علم الكتاب المقدس

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل
الأول

الكتاب
الفريد

فريد في توزيعه:

أقدم
هنا الأرقام التي أذاعتها جمعية الكتاب المقدس، وهي مأخوذة عن مجموعة من الكتب
العالمية مثل الموسوعة البريطانية والأميركية.. الخ.

مقالات ذات صلة

لقد
قُرئ الكتاب المقدس، وتمت ترجمته إلى لغات أكثر من أي كتاب آخر، كما أن النسخ التي
أُنتجت منه كله، أو من أجزاء منه، فاقت إنتاج أي كتاب آخر في التاريخ. قد يجادل
البعض بأن كتاباً ما وزّع منه- في شهر ما- أكثر من الكتاب المقدس في ذلك الشهر،
ولكن الكتاب المقدس مستمر في التوزيع. ولقد كان أول كتاب كبير يُطبع هو الكتاب
المقدس في ترجمة الفولجاتا اللاتينية، وطُبع في مطبعة جوتنبرج (4). قال أحدهم إن
جمعية الكتاب المقدس، منذ ثلاثين عاما، اضطرت أن تطبع منه نسخة كل ثلاث ثوان،
ليلاً ونهاراً، و1369 نسخة كل ساعة ليلاً ونهاراً، و876،32 نسخة كل يوم في السنة.
ومن الممتع أن نلاحظ أن هذه الكتب إن وُضعت في 4583 صندوقاً تزن 490 طناً (5). ولم
يحدث لكتاب في التاريخ أن وُزع بهذه الكمية، باستمرار. وقد يقول معارِض: “هذا
لا يبرهن أن الكتاب المقدس هو كلمة اللّه!” ولكن هذا يبرهن أن الكتاب المقدس
كتاب فريد.

إنتاج
الكتاب المقدس

أجزاء

من
الكتاب

عهد

جديد

الكتاب

كله

التاريخ

+

+

409 مليون

منذ
1804 (جمعية الكتاب المقدس البريطانية)

+

+

965 ألفاً

في
1928 (الجدعونيين بأمريكا)

 

 

068، 070، 88

جمعية
الكتاب المقدس الوطنية بأسكتلندا 1928

 

 

961، 987، 6

جمعية
الكتاب المقدس بدبلن 1928

 

 

000، 900

جمعية
الكتاب المقدس الألمانية 1927

 

 

12 مليونا

في
1930

 

 

815، 213، 330، 1

منذ
1932

 

 

436، 108، 14

في
1947

965، 135، 13

314، 913، 1

666، 952

في
1951

 

 

161، 393، 25

في
1955

989، 417، 18

986، 223، 3

898، 037، 3

من
1950- 1960 (سنوياً)

 

 

820، 123، 54

في
1963

 

 

559، 665، 1

في
1964 (جمعية الكتاب المقدس الأمريكية)

207، 856، 39

248، 620، 2

337، 852، 69

هيئات
أخرى

 

 

369، 953، 76

في
1965

 

 

961، 398، 87

في
1966

310، 300، 491

328، 174، 12

852، 077، 12

في
1984 (جمعية الكتاب المتحدة)

(بخلاف
الهيئات الأخرى)

 

فريد في ترابطه:

1-
فقد كُتب في فترة بلغت نحو 1600 سنة.

 2-
في فترة أكثر من ستين جيلاً.

 3-
كتبه أكثر من أربعين كاتباً، من كل مسالك الحياة، منهم الملِك والفلاح والفيلسوف
والصياد والشاعر والحاكم والعالِم.. الخ، فمنهم:

موسى
القائد السياسي الذي تلقَّى تعليمه في الجامعات المصرية.

وبطرس
الصياد.

وعاموس
راعي الغنم.

ويشوع
القائد العسكري.

ونحميا
رجل البلاط الملكي.

ودانيال
رئيس الوزراء.

ولوقا
الطبيب.

وسليمان
الملك.

ومتّى
جابي الضرائب.

وبولس
رجل الدين.

4-وقد
كُتب في أماكن مختلفة:

كَتب
موسى في الصحراء.

وإرميا
في جب السجن المظلم.

ودانيال
على جانب التل أو في القصر.

وبولس
داخل السجن.

ولوقا
وهو مسافر.

ويوحنا
في جزيرة بطمس.

وآخرون
في أرض المعارك.

5-وكُتب
في أزمنة مختلفة:

كتب
داود في وقت الحرب.

وسليمان
في وقت السلم.

6-وكُتب
في أحوال نفسية مختلفة:

كَتَب
البعض في قمة أفراحهم، وآخرون في عمق أساهم وفشلهم.

7-كُتب
من ثلاث قارات:

آسيا
وأفريقيا وأوروبا.

8-وكُتب
بثلاث لغات:

العربية
وهي لغة العهد القديم، وتُدعى في 2 ملوك 26: 18-28 اللسان “اليهودي”
وتدعى في إشعيا 18: 19 “لغة كنعان”.

والآرامية،
وقد كانت هي اللغة الشائعة في الشرق الأوسط إلى أن جاء الاسكندر الأكبر (من القرن
السادس إلى القرن الرابع ق.م.). (2)

أما
اليونانية، لغة العهد الجديد، فكانت اللغة الدولية في زمن المسيح.

9-أما
موضوعاته فقد حوَتْ مئات المسائل الجدلية، التي تثير الخلافات الفكرية، وتستحق
المناقشة.. غير أن كل كُتَّاب الكتاب المقدس تحدثوا عن كل هذه المسائل باتفاق كامل،
وبترابط شديد، من التكوين للرؤيا، إذ شرحوا “فداء اللّه للإنسان”. وقد
قال أحد المؤلفين: “الفردوس المفقود في التكوين يصبح الفردوس المردود في سفر
الرؤيا. ويُغلق باب طريق شجرة الحياة في التكوين، ولكن يُفتح للأبد في
الرؤيا” (3). ويقول كاتب آخر: “أي جزء في الجسم الإنساني لا يمكن فهمه
إلا في نور ارتباطه بالأجزاء الأخرى، وهكذا لا يمكن فهم جزء من الكتاب المقدس إلا
في نور ارتباطه ببقية الأجزاء”. ثم يمضي الكاتب نفسه ليقول: “يبدو
الكتاب المقدس للوهلة الأولى أنه مجموعة كتابات أدبية يهودية، ولكن لو فكرنا في
الظروف التي كُتبت فيها تلك الكتابات لوجدنا أنها كُتبت على مدى 1400 سنة أو نحوها،
من بلاد مختلفة امتدَّت رقعتها من إيطاليا في الغرب إلى العراق وربما إيران في الشرق”.

وكان
الكُتَّاب من جنسيات مختلفة، تفصلهم عن بعضهم مئات الأميال ومئات السنوات، كما
كانوا من مختلف مسالك الحياة. كان منهم الملوك والرعاة والجنود والمشرّعون
والصيادون ورجال دولة وكهنة وأنبياء وصانعو خيام وأطباء.. وغيرهم ممن لا نملك عنهم
معلومات كافية. أما الكتابات فهي من مختلف أنواع الأدب، فهناك التاريخ والقانون
(المدني والجنائي والأخلاقي والديني والصحي) والشعر الديني والمقالات القصيرة
والأمثال والكتابات الرمزية وتواريخ الحياة والمراسلات والمذكرات الشخصية،
والكتابات النبوية. ومن هذا كله نرى أن الكتاب المقدس ليس مجموعة زهور، لأن وحدة
واحدة تربطه معاً. إن مجموعة الزهور تحتاج إلى من ينسِّقها، لكن الكتاب المقدس لم
ينسّقه أحد سوى روح اللّه القدوس.

10-خاتمة
لفكرة الترابط- مقارنة مع أعظم الكتب في العالم الغربي. ذات يوم زارني في منزلي
مندوب مبيعات ليبيع لي مجموعة كتب “أعظم الكتب في العالم الغربي” وعرض
الكتب عليَّ، وقضى خمس دقائق يتحدث عنها، فصرفت ساعة ونصف الساعة أحكي له عن أعظم
الكتب! ولقد تحديته أن يأخذ كتابات عشرة مؤلفين فقط، من مسلك واحد، ومن جيل واحد
ومكان واحد ومزاج واحد وقارة واحدة ولغة واحدة، في موضوع جدلي واحد (الكتاب المقدس
يتكلم عن مئات المواضيع في انسجام كامل). ثم سألته: “هل يتفق أولئك
الكتَّاب” فأجاب بالنفي. وسألته: “ماذا ستجد؟” فقال
“خليطاً”. وبعد يومين سلَّم مندوب المبيعات هذا حياته للمسيح (موضوع
الكتاب المقدس).

فلماذا
كل هذا؟ الإجابة بسيطة! أي شخص يفتش بإخلاص عن الحق سيعتبر الكتاب المقدس كتاباً
فريداً

 

فريد في بقائه

1- بقي خلال الزمن لقد
كُتب على مواد قابلة للفناء (طالع بداية الفصل القادم)، وكان يجب أن يُنقل بخط
اليد على مدى المئات من السنين قبل اختراع المطابع، ولكن هذا لم ينقص من أسلوبه أو
صحته أو بقائه. وتوجد اليوم مخطوطات قديمة من الكتاب المقدس تزيد عن المخطوطات
الموجودة لعشر كتب من الروائع القديمة مجتمعة معاً (طالع الفصل الرابع). وقال أحد
الكُتَّاب: “هناك ثمانية آلاف مخطوطة للفولجاتا اللاتينية، وعلى الأقل ألف
مخطوطة من ترجمات أخرى. وهناك أربعة آلاف مخطوطة باليونانية و13 ألف مخطوطة لأجزاء
من العهد الجديد. فضلاً عن أجزاء بكاملها من العهد الجديد يمكن تجميعها من
الاقتباسات المأخوذة عن كتابات المسيحيين الأولين” (7). ولو أننا نظرنا
باستخفاف إلى هذا السيل من المخطوطات القديمة لتركنا الكتابات الكلاسيكية القديمة
كلها تضيع هباء.

قال
أحد الدارسين: “حافظ اليهود على مخطوطات الكتاب كما لم يحدث مع أي مخطوطة
أخرى. لقد حافظوا على شكل وعدد كل حرف ومقطع وكلمة وفقرة. وكانت عندهم طبقة خاصة
من الناس متخصصون في نسخ هذه المخطوطات بكل أمانة ودقة، هم جماعة
“الكتبة”. فأي شخص أحصى حروف ومقاطع وكلمات كتابات أفلاطون أو أرسطو أو
شيشرون أو سنيكا؟ أمّا في العهد الجديد فعندنا 13 ألف مخطوطة كاملة أو ناقصة،
باليونانية وبلغات أخرى. ولم يحدث لأي عمل قديم أن لقي هذا الاهتمام أو
الحفظ” (8).

في
مقال لمجلة “نورث أمريكان ريفيو” نشر أحدهم مقارنة ممتعة بين كتابات
شكسبير والكتاب المقدس، أوضح فيها أن الكتاب لا بد أنه لقي اهتماماً خاصاً يفوق كل
اهتمام لقيه أي كتاب آخر. وقال إنه من الغريب أن نصوص شكسبير التي صدرت منذ 208
سنة فقط بها الكثير من المشكوك فيه ومما تناوله التغيير، بينما العهد الجديد الذي
عمَّر أكثر من 18 قرناً (عاش خمسة عشر قرناً منها في مخطوطات خطِّية) ليس به هذا
العيب. إن كل نصوص العهد الجديد (باستثناء اثنتي عشرة أو عشرين آية) مضبوطة تماماً
بإجماع العلماء. ويدور الاختلاف في القراءات حول تفسير الكلمات (المعنى) لا حول
الكلمات نفسها. هذا بينما نجد في كل رواية من روايات شكسبير السبع والثلاثين، نحو
مئة قراءة مختَلَفٌ عليها، يؤثّر الكثير منها على المعنى المقصود (5).

2- لقد بقي خلال
الاضطهادات العنيفة، إذ لم يلقَ كتاب آخر مثلما لقيه الكتاب المقدس من اضطهاد.
حاول كثيرون أن يحرقوه ويمنعوه، منذ أيام أباطرة الرومان حتى الحكم الشيوعي في
العصر الحاضر. وقال الملحد الفرنسي المشهور فولتير (توفي عام 1778) إنه بعد مائة
سنة من وقته ستكون المسيحية قد امَّحت وصارت تاريخاً. ولكن ماذا حدث؟ لقد صار
فولتير في ذمة التاريخ، وزاد توزيع الكتاب المقدس في كل جزء من العالم، يحمل
البركة أينما وُجد. فمثلاً بُنيت الكاتدرائية الإنكليزية في زنزبار على موقع سوق
العبيد القديم. ووُضعت مائدة العشاء الرباني فوق البقعة التي كان العبيد يُجلَدون
فيها. وهناك الكثير من مثل هذه الحالة. إنَّ وضْع أكتافنا في عجلة لنمنع دوران
الشمس أسهل من أن نُوقف توزيع الكتاب المقدس. ولم تمض خمسون سنة على وفاة فولتير
حتى استعملت جمعية جنيف للكتاب المقدس مطبعته ومنزله لنشر الكتاب المقدس! (1)

في
عام 303 م أصدر دقلديانوس أمراً بالقضاء على المسيحية وكتابها المقدس، بإحراق
الكنائس والكتب المقدسة، وحرمان كل مسيحي من الحقوق المدنية. ولكن الامبراطور الذي
خَلَفه على العرش كان قسطنطين الذي أوصى يوسابيوس بنسخ خمسين نسخة من الكتاب
المقدس على نفقة الحكومة.

إن
الكتاب فريد في بقائه، لا يسنده في هذا البقاء إلا ما جاء فيه والإعلان الذي جاء
به، لأنه من عند اللّه. وهذا يعني أنه يقف متفردا بين كل الكتب، وعلى كل باحث عن
الحق أن يدرس هذا الكتاب الفريد الذي يتميز بهذه الصفات.

3-
بقي برغم النقد. حاول الملحدون على مدى ثمانية عشر قرناً أن يلقوا بالكتاب جانبا،
لكنه بقي كصخرة صامدة، زاد توزيعه، وزاد حب الناس له، لم يؤثر فيه نقد النقاد كما
لا يؤثر خبط مطرقة صغيرة في بناء الهرم. عندما حاول الملك الفرنسي أن يضطهد
المسيحيين في دولته قال له محارب قديم من رجال الدولة: “يا سيدي، إن كنيسة
اللّه هي السندان الذي أبلى كل المطارق”. ولقد حاولت مطارق كثيرة إيذاء
الكتاب المقدس، فبليت هي وبقي هو! ولو لم يكن هذا هو كتاب اللّه، لدمَّره البشر
منذ زمن طويل. لقد حاول ملوك وبابوات، وأباطرة وكهنة، وأمراء وحكام أن يمدُّوا
أيديهم إليه بالأذى، فماتوا هم، وبقي هو حياً (5). لقد أعلن البعض، آلاف المرات،
موت الكتاب، ورتّبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولم يحدث أن
كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي
ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه.. ولكن الكتاب المقدس بقي محبوباً
من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ احتياجات الملايين.

وقد
جاءت موجة ما سُمِّيت “بالنقد العالي” للكتاب، ولكنها سقطت الآن. قالوا
مثلاً إن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، لأن الكتابة لم تكن معروفة زمن موسى، فلا
بد أن الكاتب جاء بعد زمن موسى. بل إن النقاد قسموا كل آية إلى ثلاثة أجزاء، وعزوا
كل جزء إلى كاتب معيَّن، وهكذا بنوا ما دعوه “النقد العالي”!

ولكن
العلم اكتشف شريعة حمورابي، الذي كان سابقا لموسى، وسابقاً لإبراهيم (2000 ق.م.)
فكانت الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون على الأقل، ولا زال العلماء يدرسون
“النقد العالي” ولكن باعتبار أنه نظرية خاطئة.

ومضى
النقاد يقولون إن أسوار أريحا لم تسقط في مكانها كما ورد في يشوع 20: 6. ولكن
الحفريات برهنت صدق القصة الكتابية. وقال النقاد إنه لم يكن هناك شعب اسمه
“الحثّيون” لأننا لم نجد لهم مكاناً في التاريخ العالمي ولكنهم كانوا
مخطئين، فقد كشفت الحفريات عن مئات الإشارات إلى الحضارة الحثية التي استمرت نحو
1200 عام. وقد قال العالم اليهودي نلسون جليك (يُعتبر أحد أعظم ثلاثة علماء
للحفريات): “لقد اتَّهموني أني أعلّم بالوحي الحرفي الكامل للكتب المقدسة،
وأحب أن أقول إنني لم أقل هذا. ولكني لم أجد في كل بحوثي في الحفريات ما يناقض أي
عبارة من كلمة اللّه” (9).

لقد
وقف الكتاب وقفة فريدة في وجه النّقاد، لم يثبت كتاب آخر غير في مثل هذا الموقف
كما ثبت هو. وكل من يفتش عن الحق، عليه أن يدرس هذا الكتاب ليجده فوق كل نقد!.

فريد في تعاليمه:

1- فريد في تعاليمه
النبوية. قال ولبر سميث، الذي قرأ بضعة آلاف من الكتب، إن هناك اتفاقاً عاماً على
أن هذا الكتاب أعظم ما كُتب خلال الخمسة آلاف سنة. فهناك نبوّات متعددة عن الناس
والدول والمدن، وعن مجيء شخص هو “المسيّا”. ولقد كان عند الأقدمين طرق
مختلفة لمعرفة المستقبل، ولكننا لا نجد في كل الآداب اليونانية أو اللاتينية (رغم
أنهم يستعملون كلمة نبي ونبوة) أية نبوة هامة صادقة حدثت تاريخياً، كما لا نجد بها
أي نبوة عن المخلّص الآتي لينقذ العالم (10).

2-
فريد في تاريخه. من سفر صموئيل الأول إلى سفر أخبار الأيام الثاني نجد تاريخ بني
إسرائيل عبر نحو خمسة قرون. فقد كان اليهود عباقرة في تسجيل تاريخهم، كما أن العهد
القديم هو أقدم وثيقة تاريخية. ويقول ولبر سميث: “تعلو الأمة اليهودية على
سائر الأمم في تسجيل تاريخها بوضوح معطية سلسلة الأنساب. ونحن لا نجد في كتابات
مصر أو بابل أو أشور أو فينيقية أو روما أو اليونان أي شيء مشابه، كما لا نجد ذلك
في كتابات الألمان أو الهنود أو الصينيين. فإن هؤلاء جميعاً لا يعطون سلسلة نسب
الملك قبل أن يتولى المملكة، ولا يذكرون أن جدوده كانوا رعاة أو من أهل البادية
الرحَّل. وقد ذكر الأشوريون أن حكامهم الأولين، الذين لم يوردوا أية تفصيلات عن
أعمالهم أو عن حياتهم، كانوا من سكان الخيام، ولكنهم أغفلوا ذكر: مِن أين جاءوا!
(10).

3-
فريد في شخصياته. قال أحدهم عن الكتاب: “ليس الكتاب المقدس كتاباً يقْدِر
إنسان أن يكتبه لو شاء، أو يريد أن يكتبه لو أنه قدر”. ذلك أن الكتاب يَذكر
خطايا أبطاله وعيوبهم. إقرأ سيَر حياة إنسان اليوم، وانظر كيف يحاول الكاتب تغطية
عيوب البطل، متغافلاً عن النواحي الضعيفة فيه. إنهم يصوّرون الناس كالقديسين. ولكن
الكتاب المقدس لا يفعل ذلك. إنه ببساطة

يذكرها
كما هي:

إدانة
خطايا الناس (التثنية 24: 9).

خطايا
الآباء الأقدمين (تكوين 11: 12-13، 5: 49-7).

يسجل
كتاب الأناجيل عيوبهم وعيوب الرسل (متى 31: 26-56، 10: 8-26، يوحنا 6: 10، 32: 16،
مرقس 52: 6، 18: 8، لوقا 24: 8و25، 40: 9-45).

كما
يسجلون عيوبنا في الكنيسة (1كورنثوس 11: 1، 1: 5، 2كورنثوس 4: 2- الخ).

ويسأل
البعض: لماذا يورد الكتاب قصة خطية داود مع بثشبع؟ والجواب: أنه يحكي جوانب القوة
كما يحكي جوانب الضعف! إنه يروي الحقيقة كما هي، الأمر الذي يكشف لنا أنه لم
يَمْشِ على أرضنا شخص كامل واحد إلا المسيح ابن مريم

 

فريد في ترجمته:

هو
أول كتاب تُرجم، فقد تُرجمت النسخة السبعينية، من العبرية لليونانية عام 250 ق.م.
(6). واستمرت ترجمات الكتاب المقدس منذ ذلك التاريخ! قالت الموسوعة البريطانية
(المنشورة عام 1970) إن الكتاب المقدس حتى عام 1966 كان قد تُرجم كله إلى 240 لغة
ولهجة، كما تُرجم سفر كامل منه أو أكثر إلى 739 لغة أخرى، ونُقلت أجزاء منه إلى
1280 لغة ولهجة. كما قالت الموسوعة إن ثلاث آلاف مترجم كانوا يعملون في ترجمة
الكتاب المقدس بين عامي 1950 و1960.

أما
في سنة 1984 فكان الكتاب المقدس قد وصل إلى 1808 لغة ولهجة. ولم يفقد الكتاب
المقدس شيئاً في ترجمته، فمعجزته معجزة معنى ومُحتوى ورسالة. إنه إعلان محبة اللّه
للبشر.

كيف؟

كيف
يتم التحريف في كتاب بلغت آحاده المسكونة كلها وانتشر في ربوعها بسرعة شديدة. فكيف
يمكن جمع كل النسخ وحرقها وتدوين جديد محرف في عالم لم يعرف الطباعة بعد، فالكتابة
يدوية مرهقة، والكتاب كبير يأخذ من الوقت والجهد والأموال ما لا طاقة لأحد بهم؟

وهل اتحد كل المسيحيين على التحريف ولم يكن بينهم معارض لهذه الفكرة، أو مؤمن متمسك بكتابه
فيحفظه لنا ويقاوم المبدعين المحرفين، فتنتشر هذه الأفكار وتَعلمُ بها المسكونة
كلها ويُعرف الغث من السمين؟ كيف تم التحريف ونحن لم نسمع عن ذلك خلال سبعة قرون لم
يظهر لنا فيها معترض أو كتاب مخالف أو بدعٍ تتبنى هذه الفكرة؟

 

كيف يُحرف هذا الكتاب الفريد إذا قورن بكتب كثيرة؟

سأل
عالم وهو في مكتبه ابنه أن يعطيه الكتاب، فقال الابن مندهشاً: أي كتاب تريد يا
والدي؟ أجابه الوالد: حينما أقول الكتاب بادئاً بألف لام التعريف فإني أقصد الكتاب
المقدس، لأنه فريد. إذا وضعت كل الكتب التي أمامك في المكتبة في كفة ميزان والكتاب
المقدس في الكفة الأخرى لرجحت كفة الكتاب المقدس، فهو الكتاب الفريد.

 

الكتاب الفريد

– فريد في ترابطه:

على
الرغم من أن عدد الكُتّاب الذين كتبوه أربعون كاتباً، في زمن يناهز 1600 عاماً
“كتبه رجال الله القديسون مسوقين بالروح القدس” (2بطرس 1: 21).

·
كتبوه في أماكن مختلفة: فمنهم من كتب في السجن (بولس)، ومنهم من كتب في القصر (دانيال)، ومنهم من كتب في الصحراء (موسى
ومنهم من كتب في عيادته (لوقا).

· كتبوه
في حالات نفسية مختلفة
: منهم من كتب في أيام الحرب فكانت كلماته كلها
تصب جام الغضب على الأعداء والدعاء لله بأن يفنيهم ويكسرهم، مثل داود في مزاميره
الشهيرة.

·
ومنهم
من كتب في حالات السلم والرخاء فكانت كلماته
رقيقة فيها حكمة وأمثال سليمان الحكيم.

·
كتب بلغات مختلفة: العبرانية والآرامية واليونانية.

·
كُتب في قارات مختلفة: أوربا وآسيا وأفريقيا.

وعلى
الرغم من ذلك نجده كتاباً مترابطاً من أول سفر فيه إلى آخره على الرغم من وجود
مئات المواضيع الجدلية التي تحتمل الأخذ والعطاء. أسوق لك مثالاً ليقرب الفكرة:

في
ألعاب الأوليمبياد 1989 والتي اشترك فيها فريق مصر الأول بقيادة المدرب الجوهري،
كان الحديث في الجرائد المصرية اليومية عن الفريق وإنجازاته موضوع جدلي واحد اختلف
فيه النقاد في جريدة واحدة مثل الأهرام، فقال ناقد رياضي إن الجوهري أدخل الفريق
إلى العالمية، وإن ما صنعه الفريق يُعد إعجازاً.. في ذات الوقت وفي ذات الصفحة من
نفس الجريدة، كتب ناقد آخر يقول: ما هذا الذي فعله الجوهري؟ هل يمكن لفريق في كأس
العالم أن يلعب بطريقة دفاع المنطقة كل الفريق في صندوق المرمى، بالطبع لن يدخل
مرماه أي هدف. أن ما قدمه الفريق لا يُحسب له بل عليه.

موضوع
جدلي واحد في ذات العصر من كاتبين في جريدة واحدة، لهما نفس المستوى الثقافي،
ولكنهما اختلفا في الحكم في موضوع جدلي واحد.

الكتاب
المقدس يحتوي على مواضيع جدلية كثيرة مثل موضوع الخلاص وطريقه.

 لم
يكتب أحدهم أن الخلاص بسفك الدم بينما كتب آخر أننا في عصر الكمبيوتر نضغط على زر
فنحصل على الخلاص. بل على العكس نجد أن هناك خطاً قرمزياً عبر الكتاب كله من أول
سفر التكوين إلى آخر سفر الرؤيا يقول “بدون سفك دم
لا تحصل مغفرة
” على الرغم من اختلاف الكُتاب، واختلاف زمن الكتابة،
واختلاف اللغة والثقافة والمكان والحالة النفسية، وتباعد القارات عن بعضها وعدم
اتصالهم بعضهم البعض.

· فريد في توزيعه:

أكثر
كتب العالم توزيعاً بلا منافس، فقد احتاجت دار الكتاب المقدس منذ خمسين عاماً أن
تطبع كل 3 ثوان كتاباً أي حوالي 28800 كتاب يومياً لتكفي الطلب وتسد الاحتياج.

 

·
فريد في
بقائه: على الرغم من:

(1)
الزمن: لقد كُتب الكتاب على أوراق البردي،
والحجارة، وجلود الحيوانات، وكلها مواد تبلى وتفنى. ومع ذلك فعندنا آلاف المخطوطات
التي يرجع زمن كتابتها إلى 250 ق.م.

(2)
النقد: أول وأكثر كتاب يقابل بموجات نقد عاتية
عبر كل العصور:

*
موجات نقد عالية
higher
criticism
قادها علماء ألمان في
القرن 19 وكان نقدهم مبنياً على أن ما بالكتاب يخالف ما هو موجود ومتعارف عليه في
الحياة مثل:


ما جاء في سفر يشوع عن سقوط سور أريحا في مكانه، فهذا يخالف للعُرف والطبيعة،
فالسور يسقط إما إلى الداخل أو إلى الخارج.


وصول إبراهيم أبو الأنبياء إلى مصر راكباً جملاً، فكيف حدث ذلك ولم تكن الجمال
موجودة أثناء وجود إبراهيم في مصر؟ لا بد أن يكون هناك خطأ لأنه ينافي الواقع.


الكتابة لم تكن موجودة في عصر موسى، فكيف يقول الكتاب إن موسى هو كاتب التوراة؟

·
موجات
نقد واطي
lower criticism

وهو
الذي يزعم بوجود اختلاف بين آيات الكتاب وبعضها في الأسفار المختلفة.

(3)
الاضطهاد: الكتاب الوحيد الذي قوبل بالاضطهاد منذ
عهد الرومان البعيد حتى الشيوعية القريبة، هو الكتاب المقدس، فقد أحرقوه وأحرقوا
أصحابه، ووضعوهم في الزيت المغلي وأحرقوا بيوتهم ودور عبادتهم وأماكن تجمعهم
وطاردوهم في كل مكان.

قال
الملحد الفرنسي المعروف فولتير سنة 1778م إن المسيحية والكتاب المقدس لن يبقيا
لأكثر من خمسين عاماً. ولكن بعد خمسين عاماً أصبح فولتير في ذمة الله، وأخذت دار
الكتاب المقدس منزله ومطبعته لتستخدمهما في طبع الكتاب المقدس وتوزيعه. بقي الكتاب
عبر السنين، ومضى فولتير إلى التراب الذي منه خُلق!

 (4) فريد في تعاليمه:

تعاليم نبوية: الكتاب الوحيد المليء بالنبوات المستقبلية عن
مدن وشعوب وأفراد هو الكتاب المقدس. وهناك فرق بين الأسطورة والنبوة، فالأسطورة
كلمات جميلة تحكي عن رؤية مستقبلية لا يمكن أن تتحقق بكاملها. أما النبوة فهي رؤية
مستقبلية تتحقق كلها وبكاملها. وفي الكتاب نبوات عن مدن تحققت كلها كما قيلت
بطريقة مذهلة ومعجزية خارقة للعادة وفوق الطبيعة.

كما
أن هناك أكثر من 330 نبوة عن السيد المسيح ميلاده، حياته، تعاليمه، آخر أيامه على
الأرض، صليبه وما تم فيه، قيامته وصعوده، كلها مكتوبة قبل مئات السنين وتحققت كلها
في ملء الزمان.

· تعاليم تاريخية:

الكتاب
الفريد الذي يحكي تاريخ شعب في حقبة تقدر بخمسمائة سنة هي تاريخ الشعب اليهودي من
صموئيل إلى سفر الأخبار
يحكي بكل تدقيق أنسابهم ورحلاتهم وأحوالهم وما حدث لهم بتفصيل
يفوق كل التاريخ حتى التاريخ الفرعوني.

· تعاليم شخصية:

أي
مؤرخ يكتب تاريخ حياة شخص ما، يسجل دائماً الجوانب المضيئة من حياته ويبتعد قدر
المستطاع أو يكاد لا يذكر أي جوانب سيئة منها.. إلا الكتاب المقدس حينما يذكر
أشخاصه كتب عنهم كل شيء، حلوهم ومرَّهم، مناطق القوة والضعف فيهم، الجوانب المضيئة
والسيئة. فمثلاً إبراهيم الرجل الذي أطاع الله حتى قدم ابنه ذبيحة ومحرقة طاعة
لأمر الله وحتى لُقب بأب المؤمنين، يذكر عنه الكتاب أنه كذب وقال إن امرأته سارة
هي أخته.

داود
الرجل الذي وُجد حسب قلب الرب، كاتب المزامير الرائعة التي فيها ينادي بحبه لله
وغيرته على شعبه، يذكر الكتاب أنه زنى مع بثشبع امرأة أوريا الحثي، بل وقتله أيضاً.
وهذا ليوضح لنا إن “الجميع زاغوا وفسدوا وليس من يعمل صلاحاً” الجميع
غير معصومين من الخطية ولم يمشِ على أرضنا أحد بدون خطية إلا شخص واحد فريد هو
الرب يسوع.

 

(5) فريد في ترجمته:

عادة
يُترجم الكتاب من اللغة الأصلية إلى لغة شعب آخر إذا كان محتواه صالحاً ونافعاً
للبيئة المترجم إليها. وكلما زادت ترجمات الكتاب دلَّ هذا على صلاحيته لكثير من
الشعوب مثلما حدث مع كاتبنا العظيم الأستاذ نجيب محفوظ حيث نال جائزة نوبل لكثرة
ترجمات كتبه (ثلاث لغات).

الكتاب
المقدس أول كتاب في التاريخ يترجم من لغته الأصلية (العبرانية) إلى اللغة
اليونانية 250 ق.م بما عرف بالترجمة السبعينية نسبة إلى 72 شيخ يهودي قاموا
بترجمته في الإسكندرية بأمر من بطليموس حسب نصيحة مدير مكتبة الإسكندرية اليهودي
الذي بشره بالخير العظيم الذي يحل على البلاد إذا تُرجم الكتاب (التوراة) إلى
اللغة اليونانية. وبالفعل أحضر بطليموس 72 شيخاً من فلسطين، ووضع كل واحد منهم في
حجرة منفصلة ليضمن سلامة الترجمة التي قارنها ببعضها في النهاية فكانت واحدة.

واليوم
زادت ترجمة الكتاب المقدس ألفي لغة ولهجة، وما زال الاحتياج موجوداً والترجمات
مستمرة، فهو الكتاب الوحيد الذي تحتاجه كل الشعوب لأنه إعلان الله عن نفسه لبني
البشر.

 

(6) فريد في تأثيره:

ما
من شخص مُخْلص تصفَّح الكتاب بغرض البحث عن الله فيه، ومعرفة طريق العودة إلى
الفردوس المفقود بالخلاص من الذنب، إلا ووجده ونال الخلاص، فالكلمة حية وفعالة
وأمضى من كل سيف ذي حدين. كلام الله ينير ويعقل الجُهال “سراج لرجلي كلامك
ونور لسبيلي”.

كان
أحدهم أميراً لجماعة من جماعات التكفير والهجرة وكان المتعلم الوحيد في هذه
المجموعة (ثانية هندسة)، طُلب منه البحث عن أخطاء الكتاب المقدس لمهاجمة أصحابه.
وبعد رفض شديد لأنه وهو الأمير كيف يُمسك كتاباً محرفاً فينجس طهارته؟ قَبِلَ على
مضض ونتيجة الإلحاح. وبمجرد أن بدأ في القراءة وجد نفسه لا يستطيع المقاومة أو ترك
الكتاب، فاستمر أسبوعين لا يتحرك إلا لقضاء الحاجة فقط حتى قرأ التوراة كلها،
واكتشف الإله الحقيقي والسلام الذي يفوق كل عقل وطريق الخلاص من الأوزار، فقرر أن
يتبع صاحب هذا الكتاب الذي عزف على أوتار قلبه لحن الخلاص ورفع عن كاهله أثقال
أعوام مضت فأصبح حراً من قيد فكري وجسدي منادياً باتِّباع هذا المخلص العظيم..

نعم إنه الكتاب الفريد.. فهل قرأته؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى