علم الكتاب المقدس

شهادة الأركيولوجيا



شهادة الأركيولوجيا

شهادة
الأركيولوجيا


فأجاب وقال لهم اقول لكم أنه أن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ” (لو19: 4)

مقدمة:

 اركيولوجيا،
اصطلاحا معناه حاليا علم الاثار. وهو يهدف – بمفهومه المستعمل الآن – إلى إعادة
تشييد الحياة اليومية للشعوب القديمة، فى شتى نواحيها، من واقع الأشياء التى تخلفت
عنها، سواء أكانت هذه الأشياء أدوات أو أسلحة أو مبانى أو مقابر أو بقايل الإنسان
أو الحيوان، بما في ذلك فك طلاسم لغات هذه الشعوب، والتى قد تكون – وهو الحادث
فعلا – لغاتا غير مستعملة الآن، ومن هنا تحظى النصوص المكتوبة على الأحجار أو
الألواح الطينية أو أوراق البردى أو جلود الحيوانات.. وخلافها باهتمام هذا العلم.

ومن
الطريف ان تعلم ان حب الإنسان لاستطلاع المضاى ليس بالأمر الحديث. فقد احتفظ
المصريون القدماء بسجلات لتواريخهم. وفعل بالمثل البابليون. وفى العصر الاغريقى
جال هيرودت في ربوع البلاد بحثا بحماس، عن تاريخ الشعوب الكثيرة التى أتصل بها
كذلك كان تيودور (ديودور السيسلى) وسترابو ربلينى جميعا مهتمين بمعرفة الماضى..
وقد خلف لنا هؤلاء الرحالة المؤرخين كتاباتا تاريخيا، بالاضافة إلى ما كشفت عنه
الحفريات الأثرية الحديثة من دفائن.

لقد
بدأ هذا العلم بصفة عامة يخطو خطوات طويلة بعد اكتشاف حجر رشيد سنة 1799م وفكلا
طلاسم اللغة الهيروغليغية على يد شامبليون الفرنسى سنة 1837م من جهة واكتشاف صخرة
بهيستون سنة 1835م، وما أسفر عنه من فك طلاسم اللغة الآشورية، ثم اكتشاف حجر موآب
سنة 1869م والتعرف على اللغة الفينيقية. وبذلك شهد النصف الثانى من ق19 طفرة كبيرة
في مجال الحفريات الأثرية، مما أدى إلى اتساع مجال على الآثار، وتقدم مطرد في
بحوثه الجبارة.

ومع
تقدم علم الأركيولوجيا ونمو أساليبه العلمية في القرن الحالى، تفرغ منه اركيولوجيا
الكتاب المقدس. أى علم الآثار الذى يهتم بالأحداث والمواقع والشخصيات والاصطلاحات
الخاصة بالشعوب الواردة في الكتاب المقدس. الأمر الذى يتطلب من عالم الآثار هنا
المامل دقيقا بكل من العلمين: علم الأركيولوجيا بصفة عامة، وعلم دراسة الكتاب
المقدس بصفة خاصة.

وقد
شهد هذا الفرع (أركيولوجيا الكتاب المقدس) أيضاً طفرة جبارة في هذه السنوات
الخيرة، حيث تك اكتشاف العديد من المعالم الأثرية. والنقوش والكتابات القديمة
التىساهمت في القاء المزيد من الأضواء على الحداث الوارد ذكرها في الكتاب المقدس
عن طريق أعادة كتابة تواريخ الأمم التى عاصرت شعب الكتاب، من واقع المعابد والمدافن
والعمدة والنصب والحجارة والألواح والمسلات والدفئن والزيجورات وسائر المخلفات
البشرية التى اكتشفت، ومازالت تكتشف لهذه الشعوب.

ومع
زيادة الاكتشافات، واتساع نطاقها جغرفايا، تزداد المعرفة التاريخية العلمية
بالماضى السحيق وضوحا وجلاءا. بوالتالى تقترب هذه النصوص المكتشفة من الحق الإلهى
المعلن في الكتاب المقدس، وتساعدنا على فهم ما قد عسر علينا فهمه في الكتاب
المقدس.

 

الأركيولوجيا
والحق الألهى:

وكان
من نتائج هذه الطفرة الكبيرة في أركيولوجيا الكتاب المقدس، فى السنوات القليلة
الماضية، أن تهاوت تلقائيا اعتراضات الملحدين والعقلانيين التى أثاروها في القرنين
السابع عشر والثامن عشر قد الكتاب المقدس، باسم العلم. وهكذا – كما سنرى – صحح
العلم نفسه بنفسه، وظل الكتاب المقدس، كتاب الحق الإلهى، صخرة راسخة تتحطم عندها
أعتى الرؤوس.

والكتاب
المقدس باعتباره كتاب الحق الألهى، ليس في حاجة إلى شهادة اثبات بصحته ترد إليه من
الخارج، ومع ذلك فإن الدراسات الأركيولوجية لها فوائد لدارس الكتاب المقدس كما
أنها لا تخلو من اثارة شيقة. إذ تكشف لنا هذه الدراسة عن مدى الدقة العجيبة، حتى
فى الإشارات العابرة التى وردت عرضا في سياق الحديث في الأسفار الإلهية، رغم
تباعدها الزمنى وتباين كاتبيها. وقد برهنت هذه الدراسات أيضاً على أن هذه
الافتراءات على الكتاب المقدس لا تعوج في حقيقة الأمر إلى تقييم موضوعى دقيق
لمجريات الأحداث وللتاريخ الكتابى كما يزعمون، بل إلى تحيزهم المطلق الأولى ضده.
فمن ناحية اثبتت المخطوطات المكتشفة سلامة النصوص الموجودة تحت يدنا الآن. ومن
ناحية أخرى أثبتت الحفريات والكتابات المنقوشة على الجدران والنصب والمسلات
والأعمدة والأحجار، صحة ما ورد في الكتاب المقدس من أحداث ومواقع وشخصيات

 

وعلى
أية حال لا ينبغى ان نفهم من دراستنا لهذه البراهين، ان الكتاب المقدس يحتاج الى
اثبات. ولكن هذه الدراسة تساعدنا على فهم الحقائق المذكورة فيه فهما افضل، بما
تلقيه من أضواء على الظروف التى كتبت فيها هذه الأحداث. كما تعلمنا هذه الدراسة ان
ما نراه خطا في الكتاب المقدس، لا يعود الى ادنى نقص فيه وانما الى جهلنا نحن،
وقصور معرفتنا فاذا ما تقدم العلم، صحح نفسه وازال جهله، واعترف بقصورة السابق،
وسجد لإله الكتاب المقدس بكل احترام وخشوع وعبادة، كما سنرى. ومن هنا الإتفاق او
الاختلاف بين الأركيولوجيا من جهة وأحداث الكتاب المقدس من جهة أخرى، لا يكون
تأييدا أو نفيا لصحة الكتاب المقدس وعصمته، وانما علامة على نمو المعرفة البشرية
الحالية، وتمكنها من قراءة تاريخ الماضى البعيد بدرجة أكفأ ذلك أن اتفاق التاريخ
البشرى المستخلص من واقع المخلفات الأثرية المكتشفة مع التاريخ الوارد في الكتاب
المقدس، لا يعود مثلا إلى زيادة ايمان علماء الآثار المعاصرين، بل يعود في الحقيقة
الى تقدم وسائل البحث والتنقيب، ونمو المعرفة الخاصة باللغات القديمة نتيجة للتقدم
العلمى من مناهج البحث والادوات المستخدمة وزيادة كمية المكتشفات زيادة كبيرة مما
امكن من تكوين فكرة أشمل وادق عن تاريخ الشعب أو المكان المطلوب. وهكذا كلما
ازدادت دقة الاستخلاص التاريخى من المخلفات، كلما اقترب علم الآثار من الحقائق
الثابته الموجودة اساسا في الكتاب المقدس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى