علم الكتاب المقدس

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

الإنجيل
المكتوب

 

1- من التسليم الرسولى الشفوى إلى الإنجيل:

سلم
الرسل الأخبار السارة، الإنجيل، شفاهة عندما كانوا كل يوم بصفة عامة وكل سبت فى
مجامع اليهود وكل أحد فى اجتماعات العبادة المسيحية بصفة خاصة يكرزون بالإنجيل
ويعلمون الذين انضموا إلى المسيحية ويحفظونهم كل ما أوصى به الرب القائم من
الأموات. واستمرت الكرازة الشفوية أكثر من عشرين سنة قبل أن يدون الإنجيل المكتوب
معتمدة على شهادة الرسل شهود العيان وعمل الروح القدس فيهم وبهم ومعهم. وكان عدد
شهود العيان، المكون من الرسل الأثنى عشر وعلى رأسهم الأعمدة الثلاثة بطرس ويعقوب
ويوحنا(1)“، ثم الرسل السبعين
الذين عينهم الرب وأرسلهم أمام وجهه أثنين أثنين(2)“،
ثم جمهور التلاميذ الذين كانوا قد أتبعوه قبل الصلب والقيامة وعلى رأس هؤلاء
مجموعة الأكثر من خمسمائة أخ الذين ظهر لهم الرب دفعة واحدة بعد القيامة، يعتبر
كبير جداً وشاهد حى أمين ولا حد لقيمته فى الشهادة لكل ما عمله الرب وعلم به. وإلى
جانب هؤلاء كان هناك عدد كبير يعد بالآلاف من الشعب ورؤساء الكهنة والكهنة والكتبة
والفريسيين واللاويين وغيرهم من الذين استمعوا للرب وشاهدوا أعماله أثناء كرازته
فى الجليل واليهودية وأورشليم وبقية مدن فلسطين، حيث تكلم الرب معهم وعمل أعماله
لهم وأمام عيونهم، كما قال لهم القديس بطرس فى أول خطاباته وكرازته لهم بعد حلول
الروح القدس؛ أن المسيح “تبرهن لكم وصنع معجزات “فى وسطكم وأنتم تعلمون(3)“، “الذى أسلمتموه أنتم(4)“، “الذى صلبتموه أنتم(5)“، “أنتم تعلمون الأمر الذى صار فى كل
اليهودية مبتدئاً من الجليل(6)“.
هؤلاء آمن منهم بالمسيحية آلاف عديدة وصاروا شهوداً لما عمله وعلمه ربها. وكان
الروح القدس يعمل فيهم ويحفظهم كلمة الله.

هؤلاء
المسيحيون الأولون حفظوا ما سمعوه بآذانهم وما شاهدوا بأعينهم وما سلمه لهم الرسل،
فقد صاروا لهم تلاميذاً، وحافظوا عليه حتى الموت وكان الروح القدس يعمل فيهم وأيضا
بهم. وكانوا كيهود سابقين مدربين على حفظ كلمة الله وحفظ تقليد آبائهم ومتعودين
على ذلك جيداً.

وقد
برهنت الدراسات التى قام بها أحد العلماء ويدعى جيرهارديسون 
B. Gerhardsson (1961م) على
أن معلمى اليهودية، الربيين” كانوا يعلمون تلاميذهم ويحفظونهم تقاليد
اليهودية فى قوالب وأشكال معينة ومفردات تحفظ عن ظهر قلب، وأنه كانت لديهم وسائل
وطرق متعددة للمساعدة على الحفظ وتقوية الذاكرة. هذه الوسائل التعليمية التى
اتبعوها جعلتهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفوياً قبل أن يوضع فى شكل مكتوب.
ولأن تلاميذ المسيح ورسله كانوا من اليهود وكان معظم معلمى المسيحية الأولين من
اليهود وكان بعضهم تلاميذاً ليوحنا المعمدان وكان بعضهم من الربيين أيضا، ولذا فمن
الطبيعى أن يستخدموا نفس الوسائل السائدة بينهم فى التعليم المسيحى ونقل التسليم
الرسولى، الإنجيل، شفاهة.

وكان
التقليد أو التسليم الرسولى المسيحى، الإنجيل، أسهل بكثير فى حفظه شفوياً من
التقليد اليهودى، فقد كان شخص المسيح الحى الصاعد إلى السماء، أعماله وأقواله
وحياته أثناء التجسد، هو هدف ومحور وجوهر وغاية الإنجيل، وكان الروح القدس يعمل فى
الرسل شهود العيان الأحياء، فكان التعليم المسيحى تعليماً حياً يقوم على شخص حى
ورسل أحياء ومؤمنين شهود عيان للرب الحى والإنجيل الحى، وذلك بعكس التعليم اليهودى
الذى اعتمد على تحفيظ آيات التوراة وتقليد الآباء.

ولأن
السيد المسيح كان يعلم الجموع بسلطان وليس كالكتبة والفريسيين ولأنه كلمة الله
النازل من السماء وكلامه هو كلام الله وأعماله هى أعمال الله، وقد آمن المسيحيون
بذلك منذ البدء، فقد كان كلامه، هو كلام الله المقدس وقيمته لا حد لها وكان
المؤمنون يقبلون كل كلمة بلهفة تفوق الوصف ويحفظونها عن ظهر قلب ويحافظون عليها
حتى الموت، وكان الروح القدس يعمل داخلهم ويحفظ كلمة الله فى قلوبهم.

وقد
برهنت الدراسات أيضاً على أنه كان هناك بعض2 المذكرات الصغيرة والملحوظات المكتوبة
التى استخدمت فى حفظ أقوال الرب وأعماله كالموعظة على الجبل والنبؤات التى تنبأ
بها لوقا الرب أنبياء العهد القديم وفسرها هو بنفسه لتلاميذه، وبعض أعماله
ومعجزاته، ويشير القديس لوقا لمثل هذه الوثائق بقوله: “لأن كثيراً من الناس
أخذوا يدونون رواية الأحداث التى جرت بيننا كما سلمها الذين كانوا من البدء شهود
عيان للكلمة”(7). هذه الملحوظات المكتوبة
قد يرجع بعضها إلى ما قبل الصلب والقيامة.

وقد
ساعدت أساليب الحفظ والوثائق (الملحوظات والمذكرات) المكتوبة على حظ الإنجيل
الشفوى ووصوله إلى درجة كبيرة من الثبات قبل تدوين الإنجيل المكتوب بفترة طويلة.
فقد كان التسليم الشفوى المحفوظ بعمل الروح القدس دقيق جداً والاعتناء بحفظه يفوق
الوصف وكان للمذكرات المكتوبة قيمة عظمى سواء قبل تدوين الإنجيل أو عند التدوين.

 

2- الحاجة إلى الإنجيل المكتوب:

كان
المؤمنون الأولون فى أورشليم يحفظون التسليم الرسولى بدقة شديدة، وكان الكثير منهم
شهود عيان لما عمله وعمله الرب يسوع المسيح، وكان الرسل شهود العيان الموحى إليهم
موجودين فى وسطهم يرجعون إليهم وقت الحاجة باعتبارهم المرجع الأول ووسطاء الروح
القدس الذى كان يعمل فيهم وبهم ومن خلالهم. وعندما خرجت الكنيسة من فلسطين إلى
عواصم الدول الكبرى مثل إنطاكية والإسكندرية وأثينا ومدن اليونان ومدن آسيا الصغرى
الرئيسية وروما وقبرص، كان الرسل أنفسهم على رأي هذه الكنائس وقد عينوا لهم
مساعدين من تلاميذهم وخلفائهم والذين دعوا بعد ذلك بالآباء الرسوليين، على رأس هذه
الكنائس فى حالة انتقالهم إلى أماكن أخرى، ومن هؤلاء المساعدين الذين ذكروا فى سفر
الأعمال ورسائل القديس بولس والقديس بطرس، لوقا الطبيب وتيمؤثاوس وتيطس وأكليمندس
وفليمون وأنسيموس وسلوانس ونمفاس وتخيكس وأرسترخس
الخ(8). هؤلاء استلموا الإنجيل من الرسل شفاهة وحفظوه
بكل دقة وقداسة وسلموه لآخرين مشهود لهم بالكفاءة والإيمان وهؤلاء سلموه لغيرهم
وهكذا.

ولكن
مع امتداد ملكوت الله وانتشار المسيحية فى دول عديدة ومدن كثيرة وقرى لا حصر لها
سواء بواسطة الرسل أو بواسطة تلاميذهم صار من المستحيل على الرسل أن يكونوا
متواجدين فى كل هذه الأماكن فى وقت واحد، حتى جاء الوقت الذى آمن فيه الآلف
بالمسيحية ولم يروا الرسل فى عصر الرسل، بل وأصبح من دواعي سرور البعض وفخرهم أنهم
شاهدوا الرسل واستمعوا إليهم وصار من دواعى فخر البعض الآخر أنهم تعلموا بواسطة
تلاميذ الرسل بل ومن تلاميذ خلفاء الرسل، كما يفتخر ايريناؤس أسقف ليون بأنه رأى
وسمع بوليكاريوس تلميذ الرسل، ويفتخر أكليمندس الأسكندرى بأنه حفظ التقاليد التى
تسلمها من الذين تعلموا على أيدى الآباء الرسوليين، تلاميذ الرسل وخلفائهم. ولذا
فقد صارت الحاجة إلى جمع الإنجيل وتدوينه ونشره فى جميع الكنائس تزداد كل يوم
بالتدريج حتى صارت ملحة جداً.

وكانت
حاجة المؤمنين لمعرفة أكثر عن المسيح وتعليمه تزداد كل يوم وفى كل مكان، وكان
الرسل يرسلون مساعديهم حاملين الرسائل للإجابة عن هذه الاستفسارات، بل وكان
الكارزون بالإنجيل فى كل مكان، خاصة من الجيل الذى قاد الكنيسة وقام بعمل الكرازة
من تلاميذ الرسل، فى حاجة إلى الإنجيل المكتوب ليؤازر كرازاتهم الشفوية وليتركوه
للمؤمنين بعد رحيلهم سواء إلى أماكن أخرى أو إلى العالم الآخر وليكون المرجع
الباقى والدائم والثابت لهم إلى المجىء الثانى.

كما
كانت اجتماعات العبادة الأسبوعية والليتورجية والتى وجدت حيثما وجد المسيحيين فى
حاجة للإنجيل المكتوب للأستخدام الليتورجية والقراءة والتعليم والشرح والتفسير.

وكان
هناك العامل الأهم والذى كان من أهم الدوافع لتدوين الإنجيل وهو رحيل الرسل شهود
العيان من هذا العالم إلى العالم الآخر فقد استشهدت الغالبية العظمى منهم فى أوقات
مبكرة فقطع هيرودس أغريباس رأس القديس يعقوب بن زبدى بالسيف(9)
فى السنوات الأولى للكرازة وأستشهد القديسين بطرس وبولس فى روما بعد الصعود بحوالى
عشرين سنة (سنة 67م). على أية حال فقد كان من الطبيعى أن لا يبقى الرسل أحياء فى
هذا العالم إلى الأبد. ومن ثم فقد كانت عملية تدوين الإنجيل حتمية.

 

3- رسائل العهد الجديد:

كانت
رسائل العهد الجديد، عدا رسائل القديس يوحنا، هى أول ما كتب فى العهد الجديد،
الإنجيل، فقد كُتبت بوحى الروح القدس وأرسلت إلى كنائس مختلفة لتقرأها جميع
الكنائس بالتبادل، وذلك للإجابة على استفسارات الكنائس الناشئة ولشرح أمور طرأت
نتيجة لنضج الكنائس نفسها واحتياجها إلى المزيد من المعرفة والمعلومات. وهذه
الرسائل لم تكن مجرد رسائل شخصية عادية بل كانت موحى بها ورسالة المسيح نفسه لأنها
تضم تعليمه قبل الصلب وحتى الصعود، كما كانت تضم تعليمه الذى أعطاه لرسله بعد
صعوده إلى السماء سواء مباشرة كالرب الجالس عن يمين العظمة فى السموات أو بروحه
القدوس.

 

1- رسائل القديس بولس الرسول:

كتب
القديس بولس الرسول رسائله بالروح القدس ودون فيها تعليم الرب قبل الصعود وبعده
وكان محتواها وجوهرها كما بيننا فى الفصل السابق وكما سنبين الآن هو نفس محتوى
وجوهر الإنجيل الشفوى والإنجيل المكتوب بعد ذلك. ويؤكد الرسول فى كل كلمة وكل حرف
أنه لا يقول ولا يُعلم ولا يكتب إلا وصايا وتعليم الرب ووحى الروح القدس. وبالرغم
من أنه لم ينقل وصايا الرب بصورة حرفية إلا أنه نقل مضمونها وجوهرها بكل دقة وبحسب
ما علمه وأوحى له الروح القدس. وهذه أهم أقوال الرب قبل الصلب والقيامة والصعود
مقارنة بما قاله الرب ودون فى الإنجيل المكتوب حرفياً.

رسائل القديس بولس

“وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق
المرأة رجلها. وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها. ولا يترك الرجل
امرأته” (1كو 10: 7_11).

فإن المرأة التى تحت رجل هى مرتبطة بالناموس بالرجل الحى.
ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذاً ما دام الرجل حياً تدعى
زانية إن صارت لرجل آخر” (رو 2: 7،3).

“هكذا أيضاً أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من
الإنجيل يعيشون” (1كو 14: 9).

“باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا
تلعنوا” (رو 14: 12).

“لا تجازوا أحداً عن شرٍ بشرٍ. معتنين بأمور حسنة
قدام جميع الناس” (رو 17: 12).

“لا يجازى أحداً أحداً عن شر بشر بل كل حين اتبعوا
الخير مع بعضكم لبعض وللجميع” (1تس 15: 5).

“أعطوا الجميع حقوقهم. الجزية لمن لهُ الجزية،
الجباية لمن لهُ الجباية، والخوف لمن له الخوف. والإكرام لمن له الإكرام”
(رو17: 3)

“لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة” (رو 13: 14).

“ليس شيئاً نجساً بذاته إلا من يحسب شيئاً نجساً فله
هو نجس” (رو 14: 14).

“لأنكم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص فى الليل
هكذا يجىء” (1تس 2: 5).

“سالموا بعضكم بعضاً” (1تس 13: 5).

“وأما أنت فلماذا تدين أخاك” (رو 10: 14).

الإنجيل المكتوب

“من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزنى عليها. وأن طلقت
أمرأة زوجها وتزوجت بآخر تزنى”. (مر 11: 10،12).

وأقيموا فى ذلك البيت (الذى تكرزون لأهله) آكلين وشاربين
مما عندهم لأن الفاعل مستحق آجرته” (لو 7: 10).

“باركوا لاعنيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون
إليكم” (لو 28: 6).

“لا تقاوموا الشر بالشر” (متى 39: 5).

“من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقرض منك فلا ترده”
(متى 42: 5).

“أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (مر 17:
12).

“من أعثر أحد الصغار المؤمنين لى فخير له لو طوق عنقه
بحجر رحى وطرح فى البحر”

“ليس شىء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه
لكن الأشياء التى تخرج منه هى التى تنجس الإنسان” (مر 15: 7).

“اسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون فى أية ساعة يأتى ربكم.
وأعملوا هذا أنه لو عرف رب البيت فى هزيع يأتى السارق لسهر ولم يدع بيته
ينقب” (متى 42: 24،43).

“سالموا بعضكم بعضاً” (مر 50: 9).

“لا تدينوا لكى لا تدانو ولماذا
تنظر القذى الذى فى عين أخيك” (متى 1: 27،3).

 

2- رسالة القديس بطرس الرسول الأولى:

وهذه
الرسالة كتبت بالروح القدس ودون فيها القديس بطرس ست فقرات من أقوال السيد المسيح
معظمها من الموعظة على الجبل:

“إن عيرتم بأسم المسيح فطوبى لكم”

(1بط 14: 4).

“طوباكم إذا
أبغضكم الناس وعيروكم”

(لو 22: 6).

“طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة
شريرة من أجلى كاذبين” (متى 11: 5).

 

“غير مجازين
عن شرٍ بشرٍ وعن شتيمةٍ بشتيمة بل بالعكس مباركين” (1بط 9: 3).

“ولكم ضمير صالح لكى يكون الذين يشتمون سيرتكم
الصالحة فى المسيح يخزون فيما يفترون عليكم كفاعلى شر” (1بط 16: 3).

“لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانا
متألماً بالظلم. لأنه أى مجد هو إن كنتم تُلطمون مخطئين فتصيرون. بل إن كنتم
تتألمون عاملين بالخير فتصبرون فهذا فضل عند الله” (1بط 19: 2-20).

“إن تألمتم من أجل البر فطوباكم” (1بط 14: 3)

“وإن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة يمجدون
الله فى يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التى يلاحظوها” (1بط 12: 2)

“باركوا
لاعنيكم” (لو 8: 6).

“لا تقاوموا الشر بالشر” (متى 39: 5)

“صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم” (لو 28: 6).

 

 

“وإن أحببتم الذين يحبونكم فأى فضل لكم. فإن الخطاة
أيضا يحبون الذين يحبونهم. وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم فأى فضل لكم. فإن
الخطاة أيضا يفعلون هكذا” (لو 32: 6-33).

“طوبى للمطرودين من أجل البر” (متى 10: 5)

“ليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة
ويمجدوا أباكم الذى فى السموات” (متى 16: 5).

 

3- رسالة القديس يعقوب الرسول:

هذه
الرسالة كتبها القديس يعقوب الرسول بوحى الروح القدس ودون فيها خمس فقرات كانت
تفسيراً وصدى لأقوال الرب، يقول فى الأولى: “إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب
من الله الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له” (1: 5) وهذا تفسير لقول
الرب عن الصلاة بإيمان: “اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم”
(لو 9: 11).

ويقول
فى الثانية “أما أختار الله فقراء (هذا) العالم أغنياء فى الإيمان وورثة
الملكوت الذى وعد به الذين يحبونه” (5: 2)، وهذا صدى لقول الرب “طوباكم
أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله” (لو 20: 6).

ويقول
فى الثالثة “اتضعوا قدام الرب فيرفعكم” (10: 4)، وهذا جوهر ومضمون قول
الرب “كل من يرفع نفسه يتضع من يضع نفسه يرتفع” (لو 11: 14).

ويقول
فى الرابعة “هلم الآن أيها الأغنياء أبكوا مولولين على شقاوتكم القادمة”
(1: 5)، وهذا من تعليم الرب القائل “ويل لكم أيها الأغنياء. لأنكم قد نلتم عزاءكم”
(لو 24: 6).

ويقول
فى الخامسة “غناكم قد تهرأ وثيابكم قد أكلها العُث. ذهبكم وفضتكم قد
صدئا” (2: 5،3)، وهذا صدى لقول الرب “اكنزوا لكم كنوزاً فى السماء حيث
لا يفسد سوس ولا صدأ” (متى 20: 6).

ويقول
فى السادسة “لا تحلفوا بالسماء ولا بالأرض ولا بقسم آخر. بل لتكن نعمكم نعم
ولاكم لا لئلا تقعوا فى دينونة” (12: 5)، وهذا جوهر ومضمون قول الرب “لا
تحلفوا البتة. لا بالسماء
ولا بالأرض ولا
بأورشليم
ولا تحلف
برأسك
بل ليكن
كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير” (متى 34: 5-37).

 

4- تدوين الإنجيل:

كانت
الفترة التى كرز فيها السيد المسيح والتى تبدأ من معموديته من يوحنا المعمدان إلى
صعوده إلى السماء والتى تزيد عن ثلاث سنوات فترة غنية جداً وثرية بالتعاليم
والوصايا والأعمال التى عملها والأحداث التى حدثت فيها. وكانت هذه التعاليم
والأعمال والأحداث أكبر وأعظم من أن يكرز بكل ما قيل وحدث فيها جميع الرسل أو أن
يضمها كتاب مهما كان حجمه؛ يقول الإنجيل للقديس يوحنا “وأشياء آخر كثيرة
صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة(10)“. وكان على الرسل أن يختاروا من هذا الكم
الهائل من التعاليم والأحداث ما يرشدهم إليه الروح القدس وما يقودهم للكرازة به،
وذلك بحسب ما يتلاءم مع احتياج البشرية للخروج من ظلمة هذا العالم والدخول إلى
ملكوت الله وبحسب غاية وهدف الإنجيل ذاته الذى هو الإيمان بالرب يسوع المسيح
كالفادى والطريق الوحيد إلى الحياة الأبدية. وهذا ما حدث تماماً عند تدوين الإنجيل
المكتوب؛ “وآيات أخرى كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب فى هذا الكتاب
(الإنجيل للقديس يوحنا). وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله
ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة بأسمه(11)“.

وقد
وجه الروح القدس الرسل للتركيز فى كرازتهم بالأخبار السارة إلى اتجاهين؛ الاتجاه
الأول هو التركيز على قصة وأحداث وروايات الآلام والصلب والقيامة والصعود وشفاعة
الرب الحى الدائمة فى المؤمنين ومجيئه الثانى فى مجد ليدين الأحياء والأموات،
وكانت هذه الأمور هى محور وجوهر وبؤرة الكرازة والإيمان، كما بينا فى الفصل
السابق؛ والاتجاه الثانى هو تسليم أقوال الرب وتعليمه ووصاياه فى ترتيب دقيق
ومحكم، وذلك بحسب إرشاد الروح القدس وتوجيهه وعنايته.

ونتيجة
لتكرار نفس المواضيع سواء عند الكرازة لليهود فى مجامعهم أيام السبت أو الكرازة
للأمم فى كل مكان، وتكرارها أيضا فى التعليم للمنضمين إلى المسيحية سواء فى فلسطين
أو فى كل البلاد التى كرز فيها الرسل بالأخبار السارة، الإنجيل، فقد اتخذ التسليم
الرسولى أشكالاً محددة وأنماط وقوالب ثابتة وصارت الخطوط العريضة لأقوال وأعمال
وحياة السيد المسيح والتى كانت تكرر سواء فى الكرازة أو التعليم كل يوم محفوظة
ومحافظ عليها بدقة وقداسة تفوق الوصف.

وعند
جمع الإنجيل وتدوينه أرشد الروح القدس الإنجيليين الأربعة وقادهم كما سبق أن وعد
السيد “فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم(12)“،
وساقهم وحملهم لجمع وتسجيل وتدوين ما سبق أن وجههم إليه عند الكرازة الشفوية. فقد
كان الرسل والإنجيليون سواء فى حملهم للأخبار السارة والكرازة بها شفوياً أو عند
كتابة الإنجيل هم رجال الروح القدس الذى عمل فيهم وبهم وقادهم وأرشدهم وعلمهم
وذكرهم. وكما حافظ الروح القدس على كلمة الله، التسليم الرسولى، أثناء الكرازة
وسيطر على عملية التسليم والاستلام والحفظ ولم يترك شئ للصدفة، حمل أيضا
الإنجيليين وقادهم وساقهم وعلمهم وذكرهم بكل شئ قاله وعمله السيد المسيح. وكان على
الرسل الإنجيليين عند كتابة الإنجيل وتدوينه أن يسجلوا ما سبق أن كرزوا به بنفس
الخطوط والترتيب والتركيز على نفس التعاليم والمواضيع التى سبق أنت ركزوا عليها فى
الكرازة وحفظها المؤمنون عن ظهر قلب، أن يضعوا فى اعتبارهم التسليم الشفوى
والاستعانة بالمذكرات والملحوظات المكتوبة لكى يختاروا منها بحسب توجيه الروح القدس
وإرشاده مع الوضع فى الاعتبار أن ثلاثة منهم كانوا من شهود العيان بدرجات متنوعة
فى صلتهم بالسيد المسيح؛ فقد كان القديس يوحنا أحد الثلاثة الذين كانوا قريبين من
السيد والذين شاهدوا أخص أعماله التى لم يشاهدها غيرهم من بقية التلاميذ الاثنى
عشر مثل التجلى والقرب منه فى البستان ليلة القبض عليه(13)،
كما كان القديس يوحنا أيضا هو “التلميذ الذى كان يسوع يحبه
وهو أيضا
الذى اتكأ على صدره وقت العشاء
(14)“،
وكان القديس متى الذى هو أيضا “لاوى” أحد التلاميذ الإثنا عشر وحافظ
شرائع العهد القديم، وكان القديس مرقس أحد الذين أتبعوا الرب وكان هناك ليلة القبض
على السيد، فهو الشاب الذى أمسكه الشبان وقتها وهرب منهم(15)
بإجماع الدارسين، وكانت أمه مريم إحدى تلميذات الرب وكان بيتها هو البيت الذى صنع
فيه السيد العشاء الربانى لتلاميذه وكان مقر اجتماع الرسل فى أورشليم(16) وأول كنيسة مسيحية فى العالم كله وكان مساعداً
للرسل فى كرازتهم، خاصة برنابا وبولس وبطرس(17)،
قبل أن ينطلق للكرازة فى مصر وغيرها وكانت لديه الإمكانيات لكتابة وتدوين ما شاهده
وسمعه بنفسه، كشاهد عيان، وأيضا ما سمعه من الشهود العيان الآخرين الذين استمع
منهم جميعاً عندما كانوا يجتمعون فى منزل والدته وأيضا عندما كرز مع القديس بطرس
فى روما والذى وصفه بابنه “مرقس أبنى(17)“.

أما
القديس لوقا والذى كان رفيق القديس بولس ومساعده والعامل معه(17)
فقد كان لديه فرصة للاستماع إلى جميع الرسل سواء فى أورشليم أو قيصرية أو روما
وكان زميلاً للقديس مرقس فى الكرازة مع القديس بولس، وكان لديه فرصة للاستماع
لمريم العذراء، وقد تسلم الأخبار السارة، التسليم الرسولى من الرسل وعرف ما سبق أن
دون من مذكرات وملحوظات، ومن ثم فعندما دون وكتب الإنجيل الثالث استعان بما تسلمه
شفاهة من الرسل وما سبق أن دون، خاصة ما دونه الرسل أو مساعدوهم الآخرون، وراجع كل
شئ وتتبع كل شئ من الأول بتدقيق وحرص، وفى كل الأحوال كان مسوقاً ومحمولاً بالروح
القدس الذى قاده ووجهه وأرشده وحفظه وعصمه من الخطأ والزلل، ويبدأ تدوين الإنجيل
الثالث بقوله “لأن كثيراً من الناس أخذوا يدونون رواية الأحداث التى جرت
بينا، كما نقلها (سلمها) إلينا الذين كانوا من البدء شهود عيان للكلمة وصاروا
خداماً لها، رأيت أنا أيضا، بعدما تتبعت كل شئ من أصوله بتدقيق، أن أكتبها..(18)“.

كتب
الإنجيليون الأربعة الإنجيل بأوجهه الأربعة محمولين ومسوقين من الروح القدس(19) الذى أخضعوا أنفسهم تماماً لقيادته وإرشاده.

وكان
هناك الإسهام الشخصى لكل إنجيلى وميله وحبه لجانب معين من جوانب حياة الرب وتعليمه
مع الوضع فى الاعتبار الناس الذين كتب لهم الإنجيل أولاً؛ فقد كتب القديس متى
الإنجيل الأول للمسيحيين من أصل يهودى ولليهود عامة، وقد كان هو نفسه بحسب لقبه
“لاوى”(20) من سبط لاوى الذى يحفظ
ناموس موسى، ومن ثم فقد ركز على الجانب المسيانى فى شخص السيد المسيح باعتباره
المسيح الآتى والملك الذى من نسل داود الذى يجلس على كرسيه ويقيم ملكوت السموات
والذى تم فيه جميع ما تنبأ بع عنه أنبياء العهد القديم. وكتب القديس مرقس الإنجيل
الثانى للمسيحيين من أصل رومانى وللرومان عامة، فركز على جانب القوة فى شخص المسيح
“ابن الله” وبدأ بالقول “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله(21)” وابرز معجزاته أكثر من أقواله ودون
الأحداث بصورة موجزة وسريعة وحيوية. وكتب القديس لوقا الإنجيل الثالث لليونانيين
والمثقفين فركز على جانب الصديق والمحب والفادى والمخلص فى شخص المسيح، وكان
أسلوبه هو أسلوب الطبيب المثقف والرسام البارع والمؤرخ المحقق والمدقق “تتبعت
كل شئ من أصوله بتدقيق(22)“. وكتب القديس يوحنا
الإنجيل الرابع بعد كتابة الأناجيل الثلاثة الأولى وانتشارها بفترة كافية، فأطلع
عليها وأضاف إليها فى الإنجيل الذى دونه أحداث وأعمال وأقوال وتعاليم لم تدون
فيها، ولأنه كتب للمسيحيين عموماً وللمتقدمين فى الإيمان بصفة خاصة فقد ركز على
الجانب اللاهوتى فى شخص السيد وبدأ بمقدمة تعلن وجوده الأزلى الأبدى “فى
البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”، وخلقه لكل شئ
“كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت الحياة

وتجسده فى صورة إنسان وشكل العبد “والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده
مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً(23)“،
كما ركز أيضا على الجوانب التى تبرز إنسانيته بعد التجسد، وركز بصورة أكبر على هدف
وغاية تجسده والذى تلخص فى قول السيد “هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه
الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية(24)
وفى خاتمة الإنجيل “وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله
ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة بأسمه(25)“.

وفى
كل الأحوال فقد دون كل حرف وكل كلمة وكل فقرة تحت إرشاد وعناية وتوجيه ووحى الروح
القدس الذى أرشد الإنجيليين لاختيار ما دونوه ودفعهم للكتابة وحفظهم وعلمهم
وذكرهم، وفى كل الأحوال فقد حافظ على شخصية كل كاتب وميله الروحى ولكن فى الروح
القدس وباعتبارهم جميعاً رجال الروح القدس الذى عمل فيهم وبهم. ومن ثم فقد دون كل
إنجيلى أحد جوانب حياة وأعمال وأقوال السيد المسيح، أحد جوانب الصورة وأحد أوج
الإنجيل الأربعة، وقدم كل واحد منهم شهادة مستقلة للمسيح فى ركن من أركان الأرض
ولجماعة معينة من الناس وبذلك قدموا الإنجيل لكل الناس فى كل زمان ومكان.

وقد
اتفق كتاب الإنجيل فى تدوين مواضيع مشتركة بينهم جميعاً من أعمال وأقوال السيد
المسيح، كما اتفق كل اثنين منهم فى تدوين موضوعات لد يدونها الآخران وتميز كل واحد
منهم بتدوين أقوال وأعمال لم يدونها الثلاثة الآخرون؟ فقد اتفق القديس يوحنا فى
تدوين حوالى 10% مما دونه الآخرون وتميز بتدوين حوالى 90% مما لم يدونه غيره،
واتفق القديس متى فى نفس المواضيع مع القديس مرقس والقديس لوقا فى 58% مما دونه
وتميز 42% مما لم يدوناه، واتفق القديس مرقس فيما دونه مع القديس متى والقديس لوقا
فى 93% وتميز عنهما فى 7% فقط، واتفق القديس لوقا فيما دونه مع القديس متى والقديس
مرقس فى 41% وتميز فى 59% مما دونه ولم يدونه الآخرين.

ولا
يرجع هذا الاتفاق أو التنوع والتميز إلا لغنى وتنوع وعظمة ما عمله وعلمه السيد
المسيح ولتميز كل إنجيلى بميل روحى لأحد جوانب حياة وأعمال وأقوال المسيح، فقد كان
ثلاثة منهم شهود عيان بدرجات مختلفة كما استلموا أيضا من شهود عيان آخرين ونقلوا
عنهم، وكان الرابع مساعد لشهود العيان وكارز بالكلمة لسنوات طويلة، وأيضا لإرشاد وتوجيه
ووحى الروح القدس.

وهكذا
صار لكل وجه من أوجه الإنجيل الأربعة مميزاته الخاصة تبعاً لكاتبه ونوعية الناس
الذين كُتب إليهم، وقدم الأربعة صورة متكاملة لشخص وأعمال وأقواله الرب يسوع
المسيح، وأكمل كل جانب منهم الجوانب الثلاثة الأخرى. ولذلك فقد صورت الكنيسة الأناجيل
الأربعة بأنهار جنة عدن الأربعة وأوجه الكاروبيم الأربعة، فوصفت الإنجيل للقديس
متى بالكاروب الذى على صورة إنسان والإنجيل للقديس مرقس بالكاروب الذى على صورة
أسد، والإنجيل للقديس لوقا بالكاروب الذى على صورة ثور، والإنجيل للقديس يوحنا
بالكاروب الذى على صورة نسر.

 

5- مصداقية الإنجيل بأوجهه الأربعة:

كُتب
الإنجيل بأوجهه الأربعة ليقدم للبشرية شخص وحياة وأعمال وتعليم السيد المسيح لتنال
من خلاله الخلاص الأبدى والحياة الأبدية. وقد ركز الإنجيليون على شخص المسيح وحده
بكل صدق وأمانة ووضوح وبصراحة مطلقة، بدون أى تزيين أو زخرفة لفظية أو مبالغة أو
إظهار علامات اندهاش أو مديح أو ثناء، بل على العكس تماما، فقد سجلوا ودونوا
بصراحة ووضوح رفض رؤساء اليهود المتواصل للرب يسوع المسيح وتوبيخه الدائم لهم
ووصفه لهم بالمرائين والقبور المبيضة والعميان الذين يقودون عميان، كما سجلوا ودونوا
بطء الرسل أنفسهم بما فيهم كُتاب الإنجيل، فى فهم مغزى كلام السيد فى مواقف كثيرة،
كما سجلوا ضعفاتهم الشخصية ولم يحاولوا إخفائها أو تحسين صورتهم التى كانوا عليها
قبل القيامة وحلول الروح القدس، سجلوا ضعفاتهم بصراحة ووضوح وبدون أى مواربة، كما
سجلوا توبيخ الرب لهم لعدم إيمانهن بمغزى تعليمه الروحى وميلهم للتفسير المادى
كيهود كانت تطلعاتهم مادية لملكوت مادى يقوم على استعباد الشعوب لهم، وذلك قبل أن
يفهموا طبيعة رسالة المسيح الروحية والتى فهموها بعد القيامة وحلول الروح القدس.
ومن ثم فقد سجل القديس متى عن نفسه أنه كان عشاراً وقد دعاه السيد المسيح من عند
مكان الجباية(25)، وسجل القديس مرقس قصة
الشاب الذى كان “لابساً ازراراً على عريه فأمسكه الشبان. فترك الأزرار وهرب
منهم عرياناً”(26)، ليلة القبض على السيد
المسيح، وقد أجمع العلماء والمفسرون على أن الشاب هو القديس مرقس الذى سجل ما حدث
منه دون أن يخجل منه أو أن يحاول تبريره أو الاعتذار عنه، كما سجلت الأناجيل
الأربعة قصة إنكار بطرس لسيده وكان أكثر الإنجيليون وصفاً لذلك، بل وأكثر من ذكر
ضعفات القديس بطرس المتكررة هو القديس مرقس وهذا راجع لاشتراكه معه فى الكرازة مده
من الزمن وواضح بالطبع أنه سمع ذلك من بطرس وهو يتكلم به تكراراً فى كرازته، كما
سجل الإنجيل موقف التلاميذ جميعاً ليلة القبض على السيد المسيح عندما تركوه جميعاً
وهربوا فى الوقت الذى كان يجب أن يكونوا فيه إلى جواره، وكذلك يأسهم التام بعد
الصلب ونسيانهم بل وعدم فهمهمن لما سبق أن قاله لهم بأنه لابد أن يتألم ويصلب
ويموت ويقوم فى اليوم الثالث، فلم يفهموا ذلك وكانوا فى حالة يأس عبر عنها تلميذا
عمواس بالقول “كنا نرجوا أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل”(27)، هذا القول الذى يدل على يأسهم وفقدانهم للرجاء
بالرغم من أنه قد وصلتهم أخباراً عن قيامته جعلتهم فى حالة حيرة فى الوقت الذى كان
يجب عليهم أن يتذكروا ما سبق أن أعلنه بخصوص قيامته فى اليوم الثالث، ولما ظهر لهم
الرب ولم يكن نوماً معهم وأبلغوه بذلك شك ورفض أن يؤمن إلا بعد أن يراه ويتأكد من
ذلك بنفسه كما سبق أن شك الرسل فيما أبلغتهم به النسوة عن قيامة الرب والقبر
الخالى كما سجل الإنجيل رفض بطرس لما أعلنه الرب عن آلامه وموته وقيامته
“فأخذه بطرس إليه وأبتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يارب. لا يكون لك هذا. فالتفت
(الرب) وقال لبطرس اذهب عنى ياشيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله لكن بما
للناس”(28).

فقد
دونوا كل شىء ولم يخفوا شىء ولم يعتذروا عن شىء ولم يبالغوا فى شىء، بل ولم يمجدوا
ذواتهم ولم يحاولوا حتى مجرد التلميح لما صاروا عليه بعد القيامة وحلول الروح
القدس من إيمان وشجاعة وتضحية بالذات فى سبيل الكرازة بالأخبار الشارة وصيرورتهم
الرسل الموحى إليهم ورجال الروح القدس، رجال الله القديسين، وخدام العهد الجديد
ورسله. لقد أخفوا ذواتهم فى الإنجيل ولم يحاولوا مجرد ذكر أو تلميح لأشخاصهم ككتاب
الوحى ورجال الله القديسين، فقد كان موضوعهم الأول والأخير وهدفهم الوحيد هو شخص
المسيح وأعماله وأقواله كالمخلص الوحيد والطريق الوحيد المؤدى للحياة الأبدية. كان
هدفهم الوحيد وغايتهم الوحيدة هو الإيمان بأن يسوع هو المسيح ابن الله وأنه الطريق
والحق والحياة والباب الوحيد لدخول ملكوت الله ونوال الحياة الأبدية. ولأنهم آمنوا
أنهم لا شىء فقد أخفوا ذواتهم فى المسيح، ولم يظهر إلا يسوع المسيح وحده.

 

6- وحدة الإنجيل فى كل أسفار العهد الجديد:

“كل
الكتاب هو موحى به من الله”(29)
وكل أسفار العهد الجديد هى رسالة المسيح والأخبار السارة التى كتبت للعالم أجمع
وقلبها جميعاً هو المسيح.

وتتكون
هذه الأسفار من ثلاثة أنواع؛ تاريخية وتعليمية ونبوية ويتكون القسم التاريخى من
الإنجيل بأوجهه الأربعة وسفر أعمال الرسل، ويتكون القسم التعليمى من جميع الرسائل
التى كتبها الرسل بالروح القدس، ويتكون القسم النبوى من سفر الرؤيا. ولكنهم جميعاً
يضعون فى داخلهم الأنواع الثلاثة، فالإنجيل بأوجهه الأربعة يسجل تاريخ وأحداث تجسد
السيد المسيح وأعماله وتعليمه، وسفر الأعمال يسجل تاريخ المسيحية فى فجرها الباكر
وكرازة الرسل بالأخبار السارة ويضم فى ذاته تعليم المسيح ووصايا الرب القائم من
الأموات وما أوحى به الروح القدس من خلال الرسل، وجميعهم، الإنجيل وسفر الأعمال
يضمون نبؤات تنبأ بها السيد المسيح ونبؤات تنبأ بها الرسل وأنبياء العهد الجديد،
وتضم الرسائل إلى جانب التعليم تاريخ وأحداث انتشار الكرازة وأخبار بعض الرسل
وتلمح إلى تاريخ وأحداث تجسد المسيح وتسجل أيضاً كثيراً من النبؤات المرتبطة
بالمجىء الثانى للمسيح والأحداث السابقة والمتزامنة مع مجيئه، كما تسجل نبوات
أخرى، أما سفر الرؤيا فهو سفر نبوى بالدرجة الأولى وكله رؤيا مستقبلية
أسخاتولوجيه.

وجميعهم
يمثلون ويكونون الإنجيل المكتوب بالروح القدس ومحورهم جميعاً هو شخص وعمل وتعليم
المسيح، فهو البداية والوسط والنهاية، فى الإنجيل هو الإله المتجسد النازل من
السماء آخذاً صورة عبد، هو الكلمة الذى اتخذ جسداً والذى جال يصنع خيراً ويشفى
جميع المتسلط عليهم إبليس والذى بذل ذاته عن حياة العالم وتمم عمل الفداء بتقديمه
ذاته على الصليب وبرهن بقيامته من بين الأموات على الحياة الأبدية والخلود، وفى
سفر الأعمال هو مؤسس الكنائس فى كل المسكونة بواسطة تلاميذه وإرشاد روحه القدوس،
وفى سفر الرؤيا هو الرب الحى فى السماء الذى يحفظ الكنيسة ويقودها ويرشدها والذى
يقف فى وسطها ويمسكها بيمينه، وهو العريس السماوى الآتى على السحاب فى مجد، فى
مجيئه الثانى، ليأخذ عروسه، كنيسة المفديين بدمه إلى مدينة الله السماوية أورشليم
الجديد، حيث يسكن المفديون معه إلى أبد الآبدين.

 

(1)
غل 9: 2

(2)
لو 1: 10

(3)
أع 22: 2

(4)
أع 13: 3

(5)
أع 10: 4

(6)
أع 37: 10

(7)
لو 1: 1.

(8)
أنظر على سبيل المثال (رو 5: 16؛ 1كو 19: 16؛ 2كو 1: 1؛ أف 21: 6؛ فى 1: 1؛ أف 21:
6؛ فى 1: 1؛ 3: 4؛ كو 7: 1؛ 1تس 1: 1؛2؛ 2تس 1: 1؛ 2تس 10: 4؛ تى 12: 3،13؛ 1بط
12: 5).

(9)
أع 2: 12.

(10)
يو 25: 21

(11)
يو 30: 20،31

(12)
يو 26: 14

(13)
يو

(14)
يو 20: 21

(15)
مر 51: 14،52

(16)
أع 12: 12

(17)
كو 10: 4، 1بط 13: 5

 

 

(18)
لو 1: 1-3

(19)
2بط 21: 1

(20)
مر 14: 2

(21)
مر 1: 1

(22)
لو 3: 1

(23)
يو 1: 1،2،14

(24)
يو 31: 20

(25)

(25)

(26)

(27)
لو 21: 24.

(28)
متى 22: 16،23.

(29)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى