علم الانسان

إعاقتي، تجربة أم عقاب من الله؟



إعاقتي، تجربة أم عقاب من الله؟

إعاقتي، تجربة أم عقاب من الله؟!

يُبعِثَ إليّ من خلال
الايميل العديد من التساؤلات المختلفة عن جوانب متعددة تلمس تخصصي في علم النفس
بعضها عن الاضطرابات النفسية أو الإعاقات باختلاف أنواعها أو.. الخ، وأقوم بالرد
عليها في حدود ما يسمح به الرب وتدبيره لي..

 

إلا إنني تلقيت سؤال
جعلني أتوقف لفترة ما أمامه، وقفت أمام هذا السؤال عاجزاً عن كيفية أجابته أو حتى
مَنْ الذي يمكنني سؤاله ليرشدني إلى إجابة له، وهذا السؤال هو:

 

كيف أعرف أن الإعاقة
الموجودة عندي بسبب حادث سيارة هل هي تجربة أم عقاب من الرب؟

 

قلت في نفسي يمكنني أن
أرسل رداً لصاحب هذا السؤال أن يسأل أحد الخدام أو الآباء الكهنة أو أي متخصص في
الدين إلا انه جاء على بالي جواباً أثناء التفكير في إجابة ذلك السؤال يمكنني أن
أبعث به إليه، فقلت أكتبه فإن أقتنع صاحب السؤال بردي أكون بذلك نجحت في الجواب،
أما إن أخفقت في إجابتي فيكفيني شرف المحاولة، وعليه أن يوجه السؤال لمن فكرت أن
أسألهم لجوابه..!

 

لديّ قصة حقيقية عن شاب
يبلغ من العمر الآن 24 عاماً أود أولاً أن أذكرها قبل إجابتي لهذا السؤال شديد
الصعوبة، والذي لم أتعرض لسؤال أصعب منه حتى الآن في تخصصي، سوف أختصر في روايتي لتلك
القصة والتي تشمل موقف غيَّر مسار حياة كان يتمناها هذا الشاب، لحياة أخرى لم يكن
يتوقعها يوماً لنفسه..

 

ولد هذا الشاب بعيب
خلقي في أحدى عينيه فهو لا يرى إلا بعين واحدة فقط أما العين الأخرى بها حالة ضمور
ولا ترى حتى الضوء، وآخر الأطباء المعالجين لحالة هذا الشاب قالت له: “لا
تتعب نفسك يا أستاذ، فالعين لم تتخلَّق أصلاً! أي لم يكتمل تكوينها ولا يوجد علاج
لها، كما أنك ترى إلى حد جيد بعين واحدة ولا داع للقلق والسعي نحو عمل عمليات غير
مجدية”.

 

لن أطيل وأذكر مواقف
تعرض لها هذا الشاب في طفولته أو دراسته أو غيرها من مواقف في حياته قد أثر فيها
فقدانه لعينه -والتي لم يفقدها نتيجة حادثة- تأثيراً سلبياً عليه، فأصلاً لم يرد
الرب أن يولد بكلتا عينيه.

 

كان حلم هذا الشاب
يوماً أن يحصل على مؤهل متوسط (دبلوم صناعي) قسم تكييف وتبريد، فذهب مع أبيه
للتقديم في المدرسة الصناعية فقابل مدرس هناك قال لهذا الشاب انه سوف يرسب في
الكشف الطبي عند تقديم أوراقه بسبب عينه، فلماذا لا يلتحق بالثانوية العامة
فمجموعه جيد ويمكن أن يكون له مستقبل باهر.

 

خرج الشاب محطماً
باكياً فتلك الإعاقة قد منعته من تحقيق حلمه، فحلم حياته قد تحطم، ولماذا كان هذا
حلماً جميلاً له هذا ما لا لم يجد له تفسير حتى الآن..؟!

 

المهم أضطر الشاب أن
يلتحق بالثانوية العامة ونجح وحصل على مجموع جيد، وكان لديه حلماً جديداً أن يدخل
كلية التربية ليكون مدرساً إلا أن مجموع كلية التربية كان أعلى من مجموعه الذي حصل
عليه وقتذاك بمقدار 0.5 %، فالتحق بكلية الآداب جامعة عين شمس، وكان ينوي أن يكتب
في التنسيق الداخلي للرغبات قسم التاريخ، وصلى للرب أن يوفقه في ذلك ليلة كتابته
الرغبات في التنسيق الداخلي، إلا انه وهو يكتب الرغبات وجد يديه وبشكل لا شعوري
تكتب أول الرغبات قسم علم النفس وليس التاريخ، فحاول طمأنة نفسه بأنه لن يدخل علم
النفس لان شروطه غير منطبقة عليه، إلا أن الله قد أراد أن يُقبَل في قسم علم
النفس، ومرت سنوات هذا الشاب داخل الكلية بسلام وكان أول دفعته وأراد له الرب أن
يكون معيداً بقسم علم النفس كلية الآداب جامعة عين شمس.

 

ليس ذلك فحسب بل منعته
إعاقته عن تحقيق أحلاماً كثيرة كان يتمنى حدوثها ولم تتحقق.. ولكن كان لعدم تحققها
فوائد ملموسة في حياته، ربما لا يلمس كل فوائدها الآن ولكن بالتأكيد سوف يثبت له
المستقبل ذلك.

في الواقع إن هذا الشاب
هو كاتب هذه السطور..!

 

إن الإعاقة في رأيي
الخاص يا أخي الحبيب السائل ليست تجربة أو عقاب من الرب، وإنما هي تدبير إلهي
فالرب لا يريد أن يعاقبنا فهو ليس بعقليتنا البشرية المحدودة كي ينتهز فرصة
ليعاقبك على خطية أو ذنباً اقترفته يوماً..

 

كل ما في الأمر فهو له
تدبيره الخاص جداً ومنطقه الفريد، والذي قد لا ندركه في وقتاً قصيراً، فالوقت الذي
وصلتني فيه رسالة الله لي بأن ما يرغبه لي أفضل مما كنت أريده أنا في وقت ما ليس
أياماً بل سنوات، لا تتعجل فهذا التدبير الإلهي له منطق قد لا تفهمه الآن ولكن سوف
تفهمه حتماً جيداً فيما بعد.

 

وإذا كنت يا أخي الحبيب
السائل تعتبر أن الإعاقة هي تجربة أو عقاب من الله فعليك أن تعلم أن التجارب هي
امتحان للإيمان ولا تكون فوق طاقتنا.

 

وكما يقول الكتاب
المقدس:

– “لكي تكون تزكية
إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار” (رسالة بطرس الأولى
7: 1). ويقول أيضاً: “لم تصبكم تجربة إلا بشرية، ولكن الله أمين الذي لا
يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن
تحتملوا” (رسالة كورنثوس الأولى 13: 10).

 

أما إذا كنت قد شعرت
بسلام الآن، فلا تنسى إنه قد نقشنا على كفه من يمسنا يمس حدقة عينه، فكيف يمسنا هو
بسوء.. ” فإذا قلت أنك لست تراه، فالدعوى قدامه، فأصبر له” (أيوب 14:
35).

طلعت حكيم – معيد بقسم
علم النفس – كلية الآداب – جامعة عين شمس

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى