وسيتحمّلون العذاب: أمّا
الذين تبرّرهم شريعتي الآن فسيكون إشعاعهم مجيدًا ساعة التحوّلات: يصبح منظر وجههم
جميلاً منيرًا (مت 17: 2؛ لو 9: 29) فيحصلون على العالم الذي لا يموت والذي وعدهم
الله به ” (عب 9: 15).

 

خاتمة

تحدّثنا
عن الأسفار القانونية كما وردت في العهد القديم حسب التقليد اليهودي، وتطرّقنا إلى
قانون التقليد المسيحي الذي يتضمّن الأسفار القانونية الأولى أي التي وصلتنا
باللغة العبرانية، والأسفار القانونية الثانية، أي التي وصلتنا باللغة اليونانية،
ثمّ تحدّثنا عن الأسفار المنحولة التي رفض اليهود والمسيحيون إدخالها بين أسفار
التوراة لأنّهم اعتبروها مجرّد كتب تقوية لا تصلح أن تكون قاعدة إيمان الجماعة،
وبالتالي لا تصلح أن تقرأ في صلوات الجماعة، بل في حلقات خاصة وسرّية. وصلت إلينا
هذه الأسفار بشكل وصيّة يستودعها المعلّم تلاميذه قبل موته. أو بشكل وحي وصل إلى
أحد الأتقياء اختطف إلى السماء فرأى وسمع وجاء يخبر أهل الأرض بأسرار الله، أو
بشكل قول نبوي أو تفسير كتب قانونية أو مقالة حكمية. كل هذه الآداب المنحولة
تدلّنا على أنّ الجماعة اليهودية لم تمت بعد الجلاء بل جدّدت مصادر وحيها بالاتصال
بسائر الثقافات المحيطة بها. كل هذا الغنى ستأخذ به المسيحية الأولى فتستقي أساليب
تعبيره وتنوعّ صوره واستعاراته لتكتب العهد الجديد. ففي حياة آدم وحوّاء وجد
القدّيس بولس صورة الإنسان الأوّل، آدم الأوّل، وقرّبها إلى المسيح، آدم الثاني،
وفي سفر أخنوخ توضّحت صورة ابن الإنسان الآتية من دانيال فدلّت على شخص محدّد رأى
فيه الرسل يسوع المسيح ؛ وفي سفر أخنوخ السلافي اكتشف متى ولوقا الطريق إلى
التعبير عن حبَل العذراء مريم بيسوع ؛ وفي انتقال موسى وجد يهوذا الرسول أساس
كلامه عن الخصام بين ميخائيل وإبليس.

من
يقرأ الأسفار القانونية في العهد القديم يمكنه أن يستغني عن الأسفار المنحولة
وفيها ما فيها من الأمور الغريبة العجيبة. ولكن من يريد أن يتعمّق في عبارات عديدة
من أسفار العهد الجديد يجد في الأسفار المنحولة عناصر تساعده على فهم النصوص
تفهّمًا أعمق. هل ننسى أنّ الرب يسوع كلّم شعبًا محدّدًا في الزمان والمكان، وأنّ
هذا الشعب هو الشعب اليهودي المتشرّب من أسفار التوراة القانونية ومن تقاليد آبائه
ومعلّميه التي جمعت في هذه الأسفار التي ذكرنا؟ إذا كان شرّاح العهد القديم
استعانوا بنصوص أوغاريت وماري وتل العمارنة ليفهموا نصوص التوراة، فهل يستطيع
شرّاح العهد الجديد أن يضعوا جانبًا كلّ هذا الغنى الموجود في الأسفار المنحولة،
والتي اعتاد العلماء أن يسمّوها أسفار ما بين العهدين لأنها أنهت العهد القديم
وهيّأت الطريق للعهد الجديد فشكّلت المهد الذي فيه وُلد الإنجيل والرسائل وأعمال
الرسل والرؤيا؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى