علم الكتاب المقدس

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل
الثانى

دعوة
الأنبياء والرسُل
وتكليفهم
بحمل الرسالة الإلهية

 

قال
السيد المسيح لتلاميذه ورسله “ليس أنتم أخترتمونى بل أنا أخترتكم وأقمتكم
لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.. أنا أخترتكم من العالم(1)“.وكان
هذا الأختيار مبنياً على أساس معرفته الإلهية المطلقة “أنا أعلم الذين
أخترتهم(2)“. ويشمل هذا الأختيار الإلهى حتى يهوذا
الأسخريوطى الذى باعه بثلاثين من الفضة “أليس أنا أخترتكم الأثنى عشر وواحد
منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الأسخريوطى(3)“.

وما
قاله السيد المسيح لتلاميذه ورسله هو القاعدة والأساس والمبدأ فى اختيار الله
لأنبيائه ورسله، جميع الأنبياء والرسل بل وقادة شعبه المختار، لحمل رسالته الإلهية
وإعلان ذاته وإرادته للبشرية وقيادة شعبه المختار. كان الله هو الذى يختار فيدعو
ويبادر بالدعوة والتكليف، دائماً، دون علم أو توقع أو انتظار أو سعى من مخلوق ما
وكانت الدعوة الإلهية للأنبياء والرسل دائماً مباغتة ومفاجئة وغير متوقعة بالمرة
سواء من المدعوين للنبوة وحمل الرسالة الإلهية أو من الشعب أو الشعوب، فلا النبى
كان يتوقع النبوة ولا مستمعيه كانوا يتوقعون له ذلك. يقول عاموس النبى عن دعوته
للنبوة وحمل الرسالة الإلهية “لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبى بل أنا راع
وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى أذهب تنبأ لشعبى إسرائيل(4)“.

كان
عاموس مجرد راعى غنم وجانى جميز بسيط ولم يتوقع فى يوم من الأيام، لا هو ولا الشعب،
أن يكون نبياً، ولم تبدو عليه أية مظاهر ملفتة، قبل دعوته من الله، تدل على أنه
سيكون نبياً.

كان
الأختيار الإلهى يتم دائماً بناء على إرادة الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق،
كقول القديس بولس الرسول بالروح “الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم(5)“، وقوله عن اختيار الله السابق له “الله الذى
أفرزنى من بطن أمى ودعانى بنعمته أن عيل أبنهُ فىّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم
أستشر لحماً ودماً ولاصعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلى(*)“،
وكقول الله لأرمياء النبى “قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم
قدستك جعلتك نبياً للشعوب(6)“، وغالباً ما كانت تتم
دعوة الأنبياء على غير إرادتهم ورغبتهم، بل ورغم عنهم، فقد كانت النبوة بالنسبة
لهم حمل ثقيل لا يقدر عليه بشر بدون معونة الله وتأييده وموآزرته وتشديده. وقد
قبلها البعض من الأنبياء على الفور كتكليف إلهى لا يمكن رفضه، أو نتيجة لحلول روح
الله وتأثيره عليهم، وتردد البعض فى القبول شاعراً بثقل المهمة وعظمها، مثل أرميا
النبى، وقبلها البعض كارهاً ومجبراً مثل يونان النبى، وحاول موسى النبى التنصل
منها ورفضها. وعموماً فقد كان جميع أنبياء بنى إسرائيل يخشون مواجهة هذا الشعب
العنيد وصلب الرقبة وقاسى القلب، كما وصف الله لكل من أشعياء النبى وحزقيال النبى:

v “الثور
يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف شعبى لا يفهم” (أش3: 1).

v “يا
ابن آدم أن مُرسلك إلى بنى إسرائيل إلى أُمّة متمردة.. البنون القساة الوجوه
والصلاب القلوب” (حز 3: 2،4).

وكان
ينتاب الأنبياء فى الأغلب الشعور بالخوف والتردد والرهبة.

 

أولاً: دعوة الأنبياء فى العهد القديم للنبوّة:

1- دعوة موسى النبى:

كانت
دعوة الله لموسى النبى والأسلوب الذى تعامل به فى مواجهة الدعوة نموذجاً لرد فعل
الأنبياء تجاه الدعوة الإلهية لحمل رسالة الله وإعلاناته، فمنذ الساعات الأولى
لمولد موسى النبى نرى العناية الإلهية تحافظ عليه وتنقذه من الموت وتحفظه فى بيت
فرعون الذى أراد إهلاكه مع بقية مواليد بنى إسرائيل من الذكور(7)
بل وسمحت الإرادة الإلهية أن يتربى موسى كأمير فى قصر فرعون حتى يلم بكل فنون
وعلوم وحكمة قدماء المصريين، أو كما يقول الكتاب “فتهذّب موسى بكل حكمة
المصريين(8)“، ثم سمحت الإرادة الإلهية بخروجه من
قصر فرعون وذهابه إلى سيناء ليعيش هناك مدة مثيلة للتى قضاها فى قصر فرعون 40 سنة(9)، كراع غنم رعوئيل كاهن مديان ويتزوج بإحدى بناته،
تمهيداً وأستعداد للعمل العظيم الذى كان الله يعده للقيام به، وهو قيادة شعبه فى
رحلة الخروج من مصر إلى كنعان واستلام الشريعة الإلهية ووضع نظام العبادة والكهنوت،
ومع ذلك فعندما ظهر له الله، كملاك لرب، فى هيئة لهيب نار مشتعلة فى العليقة،
وكلمة “ناداه الله من وسط العُليقة(10)“، ودعاه
للذهاب إلى مصر وقال له “هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبى بنى إسرائيل من مصر(11)“، تردد موسى، وهو عالم وشاعر بضعفه كإنسان وبعظم
وثقل المهمة التى كلفه الله بها، حاول أن يرفضها ويتهرب منها متعللاً بعدة حجج،
وقال الله “من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى إخراج بنى إسرائيل من مصر.. ها هم
لا يصدقوننى ولا يسمعون لقولى.. بل يقلون لم يظهر لك الرب(12)“،
ولما أكد له الله أنه سيكون معه ولن يتركه وسيؤيده ويوآذره بالمعجزات، قال له
“استمع أيها السيد. لستُ أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين
كلمت عبدك. فقال له الرب من صنع للإنسان فماً أو أن من يصنع أخرس أو أصم أو بصير
أو أعمى. فالآن أذهب وأن أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به(13)“،
ويبلغ موسى الذروة فى محاولات للتهرب بل والتخلص من هذه المهمة حين يقول لله: “أستمع
أيها السيد. أرسل بيد من ترسل(14)“، حتى يقول الكتاب
“فحمى غضب الرب على موسى وقال أليس هرون اللاوى أخاك. أنا أعلم أنه هو يتكلم.
وأيضا هو خارج لاستقبالك. فحينما يراك يفرح بقلبه. فتكلمه وتضع الكلمات فى فمه
وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشعب عنك. وهو يكون لك
فماً وأنت تكون له إلهاً وتأخذ فى يدك هذه العصا التى تصنع بها الآيات(15)“، وقبل موسى النبى المهمة مضطراً ومزعماً وبقى فى
حالة تردد حتى بعد أن قابل بنى إسرائيل وفرعون وكان يُردد عبارات “لماذا
أرسلتنى؟(16)“، “أنا أغلف الشفتين، فكيف يسمع
لى فرعون؟(17)“، إلا أنه صار أعظم أنبياء بنى
إسرائيل ولقب بالمشرع العظيم، حتى قال عنه الكتاب “ولم يقم بعد نبى فى
إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه فى جميع الآيات والعجائب التى أرسله
الرب ليعملها فى أرض مصر.. وفى كل اليد الشريدة وكل المخاوف العظيمة التى صنعها
موسى أمام أعين جميع إسرائيل(18)“، وأيضا “وكان
مقتدراً فى الأقوال والأفعال(19)“.

 

2- دعوة جدعون القاضى:

كان
جدعون يعمل فى معصرة للحنطة وفجأة ودون أى توقع أو انتظار “ظهر له ملاك الرب
وقال له. الرب معك يا جبار البأس(20)“، فسأله جدعون
عن سبب رفض الرب لهم وتسليمهم لأعدائهم، وهنا قال له “أذهب بقوتك هذه وخلص
إسرائيل من كف مديان، أما أرسلتك(21)“. وأمام هذه
المفاجأة والدعوة غير المتوقعة قال جدعون للرب الظاهرة كملاك الرب “أسألك يا
سيدى بماذا أخلص إسرائيل. ها عشيرتى هى الدلى فى منسى وأنا الأصغر فى بيت أبى.
فقال له الرب أنى أكون معك ولتضرب الديانيين كرجل واحد(22)“.
فطلب منه أن يعطيه عامة تبرهن على أن هذا التكليف إلهى وأنه سينجح فيه. وأعطاه
العلامة فانطلق جدعون بكل ثقة فى تنفيذ التكليف الإلهى الذى لم يتوقعه بشر.

 

3- دعوة صموئيل النبى:

كان
صموئيل النبى مكرساً للرب ومقيماً فى الهيكل منذ صباه يخدم الرب أمام عالى الكاهن
وكان، كما يقول الكتاب “يتزايد نمواً وصلاحاً لدى الرب والناس أيضا(23)“، و”كانت كلمة الرب عزيزة(24)
فى أيامه، ومع ذلك فقد كانت دعوة الله له ليكون نبياً غير واردة على الأقل وهو صبى
صغير، أو كما يقول الكتاب “ولم يعرف صموئيل الرب بعد ولا أُعلن له كلام الرب
بعد(25)“، ولما دعاه الصوت الإلهى “صموئيل
صموئيل” تصور أنه صوت عالى الكاهن، ولما تكررت هذه الدعوة الإلهية والصوت
الإلهى ثلاثة مرات “فهم عالى الكاهن أن الرب يدعو الصبى. فقال عالى لصموئيل
أذهب وأضطجع ويكون إذا دعاك تقول تكلم يا رب لأن عبدك سامع… فجاء الرب ووقف ودعا
كالمراث الأول صموئيل صموئيل. فقال صموئيل تكلم لأن عبدك سامع. فقال الرب لصموئيل
هوذا أنا فاعل أمراً فى إسرائيل كل من سمع به تطن أذناه… وكبر صموئيل وكان الرب
معه ولم يدع شيئاً من كلامه يسقط إلى الأرض. وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع
أنه أؤتمن صموئيل نبياً للرب وعاد الربُّ يتراءى فى شيلوة لأن الرب أستعلن لصموئيل
فى شيلوة بكلمة الرب(26)“. وهكذا صار صموئيل نبياً
بتعيين إلهى ودعوة إلهية لا دخل لإنسان فيها.

 

4 اختيار داود بن يسى ملكاً ومسيحاً ونبياً للرب:

كان
الأختيار الإلهى لداود بن يسى ليكون ملكاً ومسيحاً للرب، إلى جانب موهبة النبوة
التى أُعطيت لهُ، مثالاً ونموذجاً للأختيار الإلهى واختلاف نظرة الله فى اختياره
لمختاريه عن نظرة الإنسان، فالإنسان ينظر إلى “الطول والعرض والعينين”
المظهر الخارجى، أما الله فينظر إلى القلب ويعلم ما هو الإنسان ومن هو وما سيكون
عليه. كان داود الذى قال عنه الله “وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبى الذى
سيصنع كل مشيئتى(27)” والذى صار، فيما بعد شاعراً
روحياً وموسيقياً يترنم وينشد المزامير الموحى بها ودعى “مرنم إسرائيل الحلو(28)“، ونال موهبة النبوة وصار نبياً يوحى إليه ويتكلم
الروح القدس بفمه وعلى لسانه كقوله بالروح “روح الرب تكلم بى وكلمته على
لسانى(29)“، مختاراً سابقاً من الله. وعندما طلب
الله من صموئيل النبى أن يمسح أحد أولاد يسى البيتلحمى، الذى من بيت لحم، بالدهن
المقدس ليكون ملكاً على شعبه ومسيحاً للرب، نظر صموئيل، كإنسان، إلى المنظر وطول
القامة، فلما رأى اليآب، الأبن الأكبر ليسى، “قال أن أمام الرب مسيحه. فقال
الرب لصموئيل لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأنى قد رفضته. لأنه ليس كما ينظر
الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب.. وعبّر
يسّى بنيه أمام صموئيل فقال صموئيل ليسى الرب لم يختر هؤلاء”. ولم يبق من
أولاد يسى لم يعبر أمام صموئيل النبى سوى الأصغر والذى كان يرعى الغنم “وكان
أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر”، ولم يتوقع يسى أبداً أن هذا الأبن
الأصغر الرقيق المشاعر وعازف الألحان الموسيقية يمكن أن يكون ملكاً قوياً يقود
الشعب والجيش فى حروبه مع أعدائه المحيطين به فى كل ناحية. ولما جاءوا به إلى
صموئيل النبى “قال الرب قم امسحه لأن هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدهن. ومسحه
فى وسط أخوته. وحل روح الرب على دواد من ذلك اليوم فصاعداً(30)“.

وهكذا
كما يقول الكتاب “أنتخب الربُّ لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمرهُ الربُّ أن يترأّس
على شعبه(31)“.

 

5- دعوة أشعياء النبى:

أرتبطت
دعوة أشعياء النبى برؤيا سمائية مهيبة للعرش الإلهى والحضرة الإلهية فى الهيكل
(القدس) والسرافيم، أى طغمة الناريين، يسبحون بقداسة الله قائلين: “قدوس قدوس
قدوس رب الجنود مجده ملءُ كل الأرض”، أى “الأرض كُلُها مملوءة من
مجده”. وأمام هذا الجلال الإلهى والعظمة الإلهية والقداسة شعر أشعياء بعظم
أثمه وأثم شعبه فصرخ قائلاً “ويل لى أنى قد هلكتُ لأنى إنسان نجس الشفتين
وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينىّ قد رأتا الملك رب الجنود(32)“. فطار إليه واحد من السرافيم وطهر شفتيه بجمرة
من على المذبح، رمزاً للتطهير بدم المسيح. وبعد أن تطهر من أثمه لم يتردد فى قبول
الرسالة، بل وقبلها على الفور. إذ أنه عندما سمع صوت الرب يقول “من أُرسل ومن
يذهب من أجلنا” قال بدون تردد “هانذا أرسلنى(32)“.

 

6- دعوة أرميا النبى:

تشبه
دعوة أرميا النبى إلى حد ما دعوة موسى النبى من جهة موقف النبى ورد فعله تجاه
الدعوة الإلهية لحمل رسالة الله وإعلاناته وليكون فمه والمتكلم باسمه، ومع التأكيد،
هنا، على حتمية وحقيقة الأختيار الإلهى المبنى على أساس علم الله السابق ومعرفته
بما سيكون عليه الإنسان. يقول أرميا النبى بالروح “فكانت كلمة الرب إلىّ
قائلاً: قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدّستك. جعلتك نبياً
للشعوب”. وفى هذه اللحظة وأمام هذا التكليف الإلهى المباشر شعر أرميا بالرهبة
وبعظم المسئولية والمهمة الموكلة إليه والمكلف بها من الله مباشرة، كما شعر بضعفه
كإنسان وبضآلته أمام هذه المهمة الثقيلة والمهيبة، فقال متأوهاً “آه يا سيدّ
الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد”، فقال له الرب “لا تقل أنى ولد
لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب فتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا
معك لأنقذك يقول الرب”. ثم يقول أرميا النبى بالروح “ومد الرب يده ولمس
فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك.أنظر. قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب،
وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبنى وتغرس(33)“.

 

7- اختيار سليمان الحكيم:

كان
رد فعل سليمان الحكيم أمام قبول المهمة التى أوكلها الله إليه، لا ليكون مجرد ملك
على إسرائيل وإنما حكيماً وشاعراً إلهياً ومنشداً للأناشيد الروحية ومتكلماً
بالأمثال التعليمية، شبيه تماماً برد فعل أرميا النبى أمام الدعوة الإلهية ليكون
نبياً. وكان الله قد سبق أن وعد داود الملك والنبى أبنه سليمان هو الذى سيجلس على
كرسيه من بعده وأنه هو الذي سيبنى الهيكل للرب وقال لهُ “متى كلمت أيامك
واضطجعت مع آبائك أيقيم بعدك نسلك الذى يخرج من أحشائك وأثبت مملكتهُ. هو يبنى
بيتاً لأسمى وأنا أثبت كرسى مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أباً وهو يكون لىّ
أبناً(34)“. وقال داود عن هذا الوعد “الرب
أعطانى بنين كثيرين إنما أختار سليمان ابنى ليجلس على كرسى مملكة الرب على إسرائيل.
وقال لى أن سليمان أبنك هو يبنى بيتى وديارى لأنى اخترته لى أبناً وأنا أكون له
أباً(35)“، ومع ذلك فعندما تراءى له الرب وكلمه فى
الحلم وقال له “أسأل ماذا أعطيكم؟”، قال سليمان “والآن أيها الرب
إلهى أنت ملكت عبدك مكان داود أبى وأنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول. وعبدك فى
وسط شعبك الذى أخترته شعب كثير لا يُحصى ولا يُعد من الكثرة”. ولكنه لم يرفض
الملك وإنما طلب من الله أن يعطيه الحكمة والفهم ليحكم بحسب عدل الله “فأعط
عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأُميز بين الخير والشر(36)“،
فأعطاه الله حكماً وفهماً أكثر مما طلب أو تصور، “هوذا أعطيتك قلباً حكيماً
ومميزاً حتى أنهُ لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظير(37)“.

ويقول
الكتاب “وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق وكل حكمة مصر. وكان أحكم من
جميع الناس… وكان صيتهُ فى جميع الأمم حواليه. وتكلم بثلاثة آلاف مثل. وكانت
نشائده ألفاً وخمساً. وتكلم عن الأشجار من الأرز الذى فى لبنان إلى الزوفا النابت
فى الحائط. وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من
جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته(38)“.

 

8- دعوة يونان النبى:

بلغ
يونان النبى الذروة فى تردده أمام الدعوة الإلهية والمناداة بالتوبة لأهل نينوى،
هذا التردد والذى وصل حتى الرفض النهائى لقبول المهمة الإلهية الموكولة إليه
ومحاولة الهرب من أمام وجه الله: “وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاى قائلاً
قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنهُ قد صعد شرهم أمامي”.
وبدلاً من أن يسمع كلام الله ويطيعه “قام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب(39)“.

كانت
مدينة نينوى من بلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا حالياً) وكانت من خارج دائرة
بنى إسرائيل، أى من الأمم، وكان يونان نبياً من بنى إسرائيل(40)،ولم
يدر فى ذهنه اهتمام الله بخلاص الأمم كما كان يعرف أن الله “رؤوف ورحيم وبطئ
الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر(41)“، وأنه
سيقبل توبة أهل نينوى ولا يهلكهم مع مدينتهم ولذلك بادر لا بالرفض فحسب وإنما هرب
من وجه الرب، كما تصور، فدبر الله أن يُلقى يونان فى البحر وأعد حوتاً ليبتلعه
ويبقى فى جوفه ثلاثة(42) أيام. ولما خرج من بطن الحوت،
أضطر لقبول التكليف الإلهى(43) وتاب أهل نينوى بسبب
مناداته، وقبل الله توبتهم “فغم يونان ذلك غماً شديداً فأغتاظ وصلى إلى الرب
وقال آه يا رب أليس هذا كلامى إذ كُنت بعد فى أرضى. لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش
لأنى علمت أنك إله رؤوف ورحيم وبطيئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. فالآن يا
رب خذ نفسى منى لأن موتى خير من حياتى(43)“. وأعطاه
الله درساً فى حبه لخليقته.

 

9- دعوة حزقيال النبى:

كانت
دعوة حزقيال النبى مهيبة ورهيبة ومباغتة ولا تقل عظمة وجلالاً ورهبة عن دعوة
أشعياء النبى. وقد جاءته الدعوة فى أصعب وأحرج مراحل تاريخ شعب الله حيث كان جزءً
كبيراً منه فى الأسر فى بابل، السبى البابلى، وكانت أورشليم محاصرة بجيوش الأعداء
والهيكل على وشك الدمار. وفيما كان حزقيال بين المسبيين فى بابل رأى السموات قد
أنفتحت ورأى “رؤي الله” وشبه مجد الرب يجلس على شبه عرش، يقول النبى
“ولما رأيته خررت على وجهى. وسمعت صوت متكلم(44)“،
“وقال لى يا ابن آدم قم على قدميك فأتكلم معك. فدخل فى روح لما تكلم معى
وأقامنى على قدمى فسمعت المتكلم معى وقال لى يا ابن آدم أنا مُرسلك إلى بنى
إسرائيل إلى أمة متمردة قد تمردت علىّ. هم وأباؤُهم عصوا علىّ إلى ذات هذا اليوم،
والبنون القساة الوجوه والصلاب القلوب أنا مُرسلك إليهم. فتقول لهم هكذا قال السيد
الرب. وهم أن سمعوا وأن امتنعوا. لأنهم بيت متمرّد. فأنهم يعلمون أن نبياً كان
بينهم. أما أنت يا ابن آدم فلا تخف منهم ومن كلامهم لا تخف لأنهم قديس وسُلا
(عليقاً وشوكاً) لديك وأنت ساكن بين العقارب. من كلامهم لا تخف ومن وجوههم لا
ترتعب. لأنهم بيت متمرد. وتتلكم معهم بكلامى أن سمعوا وأن امتنعوا لأنهم متمردون(45)“. وأعطاه الروح درج سفر “مكتوب من داخل ومن
قفاهُ وكُتب فيه مراث ونحيب وويل” وقال لهُ “كُل هذا الدّرج واذهب كلم
بيت إسرائيل. ففتحت فمى وأطعمنى ذلك الدرج.. فأكلته فصار فى فمى كالعسل حلاوة(46)“.

كانت
مهمة ورسالة حزقيال النبى شاقة وثقيلة، فهو كما يقول الروح مُرسل إلى شعب متمرد
وعاصى وصلب الوجه وقاسى القلب، وكانت رسالته مليئة بالويل والمراثى والنحيب، وكانت
يد الرب عليه شديدة ولم يكن أمامه اى مجال للتردد أو الرفض أو القبول، يقول
“فحملنى الروح وأخذنى فذهبت مُرّاً فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة علىّ.
فجئت إلى المسبيين.. وحيث سكنوا هناك سكنت سبعة أيام متحيراً فى وسطهم”. ثم
صار إليه الأمر الإلهى ببدء المهمة قائلاً “أسمع الكلمة من فمى وأنذرهم من
قبلى(47)“.

 

10 دعوة عاموس النبى:

كانت
دعوة عاموس النبى للنبؤة نموذجاً للأختيار الإلهى المطلق والذى لا دخل للإنسان فيه.
يقول الوحى الإلهى أن أمصيا كاهن بيت أيل تآمر على عاموس النبى ووشى به عند الملك
يربعام ملك إسرائيل وطلب منه أن يهرب قائلاً: “أيها الرائى اذهب أهرب إلى أرض
يهوذا وكُل خبزاً وهناك تنبأ. واما بيت إيل فلا تعد تتنبأ فيها بعد لأنها مقدس
الملك وبيت الملك. فاجاب عاموس وقال لامصيا. لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبى بل أنا
راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب أذهب تنبأ لشعبى
إسرائيل”. ثم أكد لهُ أنهُ لا يمكن لى إنسان مهما كان أن يقف أمام إرادة الله
وأختياره الإلهى. فلم يكن عاموس نبياً بالوراثة، ابن نبى، ولم يختار هو أن يكون
نبياً، ولم يختاره أحد ليكون كذلك، وإنما الله هو الذى أختاره بحسب قصده الإلهى
وعلمه السابق وإرادته الإلهية دون تدخل أو توقع من مخلوق ما، ولم يكن فى مقدور أحد
أن يمنعه عن التنبؤ وإعلان إرادة الله “أنت تقول لا تتنبأ على إسرائيل ولا
تتكلم على بيت إسحق. لذلك هكذا قال الرب امرأتك تزنى فى المدينة وبنوك وبناتك
يسقطون بالسيف وأرضك تقسم بالجبل وأنت تموت فى أرض نجسة وإسرائيل يُسبى سبياً عن
أرضه(48)“.

 

ثانياً: دعوة الآباء البطاركة والقادة:

وبنفس
الطريقة والأسلوب الذى أختار الله بهما الأنبياء، المذكورين أعلاه أختار أيضا
الآباء البطاركة والقضاة والقادة وبقية الأنبياء.

كان
الجميع مختارين بحسب قصد الله الأزلى ومشورته الإلهية وعلمه السابق دون توقع من
المدعوين للخدمة أو من غيرهم، وفيما يلى نذكر فى إيجاز دعوة جميع مختارى الله
الذين ورد ذكرهم فى العهد القديم:

v فى دعوة
الله لنوح يقول الكتاب “فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض
أمتلأت ظلماً منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. أصنع لك فلكاً من خشب جفُر.. فها أنا
آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء.. ولكن أقيم
عهدى معك(49)“.

v وفى دعوة
إبراهيم يقول “وقال الرب لآبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى
الأرض التى أريك. فأجعلك أمةً عظيمة وأباركك وأعظم إسمك. وتكون بركة
وتتبارك
فيك جميع قبائل الأرض فذهب أبرام كما قال لهُ الربُ”(50).

v وعندما أراد
إسحق الذهاب إلى مصر بسبب الجوع “ظهر لهُ الرب وقال لا تنزل إلى مصر
تغرب فى
هذه الأرض (كنعان). فأكون معك وأباركك
وأفى بالقسم الذى
أقسمتُ لإبراهيم أبيك. وأكثر نسلك كنجوم السماء
وتتبارك فى
نسلك جميع أمم الأرض”(51).

v وفى بيت إيل
ظهر الله فى حلم ليعقوب ووعده بنفس الوعد الذى وعد به إبراهيم وإسحق، وأضاف
“أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق
وها أنا
معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض. لأنى لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك
به”(52).

v وكشف الرب
ليوسف فى أحلامه ما سيكون عليه فى المستقبل من سيادة على أخوته، حيث رأى نفسه مع
أخوته “حازمون حُزماً فى الحقل” وأن حزم أخوته سجدت لحزمته، كما حلم أن
الشمس والقمر واحد عشر كوكباً ساجدة لُه. فقال لهُ أخوتهُ “ألعلك تملك علينا
ملكاً أم تتسلط”، وقال لهُ أبوه “هل نأتى أنا وأمك وأخوتك لنسجد لك إلى
الأرض”(53).

v وكان اختيار
هارون وبنيه للكهنوت اختياراً إلهياً من الله مباشرة، قال الله لموسى النبى
“وقرب إليك هرون أخاك وبينه من بين بنى إسرائيل ليكهن لى”(54)، وكما جاء فى سفر أخبار الأيام” وأُفرز هرون
لتقديسه قدس أقداس هو وبنوهُ إلى الأبد ليوقد أمام الربُ ويخدمهُ ويبارك أسمه إلى
الأبد”(55).

v واختيار
الله “لرئيس رؤساء اللاويين ألعازار بن هرون وكالةُ حُراس حراسة القدس”(56).

v وعندما
أختار الله يشوع بن نون ليحل محل موسى النبى “قال الرب لموسى خذ يشوع بن نون
رجلاً فيه روح وضع يدك عليه وأوقفهُ قدام ألعازار الكاهن وقدام كل الجماعة وأوصه
أمام أعينهم. وأجعل من هيبتك عليه لكى يسمع لهُ كلُّ جماعة بنى إسرائيل
حسب قوله
يخرجون وحسب قوله يدخلون”(57). وبعد موت موسى النبى
“أنّ الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبدى قد مات. فالآن قم
أعبر هذا الأردن
لا يقف إنسان فى وجهك كل أيام حياتك. كما كنتُ
مع موسى أكون معك. لا أهُملك ولا أتركك”(58).

v وكان اختيار
الله للقضاه الذين حكموا فيما بين يشوع وصموئيل النبى، أو كما يقول القديس بولس
بالروح “وبعد ذلك (أى بعد يشوع) فى نحو أربع مئة وخمسين سنة أعطاهم قضاة حتى
صموئيل النبى”(59)، بنفس الطريقة أيضاً،
“فأقام الرب مخلّصاً لبنى إسرائيل فخلصهم، عثنيئيل بن قناز
فكان عليه
روح الرب وقضى لإسرائيل”(60)، “فأقام لها الرب
مخلصاً أهود بن جيرا البنيامينى”(61)، “فكان
روح الرب على يفتاح”(62) وبشر ملاك الرب والده شمشون
وقال لها “فها أنت تحبلين وتلدين أبناً ولا يعلُ موسى رأسهُ لأن الصبى يكون
نذيراً لله من البطن”(63).

v وأختار الله
شاول بن قيس ليكون أول ملكاً لإسرائيل وقال لصموئيل النبى “غداً فى مثل الآن
أرسل إليك رجلاً من أرض بنيامين. فأمسحه رئيساً لشعبى إسرائيل”(64). يقول القديس بولس الرسول “ومن ثم ُ طلبوا ملكاً
فأعطاهم الله شاول بن قيس رجلاً من سبط بينامين أربعين سنة”(65).

v وفى نهاية
أيام سليمان الحكيم أعلن الله عن حتمية انقسام المملكة من بعده فأمسك أخيا
الشيلونى النبى برداء يربعام بن ناباط، عبد سليمان الذى أقامهُ ليربعامك خذ لنفسك
عشرة قطع. لأنه هكذا قال الربُ إله إسرائيل هأنذا أمزقُ المملكة من يد سليمان
وأعطيك عشرة أسباط”(66).

v ويظهر إيليا
النبى فى سفر الملوك معلناً أنه يقف أمام الله وأنه مكلف بإبلاغ رسالته، فقال
لأخاب الملك “حى هو الرب إله إسرائيل الذى وقفتُ أمامه أنه لا يكون طل ولا
مطر فى هذه السنين إلا عند قُولى. وكان كلام الرب لهُ قائلاً
(67).

v ولما أوشكت
مهمة إيليا على الإنتهاء قال لهُ الربُ “أمسح إليشع بن شافاط من أبل محولة
نبياً عوضاً عنك.. فذهب من هناك يوجد إليشع بن شافاط يحرث وأثنا عشر فدان بقر
قدامهُ وهو مع الثانى عشر قمر إيليا به وطرح رداءه عليه. فترك البقر وركض وراء
إيليا”(68).

v ومسح إليشع
النبى ياهو بن يهوشافاط ملكاً على إسرائيل، بواسطة أحد بنى الأنبياء، بنفس الطريقة
التى مسح بها صموئيل النبى داود ملكاً، يقول الكتاب “ودعا إليشع النبى واحداً
من بنى الأنبياء وقال لهُ شد على حقويك وخذ قنينة الدهن هذه بيدك وأذهب إلى راموت
جلعاد وإذا وصلت إلى هناك فأنظر هناك يا هو بن يهوشافاط بن نمشى وأدخل واقمهُ فى
وسط أخوته وأدخل به إلى فخدع داخل مخدع ثم خد قنينة الدهن وصب على رأسه وقال هكذا
قال الربُ قد مسحتك ملكاً على إسرائيل”(69).

v وعند عودة
عزرا الكاهن والكتاب إلى أورشليم على رأس مجموعة من العائدين من السبى يقول
“وأما أنا فقد تشددّت حسب يد الربّ إلهى على وجمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا
معى”(70).

v وعندما عاد
نحميا أيضا ليبنى أسوار أورشليم يقول “يد إلهى الصالحة علىّ(71)“.

v واختار الله
دانيال ليعلن من خلاله “المرسوم فى كتاب الحق(72)“،
وما سيكون “فى الأيام الأخيرة(73)“.

v وتبدأ جميع
أسفار الأنبياء الأثنى عشر، الصغار، بمقدمات تدل على التكليف الإلهى المباشر
للأنبياء: “قول الرب الذى صار إلى…”، “كلمة الرب التى صارت
إلى”، “وصار قول الرب إلى” ويذكر اسم النبى(74).

 

ثالثاً: الدعوة للرسولية واختيار التلاميذ فى العهد الجديد:

يفتتح
العهد الجديد فى الإنجيل للقديس لوقا ببشارة الملاك لزكريا الكاهن بميلاد يوحنا
المعمدان ليتقدم أمام الرب ويهئ له شعباً مستعداً(75)،
وذلك بطريقة قريبة من البشارة بإسحق والبشارة بميلاد شمشون، مؤكداً الأختيار
الإلهى المبنى على قصد الله وعلمه السابق.

وكان
أختار السيد المسيح لتلاميذه ورسله، سواء فى بداية خدمته أو بعد قيامته، مبنياً
على أساس الأختيار الإلهى السابق الذى لا دخل لإنسان فيه كقوله لتلاميذه “ليس
أنتم أخترتمونى بل أنا أخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.. أنا
أخترتكم من العالم(76)“. يقول الإنجيل للقديس متى
“ثم دعا تلاميذه الأثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها
ويشفوا كل مرض وكل ضعف(77)“، ويقول الإنجيل للقديس
لوقا وبعد ذلك عيّن الربُّ سبعين آخرين أيضا وأرسلهم أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل
مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتى(78)“.

وتبين
الطريقة التى أختار بها تلاميذه كأفراد ودعوته لهم ليتبعوه ويكونوا رسله إلى
العالم أجمع أنه لم يكن لهم شخصياً أى دخل فى هذا الأختيار الإلهى المطلق المبنى
على قصده الإلهى وعلمه السابق فيذكر الإنجيل أنهُ عندما كان ماشياً عند بحر الجليل
أبصر سمعان بطرس وأندراوس أخاه يصطدان فى البحر، وبدون مقدمات “قال لهما هلم
ورائى فأجعلكما صيادى الناس”، هكذا دعاهما دون مقدمات أو تمهيد سابق.. وأمام
هذه الدعوة الإلهية لم يتردد الأخوان وقبلاها على الفور، يقول الكتاب “فللوقت
تركا الشباك وتبعاه(79)“، ونفس الشئ حدث مع يعقوب
بن زبدى ويوحنا أخاه، يقول الإنجيل إنهما كانا “فى السفينة مع زبدى أبيهما
يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه(80)“،
ونفس الأسلوب تم مع القديس متى الذى كان “جالساً عند مكان الجباية”،
“فقال له أتبعنى فقام وتبعه(81)“، ومع القديس
فيلبس و”قال له أتبعنى” فآمن فيلبس فى الحال بأنه المسيح الآتى إلى
العالم وذهب ليحضر نثنائيل “وقال له وجدنا الذى كتب عنه موسى والأنبياء”،
ولما “رأى يسوع نثنائيل مقبلاً إليه فقال عنه هوذا إسرائيل حقاً لا غشّ فيه.
قال لهُ نثنائيل من أين تعرفنى، أجاب يسوع وقال له قبل أن دعا لك فيلبس وأنت تحت
التينة رأيتك. أجاب نثنائيل وقال له يا مُعلم أنت ابن الله(82)“،
وقبل الاثنان دعوة السيد على الفور.

وكان
أبرز مثال فى العهد الجديد للأختيار الإلهى غير المتوقع من الإنسان هو اختيار شاول
الطرسوسى الذى صار بولس الرسول. كان شاول يهودى متعصب وخصم عنيد للمسيحية، بل وكان
من أعدى أعدائها ومضطهديها ولم يكتف باضطهادها فى فلسطين واليهودية بل وكان ذاهباً
بأوامر من رؤساء الكهنة للقبض على المؤمنين بها وفى دمشق ول “يسوقهم مُوثقين
إلى أورشليم(83)“، وعرفه المؤمنون بفاعل الشرور فى
القديسين. ولكن إرادة الله كانت ترى غير ما يراه البشر رغم قداستهم، فقد كان مضطهد
المسيحية هذا بالنسبة للرب يسوع المسيح “إناءً مختاراً” حتى قبل أن يصور
فى بطن أمه، وكان من ضمن “الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم”. وظهر لهُ فى
الطريق إلى دمشق وقال له “شاول شاول لماذا تضطهدنى. فقتل من أنت يا سيدّ.
فقال الرب أنا يسوع الذى أنت تضطهدهُ. صعب عليك أن ترفس مناخس (أى تقاومنى). فقال
وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن أفعل. فقال له الربُّ قُم وأدخل المدينة
فيقال لك ماذا ينبغى أن تفعل”، وقام “شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح
العينين لا يبصر أحد”، ولما طلب الرب من تلميذه حنانيا، فى رؤيا أن يذهب إليه
لكى يبصر قال حنانيا “يا رب قد سمعت من كثيرين أن هذا الرجل كم من الشرور فعل
بقديسيك فى أورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون
بأسمك. فقال له الربُّ أذهب. لأن هذا لىّ إناء مختار ليحمل أسمى أمام أمم وملوك
وبنى إسرائيل. لأنى سأريه كم ينبغى أن يتألم لأجل أسمى(83)“.

تحول
شاول الطرسوسى إلى بولس رسول الجهاد الذى حمل اسم المسيح وبشر به كما يقول وبالروح
“من أورشليم وما حولها إلى اللير يكون(84)“.

ويقول
القديس بولس الرسول بالروح عن هذا الأختيار الإلهى السابق والتحول الذى حدث لهُ من
الربّ مباشرة “إنى كنتُ أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها. وكنت أتقدم فى
الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي فى جنسي إذ كنتُ أوفر غيرة فى تقليدات
آبائي. ولكن لما سرّ الله الذى أفرزنى من بطن أمىّ ودعانى بنعمته أن يعلن أبنهُ
فىّ لأُبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ودماً ولا صعدتُ إلى أورشليم إلى
الرسل الذين قبلى(85)“،كما يؤكد أن دعوته، رسوليته،
لا دل لإنسان فيها على الإطلاق وإنما هو مدعو من الله مباشرة “بولس رسول لا
من الناس ولا بإنسان بل يسوع المسيح والله الآب(86)“،
“بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله(87)“،
“بولس رسول يسوع المسيح بحسب أمر الله مخلصاً(88)”.

 

(1) يو 16: 15،19

(2) يو 18: 13

(3) يو 8: 6

(4) عا 14: 7،15

(5) رو 29: 8

(*) غل 16: 1،17

(6) أر 5: 1

(7) خر 6: 1؛ 1: 2-10

(8) أع 22: 7

(9)

(10) خر 4: 3

(11) خر 10: 3

(12) خر 11: 3؛ 1: 4

(13) خر 10: 4-12

(14) خر 13: 4

(15) خر 14: 4-17

(16) خر 22: 5

(17) خر 12: 6،30

(18) تث 10: 34-12

(19) أع 22: 7

(20) قض 12: 6

(21) قض 13: 6

(22) قض 14: 6-16

(23) 1صم 26: 2

(24) 1 صم 1: 3

(25) 1صم 7: 3

(26) 1صم 4: 3-11، 19-21

(27) أع 22: 13

(28) 2صم 2: 23

(29) 2صم 2: 23

(30)

(31) 1صم 14: 13

(32) أش 1: 6-8

(33) أر 4: 1-10

(34) 2صم 12: 7-14

(35) 1أخ 5: 28،6

(36) 1مل 5: 3-9

(37) 1مل 12: 3

(38) 1مل 30: 4-34

(39) يون 1: 1-3

(40) 2مل 25: 14

(41) يون 2: 4

(42) يون 17: 1

(43) يون 1: 4-3

(44) حز 28: 1

(45) حز 1: 2-7

(46) 1: 3،3

(47) حز 14: 3،15،17

(48) عا 10: 7-15

(49) تك 13: 6-18

(50) تك 1: 12-4.

(51) تك 1: 26-5.

(52) تك 12: 28-15.

(53) تك 5: 27-9.

(54) خر 1: 28.

(55) 1 أخ 13: 23.

(56) عدد 32: 2.

(57) عدد 18: 27-23.

(58) يش 1: 1-5.

(59) 1 أع 20: 13.

(60) قض 9: 2،10.

(61) قض 15: 3.

(62) قض 4: 4.

(63) قض 5: 13.

(64) 1 صم 16: 9.

(65) أع 21: 13.

(66) 1 مل 29: 11-31.

(67) 1 مل 1: 17،2.

(68) 1 مل16: 19-18.

(69) 2 مل 1: 9-6.

(70) عز 28: 7.

(71) نح 18: 2

(72) دا 10-21

(73) دا 10: 13

(74) أنظر هو 21: 1؛ يؤ 1:
1؛ يون 1: 1؛ ميخا 1: 1؛ صف 1: 1؛ حج 1: 1؛ زك 1: 1، ملا 1: 1

(75) لو 13-17

(76) يو 16: 15،19

(77) متى 1: 10

(78) لو 1: 10

(79) متى 19: 4

(80) متى 21: 4،22

(81)

(82) يو 43: 1-49

(83) أع 1: 9-16

(83)

(84) رو 20: 15

(85) غل 13: 1-17

(86) غل 1: 1

(87) أف 1: 1؛ كو 1: 1؛ 2تى
1: 1

(88) 1تى 1: 1

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى