علم الكتاب المقدس

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل العاشر

الأناجيل
الأربعة

 

أولاً الإنجيل للقديس متى

مقالات ذات صلة

الإنجيل
للقديس متى يعد أكثر الأناجيل الأربعة استخداماً وانتشاراً فى الكنيسة منذ لحظة
تدوينه بالروح القدس وحتى الآن فقد اقتبس منه واستشهد به جميع آباء الكنيسة
وكتابها فى القرن الأول والثانى وحتى اليوم.

1- القديس متى الرسول:

القديس
متى الرسول هو أحد تلاميذ المسيح الأثنى عشر ورسوله لحمل الأخبار السارة إلى
العالم سواء شفاهة أو مكتوبة. وهو فى الأصل عشار أو جامع ضرائب فى كفر ناحوم
التابعة لهيرودس أنتيباس رئيس الربع، وقد دعاه السيد المسيح من عند مكان الجباية
“وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية أسمه متى
فقال له أتبعنى. فقام وتبعه(1)“.

ويدل
اتباعه للمسيح بعد عودته مباشرة وتركه لوظيفته التى كانت تدر عليه دخلاً كبيراً
على أنه رجل صاحب قرار وقادر على التضحية. ويذكره كل من القديسين مرقس ولوقا بأسمه
الآخر “لاوى”، “وفيما هو مجتاز رأى لاوى بن حلفى جالساً عند مكان
الجباية. فقال له اتبعنى. فقام وتبعه(2)“.
وصنع للسيد وليمة عظيمة حضرها جمع كبير من أصدقائه القدامى من العشارين والخطاة(3) ودع بها حياته القديمة، وصار تابعاً للمسيح
وتلميذاً له. وتدل وظيفته والوليمة التى صنعها للرب على المكانة الاجتماعية التى
كانت له. وقد كان بحكم وظيفته يجيد اللغة اللاتينية، لغة السجلات الرومانية،
واللغة اليونانية، لغة التخاطب مع الأجانب، خاصة من الرومان واليونانيين، كما كان
كيهودى يجيد العبرية لغة أسفار العهد القديم واللغة الآرامية لغة التخاطب اليومى
فى فلسطين. وقد أهله كل ذلك، إلى جانب كونه شاهد عيان وتلميذ للمسيح، وأعده لجمع
وتدوين الإنجيل وكتابته، بعد ذلك، باللغة اليونانية والروح العبرية والفكر
والإيمان المسيحى والترتيب الموضوعى.

ويذكر
فى الأناجيل الثلاثة الأولى وسفر الأعمال فى قوائم التلاميذ الأربع باسم متى(4)، ويذكر المؤرخون إنه بشر فى اليهودية وبلاد فارس
وبارثيا(5).

 

2- كاتب الإنجيل الأول (جامعه ومدونه بالروح القدس):

أجمعت
الكنيسة منذ البدء على أن كاتب الإنجيل الأول ومدونه بالروح القدس هو القديس متى
الرسول تلميذ المسيح وهذا ما يؤكده جميع آباء الكنيسة بدون إستثناء. كما تبرهن
نصوص وآيات الإنجيل نفسه على أن كاتبه أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر، وشاهد عيان
لأعماله وأقواله.

 

1)- الدليل الخارجى على أن الكاتب هو القديس متى:

أجمع
آباء الكنيسة وعلمائها فى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى الذين كانوا
تلاميذ وشهود عيان وخلفاء الرسل على أن الإنجيل الأول قد جمعه ودونه وكتبه بالروح
القدس القديس متى تلميذ المسيح ورسوله وأحد الأثنى عشر. كما أجمع على ذلك جميع
الآباء الذين استلموا التسليم الرسولى والإنجيل المكتوب من خلفاء تلاميذ الرسل، فى
القرون الأولى للميلاد. فقد اقتبس منه واستشهد به جميع هؤلاء الآباء، فقد اقتبس
منه إكليمندس الرومانى فى رسالته (2: 13، 8: 46)، وكذلك أغناطيوس الأنطاكى فى
رسائله السبع، ويقتبس منه كاتب رسالة برنابا (14: 22) ويقدم هذا الاقتباس بصيغة
“مكتوب” والتى تعنى “كتاب مقدس وموحى به”، كذلك يقتبس منه
كاتب الدياديكية (3: 1-5) وأيضاً بوليكاربوس، وكان هذا الإنجيل هو المصدر الرئيسى
الذى أخذ منه يوستينوس الشهيد معلوماته عن أقوال السيد المسيح وأعماله، وقد ضمه
تاتيان تلميذ يوستينوس فى كتابه الدياتسرون، وقد بنيت الرسالة المعروفة بالرسالة
الثانية لإكليمندس فى مجموعة أقوالها بالدرجة الأولى على هذا الإنجيل، كما استخدم
آياته وأقواله ونصوصه كثيراً الكاتب الفالنتينى بتولمى
Potmy فى رسالته
إلى فلورا فى منتصف القرن الثانى.

وقد
ذكر كاتب هذا الإنجيل بالاسم بابياس أسقف هيرابوليس وسامع القديس يوحنا الرسول
وجامع التقليد والأقوال عن الذين استمعوا للرسل وقال أن القديس متى “كتب
الأقوال باللغة العبرانية”، وذكر فى الترجمة اللاتينية القديمة والسريانية
البسيطة وكذلك إيريناؤس أسقف ليون الذى قال “نشر متى إنجيلاً” وترتليان
الذى أكد ذلك أيضا، وأوريجانوس الذى قال أن “أول الأناجيل الأربعة التى لم
تقبل كنيسة الله سواها، بدون أى نزاع، كتبه متى الذى كان عشاراً ولكنه فيما بعد
صار رسولاً ليسوع المسيح” ويوسابيوس القيصرى المؤرخ الكنسى واسع الإطلاع إذ
قال “لأن متى الذى كرز أولاً للعبرانيين كتب إنجيله بلغته الوطنية”،
والقديس أثناسيوس الرسولى الذى تجمع على قانونه جميع الكنائس فى كل أركان الأرض
والذى قال “الأناجيل الأربعة هى التى بحسب متى ومرقس ولوقا ويوحنا”.

وهكذا
تُجمع الكنيسة الأولى على أن كاتب الإنجيل الأول هو القديس متى الرسول. وهذا
البرهان يجب أن يوضع فوق كل اعتبار لأنه من غير المعقول أن تكون الكنيسة الأولى
التى تسلمته بنفسها من هذا القديس نفسه غير واثقة فيما تسلمته. وهذا البرهان
الخارجى يؤكده البرهان الداخلى أيضاً.

 

2)- الدليل الداخلى:

تبدو
لنا من القراءة الأولى لهذا الإنجيل سماته اليهودية واضحة العيان، كما يبدو لنا
قدم تدوينه وأن كاتبه يهودى مسيحى من تلاميذ المسيح وشهوده، شهود العيان، الذين
عاشوا فى الجليل وتجولوا فى بقية المدن اليهودية فى فلسطين التى كان يعرف أماكنها
وجغرافيتها وعاداتها وتقاليدها، كواحد منها. فيه نرى أورشليم لا تزال باقية، قبل
أن يدمرها الرومان سنة 70م مما يدل على أن الإنجيل قد كُتب قبل ذلك بكثير، فنرى
مبانيها السياسية والدينية ما تزال قائمة ونرى الكهنة والكتبة والفريسيين يتجولون
فيها، ونرى عمل الكهنوت والذبائح، وإن كان ظلال نبؤات السيد المسيح عن دمار
المدينة وزوال الهيكل الوشيكة الوقوع تخيم على الموضوع، فيسجل أقوال السيد عن
“أورشليم مدينة الملك العظيم(6)
وتقديم القربان “على المذبح(7)
والحلف “بالهيكل(8)” و”المكان
المقدس(9)” وتلميحه لخراب
أورشليم عند ذكر نبؤة السيد عن ذلك بقوله “ليفهم القارئ(10)“.
وهذا الإنجيل وحده الذى يسجل أقوال السيد المسيح عن الناموس “ما جئت لأنقض
الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل(11)
وعن بدء رسالته أولاً بخراف بيت إسرائيل الضالة(12).
كما يسجل أقوال السيد عن جلوس الكتبة والفريسيين على كرسى موسى وحفظ وصاياهم،
وكذلك حديثه عن إتمام وصايا موسى(13)،
وكذلك أيضا إلتزام السيد المسيح بدفع ضريبة الهيكل مثل سائر اليهود(14)، وافتراض أن يصوم التلاميذ ويحفظوا السبت كيهود
وأن يقدموا تقدمات حسب التقليد اليهودى(15).

ويؤكد
دائماً من اختياره وتدوينه لآيات معينة ومواقف معينة للسيد المسيح إنه يهودى مسيحى
من تلاميذ المسيح وقد كتب لليهود وللمنتصرين من اليهود وليبرهن لهم أن يسوع
الناصرى هو النسل الآتى والمسيح الموعود نسل المرأة ونسل إبراهيم وإسحق ويعقوب
ووريث عرش داود، فيسجل نسبه من إبراهيم وداود “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن
داود ابن إبراهيم(16)” ويقسم سلسلة هذا
النسب من إبراهيم إلى المسيح بأسلوب ربانى يهودى فى ثلاث حلقات وكل حلقة من أربعة
عشر جيلاً “فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى
سبى بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبى بابل إلى المسيح أربعة عشراً جيلاً(17)“. ويركز على تسجيل نبؤات أنبياء العهد
القديم عن السيد المسيح ويطبقها على مواقف حياته وأعماله المختلفة كميلاده من
عذراء(18) وفى بيت لحم(19) ودخوله أورشليم الأخير(20)،
واستخدم صيغ “لكى يتم” و”حينئذ تم” و”لكى تكمل
الكتب” 12 مرة(21) فى حين استخدمها القديس
مرقس مرة واحدة”.

ويبرهن
القديس متى دائماً على أن هذا الإنجيل هو حلقة الوصل بين العهد القديم، الذى اقتبس
منه وأستشهد بآياته حوالى أربعين مرة، والعهد الجديد الذى هو الاستمرار الطبيعى
له.

كما
سجل الأحداث التى جاء فيها ذكر المسيح كملك اليهود، مثل مجيئ المجوس من المشرق
والسجود له كملك اليهود(23) ودخوله أورشليم الأخير كملك
اليهود(24) ومتمم لما تنبأ به عنه
زكريا النبى(25)، وهروبه إلى مصر فى
طفولته عند اضطهاد هيرودس له، كملك اليهود، ولجؤه إلى مصر التى كانت ملجأ ومكان
عبودية إسرائيل فى القديم، وعودته منها، وهو بذلك يتمم تاريخ إسرائيل ويؤكد ذلك
القديس متى باستخدامه قول هوشع النبى عن خروج إسرائيل من مصر كنبؤة عن لجوءالمسيح
إليها وعودته منها “لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل من مصر دعوت ابنى(26)“. ويظهر يوحنا المعمدان فى بداية الإنجيل
كمكمل لرسالة النبؤة وأنبياء العهد القديم فى إعداد الطريق للمسيح الذى يبدأ
رسالته العامة بعد المعمودية والتجربة على الجبل بالموعظة على الجبل التى تطابق
الشريعة التى استلمها موسى من الله على جبل سيناء. وتحتوى هذه الموعظة على الناموس
الجوهرى لملكوت المسيح، ويدور محورها ومحور الإنجيل أيضا على أن المسيح هو الذى
جاء متمماً ومكملاً للناموس والأنبياء ولكن فى صورة جديدة وعهد جديد مبنى على
الروحيات والسماويات وتقديم المسيح لذاته وخالى من تقاليد الشيوخ ومفاهيمهم
الحرفية الجافة.

كما
يُسجل الإنجيل كون المسيح قد جاء كأعظم نبى وملك وكاهن إلى جانب كونه كلمة الله
المتجسد، والمسيح المنتظر “أنت المسيح ابن الله الحى(27)“.

ويستخدم
نفس تعبيرات اليهود دون أن يحاول تفسيرها، مما يدل على أنه من أصل يهودى ويكتب
لليهود وللمسيحيين من أصل يهودى، فيسجل قول السيد عن “مدن إسرائيل(28)” وحديث الناس وتعجبهم
لأعماله وقولهم “لم يظهر قط مثل هذا فى إسرائيل(29)
وإرسال السيد لتلاميذه إلى “خراف بيت إسرائيل الضالة(30)
وتمجيد الشعب ل “إله إسرائيل(31)“،
ووصف أورشليم ب “المدينة المقدسة(32)“،
والإشارة إلى بنى إسرائيل باعتبارهم “بنو الملكوت(33)“.
ويستخدم الإنجيل تعبير “ملكوت السموات” مثل بقية اليهود، فى حين تستخدم
الأناجيل الثلاثة الأخرى تعبير “ملكوت الله”. وبدون كلمات يهودية مثل
“راقا(34)” دون أن يترجمها
لأنه يكتب لليهود، ولكنه يترجم التعبيرات اليهودية القديمة فقط مثل
“عمانوئيل” و”جلجثة” و”إيلى إيلى لم شبقتنى” وذلك
لليهود الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين. كما لا يفسر اللهجات المحلية كقول الخدم
لبطرس “حقاً أنت أيضا منهم فإن لغتك تظهرك(35)“.
بينما يفسر ذلك القديس مرقس لقرائه غير اليهود بقوله “أنت منهم لأنك جليلى
أيضا ولغتك تشبه لغتهم(36)“، ويتكلم عن
“أول أيام الفطير(37)” دون تعليق، فى حين
يشرح ذلك القديس مرقس “وفى اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح(38)“.

ويتكلم
أيضا عن العادات اليهودية دون محاولة تفسيرها كشخص عاشها ويكتب لأناس يعيشونها، فى
حين آلهتكم الإنجيليين الثلاثة الآخرين كانوا يفسرونها، وعلى سبيل المثال فعندما
يدون الحديث عن الأكل بأيدى غير مغسولة ينقل قول شيوخ اليهود للمسيح “لماذا
يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ. فأنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً(39)“، وذلك دون تفسير أو تعليق فى حين يقول
القديس مرقس “ولما رأوا بعضاً من تلاميذه يأكلون خبزاً بأيد دنسة أى غير
مغسولة لاموا. لأن الفريسيين وكل اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون.
متمسكين بتقليد الشيوخ. ومن السوق إن لم يغسلوا لا يأكلون. وأشياء أخرى كثيرة
تسلموها للتمسك بها من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرة(40)“.
فهو يشرح لأناس أمور لا يعرفونها.

 

3- عالمية الإنجيل:

وإلى
جانب تركيز القديس متى على تسجيل أقوال السيد المسيح التى تميل إلى القومية كمحور
أمال إسرائيل، فهو يدون أيضا وبغزارة أقوال السيد وتعاليمه عن عالمية وكونية
الإنجيل والمدى غير المحدود لرسالته باعتباره مسيح العالم كله، مسيح الكون كله،
فيذكر مجيئ المجوس من المشرق كباكورة الأمم ليسجدوا له ويقدموا له البيعة، ولجوء
المسيح إلى مصر عند اضطهاد هيرودس له، ويذكر توبيخ المسيح لشيوخ اليهود وإعلانه
طردهم من الملكوت ودخول الأمم فيه، ويمدح غيمان قائد المئة الأممى الذى فاق فى
إيمانه بنى إسرائيل “الحق أقول لكم لم أجد ولا فى إسرائيل إيماناً بمقدار
هذا”، ثم يضيف “وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون
مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السموات أما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة
الخارجية(41)” وفى مثل الكرامين
الذين قتلوا المرسلين إليهم يوبخ اليهود على جلدهم ورجمهم وقتلهم للأنبياء وللرسل
الذين أرسلوا إليهم بقوله “إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمه تعمل
إثماره”(42). ويذكر رفض اليهود للسيد
فى الجليل واليهودية ومحاولاتهم المتكررة لقتله وإنذار السيد لهم وتحذيرهم، بل
وتفوق بعض الأمم عليهم فى الإيمان “رجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل
ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان وهوذا أعظم من يونان ههنا. ملكة التيمن ستقوم
فى الدين على هذا الجيل وتدينه. لأنها أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمه سليمان.
وهوذا أعظم من سليمان ههنا”(43).

كما
يسجل ويلات السيد لقاده وشيوخ إسرائيل “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون
المرأوون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس..”(44)
إلى آخر سلسلة الويلات التى صبها عليهم بسبب انحرافهم عن طريق الملكوت ورفضهم له،
والتى وصلت الذروة بإعلانه عقابهم على أعمالهم الشريرة وأنباؤه لهم بخراب أورشليم،
مدينتهم المقدسة، الوشيك “يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين
إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة أفراخها تحت جناحيها ولم
تريدوا هوذا بيتكم يترك لكم خراباً”(45).
ثم يذكر ويلات السيد على المدن التى صنع فيها أكثر قواته ولم تتب “ويل لك يا
كورزين. ويل لك يا بيت صيدا. لأنه لو صنعت فى صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما لتابتا
قديماً فى المسوح والرماد.. وأنت يا كفر ناحوم المرتفعة إلى السماء ستهبطين إلى
الهاوية. لأنه لو صنعت فى سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت إلى اليوم”(46).

 

4- الإنجيل الآرامى والإنجيل اليونانى:

تكلم
جميع الأباء الذين ذكروا الإنجيل للقديس متى بالاسم عن الأصل الآرامى أو العبرى
الذى لهذا الإنجيل، وعلى رأس هؤلاء الآباء بابياس وإيريناؤس وبانتينوس مدير مدرسة
الإسكندرية اللاهوتية وأوريجانوس وابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص وجيروم سكرتير بابا
روما. وقد ناقش العلماء هذه المسألة كثيراً، وكانت نتيجة دراستهم كالآتى:

إن
الإنجيل اليونانى والذى كان بين أيدى أباء الكنيسة منذ فجرها وما يزال بين أيدينا
برغم وضوح أصله السامى العبرى اليهودى وثقافة كاتبة اليهودية العبرية والملىء
ايضاً بالعبارات والاصطلاحات السامية اليهودية والذى يبدو واضحاً أن سلسلة
الأنسياب فيه وكذلك بقية الإصحاح الأول والثانى مأخوذان من أصل أرامى، إلا أنه
مكتوب أصلاً باللغة اليونانية، فقد دُون وكتب فى الأصل باللغة اليونانية وإن كاتبه
عبرى أرامى يهودى وكل ما فيه قد حدث وتم فى فلسطين، وليس قيه سمات الترجمة، بل على
العكس تماماً إذ توجد فيه كلمات يونانية لا يوجد موازى لها فى الآرامية، كما أقتبس
كثيراً، عند الإشارة لنبوات العهد القديم عن المسيح، من الترجمة اليونانية
السبعينية
Lxx، كما أقتبس أيضاً من الأصل العبرى. وهناك أيضاً بعض الكلمات
العبرية والعادات التى شرحها مثل قول السيد “إيلى إيلى لما شبقتنى أى إلهى
إلهى لماذا تركتنى”(48)، وكذلك قوله “وكان
الوالى معتاداً فى العيد أن يطلق للجميع أسيرا واحداً من ارادُوه”(49)، وأيضا قوله “فشاع هذا القول عند اليهود
إلى هذا اليوم”(50)، وهذا يدل على إن القديس
متى قد دون الإنجيل باليونانية وهو يضع فى اعتباره المسيحيين خارج فلسطين.

تؤكد
جميع الاقتباسات التى أقتبسها الأباء منذ فجر المسيحية وما بعد ذلك أنها مقتبسة من
هذا الإنجيل اليونانى الذى كان مع الأباء وما يزال بين أيدينا.

وقد
أكد الأباء أنفسهم، والذين اقتبسوا من الإنجيل اليونانى، والذى لم يكن بين أيديهم
سواه أنهم اقتبسوا من الإنجيل الذى دونه القديس متى. كما أكدوا أن الإنجيل الذى
كتب بالآرامية أو العبرية قد عرفوا عنه بالتقليد ولكنهم لم يروه وإنما رآه البعض
مثل العلامة بنتينوس فى جنوب الجزيرة العبية، وأيضا القديس جيروم الذى قال إنه رآه
عند جماعة الابيونيين فى سوريا ولكنه عاد وصرح بعد ذلك إنه لم يكن الإنجيل للقديس
متى بل إ،جيل العبرانيين وهو نسخة مشوهة عن إنجيل متى(51).

وقد
ثار جدال حول عبارة بابياس “كتب متى الأقوال الإلهية باللغة العبرانية وفسرها
كل واحد على قدر استطاعته”(52)،
وتشبعت آراء العلماء والدارسين حولها. ولكن هناك كثيرين غيره من الآباء بالإنجيل
العبرى أو الآرامي.

وهناك
حقيقة هامة يجب أن لا تغيب عن أبصارنا مطلقاً، وهى أن جميع الآباء سواء الذين
أشاروا إلى الإنجيل العبرى أو غيرهم لم يكن لديهم سوى الإنجيل اليونانى والذى
اقتبسوا منه وأشاروا انه هو الإنجيل الذى دونه القديس متى، وإن أقدم المخطوطات
التى وجدت وترجع للقرن الثانى لهذا الإنجيل مكتوبة باليونانية وكذلك أقدم الترجمات
مترجمة أيضا عن اليونانية، وان الكنيسة تستخدم فى قراءاتها فى الخدمة الليتورجية
سوى النص اليونانى، ولم تستخدم مطلقاً أى نص عبرى للقديس متى أو غيره من كتاب
الأناجيل.

ويقدم
كثيرين من العلماء تاريخين لتدوين هذا الإنجيل الأول هو ما بين 40 و 45م والثانى
هو ما بين 60 و65م، إلى جانب أن كثيرين من العلماء يؤكدون أن القديس متى دون
الإنجيل أولاً باللغة الإجرامية فى فلسطين وبعد ذلك دون الإنجيل ثانية باللغة
اليونانية دون التقيد بما دونه سابقاً بالآرامية، فهو لم يترجم النص العبرى إلى
اليونانية، بل دون الإنجيل واضعاً فى اعتباره عند الكتابة إنه يقدم الإنجيل ليس
لمسيحى فلسطين فقط بل لكل المسيحيين الذين من أصل يهودى فى كل العالم.

وعلى
كل حال فقد برهنت كل الأدلة على أن الكنيسة وكل آبائها وكتابها لم يستخدموا سوى
هذا الإنجيل اليونانى مؤكدين جميعاً بالدليل والبرهان أن جامعة ومدونة وكاتبة
بالروح القديس متى تلميذ المسيح ورسوله.

ويجب
أن نضع فى الاعتبار أيضا أن هذا الإنجيل قد دون فى الفترة الانتقالية للمسيحية
التى لم تكن قد انفصلت نهائياً عن اليهودية حين كان المسيحيون واليهود لا يزالون
يعبدون معاً.

 

5- أهم مخطوطات الإنجيل للقديس متى:

كان
الإنجيل للقديس متى هو أكثر الأناجيل الثلاثة الأولى استخداما وانتشارا فى الكنيسة
الأولى ويرجع أقدم اقتباس منه لسنة 95م كما يرجع استخدامه الكنسى لما قبل سنة 70م،
أما أقدم مخطوطاته فترجع لسنة 200م ويوجد له فى المتاحف أكثر من ألفى مخطوطة.
وفيما يلى أهم مخطوطاته:

ا-
بردية ب64 وبردية ب67 وترجعان لسنة 200م وتضمان أعداداً من متى 3،5و26، والبردية
ب77 وترجع للقرن الثالث وتحتوى على (متى 30: 23_39).

ب-
بردية ب45 وترجع لسنة 220م وتحتوى على أجزاء كبيرة من الأناجيل الأربعة وسفر أعمال
الرسل، والجزء الخاص بالقديس متى يحتوى على (متى 24: 20_32، 13_19، 41: 25_39:
26)، والبرديات ب1، ب37، ب53، ب70 ويرجعون للقرن الثالث.

ج-
وهناك ست برديات من القرن الرابع هم ب19، ب21، ب25، ب62، ب71، ب86، وهناك خمس
مخطوطات بالخط البوصى (058، 160.، 231.، 242.) إلى جانب أهم وأقدم مخطوطتين تضمان
كل أسفار الكتاب المقدس وهما المخطوطة (ألف عبرى) السينائية والتى ترجع لسنة 340/
والمخطوطة (
B) الفاتيكانية والتى ترجع لما بين سنة 325 و 350م. وإلى جانب هؤلاء
يوجد أكثر من ألفى مخطوطة من عصور مختلفة.

 

ثانياً الإنجيل للقديس مرقس

1- حياة القديس مرقس الرسول:

اسمه
الأصلى يوحنا أو يوحنان ويعنى “يهوه يوحنان”، “الرب حنان”
ولقبه أو أسمه الرومانى “مرقس” ويعنى “مطرقة ذات رأس خشبية”،
وأول ما ذكر، ذكر فى سفر الأعمال ب “يوحنا الملقب مرقس(53)“،
وفيما بعد ساد لقب مرقس وأصبح يدعى به وحده.

ونعرف
من سفر الأعمال أن منزل والدته “مريم أم يوحنا الملقب مرقس(53)” كان مقراً لاجتماع الرسل فى أورشليم، وكان
المؤمنون مجتمعين فيه للصلاة وقت سجن بطرس “فكان بطرس محروساً فى السجن. أما
الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله”(54)
وبعد خروجه من السجن (سنة 44م) فى تلك الليلة جاء بطرس “وهو منتبه إلى بيت
مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون”(55). وقد أجمع أكثر العلماء والدارسون والمؤرخون على
أن هذا البيت كان هو البيت الذى تنازل فيه السيد المسيح الفصح مع تلاميذه والعلية
التى كان يجتمع فيها الرسل فى أورشليم قبل صعود السيد وبعد صعوده والتى حل فيها
الروح القدس على التلاميذ(56)، وكان أول كنيسة فى
العالم، أو كما تقول دائرة المعارف البريطانية فى طبعتها الحادية عشر أن بيت مرقس
كان مركزاً للحياة المسيحية فى أورشليم(57).

ويؤكد
جميع الدارسين أن القديس مرقس كان هو الشاب الذى تبع السيد ليلة القبض عليه والذى
كان “لابساً إزراراً على عريه فأمسكه الشبان. فترك الأزرار وهرب منهم
عرياناً”(58). فهو وحده الذى يذكر هذا
الحدث، ولو لم يكن لهذا الحدث قيمه بالنسبة له لما ذكره. ويقول أحد العلماء ويدعى
Lange أن والدته كانت تمتلك بستان جثسيمانى أو منزل قريب منه. كما يؤكد
بعض الأباء مثل أوريجانوس وابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص ويجمع جميع مؤرخى الكنيسة
القبطية فى كل العصور على أن القديس مرقس كان أحد السبعون رسولاً الذين عينهم الرب
“وأرسلهم الرب أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة أو موضع حيث كان هو مزمعاً
أن يأتى”(59). ومن ثم تلقبه ب
“ناظر الإله الإنجيلى” باعتباره أحد الذين شاهدوا الرب وسمعوه، أحد شهود
العيان.

وأول
ما يذكر القديس بأسمه يذكر كأبن للسيدة التى كان بيتها مقراً لاجتماع السيد المسيح
وتلاميذه ورسله فى أورشليم، والتى كانت أيضاً إحدى المريمات تلميذات الرب(60). ثم يذكر بعد ذلك مع خاله برنابا وبولس الرسول
(شاول) اللذان أخذاه معهما للكرازة(61)
(سنة 49م) وكان معهما فى سلاميس ولكنه “فارقهم ورجع من بمفيلية”(63) إلى أورشليم”(64).

وفى
سنه 51م رفض بولس الرسول أن يذهب معهما مرقس فى رحلتهما التالية بسبب تركه لهم
“من بمفيلية”، فأخذه خاله برنابا وذهبا إلى قبرص بعد أن انفصلا عن بولس
الرسول(65). ولكن فى سنه 63م وبعد
ذلك بحوالى 12سنه يتكلم عنه القديس بولس كالعامل معه فى حقل الكرازة ويوصى به أهل
كولوسى “يسلم عليكم أرسترخس المأسور معى ومرقس أبن أخت برنابا الذى أخذتم
لأجله وصايا.. أن أتى إليكم فاقبلوه”(66).
وفى سنه 67 وقبل استشهاد القديس بولس يستدعيه مع تيموثاؤس لحاجته إليه للعمل فى
حقل الكرازة بروما، فيقول لتلميذه تيموثاؤس “خذ مرقس وأحضر معك لأنه نافع لى
للخدمة”(67). وهذا يدل على أن القديس
مرقس كرز فى اليهودية وفى قبرص وإنطاكية وبمفيلية فى آسيا الصغرى وفى كولوسى
وروما، ويذكره القديس بولس ضمن العاملين معه فى روما “ومرقس وأرسترخُس وديماس
ولوقا العاملون معى”(68).

ثم
يدعوه القديس بطرس فى رسالته الأولى إلى “المغتربين من شتات بنطس وغلاطية
وكبدوكية وآسيا وبيثينينة”(69)
بأبنه “تسلم عليكم التى فى بابل المختارة معكم ومرقس ابنى”(70) مما يوحى بأنه كرز معه فى هذه البلاد.

كرز
القديس مع خاله برنابا وبولس الرسول، كما كرز مع القديس بولس والقديس بطرس بعد ذلك
فى بلاد كثيرة وأشترك معهما فى تأسيس كنيسة روما ثم ذهب بعد ذلك للكرازة فى الخمس
مدن الغربية بليبيا ومنها ذهب للكرازة فى الإسكندرية حوالى سنة 61م ونشر الإيمان
بناء على طلبه سنة 67م. وبعد استشهاد القديس بطرس والقديس بولس عاد ثانيه إلى
الإسكندرية حتى أستشهد فيها حوالى سنة 68م.

 

2- علاقة مرقس ببطرس وبقية الرسل:

كان
القديس، كما أوضحنا أعلاه، أحد شهود العيان الذين شاهدوا السيد المسيح واستمعوا
إليه واتبعوه أثناء تجسده سواء كأحد الرسل السبعين، أو على الأقل عندما كان السيد
يذهب إلى أورشليم وعندما تناول السيد الفصح مع تلاميذه فى منزل والدته كما كان
قريب من السيد فى بستان جثسيمانى وقت القبض عليه وبلا شك فقد تابع أحداث المحاكمة
والصلب والدفن من بعيد، كما رأى السيد بعد قيامته فى ظهوراته العديدة للتلاميذ فى
أورشليم والتى كان يجتمع فيها التلاميذ والرسل قبل الصعود وبعد الصعود. كما كانت
أمه إحدى المريمات تلميذات الرب وكان القديس بطرس أحد أقاربه.

وكانت
لدى القديس مرقس ميزة ثانية لمعرفة المزيد عما قاله وعمله السيد المسيح وهى اجتماع
جميع الرسل، شهود العيان فى منزل والدته ولسنوات طويلة. وبلا شك فقد استمع منهم
جميعاً، كأفراد أو كجماعات، سواء فى جلساتهم الخاصة فى منزل والدته أو فى عظاتهم
وكرازتهم العامة للجموع أو فى تعليمهم للمنضمين حديثاً للإيمان، وعرف منهم أحداث
كثيرة وتفاصيل كثيرة.

وكانت
لديه أيضا ميزة ثالثة وهى الاستماع لبطرس ويعقوب ابن زبدى ويوحنا أخيه وهم الثلاثة
المتقدمون فى التلاميذ والذين كانوا قريبين جداً من السيد المسيح وقد أخذهم معه
وقربهم منه فى أخص المواقف، فقد كانوا معه عند إقامة ابنة يايرس(71) وأخذهم معه على جبل التجلى وأراهم مجده(72) وكانوا أقرب التلاميذ إليه فى بستان جثسيمانى
وقت القبض عليه. وبعد استشهاد يعقوب ابن زبدى، كان يعقوب أخو الرب مع بطرس ويوحنا
فى أورشليم وكانوا معتبرين أنهم أعمدة(74)،
وكان لدى القديس مرقس الفرصة أيضا ليعرف المزيد من يعقوب أخى الرب.

كما
أعطته الكرازة مع خاله برنابا والقديس بولس، ثم مع القديس بولس بعد وفاة خاله
برنابا فى قبرص ميزة رابعة، فقد كان القديس بولس أيضا شاهد عيان للرب بعد صعوده
وأستلم منه الإعلان مباشرة. وأخيراً فقد كانت كرازته مع القديس بطرس فى روما
وغيرها ميزة خامسة. فقد عرف منه الكثير مما يختص به وحده ومما يختص به مع يعقوب
ويوحنا ابن زبدى. ومن ثم فقد دون أحداث إقامة ابنة يايرس وتفاصيل التجلى وصلاة
المسيح فى البستان بكل دقة، كما ذكر حادث إنكار بطرس للسيد ثلاث مرات بكل دقة
وتفصيل كما تسلمها من القديس بطرس وسجلها كروايات شاهد عيان.

وهكذا
دون القديس مرقس أعمال السيد وتعاليمه بتفصيل دقيق وحيوى ورائع كما شاهدها بنفسه
وكما تسلمها من بقية التلاميذ والرسل شهود العيان.

 

3- إنجيل شاهد عيان:

دون
القديس مرقس أحداث ومواقف وأعمال السيد المسيح تسجيلاً دقيقاً أهتم فيه بكل
التفصيلات والأمور الدقيقة جداً، وسجل ملحوظات دقيقة لكل موقف وأهتم بذكر انطباعات
الناس وتصرفاتهم ومشاعرهم فى كل المواقف، وكذلك سجل بدون تردد مشاعر التلاميذ
وحيرتهم فى بعض المواقف وعدم إدراكهم لأمور كثيرة. كما سجل تصرفات السيد وتحركاته
ودون كل التفاصيل كما حدثت وكأنه كان يسجلها فى مذكراته لحظة حدوثها مباشرة. فيقول
عن تأثير تعليمه على الجموع وعلى تلاميذه “فتحيروا كلهم(75)“،
“وكثيرون إذ سمعوا بهتوا قائلين من أين لهذا هذه(76)“،
“فتحير التلاميذ من كلامه(77)“،
“فبهتوا إلى الغاية(78)“، “وكانوا
يتحيرون وفيما هم يتبعون كانوا يخافون(79)“.

ويقول
عن تأثير أعماله على الناس “بهت الجميع ومجدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا
قط(80)“، “فخافوا خوفاً
عظيماً وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا
فإن الريح أيضا والبحر
يطيعانه(81)“، وبعد مشيه على
الماء يقول “فبهتوا وتحيروا فى أنفسهم جداً إلى الغاية(82)“.
ويصف تزاحم الجماهير الغفيرة على السيد المسيح سواء لنول الشفاء “حتى وقع
عليه ليلمسه كل من فيه داء(83)“،
“فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسنى(84)“،
أو للاستماع إلى تعليمه “فأجتمع أيضا جمع حتى لم يقدروا أولاً على أكل خبز(85)“، “وكان الجمع جالساً حوله(86)“، “فأجتمع إليه جمع كثير حتى أنه دخل
السفينة وجلس على البحر والجمع كله كان عند البحر على الأرض(87)“،
“ولما أجتاز يسوع فى السفينة إلى العبر اجتمع إليه جمع كثير(88)“، “فقال لهم تعالوا أنتم منفردين إلى
موضع خلاء واستريحوا قليلاً، لأن القادمين والذاهبين كانوا كثيرين، ولم تتيسر لهم
فرصة للأكل(89)“.

ويصف
آلام السيد المسيح وعواطفه ومشاعره كإنسان “فتحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا
راعى لها(90)“، “وتعجب من
عدم إيمانهم(91)“، “فنظر حوله
بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم”، “فتنهد بروحه(93)“،
“ولما رأى يسوع ذلك أغتاظ(94)“،
كما وصف نظراته وإشاراته وحركاته “فتقدم وأقامها ماسكاً بيدها فتركتها الحمى
حالاً وصارت تخدمهم(95)“، “وقال للرجل
مد يدك، فمدها فعادت صحيحة كالأخرى(96)“،
“فنظر حوله إلى الجالسين وقال ها أمى وأخوتى(97)“،
“وكان ينظر حوله ليرى التى فعلت هذا(98)“،
“فأخذه من بين الجمع على ناحية ووضع أصابعه فى أذنيه وتفل ولمس لسانه ورفع
نظره نحو السماء وأنّ وقال له إفثا. أى انفتح(99)“،
“فتنهد بروحه(100)“، “فألتفت
وأبصر تلاميذه فانتهر بطرس(101)“،
“فجلس ونادى الاثنى عشر(102)“،
“ولما نظر حوله إلى كل شئ(103)“،
وذكر نومه “وكان هو فى المؤخرة على وسادة نائماً(104)“،
وجوعه “وفى البيت لما خرجوا من بيت عنيا جاع(105)“.
وذكر حبه للأطفال وحملهم على يديه “فأخذ ولداً وأقامه فى وسطهم ثم احتضنه(106)“، “فأحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم(107)“.

ويذكر
تفصيلات أخرى كثيرة تختص بالأسماء والأماكن والمواقف لا تذكرها الأناجيل الثلاثة
الأخرى، فيقول أن المسيح دخل “بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا(108)“، “فخرج الفريسيون للوقت مع
الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكى يهلكوه(109)“،
ويصف ثياب السيد أثناء التجلى بكل دقة “وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج
لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك(110)“.
ويذكر أحداث معجزة شفاء بارتماس الأعمى بكل دقة وتفصيل، فيذكر أسمه وصراخه وإسكات
الناس له ومناداة السيد له وطرحه لردائه أرضاً وحديث السيد المسيح معه وشفائه(111). وفى معجزة إشباع الجموع بخمس خبزات وسمكتين
يذكر جلوس الجموع بتفصيل دقيق وبديع “فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقاً
رفاقاً على العشب الأخضر. فأتكأوا صفوفاً صفوفاً مئة مئة وخمسين خمسين(112)“. وذكر أن سمعان الذى حمل الصليب مع
المسيح كان “قيروانياً(113)
وإنه هو “والد الكسندر وروفس” اللذين كانا من التلاميذ المعروفين فى
روما(114). ويذكر نوم السيد
“على الوسادة(115)” فى السفينة، ووجود
رغيف واحد مع التلاميذ فى السفينة(116)،
ويحدد بدقة مكان الجحش الذى كان “مربوطاً عند الباب خارجاً على الطريق(117)“. ويذكر أسماء البلاد التى جاء منها
الجموع للاستماع إلى يسوع والتى ذهب هو إليها “ومن أورشليم ومن أدومية ومن
عبر الأردن. والذين حول صور وصيدا جمع كثير إذ سمعوا كم صنع أتو إليه(118)“، “ثم خرج أيضاً من تخوم صور وصيدا
وجاء إلى بحر الجليل فى وسط حدود المدن العشر(119)“.
ويحدد المواقع والاتجاهات “ثم خرج أيضا إلى البحر(120)“،
“وجلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاساً فى الخزانة(121)“، “وفيما هو جالس على جبل الزيتون
تجاه الهيكل(122)“، “وخرج
(بطرس) خارجاً إلى الدهليز(123)“،
“ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله(124)“.

وهناك
تفاصيل أخرى دقيقة وحية مثل قوله “وكان مع الوحوش(125)
عن السيد المسيح عندما كان على الجبل ليجرب من إبليس، “وكشفوا السقف(126)” الذين حملوا المفلوج. كما وصف أعمال
مجنون كورة الجدريين بكل دقة وتفصيل “لأنه قد ربط كثيراً بقيود وسلاسل فقطع
السلاسل وكسر القيود. فلم يقدر أحد يذلله. وكان دائماً ليلاً ونهاراً فى الجبال
وفى القبور يصيح ويجرح نفسه بالحجارة(127)“.

هذه
التفاصيل الدقيقة النابضة بالحياة تدل على أن الكاتب شاهد عيان، كما سجل بكل دقة
تفاصيل ما تسلمه من شهود العيان الآخرين. كما تدل أيضا على أن الكاتب يعرف دقائق
البلاد وجغرافيتها ويعرف الناس وأسماءهم، وقد ساقه الروح القدس وذكره بكل
التفاصيل.

 

4- شهادة الآباء:

الإنجيل
للقديس مرقس هو أكثر الأناجيل الأربعة الذى ركز عليه علماء الكتاب المقدس لاعتقاد
غالبيتهم أنه أقدم الأناجيل لبساطه أسلوبه وقوته وحيويته وقدم لغته ولأنه يسجل
أعمال السيد المسيح بصورة مكثفة وسريعة وقوية بدرجة كبيرة على روايات آلام السيد
المسيح وصلبه وقيامته، ولأنه يقدم صورة حيه للإنجيل الشفوى كما جاء فى كرازة
القديس بطرس لكرنيليوس وقد شهد جميع آباء الكنيسة لصحته. وفيما يلى شهادتهم عنه:

(1)
بابياس: “إن
مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقه، ولو من غير ترتيب، كل ما تذكره عما
قاله المسيح أو فعله.. ولذلك لم يرتكب أى خطأ إذ كتب
على هذا الوجه- ما
تذكره. لأنه كان يحرص على أمر واحد: إن لا يحذف شيئاً مما سمعه، وأن لا يقرر أى شئ
خطأ”.

(2)
يوستينوس الشهيد: “وعندما
يقال إنه (المسيح) أعطى أسم بطرس لأحد الرسل وعندما يكتب فى مذكراته أيضاً أن هذا
حدث بعد أن أعطى أثنين آخرين من الرسل، ابنى زبدى، أسم بوانرجس، أى ابنى
الرعد..”(128). وهذا اللقب لم يذكر ألا
فى الإنجيل للقديس مرقس (17: 3) فقط.

(3)
وقد ضم تاتيان السورى
وتلميذ يوستينوس الإنجيل بالكامل فى كتابه
الدياتسرون، أما الوثيقة الموراتورية فقد جاءت مبتورة وذكرت هذا الإنجيل فى سطر
واحد هو الذى تبقى مما ذكرته عنه ويقول “الذى فيه كان حاضراً وهكذا
دونه”.

(4)
إيريناؤس
“سلم
لنا مرقس، تلميذ بطرس ومترجمه، كتابه ما بشر به بطرس”.

(5)
أكليمندس الأسكندرى:
“لما كرز بطرس بالكلمة جهاراً فى روما. وأعلن الإنجيل
بالروح طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدون أقواله لأنه لازمه وقتاً طويلاً
وكان يتذكرها. وبعد أن دون الإنجيل سلمه لمن طلبوه”.

ولم
تخرج شهادة الآباء مثل العلامة أوريجانوس ويوسايبوس القيصرى وابيفانيوس أسقف
سلاميس بقبرص (350م) وجيروم عن ذلك كثيراً بل كلها تدور فى هذا الإطار. ويجمع
غالبيتهم على أن القديس مرقس دون الإنجيل فى حياة القديس بطرس أى قبل سنه 67م ولا
يخرج عن ذلك سوى إيريناؤس الذى يقول إنه دونه بعد وفاته. ولكن الدليل الداخلى
وشهادة العلماء تؤكد إنه كُتب قبل انتقاله بكثير.

 

5- هدف الإنجيل ومكان تدوينه:

كُتب
الإنجيل بحسب شهادة الآباء فى روما وبناء على طلب الذين تسلموا الإنجيل الشفوى قبل
انتقال القديس بطرس وقبل دمار أورشليم بفترة. وهو يقدم لنا الإنجيل فى أقوى وأقدم
صورة ويتشابه بدرجة كبيرة مع عظات القديس بطرس والقديس بولس المدونة فى سفر أعمال
الرسل. ويسجل فيه القديس مرقس الأعمال والمعجزات العظيمة التى عملها السيد المسيح،
ويقدم صورة حية لحياته النشطة المتدفقة كأبن الله ومخلص العالم. وقد ترك أعمال
السيد تعلن عن شخصه الإلهى ولاهوته فسجل الكثير من معجزاته الخارقة مثل مشيه على
الماء وتهدئته للعاصفة بكلمة الأمر الإلهى “فقام وأنتهر الريح وقال للبحر
أسكت. إبكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم” مما جعل من فى السفينة يقفوا فى خوف
وذهول شديد أمام شخصه الإلهى “فخافوا خوفاً عظيماً وقالوا بعضهم لبعض من هو
هذا، فأن الريح أيضاً والبحر يطيعانه”(129)،
ونازفة الدم التى شفيت بمجرد أن مست ثوبه(130)،
وأرتعاب الشياطين أمامه وسجودها له واعترافها بكونه ابن الله. فلما رأى يسوع من
بعيد ركض وسجد له وصرخ بصوت عظيم وقال مالى ولك يايسوع ابن الله العلى.. أستحلفك
بالله أن لا تعذبنى. لأنه قال له أخرج من الإنسان أيها الروح النجس
فخرجت
الأرواح النجسة”(131)، وإشباع خمسة آلاف رجل
بخمسة أرغفة وسمكتين(132)، وإشباع أربعة آلاف بسبع
خبزات وقليل من صغار السمك(133)،
وكانت أكبر معجزاته هى قيامته من الأموات.

وكما
قدم المسيح الإلهى صاحب الأعمال الخارقة، قدم أيضا المعلم الإلهى الذى لا مثيل له،
الغازى الوحى الذى يخلب العقل الرومانى المادى، قدم المسيح المعلم العظيم الذى
بُهتت الجموع من تعاليمه ذات السلطان الإلهى والتى لا مثيل لها بن معلمى البشر.
“فُبهتوا من تعليمه لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة”(134)، “وكثيرون إذ سمعوا بهتوا قائلين من أين
لهذا هذه. وما هذه الحكمة التى أعطيت له حتى تجرى على يديه قوات مثل هذه”(135).

ومما
يدل أيضاً على إنه كتب للرومان خاصة وللأمم عامه هو عدم إشارته لنبوات العهد
القديم إلا نادراً ولجؤه إلى تفسير عادات اليهود، على عكس القديس متى الذى سجل
عادات اليهود وتقاليدهم دون شرح أو إيضاح لأنه كان يكتب لليهود. أما القديس مرقس
فقد شرح وفسر عاداتهم فى الأكل بأيدى مغسولة(136)،
ووضح معنى اليوم الأول من الفطير بأنه اليوم الذى كانوا يذبحون فيه الفصح(137) وقدم تعريف لعادة إطلاق أسير فى كل عيد(138). كما فسر الكلمات الإجرامية مثل “طلبنا
قومى. الذى تفسيره يا صبيه قومى”(139)،
“وقال له أفثأ. أى انفتح”(140)،
“الوى الوى لما شبقتنى_ الذى تفسيره إلهى إلهى لما تركتنى”(141)، “وجعل لهما أسم نوانرجس أى أبنى
الرعد”(142)، “موضع جمجمة”(142). وشرح معنى كلمة “الصدوقيين الذين يقولون
ليس قيامه”(144). وعلى العكس من ذلك فلم
يفسر الكلمات اللاتينية التى أستخدمها مثل كلمة “دينار-
Dunarion” و “قائد المئة- Kenturiwn(146) و “جزيه- Ktnsos(147) و “لجئون- Legiwn(148) و “ريع-Kordantys(149) و “دار الولاية- Praitwrion(150)، بل وفى بعض الأحيان
ترجم كلمات يونانية إلى ما يقابلها فى اللغة اللاتينية مثل “فلسطين قيمتها
ربع-
Kordantys(151).

 

ثالثاً: الإنجيل للقديس لوقا

1- الكاتب وشهادة الأباء عنه:

أجمع
أباء الكنيسة على أن كاتب الإنجيل الثالث هو القديس لوقا الذى تبع الرسل وتلميذ
بولس الرسول. وقد أقتبس منه الأباء واستشهدوا بآياته منذ نهاية القرن الأول،
واستخدموه بكثافة أكثر منذ بداية القرن الثانى. ولكن هؤلاء الأباء اقتبسوا
واستشهدوا بآيات الإنجيل بأوجهه الأربعة باعتبارها “أقوال الرب” وكلمة
الله الموحى بها، والتى استلموها أولاً شفاهة وحفظوها، ثم سلمت لهم مكتوبة بعد
ذلك. ولذا فلم يهتموا بذكر مصدر الإنجيل أو السفر الذى اقتبسوا منه أو استشهدوا
بآياته لأنها جميعاً تحتوى على “أقوال الرب” وأعماله. ولكن مع ظهور كتب
أخرى فى أوساط الهراطقة دُعيت أناجيل ونُسبت لكتابها من الهراطقة أو لبعض الرسل،
بدأ أباء الكنيسة يحددون الأناجيل القانونية الموحى بها ويميزونها عن الكتب
الأبوكريفية الزائفة. وهكذا ظهرت قوائم بالكتب القانونية الموحى بها وأخذ أباء
الكنيسة يدافعون فى كتاباتهم عن الأناجيل والأسفار التى كتبها الرسل بوحى الروح
القدس وعن صحتها وقانونيتها. ومن ثم بدأ أباء الكنيسة منذ منتصف القرن الثانى
يذكرون الأناجيل بأسماء جامعيها ومدونيها بالروح القدس من الرسل وكذلك بقيه أسفار
العهد الجديد.

أما
فيما يختص بالإنجيل للقديس لوقا فقد أقتبس منه وأستشهد به أباء الكنيسة وتلاميذ
الرسل، كما اقتبس منه يوستينوس الشهيد كثيراً وذكر نزول قطرات العرق مثل الدم من
السيد المسيح عندما كان يصلى فى بستان جثسيمانى، والتى لم تسجل إلا فى هذا الإنجيل
فقط. وينسب العلامة الإنجليزى وستكوت 50 إشارة لتاريخ الإنجيل و70 حقيقة خاصة
برواية القديس لوقا أدخلها يوستينوس فى حواره مع تريفوا.

كما
أقتبس منه إنجيل بطرس الابوكريفى كثيراً، واستخدمت الرسالة الثانية المنسوبة
لأكليمندس كثيراً من آياته، وضمه تاتيان فى كتابه الرباعى “الدياتسرون”.
فيقول أحد العلماء ويدعى بلامر “من الثابت إنه فى النصف الثانى من القرن
الثانى، كان هذا الإنجيل معترفاً بصحته كسفر موحى به ومن المستحيل إثبات إنه لم
يكن معترفاً به من قبل ذلك بكثير”. وقال آخر ويدعى بولخر “يتفق القدماء
بالإجماع على إن الكاتب هو لوقا تلميذ بولس الذى ذكره فى رسالته إلى فليمون”.

ومنذ
الربع الأول من القرن الثانى أستخدمه الهراطقة مثل باسيليدس(152)
الذى علم فى الإسكندرية حوالى (120م)، وسردوا
Cerdo
الذى عاش فى بداية القرن الثانى والذى يتكلم عنه ثيودوريت
Theoret،
ومارسيون (حوالى 140م) الذى أختار هذا الإنجيل فقط من الأناجيل الأربعة مع عشر من
رسائل بولس الرسول كقانونه الوحيد، وترك صديقه هيراكليون تفسيراً لهذا الإنجيل مع
إنجيل يوحنا ماتزال صفحات منه باقية وقد أشار إليه أكليمندس الأسكندرى(153).

كما
شهد لكتابه القديس لوقا لهذا الإنجيل الثالث كل الترجمات السريانية البشيتا
واللاتينية القديمة واللاتينية الثانية التى تمت فى شمال أفريقيا فى عصر مبكر
جداً، وكذلك الترجمة القبطية الصعيدية.

وأقتبس
منه أيضا كتاب “البطاركة الأثنى عشر” المكتوب فيما بين سنه 100 و 120م.
وقد أقتبس منه 22 كلمة نادرة منها 19 كلمة نادرة لم يستخدمها أى كاتب معاصر آخر،
كما أقتبس 24 كلمة من سفر الأعمال منها 20 كلمة لم توجد فى أى سف آخر من أسفار
العهد الجديد سوى أعمال الرسل فقط.

وجاء
فى الوثيقة الموراتورية (170م) “كتاب الإنجيل الثالث، الذى بحسب لوقا، هذا
الطبيب لوقا، أخذه بولس معه بعد صعود المسيح كخبير فى الطريق (التعليم)، دونه
بأسمه حسب فكره. مع أنه لم يرى الرب فى الجسد، ولأنه كان قادراً على التحقق منه،
فقد بدأ يروى القصة من ميلاد يوحنا”.

وجاء
فى الكتاب المسمى “مقدمه ضد المارسيونيين-
Anti Marcionite Prologue“. الذى أشتهر فى الكنيسة الرومانية، ويرجع إلى النصف الثانى
من القرن الثانى “لوقا سورى انطاكى، سورى السلالة، طبيب المهنة، أصبح تلميذاً
للرسل، وتبع بولس الرسول أخيراً حتى استشهاده (بولس)، وخدم الرب بإصرار، لم يتزوج،
ولم يكن له ولد، أمتلئ بالروح القدس، ومات فى الرابعة والثمانين من العمر فى
بيوثية. فبعد أن كُتب الإنجيل الذى لمتى فى اليهودية والإنجيل الذى لمرقس فى
إيطاليا، قاده الروح القدس لكتابه إنجيله هو فى إقليم اخائية، ويذكر فى مقدمته أن
كتابات أخرى قد دونت قبله، لكن تراءى له ضرورة تدوين سيره كاملة وشاملة للمؤمنين
من أصل يونانى”(154).

وقال
إيريناؤس أسقف ليون “ودون لوقا
الذى كان ملازماً
لبولس- فى كتاب الإنجيل الذى أعلنه بولس”(155).
وقال ترتليانوس فى شمال أفريقيا اعتادت الكنائس الرسولية أن تقرأ الإنجيل بحسب
لوقا، ولأن لوقا هو تلميذ بولس وصاحب الإنجيل الذى أعتمده مارسيون دون سواه(156).

وقال
أكليمندس الأسكندرى، إن المسيح وُلد فى عهد أغسطس قيصر “كما هو مكتوب فى
الإنجيل الذى بحسب لوقا”(157).
وقال العلامة اوريجانوس “والثالث كتبه لوقا، وهو الإنجيل الذى أقره بولس،
وكُتب من أجل المنتصرين من الأمم”(158).
وقال يوسايبوس القيصرى “أما لوقا الذى كان من أبوين أنطاكيين، والذى كان
يمتهن الطب، والذى كان صديقاً حميماً لبولس ومعروفاً عند سائر الرسل، فقد ترك لنا
فى سفرين قانونيين براهين على موهبة الشفاء الروحى التى تعلمها منهم. أما أحد هذين
السفرين فهو الإنجيل الذى يشهد بأنه كتبه كما سلمه الذين كانوا منذ البدء معاينين
وخداماً للكلمة. والذين قد تتبعهم من الأول بتدقيق. وأما السفر الثانى فهو أعمال
الرسل الذى كتبه لا بناء على رواية الآخرين بل بناء على ما رآه هو بنفسه. ويقال أن
بولس كلما قال “بحسب إنجيلى”(159)
إنما كان يشير إلى هذا الإنجيل الذى بحسب لوقا كأنه يتحدث عن إنجيله هو”(160).

وهكذا
شهدت الكنيسة منذ البدء فى الشرق والغرب فى الشمال والجنوب إن كاتب الإنجيل الثالث
الروح القدس هو القديس لوقا تلميذ الرسل ورفيق القديس بولس.

 

2- القديس لوقا:

يُذكر
القديس لوقا فى رسائل القديس بولس الرسول بالطبيب الحبيب “يسلم عليكم لوقا
الطبيب الحبيب”(161)، والعامل معه “مرقس
وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معى”(162).
كما يذكره كالصديق الوفى الذى ظل معه وحده بعد أن تركه الآخرين “لوقا وحده
معى”(163). ويتكلم القديس لوقا عن
نفسه فى بداية الإنجيل وبداية سعر الأعمال كالكاتب لكليهما بضمير “أنا”
“رأيت أنا أيضاً”(164)
“الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس
(165). ثم يتكلم عن نفسه بعد ذلك فى سفر الأعمال
بضمير المتكلم الجمع “نحن”، “نا” عندما نقابله للمرة الأولى
كرفيق للقديس بولس من تراوس بعد أن ظهرت لبولس “رؤيا فى الليل رجل مكدونى
قائم بطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونية وأعنا. فلما رأى الرؤيا للوقت طلبنا أن
نخرج إلى مكدونية متحققين إن الرب قد دعانا لنبشرهم” ويستمر بعد ذلك فى
استخدام ضمير المتكلم الجمع “فأقلعنا
وتوجهنا..
فأقمنا
خرجنا فجلسنا
وكنا نكلم
وبينما كنا
ذاهبين
أستقبلنا بولس
وإيانا”(166). وقد أصطحب القديس بولس
إلى فيلبى. ويبدو أنه ظل هناك بعد رحيل القديس بولس وسيلا إلى كورنثوس (سنه 51م)
لرعاية الكنيسة الناشئة، حيث يستبدل فجأة ضمير المتكلم “نحن” إلى
“هم”(167). وبعد سبع سنوات أخرى
(سنه 58م) ينضم للقديس بولس ثانيه عندما مر بفيلبى فى رحلته الأخيرة إلى أورشليم
وتوقف لمده أسبوع فى تراوس(168).
فمن تلك اللحظة يعاود القديس لوقا استخدام الضمير “نحن” و “وأما
نحن فسافرنا
ووافيناهم
صرفنا”(169)، “وأما نحن فسبقنا
إلى السفينة وأقلعنا
إلخ”(170).

ويستمر
فى استخدام ضمير المتكلم الجمع هكذا حتى وصول القديس بولس ومن معه إلى روما
وإقامته وحده مع حارسه” ولما أتينا إلى رومية
وأما بولس
فأذن له أن يقيم وحده مع العسكرى الذى كان يحرسه(171)“.
وكان مع القديس بولس أو كان قريباً منه فى رحلته إلى روما التى وصفها وصفاً دقيقاً
وكان معه مدة سنتين فى قيصرية وظل معه إلى نهاية سجنه الأول فى روما (سنة 63م).
وكانت أخر إشارة لوجوده مع القديس بولس هى عندما تحدث عن استشهاده “لوقا وحده
معى(172)“.

وقال
بعض الآباء إنه من إنطاكية بسوريا ومما يبرهن على ذلك هو إشاراته الكثيرة إلى
إنطاكية فى سفر الأعمال، فقد وضعها فى مكانة خاصة، فكانت نقطة البدء فى رحلات
القديس بولس، وفيها دعى التلاميذ مسيحيين أولاً “ودعى التلاميذ مسيحيين فى
إنطاكية أولاً(173)” ومن الشمامسة
السبعة يذكر أن أحدهم من إنطاكية “نيقولاوس دخيلاً إنطاكياً(174)” دون أن يذكر قومية الستة الآخرين. وقدم
فى السفر معلومات كثيرة عن الكنيسة فى إنطاكية(175).

 

3- خصائص الإنجيل وأسلوبه:

وصف
بولس الرسول القديس لوقا ب “الطبيب الحبيب”، وكان القديس لوقا، كما جاء
عنه فى كتابات الآباء، وكما يبدو لنا من أسلوبه فى التدوين والكتابة سواء فى
الإنجيل أو فى سفر الأعمال، شخصية متعددة الجوانب والمواهب، فقد كان طبيباً
وأديباً وشاعراً وفناناً واسع الفكر، ورحالة غير محترف ولكن معتاد على الرحلات
البحرية وله خبرة واسعة بها، إلى جانب كونه تلميذاً للرسل ومسيحياً يونانياً
وكارزاً عملاقاً، دون الإنجيل وسفر الأعمال بالروح القدس. وكان ذو ثقة عالية ومؤرخاً
دقيقاً يرى الدارسين أنه احسن كاتب يونانى بين الإنجيليين الأربعة، ويقول رينان عن
إنجيله هذا “أنه أروع كتاب فى العالم”، وقد استخدم مفردات كثيرة، فهو
غنى بالمفردات وإيقاعى فى تركيبه، وكمؤرخ فهو حريص جداً ودقيق إلى أبعد حد. ويبدأ
الإنجيل بمقدمة مؤرخ، وهى، كما يرى العلماء، أبلغ قطعة فى العهد الجديد، وعندما
يبدأ فى رواية أحداث ميلاد يوحنا المعمدان والسيد المسيح فى الإصحاحين الأول
والثانى، يبدو اللون العبرى والصبغة العبرية واضح جداً أكثر من بقية أجزاء
الإنجيل، فهو يسجل أناشيد زكريا والعذراء القديسة مريم وأليصابات وسمعان الشيخ،
والتى يترجمها من العبرية والآرامية، وكذلك نشيد الملائكة كآخر المزامير العبرية
وأول الترانيم المسيحية، فهذا الجزء من الإنجيل عبرى يونانى وبقية الإنجيل يونانى
خالص.

كما
تميز الإنجيل الثالث، هذا، بمفردات كثيرة عن الأناجيل الثلاثة الأخرى إذ يتميز
وحده ب 180 تعبير فى حين يتميز الإنجيل للقديس متى بحوالى 70 والإنجيل للقديس مرقس
ب 44 والإنجيل للقديس يوحنا ب 50 تعبير. وكطبيب فقد استخدم عبارات واصطلاحات طبية
كثيرة مثل “المفلوج، جراح، ضمد، صب زيتاً وخمراً، مضروباً بالقروح، الجذع،
يغشى من الخوف(176)“، وأهتم بمعجزات
شفاء المرضى، ويتحدث عن الأمراض بدقة، واتفق فى وصفه للأمراض مع كُتاب الطب القديم
مثل جالينوس، فوصف حمة حماة بطرس بأنها “حمة شديدة(177)
والروح الذى كان على الأبن الوحيد لأبيه “فيصرعه(178)
والمرأة التى كانت بها روح ضعف “كانت منحنية(179)“،
وهو وحده إلى سجل قول المسيح “على كل حال تقولون لى هذا المثل أيها الطبيب
أشف نفسك(180)“،ولأنه طبيب فقد
تكلم عن الأطباء بلهجة مخففة عن لهجة القديس مرقس فى نفس الحديث، فيقول
“وامرأة بنزف الدم منذ اثنتى عشرة سنة وقد أنفقت كل معيشتها على الأطباء ولم
تقدر أن تشفى من أحد(181)“، ويقول القديس
مرقس “
وقد تألمت
كثيراً من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً بل صارت إلى حالة أردأ(182)“.

وقد
كتب القديس لوقا الإنجيل الثالث للمسيحيين من الأمم، وبصفة خاصة اليونانيين، كما
كتب القديس متى لليهود والقديس مرقس للرومان والقديس يوحنا للمتقدمين فى الإيمان
من يهود ورومان ويونانيين ومن كل الأمم. ومن ثم فقد شرح القديس لوقا مواقع المدن
الفلسطينية وأسمائها “مدينة من الجليل اسمها ناصرة(183)“،
“كفر ناحوم مدينة من الجليل(184)“،
وكذلك المسافات بين البلاد “قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة اسمها عمواس(185)“، وشرح عادات اليهود “وقرب عيد
الفطير الذى يقال له الفصح(186)“.
ولأنه كتب للأمم فقد ركز على تدوين المواقف والأحداث التى تؤكد وتبين أن المسيح
جاء ليخلص جميع الأمم والشعوب من جميع الخطايا والأتعاب ومن جميع الأمراض، ومن فقد
تجنب تسجيل جميع الأقوال التى قال فيها السيد إنه أرسل إلى خراف بيت إسرائيل
أولاً، وعلى العكس من ذلك فقد سجل الأحداث التى تمجد الأمم وتفتح الطريق أمامهم
للخلاص الأبدى مثل قائد المئة الذى بنى لليهود مجمعاً “يحب أمنا وهو بنى لنا
المجمع(187)“، ومثل السامرى
الصالح الذى كان اكثر صلاحاً من اللاوى والكاهن اليهوديين(188)،
والسامرى الذى شفاه السيد من برصه وعاد ليشكره فى حين كان معه تسعة من اليهود لم
يفعلوا مثله(189).

كما
ركز على تدوين الأقوال والعمال التى تؤكد شمولية الخلاص وعموميته، وغن المسيح قد
جاء مخلصاً وفادياً لكل البشرية فى العالم كله من كل جنس ولون ولسان، وليس اليهود
فقط، ولذا يرجع بنسب المسيح إلى آدم، أب البشرية كلها “ابن آدم ابن الله(190)“، وكانت بشارة الملاك وجمهور الجند
السماوى للرعاة تعلن ميلاد مخلص كل البشرية “إنه ولد لكم اليوم فى مدينو داود
مخلص هو المسيح الرب
المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام
وبالناس المسرة(191)“، ويعلن سمعان
الشيخ بالروح القدس أن المسيح جاء لخلاص جميع الشعوب والأمم “لأن عينى قد
أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك
إسرائيل(192)“، فى نبؤة اشعياء
عن يوحنا المعمدان معد الطريق للمسيح، يقول “ويبصر كل بشر خلاص الله(193)“. وهو وحده الذى يسجل قول المسيح عن
إرسالية إيليا للأرملة الوثنية فى صرفة صيدا(194)،
وتطهير أليشع لبرص نعمان السريانى(195).
وهو وحده الذى يسجل إرسالية السبعين رسولاً(196)
والذين يتفق الجميع إنها كانت للأمم، كما يسجل شفاء المسيح لعبد قائد المئة
الرومانى(197)، كما يسجل قول السيد
المسيح “يأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون فى ملكوت
الله(198)“، كما يسجل إرسال
المسيح لتلاميذه ورسله ليكرزوا بالإنجيل لجميع الأمم وإلى أقصى الأرض “وأن يكرز
بأسمه (المسيح) بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأً من أورشليم(199)“، “وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى
كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض(200)“.

كما
دون الأحداث والأقوال التى تقدم المسيح صديق الخطاة وفاديهم ومخلصهم الرحيم، ومريح
التعابى وشافى المرضى من جميع أمراضهم وأتعابهم، ومحب البشرية والراعى الصالح الذى
يبحث عن الضال فى مثل الخروف الضال “هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب
أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة(201)“،
وفى مثل الإبن الضال “إبنى هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد(202)“، وفى مثل الدرهم المفقود
“هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب(203)“، وكذلك فى مثال الفريسى والعشار(204)، قدم المسيح غافر الخطايا مهما كانت، وفى قصة
المرأة الخاطئة(205)،
نرى المسيح الذى يبرر حتى الزوانى. وعلى الصليب يقدم لنا المسيح الذى غفر لصالبيه
“يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون(206)“،
وعلى الصليب أنها يقبل توبة اللص المصلوب التائب ويعده بالفردوس(207).

كما
يقدم المسيح محب الإنسانية، الذى يحب الجميع كأفراد، فهو يهتم حتى بأحقر الناس،
ويحب الوضيع والمحتقر ويعطف على المريض، بل ويعطف حتى على الزوانى والعشارين
ويدعوهم للتوبة، ويطوب المساكين والفقراء بالروح والجائعين، ويشفى المقعد والعرج
والأعمى، ويحب السامريين ويوبخ على التعصب الأعمى ضدهم ويرفض الانتقام من القرية
السامرية التى رفضت استقباله وينتهر يعقوب ويوحنا لأنهما طلبا أن تنزل نار من
السماء لتهلك هذه القرية “وقال لستما تعلمان من أى روح أنتما. لأن ابن
الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص(208)“،
ورفض الفكر الطائفى “من ليس معى فهو على. ومن لا يجمع معى فهو يفرق(209)“.

ويسجل
الأحاديث والأحداث التى تقدم لنا المسيح كإنسان، فهو يدون قصة طفولته وميلاده
بالتفصيل، فيذكر الحبل به بالروح القدس(210)
وميلاده فى الشهر التاسع(211) من الحبل به وختانه فى
اليوم الثامن لميلاده(212) ونموه فى القامة والحكمة
كإنسان “وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله
والناس”(213)، كما يسجل سموه وتفوقه
منذ صبوته، فيذكر جلوسه فى الهيكل كمعلم وسط العلماء وهو فى سن الثانية عشر
واهتمامه بما للأب “ينبغى أن أكون فى ما لأبى(214)“.
ويذكر صلاته بجهاد ولجاجة فى البستان ونزول “عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض(215)” وظهور ملاك له من السماء ليقويه كإنسان(216).

ويقدم
المسيح الذى يكرم المرأة من خلال تسجيله لقصص مجموعة من النساء البارات القديسات،
فيقدم العذراء القديسة مريم “الممتلئة نعمة” والتى استحقت أن تدعى ب
“أم الرب(217)” لأنها ولدت الإله
المتجسد، وأليصابات التى عرفت بالروح القدس المسيح وهو جنين فى بطن أمه وحيت
والدته(218)، وحنة النبية التى ظلت
فى الهيكل ولم تفارقه “نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام
وطلبات ليلاً ونهاراً(219)“، ومريم أخت لعازر
التى اختارت النصيب الصالح الذى لن ينزع منها(220)“،
ومرثا أختها المضيافة، ومريم المجدلية ويونا وسوسنة وبقية النساء التلميذات
اللواتى “كن يخدمنه من أموالهن(221)“،
ثم يذكر عطف السيد المسيح على النساء المتألمات مثل أرملة نايين التى كانت تنوح
على وحيدها الذى مات، فأقامه لها الرب(222)،
والمرأة الخاطئة التى دهنت قدميه بالطيب وبدموعها ومسحتها بشعرها(223)، ونازفة الدم التى صرفت كل معيشتها على الأطباء(224)، والمرأة المنحنية(225)،
والأرملة التى أعطت كل ما لديها لله(226)،
وكذلك إشفاقه على بنات أورشليم اللواتى كن ينحن عليه وهو حامل الصليب(227). فقدم لهن السيد الحنان والحب والعطف والكرامة
فى عصر لم يبالى بالنساء وفى مجتمع كان الرجل فيه يشكر الله لأنه لم يخلقه امرأة،
وكان الكتبة والفريسيون يجمعون أرديتهم فى الشوارع والمجامع لئلا يلمسوا امرأة،
وكان يعتبرونها جريمة أن ينظر رجل لامرأة غير محجبة. ولكن السيد المسيح عطف على
المرأة ورفعها وكرمها واخرج من امرأة سبعة شياطين.

كما
قدم المسيح محب الأطفال؛ إذ يضع هالة مقدسة وسحر سماوى على الطفولة التى تخلد
الفردوس وتقدم البرأة فى عالم خاطئ، فهو وحده الذى روى تفاصيل طفولة المعمدان
وتفاصيل طفولة السيد المسيح وختانه وصبوته. ويروى لنا قصص “الابن الوحيد
لأمه” ابن أرملة نايين، وأبنة يايرس الوحيدة، والأبن الوحيد الذى كان به روح
يصرعه.

وأخيراً
يقدم لنا إنجيل الشعر الروحى؛ يقول الدارسون أن الإنجيل للقديس لوقا هو إنجيل
الترانيم والتسابيح والتماجيد، وأفضل مرنم وأول كاتب ترانيم مسيحى هو القديس لوقا.
فهو يقدم الشعر الروحى والدينى الذى يستقر على حقائق وحق أبدى، والإنجيل كله مملوء
بالحيوية الدرامية والتشويق، إذ يبدأ بالشكر والتسبيح. ويفيض الفصلين الأولين فيه
بالفرح الاحتفالى والسرور والبهجة، إنهما فردوس من شذى الأزهار، وعزف بأحلى
الألحان السمائية يرتل أجمل الترانيم والمزامير العبرية المسيحية السمائية، وفيهما
نسمع تسبحة أليصابات وتسبحة القديسة مريم وبركة زكريا وترنيمة المجد التى شدت بها
الملائكة فى الأعالى، وتمجيد سمعان الشيخ بلسان الأجيال ووحى الروح القدس، ترانيم
وتسابيح أبدية. والإنجيل كله ملئ بتمجيد الله وحمده، ففيه نرى الرعاة “وهم
يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه وقيل لهم(228)
بعد مشاهدتهم للطفل الإلهى، والمفلوج الذى شفاه الرب “مضى إلى بيته وهو يمجد
الله(229)“، وجميع الذين
شاهدوا معجزة شفائه أخذتهم “حيرة ومجدوا الله وامتلئوا خوفاً قائلين أننا قد
رأينا اليوم عجائب(230)“، وعندما أقام الرب
ابن أرملة نايين من الموت “أخذ الجميع خوف ومجدوا الله(231)“،
وبعد أن شفى المرأة التى كان بها روح ضعف “استقامت ومجدت الله(232)“، والسامرى الذى شفاه الرب من البرص
“رجع يمجد الله بصوت عظيم(233)“،
والأعمى الذى شفاه الرب بالقرب من أريحا “تبعه وهو يمجد الله. وجميع الشعب إذ
رأوه سبحوا الله(234)“.

 

4- مصادر الإنجيل وتاريخ تدوينه:

ويبدأ
القديس لوقا الإنجيل الثالث بالمقدمة التالية “إذ كان كثيرون قد أخذوا يدونون
قصة تلك الأحداث التى جرت يقيناً بيننا. كما تسلمناها من أولئك الذين رأوا بأعينهم
وكانوا خداماً للكلمة. رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شئ منذ الابتداء بتدقيق، أن
أكتبها لك بحسب ترتيبها أيها العزيز ثيئوفيلوس. حتى تتحقق من صحة تلك الأمور التى
تعلمتها(235)“.

ومن
هذه المقدمة نعرف الحقائق التالية:

 إنه
كان هناك كثيرون قد سبقوا القديس لوقا فى تدوين رواية التسليم الرسولى كما سلمه
تلاميذ المسيح ورسله شهود العيان.

 وهذه
الأحداث التى جرت كانت معاصرة للقديس لوقا وكانت معروفة لديه معرفة يقينية
“التى جرت يقيناً بيننا”، وقد تسلمها من الرسل شهود العيان الذى تبعهم
وتتلمذ على يديهم وكرز معهم.

 وقد
قام هو أيضاً بتدوين ما عمله وعلمه السيد المسيح متتبعاً كل شئ من الأول بتدقيق
وسجل كل شئ ودونه بحسب ترتيبه الصحيح وبكل دقة المؤرخ المدقق وروحه.

فقد
تبع القديس لوقا تلاميذ المسيح ورسله شهود العيان واستلم منهم الإنجيل شفاهة
وأجزاء منه مدونة، حيث زار الكنائس الرسولية الرئيسية فيما بين أورشليم وإنطاكية
وروما، وكرز مع مؤسسيها وقادتها من الرسل وخدم معهم وتعامل معهم مباشرة. فقد تقابل
مع القديسين بطرس وبرنابا ومرقس فى إنطاكية، كما تقابل مع القديس مرقس أنها فى
روما، وفى أورشليم تقابل مع يعقوب أخى الرب وكثيراً من الرسل والشيوخ الذين كان
الكثيرون منهم ما يزالون أحياء(236)،
وكان فى إمكانه أن يقابل العذراء القديسة مريم هناك أيضا، وذلك فى رحلة القديس
بولس الأخيرة، كما قابل فيلبس المبشر وبناته ومن كان معهم من الرسل فى قيصرية وقضى
سنتين مع القديس بولس فيها(237).
وكان أمامه خلال سنوات سجن القديس بولس الأربع فى قيصرية وروما وقت كافى ليقوم
بعملية جمع شاملة للتسليم الرسولى الشفوى والمكتوب والذى استلمه من الرسل شهود
العيان مباشرة، وليقوم أيضا بدراسة واسعة وبحث دقيق للاستلام والحصول على المعرفة
والمعلومات والنصوص والآيات سواء المكتوبة أو المحفوظة شفوياً. وكان أمامه كم كبير
من الأقوال والأعمال التى تسلمها من الرسل شهود العيان ومن العذراء القديسة مريم
والتى تسلم منها روايات وأحداث الفصلين الأولين، خاصة أحداث الحبل بالمسيح وميلاده
وطفولته وصبوته، ويشير هو نفسه إلى ذلك بقوله “وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا
الكلام متفكرة به فى قلبها(238)“،
وكانت أمامه تحفظ جميع هذه الأمور فى قلبها(239)“.
ويحتمل إنه قابلها فيما بين سنة 57 وسنة 59 م (أو 58-60).

وكان
عليه أن يختار بإرشاد الروح القدس وينتقى بدقة مما تسلمه سواء شفاهة أو مكتوب،
ويقوم بتدوين الإنجيل وكتابته على التوالى وبحسب الترتيب الدقيق والصحيح للأحداث
وهو مسوق من الروح القدس الذى قاده وعلمه وأرشده وذكر أثناء التدوين والكتابة
وساعده على اختيار الأقوال والأعمال بحسب الهدف الذى كان يكتب الإنجيل لأجله وبحسب
غاية الروح القدس نفسه وتوجيهه وإرادته، وحفظه من الخطأ والزلل وعصمه.

وقد
كُتب الإنجيل للقديس لوقا فيما بين سنة 58 و 63 م قبل انتهاء سجن بولس فى روما،
وقد كتبه قبل كتابة سفره الثانى، سفر أعمال الرسل قبل إلى يتقرر مصير بولس الرسول
حيث ينتهى السفر والقديس بولس أسير فى روما.

 

رابعاً الإنجيل للقديس يوحنا

بعد
أن دُونت الأناجيل الثلاثة الأولى قبل سنة 70م، دون القديس يوحنا تلميذ الرب
والرسول الذى كان أحد التلاميذ الثلاثة المقربين من الرب، بل والتلميذ الذى كان
الرب يحبه والذى اتكأ على صدره وقت العشاء، والذى سلمه السيد المسيح والدته وهو
على الصليب ليرعاها كأمه. وقد دون الإنجيل فى نهاية القرن الأول الميلادى حيث كان
التلميذ الوحيد الباقى من تلاميذ الرب على قيد الحياة، فقد سبق أن وعده الرب
بالعمر الطويل(240). وكان القديس يوحنا
بطبيعته مؤهلاً من الروح القدس ليحفظ أعمق كلمات السيد المسيح اللاهوتية والروحية،
وقد دون الإنجيل كما قال فى نهايته “وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا إن يسوع هو
المسيح ابن الله ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة بأسمه(241)“.
ولأنه دون هذا الإنجيل بهدف تأكيد الإيمان بأن يسوع هو “المسيح ابن
الله”، كما دونه بعد انتشار الأناجيل الثلاثة الأولى بسنوات، لذا فقد تجنب
ذكر أكثر ما دُون فيها وركز على تدوين أعمال السيد وأقواله التى تمت فى قانا
الجليل واليهودية والسامرة وبيت عنيا وحواراته مع رؤساء اليهود فى أورشليم والهيكل
وخطابه الوداعى الطويل بعد العشاء وصلاته الأخيرة قبل القبض عليه، كما دون شهادة
يوحنا المعمدان عن المسيح كحمل الله الذى يرفع خطية العالم وكونه ابن الله النازل
من السماء. وقد بدأ القديس يوحنا هذا الإنجيل بمقدمة لاهوتية تبرهن كون المسيح
“كلمة الله” الأزلى والخالق الذى نزل فى ملء الزمان و”إتخذ جسداً
وحل بيننا ورأينا مجده(242)“.
وقد ركز على تسجيل أقوال المسيح التى تعلن إنه “كلمة الله” و”ابن
الله” و”نور العالم” و”مخلص العالم” و”الواحد مع
الآب” فى الجوهر والإرادة والعمل، و”الطريق والحق والحياة”
و”حمل الله الذى يرفع خطية العالم” و”الراعى الصالح”
و”الملك السمائى” و”النازل من فوق” و”ماء الحياة”
و”خبز الحياة” و”شافى الأمراض الميئوس من شفائها” و”خالق
العينين للأعمى” و”محى الميت الذى تعفن جسده” وكلى القدرة الذى لا
يستحيل عليه شئ “مهما عمل ذاك (الله الآب) فهذا يعمله الإبن كذلك(243)” وكلى المعرفة الذى لا يخفى عليه شئ،
ومرسل الروح القدس، والموجود فى كل مكان، فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد،
إلخ. ومن
ثم فقد وصفه بعض آباء الكنيسة مثل إكليمندس الأسكندرى “بالإنجيل
الروحى”، فهو “قدس أقداس” الأناجيل الأربعة بل والعهد الجديد.

وكما
ركز القديس يوحنا على لاهوت المسيح فقد ركز أنها على ناسوته وإنسانيته وسجل أقوال
كثيرة للرب عن تعبه وآلامه وجوعه وعطشه وأكله وشربه وكماله الجسمانى كإنسان مكون
من لحم ودم وعظام، وكماله الإنسانى كإنسان مكون من جسد ونفس وروح. فقد سجل القديس
يوحنا أقوال السيد وأعماله التى تبرهن على أنه ابن الله وكلمة الله الذاتى الذى
نزل من السماء وحل بين البشر فى صورة إنسان بعد أن إتخذ جسداً “والكلمة صار
جسداً وحل بيننا”، ومن ثم فقد قدم المسيح الإله والإنسان، الإله المتجسد،
الذى كان هو ابن الله وكلمة الله وابن الإنسان وآدم الثانى، كلمة الله الذى صار
جسداً وابن الإنسان الآتي على سحاب السماء وديان البشرية.

وقد
دون القديس يوحنا الإنجيل الرابع وكتبه بالروح القدس، والقديس يوحنا هو الوحيد من
الإنجيليين الأربعة الذى ذكر ودون أقوال السيد المسيح عن إرساله للروح القدس من
الآب، ضمن خطابه الوداعى الطويل بعد العشاء الأخير وأوضح فيه عمل الروح القدس فى
التلاميذ والرسل أثناء شهادتهم للمسيح ودوره معهم: “يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل
ما قلته لكم”، “فهو يشهد لى”، “فهو يرشدكم إلى جميع الحق
ويخبركم
بأمور آتية ذاك يمجدنى لأن يأخذ مما لى ويخبركم(244)“.
وهذا ما عمل الروح القدس تماماً مع القديس يوحنا أثناء كرازته وعند تدوينه
للإنجيل، فقد علمه ما لم يكن يعلمه وذكره بما قاله وعمله الرب وشهد للسيد المسيح
ومجده. كان الروح القدس هو ضامن الحق للصورة الإلهية فى الإنجيل الرابع وفى كل
العهد الجديد، هذه الصورة التى لا يمكن لفنان مهما كان إيداعه فى فنه أن يرسمها
بدون وحى إلهى وعمل الروح القدس، وقد أصبح الإنجيل الرابع وكل العهد الجديد، كما
يقول المؤرخ الكنسى فيليب شاف لغز فى تاريخ الأدب وغير قابل للحل العقلى.

وقد
آمنت الكنيسة ولمدة ثمانية عشر قرنأ تقريباً على امرأة كاتب الإنجيل الرابع هو
القديس يوحنا الرسول، تلميذ المسيح الذى كان يحبه إلى امرأة جاء من يدعى إيفانسون
Evanson الإنجليزى
(1792م) وقال بناء على ما تصور إنه اختلاف بين أسلوب سفر الرؤيا وأسلوب الإنجيل
الرابع وزعم امرأة هذا الإنجيل لم يكتبه القديس يوحنا بل كتبه فيلسوف أفلاطونى من
القرن الثانى، وانقسمت أراء النقاد بعد ذلك ودار بينهم صراع ما تزال آثاره موجودة،
وتلقف أراء النقاد هذه بعض المهتمين بدراسة مقارنة الأديان فى الشرق دون امرأة
يهتموا بالمرة بالبراهين التى قدمها علماء الكنيسة أو بما تطورت إليه أراء هؤلاء
النقاد بعد ذلك لأنها لا تحقق أهدافهم. وقد تراجع النقاد ومن تبعهم من العلماء عن
هذه الآراء أمام البراهين الساطعة التى تأكدت تباعاً حتى وصلوا إلى حقيقة هامة
ومجمع عليها، وهى أن هذا الإنجيل، الرابع وثيق الصلة بالقديس يوحنا ولا يبعد عنه
بأى حال من الأحوال، فقد خرج من دائرته ومن تسليمه ومن تعليمه. وانقسمت أراء هؤلاء
النقاد والعلماء إلى ثلاثة اتجاهات كلها تبدأ من القديس يوحنا وتنتهى إليه، وهى:

 أن
القديس يوحنا قد كتب هذا الإنجيل بمعونة أحد تلاميذه الذين كانوا معه، وهذا
التلميذ لم يذكر اسمه وتحت ضغط القديس يوحنا لم يجعل أسمه، اسم القديس يوحنا،
واضحاً فى طيات الكتاب.

أن
واحداً من تلاميذ القديس يوحنا قد جمع هذا الإنجيل واستخدم فى ذلك مذكرات أو مواعظ
القديس يوحنا التى سمعها منه.

إنه
كانت هناك مدرسة أسمها مدرسة يوحنا انتشرت فيها أفكار ومواعظ ومذكرات القديس يوحنا
عن السيد المسيح، وهذه المدرسة هى المسئولة عن جمع هذا الإنجيل وكتابته.

ولكننا
نؤمن إيمان راسخ مبنى على الحق والواقع ومؤيد بالدليل والبرهان على أن مدون هذا
الإنجيل، الرابع، وكاتبه بالروح القدس هو القديس يوحنا، وبنفسه، سواء كان قد كتبه
بقلمه أو أملاه على أحد تلاميذه.

 

1- البرهان الخارجى على امرأة كاتب الإنجيل هو القديس يوحنا:

والبرهان
الخارجى على امرأة القديس يوحنا هو مدون الإنجيل الرابع يتأكد لنا من الانتشار
الواسع واستخدام آباء الكنيسة له منذ نهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى وكذلك
انتشاره فى أوساط الهراطقة واستخدام أعداء المسيحية والوثنيين له، وكذلك ترجمته
إلى أقدم الترجمات (السريانية واللاتينية والقبطية) ووجوده فى أقدم المخطوطات
القديمة، بل أن أقدم مخطوطة للعهد الجديد على الإطلاق هى لهذا الإنجيل وترجع لما
بين 117 و135م.

 

أولاً: الآباء الرسوليين:

كان
مضمون وجوهر الإنجيل للقديس يوحنا فى فكر هؤلاء الآباء وعقولهم، وعلى الرغم من
انهم لم يقتبسوا من آياته مباشرة إلا أنهم استخدموا جوهرها ومضمونها مما يدل على
وجود الإنجيل نفسه فى محيطهم ووسطهم.

(1)-
إكليمندس الرومانى (95م): والذى نجد فى رسالته إلى كورنثوس أربعة نصوص متأثرة
بصورة واضحة بآيات الإنجيل للقديس يوحنا:

 “يتمجد
اسم الرب الحقيقى الوحيد” (1: 43) مع يو 28: 12 “أيها الآب مجد
إسمك” يو 3: 17 “أنت الإله الحقيقى وحدك”.

 “من
كان له حب فى المسيح فليحفظ وصايا المسيح” (1: 49) مع يو 15: 14 “إن
كنتم تحبونى فأحفظوا وصاياى”.

 يسوع
أعطى من جسده من أجل أجسادنا” (6: 49) مع يو 51: 16 “والخبز الذى أنا
أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم”.

 “طهرنا
بتطهير حقك” (2: 60) مع يو 17ك17 “قدسهم فى حقك”.

(2)-
رسالة برنابا (حوالى 100م): يستخدم كاتب الرسالة نفس فكر المسيح فى حديثه مع
نيقوديموس فى شرح العلاقة الرمزية بين الحية النحاسية التى رفعها موسى فى البرية
وبين مجد المسيح على الصليب “فقال لهم موسى: عندما يلسع أحدكم فليتقدم من
الحية المرفوعة على الخشبة وليأمل فى إيمان بأنه رغم ميته قادرة أن تعطى حياة
وسيخلص فى الحال. وفعلوا هكذا. فى هذا أيضا لديكم مجد يسوع ثانية، لأن كل الأشياء
فيه وله” (17: 12) مع يو 14: 3 “وكما رفع موسى الحية فى البرية هكذا
ينبغى امرأة يرفع ابن الإنسان”.

(3)-
أغناطيوس الأنطاكى: تلميذ بطرس الرسول وقد استخدم جوهر آيات القديس يوحنا ونفس
لغته يقول فى رسالته إلى مجنيسيا (1: 7) “وكما كان الرب متحداً مع الآب ولم
يفعل شيئاً بدونه سواء بذاته أو من خلال الرسل، كذلك أنتم لا تفعلوا شيئاً بدون
الأسقف والقسوس” مع يو 19: 5 “لا يقدر الابن أن يفعل من نفسه شيئاً إلا
ما ينظر الآب يعمل” يو 28: 8 “ولست أفعل شيئاً من نفسى بل أتكلم بهذا
كما علمنى أبى”.

ويقول
فى رسالته إلى روما “رئيس هذا العالم يريد أن يخطفنى
لا يوجد
فىّ نار الحب للأشياء المادية ولكن فقط ماء حى
أريد خبز
الله الذى هو جسد يسوع المسيح”. وهذه التعبيرات “رئيس هذا العالم”،
“ماء حى”، “خبز الله” مأخوذة من أقوال السيد المسيح المدونة
فى الإنجيل للقديس يوحنا (يو 30: 14؛ 31: 12؛ 11: 16؛ 10: 4؛ 38: 7؛ 36: 36).
ويقول فى الرسالة إلى فيلادلفيا (1: 9) “هو باب الآب” مع يو 9: 10
“أنا هو الباب”.

ويقول
فى الرسالة إلى أفسس (1: 6) “لأن كل من يرسله رب البيت ليدبر شئونه يجب امرأة
نقبله كما نقبل الذى أرسله” مع يو 20: 13 “الذى يقبل من أرسله يقبلنى.
والذى يقبلنى يقبل الذى أرسلنى”.

(4)-
كتاب الراعى الهرماس (100-145م): يستخدم روح وجوهر الإنجيل فى قوله “لا يقدر
الإنسان أن يدخل ملكوت الله إلا من خلال اسم أبنه، الذى هو محبوبه
الباب هو
ابن الله، هذا هو المخل الوحيد للرب. لا يمكن لإنسان امرأة يدخل إليه إلا من خلال
أبنه” (مثل 9ف 5: 2) مع يو 6: 14 “أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد
يأتى إلى الآب إلا بى”.

ويقول
فى مثل 5 ف 3: 6 “عندما طهر خطايا الشعب أراهم طريق الحياة وأعطاهم الناموس
الذى تسلمه من أبيه”.

(5)-
الدياديكية (100م): والتى نجد فيها ظلال الإنجيل الرابع إذ أن كليهما يستخدمان لغة
واحدة فى الافخارستيا، وقد جاء فيها “وكما أن هذا الخبز كان منثوراً فوق
الجبال ولكنه جمع معاً وصار خبزاً واحداً” (4: 9) مع يو 52: 11 “ليجمع
أبناء الله المتفرقين إلى واحد”، وجاء “نقدم لك الشكر أيها الآب القدوس
من اجل أسمك القدوس الذى جعلته يسكن فى قلوبنا” مع يو 11: 17 “أيها الآب
القدوس أحفظه فى أسمك”. وجاء فى (5: 10) “تذكر يا رب كنيستك لتخلصها من
كل شر وتكملها فى حبك” مع يو 15: 17 “أسأل
أن تحفظهم
من الشرير
ليكون فيهم
الحب الذى أحببتنى به”.

 

ثانياً: تلاميذ القديس يوحنا (الشيوخ):

يقول
إريناؤس أسقف ليون (
Adr. Haer. 2: 22)
وينقل عنه يوسابيوس القيصرى أن القديس يوحنا سلم لتلاميذه، الشيوخ، الإنجيل
مكتوباً “جميع الشيوخ الذين رافقوا يوحنا تلميذ الرب فى آسيا يحملون الشهادة
أن يوحنا سلمه (أى الإنجيل) إليهم. لأنه بقى معهم حتى حكم تراجان(245)“.

ومن
هؤلاء التلاميذ بوليكاربوس الذى أقتبس من رسالة القديس يوحنا الأولى وكانت روح
الإنجيل متجلية بوضوح فى رسالته.

 

ثالثاً: البردية إيجرتون 2 Pap. Egerton 2:

والتى
يرى غالبيه العلماء إنها ترجع لنهاية القرن الأول أو بداية القرن الثانى وأكثرهم
تطرفاً رجع بها إلى ما قبل سنه 150م، ومحفوظة فى المتحف البريطانى بلندن وتتكون من
ورقتين وثالثه تالفة وتحتوى على نصوص من الأناجيل الأربعة منها أربعه نصوص تتطابق
مع (يوحنا 39: 5، 45، 29: 9، 30: 7، 39: 10) وهذه هى: “قال (يسوع) لحكام
الشعب هذه الكلمة فتشوا الكتب التى تظنون أن لكم فيها حياه. فهى التى تشهد
لى”، ” لا تظنوا إنى جئت لأشكوكم إلى الآب، يوجد الذى يشكوكم وهو موسى
الذى عليه رجاؤكم”، “نحن نعلم إن موسى كلمه الله، وأما أنت فلا نعلم (من
أين أنت) فأجاب يسوع وقال لهم لقد قام الاتهام الآن على عدم إيمانكم…”،
لأنكم لو كنتم تصدقون موسى، لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى لآبائكم”.

 

رابعاً: مخطوطة جون ريلاندز (ب 52) P 52:

والتى
تحتوى على (يوحنا 31: 18
34، 37-38) وقد اكتشفت فى صحراء الفيوم بمصر سنه 1935م ويؤرخها
معظم العلماء بسنه 125م، وهى من أقوى الأدلة على سرعة وكثافة انتشار الإنجيل
للقديس يوحنا وعلى إنه قد كتب قبل نهاية القرن الأول، فإذا كان الإنجيل قد كتب فى
أفسس بآسيا الصغرى وأنتشر فى مصر فى مثل هذا التاريخ، فهذا يعنى إنه كتب قبل ذلك
على الأقل بحوالى 30 سنه أو أكثر.

 

خامساً: يوستينوس الشهيد:

والذى
كتب فى النصف الأول من القرن الثانى والذى يعتبر اقتباسه من الإنجيل للقديس يوحنا
برهاناً حاسماً على انتشار هذا الإنجيل فى بداية القرن الثانى وبالتالى وجوده قبل
ذلك فى نهاية القرن الأول. وقد حاول بعض النقاد أن يبطلوا هذا البرهان، الذى برهن
عليه بصوره حاسمة وقاطعه ساندى
Sanday فى إنجلترا وعذار ابوت Ezra Abbot
فى أمريكا، ولم يستطيعوا. وفيما يلى أهم اقتباساته من الإنجيل للقديس يوحنا، وإن
كان يعتمد على الذاكرة فى اقتباسه أكثر من النقل من الإنجيل مباشرة:

 يقول
فى الدفاع 61: 1 “لأن المسيح قال أيضاً: أن لم تولدوا ثانية لن تدخلوا ملكوت
السموات، وهذا يعنى إنه من المستحيل لأولئك الذين ولدوا مرة أن يدخلوا أرحام أمهاتهم”.

وهذا
النص مأخوذ مباشرة من (يوحنا 3: 3-5) “إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن
يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر
أن يدخل بطن أمه ثانيه ويولد؟ أجاب يسوع
أن كان أحد لا يولد من
الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله”.

وقد
حاول بعض النقاد أن يوهموا بأن يوستينوس قد استعان بما جاء فى (متى 3: 18)
“أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات”، ولكن هذه
المحاوله باءت بالفشل لأن نص يوستينوس ينفق فى المعنى والمضمون والنص مع القديس
يوحنا لأن كليهما يتكلمان عن الولاده الآباء من الماء والروح، كما أن يوستينوس
يلمح لقول نيقوديموس عن فكره الرجوع لبطن الأم أو الأرحام، فى حين أن نص الإنجيل
للقديس متى يتكلم عن البساطه ونقاوه القلب، إذ يقول “فى تلك الساعه تقدم
التلاميذ إلى يسوع قائلين فمن هو أعظم فى ملكوت السموات. فدعا يسوع إليه ولداً
وأقامه فى وسطهم. وقال الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا
ملكوت السموات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم فى ملكوت السموات”
(متى 1: 18-4).

جاء
فى حوار 88 “ولكنه (يوحنا المعمدان) صاح لهم: أنا لست المسيح، بل صوت صارخ،
لأن الذى هو أقوى منى سيأتى الذى لست بمستحق أن أحمل حذاءه”. وهذا النص مأخوذ
من (يوحنا 20: 1و 43) “وأقر أنى لست المسيح.. أنا صوت صارخ فى البرية” و
(ع27) “هو الذى يأتى بعدى الذى صار قدامى الذى لست بمستحق أن أحل سيور حذائه”.

وبرغم
تقارب نص يوستينوس مع الأناجيل الثلاثة الأولى، إلا إنه متفق بصوره أدق وأقوى مع
القديس يوحنا لأنه استخدم عبارات جاءت فى الإنجيل الرابع فقد “أنا لست
المسيح”، “لأن الذى هو أقوى منى سيأتى”.

جاء
فى دفاع 63: 1 “لا يعرفون الآب ولا الأبن، أى اليهود، وهذا يتفق مع ما جاء فى
(يوحنا 19: 8) “لستم تعرفوننى أنا ولا أبى” و (يوحنا 3: 16) “لأنهم
لم يعرفوا الآب ولا عرفونى”.

جاء
فى دفاع 22: 1 أن المسيح “شفى كل المقعدين والمشلولين والذين ولدوا
عميان” ولم تذكر.

الأناجيل
الثلاثة الأولى أن المسيح شفى أحد المولودين عميان، بل هذا ما جاء فى الإنجيل
للقديس يوحنا فقط وبه فصل كامل (ص9) عن المولود أعمى الذى صنع له عينان من طين.

جاء
فى دفاع 13: 1 “معلمنا هذه الأمور هو يسوع المسيح ولد لهذا الغرض أيضاً وصلب
فى حكم بيلاطس البنطى”، واضح هنا إنه يشير لقول المسيح لبيلاطس “لهذا قد
ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم” (37: 18).

جاء
فى دفاع 66 “تعلمنا أن الخبز والخمر كانا جسد ودم يسوع الذى صار جسداً”
والعبارة الأخيرة “صار جسداً” مأخوذة مباشرة من (يوحنا 14: 1)
“والكلمة صار جسداً وحل بيننا”.

 جاء
فى دفاع 60: 1 “أخذ موسى بإلهام الله وتأثيره نحاس وصنع (الحية) على شكل الصليب”،
وفى (حوار 91) يشير إلى الحية النحاسية كرمز للصلب والصليب، ويقول أن الحية
النحاسية لم تكن هى سبب نجاة من لدغتهم الحيات بل كانت مقصودة “لخلاص أولئك
الذين يؤمنون أن الموت قد أعلن أنه سيأتى فى الحية خلال الذى سيصلب” لأن الله
“أرسل أبنهُ للعالم ليُصلب. لأن روح النبوة فى موسى لم تعلمنا أن نؤمن
بالحية”. وهذا مبنى على قول السيد المسيح الذى جاء فى (يوحنا 14: 3)
“وكما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع أبن الإنسان لكى لا يهلك
كل من يؤمن به بل له الحياة الأبدية”.

وهناك
برهان حاسم يؤكد لنا وجود الإنجيل للقديس يوحنا بين يدى يوستينوس، وهذا البرهان
الحاسم هو شرحه لعقيدة “الكلمة
Logos” كما جاء فى مقدمة الإنجيل للقديس يوحنا تماماً.

ا-
يقول فى دفاع 23: 1 “يسوع المسيح بمعنى أوضح هو أبن الله الوحيد كونه كلمته (
Logos) وبكر قوته الذى خلق كل شئ وأقامه به”.

ب-
ويقول فى 63: 1 “كلمة (
Logos) الله هو ابنه“.

ج-
ويقول فى 13: 2 “نعبد ونحب الكلمة (
Logos) الذى من الله
وغير المولود وغير المنطوق به، فقد صار بشراً لأجلنا”.

د-
ويقول فى 5: 1 “الكلمة (
Logos) ذاته الذى اتخذ شكلاً وصار بشراً ودعى يسوع المسيح”.

و-
ويقول فى 6: 2. “الكلمة الذى كان معه أيضاً”.

وهذه
التعبيرات “الكلمة” و “أبن الله الوحيد”، الذى خلق كل شئ
وأقامه به” و “صار بشرأً” و “إتخذ شكلاً وصار بشراً”
خاصة بالإنجيل للقديس يوحنا، وكلها مأخوذة من الإصحاح الأول. ونظراً للتطابق التام
بين هذه النصوص فقد أقر كثيرون من النقاد بصحة استشهاد يوستينوس بالإنجيل للقديس
يوحنا.

 

سادساً: هيراكليون وتفسير الإنجيل للقديس يوحنا:

كتب
هذا الرجل الهيرطوقى، الذى أشرنا إليه أعلاه، تفسيراً للإنجيل يوحنا فى النصف
الأول من القرن الثانى، هذا التفسير علق عليه أوريجانوس فيما بعد. وهذا يدل على
انتشار الإنجيل فى بداية القرن الثانى بصورة واسعة حتى دعت الحاجة لتفسير آياته.
ويعلق على ذلك أحد العلماء ويعدى فولكمار
Volkmar بقوله “أيها
الإله العظيم إذا كان قد تألف تفسيراً لإنجيل يوحنا فيما بين 125 و 155م ومثل هذا
التفسير قد حفظ منه أوريجانوس قطعاً معتبرة، فماذا يبقى لنا للمناقشة؟”.

 

سابعاً: ثاؤفيلس أسقف إنطاكية (170-180م):

الذى
أقتبس من الإنجيل لقديس يوحنا بالاسم “فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند
الله، كقول يوحنا، الذى كان أحد الرجال حاملى الروح القدس”(246).

 

ثامناً: إيريناؤس أسقف ليون:

والذى
تعتبر شهادته حاسمة ولا جدال فيها لأنه تسلمها من بوليكاريثوس تلميذ القديس يوحنا
مباشرة. وكانت شهادته هى شهادة الكنيسة الجامعة فقد كانت مبنية على الرسول يوحنا
ذاته الذى لم يكن بينهما سوى حلقة واحدة فقط.

ونظراً
لما لشهادته من قيمة فقد حاول النقاد بكل جهدهم أن يقللوا من شأنه ولكنهم فشلوا
فشلاً ذريعاً أمام مركزه التاريخى وما كان لديه من وسائل ووثائق كتب بناء على ما
جاء فيها دفاعه عن العقيدة فى كتبه ضد الهراطقة. ويقول عن كتابة القديس يوحنا
للإنجيل الرابع “نشر يوحنا تلميذ الرب الذى اتكأ على صدره الإنجيل عندما كان
فى أفسس فى أسيا”.

وقد
شهد أيضاً لكتابة القديس يوحنا للإنجيل الرابع تاتيان تلميذ يوستينوس الذى ضم
آياته فى كتابه الدياتسرون والوثيقة الموراتورية وترتليان فى شمال أفريقيا
وأكليمندس الأسكندرى وأوريجانوس وغيرهم من آباء كنيسة الآرامي ويوسابيوس فى قيصرية
وجيروم فى روما وغيرهم من آباء الكنيسة وعلمائها فى القرن الأولى.

 

تاسعاً: شهادة الكتب الأبوكريفية والهراطقة وأعداء المسيحية:

وما
يدل على إن الإنجيل للقديس يوحنا قد كتب ونشر فى نهاية القرن الأول هو انتشاره
بصورة واسعة ووجوده فى أيدى كُتاب الكتب الأبوكريفية والهراطقة وأيضاً الوثنيين
الذين هاجموا المسيحية.

(1)-
العظات الكليمندية: والتى كتبت فى بداية القرن الثانى، والتى أشارت إلى الأناجيل
الأربعة بعبارة “أناجيلنا”، ثم اقتبست النصوص التالية من الإنجيل للقديس
يوحنا:

“خرافى
تسمع صوتى” وأيضاً “أنا هو باب الحياة، الذى يدخل بى يدخل إلى
الحياة”
Hom. 3: 52
(يو 7: 10،3،9).

“أجاب
رّبنا على الذين سألوه بخصوص الرجل الأعمى منذ ولادته، الذى وهب له البصر، والذين
سألوا أن كان هذا الرجل قد أخطأ أم أبواه حتى ولد أعمى، فأجاب لا هذا الرجل أخطأ
ولا أبواه، بل لكى تظهر بواسطته قوة معالجاً خطايا الجهل
hom. 19 وهذا ما جاء فى (يوحنا 2: 9،3).

(2)-
كتاب البطاركة الأثنى عشر: والذى كتب فى بداية القرن الثانى وقبل الدمار الثانى
لأورشليم سنة 130م هذا الكتاب يتحدث عن المسيح بألقابه التالية “نور
العالم”، “المخلص”، “ابن الله”، “الأبن
الوحيد”، “حمل الله”، “الله الآتى فى الجسد” ويقول
“الروح يشهد للحق” وهذه كلها مأخوذة مباشرة من الإنجيل للقديس يوحنا.

(3)-
مونتانوس الذى ظهر فى فريجيا سنة 140م وزعم أنه اللوجوس والباراقليط بناء على ما
جاء فى الإنجيل للقديس يوحنا. ويرى العلماء إنه كتب فيما بين 120 و 140م.

(4)-
مارسيون (140م) الذى قبل الإنجيل للقديس لوقا ورفض الأناجيل الثلاثة الأخرى، يقول
ترتليان مؤكداً وجود الإنجيل للقديس يوحنا فى أيامه وقبل أيامه “إذا لم ترفض
الكتابات المعارضة لنظامك فقد كان هناك إنجيل يوحنا ليقنعك”(247). وأكد فى رده عليه أنه كان يعرفه ولكنه رفضه(248).

(5)-
فالنتينوس (136- 155م) الذى تأثر كثيراً بالإنجيل للقديس يوحنا وأقتبس منه (5:
3،6، 12: 9، 11: 14) ويقول لإيرناؤس أن أتباع فالنتينوس “يفندون أنفسهم فى
المسألة الأكمل للإنجيلى بحسب يوحنا”(249).

(6)-
باسيليدس (117
138م): يقول
العلامة هيبوليتوس أن باسيليدس أقتبس من الإنجيل للقديس يوحنا قوله “كان
النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آتياً إلى العالم”(250)
يقول متى ارنولد
M. Arnold فى كتابه “الله والكتاب المقدس” أن باسيليدس كان أمامه
الإنجيل للقديس يوحنا (سنة 125م).

(7)-
الاوفايتس والذى يقول عنهم إيرناؤس أنهم من أقدم الجماعات الغنوسية ويتحدث عنهم
كأسلاف مدرسة فالنتينوس “آبائها وأمهاتها”(251).
ويقول عنهم هيبوليتوس أنهم من أقدم الغنوسيين، ويقول أنهم استخدموا شهادات من
الإنجيل للقديس يوحنا وهى (يوحنا 6: 3،3: 1،4،1: 2-11، مع إشارات قوية إلى ص35:
6،21: 8،33: 13،9: 10،21: 4،21: 9) ويقتبس أجزاء من كتب
The Peratae التى تقتبس تكراراً من الإنجيل للقديس يوحنا(252).

(8)-
كلسس الأبيقورى: هاجم المسيحية سنة 178م ورد عليه فيما بعد أوريجانوس، وقد هاجم
الأناجيل الأربعة والفكر المسيحى والعقيدة المسيحية ككل وأقتبس كثيراً من الإنجيل
للقديس يوحنا تضمنها رد أوريجانوس عليه. ويدل وجود الإنجيل بين يدى هذا الرجل
الوثنى سنة 178م على أن هذا الإنجيل كان منتشراً قبل أيامه بكثير.

 

عاشراً: قانون أسفار العهد الجديد:

كان
للإنجيل للقديس يوحنا مكانة ثابتة بين الأناجيل الأربعة التى لم يشك أحد مطلقاً فى
وحيها وقانونيتها، فقد وُجد فى أقدم المجموعات، وفى أقدم الترجمات، فقد ترجم إلى
السريانية واللاتينية والقبطية فى أقدم ترجماتها، ووجد فى قوائم الكتب القانونية
الموحى بها والمقدسة، وأقرته جميع المجامع التى ناقشت قوائم الأسفار القانونية.

 

حادى عشر: أقدم المخطوطات:

ومن
أقدم ما يقدم كبرهان حاسم على كتابة الإنجيل للقديس يوحنا فى القرون الأولى
وانتشاره بكثافة فى بداية القرن الثانى هو أن أقدم المخطوطات التى وجدت هى لهذا
الإنجيل الرابع فتوجد له البردية (ب52) وترجع لما بين 117 و 135م والبردية (ب66)
وترجع لسنة 150م وتشتمل على الإنجيل بالكامل عدا بعض أجزاء تلفت صفحاتها، والبردية
(ب75) وترجع لسنة 180م وتضم الجزء الأكبر من الإنجيل للقديس يوحنا والإنجيل للقديس
لوقا، والبردية (ب45) وترجع لسنة 220م وتحتوى على أجزاء من الأناجيل الأربعة وسفر
أعمال الرسل.

وهكذا
تدل جميع الأدلة والبراهين على أن الإنجيل الرابع قد كُتب فى نهاية القرن الأول
وكان منتشراً وبصورة كبيرة فى بداية القرن الثانى، وكان موجوداً مع أباء الكنيسة
والهراطقة وأعداء الكنيسة، وأنه لم يشك أحد ولو للحظة أن مدونه وكاتبه بالروح
القدس هو القديس يوحنا الحبيب تلميذ السيد المسيح ورسوله.

 

2- البرهان الداخلى:

لم
يذكر القديس يوحنا أسمه فى الإنجيل كما لم يضعه على الإنجيل ولكن دون أن يقصد فقد
ترك أثاراً على حقيقته وهويته وتقول من هو.

 

ا- الإعلان الذاتى فى الإنجيل:

يقول
القديس فى مقدمة الإنجيل “ورأينا مجده مجداً”(253)
والرؤيا المقصودة هنا هى الرؤية بالعين، الرؤية الفسيولوجية وليست الرؤيا الروحية،
فهو يقول “والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده وهذا يعنى أنه، هو،
الكاتب، كان أحد شهود العيان، تلاميذ المسيح،كما قال فى رسالته الأولى “الذى
سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا”(254).
وما يؤكده سياق نص الاية هو أن الكاتب القديس يريد أن يؤكد للقارئ أن الحقائق
المدونة فى الإنجيل موثقة بشهادة شهود العيان ومدونه بواسطة أحد شهود العيان وعند
الحديث عن طعم الجندي لجنب السيد المسيح بحربة يقول “لكن واحداً من العسكر
طعن جنبه بحرية وللوقت خرج دم وماء. والذى عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول
الحق لتؤمنوا أنتم”(255)،
وهنا نجد كلمات “عاين” و “شهادة” مع تأكيد إنه يقول الحق، وقد
كتب ما شاهده وعاينه لكى يؤمن القراء “وهو يعلم إنه يقول الحق لتؤمنوا
أنتم”، وهو يؤكد هنا شهادته، هو، بصفة فردية، كشاهد عيان لما حدث، وبما كتب.

وفى
خاتمة الكتاب يقول “هذا هو التلميذ الذى يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته
حق”(256). وهذه الآية تؤكد بصورة
مطلقة وحاسمة أن كاتب الإنجيل هو شاهد عيان، فقد شاهد وشهد بكل ما كتبه فى
الإنجيل.

وكشاهد
عيان يذكر الزمان والمكان والتفاصيل الدقيقة، فيقول “وفى الغد”(257)، “وجاء إلى يسوع ليلا(258)،
“وبعد اليومين خرج”(259)،
“فى الساعة السابعة”(260)،
“ولما كان المساء”(261)،
“وفى اليوم الثالث كان عرس فى قانا الجليل(262)“،
“هذا قاله يسوع فى الخزانة وهو يعلم فى الهيكل(263)“،
“وكان يسوع يتمشى فى الهيكل فى رواق سليمان(264)“،
“ولم يكن قد جاء إلى القرية بل كان فى المكان الذى لاقته فيه مرثا(265)“، وكذلك يذكر الأعداد “وكانت ستة
أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة(266)“، “فلما كانوا قد جدفوا نحو خمسة وعشرين
أو ثلاثين غلوة(267)“،
“أما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلا
نحو مئتى ذراع(268)“، “وجذب
الشبكة إلى الأرض ممتلئة سمكاً كبيراً مئة وثلاثاً وخمسين(269)“،
هذه الأرقام التى ذكرها والأوقات وتحديد الأماكن بكل دقة تدل دلالة قاطعة على أن
الكاتب القديس عاشها بنفسه وشاهدها كشاهد عيان وكان أحد التلاميذ الأثنا عشر الذين
عاشوا مع السيد المسيح ورافقوه فى كل مكان ذهب إليه.

ومن
التفصيلات الدقيقة التى تؤكد وتقطع بأن الكاتب كان موجوداً شخصياً وعايش الأحداث
كشاهد عيان تحديده للخمسة أرغفة بأنها كانت “أرغفة شعير(270)
ووصفه للطيب الذى “امتلأ البيت من رائحته(271)
وإيماء بطرس غليه للسؤال عن الخائن(272)،
ووصفه لرد فعل الجنود عند القبض على المسيح(273)،
وذكره لوزن الأطياب التى استخدمت فى تكفين المسيح “مزيج مر وعود نحو مئة منا(274)“.

وكان
للكاتب القديس ملاحظاته الخاصة على ردود أفعال التلاميذ فى المواقف المختلفة. بعد
تحويل الماء إلى خمر يقول “وأظهر مجده فآمن به تلاميذه(275)“،
ولما كان مع المرأة السامرية “كانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة(276)“، وعندما نظروه ماشياً على الماء
“خافوا”، ويعلق على بعض الأحداث بقوله “هذه الأمور لم يفهمها
تلاميذه أولاً. ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه(278)“، كما كان له ملاحظاته على ردود أفعال
السيد المسيح نفسه(279)، بل وقد ذكر أسماء أشخاص
من التلاميذ وغيرهم فى مواقف معينة، وهذه الأسماء لم تذكر فى نفس المواقف فى
الأناجيل الثلاثة الأخرى؛ ففى معجزة إشباع الجموع يذكر فيلبس وأندراوس(280)، ويذكر مريم أخت ليعازر التى دهنت المسيح
بالطيب، كما يذكر اسم خادم رئيس الكهنة الذى قطع بطرس أذنه بالسيف وقت القبض على
السيد المسيح(282)، ويذكر أسماء نثنائيل
ونيقوديموس ولعازر الذين لم يذكروا فى الأناجيل الثلاثة الأخرى. والواضح أن أسلوب
الكتابة عن هؤلاء الأشخاص أن الكاتب يعرفهم جيداً وبصفة شخصية، وكان حاضراً لتلك
الأحداث التى كتب عنها بدقة وتفصيل.

 

ب- التلميذ المحبوب. من هو؟

يذكر
الإنجيل هذا التلميذ المحبوب “الذى كان يسوع يحبه” فى خمسة مواقف هامة
وكل منهم له مغزاه الخاص؛ وأول ما يذكر يذكر فى العشاء الربانى كأقرب واحد من
السيد المسيح “وكان متكئاً فى حضن يسوع”، وعند حديث الرب عن التلميذ
الخائن “وقال الحق الحق أقول لكم أن واحداً منكم سيسلمنى”، يقول الكاتب
“وكان متكئاً فى حضن يسوع واحداً من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان
بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذى قال عنه. فاتكأ ذاك (التلميذ المحبوب) على صدر
يسوع وقال له يا سيد من هو؟(283)“.
إنه هنا أقرب التلاميذ إلى السيد والوحيد منهم الذى تجاسر على سؤاله عن الخائن.
وهناك ملحوظة ذات اعتبار وهى ارتباطه بالقديس بطرس الذى أومأ إليه أن يسأل السيد.
والموقف الثانى الذى يذكر فيه عند الصليب حيث نرى ثقة الرب فيه وهو يضع أمه
القديسة العذراء فى أمانته وتحت رعايته “فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذى كان
يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة هوذا أبنك. ثم قال للتلميذ هوذا أمك. ومن تلك
الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته(284)“.
وفى الموقف الثالث عندما ذهبت المجدلية إلى قبر المسيح ووجدت الحجر مرفوعاً والقبر
خالياً من الجسد فذهبت إلى بطرس وهذا التلميذ بصفة خاصة لتخبرهما بذلك “فركضت
وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذى كان يسوع يحبه وقالت لهما اخذوا
السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه(285)“،
وذهب الإثنان إلى القبر وبعدما شاهدا ما يبرهن على قيامة الرب يركز الكاتب فى
تعليقه على هذا التلميذ فقط بقوله “ورأى فآمن(286)“.
أما الموقف الرابع فهو عندما ذهب سبعة من التلاميذ ليصطادوا على بحر طبرية بعد
القيامة وظهور الرب لهم، وهؤلاء التلاميذ هم “سمعان بطرس وتوما الذى يقال له
التوأم ونثنائيل الذى من قانا الجليل وأبنا زبدى وأثنان آخران من تلاميذه”.
ونلاحظ هنا أنه يذكر أسماء ثلاثة من التلاميذ، ويذكر لقب يعقوب ويوحنا “ابنا
زبدى” فقط دون أن يذكر أسماء، ثم يشير فقط إلى “اثنان آخران من
تلاميذه” قد لا يكونا من التلاميذ الاثنى عشر. والموقف الخامس والأخير هو
عندما ظهر الرب لهؤلاء التلاميذ السبعة ودار حديث بينه وبين بطرس عرف فيه بطرس من
الرب مصيره وكيف سيترك هذا العالم وأراد أن يعرف مصير هذا التلميذ “فالتفت
بطرس ونظر التلميذ الذى كان يسوع يحبه
فلما رأى بطرس هذا قال
ليسوع يا رب وهذا ماله. قال له يسوع إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك.
اتبعنى أنت. فشاع هذه القول بين الأخوة إن ذلك التلميذ لا يموت” ثم نعرف أن
هذا التلميذ المحبوب هو كاتب هذا الإنجيل “هذا هو التلميذ الذى يشهد بهذا
وكتب هذا(287)“.

ما
سبق يؤكد لنا أن هذا التلميذ المحبوب، بالطبع، كان قريباً من الرب يسوع المسيح
وانه كان دائماً مرتبطاً ببطرس (فى العشاء وعند القبر وعند سؤال بطرس للسيد عن
مصير هذا التلميذ)، ولم يذكر وحده إلا عند الصليب عندما كان بطرس يتبع الرب من
بعيد. وعند محاكمة المسيح كان الاثنان معاً، ولأن هذا التلميذ كان معروفاً من رئيس
الكهنة فقد توسط عند البوابة وأدخل بطرس(288)
دار رئيس الكهنة. ونعرف من الأناجيل الثلاثة الأولى أنه كان على رأس التلاميذ
الأثنى عشر دائرة خاصة مقربة من السيد المسيح مكونة من “بطرس ويعقوب
ويوحنا”، وهؤلاء الثلاثة أصلاً كانوا شركاء فى سفينة لصيد السمك(289)، وقد أخذهم الرب معه فى أخص المواقف، فقد كانوا
شركاء فى سفينة لصيد السمك(290)
وعلى جبل التجلى(291) وكانوا أقرب التلاميذ
إليه فى بستان جثسيمانى قبل القبض عليه مباشرة(292)
وكان بطرس ويوحنا بالذات مرتبطين معاً، فقد أرسلهما السيد المسيح وحدهما معاً
ليعدا الفصح(293)، وبعد القيامة وحلول
الروح القدس كانا دائماً معاً، فقد ذهبا إلى الهيكل معاً عندما حدثت معجزة شفاء
المُقعد على بابا الهيكل وحاكمهما رؤساء اليهود معاً(294)،
وذهبا إلى السامرة معاً مرسلين من بقية الرسل(295)،
ويذكرهما القديس بولس مع “يعقوب أخى الرب” كالأعمدة الثلاثة فى الكنيسة
الأولى(296).

والشئ
الجدير بالملاحظة هو أن أسم بطرس كان يذكر دائماً أولاً ثم بعد ذلك أسم يوحنا وذلك
فى الأناجيل الثلاثة الأولى “بطرس ويوحنا”(297)،
وفى سفر الأعمال كان بطرس دائما هو المتقدم سواء فى ذكر الأسماء أو فى الفعل
“وصعد بطرس ويوحنا”(298)،
“أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا”(299)،
وحتى عندما ذكر القديس بولس يعقوب أخو الرب أول الثلاثة الأعمدة ذكر بطرس بعده ثم
يوحنا أخيراً “يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا”. وكان القديس بطرس هو المتكلم
دائماً. وهنا فى الإنجيل الرابع نجد أن القديس بطرس للتلميذ المحبوب أن يسأل الرب
يسوع عمن سيسلمه، وعندما قام المسيح وذهبت المجدلية إلى القبر وجدت الحجر مرفوعاً
عن القبر ذهبت إلى بطرس ثم هذا التلميذ، وآتياً إلى القبر وبرغم أن هذا التلميذ
سبق بطرس ووصل أولاً ألا أنه لم يدخل القبر إلا بعد أن جاء بطرس ودخل أولاً
“فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر”(300)،
وعند الذهاب للصيد عند بحر طبرية كان بطرس هو الداعى لذلك، ولما ظهر لهم الرب
وعرفه هذا التلميذ قبل الجميع أخبر بذلك بطرس أولاً وقبل الجميع “فقال ذلك
التلميذ الذى كان يسوع يحبهُ لبطرس هو الرب”، وعندما كشف الرب لبطرس مصيره
وكيف ستنتهى حياته على الأرض أهتم بطرس بمعرفة مصير هذا التلميذ فقط دون بقية
التلاميذ.

كل
هذا يؤكد أن هذا التلميذ “الذى كان يسوع يحبه” والذى كتب الإنجيل الرابع
هو القديس يوحنا ابن زبدى. وما يؤكد هذه الحقيقة أيضاً هو أن القديس يوحنا لم يذكر
أسمه بالمرة فلى الإنجيل الرابع، بينما أسمه مذكور فى الأناجيل الثلاثة الأولى
20مرة، كما أن يذكر يوحنا المعمدان بأسمه “يوحنا” فقط بدون لقب المعمدان
مما يدل على أن يوحنا ابن زبدى كاتب الإنجيل كان معروفاً للجميع وقت كتابة الإنجيل
بلقب آخر هو التلميذ المحبوب.

ويجد
البعض صعوبة فى أن يصف القديس يوحنا نفسه بالتلميذ الذى كان يسوع يحبه، ويجد من
أيضاً أنه من الصعب أن يكون هذا الحب تفضيلى بمعنى أن الرب فضل يوحنا على بقية
التلاميذ. ولكن ما كتبه القديس يوحنا فى رسالته الأولى عن المحبة وحب الله الذى
ظهر فى المسيح، وما ركز عليه أيضاً فى الإنجيل الذى كتبه بالروح القدس عن حب الله
الأبدى ومحبته للبشرية التى تفوق الوصف “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه
الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(301)، وكذلك إدراكه لحب السيد المسيح العظيم الذى لا
حد له، واقترابه من فكر السيد وعقله وقلبه أنعكس عليه هو نفسه ولهذا صار التلميذ
المحبوب، وأشتهر بذلك فى شيخوخته. وكان هذا اللقب علامة تواضع أكثر منه تفضيل فقد
أخفى أسمه وذكر ما يمتلكه أكثر من أسمه وأعظم، وهو حب الرب يسوع المسيح له.

 

ج- الخلفية اليهودية الفلسطينية للكاتب:

بينا
أعلاه أن كاتب الإنجيل الرابع هو شاهد عيان لما سجله ودونه بالروح القدس فى
الإنجيل وأنه يوحنا ابن زبدى تلميذ المسيح وأحد الثلاثة المقربين من الرب والتلميذ
“الذى كان يسوع يحبه”.

وفيما
يلى نقدم الأدلة على أنه كان من يهود فلسطين:

 

(1) معرفته الدقيقة بالعادات اليهودية:

يقدم
القديس يوحنا معلومات دقيقة، وأن كانت بصورة عفوية، وتلقائية عن عادات وشرائع
اليهود كيهودى يعرف عادات وشعائر قومه، فيتكلم عن شريعة التطهير “وكانت ستة
أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود”(203)،
وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير”(203)،
وكان فصح اليهود قريباً، فصعد كثيرون من الكور المحيطة إلى أورشليم قبل الفصح
ليطهروا أنفسهم”(304)، ويتكلم عن نظرة لليهود
للأمم كنجسين “ولم يدخلوا هم (رؤساء اليهود) إلى دار الولاية لكى لا يتنجسوا
فيأكلوا الفصح”(205)، ويذكر عادة اليهود فى
تكفين الموتى “فأخذوا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كم لليهود عادة أن
يكفنوا”(306). ويذكر أهم أعياد اليهود
كالفصح والمظال والتجديد ويتكلم عنها بالتفصيل(307).
ويتكلم عن الحرم اليهودى من المجمع والذى يعنى القطع من جسم الأمة(308). وذكر عادة اليهود فى عدم بقاء أجسام المحكوم
عليه بالإعدام معلقة فى السبت العظيم(309).
وتحدث عن فكر اليهود من جهة المرأة وإقلالهم من شأنها “وكانوا يتعجبون أنه
(المسيح) يتكلم مع امرأة(310)“. وتكلم عن عادة
اليهود فيما يختص بتحريم أى عمل فى السبت “أنه سبت. لا يحل لك أن تحمل سريرك(311)“. كما تحدث عن فكرهم من جهة وراثة الخطية
“من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى(312)“.

ويجب
أن نضع فى اعتبارنا أنه عندما يتحدث عن اليهود بعبارات مثل “حسب عادة
اليهود”، “فصح اليهود” لا يعنى أنه يتكلم عن أناس لم يكن هو منهم
من قبل، بل على العكس، فهو يؤكد أنه منهم بقوله عنهم أنهم خاصة الله “جاء إلى
خاصته(313)” وبتأكيده أنه
التلميذ الذى كان يسوع يحبه وكل تلاميذ المسيح أصلاً من اليهود. كما أنه كان من
عادة الرسل كُتاب العهد الجديد برغم أنهم جميعاً
عدا القديس لوقا من أصل يهودى أن يتكلموا عن اليهود واليهودية كأصحاب ديانة أخرى
ودين آخر، لأنه بانضمامهم للمسيحية وتركهم لليهودية فقد انفصلوا تماماً عن اليهود
واليهودية وصاروا ينظرون إليها كديانة أخرى عن ديانتهم المسيحية، وعلى سبيل المثال
يقول القديس بولس الرسول والذى كان يهودياً متعصباً ومضطهداً للمسيحية “من
اليهود خمس مرات قبلت خمسين جلدة إلا واحدة(314)“،
“اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن. وهم غير مرضيين لله
وأضداد لجميع الناس(315)“.

 

(2) معرفته الدقيقة بالتاريخ اليهودى المعاصر:

يقدم
القديس يوحنا معلومات وفيرة عن تاريخ اليهود المعاصر للسيد المسيح كواحد من الذين
عاشوا فى تلك الفترة فيذكر المدة التى بنى فيها الهيكل الذى بناه هيرودس بقول
الآية “فى ست وأربعين سنة بنى هذا الهيكل(316)“،
ويذكر المواقف السياسية لليهود من جهة عدواتهم للساريين “لأن اليهود لا
يعاملون السامريين(317)“، وازدرائهم بيهود
الشتات “فقال اليهود فيما بينهم إلى أين هذا (المسيح) مزمع أن يذهب حتى لا
نجده نحن، ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين ويعلن اليونانيين(318)“، ويسجل تاريخ رؤساء الكهنة المعاصرين ويذكر
أن “قيافا كان رئيساً للكهنة فى تلك السنة(319)“،
وأن “حنان حما قيافا الذى كان رئيساً للكهنة فى تلك السنة(320)“.

 

(3) معرفته الدقيقة بجغرافية فلسطين:

كما
يقدم القديس يوحنا أيضا معلومات دقيقة عن جغرافية فلسطين ويبدو واضحاً من تعليقاته
معرفته الشخصية بكل ما ذكره وسجله فى الإنجيل الرابع. فيسجل الاسم العبرى لبركة
كانت بالقرب من باب الضان “وفى أورشليم عند باب الضان بركة يقال لها
بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة(321)“،
وهذه التفصيلات برهنت عليها الحفريات الحديثة التى كشفت عن بركة ذات خمسة أروقة،
بالقرب من الهيكل ولها صفات تفترض أنه للماء خواص شفاء. وتكلم عن الموضع الذى كان
فيه كرسى الولاية وذكر اسمه العبرى “جباثا”، “وجلس (بيلاطس) على
كرسى الولاية فى موضع يقال له البلاط وبالعبرانية جاثا(322)“،
وهذه المنطقة برهنت الاكتشافات الأثرية على وجودها بالقرب من برج انطونيا الذى يطل
على منطقة الهيكل.

ويفسر
معنى اسم “بركة سلوام” بقوله “الذى تفسيره مرسل(323)“، ويقول عن موضع الجمجمة ويقال له
بالعبرانية جلجثة(324)“.

ويذكر
التفاصيل الطبوغرافية(325) للمدن التى سار فيها
المسيح بدقة، فيحدد موضع “بيت عبرة فى عبر الأردن(326)“،
و”عين نون بقرب ساليم(327)“،
و”سوخار بالقرب من الضيعة التى وهبها يعقوب ليوسف ابنه(328)“،
ويذكر اسم طبرية كاسم متبادل لبحر الجليل “بحر الجليل وهو بحر طبرية(329)“، ويميز بيت عنيا القريبة “من
أورشليم نحو خمسة عشرة غلوة(330)
من بيت عبرة التى “فى عبر الأردن(331)“،
ويميز بين “قانا الجليل(332)
و”بيت صيدا الجليل(333)” وغيرهما، ووصف
الطريق من قانا إلى كفر ناحوم بالانحدار “أنحدر إلى كفر ناحوم(334)“. وتحدث عن أورشليم كخبير بمواقعها
ودروبها وعلى سبيل المثال يذكر موقع بستان جثسيمانى بقوله “عبر وادى قدرون
حيث كان بستان(335)“، وذكر موقع
“بركة سلوام” و”بركة بيت حسدا(336)
وميز بينهما، وحدد موقع باب سليمان والخزانة فى الهيكل(337)،
وحدد موقع افرايم بالقرب “من البرية(338)“.

وهذه
المعلومات الجغرافية الطبوغرافية الدقيقة التى كتبها بصورة تلقائية عفوية تبرهن
وتؤكد بل وتقطع أن الكاتب عاش فى هذه البلاد وتربى فيها وصار فى مدنها وعرف كل
مواقعها. وهذا ينطبق تماماً على القديس يوحنا الرسول ابن زبدى الصياد الجليلى،
صاحب سفينة صيد السمك والذى كان يعرفه رئيس الكهنة فى أورشليم والذى تجول مع السيد
المسيح مدة أكثر من ثلاث سنوات فى معظم مدن فلسطين وبراريها وطرقها العامة.

 

(4) أسلوب الكاتب ولغته يدلان على أصله الآرامى:

عند
قراءة الإنجيل، خاصة فى لغته اليونانية، يبدو واضحاً للدرس أن الإنجيل مكتوب بلغة
آرامية وأسلوب آرامى فى حروف وكلمات يونانية، فهو يسجل أقوال السيد المسيح وخُطبه
ويدونها بأسلوبها الآرامى وتعابيرها العبرية من “ثنائيات”
و”رباعيات” ويكرر استخدام أدوات الربط والعطف كثيراً، ويكتب كلمات
آرامية وعبرية ويفسرها أو يترجمها إلى اليونانية، وأحياناً يذكر الكلمة فى
اليونانية ويرجعها إلى أصلها العبرى؛ مثل “ربى الذى تفسيره يا معلم(339)“، “مسيا الذى تفسيره المسيح(340)“، “مسيا الذى يقال له المسيح(341)“، “أنت تدعى صفا الذى تفسيره بطرس(342)“، “بركة سلوام الذى تفسيره مرسل(343)“، “ربونى الذى تفسيره يا معلم(344)“، “توما
الذى يقال
له التوأم(245)“، “موضع
الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة(346)“.

وتكررت
فى الإنجيل كلمات بذاتها وبحروفها مرات كثيرة بما لا يتفق أبداً مع اللغة
اليونانية، فقد نقل الكاتب القديس كلمات المسيح فى الآرامية بحرفها وأسلوبها إلى
اليونانية مراعياً تسجيل ما قاله وعمله السيد المسيح كما هو بكل دقة فى نفس
صياغتها الآرامية وأسلوبها الآرامى ولكن بكلمات يونانية وحروف يونانية، فقد كرر
كلمات “عرف” 55 مرة، “آمن” 98 مرة، “أحب” 45 مرة؛
وهو يكرر ألفاظ “الحقيقة” 25 مرة، و”النور” 23 مرة،
و”الحياة” 26 مرة، و”العالم” 78 مرة، و”الظلمة” 13
مرة، و”الإسم” 25 مرة، و”الكلمة” 50 مرة، و”العمل”
27 مرة، و”الآية” 15 مرة، و”الشهادة” 47 مرة،
و”إحياء” 52 مرة، و”مجد” 42 مرة(347)“.

 

(5) استخدام الكاتب لنص العهد القديم العبرى:

وما
يدل أيضا على أن الكاتب يهودى من فلسطين هو استخدامه لنص العهد القديم العبرى
عندما يشير إلى نبوات العهد القديم عن السيد المسيح، وقد نقل ثلاث نبؤات من النص
العبرى مباشرة(348)، بل أنه فى بعض النبوات
التى ينقلها عن النص اليونانى للترجمة السبعينية يراجع النص اليونانى على النص
العبرى وينقحه(349). وهذا عكس ما فعله
الكتاب اليونانيين الذين كانوا يعتمدون على الترجمة السبعينية بالدرجة الأولى.

وهكذا
اتضح لنا بالدليل والبرهان العلمى أن كاتب الإنجيل الرابع هو القديس يوحنا، وأن ما
قاله النقاد سابقاً فقد تراجعوا عنه اليوم أمام الأدلة والبراهين الحاسمة، كما أن
ما يقوله بعضهم اليوم من أن جامع الإنجيل ومدونه هم تلاميذ القديس يوحنا، برغم أن
كثيراً من كتب الأنبياء قد جمعها تلاميذهم وأتباعهم من بعدهم ولم يقلل هذا من
قيمتها لأنهم جمعوها بكل أمانة ودقة، إلا أن الإنجيل ذاته يؤكد بصورة واضحة لا لبس
فيها أن كاتبه هو التلميذ الذى كان يسوع يحبه “هذا هو التلميذ الذى يشهد بهذا
وكتب هذا(350)“، القديس يوحنا ابن
زبدى تلميذ المسيح ورسوله. وبعد هذا القول فليستد كل فم ويصمت كل مكابر ويصغى فقط
لصوت الحق.

 

 

 

(1)
متى 9: 9

(2)
مر 14: 2؛ لو 27: 5

(3)
متى 10: 9-13

(4)
متى 3: 10؛ مر 18: 3؛ لو 15: 6؛ أع 13: 1

(5)
Smith, Dict. Of the Bib. Vol. 2p.
274

(6)
متى 35: 5

(7)
متى 23: 5

(8)
متى 16: 23

(9)
متى 28: 16

(10)
متى 15: 24

(11)
متى 17: 5

(12)
متى 24: 15، 6: 10

(13)
متى 2: 23،3

(14)
متى 7: 19-9، 23: 23

(15)
متى 16: 6-18؛ 20: 24؛ 23: 5،24

(16)
متى 1: 1

(17)
متى 17: 1

(18)
متى 23: 1، أش 14: 7

(19)
متى 7: 2؛ ميخا 2: 5

(20)
متى 54: 21

(21)
متى 22: 1؛ 15: 2،17،23؛ 14: 4؛ 17: 8؛ 17: 12؛ 25: 13؛ 4: 21؛ 56: 26؛ 9: 27،35.

(23)
متى 2: 2

(24)
متى 54: 21

(25)
زك 9: 9

(26)
هو 1: 11، متى 15: 2

(27)
متى 16: 16

(28)
متى 23: 10

(29)
متى 33: 9

(30)
متى 6: 10؛ 24: 15

(31)
متى 31: 15

(32)
متى 5: 4

(33)
متى 12: 8

(34)
متى 22: 5

(35)
متى 73: 26

(36)
مر 7: 14

(37)
متى 17: 26

(38)
مر 12: 14

(39)
متى 2: 15،3

(40)
مر 2: 7،3

(41)
خمتى 10: 8،11

(42)
متى 43: 21.

(43)
متى 41: 12،42.

(44)
متى 13: 23_36.

(45)
37: 23،38.

(46)
متى لا21: 11_23.

(48)
46: 27.

(49)
متى 15: 27.

(50)
متى 15: 28.

(51)
N.T.Apoc. Vol. 1 P 158.

(52)
يوسابيوس ك3 ف39.

(53)
أع 12: 12

 

(54)
أع 5: 12.

(55)
أع 12: 12.

(56)
أع 1،2.

(57)
كتاب “مرقس الرسول” لقداسة البابا شنودة الثالث ص14.

(58)
مر 51: 14: .

(59)
لو 1: 10.

(60)
لو 2: 8، أع 14: 1.

(61)
أع 25: 12.

(63)
أ‘ 37: 15_39.

(64)
أع 13: 13.

(65)
أع 37: 15_39.

(66)
كو 10: 4.

(67)
2تى 11: 4.

(68)
فل24.

(69)
1بط 1: 1.

(70)
1بط 13: 5.

(71)
مر 37: 5

(72)
مر 1: 9

(74)
غل 9: 2

(75)
27: 11

(76)
2: 6

(77)
24: 10

(78)
26: 10

(79)
32: 10

(80)
12: 2

(81)
41: 4

(82)
51: 6

(83)
10: 3

(84)
31: 5

(85)
20: 3

(86)
32: 10

(87)
1: 4

(88)
21: 5

(89)
34: 6

(90)
34: 6

(91)
6: 6

(93)

(94)
14: 10

(95)
31: 1

(96)
5: 3

(97)
34: 3

(98)
32: 5

(99)
33: 7،34

(100)
12: 8

(101)
33: 8

(102)
35: 9

(103)
11: 11

(104)
38: 4

(105)
12: 11

(106)
36: 9

(107)
16: 10

(108)
29: 1

(109)
6: 13

(110)
3: 9

(111)
46: 10-50

(112)
39: 6،40

(113)
21: 15

(114)
رو 13: 16

(115)
38: 4

(116)
14: 8

(117)
4: 11

(118)
8: 3

(119)
31: 7

(120)
13: 2

(121)
13: 2

(122)
3: 13

(123)
68: 14

(124)
39: 15

(125)
13: 1

(126)
4: 2

(127)
4: 5،5

(128)
DIA. 106: 2-3.

(129)
35: 4_41.

(130)
39: 4_41.

(131)
6: 5_13.

(132)
35: 6_44.

(133)
1: 8_10.

(134)
22: 1.

(135)
2: 6.

(136)
2: 7_4.

(137)
12: 14.

(138)
6: 15.

(139)
41: 15.

(140)
34: 15.

(141)
34: 15.

(142)
17: 3.

(142)
17: 3.

(144)
18: 12.

(146)
39: 15.

(147)
24: 12.

(148)
9: 5.

(149)
42: 12.

(150)
16: 15.

(151)
42: 12.

(152)
Refut. Her. 7: 2,25,26.

(153)
Strom. 4: 9,73.

(154)
Anci. Chr. Gos. P.335.

(155)
Ag. Haer. B.3 Ch. 1: 1 and 3 Ch
14: 1
.

(156)
Ag. Mar. 4,5.

 

(158)
يوسايبوس ك6 ف6: 25,.

(159)
رو 16: 2،25: 16،2تى 8: 2.

(160)
يوسايبوس ك3 ف6: 4.

(161)
كو 14: 4.

(162)
فل 24.

(163)
2تى 11: 4.

(164)
لو 3: 1.

(165)
أع 1: 1.

(166)
أع 9: 16_17.

(167)
أع 1: 17.

(168)
أع 5: 20،6.

(169)
أع 5: 20_7.

(170)
أع 1: 121_18.

(171)
16: 26

(172)
2تى 11: 4

(173)
أع 26: 11

(174)
أع 5: 6

(175)
أع 19: 11-30؛ 1: 13-3؛ 1: 15-3، 22-35

(176)
أنظر لو 18: 5، 24؛ 30: 10-35؛ 2: 16-25؛ 13: 14؛ 26: 21

(177)
لو 38: 4

(178)
لو 39: 9

(179)
لو 11: 13

(180)
لو 23: 4

(181)
لو 43: 8

(182)
مر 25: 5،26

(183)
لو 26: 1

(184)
لو 31: 4

(185)
لو 13: 24

(186)
لو 1: 22

(187)
لو 5: 7

(188)
لو 33: 10

(189)
لو 15: 17

(190)
لو 38: 3

(191)
لو 11: 2،13

(192)
لو 29: 2-32

(193)
لو 6: 3

(194)
لو 26: 4

(195)
لو 27: 4

(196)
لو 1: 10

(197)
لو 2: 7-10

(198)
لو 29: 13

(199)
لو 47: 24

(200)
أع 8: 1

(201)
لو 7: 15

(202)
لو 24: 15

(203)
لو 10: 15

(204)
لو 10: 18

(205)
لو 48: 7

(206)
لو 34: 23

(207)
لو 43: 23

(208)
لو 55: 9،56

(209)
لو 23: 11

(210)
لو 35: 1

(211)
لو 6: 2

(212)
لو 6: 2.

(213)
لو 52: 2.

(214)
لو 49: 2

(215)
لو 44: 22

(216)
لو 43: 22

(217)
لو 43: 1

(218)
لو 42: 1

(219)
لو 37: 2

(220)
لو 42: 10

(221)
لو 2: 8،43

(222)
لو 11: 7

(223)
لو 37: 7

(224)

(225)
لو 11: 13

(226)
لو 1: 21-4

(227)
لو 27: 23-29

(228)
لو 20: 2

(229)
لو 25: 5

(230)
لو 26: 5

(231)
لو 16: 7

(232)
لو 13: 13

(233)
لو 15: 17

(234)
لو 43: 18

(235)
لو 1: 1-4

(236)
1كو 6: 15

(237)
أع 24-26

(238)
لو 19: 2

(239)
لو 51: 2

(240)
يو 22: 21،23

(241)
يو 31: 20

(242)
يو 4: 1

(243)
يو 19: 5

(244)
يو 26: 14؛ 26: 15؛ 13: 16،14

(245)
ك3 ف 2: 23

(246)
To Auto Lycus 2, 22.

(247)
Decame Christic 100: 3.

(248)
Adv. Marc. 4: 3.

(249)
Ag. Haer. 3: 2,1.

(250)
يو 9: 1.

(251)
Ag. Haer. 1 eh. 29, 1 and 31,3.

(252)
Ref. Haer. B. 5.

(253)
يو 14: 1.

(254)
1يو 1: 1.

(255)
يو 34: 19،35.

(256)
يو 24: 21.

(257)
29: 1،35،16،22.

(258)
2: 3.

(259)
43: 4.

(260)
52: 4.

(261)
16: 6.

(262)
1: 2

(263)
20: 8

(264)
13: 10

(265)
30: 11

(266)
6: 2

(267)
19: 6

(268)
8: 21

(269)
11: 21

(270)
9: 6

(271)
3: 12

(272)
24: 13

(273)
6: 18

(274)
39: 19

(275)
11: 2

(276)
27: 4

(278)
16: 12

(279)
11: 2،24؛ 15: 6،61؛ 1: 13

(280)
7: 6،8

(282)
10: 18

(283)
23: 13-25

(284)
26: 19،27

(285)
2: 20-8

(286)
ص21

(287)
20: 21-25

(288)
16: 18.

(289)
لو 10: 5.

(290)
مر 37: 5.

(291)
مر 2: 9.

(292)
مر 33: 14.

(293)
لو 8: 22.

(294)
أع ص3.

(295)
أع 14: 8.

(296)
غل 9: 2.

(297)
يرجع سبب بطرس بالدرجة الأولى لسنة.

(298)
أع 1: 3.

(299)
أع 14: 8.

(300)
يو 8: 20.

(301)
يو 16: 16.

(203)
25: 3.

(304)
55: 11.

(205)
28: 18.

(306)
40: 19.

(307)
ص7،10،13

(308)
22: 9

(309)
31: 19

(310)
27: 4

(311)
10: 5

(312)
2: 9

(313)
يو 11: 1

(314)
2كو 24: 11

(315)
1تس 15: 2

(316)
يو 20: 2

(317)
9: 4

(318)
35: 7

(319)
49: 11

(320)
15: 18

(321)
2: 5

(322)
13: 19

(323)
7: 9

(324)
17: 19

(325)
الطبوغرافية هى الوصف أو الرسم الدقيق للأماكن ويشمل الوديان والجبال والسهول
والأنهار والطرق والجسور … إلخ. (قاموس المورد).

(326)
28: 1

(327)
1: 12

(328)
5: 4

(329)
1: 6؛ 1: 21

(330)
18: 11

(331)
28: 1

(332)
1: 2

(333)
21: 12

(334)
12: 2

(335)
1: 18

(336)
2: 5

(337)
2: 8؛ 27: 10

(338)
45: 11

(339)
38: 1

(340)
41: 1

(341)
25: 4

(342)
42: 1

(343)
7: 9

(344)
16: 20

(245)
24: 20

(346)
17: 19

(347)
“صوفية المسيحية، الإنجيل بحسب يوحنا” أ. يوسف درة الحداد ص 61.

(348)
يو 14: 12-25؛ 38: 13؛ 37: 9

(349)
يو 23: 1؛ 3: 3؛ 40: 12

(350)
يو 24: 21

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى