علم الكتاب المقدس

25- الاختلاف الداخلي



25- الاختلاف الداخلي

25- الاختلاف الداخلي

مقدمة

الافتراض الوثائقي

الإجابة الأساسية الموضوعات

مقالات ذات صلة

الأسلوب

البيان

وحدة التوراة

 

1(أ)
مقدمة

يوجد
اختلافات جديرة بالاعتبار في التوراة في الموضوعات والأسلوب والبيان.

 

2(أ)
الافتراض الوثائقي

هذه
الاختلافات الداخلية تؤيد بشدة من فرضية أن التوراة كتبه أشخاص مختلفون في أزمنة
مختلفة، وكل منهم لديه وجهة نظره الفردية وتكنيكه الخاص، وهذا جدير بالتصديق أكثر
بكثير من الاعتقاد بأن هناك رجلاً واحداً مسئولاً عن عمل يتسم بكل هذا التنوع
والاختلاف كما في التوراة.

 

3(أ)
الإجابة الأساسية

إن
الاختلاف أو التنوع في مادة السفر والأسلوب والبيان يمكن بأسلوب مشروع تفهُم
أسبابها دون إرجاعها إلى التأليف المركب أو المتعدد.

 

1(ب)
الموضوعات

فيما
يتعلق بقدرة الشرقيين القدماء على كتابة عدة موضوعات مختلفة في الكتاب، يقول
هاريسون:

 

إن
تركيز الفرد الواحد على القدرة على كتابة سرد تاريخي أو تأليف الشعر أو وضع مادة
تشريعية هي أمر فريد عن ما يميل إلى افتراضه الكتَّاب النقَّاد الأوائل. كما أشار
كيتشن، وثمة توضيح لهذا النوع من القدرة نجده في مصر القديمة في فترة سابقة لزمن
موسى بحوالي 7 قرون وهي قد أزالت كل الاحتمالات بواسطة ختي (أو أختوي) ابن دوايوف
الكاتب الذي عاش في زمن الفرعون امنحنات الأول (1991-1962 ق.م)، هذا الإنسان
المتقلب يجمع وظائف المعلم، الشاعر، والداعية السياسي. وكتب «في هجاء التجارة»
كنصّ يستخدمه الطلاب في مدارس الكتبة. من المحتمل أنه قد تمَّ تكليفه لتقديم شكل
أدبي من تعليم امنحنات الأول، وهذا الشكل كان كتيباً سياسياً مشهوراً في الأسرة
الثامنة عشرة وحتى العشرين كتمرين يقوم التلاميذ بنسخه. بالإضافة إلى ذلك، من
المحتمل أن يكون هو مؤلف أغنية شهيرة للنيل، والتي مع غيرها من الأعمال المنسية
كانت يتم نسخها باستمرار بواسطة الكتبة. ومن الواضح تماماً، أنه من المستحيل لشخص
ماهر وذكي أن يقيد خلال حقبة العمارنة بنوع واحد من الأنشطة الأدبية التي تنسب
تقليدياً إلى موسى. (
Harrison,
IOT, 538
)

 

2(ب)
الأسلوب

يقول
درايفر: «إذا قرأت الأجزاء التي تنسب إلى المصدر الكهنوتي بانتباه، حتى في الترجمة،
ثم قارنت هذه الأجزاء مع بقية الرواية، فإن خصوصية الأسلوب سوف تظهر بوضوح». (
Driver, ILOT, 20)

 

ويتعاملرافين
بجودة مع هذه الظاهرة باعتبارها تحدث في فقرات تتعلق بصفة خاصة بالله:

 

يقال
إن المصدر الكهنوتي بارد ورسمي ومنظم ومنطقي ولكنه دقيق في بعض الفقرات التي يتوقع
فيها المرء إلوهيم، وهو الاسم العام لله، الاسم الذي ليس له علاقة خاصة مع إسرائيل
ولكنه يستخدم في الكثير من المرات للإشارة إلى إله الأمم. وعلى الجانب الآخر يقف
المصدر اليهوي (
J) والذي يقال عنه إنه بسيط وساذج ويضفي الطابع البشري في وصفه لله،
بيد أن هذه الأدلة للتوهج الديني سوف تقودنا إلى توقع الاسم القومي المناسب لله،
الاسم الذي يؤكد ارتباطه التعهدي مع إسرائيل. ثمة فقرات لا نستطيع أن نفسر بها
لماذا تمّ استخدام اسم من أسماء الله بدلاً من الآخر، ولكن في الغالبية العظمى من
الحالات سيكون أي اسم آخر غير مناسب تماماً للموقف. (
Raven,OTI,119)

 

تزودنا
«الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالي الأشهر دانتي بمثال مساعد لعمل أدبي له مؤلف
واحد ولكن بأساليب متباعدة ومختلفة في تقديمه لشخصية الله. فكثير من الفقرات تصف
بثراء تدخل الله في شئون البشر (كالمصدر اليهوي والإلوهيمي) بينما فوراً بجانبها
نجد فقرات غنية بالعقيدة النظامية (كالمصدر الكهنوتي). ومع ذلك فنحن لدينا مؤلف
واحد وكتاب واحد، ليس أكثر. (
Cassuto,
DH,59
)

 

وبالفعل،
لا يمكن الاعتراض على أنه في الوثيقة الكهنوتية يجد المرء مناخاً بارداً وجافاً
يميل لذكر التفاصيل ويغرم بالعبارات الشفهية. في مقابل المصدر الكهنوتي يوجد
المصدران اليهوي والإلوهيمي اللذان يتسمان بالحيوية والتلون المبهج والنشاط. ولكن
دعنا لا ننخدع بالمظاهر. السبب في أن التقليد الكهنوتي فاتر وجاف يكمن في أن
المادة التي نسبت إليه تتسم بهذه السمة بطبيعتها. فكيف يمكن لها أن تقدم حيوية
وجمالاً لمن يفحصونها؟ ولكن الروايات القليلة التي تنسب إلى التقليد الكهنوتي
تتضمن حيوية ونشاطاً وثراء في النسق، وتماماً كما عزا باحثوا الأنساب إلى المصدر
اليهوي عبارات فاترة وغير مشوقة وتنظيمية. لذا يلاحظ كاسيوتو أن المرء يجد أن: التغيير
في الأسلوب يعتمد على التغير في الموضوع لا على اختلاف المصادر. (
Cassuto, DH,53-54).

 

كما
طوَّر رافين أيضاً هذا الموضوع المركزي: إن الزعم باختلاف مفردات اللغة عند المصدر
الكهنوتي (
P) عن اليهوي والإلوهيمي (JE) يمكن الإبقاء عليه، فقط
من خلال بتر السجل. فإذا كان مصطلحاً عادة ما يوجد في (
P)
يظهر في جزء خاص ب(
JE) فسيتم تقسيم الأصحاح بل وفي بعض الأحيان الآية الواحدة. إذا تركت
الروايات بأكملها فيما عدا في حالة وجود مصطلح ربما يكون تعليقاً متأخراً، فسيكون
الدليل أكثر ضعفاً، وبهذه الطريقة يمكن تقسيم أي عمل أدبي إلى عدة مصادر أكثر أو
أقل تكاملاً». (
Raven, OTI,124)

 

يكشف
كيتشن عن مظاهر الضعف في منهجية وأسلوب بحث النقاد بقوله: إن التماسك المفترض
للمعايير التي تقتبس حجماً كبيراً من الكتابة يعد احتيالاً وخداعاً (خاصة فيما
يتعلق بمفردات اللغة، على سبيل المثال). وسيتمسك بالأسلوب فقط لو أن المرء أخذ
يلتقط كل شيء من شكل محدد بعينه، ثم يعتبر أنها كلها تنتمي إلى وثيقة أخرى منفصلة
عن الباقي. وأخيراً يؤكد ويدافع عن تماسكها وترابطها الملحوظ – وهو تماسك أوجدته
الانتقائية الشديدة في المقام الأول. ولهذا السبب يتمّ ذلك من خلال تفكير أجوف
دائري. إن التقليد الكهنوتي يدين بوجوده أساساً إلي هذا النوع من الإجراءات والذي
لم يكن يعرف له وجود من قبل استرويوك في عام 1753 وحتى هيوفلد عام 1853. (
Kitchen, AOOT, 115-16)

 

يثق
كثير من النقَّاد الراديكاليين أن وجود اختلاف في الأسلوب داخل نفس الموضوع سوف
يميل إلى الإشارة إلى وجود مؤلفين مختلفين. بيد أن أي مؤلف قد يستخدم أساليب
مختلفة لتوكيدات مختلفة، حتى داخل نفس الموضوع. فعلى سبيل المثال المحامي سوف
يستخدم أسلوباً مختلفاً في خطابه لوالدته عن أسلوبه في المقالة التي قام بتحضيرها،
حتى لو كان موضوع الاثنين هو حماية الاستثمار. وهنا أيضاً رجل الدين الذي يستخدم
أسلوباً مختلفاً في كلامه لأطفاله في الصباح عن أسلوبه في العظة، حتى لو أن موضوع
حديثه في كلا الموقفين هو أمانة الله. الطبيب سيكتفي باستخدام أسلوب الكلام الخاص
بالوصفة الطبية عندما يكتب (الروشتة) ولكنه سيتحدث بأسلوب مختلف تماماً للمريض.
وبنفس الطريقة نجد أن الوصف الغني للفلك في التكوين لم يعد الآن دليلاً على وجود
مؤلف مختلف عن الرواية المحيطة تماماً، كما أن أسلوب المهندس البحري في وصفه لمركب
يجعله مؤلفاً مختلفاً عن نفس المهندس وهو يكتب رسالة غرامية لخطيبته. (
Gordon, HCFF,132)

 

أخيراً،
تشير البيانات الأثرية إلى أن وجود اختلافات في الأسلوب في الأعمال الأدبية كان
سمة لكثير من الشرقيين القدماء، ووصف كيتشن نقوش أوني، وهو وزير مصري (2400 ق.م)
والتي تضم رواية عميقة (
J,E?)، وجُملاً موجزة (P?) ونشيد الانتصار (H?). وكذا عبارتين مختلفتين (R1,R2?)
تتكرران كثيراً. غير أن الحقيقة تظل أنه ليس ثمة شك في أن هذه الوثيقة المنقوشة قد
نُقشت على الحجر كذكرى بناء على أمر الرجل الذي يحتفل بالذكري. (
Kitchen, AOOT, 125-26)

 

هناك
أمر آخر مفيد تمَّ اكتشافه في النقوش الملكية لملوك
Urartu،
وحيث توجد صيغة ثابتة لتحركات الإله هالدي (
P?)،
وصيغة ثلاثية لتحركات الملك وكذلك بيان موجز بالانتصارات، أو سرد بضمير المتكلم،
وتتكرر باستمرار أحصائيات عن الجيش وعن الغنائم التي جنوها. وكوثيقة لا نقاش حولها
لعدم وجود مؤلف منافس أو مؤلف سابق لها وأسلوبها استمر لقرن من الزمان. (
Kitchen, AOOT,125-26)

 

3(ب)
البيان

ثمة
بعض الكلمات التي تعتبر متميزة وخاصة بالتقليد اليهوي (
J
وهناك كلمات أخرى تميز المصدر الكهنوتي (
P)،.. إلخ. وقد صنَّف
درايفر قائمة واسعة من هذه الكلمات والتعبيرات التي يقال إنها تشير إلى وجود تأليف
متعدد ومركَّب. (انظر
Driver, ILO,
131- 35
)

 

يكتب
درايفر بشأن سفر التكوين: «باختصار، سفر التكوين يقدم مجموعتين من الأقسام، تتميز
كل منهما عن الأخرى عن طريق اختلافهما في التعبيرات والأسلوب». (
Driver, BG,IV).

 

حتى
مع القبول جدلاً بعدم وجود تفسير آخر معقول لهذه الظاهرة، فإن و.ج مارتن يشير إلى
أن الاقتناع بالتأليف المركب بسبب تنوُّع المفردات هي قناعة لا أساس لها:

 

لقد
أبطل الباحثون الكلاسيكيون هذا المعيار منذ زمان طويل، ولا يوجد الآن من يعتقد
بأهمية القول إن البقول ذكرت في الإلياذة ولم تذكر في الأوديسة. وإن الإلياذة ثرية
بكلمات الجروح والإصابات. بينما يندر وجود هذه الكلمات في الأوديسة أو ربما تختفي
تماماً منها، وكذلك ظهور بعض الكلمات في الإلياذة مثل الجندب والسمك والدودة
والثلج وعصفور الدوري والحمار، بينما تظهر النخلة في الأوديسة فقط. ففي الحقيقة
تستخدم الإلياذة 1500 كلمة لا تظهر واحدة منها في الأوديسة. وكذلك، لن يفيد بشيء
أن نعرف حقيقة أن كلمة «تقي» أو «ورع» لم تظهر في مسرحيات شكسبير إلا مع مسرحية
«هاملت» وما بعدها. وحتي مع تواجدها أو عدم تواجدها تظل مسرحيات شكسبير لنفس
المؤلف. وكذلك جعل فرجيل في كتاب واحد الحصان الخشب مصنوع من خشب التنوب في إحدى
الفقرات، ثم عاد وجعله من خشب القبقب في فقرة أخرى». (
Martin, SCAP,13)

 

يضع
كاسيتو الأحكام الأساسية التالية لكيفية التعامل الملائم مع الاختلافات اللغوية: (أ)
لا يجب أن نعتمد على الاختلافات في اللغة لتحديد أصل الأجزاء، والتي سوف نستخدمها
فيما بعد لتقرير السمات اللغوية للمصادر، لأنه في هذه الحالة سنسقط في فخ المنطق
الدائري. (ب) كما لا يجب أيضاً أن نقوم بتصحيح أو تنقيح النصوص لنجعلها تؤكد
نظريتنا. (ج) وكذلك لا يجب أن نتعامل مع الكلمات أو الأشكال بصورة ميكانيكية، كما
لو أنها اقتطعت وانفصلت عن سياقها. كما أن الحرف ليس له أي معنى أو دلالة بمعزل عن
باقي النص. وكما سنرى سريعاً، فإن الفرضية الوثائقية لم تكن حريصة دائماً على تجنب
كل الفخاخ المستترة. (
Cassuto,
DH,44
)

 

في
حين يمكن الإقرار بسرعة أنه يوجد اختلافات كبيرة في المفردات اللغوية في أسفار
موسى الخمسة. (إن هذه الكلمات المختلفة ترمز إلى نفس الشيء وأن بعض العبارات
والكلمات تظهر في بعض الأجزاء وتختفي عن باقي الأقسام.. إلخ). بيد أن الدليل على
تواجد نسق أو اسلوب بياني متفرد ومتميز لكل مصدر ليس سوى نتاج للمنطق الدائري
الأجوف للنقَّاد. فهم يضعون قائمة تحتوي على كل الفقرات التي تتضمن بعض الكلمات
المعينة ثم يقررون أن هذه الفقرات تنسب إلى مصدر بعينه، ثم بعدها يعلنون أنه طالما
أن هذه الكلمات لا تظهر في أي مكان آخر في النص خارج هذا المصدر، فإن هذه الكلمات
إذن بالضرورة تعبر عن سمات هذا المصدر وحده. وهكذا يتمّ اختلاق هذه الظاهرة بواسطة
الفرضية نفسها. (انظر التعليق الأول لكيتشن على اختلاف الأسلوب فيما سبق). وإليك
مثال: توجد كلمتان باللغة العبرية تعني «المرأة الأمَة»، الأولى هي أمَة
amah والثانية هي شيفاه Shiphah. نسب النقَّاد كلمة «أمَة» إلى المصدر (E)
وكلمة «شيفاه» نسبت إلى المصدر (
J) باعتبارها الكلمتان اللتان تعبران عن (المرأة العبدة) (Archer, SOTI,111).

 

يؤكد
بعض النقاد أنه عند الحديث عن المرأة العبدة يستخدم (
J)
دائماً الكلمة العبرية «شيفاه» ودائماً يستخدم (
E)
كلمة «أَمَة». ويسلم درايفر بحذر بأن استخدام المصدر (
E)
لكلمة «أَمَة» ليس ثابتاً دائماً، لكنه مفضَّل فقط، مع كون ذلك عسير الفهم. نجد أن
المصدر (
E) يستخدم كلمة «أمة» 6 مرات في التكوين (20: 17؛ 21: 10و12و13؛ 30:
3، 31: 33)، ومع ذلك تظهر كلمة «شيفاه» بنفس التكرار تقريباً في المصدر (
E)
أو في سياقات موحدة بقوة (تنسب إلى المصدر (
E):
تك 20: 14، 29: 24و29؛ وتنسب إلى المصدر الكهنوتي (
P) 30: 4و7و18).

 

يتعامل
أور بقسوة في رده على المنهجية التي يتم تطبيقها هنا، فيرد بسرعة: «إنه أسلوب
اعتباطي كلياً ومنطقية دائرية عندما تغير هذه الكلمة الوحيدة في تك 20: 14 و30: 18
على أساس أن الكلمة المعتادة للمرأة العبدة في المصدر (
E)
هي أَمَة، وأن المصدر (
J) على الجانب الآخر يستخدم دائماً «شيفاه» هنا الفكرة الأساسية
تصبح محل شك. في تك 29: 24و29 تمَّ اقتطاع الآيات ونسبت إلى المصدر الكهنوتي، وفي
(30: 4و7) حدث نفس الاقتطاع ونسبت إلى المصدر اليهوي». (
Orr,POT,231)

 

تقدم
(تك 20) أول حزء أساسي للمصدر الإلوهيمي في التكوين، ومع ذلك تظهر «شيفاه» و(هي
كلمة يهوية) في عدد 14، ثم تتبعها كلمة «أَمَة» (وهي كلمة الإلوهيمية) في عدد 17،
وهولز نجر بتأكيده أن المصدر الإلوهيمي لا يستخدم هذه الكلمة جعله يحذف شيفاه، كما
فعل ذلك أيضاً في تك 30: 18. فإن الافتراض المسبق بأن (
E)
يستخدم هذه الكلمة ثم بعدها نسب كل استثناء إلى إضافة أو إقحام من المصدر (
J)
أو نسبها إلى خطأ المنقح (المحرر) هو بمثابة بناء استنتاج شخص ما على افتراضه غير
المؤكد، وهذا منهج مضلل ووهمي منطقياً، وغير علمي وسيسمح لأي شخص بإثبات أي شيء
يرغبه. (
Archer, SOTI, 111)

 

يمدنا
كاسيتو بمثال مفيد للغاية، وهو يعتقد بظهور نقص في الثقافة عندما يتعامل مؤيدو
النظرية مع الكلمتين العبريتين «بيتريم» و«تريم». ففي كل مرة تظهر فيها كلمة
«بيتريم» تنسب إلى المصدر (
E)، وعندما توجد كلمة «تريم» تنسب إلى المصدر (J).
ولكن لسوء حظ النقَّاد فإن هاتين الكلمتين ليستا مترادفتين. لكنهما كلمتان
مختلفتان تماماً، فكلمة «بيتريم» تعني «قبل» أما «تريم» فتعني «ليس فقط». ومن
الواضح أنه طالما أن هاتين الكلمتين لهما معنيان مختلفان فإن استخدامهما سيختلف
بلاشك وهذا هنا ليس له أي علاقة باختلاف المصادر. (
Cassuts, DH,51).

 

وثمة
مجال آخر لمناقشته اختلاف الأسلوب، عندما يجادل الدارسون بأن استخدام كلمات
«لأصعدكم من مصر» (والتي توظف لصالح المصدر الإلوهيمي) و«لأخرجكم من مصر، (والتي
توظف لصالح المصدر اليهوي) هما دليل على تعدد المصادر.

 

ولكن
في تفهمنا لمعنى كل تعبير نصل إلى خلاصات مختلفة، فعندما تستخدم «أصعد من مصر»،
فهي تعني خروجهم من مصر ودخولهم إلى أرض الميعاد، بينما «أخرج من مصر» تعني ببساطة
أن يرحلوا عن مصر. في تك 46: 4 أخبر الله يعقوب «أنا أصعدك أيضاً»، وهذه تعني أن
الله سيرجعه مرة أخرى إلى أرض الميعاد. على الجانب الآخر في تك 15: 14 نقرأ: «وبعد
ذلك يخرجون بأملاك جزيلة». عندما نقرأ هذا في سياقه فإنه يظهر بوضوح أن الحديث
يتعلق بالخروج. وعندما يتمّ البحث عن المعنى العميق للكلمات ويتمّ فحص الفقرة بدقة،
تصير المباديء الأساسية واضحة تماماً. (
Cassuto, DH,48)

 

كما
نجد مثالاً آخر في حقيقة أن التوراة تسجل الأرقام بطريقتين مختلفتين: النظام
التصاعدي مثل رقم «عشرين ومئة» والنظام التنازلي مثل «مئة وعشرين». يفترض النقَّاد
أن المصادر اليهوي (
J) والإلوهيمي (E). والتثنوي (D) يستخدمون النظام التنازلي، وأن النظام التصاعدي من سمات المصدر
الكهنوتي (
P).

 

وهناك
تفسير أكثر منطقية يمكن إيجاده في حقيقة أن النظام التصاعدي دائماً ما يصاحب البيانات
التقنية أو الإحصائية. على الجانب الآخر، غالباً ما تكون الأعداد الفردية داخل
النظام التنازلي، فيما عدا في حالات قليلة عندما تسيطر ظروف خاصة. ومثال على هذه
القاعدة نجده عندما كان موسى يخاطب بني إسرائيل، قائلاً: «أنا اليوم ابن مئة
وعشرين سنة» (تث 31: 2)، وفي الفقرة التي تتعلق بتقدمة الرؤساء، والذي كان فيه
«جميع ذهب الصحون مئة وعشرون (في الأصل عشرون ومئة) شاقلاً» (عدد 7: 86).

 

في
ضوء هذا التفسير ربما يسأل المرء كيف يمكن تفسير حقيقة أن النظام التصاعدي لا يوجد
سوى في الأجزاء الكهنوتية فقط، والإجابة بسيطة: إن المصدر الكهنوتي تم استنباطه
(تخليقه) على أساس التواجد الدائم المفترض لكل الجداول الخاصة بالترتيبات الزمنية،
وكل السجلات الإحصائية وكل الشروحات التقنية للخدمات وما على مثيلتها. ومن ثم، فمن
الواضح أن النظام التصاعدي سوف يظهر أكثر في الوثائق التي يزعم بأنها كهنوتية. (
Cassuto, DH,51-54)

 

وأخيراً
(نجد المثال الأخير في كلمة يالاد
Yalad) هذه الكلمة العبرية التي تعني «ينجب» تستخدم بالتبادل في صيغتها
السببية وصيغتها العادية (ولكن بمعنى سببي). يفسر النقَّاد ذلك بأن ينسبوا الصيغة
الأولى إلى المصدر الكهنوتي والصيغة الثانية لليهوي. وما هو مبررهم؟ ظاهرياً لأنه
في الفقرات التي تثير الجدل حول مصدرها، ربما الآن توضع سابقة تنسب إلى اليهوي تلك
التي تستخدم الصيغة العادية بمعنى سببي وإلى الكهنوتي تلك التي تستخدم الصيغة
السببية تماماً. (
Cassuto, DH,43)

 

1(ج)
الموضوعات

في
الإجابة على حجة أن الكلمات المميزة للوثائق المزعومة هي دليل على نظرية الوثائق،
يشير رافين إلى أن السبب الحقيقي وراء تنوُّع واختلاف الكلمات هو الاختلاف في
الموضوعات: «بالطبع لن يكون لهذه الحجة أي ثقل إلا إذا كانت الكلمات أو المصطلحات
من النوع الذي يعتاد المؤلفون من جميع المصادر على استخدامه. كثير من الكلمات
الموجودة في قائمة درايفر اقتصرت على المصدر الكهنوتي (
P)
لأن المصادر الأخرى كاليهوي والإلوهيمي والتثنوي لم يعتادوا استخدامها. (
Rav en, OTI, 122)

 

وهذا
ينبغي أن يكون واضحاً. إننا نتوقع أن تكون المفردات المستخدمة في سلاسل الأنساب
(مثل تك 10) مختلفة بشكل ما عن المفردات المستخدمة في رواية متدفقة (على سبيل
المثال تك 8-9). وبعد الفحص نجد أن السبب لا يكمن في وجود شخصين قد ألَّفا الوثيقة
ولكن لأن أحدهما يتناول السلالة والأخرى عبارة عن رواية.

 

2(ج)
التنوع

من
الضروري أن نتذكر أن المؤلف الواحد سوف يستخدم تنويعة من الكلمات لإبراز حيوية
النصّ أو تأكيده. وخير مثال مفيد على ذلك نجده في قصة الخروج الخاصة برفض فرعون أن
يطلق شعب إسرائيل من مصر. إن عناده في مواجهة الضربات يشار إليه باستخدام 3 أفعال
تعني «تقوى أو تجرىء» (منسوبة إلى
P وE) و«تصلب» (منسوبة إلىP) و«تثقل وجحد» (منسوبة إلى J).
ولكن اختبار تسلسل استخدامهم ينقاد إلى إدراك ترتيب طبيعي له علاقة بعلم النفس –
من اكتساب الجرأة إلى التصلَّب إلى الجمود. وهذا بكل وضوح تبعاً لتصميم المؤلف،
وليس لاختلاط ودمج الوثائق. (
Archer,
SOTI,116
)

 

3(ج)
إن ملكيتنا فقط لكسور من الدلائل الأثرية يمكنها أن تسلّط الضوء على الاستعمال
العبري القديم لبعض الكلمات

أعتاد
النقَّاد الراديكاليون على التمسك أن الصيغة الأطول من الضمير «أنا» (أنوكي) كان
استخدامه مبكراً عن الصيغة الأقصر (أني). وتمَّ توظيف هذا التمييز لأثبات اختلاف
المصادر، برغم أن فحص النصّ أظهر أن التبادل بين الصيغتين كان متكرراً تبعاً
للسياق، (أنا «أني» هو الرب (يهوه)»، هذه عبارة تقليدية واضحة كثيراً ما نجدها في
سياقات تستخدم بحرية الصيغة الأطول «أنوكي».

 

ولكن
ثبت مؤخراً أن تلك الحجة بأكملها مختلقة وزائفة مع اكتشاف نقوش كتابة في رأس شمرا
تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وتظهر فيها الصيغتان من الضمير (أنا)
بجانب بعضهما البعض.

 

مثال
آخر: كلمتان عبريتان بمعنى طاقة تستخدمان في قصة الطوفان.

 

الكلمة
الأولى «أروبباه» والتي تستخدم في تك 7: 11 و8: 2). ولكن في 8: 6 تستخدم كلمة أخري
بمعنى طاقة وهي شالون (
Challon). تمسَّك الباحثون أن كلمة «أروبباه» هي الكلمة التي استخدمها
المؤلف الكهنوتي بمعنى «طاقة» وبالتالي فإن تك 7: 11 والجزء الأول من 8: 2 هما من
أجزاء المصدر الكهنوتي. بينما شالون هي الكلمة التي استخدمها المصدر اليهوي، ومن
ثم فإن تك 8: 6 يتبع الجزء الخاص بالوثيقة اليهوية.

 

هل
هناك طريقة أخرى لنحسب بها استخدام كلتا الكلمتين التي يبدو أنهما تدلان على نفس
الشيء في رواية قصيرة جداً كقصة الطوفان؟

 

الإجابة
هي نعم، ومع كوننا لا نعلم بعد السبب وراء استخدام كلا اللفظين في مكانين متقاربين
للغاية من بعضهما، حيث كشفت التنقيبات الأثرية في رأس شمرا لوحة تظهر عليها كلا
الكلمتين متقاربتين، وإذا طبقنا نفس الاستخدام على التكوين فهذا يجب أن يعني عدم
وجود أكثر من مؤلف.

 

مثل
هذه الاكتشافات الأثرية قد أضعفت كثيراً من حجج الفرضية الوثائقية. وهناك أسباب
كثيرة تجعلنا نصدق أن الاكتشافات القادمة سوف تستمر في إمدادنا بمعلومات صحيحة
بشأن تقنيات الأدب الحقيقية للعبرانيين القدماء.

 

وبينما
قامت الدراسات الأثرية بعمل كثير للدفاع عن سلامة الكتابة الإسرائيلية، يجب أن
ندرك أن هذه البحوث بالكاد خدشت السطح. ويشير العالم اروين ياماوتشي إلى: «إذا كان
المرء مبالغاً في تفاؤله في حسابه أن ربع النقوش والكتابات نجت وظلَّت باقية حتى
الآن، وأن ربع هذه المواقع المتاحة قد تم اكتشافها، وأن ربع الأماكن التي تم
اكتشافها قد تمَّ فحصها، وأن ربع الكتابات والنقوش التي فحصت قد تمَّ نشرها،
فعندها أيضاً يظل لدينا أقل من واحد على الألف من الدلائل الممكنة، ولكن النسبة
الواقعية بلاشك أقل من ذلك. (
Yamauchi,
SSS,12
)

 

4(ب)
وحدة التوراة

إن
أسفار موسى الخمسة كلها توجد على ترتيب موحَّد، وترتبط معاً في إطار متكامل، مع
وجود قدر ضئيل من التشابك والتكرار تبعاً للطبيعة الارتقائية لوحي الله لموسى. حتى
النقَّاد يعترفون بهذه الوحدة في طرحهم لنظرية المحرر الذي يزعمون أنه المسئول عن
تنظيم وتناسق التوراة. (
Archer,SOTI,
108
)

 

ومثال
لهذه الفكرة يقدم لنا ادوارد ريهام والذي اقتبسه آرشر فيما يلي: «معظم الشرائع في
الأسفار المتوسطة في التوراة تشكِّل كتلة متجانسة في جوهرها. وهي بالفعل لم تكتب
بيد واحدة، ولا حتى كتبت مرة واحدة أو في نفس الفترة الزمنية. ولكن، جميعها يحكمها
نفس المباديء والأفكار، ولها نفس الإطار الفكري، ونفس الأسلوب المفضَّل في التمثيل
ونفس صيغة التعبير. إن عدداً وافراً من الألفاظ المحددة تظهر مراراً وتكراراً.
وبطرق متعددة أيضاً تتصل الشرائع بعضها بالبعض. وبعيداً عن الاختلافات الفرعية
المتباعدة، فإنها تتفق مع بعضها، وهكذا تكمِّل بعضها لتمنح الانطباع بوجود كيان
واحد كامل، يعمل باستمرارية مدهشة في كل تفاصيله». (
Archer, SOTI, 108)

 

ويعلن
و.و.ج. مارتن قائلاً: إن سفر التكوين يمتلك كل سمات العمل المتناسق: الترابط،
الاستخدام غير المتعمد للصيغ والنماذج الإعرابية والتي تشير إلى البيئة اللغوية
والجغرافية للكاتب، والتوظيف المناسب للأدوات والحروف. لذا فإن كاتب التكوين كان
رجلاً يتميز بموهبة أدبية عالية ومتفوقة، غالباً ما يُعتَقَد بأنه كان يعرف بعض
وسائل نموذجية كتابية أخرى. إن له كل مواصفات العبقرية: التنوع والتعدد، وتعدد
البدائل، وقدر واسع من التلوّن، وتناغم كامل من العلامات يستفاد منها بموهبة فائقة.
لا يوجد الآن من يتوهم استنتاج أن تنوع الأساليب يعني تعدد المؤلفين، فالتنوع جزء
من أعمق الأساليب الكتابية الفذة. ليس تماثل البيان أو الأسلوب، بل تماثل الجودة
هو الأمر المميز.

 

من
الأسهل أن نصدق وجود مؤلف واحد عبقري عن تصديق وجود جماعة من الرجال تمتلك مثل هذه
المواهب المتميزة، الذين يمكنهم أن يكونوا قد أنتجوا هذا العمل.(
Martin, SCAP,22)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى