علم الكتاب المقدس

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل
الخامس

الأنبياء
وأنواع وطرق
إبلاغ
الرسالة والإعلان الإلهى

 

قدم
الأنبياء الإعلانات الإلهية ونادوا برسالتهم شفوياً وكتابياً ورمزياً وأستخدموا كل
أنواع الفنون الأدبية والرمزية بل والحركية. وقد نادوا برسالتهم وقدموا الإعلانات
الإلهية أولاً شفوياً سواء لأفراد بعينهم مثل موسى النبى مع فرعون، وصموئيل النبى
مع شاول الملك ثم داود الملك، وناثان النبى وجاد الرائى والنبى مع داود الملك
والنبى، وإيليا النبى مع اخآب الملك، وأشعياء النبى مع آحاز الملك، أو مع الشعب فى
تجمعات كبيرة أو صغيرة، مثل موسى النبى ويشوع بن نون مع الشعب، وإيليا النبى مع
الشعب وكهنة البعل وعشتاروث، وحزقيال مع المسبيين ومع رعاة إسرائيل.

وأستخدم
الأنبياء فى إبلاغ رسالتهم ونبواتهم الخطب والعظات والرسائل الطويلة والقصيرة، مثل
ناموس موسى ونبوات بلعام والكثير من نبوات أشعياء وأرمياء وحزقيال. كما استخدموا
فى معظم نبواتهم وتنبؤاتهم الجمل الشعرية القصيرة سهلة الحفظ والترديد والتكرار.
وكانوا يقدمون رسالتهم فى بعض الأحيان فى أشكال مكتوبة سواء فى “سفر” أو
“كتاب” أو “لوح”، مثل الوصايا العشر وأجزاء كبيرة من ناموس
موسى، بل وكل التوراة كتبها موسى النبى، وكذلك أشعياء النبى وكثيراً من نبوات
أرمياء النبى التى دونها أكثر من مرة فى سفر وأرسلها مع تلميذه باروخ ليقرأها فى
ساحة الهيكل.

كما
أستخدموا فى أحاديثهم وأقوالهم كثيراً من أشكال الأحاديث الإلهية والنبوية، وكل
أشكال الفنون الأدبية والصيغ البلاغية؛ من شعر ونثر وخطب وأمثال وقصص رمزية ورموز
وكنايات وتشبيهات ومقارنات وتوازى وتضادات وحوارات درامية (ديالوج ومونولوج)
مسرحية وصور تخيلية رؤُية وترادفات، سواء ترادفات لفظية أو مفردات لغوية، أو ترادف
لجُمل وعبارات ومعانى، وذلك إلى جانب الأعمال الرمزية والبركة البطريركية التى بارك
بها الآباء البطاركة أولادهم وأحفادهم.

 

1- الأشكال المكتوبة:

يتكلم
الكتاب مرات مثير عن كتب وأسفار لأجزاء من كلمة الله كانت مكتوبة وموجودة فى أيدى
الأنبياء أو أمرهم الله بكتابتها وبالتالى كانت فى متناول الشعب ثم انضمت بعد ذلك
إلى الأسفار الكاملة للأنبياء وفيما يلى أهم ما يذكره العهد القديم عن ذلك:

v “فقال
الرب لموسى اكتب هذا تذكارا فى الكتاب وضعه فى مسامع يشوع فأنى سوف أمحو ذكر
عماليق من تحت السماء” (خر
14: 17).

v “وأخذ
(موسى) كتاب العهد وقرأ فى مسامع الشعب. فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع
لهُ” (خر 7: 24).

v “ثم
أعطى (الله) موسى عند فراغه من الكلام معه فى جبل سيناء لوحى حجر مكتوبين بأصبع
الله” (خر
18: 31).

v “فانصرف
موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة فى يده لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن
هنا كانا مكتوبين” (خر
18: 31).

v “جميع
لعنات العهد مكتوبة فى كتاب الشريعة هذا” (تث
21: 29).

v “كمل
موسى كتابة كلمات هذه التوراة فى كتاب إلى تمامها” (تث 24: 31).

v “وفى
الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريّا. وكتب فى المكتوب يقول”
(2صم 14: 11،15).

ثم
تذكر كل من أسفار الملوك الأول والثانى وسفر أخبار الأيام الأول والثانى أمور
الملوك داود وسليمان ويربعام ورحبعام وابيا وآسا وناداب وبعشا وإيلة وزمرى وعمرى
واخآب ويهوشافاط واخزيا ويورام وياهو ويوآش ويهوآحاز ويهوآش وأمصيا وعزريا وزكريا
وشلوم ومنحيم وفقحيا وفقح ويوثام وآحاز وحزقيا ومنسى وآمون ويوشيا ويهوياقيم، وتؤكد
أنها كانت مكتوبة فى الأسفار التى دونها الأنبياء(1)،
سواء من الأنبياء الرئيسيين مثل صموئيل النبى وأنبياء البلاط مثل ناثان النبى وجاد
الرئى والنبى الذين دونوا بالروح القدس أسفار صموئيل الأول والثانى والملوك الأول:

v “وأمور
داود الملك الأولى والأخيرة هى مكتوبة فى أخبار صموئيل الرائى وأخبار ناثان النبى
وأخبار جاد الرائى” (1أخ 29: 29).

v “وبقية
أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هى مكتوبة فى أخبار ناثان النبى وفى نبوة أخيا
الشيلونى وفى رؤى يعدو الرائى على يربعام” (2 أخ 29: 9).

v “وأمور
أسا الأولى والأخيرة ها هى مكتوبة فى سفر الملوك ليهوذا أو إسرائيل” (2أخ11: 16).

v “وبقية
أمور حزقيا ومراحمه ها هى مكتوبة فى رؤيا أشعياء بن أموص فى سفر ملوك يهوذا
وإسرائيل” (2أخ 32: 32).

أو
الأسفار والحوليات التى كانت موجودة فى أيام هؤلاء الملوك والأنبياء وأصبحت الأساس
لأسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام القانونية والموحى بها.

v وفى سفر
أشعياء يقول “تعال الآن اكتب هذا عندهم على لوح وارسمه فى سفر ليكون لزمن آت
للأبد إلى الدهور” (أش
8: 30).

v “الكلام
الذى صار إلى أرمياء من قبل الرب قائلاً. هكذا تكلّم الرب إله إسرائيل قائلاً.
اكتب كل الكلام الذى تكلمت به إليك فى سفر” (أر 1: 30،2).

v وكان أرمياء
كما يقول تلميذه باروخ “بفمه كان يقرأ لى كل هذا الكلام وأنا كنت أكتب فى
السفر بالحب” (أر
18: 36).

v “ثم
صارت كلمة الرب إلى أرمياء بعد إحراق الملك الدرج والكلام الذى كتبه باروخ عن فم
أرمياء ثانية عُد فخذ لنفسك درجاً أخر وأكتب فيه كل الكلام الأول الذى كان فى
الدرج الأول الذى أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا
فأخذ
أرمياء درجاً آخر ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب فكتب فيه عن فم أرمياء كل كلام
السفر الذى أحرقهُ يهوياقيم ملك يهوذا بالنار وزيد عليه أيضا كلام كثير مثله”
(أر 27: 36،28،32).

 

2- صيغ الأحاديث الإلهية والنبوية والرسولية:

النبى
بالدرجة الأولى هو “رسول” رسله الله “برسالة” أو
“رسائل” إلى الملوك والقادة والشعوب، إلى البشرية ويقول أرمياء النبى
بالروح “قد سمعتُ خيراً من قبل الرب وأُرسل رسول إلى الأمم قائلاً(2)“، ويصف الوحى حجى النبى برسول الرب “فقال حجى
رسول الرب برسالة الرب لجميع الشعب قائلاً أنا معكم يقول الرب(3)“.
ويقول الكتاب أن الله قال لموسى “هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبى بنى
إسرائيل من مصر(4)“،وبعد وفاة يشوع بن نون يقول
“أن الرب أرسل رجلاً نبياً إلى بنى إسرائيل فقال لهم(5)“،
وقال الله لأرمياء “لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به(6)“، وعن مجئ يوحنا المعمدان كسابق للمسيح ومُعد
الطريق له يقول الوحى “هأنذا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى(7)“، وعن السيد المسيح يقول “أن الله قد أرسل
أبنه الوحيد لكى نحيا به(8)“.

وكانت
هناك تعبيرات وصيغ معينة كان يستخدمها روح الرب على أفواه الأنبياء عندما يقومون
بإبلاغ رسالتهم وإعلان إرادة الله وأهم هذه الصيغ هى: “هكذا يقول الرب”
والتى تكررت واحد وستين مرة فى العهد القديم، وذلك للتأكيد على أن المتكلم هو الله،
وان ما يقوله النبى هو رسالة حرفية منقولة حرفياً عن الله؛ “فتقول لفرعون
هكذا يقول الرب(9)”، “بعد ذلك دخل موسى وهارون
وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبى ليعبدوا لى فى البرية(10)“، “ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن
فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الرب لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون لأنكم
تركتم الرب(11)“، وأرسل الله أشعياء إلى حزقيا
الملك وقال لهُ “أذهب وقل لحزقيا هكذا يقول الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك
قد رأيت دموعك هأنذا أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة(12)“،
وقال عن وحدانية الله الخالق “هكذا يقول الرب فاديك وجابلك من البطن أنا الرب
صانع كل شئ ناشر السموات وباسط الأرض من معى(13)“،
وعن إرسال الأنبياء “وأقمت من بيتكم أنبياء ومن فتيانكم نذيرين أليس هكذا يا
بنى إسرائيل يقول الرب(14)“. وهناك صيغة أخرى هى
“هكذا قال الرب” تستخدم بنفس المعنى وتقدم نفس النتيجة، “لأنه هكذا
قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها(15)“.
وتتكرر هذه الصيغة فى سفر حزقيال وحده 123 آية وهناك صيغة تكليف أو تفويض من الله
للنبى أو الرسول والتي تبدأ بقوله “أذهب”؛ “أذهب من أرضك ومن
عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك(16)“،
“أذهب إلى أرض المريا(17)“، “أذهب أرجع
إلى مصر(18)“، “وقال الرب لهرون أذهب إلى
البرية لاستقبال موسى(19)“، “اذهب إلى فرعون(20)“، “فقال الرب لموسى أذهب إلى الشعب وقدسهم(21)“، “وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا
فى السنة الثالثة قائلاً أذهب وتراء لاخآب فأعطى مطر على وجه الأرض(22)“، “قال له الرب أذهب
وأمسح
حزائيل ملكاً على أرام(23)“، وقال لأرمياء النبى
“أذهب وناد بهذه الكلمات(24)“، “أذهب إلى
بيت الركابيين وكلمهم(25)“، وقال لحزقيال النبى
“أذهب أمض إلى بيت إسرائيل وكلمهم بكلامى(26)“،
وقال لهوشع “أذهب أيضا أحبب امرأة(27)“، وقال
ليونان النبى “قم وأذهب إلى نينوى
وناد عليها(28)“،وفى سفر أشعياء استخدمت صيغة “أذهب وقل
لهذا الشعب(29)” مرة واحدة، وفى سفر أرمياء استخدمت
صيغة “وتقول لهم هكذا قال الرب(30)
و”هكذا قال رب الجنود(31)“.

وهناك
أيضا عدة صيغ للدعوة وهى “اسمعوا كلام الرب” و”اسمع كلام
الرب” و”اسمعوا كلمة الرب” و”اسمع كلمة الرب”،
“اسمعوا قول الرب” و”اسمع قول الرب”. وتتكرر فى ثلاثة وعشرين
آية، خاصة فى سفر أرمياء الذى تتكرر فيه وحده أحد عشرة مرة، وذلك كمقدمة لما
سيقوله الله على فم النبى:

v “فقال
يشوع لبنى إسرائيل تقدموا إلى هنا وأسمعوا كلام الرب إلهكم” (يش 9: 3).

v وقال إليشع
“أسمعوا كلام الرب هكذا قال الرب فى مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق
بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل فى باب السامرة” (2مل 1: 7).

v “فقال
أشعياء لحزقيا اسمع قول الرب” (2مل
16: 20).

v “اسمعوا
كلام الرب يا قضاة سدوم أصغوا إلى شريعة إلهنا” (أش 10: 1).

v “اسمعوا
كلام الرب يا رجال الهزء” (أش
14: 28).

v “اسمعوا
كلام الرب أيها المرتعدون” (أش 5: 66).

v “اسمعوا
كلم الرب يا بيت يعقوب” (أر 4: 2).

v “قف فى
باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين
فى هذه الأبواب لتسجدوا للرب(32)” (أر 2: 7).

v “اسمع
كلمة الرب يا ملك يهوذا الجالس على كرسى داود(33)
(أر
2:
22
).

v “أسمعوا
كلمة الرب أيها الأمم وأخبروا فى الجزائر البعيدة” (أر
10: 31).

v “اسمعوا
كلمة الرب يا جميع يهوذا الذين فى أرض مصر(44)” (أر
24: 44).

v “يا
ابن آدم (حزقيال) تنبأ
وقل اسمعوا
كلمة الرب” (حز
2: 14).

v “فلذلك
أيها الرعاة اسمعوا كلمة الرب” (حز 7: 34،9).

v “اسمعوا
قول الرب يا بنى إسرائيل أن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان
ولا معرفة الله فى الأرض” (هو 1: 4).

v “فالآن
اسمع قول الرب” (عا 16: 7).

وهناك
أيضا صيغة أكثر قوة ينادى بها الله السموات والأرض وعناصر الطبيعة ويستشهد بها على
الإنسان سواء للمدح أو الذم أو لإعلان غضه ودينونته:

v “أسمعي
أيتها السموات وأصغى أيتها الأرض لأن الرب يتكلم. ربيت بنين ونشأتها أما هم فعصوا
على” (أش 2: 1).

v “أسمعي
لى أيتها الجزائر أصغوا أيها الأمم من بعيد الرب من البطن دعانى من أحشاء أمى ذكر
أسمى” (أش
1: 49).

v “يا
أرض يا أرض أسمعى كلمة الرب. هكذا قال الرب” (أر 29: 22).

v “وقل
يا جبال إسرائيل أسمعى كلمة السيد الرب هكذا قال السيد الرب للجبال والأكام
للأودية وللأوطئة هأنذا جالب عليكم سيفاً وأبيد مرتفعاتكم” (حز 35: 16).

v “فلذلك
يا زانية (أى أورشليم) أسمعي كلمة الرب” (حز 35: 16).

v “فقال
لى تنّبأ على هذه العظام وقل لها أيتها العظام اليابسة أسمعى كلمة الرب” (حز
4: 37).

v “أسمعي
خصومة الرب أيتها الجبال ويا أسس الأرض الدائمة فإن للرب خصومة مع شعبه وهو يحاكم
إسرائيل” (ميخا 2: 6).

v “أسمع
يا شعبى فأتكلم يا إسرائيل فأشهد عليك الله إلهك أنا” (مز
7: 50).

v “اسمع
يا شعبى فأحذرك يا إسرائيل إن سمعت لى” (مز 8: 81).

ويستخدم
الوحى الإلهى لتعليم الحكمة والناموس على فم الأنبياء الصيغ التالية:

v “أنصتى
أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمى” (تث
1: 32).

v “أصغوا
وأسمعوا صوتى وأنصتوا وأسمعوا قولى” (أش
23: 28).

v “والآن
أيها الأبناء اسمعوا لى وأصغوا لكلمات فمى” (أم 24: 7).

v “اسمعوا
هذا يا جميع الشعوب. أصغوا يا جميع سكان الدنيا” (مز 1: 49).

v “أسمعوا
أيها البنون تأديب الأب وأصغوا لأجل معرفة الفهم” (أم 1: 4).

وهناك
صيغتان للتأكيد على أن ما قاله الأنبياء هو كلام الله الموصى به والذى نطق به
الروح القدس على أفواه الأنبياء، وهما “قول الرب” وتكررت فى العهد
القديم 60 مرة، و”قال الرب” وتكررت 301 مرة.

وهناك
عدة صيغ يستخدمها الله على فم الأنبياء للقسم، وتسمى صيغ القسم، حيث يقسم الله
بذاته، أو يحلف بذاته وذلك للتأكيد على حتمية إتمام وعوده الذى سبق أن وعد بها أو
إتمام قضائه ودينونيه الذى سبق أن حذر منهما:

v “بذاتى
أقسمت يقول الرب(37)“، والرب “أقسم قائلاً(38)“، “حلف لك(39)
الرب، “فحمى غضب الرب فى ذلك اليوم وأقسم قائلاً(40)“،
“وتملكوا الأرض التى أقسم الرب لآبائكم
أن يعطيها
لهم(41)“، “حلف الرب لداود(42)“،
“أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق(43)“، “أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه من
ثمرة بطنك أجعل على كرسيك(44)“، “قد حلف رب
الجنود قائلاً كما قصدت يصير وكما نويت يثبت(45)“،
“وإن لم تسمعوا لهذه الكلمات فقد أقسمت بنفسى يقول الرب أن هذا البيت يكون
خراباً(46)“، “حلف رب الجنود بنفسه(47)“، “أقسم السيد الرب بقدسه(48)“، “أقسم السيد الرب بنفسه يقول الرب إله
الجنود(49)“، “أقسم الرب بفخر يعقوب إنى لن
أنسى إلى الأبد جميع أعمالهم(50)“.

وهناك
القسم الأعظم الذى يقسم فيه الرب بكونه الحى، الحياة، وبضمير المتكلم “حى أنا
فتملأ كل الأرض من مجد الرب(51)“، “قل لهم حى
أنا يقول الرب لأفعلن بكم كما تكلمتم فى أذنى(52)“،
“أنى ارفع إلى السماء يدى وأقول حى أنا إلى الأبد(53)“،
“حى أنا يقول الملك رب الجنود(54)“، “حى
أنا يقول الرب(55)“، ويمدح أورشليم الجديدة فى
المستقبل، ويدين يهوذا، “حى أنا يقول السيد الرب من أجل أنك نجست مقدسى”
ويتحدث عن الخراب القادم على أورشليم(56)، “يا ابن
آدم كلم شيوخ إسرائيل وقل لهم هكذا قال السيد الرب هل أنتم آتون لتسألونى حى أنا
لا أُسأل منكم يقول السيد الرب(57)“، “حى أنا
يقول السيد الرب أنى لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا(58)“، “حى أنا يقول رب الجنود إله إسرائيل أن
موآب تكون كسدوم وبنو عمون كعمورة(59)“.

وأخيراً
نأتى إلى صيغ الإعلان الإلهى على فم الأنبياء والتى تتركز فى قوله: “قال لى..
الرب”، “قال لى الرب” و”أراني الرب(60)“،
“الكلمة التى أراني الرب إياها(61)“،
“كلام الرب الذى أراني إياه(62)“، “هكذا
أراني السيد الرب(63)“، وكلها تعبر عن رؤُى رآها
الأنبياء عن أمور ستحدث فى المستقبل سواء القريب أو البعيد.

 

3- أنواع الأحاديث الإلهية النبوية الرسولية:

تتلخص
أنواع وأشكال الأحاديث الإلهية والنبوية التى تكلم بها الله على فم الأنبياء فى
حوالى ثمانية أنواع وأشكال هى كشف الله لذاته من خلال أعماله وشريعته؛ الأتكال على
الله والثقة به “لا تخف”؛ التحذير من عواقب الارتداد عن الله وترك
أحكامه ووصاياه؛ إعلان الويل والدينونة ومحاكمة الله للمرتدين عنه وتاركى وصاياه؛
ثم إعلان دينونة الأشرار وخلاص الأبرار فى شكل واحد وصيغة واحدة؛ وأخيراً العودة
من الشتات إلى الأرض وخلاص كل الشعوب.

 

1- أقوال الكشف الذاتى لله “أنى أنا الربُّ”:

يعلن
الله ويكشف عن ذاته وقدرته وأعماله ودينونته فى فم الأنبياء من خلال الأقوال
الإلهية النبوية بتعبيرات “فتعلمون أنى أنا الرب(64)“،
“فيعرف المصريون إنى أنا الربُّ(65)“،
“تعرفُ أنى أنا الربُّ(66)“، “لكى تعلم
أنى أنا الرب(67)“، “ولكى تخبر فى مسامع ابنك
وابن ابنك بما فعلته فى مصر وبآياتى التى صنعتها بينهم فتعلمون أنى أنا الربُّ(68)“، “فى العشية تأكلون لحماً وفى الصباح
تشبعون خبزاً وتعلمون أنى أنا الرب(69)“، “أنى
أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأنى أنا قدوس(70)“،
“حكم واحد يكون لكم الغريب كالوطنى أنى أنا الرب إلهكم(71)“،
“أنى أنا هو قبلى لم يصور إله وبعدى لا يكون(72)“،
“وأعطيهم قلباً ليعرفونى أنى أنا الربُّ فيكونوا لى شعباً وأنا أكون لهم
إلهاً لأنهم يرجعون إلى بكل قلبهم(73)“، وفى كل
الأحوال يسبق عمل الله هذه التعبيرات أو يليها مباشرة. وأستخدم حزقيال النبى وحدة
هذه التعبيرات “يعلمون
فيعلمون تعلمون فتعلمون أنى أنا
الرب” أو “أنى أنا السيد الرب” حوالى 86 مرة، وذلك للتأكيد على
قدرة الله وما عملهُ وصنعهُ من آيات وعجائب مع شعبه(74)،
كما عبرت الآيات المذكورة أعلاه فى بقية العهد القديم، ولكن أكثرها جاء عن غضب
الله وأنتقامه ودينونته لشعبه، بنى إسرائيل، بسبب ارتدادهم عنه وعبادتهم للأوثان
وتركهم وإهمالهم العمل بأحكامه ووصاياه، وكذلك الله لبعض الأمم مثل موآب وعمون
وصيدون ومصر وأدوم وماجوج وجزائر البحر(75).

وفيما
يلى نموذجين للحديث النبوى والأقوال الإلهية للكشف الإلهى الذاتى:

v “وإذا
بنبى تقدم إلى أخآب ملك إسرائيل،

وقال:
هكذا قال الربُّ.

هل
رأيت كل هذا الجمهور العظيم؟

هأنذا
أدفعه ليدك اليوم.

فتعلم
أنى أنا الرب” (امل 13: 20).

v “فتقدك
رجل الله وكلم ملك إسرائيل،

وقال:
هكذا قال الرب،

من
أجل أن الآراميين قالوا أن الربّ إنما هو إله جبال وليس إله أودية!

ادفع
كل هذا الجمهور العظيم ليدك،

فتعلمون
أنى أنا الربُّ” (1مل 28: 20).

 

2- أقوال الثقة بالله والاتكال عليه “لا تخف”:

قال
الله لإبراهيم “لا تخف يا إبرام أنا ترس(75)
لك”، وقال لإسحق “لا تخف لأنى معك وأباركك وأكثر نسلك(76)“، وقال ليعقوب “لا تخف من النزول إلى مصر
لأنى أجعلك أمة عظيمة هناك(77)“، وقال لموسى
“لا تخف ولا ترتعب(78)“، وقال موسى النبى
لتلميذه يشوع بن نون “الرب سائر أمامك هو يكون معك لا يهملك ولا يتركك لا تخف
ولا ترتعب(79)“، و”قال الرب ليشوع لا تخف ولا
ترتعب(80)“، وقال لجدعون القاضى “السلام لك لا
تخف ولا تموت(81)“، ومن أجمل الأقوال الإلهية فى
ذلك “لا تخف لأنى معك لاتتلفت لأنى إلهك قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برى(82)“، “لأنى أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل
لك لا تخف أنا أعينك(83)“، “لا تخف لأنى فديتك
ودعوتك باسمك أنت لى(84)“، “لا تخف فأنى معك(85)“، وهذه الأقوال الإلهية تؤكد الثقة بالله
والاتكال عليه وحده لأنه يمسك بأولاده ولا يتركهم أبداً.

وفيما
يلي نماذج للأقوال الإلهية والأحاديث النبوية التى تقدم الثقة بالله وحتمية
الأتكال عليه وحده:

v “فبكر
خادم رجل الله وقام وخرج وإذا جيش محيط بالمدينة وخيل ومركبات فقال غلامه لهُ: آه
يا سيدى كيف نعمل؟

فقال:
لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم.

وصلى
إليشع وقال: يا رب أفتح عينيه فيبصر.

ففتح
الرب عينى الغلام فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول إليشع” (2مل
15: 6-17).

v “وأن
يحزيئيل
من بنى
آساف كان عليه روح الرب فى وسط الجماعة.

فقال:
أصغوا يا جميع يهوذا وسكان أورشليم وأيها الملك شافاط. هكذا قال الربُّ لكم،

لا
تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهُور الكثير،

لان
الحرب ليست لكم بل لله.

غداً
أنزلوا عليهم

قفوا
أثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا ويا أورشليم، لا تخافوا ولا ترتاعوا.

غداً
أخرجوا للقائهم والربُّ معكم” (2 أخ 14: 20-17).

v “والآن
هكذا يقول الرب
لا تخف لأنى فديتك. دعوتك باسمك أنت لى. إذا
اجتزت فى المياه فأنا معك وفى الأنهار فلا تغمرك إذا مشيت فى النار فلا تلذع
واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك
لا تخف فأنى معك. من
المشرق آتى بنسلك ومن المغرب أجمعك. أقول للشمال أعط وللجنوب لا تمنع” (أش 1:
43-6).

v “وأما
أنت فنطق حقويك وقم وكلمهم بكل ما آمرك به. لا ترتع من وجوههم لئلا أروعك أمامهم،
هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض
فيحاربونك
ولا يقدرون عليك لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك” (أر17: 1-19)(87).

 

3- أقوال التحذير الإلهى والنبوى من عواقب الارتداد عن الله وإهمال
وترك وصاياه وأحكامه:

“وأشهد
الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً أرجعوا عن
طرقكم الردية وأحفظوا وصاياى فرائضى حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى
أنزلتها عن يدى عبيدى الأنبياء(88)“، “هكذا
قال رب الجنود إله إسرائيل اصلحوا طرقكم وأعمالكم فأسكنكم فى هذا الموضع(89)“، “من أيام آبائكم حدتم عن فرائضى ولم
تحفظوها ارجعوا إلى ارجع إليكم قال رب الجنود(90)“،
“لا تكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون قائلين هكذا قال رب الجنود،
أرجعوا عم طرقكم الشريرة وعن أعمالكم الشريرة فلم يسمعوا ولم يصغوا إلىّ يقول رب
الجنود”.

وهكذا
يؤكد الله فى أقواله الإلهية بفم الأنبياء على حتمية وضرورة الإيمان به وعبادته
والسجود له وحده والعمل بحسب أحكامه ووصاياه وفرائضه. ويحذر من عاقبة الارتداد عنه
وعبادة الأصنام وترك شريعته وأحكامه ووصاياه، ويدعو بصيغة الأمر للتوبة والرجوع
إليه وتجنب الوقوع فيما حذر منه، وفيما يلي ثلاثة أمثلة للأحاديث الإلهية النبوية
التحذيرية:

v “وقف
يهوشافاط وقال: اسمعوا يا يهوذا وسكان أورشليم،

آمنوا
بالرب إلهكم فتأمنوا. آمنوا بأنبيائه فتفلحوا” (2 أخ 20: 20).

v وقال الله
لأرمياء النبى: “فالآن كلم رجال يهوذا وسكان أورشليم،

قائلاً:
هكذا قال الرب:

هأنذا
مصدر عليكم شراً وقاصد عليكم قصداً.

فارجعوا
كل واحد عن طريقهُ الردئ

واصلحوا
طرقكم وأعمالكم” (أر 11: 18).

v وقال عاموس
النبى: “لأنه هكذا قال الرب لبيت إسرائيل:

اطلبوني
فتحيوا،

ولا
تطلبوا بيت إيل، وإلى الجلجال لا تذهبوا،

وإلى
بئر سبع لا تعبروا.

لأن
الجلجال تسبى سبياً وبيت إيل تصير عدماً

اطلبوا
الرب فتحيوا،

لئلا
يقتحم بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إيل” (عا 4: 5-6) (91).

 

4- أقوال الدينونة:

بعد
التحذيرات السابقة يأتى حديث الدينونة والذى يتركز فى إعلان دينونة الله لفرد أو
جماعة أو أمة ويسبق هذا الإعلان أو يليه الاتهام، أو سبب هذه الدينونة، وتأتى
العقوبة دائماً فى صورة نبوة، تنؤ، بحدث سيحدث فى المستقبل سواء القريب، بعد
الحديث النبوى مباشرة، أو البعيد، بعد الحديث النبوى بأسابيع أو شهور أو سنين أو
حتى قرون. وفيما يلى نماذج لهذه الأحاديث النبوية والدينونة الإلهية:

v “وسقط
أخزيا من الكوّة التى فى علّيته التى فى السامرة فمرض وأرسل رسلاً وقال لهم أسألوا
بعل زبوب إله عقرون إن كنت أبرأُ من هذا المرض.

فقال
ملاك الرب لإيليا التشبى قم أصعد للقاء رسل ملك السامرة،

وقل
لهم: أليس لأنه لا يُوجد فى إسرائيل تذهبون لتسألوا بعل زنوب إله عقرون.

لذلك،
هكذا قال الرب:

أن
السرير الذى صعدت لا تنزل عنه بل موتاً تموت” (2مل 2: 1-4(92)).

v “هكذا
قال الرب:

من
أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة،

لا
ارجع عنه،

لأنهم
داسوا جلعاد بنوارج من حديد.

فأرسل
ناراً على بيت حزائيل فتأكل قصور بمهدد.

وأكسر
مغلاق دمشق
” (عا
3: 1-5).

v “هكذا
قال الرب:

من
اجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة،

لا
أرجع عنه،

لأنهم
باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين” (عا 6: 2(93)).

 

5- أقوال الخلاص:

تكلم
الوحى الإلهى كثيراً بفم الأنبياء عن خلاص قادم سواء خلاص من مرض أو من الأعداء أو
خلاص البقية الأمينة التى ستعود إلى الأرض لتتحقق من خلالها الوعود الإلهية أو
خلاص كل الشعوب بالمخلص الآتى نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود. ويبدأ غالباً حديث
الخلاص، وهو دائماً نبوّة أو تنبؤ بخلاص سيحدث فى المستقبل، بعبارة
“هأنذا”:

v “أرجع
وقل لحزقيا رئيس شعبى هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك، قد رأيت دموعك،
هأنذا أشفيك فى اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب” (2مل
5: 20).

v “هأنذا
صانع أمراً جديداً الآن ينبت ألا تعرفونه اجعل فى البرية طريقاً فى القفر
أنهاراً” (أش19: 43).

v “لأنى
هأنذا خالق سموات وجديدة وأرضاً جديدة فلا تذكر الأولى ولا تخطر على بال. بل
أفرحوا وابتهجوا إلى الأبد فيما أنا خالق لأنى هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها
فرحاً” (أش17: 65،18).

v “أما
أنت يا عبدى يعقوب فلا تخف يقول الرب ولا ترتعب يا إسرائيل لأنى هأنذا أخلصك من
بعيد ونسلك من أرض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج
هأنذا أرد
سبى خيام يعقوب وارحم مساكنه وتبنى المدينة على تلتها والقصر يسكن على عادته”
(أر 10: 30،18).

v “هأنذا
أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى ويأتى بغتة إلى هيكله السيد الذى تطلبونه وملاك
العهد الذى تسرون به هوذا يأتى قال رب الجنود” (ملا 1: 3).

 

6- أقوال للدينونة والخلاص معاً:

يتكلم
الوحى الإلهى فى سفر أشعياء النبى بصفة خاصة عن الدينونة والخلاص فى حديث واحد
يقارن فيه بين ما سيكون عليه المخلصون (الأبرار) وما سيكون عليه الأشرار، ما كان
عليه الأبرار من حزن فى الماضى وما سيكونوا عليه من فرح فى المستقبل، وبين ابتعاد
إسرائيل عن الله برغم اختياره لهم وبحث الأمم عنه فاستجاب لهم. وذلك فى تضاد بلاغى
وصورة بلاغية رائعة:

v “أصغيت
إلى الذين لم يسألوا. وجدتُ من الذين لم يطلبونى. قلت هأنذا لأمّة لم تُسمّ
بأسمى” (أش1: 65).

v “لذلك
هكذا قال الرب:

هوذا
عبيدى يأكلون وانتم تجوعون

هوذا
عبيدى يشربون وأنتك تعطشون

هوذا
عبيدى يفرحون وأنتم تحزنون

هوذا
عبيدى يترنمون من طيبة القلب

وأنتم
تصرخون من كآبة القلب

ومن
انكسار الروح توكولون” (أش 13: 65،14)(94).

 

7- أقوال الويل:

تكررت
كلمة “ويل” فى أسفار الأنبياء من أشعياء إلى ملاخى 70 مرة، وقد أستخدمها
الوحى الإلهى بفم الأنبياء فى أحاديثهم النبوية لإعلان غضب الله ودينونته للأشرار
والعصاة والمرتدين عنه سواء كأفراد أو جماعات أو بنى إسرائيل ككل أو الأمم الأخرى
التى تنبأ عليها، وعلى ما سيحدث لها فى مستقبل الأيام، الأنبياء مثل صور وصيدا
وموآب وغيرهم:

v “ويل
للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الآثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين، تركوا الرب
استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء” (أش 4: 1).

v “ويل
للشرير شر لأن مجازاة يديه تعمل به” (أش 11: 3).

v “ويل
للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر للمتأخرين فى العتمة تلهبهم الخمر” (أش 11: 5).

v “ويل
للذين يقضون أقضية البطل وللكتبة الذين يسجلون جوراً” (أش
1: 10).

v “ويل
للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتى يقول الرب” (أر
1: 23).

v “يا
ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة ويل لرعاة
إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم ألا يرعى الرعاة الغنم” (حز
2: 34).

v “ويل
للمفتكرين بالباطل الصانعين الشر على مضاجعهم

فى
نور الصباح يفعلونهُ لأنهُ فى قدرة يدهم.

فأنهم
يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها،

ويظلمون
الرجل وبيتهُ والإنسان وميراثهُ.

لذلك
هكذا قال الرب:

هأنذا
أفتكر على هذه العشيرة بشرّ لا تزيلون منهُ أعناقكم،

ولا
تسلكون بالتشامخ لأنهُ زمان ردئ” (ميخا 1: 2-3)(95).

 

8- الحديث القضائى (المحاكمة):

الحديث
القضائى أو المحاكمة هو صورة بلاغية يقدم فيها الوحى الإلهى بفم الأنبياء ومن خلال
أحاديثهم النبوية والإلهية مشهد لمحاكمة كالذى يحدث فى المحكمة وفى ساحة القضاء،
وهذا المشهد يتكون من خصم وخصومة ومُخاصم أو مُدعى وخصومة ومُدعى عليه، أو من
استدعاء للمحاكمة ومحكمة وحكم يصدر، أو استدعاء واتهام وحكم، والخصومة هنا بين
الله وشعبه، وسبب الخصومة هو نقض العهد أو العقد الذى عُقد بين الله وشعبه، أو
الارتداد عن عبادة الله وترك وصاياه وأحكامه وفرائضه. وهذه المحكمة أو المحاكمة
محسومة دائماً لصالح الله كقول المرنم: “ولا تدخل فى المحاكمة مع عبدك فإنه
لن يتبرر قدامك حى” (مز 2: 143).

v ويقدم لنا
سفر هوشع النبى صورة بليغة رائعة ونموذج لمحاكمة الله للأشرار “أسمعوا قول
الرب يا بنى إسرائيل. أن للرب محاكمة مع سُكان الأرض، (الاتهام) لأنه لا أمانة ولا
إحسان ولا معرفة الله فى الأرض. لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون ودماء تلحق
دماء.

(الحكم)
لذلك تنوح الأرض ويذل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر
أيضا تنتزع” (هو 1: 4-3).

v وفى سفر
أشعياء يقول: “قد أنتصب الرب للمخاصمة وهو قائم لدينونة الشعوب. الرب يدخل فى
المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم وأنتم قد أكلتم الكرم سلب البائس فى بيوتكم، مالكم
تسحقون شعبى وتطحنون وجوه البائسين يقول السيد الرب” (أش 1: 3-15)(96).

v فى سفر
أرمياء يقول “لأن للرب خصومة مع الشعب هو يحاكم كل ذى جسد يدفع الأشرار للسيف
يقول الرب” (أر31: 25)(97).

 

4- الأمثال (القصص الرمزية):

أستخدم
الوحى الإلهى بفم الأنبياء وفى أحاديثهم النبوية الأمثال والتى هى عبارة عن قصص
رمزية تبدو كأنها حقيقة، وكان وما يزال المقصود منها أن تقدم مغزى معين ومحدد يريد
الله أن يوصل رسالة من خلاله للشعب. وفى هذه الأمثال يصور الله ذاته بالآب والشعب
بالبنين ” ربّيتُ بنين ونشّأتهُم أما هم فعصوا على(98)“،
كما يصور نفسه بالزوج المحب والمخلص والأمين لزوجته والتى أحبها محبة أبدية، وصور
بنى إسرائيل بالزوجة، ولكن الزوجة الخائنة التى تركت زوجها وزنت مع عشاق كثيرين،
فى إشارة لعبادة بنى إسرائيل لعبادة لأصنام وأوثان كل الشعوب المجاورة لها. كما
صورهم بالكرمة التى كان من المفروض أن تكون من أجود الكروم ولكنها صارت الأردأ، بل
والكرمة غير المثمرة. كما صور الله نفسه بالفخارى الذى يصنع الأوانى والأوعية
الفخارية والإنسان بالوعاء الذى من طين والذى يشكله الفخارى (الله) بحسب ما يحسن
فى عينيه. وفيما يلى أبرز هذه الأمثال التى وردت فى العهد القديم:

أ‌- مثال الكرمة
أو الكرم “كرم الرب”:
يصور الوحى الإلهى بفم الأنبياء ومن خلال
أحاديثهم الإلهية النبوية فى أسفار الأنبياء أشعياء وأرمياء وحزقيال وهوشع بنى
إسرائيل بالكرم أو الكرمة التى غرسها الله، الكرام، لذاته فى أجود الأراضى وعلى
مياه كثيرة وأنتقى أجود البذور، وكان من المفروض والمتوقع أن تثمر عنباً جيداً
ولكنها صنعت عنباً رديئاً. ومن ثم كان لابد من قطعها وهلاكها، وذلك فى إشارة إلى
اختيار الله لبنى إسرائيل كشعبه المختار واهتمامه بهم ورعايته لهم ولكنهم ارتدوا
عنه وتركوا أحكامه ووصاياه وفرائضه “لأنشدن عن حبيبى نشيد محبى لكرمه. كان
لحبيبى كرم على أكمة خصبة. قنقبة ونقى حجارته وغرس فيه كرم سورق (أفضل كرمة) وبنى
برجاً فى وسطه ونقر فيه أيضا معصرة فأنتظر أن يصنع عنباً فصنع عنباً ردياً
أن كرم رب
الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذّته (بهجته) رجال يهوذا. فأنتظر حقاً فإذا سفك دم.
وعدلاً فإذا صراخ(99)“. وهذا الكلام قاله الله أيضا
بفم أرمياء النبى “وأنا قد غرستك كرم سورق زرع حق كلها فكيف تحولت إلى سرُوغ
(نبات برى) جفنة غريبة (أى تنكرت لى)(100)“. وفى
سفر هوشع يقول “إسرائيل جفنة كرمة ممتدة. يخرج ثمراً لنفسه. على حسب كثرة
ثمره قد كثر المذابح. على حسب جودة أرضه أجاد الأنصاب(101)“،
ويقصد بالمذابح والأنصاب هنا عناصر العبادة فى الديانة الكنعانية الوثنية، وذلك فى
إشارة لعبادتهم للأصنام. ثم يقول الوحى بفم أرمياء النبى عن دينونة الله لهم
“أصعدوا على أسوارها وأخربوها ولكن لا تفنوها. انزعوا أغصانها لأنها ليست
للرب. لأنه خيانة خاننى بيت إسرائيل(102)“. ويقول
عن رفضهم لكلمة الرب وعدم سماعهم لها “تعليلاً يعللون كجفنة (كرمة) بقية
إسرائيل
ها أن
أذنهم غلفاْ فلا يقدرون أن يصغوا. ها أن كلمة الرب صارت لهم عاراً. لا يُسرُّون
بها(103)“. وفى سفر حزقيال يصور غضب الله عليهم
بقوله “مثل عود الكرم بين عيدان الوعر التى بذلتُها أكلاً للنار كذلك أبذل
سكان أورشليم. وأجعل وجهى خدهم. يخرجون من نار فتأكلهم نار(104)“.
وفى ص 19 يرثيهم الوحى فى جزء من مرثاه على رعاة إسرائيل ويصفهم بالكرمة التى نبتت
وازدهرت زمناً، فى إشارة إلى عبادتها النقية لله، ولكنها ستقلع وتطرح على الأرض
وتلقى فى النار ويرثى لها بسبب عصيانها وارتدادها(105).

ب‌- مثال الأبنة
اللقيطة:
وفى
هذا المثال يصور الوحى بفم حزقيال النبى فى حديثه النبوى أورشليم وإسرائيل ككل
بصورة رمزية شديدة البراعة الأدبية، حيث يقدم لنا صورة لأبنة لقيطة ولدتها أمها
بعيداً عن أعين الناس وألقت بها على قارعة الطريق وتركتها ملوثة بدمها وبكرامة
نفسها دون أن تشفق عليها عين، سواء عين أمها أو غيرها، ونشأت كالفريسة التى لا أحد
يحميها. ومر بها الله ورآها ملوثة بدمها وأخذها ورباها وقطع معها عهد فصار زمنها
هو زمن الحب. ثم زينها وألبسها أفخر الملابس وجعلها تأكل أغلى وأفخر المأكولات
وصارت جميلة كملكة وصار لها أسماً وجمالاً نتيجة لانعكاس بهاء الله ومجده عليها
وآياته وأعماله التى صنع معها سواء فى سيناء أو فى أرض كنعان. ومع ذلك تركته، أى
ارتدت عن عبادة الله وخانته وزنت من ورائه، أي عبدت الأوثان، ونكثت فى عهدها مع الله
الذى قال لبنى إسرائيل “احترز أن تقطع عهداً مع سكان الأرض، فيزن وراء آلهتهم
ويذبحون لآلهتهم(106)“. ويستمر فى وصفه لزناها
الروحى أو عبادتها للأوثان حتى يصل إلى قوله “أيتها الزوجة الفاسقة تأخذين
أجنبيين مكان زوجها(107)“، ثم يحكم عليها بالهلاك
“وأسلمك ليدهم ويأخذون أدوات زينتك ويتركونك عريانة وعارية ويصعدون عليك
ويرجمونك بالحجارة ويقطعونك بسيوفهم ويحرقون بيوتك بالنار(108)“.
ثم يعود ويؤكد رحمتهُ لها بعد أن تتوب وتقر بذنوبها وذلك بسبب عهده الذى قطعهُ مع
الآباء ولكى تتم من خلالها الوعود التى سبق أن وعد بها والمتركزة فى ابن داود
الآتى الذى سيقيم ويؤسس العهد الجديد “ولكنى اذكر عهدى معك فى أيام صباك
وأقيم لك عهداً أبدياً
وأنا أقيم عهدى معك فتعلمين أنى أنا
الرب(109)“.

ويعود
الوحى الإلهى ويعدد خطايا وآثام ومعاصى إسرائيل فى ص 20 تفصيلاً دون الحاجة للجوء
للقصص الرمزية، فى حديث نبوى طويل ينتهى أيضا بالوعد بجمع المشتتين منهم من بين
الشعوب، البقية الأمينة، ليس بسببهم هم ولكن لأجل أسم الله وحده فقط ولتحقيق وعوده
“فتعلمون أنى أنا الرب إذا فعلتُ بكم من أجل أسمى(110)“.

ج

مثال الأختان الزانيتان:
وفى حديث نبوى طويل أيضا يصور الوحى الإلهى كل
من مدينة أورشليم ومدينة السامرة عاصمتى مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل بأختين
زانيتين زنتا مع كل جيرانها سواء فى مصر أو أرض كنعان أو أشور أو بابل أو صور، أى
عبدتا أصنام كل البلاد المجاورة لها وتركتا الرب إلهها لذلك يعلن عن غضب الله
عليهما ودينونته لهما وانتقامه منهما ودماره لهما بواسطة أهل هذه البلاد التى
عبدوا أوثانها(111).

د

مثال الزوجة الخائنة:
يصف الوحى الإلهى بفم الأنبياء فى أحاديثهم
النبوية عبادة إسرائيل للأصنام بالزنى الروحى “هل رأيت ما فعلت العاصية
إسرائيل انطلقت إلى كل جبل عال وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك، ففقتُ بعد ما فعلت
كل هذا أرجعى إلىّ. فلم ترجع
فرأيت أنه لأجل كل هذه الأسباب إذ زنت
العاصية إسرائيل فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاقها(112)“.

ويقول
الوحى الإلهى بفم هوشع النبى “فى بيت إسرائيل رأيت أمراً فظيعاً. هناك زنى
افرايم تنجس إسرائيل(113)“.

أما
أقوى مثال يصور فيه الوحى الإلهى بنى إسرائيل بالزوجة الخائنة ويصور الله بالمحب
الذى أحب محبة أبدية ولذلك يغفر بلا حدود وفى حالة التوبة والرجوع إليه والابتعاد
عن عبادة الأصنام وعبادته هو وحده باعتباره الإله الواحد الحق كلى القدرة خالق
الكون وما فيه، هو ما فعله الله فى حياة هوشع النبى شخصاً. فقد أحب هوشع النبى
جومر وتزوج بها بتدبير إلهى وتوجيه من الله، وأنجب منها ابنة واحدة وولدان، سمى
الأبنة “لورحامة” بمعنى “غير مرحومة” فى إشارة إلى أن الله لن
يرحم بنى إسرائيل بسبب خطاياهم “أدعُ أسمها لُورُحامة لأنى لا أعود أرحم بيت
إسرائيل أيضاً بل أنزعهم نزعاً(114)“، والابن الأول
أسماه “يزرعيل” فى إشارة إلى أن الله سيفنى إسرائيل مثلما أفنى عائلة
أخآب الملك الذى قتل نابوت اليزراعيلى(115)، والابن
الثانى أسماه “لوعمى” أى “ليس شعبى”، “أدعُ اسمه لوعمىّ
لأنكم لستم شعبى وأنا لا أكون لكم(116)“، وذلك فى
إشارة لرفض الله لهم بسبب شرورهم ومعاصيهم وارتدادهم عنه.

ثم
تظهر جومر، زوجة النبى على حقيقتها كامرأة خائنة وتترك زوجها وتزنى مع رجال كثيرين
إلى أن تصل إلي سن وحالة لا تصلح فيها كزانية فتباع كعبدة، ونظراً لمحبة زوجها لها،
هذا الحب الأبدى الذى لا يتزعزع، لذلك يفتديها ويشتريها بثمن افتداء عبد
“بخمسة عشر شاقل فضة(117)“، ويعطيها فرصة
للتوبة ثم يردها إليه ثانية، وتمثل زوجة النبى، جومر، هنا شعب الله، وتمثل خيانتها
وزناها عبادة الأصنام، ويمثل حب هوشع لها هذا الحب الغافر بلا حدود والذى لا
يتزعزع والذى جعلهُ يفتديها ثم يعيدها إليه، حب الله الأبدى وطول أناته وقبوله
توبة الخطاة ورجوعهم إليه، قبول توبة شعبه ورجوعهم إليه انتظارا لمجئ النسل الآتى
ابن داود الذى سيقدم الفداء لكل البشرية “بعد ذلك يعدو بنو إسرائيل ويطلبون
الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده فى آخر الأيام(118)“.

 

5- الأعمال الرمزية “

الأعمال
الرمزية هى تصرفات شخصية كان يقوم بها الأنبياء بتوجيه إلهى وكانت تبدو غريبة
وملفتة للنظر، وقد قصد بها الأنبياء لفت أنظار الشعب لهذا التصرف الذى كان يبدو
غريباً وشاذاً وملفتاً للنظر والتفكير فى فحواه ومغزاه، كان الهدف إذاً هو لفت
أنظار الشعب للمعنى المقصود فى هذا التصريف الرمزى الغريب بشدة وبصورة تجعله يفكر
فى الحدث، أى العمل الرمزى الذى قام به النبى، وأن يظل محفوظاً فى ذاكرته أطول مدة
ممكنة. وكانت هذه التصرفات والأعمال الرمزية للأنبياء تزيل عنهم عناء شرح بعض
الأمور التى قد لا يستقبلها الشعب، كما كانت تزيل عنهم، فى بعض الأحيان، الحرج
والوقوع فى مأزق دينى أو سياسى أو قومى وفى بعض الأحيان كانت توصل رسالة مباشرة
وبصورة عملية رمزية مباشرة:

v فى نهاية
حكم سليمان الحكيم، كان الله قد شاء أن يمزق المملكة بسبب ارتداد الشعب عن عبادة
الله وعبادته لأوثان الشعوب المجاورة وتركه لأحكام الله ووصاياه وفرائضه. فأمسك
أخيا الشيلونى النبى برداء يربعام بن ناباط الجديد الذى عليه “ومزّقهُ أثنتى
عشرة قطعة(119)” إشارة إلى تمزق مملكة إسرائيل،
وأعطى يربعام عشر قطع منها معلناً أنه سيملك على عشرة أسباط بينما يملك رحبعام بن
سليمان على سبطين فقط(120).

v وطلب إليشع
النبى من الملك يوآش أن يطلق سهمه فى اتجاه آرام وكانت قوة اندفاع السهم ترمز إلى
درجة الانتصار على آرام(121).

v وأشترى
أرمياء النبى منطقة من الكتان وارتداها لفترة دون أن يضعها فى الماء، وطلب منه
الله أن يطمرها عند نهر الفرات ثم عاد وأخذها بعد فترة من الزمن، وكانت قد فسدت
علامة ورمزاً على أن شعب الله كان قريب جداً من الله ثم ابتعد عنه وفسد وأصبح بلا فائدة(122).

v وطلب الله
من أرمياء النبى أن يذهب إلى بيت الفخارى، وهناك رأى كيف يعيد الفخارى الإناء،
الوعاء، الذى فسد وكيف يشكلهُ من جديد، وذلك رمزاً وإشارة لسلطان الله وسيادته على
خليقته وكيف يعيد تشكيل الإنسان من جديد، خاصة فى حالة التوبة والرجوع إليه(123).

v وأمره الله
أن يكسر إبريق من الفخار أمام الشعب رمزاً لدمار يهوذا وأورشليم وانكسار الشعب
الآتى “هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخارى بحيث لا يمكن
جبرهُ بعد(124)“.

v وأراه سلتان
موضوعتان أمام الهيكل، واحدة بها تين جيد والأخرى بها تين ردئ، وقد رمز بالتين
الجيد للذين ذهبوا إلى السبى فى بابل، والتين الردئ بالذين بقوا فى الأرض ولم
يذهبوا إلى السبى سنة 597 ق.م.(125).

وكانت
مهمة حزقيال النبى فى السبى شاقة وعسيرة، فقد كانت رسالته إلى شعب من “صلاب
الجباه وقساة القلوب(126)“، وكان مستمعوه من اليهود
الذين كانوا قد نقلوا إلى السبى فى المرحلتين الأولى (605ق.م.) والثانية (597ق.م.)
ولم تكن أورشليم قد سقطت بعد، والهيكل كان لا يزال باقياً، قائماً، وكان المسبيون
لا يزال لديهم الأمل فى الانتصار والعودة ثانية إلى أورشليم والصلاة فى الهيكل،
برغم أن الله سبق وأكد بفم أرمياء النبى حتمية السبى ودوامه مدة سبعين سنة، ودمار
المدينة والهيكل دماراً كاملاً. وقد أعلن الله هذه الحقيقة بفم حزقيال النبى أيضا
ولكن الأنبياء الكذبة قالوا بعكس ذلك، كما لم يكن فى تصور الشعب أن الله سيتخلى عن
أورشليم والهيكل، وبالتالى لم يكن أبداً مستعداً لسماع عكس ما كان يتصور وكان
إعلان حتمية دمار الهيكل والمدينة يمثل الاتهام بالخيانة الوطنية
ومن أجل
ذلك وجه الله حزقيال النبى للعمل الرمزى والكشف عن هذه الحقائق بصورة رمزية.

v رسم على
لبنة من طين (قالب طوب لم يحترق بعد) سوراً لأورشليم وجعل عليها حصار وذلك رمزاً
لحصارها الأخير والقادم(127).

v كما أمره أن
ينام على جنبه الأيسر 290 يوماً رمزاً لأثم إسرائيل، وأن ينام على جنبه الأيمن 40
يوماً رمزاً لأثم يهوذا. وأن يأكل الطعام بالوزن ويشرب الماء بالكيل رمزاً لما
سيعانيه الشعب من جوع وعطش أثناء الحصار الآتى على أورشليم(128).

v كما أمره أن
يحلق شعره بالموس وأن يوزنه ويقسمه إلى ثلاثة أقسام، ثم يحرق ثلثه بالنار ويضرب
الثلث الثانى بالسيف ويذرى الثلث الباقى فى الريح، رمزاً لما سيحل بالشعب المحاصر
بالمدينة والذى سيهلك ثلثه بالنار وثلثه بالسيف ويذهب الثلث الباقى إلى الشتات فى
بلاد كثيرة(129).

6-
البركة البطريركية (بركة نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب):

البركة
البطريركية هى التى بارك بها الآباء البطاركة نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأولادهم
وأحفادهم ونسلهم من بعدهم، وكانت بركتهم عبارة عن نبوات لما سيحدث فى مستقبل
الأيام لنسلهم ونسل الشعوب المرتبطة بنسلهم، بل وبمستقبل ومصير كثير من الشعوب
والأمم. كان الروح القدس يقودهم ويرشدهم ويتكلم بفمهم وعلى لسانهم، يقول القديس
بولس بالروح:

v “بالإيمان
إسحق بارك يعقوب وعيسو من جهة أمور عتيدة. بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحد
من أبنى يوسف وسجد على رأس عصاه بالإيمان يوسف عند موته ذكر خروج بنى إسرائيل
وأوصى من جهة عظامه” (عب 20: 11-22).

كانوا
يتكلمون بالروح القدس عما سبق أن قررته العناية الإلهية بحسب إرادة الله وعلمه
السابق، عما سيحدث وما سيكون فى مستقبل الأيام، وكانت هذه البركة البطريركية، أو
النبوات المستقبلة، تتم سواء بإرادة هؤلاء البطاركة أو بدون إرادتهم. وبارك نوح
أبنه سام “وقال مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبداً لهم(130)“.
كما بارك ملكى صادق ملك ساليم وأقدم كاهن يذكر فى الكتاب المقدس إبراهيم
“وقال مبارك إبرام من الله العلى(131)“، كما
بارك إسحق يعقوب وقال له “ليستبعد لك شعوب وتسجد لك قبائل كن سيداً لأخوتك
وليسجد لك بنو أمك..(132)“، كما بارك “يعقوب
فرعون(133)“، “وبارك يوسف(134)“،
وبارك ابنى يوسف “الملاك الذى خلصنى من كل شر يبارك الغلامين(135)“، وبارك بقية أولاده الأثنى عشر(136)، والملاحظ كانت تتم بناء على إرادة الله فقط، دون
إرادة البشر، حتى لو أعترض البشر على ذلك. فعندما بارك إسحق يعقوب وكان يعتقد أنه
عيسو لم يقدر أن يتراجع فى ذلك بعد أن عاد عيسو وعرف إسحق أن من باركه هو يعقوب
وليس عيسو، ولأنه كان يرى بعين النبوّة ويضع الله على فمه ما كان يختص بيعقوب
ومستقبل نسله، وإن كان إسحق قد أخطأ فى التمييز بين يعقوب وعيسو فالروح القدس ألا
يمكن أن يخطئ، وما يدل على ذلك أنه عندما طلب الملاك بالاق من بلعام بن بعور
العراف أن يلعن أبناء يعقوب “قال الله بلعام لا تذهب معهم (رجال بالاق) ولا
تلعن الشعب لأنه مُبارك(137)“، ولما ألح بالاق على
بلعام أن يلعن الشعب يقول الكتاب “فوافى الربُّ بلعام ووضع كلاماً فى فمه
وقال أرجع إلى بالاق وتكلم هذا”، ثم قال بلعام لبالاق “إني قد أمرتُ أن
أبارك. فأنهُ قد بارك فلا أرُّدهُ(138)“، ولما بارك
يعقوب ابنى يوسف منسى وأفرايم تنبأ بأنهُ سيكون لهما مكانة بين أبناء يعقوب كرأوبين
وشمعون. ولما قربهم يوسف من أبيه وضع منسى الابن الأكبر أمام يد يعقوب اليمنى
ليأخذ بركة البكر، ووضع أفرايم أمام يد يعقوب اليسرى ليأخذ بركة الأصغر، فعبر
يعقوب بيده اليمنى ووضعها على أفرايم وعبر يده اليسرى ووضعها على منسى، ولما أعترض
يوسف على ذلك وحاول أن يضع يد أبيه على منسى ويلفت نظره أنه البكر، أصر يعقوب على
موقفه الذى وضعهُ فيه روح الرب وقال “علمتُ يا ابنى علمت. هو أيضا يكون شعباً
وهو أيضا يصير كبيراً. ولكن أخاهُ الصغير يكون أكبر منهُ ونسله يكون كجمهور من
الأمم.. فقدم أفرايم على منسى”، مؤكداً على أن إرادة الله ومشيئته وعلمه
السابق هو أن يكون نسل أفرايم الابن الأصغر أعظم من نسل منسى الابن الأكبر.

 

(1) 1مل 41: 11؛ 19: 14؛29؛
7: 15،23،31؛ 5: 16،14،20،27؛ 11: 21؛ 39: 22،45؛

2مل
18: 1؛ 23: 8؛ 34: 10؛ 19: 12؛ 8: 13،12؛ 15: 14،28؛ 11: 15،15،21،26،31
، 36؛ 19: 16؛ 20: 20؛ 17:
21،25؛ 28: 23؛ 5: 24؛ 1أخ 1: 9، 2أخ15: 12؛ 22: 13؛ 34: 20؛ 27: 24؛ 7: 27؛ 26: 28؛
19: 33؛ 25: 35-27

(2) أر 14: 49 (أنظر عو 1:
1)

(3) حج 13: 1

(4) خر 10: 3

(5) قض 8: 6

(6) أر 7: 1

(7) ملا 1: 3

(8) 1يو 9: 4

(9) خر 22: 4

(10) حز 1: 5

(11) 2أخ 20: 24

(12) أش 5: 38

(13) أش 24: 44

(14) عا 1: 2

(15) حز 11: 34

(16) تك 1: 12

(17) تك 2: 22

(18) خر 19: 4

(19) خر 27: 4

(20) خر 15: 7

(21) خر 10: 19

(22) 1مل 1: 18

(23) 1مل 15: 19

(24) أر 12: 3

(25) أر 2: 35

(26) حز 4: 3

(27) هو 1: 3

(28) يون 2: 1؛ 2: 3

(29) أش 9: 6

(30) أر 19: 5؛ 4: 8؛ 17: 14؛
2: 15؛ 8: 21؛ 4: 26؛ 4: 45

(31) أر 11: 19؛ 27: 25،28

(32) أنظر أر 20: 17؛ 3: 19؛
11: 21

(33) أر 4: 34

(44) أر 15: 42؛ 26: 44

(37) تك 16: 22

(38) تك 7: 24؛ تث 10: 6،18

(39) حز 11: 13

(40) عدد 10: 32؛ تث 34: 1؛
21: 4

(41) تث 8: 1؛ 14: 2؛ 8: 7،12؛
1: 8،18؛ 5: 9؛ 9: 11،21؛ 17: 13؛ 8: 19؛ 3: 26؛ 9: 28،11؛ 20: 30

(42) 2صم 9: 3

(43) مز 4: 110

(44) مز 11: 132

(45) أش 24: 14؛ 8: 62

(46) أر 5: 22

(47) أر 14: 51

(48) عا 2: 4

(49) عا 8: 6

(50) عا 7: 8

(51) عد 21: 14

(52) عد 28: 14

(53) تث 40: 32

(54) أر 18: 46

(55) أش 18: 49؛ 24: 22

(56) حز 11: 5؛ 48: 16؛ 16:
17،19؛ 3: 18؛ 33: 20؛ 27: 33؛ 8: 34؛ 6: 35،11

(57) حز 3: 20،31

(58) حز 11: 33

(59) صف 9: 2

(60) عد 3: 23؛ 2مل 10: 8،13؛
أر 1: 24

(61) أر 21: 37

(62) حز 25: 11

(63) عا 1: 7،4،7؛ 1: 8

(64) حز 7: 6

(65) خر 5: 7؛ 4: 14،18

(66) خر 17: 7

(67) خر 22: 8

(68) خر 2: 10؛ 46: 29؛ لا
43: 23

(69) خر 12: 16

(70) لا 44: 11،45؛ عد 34: 35

(71) لا 22: 24

(72) أش 10: 43

(73) أر 7: 24

(74) حز 62: 16؛ 42: 20؛ 27:
34،30؛ 11: 36،23،36،38؛ 6: 37،13،14،28؛ 23: 38؛ 7: 39،22؛28: 39

(75)

(75) حز 8: 5،13؛ 7: 6،10،13،14؛
4: 7،9،27؛10: 11،12؛ 16: 12؛ 21: 17، 24؛ 12: 20،20،26،33،38،44،48؛
5: 21؛ 16: 22،22؛49:
23؛9: 24،24،27؛
5: 5،7،11،17؛2: 26؛ 22: 28،23،24،26؛ 6: 29،9،16،21؛
8: 30،19؛ 26: 25؛ 15: 32؛ 11: 33،39؛ 4: 35،6،9،12،15؛ 6: 39 (وأنظر خر 13: 31؛
لا 17: 25؛ تث 6: 29؛ 16: 60؛ أر 24: 9).

(76) تك 1: 15

(77) تك 24: 26

(78) تك 3: 46

(79) تث 21: 1

(80) تث 8: 31

(81) يش 1: 8

(82) قض 23: 6

(83) أش 10: 41

(84) أش 13: 41،14

(85) أش 10: 43

(87) وأنظر أش 4: 7؛ 2مل 6:
19؛ أش 8: 41-13،14-16؛ 1: 44-5، أر 10: 30،11؛ 9: 42-12؛ 19: 15-21؛ أش 7: 51؛ 4:
54؛ يؤ 19: 2-20؛ أش 9: 58؛ 1: 65

(88) 2مل 13: 17

(89) أر 3: 7

(90) ملا 8: 3

(91) أنظر أيضا أر 12: 3-13،22؛
1: 7-15؛ 1: 11-8؛ 1: 4-4؛ أش 10: 1-17؛ هو 15: 5؛ 1: 6-6؛ 2: 14-4؛ عا 4: 4-7،11-15،21-24؛
14: 5،15

(92) أنظر 2مل 6: 1،15-16؛
أش 12: 3، 10: 29-11،13-14؛ أر 11: 16-13؛ عا 2: 3؛ 1: 4-2؛ 11: 6،12؛ 4: 8-8؛
ميخا 9: 3؛ 13: 7

(93) 1مل 17: 21-19؛ أش 23:
13؛ أر 51: 46

(94) أنظر أيضا أش 12: 56؛
1: 57؛ 13: 57؛ 7: 65-8،10،11

(95) أنظر أش 9: 3؛ 8: 5،18،20،21،22؛
5: 6؛ 5: 10؛ 16: 24؛ 1: 28؛ 1: 19،15؛ 1: 30؛ 1: 33؛ 9: 45،10؛ أر 13: 4،31؛ 4: 6؛
19: 10؛27: 13؛ 10: 15؛ 13: 22؛ 1: 23؛ 3: 45؛ 1: 48،46؛ 27: 50؛ مراثى 16: 5؛ حز
10: 2؛ 3: 13،18؛ 23: 16؛ 6: 24،9؛ هو 13: 7؛ 12: 9؛ عا 18: 5-20؛ 1: 6-7؛ ميخا 1:
7؛ ناحوم 1: 3؛ حب 6: 2،9،12،15،19؛ صف 5: 2؛1: 3؛ زك 17: 11

(96) أش 1: 41؛ 22: 51؛ 4: 59

(97) أر 19: 49؛ 44: 50؛ عا
4: 7؛ ميخا 2: 6

(98) أش 2: 1

(99) أش 1: 5،2،7

(100) أر 9ك35

(101) هو 1: 10

(102) أر 10: 5،11

(103) أر 9: 6،10

(104) حز 6: 15-8

(105) حز 10: 19-14

(106) حز 15: 34

(107) حز 32: 16

(108) حز 39: 16،40

(109) حز 61: 16،62

(110) حز 44: 20

(111) حز 23

(112) أر 6: 3-8

(113) هو 10: 6

(114) هو 6: 1

(115) هو 2مل 9-10

(116) هو 9: 1

(117) هو 2: 3

(118) هو 5: 3

(119) 1مل 30: 11

(120) 1مل 30″11،31

(121) 1مل 30: 11،11

(122) 2مل 15: 13-16

(123) أر 1: 13-11

(124) أر 1: 18-10

(125) أر 1: 19-11

(126) أر 1: 24-3

(127) حز 7: 3

(128) حز 1: 4-3

(129) حز 9: 4-11

(130) حز 1: 5-12

(131) تك 26: 9

(132) تك 19: 14

(133) تك 29: 27

(134) تك 10: 47

(135) تك 15: 48

(136) تك 16: 48

(137) تك 48،49

(138) عد 16: 22

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى