علم الكتاب المقدس

11- هل الكتاب المقدس من الله؟



11- هل الكتاب المقدس من الله؟

11- هل الكتاب المقدس من الله؟

ما الذي يقوله الكتاب المقدس العهد القديم ككتاب موحى به

وحي الشريعة

وحي الأنبياء

مقالات ذات صلة

هل الوحي يشمل كل الأسفار؟

العهد الجديد ككتاب موحى به

هل كلمة الله معصومة من الخطأ؟

صفات الله

ما هي العصمة

ما الذي لا تعنيه العصمة؟

معارضة الأدعاء بالوحي في الكتب المقدسة

الجدل في دوائر لا تنتهي

 لا يوجد تعاليم عن العصمة في الكتاب المقدس

 العصمة ليست مهمة

 العصمة فكرة حديثة

 هناك أخطاء في الكتاب المقدس

 مجال محدود

 الأصول غير موجودة

 هل يهتم الله؟

 شروط كثيرة

الخلاصة

 

الجزء
الثالث من هذا الكتاب موجَّه إلى من ينتقدون الكتاب المقدس، وكذلك من يؤمنون أنه
موحى به وأن له سلطة وسيادة على حياة الإنسان.

لذلك،
يجب أن نبدأ هذا الفصل من الكتاب بمناقشة ما ينتوي النقَّاد أن يثيروه ليدحضوا
فكرة أن الله الكامل يجري من خلال الكتاب المقدس اتصالاً معصوماً من الخطأ مع
الإنسانية الساقطة.

 

في
الجزء الأول من هذا الكتاب، قدمت أدلة تثبت أن الكتاب المقدس صحيح من الناحية
التاريخية لا يدعو إلى الشك، لكن كما كتبتُ محذراً في هذا الفصل، فإن دقة الكتاب
من الناحية التاريخية لا تعني بالضرورة أن يكون موحى به من الله، فأي نتيجة لمباراة
رياضية حدثت بالأمس وانتشرت أخبارها في صحف اليوم تعتبر صحيحة تاريخياً، لكن هي
بالطبع ليست من وحي الله.

 

1(أ)
ما الذي يقوله الكتاب المقدس

في
أماكن كثيرة يُدعى الكتاب المقدس «بكلمة الله» لكن ما الذي يعنيه هذا؟ وإذا كان هو
كلمة الله، فكيف تواصل الله مع البشر؟ يخبرنا القديس بولس «كل الكتاب هو موحى به
من الله ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر» (2تي 3: 16).
وهذا النص هو أساس فكرة وحي الكتاب. والكلمة اليونانية «ثيوبنوستس
Theopneustos» تترجم عادة «وحي» وبمعنى آخر فإن الكتاب المقدس موحى به من الله.
هذا التعبير يعني ببساطة، وكما تترجمه الطبعة الدولية من الكتاب «تنفس- الله» إذن
فالكتاب المقدس من أنفاس الله.

 

يمكن
تعريف الوحي بأنه تلك العملية الغامضة التي يتدخل بها الله عند الكُتَّاب وهم
يكتبون، مستخدماً شخصياتهم وأساليبهم التى تميز كل واحد منهم لإظهار الأوامر
الإلهية والكتابات المعصومة من الخطأ. (
Geisler, GIB, 39)

 

من
المهم أن نكون حريصين في كيفية استخدامنا للفظة (وحي)، فهي من الكلمات التي
نتداولها دائماً في حياتنا اليومية، «هذا الفنان هبط عليه الوحي» أو نقول «هذه
الموسيقى ملهمة أو موحاه»، إنه استخدام عام لهذه الكلمة، وتفهم هذه الأيام بأن هذا
العمل أو ذاك متقن أو أن له قيمة عظمى. لكن عندما تستخدم تلك الكلمة عند الإشارة
إلى الكتاب المقدس نقصد هنا معنى آخر، فهو لم يوحي به بشكل مشابه لما يحدث مع
الفنان أو المغني. فالكتاب المقدس هو أنفاس الله ويدعى كلمة وأنه صادر من ذات فمه.

 

1(ب)
العهد القديم ككتاب موحى به

كثير
من أسفار العهد القديم تتضمن تأكيداً على أنها موحى بها، وبمرور الزمن اُعتبر هذا
الجزء من الكتاب بأنه «كلمة الله». والكتاب المقدس يمكن تقسيمه بعدة طرق مختلفة.
وفي العهد الجديد قُسِّم كتاب العهد القديم إلى جزئين رئيسيين (مت 5: 17، 7: 12)،
وإلى ثلاثة أجزاء كما جاء في (لو 24: 44). وفي هذا الفصل سوف نفحص العهد القديم
بجزئيه وهما الشريعة والأنبياء – كصور مختلفة من أنواع الوحي. وسوف نناقش في هذا
الفصل أيضاً ما الذي يمكن أن ننسبه للوحي الإلهي.

 

1(ج)
وحي الشريعة

الأسفار
الخمسة الأولى من العهد القديم يشار إليها كثيراً بأنها «الشريعة» أو «التوراة»،
وهو التعبير العبري عن كلمة الشريعة. أو الوصايا العشر. وهذه الأسفار – التكوين،
الخروج، اللاويين، العدد، التثنية. يُعتقد تقليدياً أنها جميعاً من أعمال موسى
النبي.

 

أسفار
الخروج (32: 16)، اللاويين (1: 1). العدد (1: 1) التثنية (31: 24-26) توضح جميعاً
بأنها من وحي الله. لكن التكوين لم يذكر فيه هذا الادِّعاء المباشر، مع ذلك، اعتبر
التكوين كجزء من «كتاب موسى» (انظر اخبار الأيام الثاني 35: 12، نحميا 13: 1).
وبما أن التكوين متصل بالأسفار الأربعة التالية، لذا هو يحمل أيضاً الصبغة الإلهية،
وكل ما هو صادق بالنسبة لسفر واحد ينصب بالتالي على باقي الأسفار. «بمعنى آخر، أي
حجة تختص بسفر من هذه الأسفار القانونية تسري على باقي الأسفار، طالما أنها كلها
تحت عنوان واحد وهو: الكتاب أو الشريعة أو كتاب موسى.

 

وخلال
باقي الكتاب المقدس، وبتتابع مفصَّل، كان ينظر إلى شريعة موسى بأنها شريعة الله،
وقد بدأ يشوع مهمته كخليفة لموسى بتلك الجملة «لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك..
حسب كل ما هو مكتوب فيه (يش 1: 8). وقد اختبر الله الشعب الإسرائيلي «هل يسمعون
وصايا الرب التي أوصى بها أباءهم عن يد موسى» (قض 3: 4). «وقال صموئيل للشعب، الرب
الذي أقام موسى وهارون وأصعد آباءكم من أرض مصر.. لكنهم نسوا الرب إلههم» (1صم 12:
6و9). وهي أيام الملك يوشيا: «وجد حلقيا الكاهن شريعة الرب بيد موسى» (2أخ 34: 14).
وبينما هم في السبي، عرّف دانيال شريعة موسى بأنها شريعة الله قائلاً: «سكبت علينا
اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه. وقد أقام كلماته
التي تكلم بها علينا وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا ليجلب علينا شراً عظيماً» (دا 9: 11
و12)، وحتى بعد أيام السبي، فإن الانتعاش تحت قيادة نحميا كان نتيجة لطاعة وصايا
موسى (انظر عز 6: 18، نح 13: 1). (
Geisler,
GIB, 61
)

 

2(ج)
وحي الأنبياء

يسمى
القسم الثاني من العهد القديم «بالأنبياء»، والواقع أن هذا التعبير غير دقيق لأن
البعض قد يظن أن الأنبياء ينصبَّ فقط على أسفار إشعياء وإرميا وما شابه، لكن القسم
المسمى بالأنبياء في العهد القديم لا يشير فقط إلى كتابات الأنبياء، لكن إلى كل
العهد القديم ما عدا الأسفار الخمسة الأولى المسماة بالشريعة.

 

بعض
الأسانيد لبعض الأنبياء المتأخرين تكشف عن تقدير عظيم لما تكلم به الأنبياء الأوائل
– فالرب تكلم إلى دانيال من خلال كلمات إرميا (قارن دا 9: 2 مع إر 25: 11)، ومثله
نجد عزرا يتعرف على إرادة القدير من سفر إرميا (عزرا 1: 1) وأيضاً يماثله في ذلك
حجي وزكريا (عزرا 5: 1). وأقوى العبارات في هذا الشأن نجدها في آخر الأسفار
النبوية بالعهد القديم وهو زكريا الذي تكلم عن «الشريعة والكلام الذي أرسل رب
الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين» (زك 7: 12). وفي فقرة مماثلة نجدها في آخر
الأسفار التاريخية، يكتب نحميا «أنت (الله) احتملتهم سنين كثيرة وأشهدت عليهم
بروحك على يد أنبيائك» (نح 9: 30) هذه الأمثلة تؤكد الاعتبار العظيم الذي يكنِّه
الأنبياء المتأخرون عن من سبقهم، واعتبروا كلماتهم بأنها كلمات الله أرسلت من
قِبَل روح الله لمصلحة اسرائيل.

 

الشيء
المميز لبدايات أسفار الأنبياء «هكذا قال الرب» وكذلك التعبيرات المشابهة التي
توجد في أجزاء كثيرة من العهد القديم مكررة مئات المرات.(
Thomas, NASECB,1055-56)

 

مثلاً
نجد إشعياء يعلن: «اسمعي أيتها السموات واصغي أيتها الأرض لأن الرب يتكلم» (إش 1: 2).
ويعلن إرميا «ثم صارت كلمة الرب إليّ قائلاً..» (إر 1: 11). وفي حزقيال نقرأ «صار
كلام الرب إلى حزقيال..» (حز 1: 3) وهناك كلمات مشابهة نجدها في أسفار الاثنى عشر
نبياً الصغار (انظر هوشع 1: 1-2، يوئيل 1: 1).

 

كذا
فإن أسفار الأنبياء التي تم اعتبارها من «الكتابات» وانفصلت عن باقي أسفار
الأنبياء، إلا أنها يطبق عليها كل التأكيدات الخاصة بأسفار الأنبياء. وحتى
المزامير (جزء من الكتابات) والتي أشار إليها يسوع بأن لها دلالة نبوية (لو 24: 44)
كانت أيضاً ضمن الشريعة والأنبياء، وقال عنها يسوع بأنها تحتوي على «جميع ما هو
مكتوب» (لو 24: 7). ويوسيفوس يصنِّف دانيال (الذي يأتي ترتيبه متأخراً في الأسفار)
ضمن أسفار الأنبياء على أيامه. لذا فرغم تواجد ثلاثة تقسيمات لأسفار العهد القديم،
إلا أنه من الواضح أن التقسيم القديم ينحصر في الشريعة والأنبياء (والتي تشمل
لاحقاً ما يسمى بالكتابات وهذا سائد منذ العهد الأول للعهد القديم وحتى «فترة ما
بين العهدين» ثم حتى زمن العهد الجديد. (
Geisler, GIB, 72)

 

الأنبياء
كانوا صوت الله ليس بسبب ما قالوه فقط لكن أيضاً بسبب ما كتبوه. أمر الرب موسى
«اكتب هذه الكلمات» (خر 34: 27). وأمر الله إرميا أن «خذ لنفسك دَرجاً آخر واكتب
فيه كل الكلام الأول الذي كان في الدَرج الأول» (إر 36: 28). ويشهد إشعياء بأن
الرب قال له «خذ لنفسك لوحاً كبيراً واكتب عليه» (إش 8: 1) ومرة أخرى قال له «تعال
الآن اكتب هذا عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور» (إش
30: 8). ومن أمر مماثل لحبقوق «اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها.
لأن الرؤية بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب» (حب 2: 2و3).

 

3(ج)
هل الوحي يشمل كل الأسفار؟

المجموعة
الكبرى من كتب العهد القديم (حوالي ثمانية عشر من أربعة وعشرين) تدعي أنها كلمات
الله إلى الإنسان. لكن البعض لا يظهر هذا التوجه الواضح فيما يختص بأصلها. وهناك
عدة أسباب لذلك:

 

 

1(د)
كلها تعتبر جزءاً من كل

كل
سفر يعتبر جزءاً من قسم في الكتاب المقدس، سواء الشريعة أو الأنبياء، والتي تمتلك
صفة الوحي بما لاشك فيه. وهذه الصفة تغطي كل الجزء، كنتيجة لذلك، كل كتاب مفرد ليس
بحاجة لأن يذكر حالته، ويهتم بأن يؤكد أنه جزء من كل. وهنا تأكد بحقيقة أن الأسفار
المتأخرة تشير إلى سلطة الجزء الأكبر بشكل إجمالي.

 

2(د)
طبيعة الأسفار التاريخية والشعرية

الأسفار
التاريخية والشعرية وحدها لا تحتوي على جمل مباشرة تختص بأصلها الإلهي، تبدأ
الأسفار التعليمية بقولها «هكذا قال الرب». والسبب الذي من أجله خلت الكتب
التاريخية والشعرية من هذه الجملة هو أنها تعرض «ما أظهره الله» (وهو التاريخ)
بدلاً من «ما قاله الله» (الشريعة والأنبياء). مع ذلك فإن التعليم الضمني (هكذا
قال الرب) متواجد بطريقة ما في الكتب الشعرية والتاريخية في التاريخ هو ما قاله
الله في لحظات معينة من التاريخ الوطني، والشعر هو ما ردده الله في قلوب ووحي
الأفراد في الأمة. كلاهما يعتبران ما قاله الله ويتشابهان في ذلك مع كتب الشريعة
والأنبياء التعليمية.

 

3(د)
كاتبو الأسفار كانوا رجالاً مُعتمَدين من الله

طبقاً
للتقليد اليهودي ينسب إلى سليمان كتابة نشيد الأنشاد، والأمثال والجامعة، وقد
أُعطى سليمان الحكمة من الله (1مل 4: 29). وأكثر من ذلك، تحققت فيه مؤهلات النبي
التي ذكرت في سفر العدد 12: 6 (بالرؤيا استعلن له. في الحلم أكلمه) (انظر 1مل 11: 9).
وداود نُسب إليه كتابة نصف المزامير تقريباً. وبالرغم أن المزامير لا تُدعي أنها
وحي مباشر من الله، فإن شهادة داود عن أهليته ذُكرت في سفر صموئيل الثاني 23: 2
«روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني» وإرميا، وهو المؤلف بحسب التقليد لسفري
الملوك، يحوذ على المؤهلات النبوية (انظر إر 1: 4 و17). وأسفار أخبار الأيام
بجزئيه، وكذلك عزرا-نحميا تُنسب إلى عزرا الكاهن، الذي أنجز عمله بكل سلطات النبي،
وفسَّر شريعة موسى وأسَّس وأصلح المباديء المدنية والدينية (انظر إر 1: 10 و13).
لذلك كله إما أن تشهد أسفار العهد القديم لنفسها، أو أن يقرر من حرروها بأنهم
يمتلكون سلطة كلمة الله.

 

2(ب)
العهد الجديد ككتاب موحي به

يقول
العهد الجديد أيضاً إنه «كلمة الله»، ومنذ أيام كتابته، عرف شعب الله أن هذه
الكتابات لها خصوصية متميزة.

 

وبمفهوم
حقيقي، بأن المسيح هو المفتاح الرئيسي للوحي الذي ورد بالكتاب المقدس. إنه هو أكبر
وحي للكتب المقدسة العبرية في العهد القديم، وهو الذي وعد بأن الروح القدس سوف
يرشد التلاميذ إلى «كل الحق» والذي تم فعلاً في العهد الجديد.(
Geisler, GIB,89)

 

تذكر
كم كان تقدير أنبياء العهد القديم، وكم كانت كتاباتهم لها الصفة الإلهية الموثوق
بها. وبمقارنة أسفار العهد الجديد بالقديم نلاحظ أنه يحظى بنفس السلطة والوحي. هذا
تأكد من الرسالة إلى العبرانيين 1: 1-2 «الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديماً
بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه». وكانت الرسالة «تثبت
لنا من الذين سمعوا وشاهدا الله معهم بآيات وعجائب» (عب 2: 3). وبعبارة أخرى، فإن
رسالة المسيح التي تمَّ إبلاغها عن طريق التلاميذ هي صوت الله اليوم كما كانت هي
صوت الأنبياء في العهد القديم.

 

وطبقاً
لما جاء في الرسالة إلى أفسس 2: 20 فإن الكنيسة «مبنيين على أساس الرسل والأنبياء»،
وكلمة الرسل لا يحدها فقط الاثنى عشر تلميذاً، فبولس أيضاً كان رسولاً (غل 1، 2كو
12). وأيضاً هناك برنابا (أع 14: 14) ويعقوب كتب أيضاً معضداً بالسلطة الإلهية (يع
1: 1)، وهناك آخرون لهم مواهب نبوية (على سبيل المثال أغابوس في أع 11: 28).
الموهبة الممنوحة لرسول أو نبي تؤهله لأن يستقبل الوحي (انظر أف 2: 20) والعديد من
كُتَّاب العهد الجديد يمكن أن يطلق عليها لفظة أنبياء (مثلاً مرقس، لوقا، يعقوب،
ويهوذا).

 

يسجل
سفر أعمال الرسل 2: 42 أن المؤمنين كانوا «يواظبون على تعليم الرسل والشركة». لذا
فإن سلطة تعاليم الرسل لا ينظر إليها فقط كنوعية مماثلة لما كان يصدر من الأنبياء،
لكن على أساس أهميتها لبناء الكنيسة. وما علَّمه الرسل هو الأساس الحاكم للكنيسة،
لذلك فالعهد الجديد هو الحاكم على الكنيسة.

 

ويشير
بطرس لرسائل بولس بأنها «كتب» (2بط 3: 16). وتقتبس الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 5:
18 من لوقا 10: 7 والتثنية 25: 4، وتستخدم لفظة «لأن الكتاب يقول». وإذا كان ما
كتبه لوقا، الذي لم يكن رسولاً، يشار إليه بأنه من الكتب، وبطرس الذي وبَّخه بولس
(غل 2: 11) اعتبر أن رسائل بولس من الكتب المقدسة، فيتبع ذلك أن العهد الجديد ككل
يعتبر من الكتب المقدسة وتشملها العبارة التي تقول كل الكتاب هو موحى به (2تي 3: 16).

 

3(ب)
هل كلمة الله معصومة من الخطأ

يدعى
الكتاب المقدس كله بأنه وحي من الله، وإذا كان حقاً من الله، لذلك فمنطقياً يجب
علينا افتراض أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ. وكل من كلمتي (موحى) و(معصوم) عادة
ما يرتبطان مع بعضهما البعض، ولكي نفهم معنى العصمة دعنا نتأمل في تلك المسائل وهي:
صفات الله، ما الذي تعنيه العصمة، وما الذي لا تعنيه العصمة.

 

3(ج)
صفات الله

لكي
نفهم جيداً الوحي المرتبط بالكتب المقدسة، يجب أن يشمل ذلك فهم معنى العصمة.
الكتاب المقدس هو كلمة الله.. والله لا يخطيء أبداً (عب 6: 18، تي 1: 12). وأن
ننكر عصمة الكتب المقدسة، فإننا بذلك نطعن في كمال الله أو نشكك في كون الكتاب
المقدس هو كلمة الله.

 

تستلزم
صفات الله العصمة، وإذا كانت كل عبارة في الكتاب المقدس هي من الله، والله هو الحق،
كما أعلن عنه والكتاب، لذا يجب أن يكون الكتاب المقدس كله حقيقي وصحيح أو هو معصوم
من الخطأ. قال يسوع عن كلام الله «كلامك هو حق» (يو 17: 17)، وذكرت المزامير «رأس
كلامك حق» (مز 119: 160)، وأعلن سليمان النبي «كل كلمة من الله نقية» (أم 30: 5)
وكتب بولس إلى تيطس «الله.. المنزه عن الكذب» (تي 1: 2). وكاتب الرسالة إلى
العبرانين يعلن أيضاً «لا يمكن أن يكذب الله» (عب 6: 18). إذن فالتحليل النهائي
يخلص إلى أن أي هجوم على الكتاب المقدس هو هجوم على صفات الله. وكل مسيحي سوف ينضم
إلى بولس الرسول وهو يقول: «بل ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً» (رو 3: 4).

 

2(ه)
ما هي العصمة

العصمة
تعني أنه عندما تتكشف كل الحقائق، وتُترجم الكتب المقدسة من أصولها، وتفسَّر بشكل
صحيح، فإنها حينذاك ستكون كلية الصدق في كل ما يكتبه به، سواء كان الكلام عن
المعتقدات أو الأخلاقيات أو العلوم والمباديء الاجتماعية أو الطبيعية للحياة.

 

الكلمة
الأخيرة هي أن الكتاب هو أنفاس الله، لقد استخدم هو رجالاً ليكتبوا بالضبط ما أراد
لهم أن يكتبوه وجنَّبهم الأخطاء، لكن في نفس الوقت استخدم شخصياتهم المتفردة
وأساليبهم المتميزة لينقل لنا ما أراده بالضبط.

 

يخبرنا
بطرس أنه «تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 1: 21). وتشبه تلك
الفكرة الريح التي تتحكم في أشرعة القارب، لذا تحكمت أنفاس الله في تحرير الكتاب،
وكانت المحصِّلة النهائية هي ما انتواه الله.

 

1(د)
استخدم الله تعبيرات متنوعة

العصمة
لا تعني أن كل كلمة من كلمات الكتاب المقدس مقصودة حرفياً ولا تتغير، لأن الله هو
الخالق، لذا يقول نفس الشيء لكن بطرق مختلفة ومن وجهات نظر مختلفة، وفي أوقات
مختلفة. الوحي لا يمنع تنوع الألفاظ والتعبيرات.

 

الأناجيل
الأربعة تسجل نفس الأحداث لكن بطرق مختلفة لاختلاف أشخاص من كتبوها، وهم أحياناً
يقتبسون مما نطق به يسوع لكن بألفاظ مختلفة، مثلاً قارن اعتراف بطرس الشهير في
قيصرية فيلبس:

 

متَّى
أشار إليها هكذا «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (مت 16: 16)

 

ومرقس
قال «أنت المسيح» (مر 8: 29) ولوقا كتب «مسيح الله» (لو 9: 20).

 

وكذلك
الوصايا العشر أشير إليها بطرق مختلفة:

 

«مكتوب
بإصبع الله» (تث 9: 10)، وقد ذكرت بشكل مختلف في نصوص أخرى (قارن خر 20: 8-11 مع
تثنية 5: 12-15).

 

ومثلاً
يذكر سفر الخروج أن الخلْق هو السبب في اعتبار السبت هو يوم الراحة، بينما سفر
التثنية يقول بأن الفداء هو السبب.(
See
Archer, EBD, 191-92
)

 

إذا
كانت الألفاظ الهامة التي نطق بها بطرس في شأن اعترافه بالمسيح، وكذلك ما كتب على
خشبة الصليب (انظر مت 27: 37، مر15: 26، لو 23: 38، يو 19: 19) ومثل الشرائع التي
كتبت «بأصبع الله» يمكن أن تذكر بطرق مختلفة، حينئذ لن تثار أي مشكلة بخصوص امتداد
مفهوم العصمة على اختلاف الألفاظ والتعبيرات في باقي الكتاب المقدس.

 

2(د)
استخدم الله شخصيات وأساليب متنوعة

يمكن
للوحي أن يستخدم شخصيات مختلفة لديهم أسلوبهم الخاص في الكتابة وكذلك فطرتهم التي
جبلوا عليها لكي يسجلوا كلمته. يحتاج المرء أن يقارن الأسلوب القوي لإشعياء مع
النغمة الحزينة في سفر إرميا في العهد القديم.

 

وفي
العهد الجديد، يظهر لوقا اهتماماته الطبية، بينما يبدو يعقوب عملياً للغاية. وبولس
الإنسان المتعمق في العقيدة والمجادلة، ويوحنا بكتاباته البسيطة. لقد أجرى الله
الاتصال بمختلف أنواع الناس والشخصيات، كل له خصائصه المتميزة.

 

يشمل
المؤلفون التقليديون على: مستلم الشريعة «موسى» والقائد الحربي «يشوع» والأنبياء
«صموئيل – إشعياء – إلخ) والملوك (داود وسليمان) والموسيقي (آساف)، ومحصِّل
الضرائب (متى)، والطبيب (لوقا) والمعلم (بولس) وصيادي السمك (بطرس ويوحنا). استخدم
الله مهن مختلفة وظروف متنوعة كان يعيش في ظلها محررو الكتاب المقدس، وكذلك
اهتماماتهم الشخصية وشخصياتهم ليعكسوا حقائقه الثابتة.

 

3(د)
استخدم الله أحياناً مصادر غير كتابية

بلاشك
أن عقيدة الوحي لا تستبعد استخدام السجلات الإنسانية كمصدر لإظهار الحقيقة الإلهية.
ومثل هذا الاستخدام الذي يقول به الكتاب: يقول كاتب إنجيل لوقا إنه بحث في سجلات
مكتوبة على أيامه (لو 1: 1-4)، وكاتب سفر يشوع استخدم سفر ياشر في حادثة ثبات
الشمس في مكانها (يش 10: 13). وبولس الرسول استعار من شعر وثني (أع 17: 28) وهو
يخاطب جموع الأثينيين في أريوس باغوس. ويهوذا استعار أقوالاً غير قانونية عندما
تكلم عن أخنوخ (يهوذا 1: 14).

 

استخدام
المصادر غير الكتابية لا يجب أن ينظر إليه كشيء غير متلائم مع الوحي – ويجب أن
نتذكر أن «كل الحق هو حق الله»، فالله الذي أمر بأن «يشرق نور من ظلمة» (2كو 4: 6)
قادر أن يجعل النبي الوثني أن ينطق بكلام الحق (عدد 24: 17). ورئيس كهنة متشدد (يو
11: 50) وحتى حمار عنيد (عدد 22: 28) جميعهم يمكن أن يستخدمهم الله.

 

3(ج)
ما الذي لا تعنيه العصمة؟

 

1(د)
ما يعتبر من الناحية اللغوية غير دقيق

العصمة
يعبَّر عنها بألفاظ هي الحق، والتعبير عن الحق يكون على هيئة كلمات تكوّن جملاً.
لذلك، فاكتشاف أي خطأ نحوي حديث لا يعوق الكتاب المعصوم. وهذا ما يجب أن يكون عليه
الأمر. قواعد النحو تمثل فقط الاستخدام العادي للغة. وحتي المهرة من الكتَّاب
الذين نعرفهم اليوم يكسرون قواعد اللغة، بهدف التوصيل المتميز لأفكارهم، فلماذا
ننكر هذه الميزة على محررى الكتاب المقدس؟(
Geisler, I,299)

 

2(د)
الأشكال المختلفة من الكتابة في الكتاب المقدس

لا
يجب أن نفترض أن الكتاب «الموحي به» يجب أن يكتب بطريقة أدبية واحدة. فالإنسانية
ليست محددة عندما نعبر عن أفكارنا، وليس هناك ما يدعونا إلى اعتبار الله مضطراً
إلى استخدام أسلوب واحد في اتصاله بالبشر. الكتاب المقدس يحتوي على طرق مختلفة
للتعبير اللغوي.

 

العديد
من الأسفار مكتوبة بلغة شعرية كاملة (مثلاً: أيوب، المزامير، الأمثال) وإجمالي
الأناجيل مليئة بالأمثال. في غلاطية يستخدم بولس أسلوب الاستعارة. والعهد الجديد
مليء بالأساليب المجازية (2كو3: 2-3، يع 3: 6). ومشابه لذلك أيضاً (مت 20: 1، يع 1:
6). وأسلوب المبالغة نجدها في (كولوسي 1: 23، يو 21: 25، 2كو 3: 2)، ويسوع نفسه
استخدم أسلوب السخرية أحياناً (قارن مت 19: 24 مع 23: 24).

 

الدعوة
إلى الوحي، كما نفهما في ضوء الكتاب المقدس نفسه تكشف على أنه لا يجب أن ننظر
«للوحي» كعملية آلية جامدة، إنها عملية ديناميكية ذات صفات شخصية تتحول إلى أوامر
ووصايا إلهية وعمل معصوم، وهي كلمة الله المكتوبة.(
Geisler, GIB,58)

 

3(د)
الدقة التاريخية

كثيراً
ما يؤكد البعض أن اعتقاد العصمة لا يمكن قبوله لأن الكتاب المقدس لا يعكس المباديء
التاريخية واللغوية الدقيقة المطلوبة توافرها في العلم الحديث. وككثير من الكلمات
التي تستخدم للتعبير عن العصمة أو إمكانية الخطأ، فإن التحديد يعتبر مبهماً.
فللبعض، عدم الدقة تعني الخطأ، لكن هذا بالتأكيد ليس هو الأمر الصحيح. وكما عبَّر
عنها حكماء الزمن الماضي، فإن المطلوب هو أن تكون الجمل صحيحة، كل جملة يمكن
التعبير عنها بأفضل مما تظهر به، وكل حادثة تاريخية ستظل دائماً عملاً تقديرياً.

 

دعني
أرسم لكم الموضوع أكثر، إذا سجَّلنا حدثاً وقع سنة 1978، يمكنك أن تعبر عن ذلك
بأكثر تفصيلاً ودقة بأن تقول إن هذه الحادثة وقعت في شهر مايو في اليوم الخامس عشر
الساعة العاشرة صباحاً.. وهكذا لكن لازالت الجملة البسيطة الأولى صحيحة. المعيار
الرئيسي، كما أرى عن العصمة هو الآتي:

 

هل
الجملة كما ذكرت صحيحة؟ إذا كانت هكذا، إذن فلا مشكلة بالنسبة للعقيدة. لماذا
تعتبر المعايير الحديثة للدقة مطلقة؟ أليس واجب علينا أن نتوقع من الكتب المقدسة
أن تعكس معايير زمانها؟

 

ألا
يعتبر هذا غروراً منا عندما نظن أن معاييرنا هي السليمة، والمعايير السالفة هي
الخطأ؟(
Feinberg, MI,as cited in
Geisler,229
)

 

4(د)
استعمل الكتاب المقدس لغة غير علمية

بالتأكيد
الكتاب المقدس ليس في حاجة إلى استخدام لغة علمية، فنية، دراسية. هذا الكتاب ظهر
لاستخدام عامة الناس ولكل جيل، لذا هو يستعمل اللغة العامية التي نستخدمها في
حياتنا اليومية، واستخدام اللغة المتحفظة غير العلمية ليس غير علمي. إنها ببساطة
لغة ما قبل العلم.

 

حُررت
الكتب المقدسة في الأيام السالفة باستعمال معايير قديمة، ولذلك فإن بسط معايير
العلم الحديث على النصوص المقدسة، سيجعلها تحمل أخطاءً تاريخية. إنه ليس أكثر
جهلاً أن تتكلم عن الشمس التي وقفت ساكنة عن الاشارة بشروق الشمس (يش 1: 16)،
وعلماء الطقس الحاليين مازالوا يومياً يتكلمون عن أوقات شروق وغروب الشمس. والكتاب
المقدس يقول إن ملكة سبأ «أتت من أقاصي الأرض» (مت 19: 42)، بينما هي كانت تبعد
بضع مئات من الأميال في الأراضي العربية. ويبدو أن تلك لغة تحفظية، وبشكل مماثل
يذكر الكتاب المقدس أنه في يوم الخمسين كان هناك شعب من «كل أمة تحت السماء» (أع 2:
5)، وهذه الشعوب محددة في سفر أعمال الرسل 2: 9-11، وبالطبع لا يشمل هذا الحصر كل
الأمم (مثلاً لا يشمل أمريكا الشمالية والجنوبية).

 

لذا
فإن اللغة العلمية تستخدم بإحساس جغرافي، ويجب أن يؤخذ الأمر بشكل إجمالي، إنه
يعني «العالم الذي كان معروفاً حينذاك».

 

كُتب
الكتاب المقدس لشعب غير علمي وفي زمن لا علمي، ليس من المعقول أن يقول أحد إن
الكتاب المقدس ليس صحيحاً من الناحية العلمية، إنه بكل بساطة لا يستخدم اللغة
العلمية الحديثة. لكن، عندما نتخلى عن الاصطلاحات العلمية فإن الكتاب المقدس يبدو
مثالياً من وجهة نظره الشاملة وأسلوبه البسيط.

 

أيضاً
يستخدم الكتاب المقدس أرقاماً تقريبية (انظر 1أخ 19: 18، 21: 5)، ربما يكون غير
دقيق من وجهة نظر المجتمع العلمي الحديث. أن تتكلم عن الرقم 3.4159265 كأنه الرقم
3، يعتبر أمراً صحيحاً بالنسبة للعالم السابق غير العلمي، فثلاثة وكسر يمكن أن
تختذل إلى ثلاثة فقط. وهذا كاف لعمل «بحر مسبوك» (2أخ 4: 2) في معبد يهودي قديم،
مع أن هذا غير كاف لكمبيوتر في صاروخ منطلق في الجو، لكن الإنسان لا يتوقع الدقة
العلمية في زمن لم يوجد فيه هذا العلم.

 

الكتاب
المقدس يتكلم بلغة زمانه، وبالأسلوب الذي يفهمه هؤلاء، لذا يجب أن يتم الحكم عليه
بنفس طبيعة الوحي المقدس، هذا الوحي انبعث من الله إلى الناس معبراً بالأسلوب
الإنساني لأناس يتعايشون بأسلوب لغوي خاص.

 

لكي
يكون الكتاب المقدس مفهوماً، كان عليه أن يتعامل مع لغة الأنبياء والرسل، ويستخدم
الخلفية الثقافية للأرقام، الصور، والرموز، وكل العناصر الأخرى التي ترتبط بشكل
عام بالاتصال اللغوي، ولكن أي نظرية جامدة للعصمة تفرض المصطلحات العلمية أو
التقنية الحديثة على النص الكتابي لا يمكن تقبلها. (
Geisler, GIB,57)

 

5(د)
الكلمات الدقيقة؟

العصمة
لا تستلزم تواجد «لوجيا جيسو» (أقوال يسوع)، وأن تحتوي على «سيمافيريا» (الأقوال
الحقيقية) ليسوع، كل ما هو مطلوب «ابسيسيما فوكس» (الأصوات الحقيقية). وهذه النقطة
مشابهة لما ذكرناه تواً عن الدقة التاريخية.

 

عندما
يذكر أحد كتَّاب الأناجيل أقوال يسوع، لا يهمّ أن تكون هي فعلاً نفس الألفاظ التي
استخدمها يسوع، بلاشك فإن الكلمات الحقيقية التي استخدمها يسوع سنجدها في الأناجيل،
لكن ليس بالضرورة أن تكون كما هي في كل الأحوال.

 

كثير
من كلمات يسوع قيلت باللغة الآرامية، لذا وجب أن تترجم إلى اليونانية. وأكثر من
ذلك، كما ذكرنا عاليه، لم يتيسر لكتَّاب الأناجيل الأساليب اللغوية المستخدمة في
مناقشاتنا الحالية، لذا فإنه يستحيل علينا معرفة أي من الأقوال عبارة عن استعارات
مباشرة وأيها قول غير مباشر، وحتى أيها المنقول بشكل حرُّ. (
Osborne, RCGC,83-85)

 

بالنسبة
لأقوال يسوع، في ظل تلك الحقائق، ما الذي يمكن أن نعتبره مخالف للعصمة؟. إذا كانت
معاني الكلمات المنسوبة ليسوع التي نسبها إليه كتَّاب الأناجيل لم تكن مقصودة من
يسوع، أو أن الكلمات الدقيقة التي نطق بها قد ترجمت بأسلوب لم يكن ينتويه فعلاً،
حينئذ تكون العصمة مهددة.

 

ومثال
على رغبة الله أن يتواصل معنا بمعان دقيقة (وليس فقط كلمات دقيقة بشكل آلي) هو
حقيقة أنه منحنا أربعة أناجيل. والاختلافات البسيطة في كلمات يسوع تمكننا من
الإمساك بالمعنى الحقيقي الذي انتواه. وإذا حاول كل كاتب للأناجيل اقتباس نفس
الكلمات من بعضها البعض سوف يكون النص دقيقاً، لكن المعنى قد لا يكون مبنياً بشكل
جيد.

 

6(د)
روايات شاملة

العصمة
لا تضمن العرض الشاملي والجامع لأي حدث مفرد أو أحداث مترابطة، وهذه النقطة متصلة
بما سبق ذكره عن الدقة.

 

يجب
أن نتذكر أنه من وجهة نظر أي نظام، وحتى الإلهيات، تعتبر الكتب المقدسة «جزئية»،
وكلمة جزئية هذه تؤخذ دائماً بمعنى أنها غير صحيحة أو أنها مزيفة، لكن هذه الفكرة
غير سليمة، فالكتاب المقدس هو وحي كامل به كل ما يتطلبه الإنسان للإيمان والعمل
بمعنى أن هناك الشيء الكثير الذي نودّ معرفته لكن الله لم يستحسن أن يكشف عنها.
وأيضاً فإن الله لم يجد من الملائم أن يسجل كل تفصيلات الأحداث.

 

أعتقد
أن هذه الفكرة تصلح لما ورد بالأناجيل. المشكلة في الأناجيل (التي قمت بتغطيتها في
الجزء الثالث من هذا الكتاب)، يمكن أن تحل عندما يكتشف الإنسان أن لا أحد من
كتَّاب الأناجيل كان مضطراً أن يعطي كل التفاصيل لحدث معين. هو له كل الحق أن يسجل
حدثاً في ضوء أغراضه من كتابة هذا الإنجيل. وأكثر من ذلك، يجب تذكُّر أن كتَّاب
الأناجيل الأربعة لم يصيغوا كل التفاصيل لحدث واحد. ربما هناك قليل من المعلومات
لو ذكرت لكانت كفيلة بتفكيك الاختلافات كل ما هو مطلوب أن تكون الجمل التي كتبها
كل منهم حقيقية.

 

7(د)
الكتب الأصلية

العصمة
لا تنصبّ على كل نسخة، لكن على النصّ الأصلي، والفكرة التي ضغطت على مدى القرون
الماضية، وبشكل عام على دارسي الأناجيل هذه الأيام هي أن العصمة (أو للدقة نقول
الوحي) الخاص بالكتب المقدسة تختص فقط بالمؤلفات الأصلية.

 

كتب
أوغسطين خطاباً موجهاً إلى جيروم فيما يختص بما قد يكون وجده مخالفاً في الكتب
المقدسة، وقال فيه «إنني أقرر أنه إما أن النصّ فاسد أو أن المترجم لم يتابع ما
قاله فعلاً، أو أني فشلت في فهمه».(
Bahnsen, IA, as cited in Geisler, I, 155-56)

 

الكتب
المقدسة بها شذرات ذات أهمية نتعرف بها على النسخ المترجمة لكلمة الله وتحديداً
تلك المنقولة من النسخ الأصلية، ونحن نستطيع أيضاً أن نصل إلى تعليقات مفيدة من
مقاطع تقول لنا شيئاً عن الاتجاهات المقدسة نحو النسخ المتواجدة والترجمات اللاحقة.
ما نعلمه بشكل مبدئي أن هذه النسخ غير الأصلية اعتبرت دقيقة لتوضح الأغراض التي من
أجلها أعطى الله الكتب المقدسة. الملك سليمان كان يمتلك نسخة من الشريعة الموسوية
(انظر تثنية 17: 18). مع ذلك اعتبرت أنها تحوي بالحق «وصايا الله.. ومطابقة لما
كتب في شريعة موسى» (1مل 2: 3).(
Payne,
PB,16-18
)

 

بالتأكيد
كانت شريعة الله التي كانت بيد عزرا الكاهن نسخة، لكن مع ذلك عمل بها كمُلزمة في
مهمته (عز 7: 14). عندما قرأ عزرا من هذه الشريعة على الشعب لكي يمدهم بوصايا الله
ويؤثر في حياتهم، من الواضح أنه قرأ عليهم ترجمة لما وجد لكي يفهموا المعنى باللغة
الآرامية التي اعتادوا عليها وهم في المنفى: «وقرأ من سفر شريعة الله (المترجمة)
ببيان وفسروا المعنى وأفهموهم القراءة» (نح 8: 8).(
Berkouwer, HS, 217)

 

في
كل هذه الأمثلة كانت النسخ التالية موضَّحة تماماً لكلمة الله المكتوبة، وشاركت
الأصل بمفهوم عملي.

 

نحتاج
أن نكرر بكل وضوح أن التحديدات الإنجيلية للعصمة بالبشر للمؤلفات الأصلية 1- هي
تحديدات تتصب على المؤلفات الأصلية التي بها أمكن حفظ الرسالة الشفهية التي أرسلها
الله.

 

2-
هذا لا يعني أن الكتب المقدسة الحالية، لأنها ليست معصومة تماماً فشلت في أن تنقل
لنا كلمة الله، وجهة نظر علماء دراسة الأناجيل لا تعني أن العصمة، أو الوحي، للكتب
المقدسة الحالية إما ذات قيمة كلية أو عديمة القيمة.(
Bahnsen,
IA, as cited in Geisler, I,173)

 

لذلك
إذا كانت النسخ الأصلية هي الموحى بها، ما الأمر إذن بالنسبة لترجماتها؟ وإذا كانت
النسخ الأصلية الصحيحة تماماً هي أنفاس الله، والمترجمون بالطبع غير معصومين من
الأخطاء، كيف نكون متأكدين من أي مقطع نقرأه في الكتب المقدسة؟ وربما كان ذلك
المقطع ترجمة سيئة أو خاطئة مأخوذة من نسخة غير دقيقة؟ الباحثون الإنجيليون
والناقدون يتعاملون مع هذه المشكلة بإظهار مدى دقة النسخ المنقولة من الأصل. ولكي
نتبنى هذه النتيجة مقدماً، نقول إن النسخ صحيحة وكافية لكل الأمور، لكن ربما تسقط
بعض التفاصيل البسيطة. الموقف الحالي إذن يستمر، حينئذ، بالرغم من إن النسخ
الأصلية هي الموحى بها، مع ذلك يمكن أن يقال أن كل النسخ جيدة، الترجمات دقيقة.
بالرغم أن لا أحد في وقتنا الحالي رأى بعينه الأصول المؤلفة، فإنه أمر حقيقي أنه
لا أحد شاهد نسخة خاطئة تماماً.

 

إن
السبب في عدم إبقاء الله المؤلفات الأصلية، ليس معروفاً، مع ذلك فإن اتجاه الناس
لعبادة الذخائر المقدسة، هذا من المؤكد كان عاملاً محدداً. (2مل 18: 4) آخرون
ذكروا أن الله تحاشى أن يلجأ البعض إلى عبادة الكتب الأصلية إذا حفظ لنا نسخاً
دقيقة منها، ومن المحتمل أن الله لم يحفظ الأصول لكي لا يتلاعب فيها أحد. لأنه
عملياً يستحيل لأي إنسان أي يجري تعديلاً في ألوف النسخ الموجودة حالياً.

 

السعي
لتجنب الاتجاهين المتطرفين إما أصول لا يمكن الحصول عليها أو نسخ مترجمة معرضة
لبعض الأخطاء، نؤكد أن النسخة الجيدة أو الترجمة المتقنة المطابقة للأصل هي لأغراض
عملية تعتبر كلمة الله هي الكلمة الموحى بها.(
Geisler, GIB,42)

 

2(أ)
معارضة الادعاء بالوحي في الكتب المقدسة

بالتأكيد
يقول الكتاب المقدس إنه هو الموحي به وإنه كلمة الله، لكن بعض الناس يعارضون أن
الكتاب هو كلمة الله وبالتالي أنه معصوم، في هذا الجزء سوف نستعرض بعض المعارضات
الرئيسية عن الوحي والعصمة.

 

1(ب)
الجدل في دوائر لا تنتهي

البعض
ذكر أنك إذا آمنت بالعصمة، إذن عليك أن تجادل في دوائر من الجدل العقيم. البعض قد
يقول «أنت تؤمن بالعصمة، لأنك تؤمن بأن الكتب المقدسة علَّمت به، وكذلك أنت تؤمن
بالكتب لأنك تؤمن بالعصمة وهكذا لن تخرج من هذه الدائرة المفرغة».

 

لكن
المسألة ليست هكذا، فالعرض المنطقي للعصمة لن يقودنا إلى دوائر مفرغة. الكتاب
المقدس مسجل وموثوق به وقيِّم، وقد توثق لنا بمعاملته كأي كتاب تاريخي آخر. وكمثال
ما كتب عنه يوسيفوس المؤرخ عن الحرب التي أثارها يوليوس قيصر.

 

على
أساس الأحداث التاريخية المسجلة في الكتاب المقدس، لدينا أسس قوية تدعِّم اعتقادنا
أن الشخصية الأساسية فيه وهي، يسوع المسيح، فعل ما قال إنها مهمته وبالتالي هذا ما
أشار به عن نفسه، لقد قال بأنه الابن الوحيد للآب – في الحقيقة، هو الله في الجسد،
وكابن وحيد للآب فإن إلهنا يسوع المسيح هو مصدر العصمة الإلهية.

 

إن
يسوع المسيح لم يفترض فقط عصمة الكتاب المقدس المتواجد على أيامه، فقد علَّم بأن
كتب العهد القديم كلها بلا أخطاء وهي كلمة الله.

 

إذاً
كانت الكتب المقدسة هي كلمة الله، كما علم يسوع، لهذا السبب تعتبر كلية العصمة
وموثوق بها لأنها كلمة الله. والله هو الحق.

 

لذلك،
على أساس تعاليم السيد المسيح، ابن الله المعصوم، تؤمن الكنيسة أيضاً بعصمة الكتاب
المقدس.

 

هذا
النقاش يبدأ ببحث طبيعة الكتاب المقدس بوجه عام، ثم نتجه نحو شخصية وتعاليم يسوع
المسيح، ثم ننتهي بتبنِّي تعاليمه بخصوص طبيعة الكتاب المقدس.

 

2(ب)
لا يوجد تعاليم عن العصمة في الكتاب المقدس

«لم
يُذكر تعليم بشأن العصمة في الكتاب المقدس» هذا هو ما يبديه المعارضون لموضوع
العصمة. يقولون إن الكتاب لم يعلِّم بهذا، لكن يقول إنه موحى به فقط.

 

هذا
الادعاء خاطيء، كأنك تقول مثلاً إن الكتاب المقدس لم يعلِّم موضوع الثالوث الأقدس.
في الحقيقة، لا يوجد في الكتاب المقدس من يقول هذه الكلمات «هناك ثلاثة أقانيم في
واحد، الله وهو الآب، والابن والروح القدس». لكن بالرغم من هذه الحقيقة، فإن عقيدة
الثالوث واضحة تماماً في الكتب المقدسة. لكن كيف توصلنا لذلك؟ بالطرح المنطقي
لمبدأين نجدهما واضحين في الكتاب (1) هناك ثلاثة أقانيم تقول إنها الله، هم الله: الآب،
والابن، والروح القدس. و(2) هناك إله واحد. المنطق البسيط يدعونا باستعراض هاتين
الحقيقتين أن نتوصل إلى نتيجة وحيدة، هي أنه لا يوجد مسيحي حقيقي يصعب عليه أن
يكتشف: هناك ثلاثة أقانيم في إله واحد.

 

والآن
وبنفس المنطق، يعلِّم الكتاب المقدس موضوع عصمته ومماثل لعقيدة الثالوث. لم يذكر
في الكتاب المقدس مثلاً أن «الكتاب المقدس معصوم في كل ما ذكر به ويؤكده». مع ذلك،
فإن الكتاب المقدس وبكل وضوح وبتأكيد تام يعلمنا حقيقتين ومنهما نتوصل إلى النتيجة
المطلوبة.

 

أولاً:
نفس كلمات الكتاب، كلها وحي من الله، وقد كتب بولس «كل الكتاب هو موحى به من الله»
(2تي 3: 16) وكلمة «الكتاب» تعني ما كتب، وكثيراً ما كان الأنبياء يكلفهم الله بأن
يسجلوا «كلمة الله» (حز 24: 4، رؤ 22: 19). وداود اعترف وهو على سرير الموت «روح
الله تكلَّم بي وكلمته على لساني» (2صم 23: 2). وقيل لإرميا «لا تنقص كلمة» من
نبوات الله (إر 26: 2). وبولس الرسول قال إنه يعلِّم «الكلمات.. التي تكلم بها
الروح القدس» (1كو 2: 13).

 

ثانياً:
يعلِّمنا الكتاب بكل تأكيد أن كل ما ينطق به الله هو الحق، وبلا أي نوع من الخطأ،
قال يسوع مخاطباً الآب «كلامك هو حق» (يو 17: 17)، والمزامير تعلن «رأس كلامك حق»
(مز 119: 16)، وكانت الرسالة إلى العبرانيين تؤكد «لا يمكن أن يكذب الله» (عب 6: 18)،
وبولس أخبر تيطس قائلاً «الله المنزه عن الكذب» (تي 1: 2). والأمثال تؤكد لنا «كل
كلمة من الله نقية» (أم 30: 5).

 

بالاختصار،
إن صفات الله كصادق يتطلب منا أنه عندما يتكلم فإنه يقول الحق، وفي نفس الوقت، فإن
الأسفار المقدسة هي نطق الله، لذا وبناء على هاتين الحقيقتين الصحيحتين نتوصل إلى
نتيجة وحيدة منطقية وهي كالآتي: كل ما يعلِّمه الكتاب المقدس هو الحقيقة التي لا
خطأ فيها لأنها من الله.

 

لذا
فإن العصمة تتبع تالياً للوحي. إذا كان الكتاب المقدس هو كلمة الله لذلك هو بلا
خطأ، والمسيحيون كثيراً ما اختصروا معتقد العصمة بالشكل الآتي: «كل ما يقوله
الكتاب المقدس، يقوله الله». في الحقيقة كثيراً ما نستخدم كلمة الله، و«الأسفار
المقدسة» بشكل متبادل، فمثلاً في الرسالة إلى العبرانيين 3: 7 يعلن «يقول الروح
القدس»، وذلك إشارة إلى كتاب العهد القديم، وهذا الأسلوب متواجد في أماكن أخرى
(انظر أع 2: 7، غل 3: 8، عب 9: 8). وهكذا يظهر جالياً أن الكتاب المقدس يؤكد فعلاً
عصمته كما يعلِّم بكل تأكيد عقيدة الثالوث القدوس.

 

3(ب)
العصمة ليست مهمة

«العصمة
ليست مهمة» هي صيحة البعض، هم يؤمنون أنه ليس بالضرورة أن يكون الكتاب بلا أخطاء
ليكون له السلطة والمرجعية.

 

هذا
الاعتراض الذي رفع رايته من لا يؤمنون بالعصمة يمكن دحضه بالنقاط السابق ذكرها. هم
يقولون إن العصمة ليست من العقائد المهمة بينما الوحي مهم، كما يدعون.

 

لكن
طالما أن ما يعلِّمه الكتاب له أهمية واضحة ومؤكدة، وهو يعلِّم أيضاً عصمته بكل
وضوح وتأكيد، يتبع ذلك أن العصمة أيضاً مهمة.

 

لأن
البعض يقول إن العصمة غير مهمة، فإنهم يقولون ذلك سواء نطق الله أو لم ينطق بكل
الحقيقة. وربنا يسوع المسيح علَّم بأن كل الكتاب صحيح حتى أجزائه الصغرى «إلى أن
تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» (مت
5: 18). وبالاختصار، وفي مكان آخر يعلن يسوع «لا يمكن أن ينقض المكتوب» (يو 10: 35)
لذلك فإن العصمة ستظل مهمة طالما أن يسوع هو ربنا!.

 

4(ب)
العصمة فكرة حديثة

هؤلاء
الذين يعارضون العصمة وكثيراً ما يعلنون أنها ادعاء، يعتبرون من أتباع الاتجاهات
الحديثة، البعض يقول إنها ظهرت مع ب، وارفيلد في برنستون في أواخر سنة 1800،
وآخرون مثل چاك روجرز، يتعقبها خلفاً وينسبها إلى المنظِّر اللوثري توريفان بعد
حركة الإصلاح مباشرة، وكلا هذين الرأيين خطأ، فالعصمة الكتابية كانت متواجدة قبل
لوثر وكالفن، وهناك أدلة أن كنيسة الآباء الأولين كانت متمسكة بعقيدة العصمة. يقول
أغسطينوس «لقد ربيت على أن أجزل كل احتراماتي وتقديري فقط للأسفار القانونية في
الكتاب المقدس، بهذا فقط أؤمن أن كاتبيها كانوا أحراراً من أي أخطاء».

 

يقول
اللاهوتي العظيم توما الأكويني من القرون الوسطى «لا يلحق أي شيء مزيف للمعنى
الحرفي للكتب المقدسة». والمصلح مارتن لوثر يكرر دائماً «الأسفار المقدسة لم تخطيء
أبداً». وأيضاً يقول چون كالفن مسانداً العصمة «الخطأ لا يمكن أن يستبعد من قلب
الإنسان حتى يتزرع في قلبه معرفة الله (من خلال الأسفار المقدسة). وچون وسلي مؤسس
الإصلاح كان يؤكد دائماً على عصمة الأسفار، وقد كتب «لا، إذا كان هناك أي خطأ في
الكتاب فإنه ربما يوجد الآلاف منها، وإذا وجد شيء مزيف في هذا الكتاب فإنها
بالتأكيد لم تأت من قِبَل الله الحق».

 

هذه
الجمل الواضحة من آباء الكنيسة والمصلحين توضِّح بكل جلاء أن العصمة لم تكن أبداً
اختراعاً متأخراً ظهر بعد حركة الإصلاح إبان القرن التاسع عشر من علماء اللاهوت
الأمريكيين.

 

5(ب)
هناك أخطاء في الكتاب المقدس

البعض
يدَّعي أننا يجب أن ننتهي من الإيمان بالعصمة لأن هناك أخطاء في الكتاب المقدس.
ويعطينا دافيز مثالاً من تلك الأخطاء، وهو أمر الله ليشوع لأن يقتل الكنعانيين.
لكن ما هو أساس ادِّعائه أن هذا خطأ؟ يجيب دافيز على ذلك بكل وضوح «إنني أتكلم عن
نفسي، لأني أعتقد أن قتل الأبرياء عمل لا أخلاقي». (
Davis, DAB,96)

 

لكن
دافيز نسى عدة نقاط، أولاً، الكنعانيون كانوا أبعد ما يكونوا عن البراءة (لا 18: 5،
تث 9: 5) فالتضحية بالأطفال وبعض من التصرفات اللانسانية كانت سائدة في بلادهم.

 

ثانياً:
هذا الأمر كان حالة شاذة، إنه ليس أمراً كتابياً يصلح لكل الأزمان لكنه أمر محدد
بمناسبة خاصة في زمن مفرد في التاريخ.

 

ثالثاً:
إن الله هو مخلِّص الجميع، هو الذي أعطى الحياة وهو الذي يقبضها.

 

هنا
يوجد خطأ، لكن ليس عن عمل الله أو كلامه ليشوع، الخطأ هو في استخدام المنطق
الإنساني كأساس لتحديد ما هو صحيح في كلمة الله وما هو غير صحيح. وكما تكلِّم الله
مع إشعياء 55: 8، «لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب».

 

البعض
يدَّعي تواجد أخطاء، وتبيَّن بعد ذلك أنها عبارة عن اختلافات وقع فيها نسَّاخ
الكتب عندما كانت تكتب يدوياً، مثال ذلك عمر آحاز عندما تولى المُلك (كان عمره 22
عاماً طبقاً ل2مل 8: 26، لكنه 42 عاماً طبقاً (2أخ 22: 2). ومن «الأخطاء» التي
تعتبر متفاوته لكنها ليست متناقضة، لوقا سجَّل أن هناك ملاكين عند القبر بعد
القيامة (24: 4)، لكن متى يذكر ملاكاً واحداً (28: 2). هذا بالطبع يعتبر نوعاً من
التفاوت، لكن كان من الممكن أن يصبح تناقضاً إذا قال متى إنه كان هناك ملاك واحد
فقط عند القبر، وفي نفس الوقت يقول لوقا إنهما ملاكان.

 

مثل
هذه التناقضات المدَّعاة ليست جديدة، لقد عرفت بواسطة دارسي الكتب المقدسة خلال
القرون الماضية، لكن مع ذلك يتكون لدى الإنسان انطباع من قراءة اللاهوتيين الذين
ينكرون العصمة، إنهم عثروا على أدلة جديدة جعلتهم يتوصلون إلى نتيجة مؤداها أنهم
يجب أن يهجروا موضوع العصمة. لكن العكس هو الصحيح، فالكتاب يقف صامداً وهناك
الكثير من المشاكل تتكشف أكثر مما كان حادث منذ قرون مضت، وهناك اكتشافات من البحر
الميت، السامرة، نجع حمادي ومؤخراً من (ابلا) تعطي أدلة قوية للمواقف التي تمسَّك
بها اللاهوتيون لزمن طويل.

 

إذن،
لماذا، هناك انطباع سائد يقول إن «الحقائق» تقود الناس الآن لهجر هذا الاعتقاد
الخاص بالإيمان المسيحي؟ إنني على قناعة تامة أنه ليس موقفاً واقعياً، وأنه ليس
سوى موقف فلسفي. وقد حذرنا بولس بقوله «انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة
وبغرور باطل حسب تقليد الناس» (كولوسي 2: 8). لكن ما الذي حدث، أرى أن هناك عدداً
كبيراً من اللاهوتيين المتميزين غرِّر بهم بادِّعاءات فلسفية، وغالباً انتهجوها
بلا وعي أثناء فترة دراستهم للتخرج، لذا فإن استنتاجاتهم محددة جزئياً بتفكير
عقلاني وضعي أكثر من تأثرهم بكلمة الله.

 

ويحلل
دافيز بطريقة ساذجة مشكلة هؤلاء الذين يرفضون العصمة عندما كتب «إن ما يدعوهم
لانتهاج موقف حر.. هو قبولهم لافتراضات فلسفية أو علمية تتعارض مع اللاهوت
الإنجيلي».(
Davis, DAB,139as cited in Geisler,
ID,2)

 

6(ب)
مجال محدود

هناك
اعتراض آخر للعصمة، وهو الادِّعاء بأن الوحي يغطي فقط المناطق المختصة بالاعتقادات
والأخلاقيات، لكن ليس بالضرورة يعتبر كافياً لتغطية المسائل التاريخية أو العلمية
«كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم» (2تي 3: 16).

 

هناك
العديد من السقطات في وجهة النظر القائلة «بمحدودية الوحي».

 

أولاً:
الكتاب المقدس لا يفصل ما بين الأمور المتعلقة بالعقائد والأمور التاريخية، وكل
شيء وارد فيه هو حقيقي.

 

ثانياً:
في كل التعليمات الكتابية ليس هناك وسيلة لفصل الأمور الروحية عن التاريخية أو
الطبيعية. مثلاً، تعليم المسيح عن الطلاق لا ينفصل عن تأكيده بأن الله خلق آدم
وحواء (مت 19: 4). وكيف يتيسر للإنسان أن يفصل ما بين الروحي والتاريخي في موضوعي
الصلب أو القيامة؟

 

ثالثاً:
هذا التمييز المزيف ما بين الأمور الروحية والتاريخية تظهر عدم الوعي بما قاله
يسوع لنيقوديموس «إذاً قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إذا قلت لكم
السمويات» (يو 3: 12). وهذا يعني، إذاً كنا لا نثق في الكتاب المقدس وفي أقوال
سيدنا عندما تكلَّموا عن الأحداث التاريخية، فكيف نثق فيهم إذا درجوا نحو الأمور
الروحانية؟

 

أخيراً،
فإن هؤلاء الباحثين الذين ينكرون العصمة لا يحددون رفضهم فقط على الأمور المختصة
بالتاريخ والعلم والتقاويم، فهذا بول جويت ينكر تعاليم بولس الخاصة بالنساء،
ودافيز ينكر صدق أمر الرب بطرد وقتل الكنعانيين. وهكذا يتضح أن السماح بوجود أخطاء
في الكتاب، هذا يدعو أي إنسان وكل إنسان لأن يختار الأجزاء التي تناسبه من أمور
الله ويرفض الباقي.

 

7(ب)
الأصول غير موجودة

هذا
الاعتراض يخاصم هؤلاء الإنجيلين الذين يؤمنون بالعصمة ويجعلهم متقهقرين وفي موقف
صعب لعدم إثباتهم وجود أصول الكتاب المقدس. وبما أن الأصول هي فقط الموحاة من الله،
وبما أنه لا توجد مثل تلك الأصول اليوم، لذا لا يمكن إثبات الخطأ فيها.

 

وللإجابة
على ذلك نقول، لدينا نسخ دقيقة وكافية تماماً للتعليم المسيحي والحياة عموماً. في
الحقيقة، لا يوجد أي اعتقاد رئيسي (أو حتى فرعي) تجاهله النسَّاخ وهم ينسخون
الكتاب المقدس.

 

والكتاب
يحتوي القليل جداً من الأخطاء التي ربما تدعو الباحثين الإنجيليين أن يقولوا إنها
ترجع إلى أخطاء النسخ. وبالاختصار، فإن الأصول غير متواجدة لأسباب عملية، وكل
التعليم اللازم نجده في النسخ التي بين أيدينا. وهذا مماثل لقولنا إن عدم تواجد
أصل الدستور الأمريكي أمر خطأ، بينما نحن لدينا نسخ جيدة منه وتحلّ بدلاً منه –
لذلك فلا يخشى أي مسيحي لأننا نفتقد أصول الكتاب المقدس.

 

8(ب)
هل يهتم الله؟

يدَّعي
البعض بأنه إذا لم يمدنا الله بنسخ من الكتب المقدسة بلا أخطاء، فإنه بالكاد سوف
يهتم بأن تكون أصول هذه الكتب بلا أخطاء. فإذا كانت النسخ دقيقة، وحتى بأخطائها
البسيطة، إذاً لماذا كان من المهم أن تكون الأصول بلا أخطاء؟ أو بشكل آخر، لماذا
لم يحافظ الله على الأصول التي بلا أخطاء عن الاختفاء، أو أن يمنع النسَّاخ من
ارتكاب أي أخطاء؟ الإجابة على الجزء الأول من هذا السؤال له علاقة بتكامل الله
بطبيعته، لأن الله كامل، فكل ما يصلنا على يديه يجب أن يكون كاملاً. فوجود أصل
كتابي به أخطاء يعني أن الله من الممكن أن يخطيء، وهذا كقولنا إن الله خلق آدم
بتقويم سييء. الجزء الثاني من السؤال يمكن الإجابة عليه بإلقاء سؤال مضاد: لماذا
لم يحفظ الله آدم من الخطية؟ إن الطبيعة البشرية تحيل إلى إفساد كل ما تلمسه، سواء
كان الكتب المقدسة أو حتى أنفسنا. بالطبع، فإن الله حفظ كل من «الأصلين»، الكتاب
والبشرية من التدمير الكلي. فالإنسان مازال مشابهاً لصورة الله «مع ذلك فهو غير
كامل» والكتب المقدسة لازمة لنقل كلمة الله (مع ذلك توجد أخطاء بسيطة في النسخ).

 

هناك
أسباب جوهرية دعت الله أن لا يبقي الأصول، أولاً: الإنسان يميل إلى عبادة المخلوق
عن الخالق (رو 1: 25). هل تذكر الحية النحاسية التي خصصها الله لخلاص
الإسرائيليين؟ (2مل 18: “4). إذن كم يكون مقدار عبادتنا لأصول الكلمات التي
وردت على لسان الله التي عينها لخلاصنا؟ وأكثر من ذلك، بعدم حفظه للأصول يتعذر على
الخطاة أن يتلاعبوا فيها.

 

9(ب)
شروط كثيرة

هناك
اعتراض أخير ينحصر في أن المدافعين عن العصمة يضعون محدودات كثيرة على العقيدة،
وبذلك تموت هذه العقيدة «ميتة الألف حاجز».

 

هذه
النقطة ينقصها التعبير الصحيح فالعصمة تحتوي أساساً على نقطتين رئيسيتين أولاً: الأصول
هي الوحيدة المعصومة تماماً، وليست النسخ. ثانياً: فقط ما يؤكده الكتاب المقدس أنه
هو المعصوم، وليس كل ما يحتويه.

 

لنكن
متأكدين، فهناك الكثير من المسائل المعقدة تختص بتحديد ما يؤكده الكتاب في أي فقرة
منه، وهذا يشمل تحديد المعنى، السياق، الشكل الأدبي للفقرة. وهذا على أي حال لا
يمس الوحي ولكن يختص بالتفسير. الكل يتفق، مثلاً على أن الكتاب يحتوي في داخله على
أكاذيب، شاملاً في ذلك أكاذيب الشيطان. لكن الكتاب لا يؤكد أن هذه الأكاذيب حقيقية.
وكل ما تفعله العصمة هي أن تقول بأن تسجيل هذه الأكاذيب هو الأمر الصحيح.

 

وليس
كل إنسان يتفق، من جانب آخر! أن كل ما يحتويه سفر الجامعة حقيقي – فكثير من المسيحيين
يفسرون هذا السفر وما تنقله إليهم العبارات التي تحتويها بأنها وبكل بساطة تسجيل
حقيقي لوجهة نظر مزيفة للإنسان الطبيعي الذي يحيا «تحت الشمس».

 

يبدو
أن هناك مجالاً لاختلاف الرأي هنا أو في مواقف مشابهة (مثلاً، النقاش الذي أثاره
أصدقاء أيوب). والمسيحيون قد يختلفون لما يؤكده الكتاب في فقرة معينة منه وما
يعتبر تسجيلاً فقط، لكن لا يجب أن يكون هناك اختلاف بيننا في أن ما يؤكده الكتاب
فعلاً هو المعصوم، لأن الله لا يخطيء أبداً.

 

ولمتابعة
مسألة كيف نفسِّر النصوص المقدمة، نلاحظ أنه لا يوجد في عقيدة العصمة هذه ما يُملي،
كما وجَّه البعض هذه التهمة، بأن نفهم كل فقرة بشكل حرفي. إنه خطأ بالتأكيد أن
نستخدم الاستعارة حرفياً (غل 4: 24 و25)، ومماثلاً لذلك نذكر أن الكتاب يذكر
الأرقام بشكل تقريبي. لكن هذا التقريب لا يعتبر خطأ. فمدرسو الرياضيات لا يعتبرون
أن تلاميذهم قد ارتكبوا خطأ عندما يكتبون أن قيمة ط هي 22/7 أو هي 3.1416، بالرغم
أن كلا القيمتين ليستا دقيقة تماماً.

 

أيضاً،
فإن كاتبي الأسفار يتكلمون بنفس الأسلوب الذي يتكلم به أهل هذا الزمان الحالي –
وحتى العلماء – وهي لغة من يلاحظ الشيء ثم يسجله. وعندما تبدو الشمس كأنها سوف
«تغرب»، فإنه حتى العلماء سوف يلاحظون ذلك ويقولون: «ياله من غروب جميل»، لكن هذه
مسألة تختص بالتفسير وليس بالوحي. العقدة الأساسية في موضوع العصمة هذا هو: هل
المسألة هي أن كل ما يؤكده الكتاب بلا أخطاء أم به أخطاء؟ هل تعاليم الكتاب بلا
خطأ سواء خلق الله آدم وحواء، أو أرسل غمراً أغرق العالم كله أيام نوح، أو أن
يونان ظلَّ ثلاثة أيام في بطن الحوت، أو أن يسوع قام من الأموات؟

 

3(أ)
الخلاصة

ما
الذي يعنيه هذا النقاش الذي دار في هذا الفصل للإنسان العادي هذه الأيام؟ ألست أنا
أملك كتاباً مقدساً وهو موحى به ويعتبر كلمة الله المعصومة؟ هل باستطاعتي أن أكون
على ثقة تامة بأن ما أقرأه في الكتاب هو فعلاً صادر من الله؟

 

الإجابة
المطمئنة ستكون «نعم»، فالكتاب الذي بحوزتنا اليوم هو فعلاً كلمة الله،
فالاكتشافات الأثرية الحديثة (انظر فصل 3، 4، 14 التي تتكلم عن هذا الموضوع) أكدت
أن الكتب المقدسة التي نمتلكها الآن هي نقل دقيق لما كان متواجداً منذ ألفين من
السنين. نحن بكل بساطة لدينا ترجمة باللغة المحلية لكل ما تنفس به الله في الأسفار
التي كتبت في الأصل باللغة الآرامية، العبرية واليونانية.

 

وتذكر
دائماً أن العصمة تنصبّ كلية على النسخ الأصلية من الكتاب وإلى أن تم اختراع آلة
الطباعة، كان الكتاب المقدس ينسخ يدوياً ولمدة تزيد عن ألف عام. لذا هناك احتمال
أن تتسرب بعض الأخطاء في هذه النصوص. لكن وفرة النسخ المختلفة، مع الاكتشافات
الأثرية، والملاحظات والتعليقات على النصوص، والأدوات الأخرى، ساعدتنا جميعاً على
أن تكون هناك قناعة داخلنا تؤكد أن الترجمات التي بين أيدينا دقيقة وتمثل كلمة
الله المعصومة.

 

قال
جودريك: «أنت تستطيع أن تثق في الكتاب الذي بين يديك لأنه هو كلمة الله المعصومة،
فالفساد الذي لحق بنسخ ونقل إلى الكتاب بسيط للغاية، وتحت السيطرة، ويتلاشى، لذلك
أقول مطمئناً بأن الكتاب المقدس الحالي موثوق به».(
Goodrick,IMBIWG, 113)

 

في
الجزء الثالث، نناقش هجوم بعض النقاد والذي سوف يكشف محاولاتهم لزعزعة ثقتنا بأن
الله قد تحدث معنا فعلاً خلال الأسفار المقدسة، وقبل أن نبدأ في الإجابة على هؤلاء
النقَّاد، فإنه من المهم أن نفهم خطأً شائعاً مغلوطاً ينتهجه معظم مهاجمي الكتاب
المقدس وهو: الافتراضات المسبقة لمعارضي ما فوق الطبيعة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى