علم الكتاب المقدس

15- دراسة تمهيدية للنقد الكتابي



15- دراسة تمهيدية للنقد الكتابي

15- دراسة تمهيدية للنقد الكتابي

تعريفات النقد العالى

تاريخ النقد العالي

ثلاث مدارس راديكالية لنقد أسفار التوراة

مقالات ذات صلة

الفرضية الوثائقية: عرض النظرية

نقد الشكل

مدرسة التقاليد الشفهية (مدرسة أوبسالا)

 

1(أ)
تعريفات

كلمة
نقد
Critism تدل أساساً على إصدار حكم وقد أشتقت من فعل يوناني (Krino) الذي يعني يُدرك أو يميز أو يحاول، أو يُصدر حكماً، أو أن يقرر.
وعندما تُستخدم هذه الكلمة في الأمور الأدبية، فإنها تعطي معنى عدم البحث عن أخطاء،
ولكن تعطي معنى التقييم العادل للميزات والعيوب. وبكلمات أخرى فإن هذه الكلمة تكون
ببساطة حكم غير متحيز، وذلك بغض النظر عن طبيعة السؤال الذي يخضع للبحث. (
Selleck,NAB,70-71).

 

ويمكن
أن يُستخدم هذا النوع من الدراسة للكتاب المقدس، ولهذا السبب فإنه يسمى النقد
الكتابي، وقد عرَّفت دائرة المعارف المسيحية النقد أنه العلم الذي به نصل إلى
المعرفة الكافية لأصل النص الأصلي للكتاب المقدس، وتاريخه، وحالته الحالية. (
Gardner,CC,206) ولقد قُسِّم النقد الكتابي إلى نوعين:

 

1-
النقد المنخفض، الذي يتسم غالبيته بأن له طبيعة لغوية وتاريخية، وهو يقتصر على
الكلمات، أو مجموعة من الكلمات بحسب موقعها في المخطوطة أو النص المطبوع، والنسخ
القديمة، ومصادر أخرى صحيحة يُحتكم إليها. (
Gardner, CC 206). ويُعرف النقد المنخفض على أنه نقد نصي.

2-
النقد العالي، ويكمن في إصدار الحكم على الأمور فيما يتعلق بالنصّ، على أسس مأخوذة
من جوهر، وصيغة، ومنهج، وموضوع أو نقط الخلاف في الكتب المختلفة، وطبيعة الارتباط
بالنص، وعلاقة الفقرات بعضها ببعض، وظروف الكُتّاب المعروفة، وظروف الأشخاص الذين
كُتبت لهم هذه النصوص للاستخدام العاجل والفوري. (
Gardner, CC, 206)

 

1(ب)
النقد العالي

إن
الجدل المطروح بواسطة النقد العالي هو جدل خاص بأمانة، وصحة، وموثقية الأشكال
الأدبية للكتابات المختلفة التي يتكوَّن منها الكتاب المقدس.

 

مصطلح
النقد العالي ليس في حد ذاته مصطلحاً سلبياً. ان چيمس أور الأستاذ السابق للاهوت
النظامي والدفاعي في كلية الكنيسة المتحدة الحرة في جلاسجو باسكتلندا يصوغ هذا
المصطلح بهذه الطريقة:

 

يجب
أن تُواجه الحقيقة لدرجة أنه لا يستطيع أحد من دارسي العهد القديم في ضوء المعرفة
الحديثة أن يمنع نفسه لحد ما عن «النقد العالي». إن فهم «النقد العالي» على نحو
صحيح مطابق للحقيقة، هو ببساطة الفحص الدقيق لوقائع وحوادث الكتاب المقدس بغرض
استنتاج حكم نهائي عن عصر، ومؤلف، وأسلوب، ومصدر هذه الكتب المختلفة، وكل شخص
اشترك في هذه التحقيقات مهما يكون غرضه، فإن هذا يكون ناقداً في النقد العالي. (
Orr,POT,91)

 

ويضيف
جرين، إن النقد العالي بمعناه الحديث له مفهوم سلبي، ولكن في الحقيقة فإنه يعني
التحقيق في مصدر وأسلوب الكتابات التي نُشرت، وباستخدام كل المواد المتاحة، فإن
النقد العالي يسعى للتحقق من مؤلف السفر، والفترة التي كُتبت فيها، والظروف التي
أحاطت بكتابته، والتصميم الذي أنتج به. إن الأبحاث التي كُتبت بهذه الطريقة سوف
تبرهن على أهميتها في فهم وتقييم هذه الكتابات. (
Gilkey, COTBL,6)

 

يجب
أن يبقى النقد العالي موضوعياً بأقصى ما نستطيع. يقول أور: إن زمن ومؤلف السفر،
وأسلوبه البسيط أو المركب كل هذه العناصر تشكل مواضيع للبحث. إن النقد، والبحث
والاستقصاء لمثل هذه المواضيع يكون بدون أي قيد أو عائق: لأن الإيمان لا يمكن أن
يرتبط بالنتائج والأحكام الأدبية الخالصة. (
Orr,POT,16)

 

وهذا
يشمل الإيمان بالنظريات والافتراضات المسبقة تماماً كما ينطبق على الإيمان الديني.

 

2(ب)
تاريخ النقد العالي

مع
أن النقد العالي كعلم كثير المطالب قد تم تطبيقه على الأدب القديم قبل القرن
التاسع عشر فإن إيكهورن وهو واحد من الذين يؤمنون بالمذهب العقلي في أواخر القرن
الثامن عشر كان أول من استخدم هذا المصطلح في دراسة الكتاب المقدس. ولقد كتب مقدمة
الطبعة الثانية من كتابه «مقدمة العهد القديم» عام 1787 قال فيها:

 

كان
لدي التزام أن أمنح أكبر جزء من مجهودي في عمل لم يُطرق من قبل، وهو البحث في
التكوين الداخلي لكتابات معينة في العهد القديم، بواسطة النقد العالي (وهو اسم
شائع عند اتباع المذهب الإنساني).(
Chapman,IP,9)

 

وهكذا
سُمي إيكهورن أبو نقد العهد القديم.

 

ومع
أن مصطلح النقد العالي لا يرتبط بالدراسات الكتابية حتى وقت إيكهورن، فإن بحث چان
استروك عن سفر التكوين عام 1753 الذي أصبح علامة حقيقية عن بداية منهج النقد
العالي، عندما طبِّق على العهد القديم. وبينما دافع استروك عن موسى على أنه كاتب
سفر التكوين، فإنه قرر أن هناك مصادر مستقلة محبوكة معاً في هذا السفر. وبالتالي
فإن كل أسفار موسى الخمسة مدموجة كانت خاضعة لتحليل شامل عن أصلها، لذلك ربما
يُقال إن النقد العالي قد بدأت بذرته وتطوره في تحليل هذه الأسفار الخمسة. إنها
كانت الاستنتاجات التي على درجة عالية من التعقيد بخصوص الكاتب وتاريخ أسفار موسى
الخمسة (الفرضية الوثائقية) بواسطة نقاد أوروبيين (خاصة الألمان) على مستوى أعلى،
التي نُشرت أساساً أثناء القرن التاسع عشر، الذين شيدوا أساس معظم المسائل التي
تهم الرأي العام عن العهد القديم. لهذا السبب، فإنه أول كل شيء سوف نضع في
الاعتبار أبحاث عن النقد العالي الحديث للعهد القديم في مقابل تحليل أسفار التوراة
الخمسة باعتبار إنها المفتاح للتقييم السليم لكل النقد العالي للعهد القديم منذ
استروك.

 

ولسوء
الحظ فإن مدرسة النقد العالي التي نمت في الأوساط الدراسية الألمانية في القرن قبل
الماضي استخدمت بعض المناهج الخاطئة التي استندت على بعض الافتراضات المسبقة
المثيرة للجدل. ولقد قوَّض هذا شرعية الكثير من استنتاجاتهم. إذ انقسمت أسفار
بأكملها إلى مصادر عديدة، كانت معظم أسفار العهد القديم تؤرخ في بعض الحالات بعد
ألف سنة تقريباً من زمن الشهود الحقيقيين للوثائق. وهكذا نجد أن القصة الكتابية
للتاريخ العبري القديم حلَّت محلها نظرية معقدة متناقضة مع رواية إسرائيل نفسها
لتاريخها في كل النقط الرئيسية تقريبا.

 

بسبب
إعادة بناء الكتابات الإسرائيلية بالجملة، وإعادة صياغة التاريخ الإسرائيلي بصورة
جذرية، فإن هذه المدرسة التي سيطرت على دراسات العهد القديم منذ البداية معاً
بالإضافة إلى المنهج الذي أنتج هذه النتائج المتطرفة، أصبحت تُعرف في بعض الدوائر
بأنها «النقد العالي الهدام».

 

2(أ)
ثلاث مدارس راديكالية لنقد أسفار التوراة

1(ب)
الفرضية الوثائقية: عرض للنظرية

مع
أن أسفار التوراة الخمسة تُنسب بحسب التقليد لموسى، إلا أنها كانت فعلاً مجموعة من
أربع وثائق أساسية كُتبت بواسطة مؤلفين مستقلين في آرائهم في فترة 400 سنة تقريباً
تبدأ من حوالي 850 ق.م، وجُمعت بالتدريج بواسطة منقحين غير معروفين الذين جعلوها
في شكلها الأساسي في حوالي 400 ق.م. إن الفيصل الرئيسي لهذه النظرية كان تحليلاً
شاملاً للنص نفسه الذي كان يُعتقد أنه الوثائق الأصلية التي استطاعوا فرزها. إن
الوصف القديم لهذه النظرية أتى من باحث ألماني اسمه يوليوس فلهوزن عام 1878 (
Harrison,. IOT, 19-27).

 

2(ب)
نقد الشكل (
Formgeschichte)

وبطريقة
مماثلة فإن مدرسة نقد الشكل تعتقد أن أسفار التوراة الخمسة كانت نتاج عملية جمع
وليست من تأليف موسى. ولكنها تختلف عن رأي الفرضية الوثائقية في أنها تمسكت بأن
الوثائق المختلفة كانت نفسها روايات مجمعة من التقليد المبكر وكُتبت أثناء أو بعد
فترة السبي (586 ق.م). ولقد استطعنا عن نعرُّف القليل عن التطور الأدبي لهذه
الوثائق. ومن الواضح عند هذه المدرسة أن عزل الوثائق عزلاً دقيقاً الذي قد تم
إنجازه بواسطة المدرسة الوثائقية كان مستحيلاً. وكانت الطريقة العملية لفهم هذه
الوثائق هي استطلاع خبايا المصادر في هيئتها المكتوبة وفحص أنواع المقولات التي
تنتمي إليها المادة الأصلية في حالتها الشفوية، بعد ذلك تتبع طريق تطور كل وثيقة
من هذه الوثائق الشفوية إلى أن وصلوا أخيراً إلى صيغتها المكتوبة. ولقد ركزوا بشدة
على حالة هذه الوثائق المختلفة لتقرير من خلالها أي نوع من العمليات تطورت إلى أن
وصلت إلى شكلها المكتوب. ومن المعتقد أن هرمان چانكل وهوجو جرسمان العالمان
الألمانيان هما اللذان أسسا هذه المدرسة في بداية القرن العشرين.(
Harrison, IOT, 35-38)

 

3(ب)
مدرسة التقاليد الشفهية (مدرسة أوبسالا)

مثل
مدرسة نقد الشكل فإن مدرسة التقاليد الشفهية يعتقدون أن أسفار التوراة الخمسة لم
يكتبها موسى في الأصل، ولكنها كانت مجموعة من المواد جُمعت على مر القرون، وتعهد
بعض الأشخاص بكتابتها ليس قبل السبي. ولقد رفضت هذه المدرسة الإسكندنافية رفضاً
باتاً رأى «الفرضية الوثائقية» كحل غربي لمشكلة أدبية من الشرق الأدنى القديم كان
مختلفاً تماماً. ركزت هذه المدرسة الإسكندنافية على التقليد الشفهي أكثر من چانكل
وكل مدرسة نقد الشكل. حتى أن البعض قال: إن التقليد الشفهي أكثر أهمية عن التقليد
المكتوب في الشرق القديم. لم تكن الوثائق المكتوبة هي التي يجب التعامل معها، ولكن
التعامل يجب أن يكون مع وحدات من التقليد الشفهي وحلقات من التقليد و«مدارس»
مختلفة داخل هذه الدوائر التقليدية.

 

لقد
أرادوا أن يُصنِّفوا كتابات العهد القديم إلى تصنيفات أدبية مثل الروايات، والنثر،
والشعر، وقسموها إلى أجزاء أصغر تسمى
Gattuungen، وهذه التصنيفات الفرعية قد وضع لها قوانيين تشرح كيف تطورت
وتبدلت بحسب مواقف الحياة (
Sitz im
leben
).

 

هناك
مصدرين أساسيين للتقاليد في أسفار التوراة الخمسة: واحد منهما يمتد من التكوين
وحتى سفر العدد ويشير إلى مدرسة
p (الكهنوتية)، والآخر هو D
أو التقليد التثنوي (التثنية حتى سفر ملوك الثاني) التي تعرض أسلوباً مختلفاً عن
P
(التقليد الكهنوتي)، ويشير إلى
D (التقليد التثنوي). إن ابرز المسئولين عن هذا الاتجاه الحديث في
تحليل أسفار التوراة الخمسة هما چوناس بيدرسن وإيفان انجنل. (
Harrison, IOT,66-69)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى